رواية صدفة ام قدر (العشق الخماسي) الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم سميه عبد السلام



رواية صدفة ام قدر (العشق الخماسي) بقلم سميه عبد السلام





 #صدفة_ام_قدر

#العشق_الخماسي

بسم الله الرحمن الرحيم.

البارت 39 (المتعة لم تبدأ بعد)

إن رميتني بسهمٍ و عُدت تخبرني انكَ لم تكن تقصد لـ سامحتك لكن أن اصبت اخي بخدشٍ فـ لن اعود إلا بقتـ.ـلك، نحن الأشقاء جميعًا كيانًا واحد و روحًا واحدة فقط تختلف الأجساد، لذا احذر ان تقترب من احدنا و إلا انقض عليك الباقي كما ينقض الأسد على فريسته غارزًا انيابه فيها، يأكل منها بأستمتاع.

يقود سيارته بأقصى سرعة لا يهمه كَمْ المخالفات التي تلاقها نتيجة سرعته المهولة غافلًا عن تلك المسكينة التي ترتعد أوصالها و هي تراه هو و الجنون شيئًا واحد الآن.

همست «قدر» لنفسها وهي تشعر بالندم مردفة:

"و هو يعني ما لقتش غير ادهم و اقوله كان لازم اعمل فيها ناصحة عشان ما اقلقش حد من البيت ماكنت قلت لـ رحيم وهو كان اتصرف"

تذكرت «قدر» وهي تجلس في الحديقة على احد الكراسي بحجة المذاكرة لكن عقلها انشغل بما فعلته لذا اتخذت قرارها بأنها ستخبر «ادهم» او «سليم» بكل شيء، انتظرت عودة «سليم» اولًا بعد صلاة التراويح و كم تمنت لو انه هو من يحضر لا «ادهم» الذي لم يعد حتى الآن من الشركة بعد ان طلب من ابن عمه الذهاب و تركه هو يكمل العمل.

دقيقة اثنان ورأت «قدر» «ادهم» يترجل من البوابة الحديدية المفتوحة على مصرعيها و يبدو عليه الانهاك لذلك لم ينتبه لوجودها إلا عند منادتها له، وقف ينظر لها حتى وصلت إليه، انتظر ان تتحدث او تقول اي شيء لكن لا ظلت صامتة تعبث بأصابع يديها الاثنتين تارة و تارة اخرى تهندم من شكل حجابها المعتدل من الأساس بدت متوترة للغاية فكم صعب عليها هذا الأمر ان تقوله، لكن ألم يكن صعب عندما فعلته؟ يالا السخافة!

"ما انتِ لو مش هتتكلمي ادخل انام، بدل تمثال الحرية اللي عماله ده"

تمتم «ادهم» بعدما نفذ صبره من ان تتحدث و علق ساخرًا لكن هذا ما ذادها إلا إرباك و توتر لتسحب نفسًا من الهواء الطلق و بعدها اخرجته على مهل و تحركت شفتيها اخيرًا معلنة عن خروج الكلمات:

"ادهم، انا اللي خدت الورق من..."

وقبل ان تكمل دق هاتفها يقطع هذه اللحظة لتتبخر الكلمات من فاه «قدر» و انتهت جرعة الحماس و الشجاعة التي تلقتها من خلال تحفيز نفسها بالكلمات بأنها لم تكن على دراية بتلك العداوة بين «طارق» و ابناء عمها و كذلك لم تكن تعرف بماذا تحتوي تلك الأوراق،لم يكن الهاتف وحده من يدق بل كان قلبها كذلك ومن شدة اضطرابه تكاد تسمع نبضاته المتسارعة كأنها في سباق.

انتهت مدة المكالمة الأولى لتأتي بأخرى لم يأتي بمخيلة «قدر» انها من الممكن ان تقوم بالرد على هاتفها بدلًا من تركه يرن فقط، حتى اردف«ادهم» بتعجب:

"طب على الأقل ردي على التليفون بدل ما هو عمال يرن كده"

"اه اه دي البت سلمى..شكلها بترن عشان تطمني عملت ايه في الامتحان بتاعها"

لم يهتم كثيرًا بل تركها و ذهب حتى يتركها تتحدث على راحتها مع صديقتها وبعد ان صعد درجات السلم الصغير و قبل ان تخطو قدمه داخل المنزل سمع «قدر» تقول بصوت عالي ظهر فيه خوفها وفزغها مما سمعته في الهاتف.

"سليم في المستشفى؟!طب خليك جمبه يا سلمى انا جاية حالًا"

و بعد ان اغلقت المكالمة وجدت «ادهم» يحثها على الخروج و الصعود لسيارته حتى من قبل ان يتأكد من ان ما سمعه صحيح ام لا او ربما انه «سليم» غير ابن عمه.

"احنا اه رايحين المستشفى بس ممكن نروح سُلام عادي مش لازم متكسحين"

اردفت بخوف من قيادته المجنونة تلك، لكن هو تجاهل حديثها و اردف بتسأل وهو مازال مثبت بصره على الطريق:

"هي قالت لك في مستشفى إيه"

حمحمت «قدر» وعلى وجهها بسمة بلهاء مردفة بجدية:

"لأ ماعرفش هي قالت ان سليم في المستشفى و انا قلت لها انا جاية حالًا وبعدين قفلت السكة، بسمعهم بيقولوا كده في الافلام ماعرفش ان بيبقا لسه في تكملة للمكالمة"

توقفت السيارة على حين غرة لتندفع «قدر» بجسدها للأمام، بينما هو يقضم شفتيه بغيظ من هذه الحمقاء الجالسة بجواره يرمقها بنظرات حادة لتقول هي بخوف حقيقي مع تعابيرات وجهها المضحكة مشيرة بأصبع يدها اليمنى على وجه «ادهم» مردفة:

"انت بتعض شفايفك ليه؟! ادهم انت بتسنن؟"

اغمض عينيه بقوة ثم اردف بضيق:

"رني عليها و اعرفي منها هما في انهي زفت مستشفى"

بالفعل هذا ما فعلته و بعد ان املت له «قدر» عنوان المشفى عاد يشغل السيارة من جديد مع ملامح الضيق على وجهه لكن عندما نظر لها بطرف عينه ورأى انها منشغلة مع الطريق، ابتسم من تصرفاتها الهوجاء و ردودها العفوية.

بنفس التوقيت، تحركت «ياسمين» مسرعة لفتح الباب تحث الطارق على الانتظار و التمهل حتى ترتدي حاجبها، ظل وجهها ثابت وهي ترى «والدة اسامة» تقف امامها و بين يديها طبق به بعضًا من الحلويات الشرقية وعلى وجهها ابتسامة مشرقة.

"ازيك يا قمر، انا جارتك اللي في الشقة اللي قصادكم، شكلكم لسه سكان جداد للعمارة و النبي وصى على سابع جار ودي حاجة بسيطة من خالتك ام اسامة"

انهت حديثها وهى تمد يدها بالطبق و عيناها منصبة على حركة ايدي «ياسمين» لغرض ما في عقلها، لكن لم تأخذ «ياسمين» منها الطبق بل اردفت بأعتذار:

"انا اسفة بس مش هقدر اخد من حضرتك الطبق"

"كده تكسفي أيدي يا.. إلا هو انتِ اسمك ايه"

حمحمت «ياسمين» مردفة بأختصار لتحاول ان تنهي هذا النقاش لأنها لا تحب التحدث مع الغرباء ولا تثق بهم بسهولة رغم انها شخصية طيبة القلب و حسنة الخلق.

"ياسمين..اسمي ياسمين ياطنط"

"اكيد طبعًا لازم يكون اسمك ياسمين ما القمر ده مايلقش عليه غير الورد"

احمرت وجنتيها من سماعها هذا الاطراء رغم ملامح وجهها المنطفأة و ابتسمت مردفة بهدوء:

"عيون حضرتك هي اللي جميلة"

"طب ايه هتكسفي ايدي بردو ومش هتاخدي الطبق"

لم ترِد «ياسمين» ان تبدو وقحة ولم تعترض اكثر بل مدت ذراعيها تأخذ منها الطبق اثناء قولها لها بأمتنان:

"شكرًا تسلم ايدك"

اختفت الابتسامة مع على وجه «والدة اسامة» بعد ان رأت ذلك الخاتم الذهبي المزين أصبع يدها اليمنى، لتقول وهي لم تقدر على ان تخفي ضيقها:

"طب ياريت لما الطبق يفضى تجيبيه"

رحلت وعقدت «ياسمين» حاجبيها مردفة بأستنكار:

"مالها الست دي قلبت مرة واحدة كده ليه"

"عملتي اللي في دماغك و ارتحتي"

تمتمت بها «خديجة» شقيقتها لتعبر عن ضيقها ثم سمعتها تقول بضيق و صوت مختنق:

"لأ ما ارتحتش البت لابسة دبلة في ايدها اليمين طلعت مخطوبة"

ابتهج وجه «خديجة» مردفة بأبتسامة شامتة:

"احسن عشان اللي بتعمليه ده غلط"

اردفت شقيقتها بتذمر:

"ياخديجة انتِ معايا ولا ضدي؟"

اردفت «خديجة» بجدية و هدوء:

"انا مع العقل و العقل بيقول اسامة مستحيل يقبل يتجوز كده، انتِ بالطريقة دي بتفرضي عليه الجواز و ناسية ان أسامة كبر و بقا راجل و لو كان عايز يتجوز كان عاملها من زمان"

عبثت ملامحها بحزن و حسرة على حال أبنها الوحيد مع قولها البائس:

"يعني اسيبه يعيش كده من غير جواز و خلفة انا نفسي اطمن عليه قبل ما امو.ت"

رفعت «خديجة» حاجبها بأستهزاء مردفة بصراحة دون تجميل الحديث:

"بقولك ايه ياختي، ماتسيبك من جو افلام التسعينات ده عشان موضوع انك عايزة تطمني عليه و تشوفي خلفته مش لايق عليك ما تيجي سكة و دوغري كده وقولي عايزة اسامة يتجوز ليه"

جف حلقها وهربت بعينيها بعيدًا عن شقيقتها مردفة بتلعثم:

"اي السؤال ده، ده ابني و نفسي اشوفه فرحان"

تنهدت «خديجة» قبل ان تقول:

"اقول لك انا طالما مش عايزة تقولي، انتِ عايزة اسامة يتجوز اي واحدة و خلاص و مش مهم هي مين، و مش مهم ابنك بيحبها ولا لأ المهم انه يتجوز عشان تعرفي البنت اللي اسمها نرجس انه هو كمان خطب زيها و هيتجوز وهي مش في باله مع العلم ان ابنك حبها و كتم الحب ده في قلبه يعني البنت ملهاش ذنب ابنك اللي غلط لما اتأخر و ما اتقدمش هو و لسه غلطان بردو عشان معلق نفسه بحبال دايبة"

"يعني انتِ شايفة اعمل ايه يا خديجة ياختي"

تمتمت «والدة اسامة» بحزن ويأس لتسمع شقيقتها تقول بهدوء مع بسمة صغيرة:

"سيبي ابنك هو اللي يختار ولحد ما ده يحصل ادعي ربنا يخرج البنت دي من قلبه و يرزقه احسن منها"

بغرفة «اسامة» كان يجلس على فراشه وبجانبه «انس» الذي قال:

"دماغي مصدعة اوي"

عرض عليه «اسامة» ان يحضر لها برشام مسكن لكن الاخر رفض بحجة انه اخذ منذ قليل ليرمقه «اسامة» بنظرة متشككة أثناء قوله:

"انس هو انت روحت فين؟ اصلي وانا بصلي التراويح في المسجد ما شفتكش"

"ها، لأ ده انا خرجت اشم شوية هوا قلت بدل الحبسة في الاوضة هنا وبعدين عديت على قبر إسراء سلمت عليها وقريت ليها الفاتحة وبعدين صليت في مسجد كان قريب منها"

كان بحديثه شيء ناقص، وذلك لأنه اقتص الجزء الخاص بأنه ذهب من اجل احضار بعد العقاقير المخد.رة التي يتعاطها.

"انس انا وعدتك انك لو بطلت القرف ده انا هبقا معاك و اقف في ضهرك بس لو عرفت انك لسه بتاخده اعرف انك ملكش ابن خالة اسمه اسامة"

ضحك «انس» بتوتر وهو يغير مجرى الحديث بقوله:

"خلاص ياعم الواصي، سيبك مني بقا و خلينا فيك"

اخفض «اسامة» رأسه يتطلع على جسده اثناء قوله بمراوغة:

"مالي ما انا زي الفل اهو"

"نرجس يا اسامة"

ظهر الجمود على وجهه وهو يقول:

"مالها"

وضع «انس» يده على كتفه مردفًا بحنين:

"مش ناوي تطلعها من قلبك بقا و تشوف نفسك، ليه مصر انك تعذب نفسك على الفاضي انا كل يوم بمو.ت من الحزن على فراق إسراء بس بحاول اتأقلم"

نهض «اسامة» من مضجعه يبتسم بقهر ممزوج بالألم يشعر أنه يتنفس من خرم إبرة وان الكون بكل وسعه هذا لا يتسع له و ضلوع قفصه الصدري تتآكل من شدة الضيق مردفًا بعجز:

"ما تتكلمش عن الحزن و انت ماجربتش تفضل عمرك كله كاره فكرة الارتباط ويوم ما تختار حد... يكون مش ليك"

لم تكن مجرد كلمات متراصة بجانب بعضها بل هو نوع جديد من أنواع المعاناة و الألم نوع يسمى «الحب من طرف واحد» حب يستنزف قواك و يجعلك هش ضعيف نسمة رياح قادرة على ان تجعلك تتبخر و تتلاشى كأنك نار بعد ان احترقت و تحولت إلى رماد حمله الهواء في جوفه، و تصرخ بداخلك لكن لا احد يسمعك حتى الشخص الذي أحببته ومن اجله خلقت هذه المعاناة.

اخفض «انس» رأسه بعد ان اجتمعت الدموع بعيونه ثم رفعها من جديد و اقترب من ابن خالته الواقف يعطيه ظهره مردفًا بحزن دفين اخرجه في شكل حروف و كلمات:

" ممكن الحزن يختلف في شكله بس الوجع واحد يا أسامة" 

استدار «اسامة» سريعًا و سحب «انس» في عناق قوي وترك كلاهما دموع عينيهما تذرف الدموع بحرية، و لم يقطع لحظتهم تلك إلا رنين جرس الباب. 

___'___'___'___'___'___'___'___'___'__'

كان يسير لا بل يركض في رواق المشفى وخلفه «قدر» تحاول اللحاق به، رأى «ادهم» «سلمى» تقف في الممر ويبدو عليها الخوف والقلق بشدة، اقترب منها مردفًا بلهفة:

"سليم فين؟"

رفعت انظارها تطالعه بعينيها الحمراء من شدة البكاء كأنها انتظرت هذا الحادث حتى تفضي بكل ما بجعبتها ناطقة بوهن مشيرة على احدى الغرف:

"جوا في الاوضة دي بيخيطوا له الجرح"

وصلت لهم «قدر» جعدت جبينها بقلق هي الأخرى من هيئة «سلمى» لتأخذها بين ذراعيها في محاولة منها ان تهدئها وهذه المرة لم تستطع «سلمى» إخفاء عواطفها او حتى إنكارها بل تركت العنان لدموعها الحبيسة تبكي بصمت لكن هذا سبب الازعاج لـ «ادهم» الذي يتابعهن في صمت ورغمًا عنه خرج صوته منفعلًا بعض الشيء:

"مش وقت عياط انا عايز اعرف ايه اللي حصل"

فتحت «قدر» عينيها بأتساع، لما يقوم بالصراخ على تلك المسكينة فما ذنبها:

"ما براحة يا ادهم انت مش شايف حالتها عاملة إزاي"

تنهد بقوة و مسح على وجهه فكل ما يهمه الآن هو الاطمئنان على ابن عمه فقط، ثم اردف بهدوء ظاهري موجهًا حديثه لـ «سلمى»

"انسة سلمى ممكن تهدي و تفهميني ايه اللي حصل بالظبط"

ابتعدت «سلمى» عن حضن «قدر» تمسح دموعها مردفة بصوت خافت يشوبه الخجل:

"انا كنت راجعة من الصلاة وبعدين لقيت سليم في وشي كان عايز يتكلم معايا وفجأة شفت حد جاي من وراه وخبطه بحديدة على راسه من ورا، سليم وقع من طوله وانا صرخت و الناس اتلمت وجابوه المستشفى هنا"

كان يستمع لها بتركيز وهدوء وعند وصولها للجزء الذي قام فيه احدهم بضرب «سليم» احتد وجهه وتمكن الغضب منه ليقول بجدية مع عيون ذات نظرة ثاقبة:

"لو شفتي اللي ضربه ده تاني تعرفيه"

حمحمت بأحراج قبل ان تقول:

"مش محتاجة اشوفه تاني، عشان انا عارفة مين اللي عمل كده"

"مين"
تأهب جسده لتجيب هي وهي تشعر بالاحراج لأنها السبب فيما حدث لـ «سليم»

"إسلام ده خطيبي السابق، قبل كده حاول يضايقني قدام الشركة و البشمهندس سليم جه ودافع عني وضرب الزفت اللي إسمه إسلام ده"

"و الزفت ده ألقيه في انهي داهية"

"بص انا ممكن اجيب لحضرتك صورته من الاكونت بتاعه من على الفيس هو أصلا من حارتكم بس هو عايش في سكن الجامعة على طول، شغال ديلـ.ـر"

وعند رؤيته لصور «اسلام» اشتعل فتيل الغضب في عينيه لاحظت «قدر» ومعها «سلمى» ملامح وجهه التي لا تنذر بقدوم الخير لتقول هي بأقتراح:

"ممكن تعمل محضر و تتهمه فيه و انا هشهد باللي حصل"

لكن ات الرد على عكس المتوقع وهو يقول بنفي بعد ان عادت ملامح وجهه لطبيعتها:

"لأ احنا مش عايزين مشاكل، سليم ضربه وهو كان بيرد له الضربة يعني خلصين، انسة سلمى هو سليم عرف ان خطيبك السابق ده هو اللي ضربه؟"

رغم انه يرى نظرات «قدر» له و التي تدل على عدم تصديقه لكن تجاهل هذا و ترقب إجابة «سلمى» التي اتت بالنفي:

"لأ مايعرفش انا لسه مادخلتش عنده"

"طب كويس، ممكن ماتقوليش لـ سليم مين اللي خبطه و لو سألك قولي انه كان لابس حاجة على وشه عشان سليم متهور ومش ضامنين ممكن يعمل إيه"

اومأت له بهدوء ومن بعدها خرج الطبيب ليُطمئن «سلمى» لكن رأى ان بصحبتها بعض الأشخاص.

"الحمدلله خيطنا الجرح تقدري تتفضلي تطمني عليه"

"طب ادخلوا انتم وهبقا ابعت لكم احمد عشان لو احتاجتوا حاجة و انا هعمل مشوار صغير كده و راجع"

وقبل ان يذهب اوقفته «قدر» وهي تسأله:

"طب مش هتدخل الأول تطمن على سليم"

اردف بثبات وعيناه تلمع بوميض خاص لاول مرة تراه «قدر»:

"مش هطمن على سليم غير لما اعمل المشوار ده الأول"

اردفت «قدر» بسرعة وهي تراه يبتعد عنهن:

"سلمى انا رايحة الحمام، ادخلي انتِ عند سليم ماتقفيش لوحدك كده"

توقف عن الحركة بعد ان استدار و تأكد من ان ما سمعه صحيح و هي بالفعل تنادي عليه.

"اي سليم حصله حاجة"

هزت رأسها بالنفي ثم اردفت بجدية و هدوء:

"انت مش قلت انك مش عايز مشاكل ليه رايح للمشاكل برجليك"

اردف بمكر وهو يطالعها بهدوء:

"يعني انتِ عارفة انا رايح فين؟"

"اه عارفة، بس اللي مش عارفاه ليه تروح؟ انت مش قلت ان سليم ضربه وهو ضرب سليم يعني الاتنين خلصين، يبقا ليه انت تكبر الموضوع و تعمل مشاكل"

زفر الهواء بقوة مردفًا بأمتعاض:

"مش انا اللي بعمل المشاكل، المشاكل بتيجي لحد عندي و تخبط على بابي، وانا قلت لك قبل كده انا مش بسيب حد آذاني او اذى حد من عيلتي"

اردفت بخوف لكن هذه المرة خوف عليه و ليس منه وهي تطالعه بعينيها البنتين:

"طب لو حد من عيلتك دي، طلب منك ماتروحش بردو هتروح"

انتظرت إجابته لكن باغتها هو بسؤال ماكر مع بسمة خبيثة تزين جانب فمه:

"افهم من كده إنك خايفة عليَ"

توترت من سؤاله المفاجئ لكن سرعان ما تذكرت حديثهما في صباح هذا اليوم و اردفت هي الاخرى بنفس بسمته الماكرة و الخبيثة ناطقة بهدوء شديد:

"طبعًا خايفة عليك مش إبن عمي و زي...اخـويـا"

شددت على الكلمة الاخيرة كأنها هكذا تستفزه كما فعل هذا الصباح بينما هو جاهد في عدم الضحك ليعلق بثقة وهدوء:

"من الناحية دي اطمني انا ادهم المنشاوي بردو مش اي حد"

عبثت ملامحها بحزن أثناء قولها بعدما تذكرت شيئًا ما يخص ماضيها:

"احيانًا لازم نخاف عشان نطمن"

"الخوف و الاطمئنان حاجتين ماينفعوش يجتمعوا وإلا ها يفقد كل واحد فيهم معناه"

"عندك حق، ادهم ممكن أطلب منك طلب"

اومأ برأسه بهدوء و استكملت هي بهدوء:

"ممكن تخلي بالك من نفسك، عشان زي ما انت خايف على عيلتك من الأذى، عيلتك بردو خايفة عليك"

تركته وذهبت إلى المرحاض من أجل الإتصال على شقيقها و اخباره بما حدث حتى لا يقلق من غيابها المفاجىء بينما «ادهم» ظل يتابعها بعينه حتى اختفت من أمامه يطالعها بشرود و ما ان غاب طيفها عادت ملامحه للجمود، في حين أن «سلمى» مسحت وجهها جيدًا حتى لا يكون هناك اثرًا لاية دموع وترجلت داخل الغرفة المفتوح بابها، حيث انها كانت غرفة الكشف ويخرج ويدخل منها الأطباء و التمريض بأستمرار في حين ان «سليم» يتمدد على فراش الكشف يمسك رأسه الملفوفة بشاش ابيض من شدة الآلم.

"عامل ايه يا سليم"

فتح عينيه و انتفض جسده، وتمنى انه لم يكن يهذي وهذا صوتها بالفعل، لم يعتقد انها مازالت هنا لكن كيف لها ان تترك قلبها هنا و تذهب دون الاطمئنان عليه، نعم فهي تحبه و بشدة و هذا الحادث جعلها تعترف بهكذا سر حتى لنفسها التي تخشى المواجهة.

لمعت عيناه لرؤيتها مردفًا بحالمية و حب:
"كويس طالما شفتكِ يبقا اكيد كويس"

اكتفت ببتسامة خجولة ارتسمت على محياها رغم عيناها المتألقة بدموع الخوف عليه، حتى سمعت صراخه وهو يتذكر ماحدث قائلًا بأنفعال:

"هو ايه اللي حصل و مين الحيو.ان ده اللي ضربني ده ليلة ابوه سودة"

اسرعت «سلمى» بالقول تخبره كما طلب منها «ادهم» بأنها لم ترى وجه الفاعل والناس هم من ساعدوها في إحضاره إلى هنا و من شدة خوفها لم تعرف كيف تتصرف في هكذا موقف لذلك هاتفت «قدر» التي اتت ومعها «ادهم»

لكن بالطبع نفيها لهوية الفاعل لم يجعله يهدأ بل ذاد غضبه و الذي اذداد معه شعوره بآلام في رأسه لقوة اندفاع الدماء إلى عقله لتحذره ناطقة بلهفة:
"انت لسه مخيط دماغك و العصبية مش حلوة عشانك هتخلي الوجع يذيد"

استشف خوفها الحقيقي عليه ثم اردف يقول بعد ان ابتسم يطالع عينيها التي تتهرب منه:

"بس هو كان لازم حد يرزعقني في نفوخي عشان اشوف الخوف عليَ ده في عينيك"

رسمت الجدية المصطنعة وهى تقول ببرود:

"مين قال اني كنت خايفة عليك انت بس صعبت عليَ لما ادلقت قدامي زي الجردل من خبطة زي دي وعملي عضلات وبتاع"

ذم شفتيه بغيظ منها ابعد كل هذا و تحدثه بهذه الطريقة الفجة:

"مش انا اللي اضربت في دماغي بس وربنا ماحد مخبوط في دماغه غيركِ"

كتمت ضحكاتها ثم اردفت وهي تقف من على الكرسي المجاور تمثل بأنها راحلة:

"طب انا الحمدلله اطمنت عليك امشي انا بقا"

اردف هو بصوت عالي يمنعها من الذهاب بطريقة رغم انها ظهرت عنيفة لكن مضحكة:

"اللي يغور يغور و ييجي مكانه طابور انما انتِ لو اتحركتي من مكانك هجيبك من شعرك"

عادت تجلس من جديد مردفة بتذمر وبداخلها تشعر بالفرح لأنه بخير:

"على فكرة انا هنا من باب انك كنت مديري في الشغل يعني ما تحلمش بأكتر من كده ثم انك يا سليم مش الـ Type بتاعي"

ابتسم يغمز لها مردفًا بمشاكسة:

"ــ Type ما تفكري تاني"

لم تقدر على كبح ضحكها اكثر و انفجرت اساريرها ضاحكة و هي ترمقه بغير تصديق على أفعاله المجنونة و ردوده التي تفاجئها في كل مرة لكن بعد فترة وجيزة توقفت عن الضحك وشردت بعقلها وهي تتذكر المقابلة السابقة لهم قبل هذه تعبر عن مخاوفها ناطقة بصدق بعد ان اجتمعت العبرات في عيونها:

"كنت خايفة يا سليم، كنت خايفة تمشي و ماترجعش تاني"

هربت دمعة شاردة من عينها تتخذ مسارها على وجنتها ثم مدت يدها تمسحها كم ود ان يمسحها هو لكنه يعلم أنه ليس لديه هذا الحق لكن لا مانع من ان يجعلها تتوقف عن إخراج الدموع و التي يعلم جيدًا ان ما هذه الدمعة إلا فردًا من جيش دموع مختبىء بعينيها الصافيتين.

"طب ما انتِ طلعتي بتعيطي اهو، ولا دي دموع في عيون وقحة"

قهقهت من بين دموعها التي ملئت عينيها ثم تشجعت لتخبره ان كل ما سبق ما هو إلا تمثيل حتى تخفي خلفه مرضها ولكن قبل ان تقول شيء دلف «احمد» وهو يصيح:

"سولي حبيبي الف سلامة عليك يا غالي"

امتعض وجه «سليم» بضيق مردفًا بحنق:

"انت ايه اللي جابك يا زفت"

تشدق «احمد» بفمه ساخرًا:

"جاي اخد الاجار المتأخر، جاي عشان ادهم كلمني و قال انك مطحون ضرب و اشوفك لو عايز حاجة"

اردف «سليم» بأستنكار:

"بقا ادهم قال اني مطحون ضرب"

نفى «احمد» وهو يقترب من الجانب الآخر و المقابل لـ «سلمى» وفي المنتصف الفراش. 

"لأ هو قالي اجاي اشوفك لو عايز حاجة انما مطحون دي من عندي، بس هو ايه اللي في راسك ده"

تمتم «احمد» بمزاح في بداية حديثه ثم ختمه بسؤال وهو يشير على الشاش الطبي الملفوف حول رأس «سليم» الذي أجابه بضيق لانه ات في وقت غير مناسب البتة:

"عقبال عندك، اصلي اتحجبت"

امسك «احمد» بذقنه دليلًا على التفكير مردفًا بمرح:

"طب دلوقت يا سليم لو انت روحت الحج انا هقولك حجًا مبرور و ذنبًا مغفور يا حج سليم ولا ياحجة"

قهقهت «سلمى» وهي تشعر ان انفاسها كادت تنقطع من شدة الضحك ليقول «سليم» يعرف الإثنين على بعضهم البعض متجاهلًا حديث ابن عمه الساخر:

"سلمى! ده احمد ابن عمي، احمد! دي سلمى"

اردف «احمد» بسرعة دون تركيز ناطقًا بعفوية:

"اه عارفها مش هي دي سلمى البنت اللي عايز تشقطها وهي مدوخاك، اااه"

تأوه «احمد» بألم نتيجة لضرب «سليم» له في بطنه بسبب هذا الغباء الذي تفوه به لينظر إلى «سلمى» التي تحولت ملامحها إلى الضيق و العصبية متمتًا بحنق:

"سلمى انا كدبت عليكِ، ده مش احمد ابن عمي، ده ابن كلــ...ـب"

رد عليه «احمد» بمضض:

"تصدق بالله خسارة في أهلك الـ 20 جنيه اللي دفعتها للتاكسي عشان يجيبني هنا"

التقط «سليم» رأسه بيديه الاثنين يتأوه بألم لينتفض كلًا من «سلمى» و «احمد» الذي قال بلهفة و خوف حقيقي بعد ان تخلى عن قناع المُزاح:

"سليم انت كويس، طب حاسس بأيه اجيب لك الدكتور طيب عشان يطمنا"

حرك يده في الهواء بمعنى لا داعي واضاف:

"انا كويس ما تتقلقش انا بس عايز امشي من هنا، حاسس اني عايز انام اوي"

اعترض «احمد» وهو يقول:

"هتروح ازاي بالطبق اللي في راسك ده، امك لو شافتك كده هترقع بالصوت و هتفضحنا في الحارة"

"عشان كده روحت اشتريت ده وجيت"

التفت الثلاثة اتجاه الصوت والذي لم يكن سوى صوت «قدر» وهي تقترب منهم وفي يدها قبعة رياضية يسمونها 'كاب' ليقول «سليم» جملته المعتادة مع بسمة على وجهه:

"مش بقولكِ انتِ اللي فيهم" 

لم تنزعج «سلمى» من اطراء «سليم» الصريح لأبنة عمه وذلك لأنها تعلم جيدًا ان الاثنان يتعاملا كأخوة ليس اكثر لكن هذا لم يمنع من شعورها ببعض الغيرة حتى وجدت «سليم» يهبط من فوق الفراش من ناحيتها ثم اقترب منها هامسًا :

"بس انتِ بقا اللي في قلبي" 

___'___'___'___'___'___'___'___'___'__'

و من ذهبت لفتح الباب هي «لين» و وجدته زوج خالتها و والد انس «الصاوي» رحبت به وهي تشعر بالخجل من قدومه المفاجىء و رغم ان ابنه يعيش هنا لكن قدوم «الصاوي» كان امرًا غير متوقع فهو ككثير من رجال الأعمال ينشغلون بأعمالهم و ينسون ان لهم حياتهم الخاصة و أبناء يجب تربيتهم و معرفة كل شيء يخصهم فالمال وحده لا يكفي لتربيتهم و ما وصل إليه «انس» ما هو إلا رد فعل لتجاهل والده وترك مسؤلية تربيته على عاتق والدته و التي هي الأخرى انشغلت في الحفلات و السهر و الخروج بصحبة رفاقها تاركة خلفها أبنها مع مربية المنزل وبالطبع هذا ليس مبررًا لأفعال «انس».

"اهلًا يا صاوي بيه نورت البيت والله"

تمتم بهذه الكلمات «والد اسامة» يعلن ترحيبه بضيفه الذي يزوره لأول مرة في بيته سواء كان هنا ام في بيته في الفيوم.

ات رد «الصاوي» بجفاء و تكبر وهو يتفحص هيئة المنزل بعينيه الدائرة في كل ركن فيه:

"اهلًا بيك، يعني انس يسيب الفيلا عشان ييجي يعيش في بيت زي ده"

غضبت «والدة اسامة» من عجرفته و طريقته الوقحة في الحديث لتربت «خديجة» على ذراعها تحثها بنظراتها الصامتة على الهدوء وترك زوجها هو من يتصرف مع هكذا شخص يمقت الطبقة الوسطى و الأقل كأنهم ليس بشر بل مجرد جرذان لا يستحقوا العيش.

"هو ممكن يكون البيت فعلاً مش قد المقام بس على الأقل يا صاوي بيه إبنك مرتاح فيه"

تدخلت زوجته في الحديث مضيفة بضيق:

"امال فين ليلى هانم ماجتش معاك ليه ولا خلاص عشان القرش جري في ايديها نسيت ان ليها أخوات"

عنفتها «خديجة» الجالسة بجانبها بقولها:

"مايصحش تتكلمي كده ده مهما كان اختنا بردو"

ثم نظرت إلى «لين» مردفة ببتسامة هادئة:

"هاتي حاجة لجوز خالتك يا لين عشان يشربها واندهي لـ انس عشان ييجي يسلم على باباه"

اومأت «لين» ثم تحركت تنفذ ما طلبته منها خالتها، بينما «الصاوي» اردف بأستهزاء ردًا على حديث شقيقة زوجته والدة اسامة بقوله:

"اختك ماتعرفش اصلا ان ابنها مش بيبات في البيت وقاعد معاكم هنا"

ثم بعدها اخرج رزمة من المال ووضعه فوق الطاولة التي تتوسط الارائك التي يجلس عليها الجميع، نظر لبعضهم بعدم فهم منتظرين توضيحًا من «الصاوي» الذي قال:

"انا كنت جاي عشان اخد أبني ويرجع معايا البيت بس عارفه عِندي و مش هيرضى يرجع معايا و عشان عارف حالتكم المادية اكيد طبعًا مش هتقدروا توفروا لأبني الحاجات اللي كانت بتجيله لما كان عندي في الفيلا"

ضحك والد اسامة بخوفت ثم رفع بصره يتطلع بالجالس امامه ينظر له بتعجب فما المضحك فيما قاله حتى سمعه يقول بجدية و هدوء:

"دخل فلوسك في جيبك تاني يا صاوي بيه، ابن حضرتك مش ضيف عندنا ابنك صاحب بيت ومافيش واحد بيدفع فلوس تمن قعدته في بيته و طول ما ابنك عايش معانا احنا هنشيله على راسنا ولو حب يمشي احنا تحت امره بردو"

شعر بالاحراج من رده الذوقي والذي استطاع من خلاله رد الإهانة له ولكن بطريقته الخاصة التي اوضحت فارق التربية و التعامل بينهم و ليس من الناحية المادية فقط.

اقتربت «لين» ومالت بجسدها قليلًا تقدم الضيافة لـ «الصاوي» الذي اسرع في تغيير الحديث ليخفي خجله من الموقف:

"بسم الله ما شاء الله كبرتي يا لين، انا سمعت انك في طب صح؟"

اخذ كوب العصير منها ثم وضعت الصينية على الطاولة وذهبت تجلس بجانب خالتها اثناء استماعها لحديث زوج خالتها ثم اردفت بهدوء:

"اه في سنة رابعة"

ابتسم وهو يرمقها بفخر ثم اخرج كارت ورقي مدون به أسمه و ارقام هواتف عمله بالإضافة الى رقمه الخاص ثم اردف وهو يمد ذراعه به لها:

"خدي ده الكارت بتاعي، المستشفى عندي تحت امرك ممكن تيجي في أي وقت تتدربي فيها و اول ما تروحي هناك قولي لهم انك تبعي وهما هيفموك كل حاجة"

ابتهج وجه «لين» مردفة بحماس وهي تنتشل منه الكارت:

"بجد، دي فرصة كبيرة ليَ اوي، ده كان نفسي اعدي بس من قدامها مش ادخل و كمان اتدرب فيها"

رمقتها والدتها بسخط وذلك لأنها لا تريد شيء من زوج شقيقتها لكن «لين» لن تفوت فرصة كهذه ربما لن يأتي غيرها.

"انا مش سبت لك البيت جاي لحد هنا عايز مني ايـه؟ ما تسبني في حالي بقا"

صرخ «انس» الذي دلف للغرفة وخلفه «اسامة» الذي تفاجأ برده هذا و للحق الجميع اصابته الدهشة، اذرد «الصاوي» لعابه وهو يرمق إبنه بأحراج من الموقف الذي تسبب له في وسط الجميع، لكن تدخل والد اسامة سريعًا وهو يعنف «انس» بهدوء:

"عيب يا انس تكلم والدك كده، الصاوي بيه كان قلقان عليك وكان جاي عايز يطمن"

اومأ والده يؤكد صحة حديثه يتطلع في وجه إبنه بلهفة لكن قابلها الاخر بجمود:

"و اطمنت! ماكنش في داعي تتعب نفسك وتيجي لحد هنا كان ممكن مكالمة تليفون و بردو هتقضي الغرض"

وقف «الصاوي» يستأذن بهدوء مع نظرات الخبية و الحزن المغلفة لعينيه:

"طب عن اذنكم"

_'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'

اخرج «مراد» المفتاح من جيبه وقبل وضعه في الفوهة المخصصة له في الباب، وجده ينفتح و ظهر من خلفه «ندى» التي تحتضن احدى كتبها بذراعها ليقول بتسأل:
"واخدة كتابك و رايحة فين يا ندى"

خرجت من الشقة ثم وقفت أمامه تخبره بهدوء منافي لحالة التوتر و الخوف التي تلبستها بسبب فترة الاختبارات التي تمر بها:
"نازلة اذاكر تحت في الجنينة مع قدر عشان اتخنقت من المذاكرة في الاوضة"

اومأ لها لكن انكمش جبينه وهو يقول بتذكر:
"بس و انا طالع ماشفتش حد في الجنينة، قدر ماكنتش هناك"

بررت الاخرى بلامبالاة غياب ابنة عمها بقولها:
"ممكن تكون راحت الحمام او قاعدة في مكان انت ماخدتش بالك منه"

حك «مراد» عنقه من الخلف ثم اخذ تنهيدة مردفًا بلا اكتراث:
"ممكن"

ضمت «ندى» حاجبيها بحزن تطلب من شقيقها برجاء:
"ادعي لي يا مراد عندي امتحان بكره و لسه ماعرفش المادة بتتكلم عن إيه، خايفة اشيل او حتى اسقط"

سحبها «مراد» في عناق يمسد بلطف على ظهرها ليقول بعفوية ظنًا منه انه هكذا يُطمأنها:
"ما تقلقيش يا ندى اغبى منكِ و نجحوا هتاجي لحد عندك وتقف يعني!"

صمت ثم تابع بجدية اصابت «ندى» بالدهشة و الذهول من حديث شقيقها:
"لأ بس ممكن تقف عليكِ فعلًا يا ندى، اصل انتِ من يومك وانتِ نحس"

دفعته بغيظ ليستمر هو في حديثه الذي نجح في استفزازها:
"زعلتي، معلش انا عارف ان الحقيقة بتوجع "

اردفت «ندى» بسخط وهي ترمق اخيها بضيق أثناء قولها:
"طبعًا ماهو عشان انا اختك تقولي كده انما انا لو كان زمان اسمي هبة ولا حاجة كان الكلام اتغير و الصوت الشتوي طلع"

ابتسم «مراد» بسماجة مع قوله الممتعض:
"و انا بردو بقول مش معقول كل المصايب دي تحصل صدفة كده، اتاري قر امك في الموضوع"

بالاسفل

وقفت «ندى» امام الباب عندما سقطت عينيها على ظهر «رحيم» الواقف على بعد مسافة قريبة منها يتحدث في الهاتف وسمعته دون قصد يقول:
"طب هو كويس متأكدة؟"

صمت دقيقة يستمع لرد الاخرى والتي لم تكن سوى «قدر» التي تطمئنه بشأن «سليم»

"يعني انتم جايين في السكة، خلاص تمام ماشي"

استدار ليعود لداخل لكن وقفت أرجله عن الحركة وهو يراها تقف و يبدو انها كانت تستمع للحديث، بينما «ندى» كسى التوتر وجهها ثم تصنعت الانشغال في كتابها مع حركة ساقيها التي تقودها إلى أحد الكراسي لكنها لم تنتبه لتلك الصخرة الصغيرة لتتعرقل فيها وتسقط ارضًا مع ألتواء كاحلها اسفل منها لتصرخ بألم وهى تمسك بقدمها:

"طوبة غبية"

رحل «رحيم» و توجه لداخل لتقول هي بغيظ وهي تتابع اختفائه من أمامها بعينيها:
"ياكش اشوفك مولع يا بعيد"

وبعدها حاولت النهوض وان تتماسك على ذاتها وتستند بيديها على اي شيء لكنها لم تجد، و المقاعد الموجودة تبعد عنها قليلًا ولن تصل لها يدها، وقفت وهى تستند على قدميها الاثنتين لكن لم تتحمل الألم ووقعت على الفور، لتزفر الهواء بحنق وضيق مطأطأة الرأس، حتى سمعت صوتًا حنونًا يقول:

"اسندي على دراعي عشان تعرفي تقومي"

رفعت رأسها وهي تراه يقف أمامها يمد ساعده أمامها مع نظرات عينيه المسالمة، تنهدت بثقل قبل ان تتخذ قرارها في الرفض وتحاول النهوض من جديد بمفردها، لكن كما المرة السابقة سقطت مكانها لتسمعه يقول بهدوء مع ابتسامة بسيطة على محياه:

"بلاش عِند يا ندى و اسندي على دراعي، وبعدين انا دكتور وبتعامل مع مرضى ستات كتير واكيد مش باخد ذنب على ده عشان ربنا بيبقا عارف ان مافيش في نيتي حاجة وحشة نحيتهم، و انتِ بنت عمي يعني هخاف عليكِ حتى من نفسي"

هي لم تكن تريد ان تلمس يده لأنها تعرف انه شيء محرم لكن طريقته في الحديث و نظراته المُطمأنة لها شجعها هذا على ان تمد يدها وتستند على ساعده حتى وقفت ثم اخذت تقفز بقدم واحدة حتى وصلا الإثنين للمقاعد وجلست هي اولًا، بينما «رحيم» اخرج مرهمًا طبيًا واعطاه لها اثناء قوله:

"دخلت جبت لك المرهم ده عشان الوجع اللي في رجلك حطي على رجلك مكان ما بيوجعك وشوية كده هتحسي ان الوجع بدأ يقل ويختفي خالص"

حمحمت بأحراج لتشكره وهي تأخذه منه ناطقة بخفوت:
"متشكرة"

"لا شكر على واجب، بس هو كان في ملحوظة كده كنت عايز اقولها "

انتابها الفضول للمعرفة لتحثه على الاستكمال بكلمتها:
"إيه"

تحرك وجلس هو الآخر بجانبها لكن بمسافة لا بأس بها وهو يقول بوجه متجهم وصوت حانق:
"لما تيجي تدعي على حد او تشتميه ابقي اعملي كده في سرك، عشان لو سمعك ممكن يرجع يكسر دماغك الحلوة دي، او يقطع لك لسانك اللي اطول منك ده"

ذمت «ندى» شفتيها واكتفت بألقاء نظراتها الحادة متجاهلة الرد على حديثه المزعج هذا، بينما «رحيم» تنهد بقوة بعد ان عادت ملامحه للجدية يسألها بما يدور بخاطره وتمنى ان يلقى إجابة منها دون عصبية او عجرفة كما اعتاد عليها منها:
"ندى هو انتِ ليه ماتخطبتيش لحد دلوقت"

تشدقت بفمها ساخرة و استهزاء:
"اصل ماعمولي عمل ومش عارفين نفكه"

جحظت عينيه من الصدمة بسبب ردها الذي لم يتوقعه لكن انكمشت ملامحه بسخط مردفًا بضيق و امتعاض:
"و انتِ اللي زيك يتعمله عمل ليه ما انتِ كده كده مطفشة العرسان خلقة"

ضحكت بخفوت وهي ترى الغيظ المنبثق من عينيه اثر كلماتها والتي نجحت في تأدية دورها ببراعة ثم هدأت ملامح وجهها لتبقى بسمة صغيرة على ثغرها متمتمة بهدوء وهي تتطلع أمامها:
"النصيب، كل حاجة بتحصل لنا بتبقا نصيب و يابخت اللي نصيبه هو اصلًا بيتمناه"

"صح كل حاجة بتحصل لنا نصيب بس في ناس بتحارب عشان توصل لنصيبها ده، بأيدك انتِ تحققي كل اللي بتتمناه و بأيدك بردو تفضلي مكانك و تتحسري على أحلامك اللي غيرك بيحققها لمجرد انه عنده إرادة"

تمتم «رحيم» وهو يطالعها بترو بعد ان استشف الحزن المبطن لحديثها الخافت لتعود هي بأنظارها له قائلة:
" تعرف انا جبت مجموع عالي في ثانوي كان ممكن ادخل طب و ابقى ازيك على فكرة بس انا كنت بحب التاريخ واي حاجة ليها علاقة بيه ومن هنا قررت اني هدخل كلية آثار بس في الأول الكل اعترض وبعدين وافقوا لما شافوا تعلقي بالكلية وحبي لتاريخ، و اديني اهو دخلت الكلية اللي بحبها ومع ذلك مش مبسوطة مش بتر على النعمة طبعا الحمدلله على كل حال، بس اكتشفت ان الكلية حاجة وان الحاجات اللي كنت بحبها في التاريخ حاجة تانية الكلية طلعت صعبة وفيها حفظ كتير وانا من نص ساعة مذاكرة بمل، من هنا عرفت ان مش كل الأحلام لازم نسعى لها وان اختيار ربنا دايمًا هيكون أحسن من اختياري"

كان ينصت لها بأنتباه و تركيز لا يصدق ان هذه نفسها ابنة عمه صاحبة اللسان السليط و الصوت العالي لكن ما هذا كله إلا قناع تخفي خلفه حقيقتها بأنها هشة ومن اقل شيء يمكن ان تنكسر قرأ كثيرًا عن اصحاب القلوب البيضاء هم اكثر الناس عصبية تأكد الآن من صحة هذه المعلومة.

"بس لو الحلم ده يبقا انتِ يا ندى يبقا لازم الواحد يسعى له ويحارب النصيب عشان يوصله"

هتف «رحيم» بترو بعد ان استمع إلى حديثها يقول بكل ما بداخله بصدق دون مراوغة مع لمعة عيناه وهو يصفها بأنها حلم صعب المنال لكن يجب المحاربة من أجله، بينما «ندى» شعرت بالخجل ويذداد اكثر كلما تتلاقى عيناها بعينيه، سبق له ان رأى حمرة خديها لكن في كل مرة تكون بسبب انه استفزها و اصابتها نوبة من العصبية، كم بدت بريئة وغير شرسة على غير العادة وهي تحمر خجلًا لتهمس بصوت خافت مع ابتسامتها المميزة:

"انا مش بعرف ارد على الكلام الحلو عشان اصلا مش متعودة اسمعه و خصوصا منك بس شكرًا"

اتسعت بسمته ثم اردف بأستنكار:
"كنت حاسس ان الزعيق و الصوت العالي دول مش سخصيتك الحقيقة طلعتي قلبك ابيض وعلى فكرة و انتِ اهدى اجمل بكتير عن ام اربعة و اربعين مشكلتك بس ان لسانك موديك في داهية"

تشنج وجه «ندى» التي صاحت بأنفعال وحنق:
"داهية اما تاخدك"

تنهد بيأس وهو يقول:
"ماكدبتش لما قلت عليكِ ام اربعة و أربعين"

وفي نفس التوقيت في احد الأزقة الخلفية لمبنى الجامعة، اخذ يلهث «اسلام» من كثرة الركض لكن عندما لاحظ اقتراب هذا الطيف منه جحظت عيناه بفزع ظنًا منه انه رجل شرطي وات للقبض عليه وهو يبيع العقاقير للشباب الصغير الذي يتدمر مستقبلهم بسبب هذه المواد السامة، اسرع بالركض من جديد لكن عند وصوله لنهاية الطريق اكتشف انه طريق ذو اتجاه واحد وهو الآن في مأزق يقف محتبسًا بين هذه الجدران و من امامه هذا الغريب، تلفت حوله سريعًا عله يجد مخرجًا لكن لا مفر.

ارتعشت ساقيه وهو يقول بخوف شديد وعيون زائغة في كل مكان كاد ان يبلل سرواله من شدة خوفه وفزعه:

"انت مين و عايز مني ايه"

كان يضيق من عينيه حتى يتمكن من رؤية هذا الشخص الذي بث الرعب في نفسه من مجرد خطوات لقدميه لكن ماذا ان فعل اكثر؟ لكن المكان مظلم لا شيء به منير غير اعين «ادهم» الحادة و القاسية التي تلقي اسهم مشتعلة بنيران الغضب والحقد من هذا الوقح الذي تجرأ وضرب أخيه على حين غرة.

تخلى «ادهم» عن حالة الصمت التي كان بها وخرج صوته الذي يحمل كل معايير الغضب والقسوة:

"انا مين مش مهم، و عايز ايه ده بقا المهم"

كان «اسلام» يرجع للخلف لا اراديًا حتى تعرقل في أحد اكياس القمامة المنتشرة حولهم، ومع اقتراب «ادهم» منه، تم تسليط ضوء خافت على وجهه منبعث من تلك اللمبة الصغيرة المعلقة في احد الجدران لكن يبدو انها لا تعمل بشكل جيد بسبب ضعف الإضاءة تارة مضيئة و تارة اخرى منطفئة، انكمش جبين «اسلام» وهو يتأمل ملامح الواقف أمامه في محاولة منه ان يتذكر هويته حتى علت صوت ضحكته التي بدت هستيرية بعض الشيء تحت نظرات «ادهم» الساخطة، ليعتدل «اسلام» ويقف أمامه بعد ان هدأت نوبته من الضحك ثم عادت للجمود متحدثًا بغل وشر:

"ايه هو النغة سليم باعتك عشان انت تاخد حقه، ولا تكون الضربة اللي عطتهاله اثرت جامد و خلته بدل ما هو سليم بقا مدشمل"

وختم حديثه بضحكاته المقززة لتأتي الإجابة على سؤاله في شكل لكمة قوية جعلت فمه ينزف دمًا وتخلى عن مزاحه وضحكاته الساخرة ينظر للواقف أمامه بصدمة يستمع إلى قوله الحاد:

"لأ حق سليم هو هيجيبه بنفسه بس نطمن عليه الأول انما انا جيت عشان نتكلم بهدوء وزي الناس العاقلين"

وبعد ان انتهى ضربه بمقدمة رأسه وعلى اثرها عاد «اسلام» للخلف بضع خطوات يقول ببلاهة يستغيث بمهكله:

"انت مش قلت هنتكلم بهدوء وزي الناس العاقلين"

تشكلت بسمة خبيثة على ثغر «ادهم» وهو يخرج يده اليمنى المخبأة خلف ظهره يحمل عصا تزامنًا مع قوله الذي يشع كرهًا للواقف:

"لأ ما هو انا نسيت اقول لك...انا مش عاقل وحظك لسود اللي وقعك مع واحد مجنون زيي"

اذدرد لعابه بخوف وهو يرى الشر يتراقص أمام «ادهم» الذي رفع العصا الحديدية المشابهة لتلك التي استخدمها «اسلام» في ضرب «سليم»

اعطاه اول ضربة منها على ذراعه الأيسر ليتأوه بألم وصوت عالي واضعًا يده الاخرى مكان الضربة كنوع من تخفيف الألم لا يعلم أنه والألم سيصبحان شيء واحد بعد قليل، تراجع «اسلام» ليلتصق ظهره بالحائط خلفه معلنًا انه لا مفر، ليأخذ الضربة التالية لكن هذه المرة كانت من نصيب ساقه والتي جعلته يخل بتوازنه ويركع ارضًا يتوسل بشهقاته المتعالية طالبًا العفو و السماح.

"ابوس ايدك ارحمني، كانت غلطة ومش هتتكر تاني"

هتف «ادهم» بوعيد وصوت يشبه الفحيح ينجح كل مرة في بث الرعب و الذعر في كل انش بداخل جسد المتسطح ارضًا:

"هي مش هتتكر تاني بس عشان انا مش هسيب في جسمك حتة سليمة"

انهار «اسلام» في البكاء راكضًا اسفل قدمي «ادهم» يتوسله اثناء احتضانه لقدميه من الأسفل:

"احب على رجلك ترحمني انا همشي ومش هتشوف وشي تاني بس ابوس ايدك كفاية"

رخت قبضة «ادهم» على العصا ولاحظ «اسلام» ذلك الذي تحول وجهه من البكاء إلى الخبث والمكر لكن بالطبع لم يره «ادهم» ثم سحب نصل صغير يكون بحوزته دائمًا ثم سمع صوت «ادهم» يأمره بنبرة جامدة يحثه على النهوض:
"غور"

نهض «اسلام» يمسح دموعه يرسم وجه الاستعطاف والفرح بأنه عفى عنه لكن نيته كانت مثل الظلمة الحالكة من حولهم، وما ان استدار «ادهم» حتى رفع هذا القذر النصل ليضربه من الخلف، و لسوء حظ «اسلام» ان هناك قطع زجاج متهشمة على الأرضية وظهر فيها انعكاسه ليلتفت «ادهم» بسرعة يضربه هو بالعصا ليسقط «اسلام» على الأرض وخر جسده لكن هذه المرة لم يقوى على الحراك لقوة الضربة التي تلقاها.

"ماشفش وش امك تاني، ولو مستغني عن عمرك قابلني ولو صدفة"

تدور الأحداث مع دائرة الأيام لنصل لهذه اللحظة، اللحظة التي يقف بها «سليم» وبين يديه هاتف «احمد» المضيء على صور «هبة» المعدلة لتأخذ شكلًا منحلًا غير أخلاقي، يفرغ فاهه من الصدمة لا يستوعب ان «احمد» قد يفعل شيء قذر كهذا في زوجة شقيقه«مراد» لم يستطع ان يشاهد الصور اكثر من هذا لبشاعتها واخفض الهاتف عن مستوى بصره ليحتل الغضب معالم وجهه.

             

الفصل الاربعون من هنا  


تعليقات



×