رواية الفخ الفصل الرابع بقلم يمنى عبد المنعم
الفصل الرابع:
اتسعت حدقتي مرام على آخرهما بصدمةً كبيرة لدى سماعها لأوامره الجديدة كعقاباً لها عما بدر منها اليوم.
شعرت كأن المكان أظلم بها وسيغشى عليها على الفور، قائلة بعدم تصديق: بس حضرتك دي أول غلطة ليا هنا وكانت من غير قصد.
إلتفت إليها بوجه عابس قائلاُ بوجوم: تقصدي تاني غلطة، ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة قائلة بتوتر: حضرتك أنا... قاطعها بإشارةً من يده قائلاً بلهجة آمرة: أنا كلامي يتنفذ وبس بدون مناقشة ويالا إمشي من قدامي وإلبسي لبس وفاء هتلاقيها مجهزهولك.
أدركت هذه اللحظة أنها ألقت بنفسها إلى الجحيم ولم تستطع الإعتراض أكثر من ذلك.
تركها ووقف يتطلع من النافذة كأنه يتابع طردها من مكتبه، أما هي فقد سارت إلى خارج المكتب بخطى ثقيلة كأن قدميها مقيدة بأغلال من حديد.
وقفت محاسن والدة مرام تطلع إلى مجدي بصدمة غير متوقعة وجوده في ذلك التوقيت.
تنهد الرجل بضيق قائلاً بتساؤل خشن: يا ترى الهانم جات من برا ولا لسه، انزعجت من نبرته التي أثارت حفيظتها ضده قائلة بهدوء مصطنع: اتفضل يا أبوحسام بدل ما انت واقف على الباب كده.
زفر بحدة قائلاً: مش داخل أنا جاي بس علشان تقولي للست الهانم ترجع لعقلها بدل ما اتصرف تصرف تندم عليه.
شعرت محاسن بالغضب بداخلها قائلة بصرامة: طب ياريت تتكلم بإسلوب محترم احسن من كده، يا إما مفيش داعي لوجودك هنا.
سيطر عليه الغيظ قائلاً بضيق: يعني أفهم من كده إنك بتطرديني.
رمقته بنفاذ صبر قائلة: يا أستاذ مجدي حضرتك طالما جاي عايز مراتك ترجعلك مش تبقى تتكلم بطريقة كويسه أظن كده ولا إيه.
شرد قليلاً ثم تحدث بإسلوب مصطنع: طب ما هي هيه السبب أنا كلمتها الصبح ومردتش تسمعني.
مطت شفتيها بتساؤل قائلة: يبقى أكيد ضايقتها بكلامك ثم ليه تزعلها وتطردها من بيتها في نص الليل من الأول.
أحس بالغضب من حديثها إليه قائلاً بامتعاض: لحظة شيطان بقى... قاطعته بضيق قائلة باستنكار: هوا إنت كل مرة تزعلها تقول الكلمة دي... يا أبو حسام عايزه أقولك كلمة أنا متأكدة إنك هتزعل منها بس بردو هقولها، ليه اتجوزتها من البداية طالما كنت هتتعبها معاك وتشيلها همك، ما كنت سيبها عايشه في بيت أبوها معززة مكرمه بدل ما انت مبهدلها معاك هيه وولادك بالطريقة دي.
زفر بحرارة غاضبة رغم قولها الصحيح متجاهلاً لتلك الحقيقة الذي يرفض حتى سماعها.
قائلاً بجمود: على العموم إحنا مش هنرجع لورا أنا بس عايزك تقوليلها ترجع يا إما هندمها.
عقدت ذراعيها باستخفاف قائلة بسخرية: وإن مرجعتش يا أبوحسام هتعمل إيه يعني.
انزعج أكثر من كلماتها قائلاً بحدة: هعمل كتير وهيه عارفاني كويس أنا قبل كده كلمتك بهدوء علشان تعاود البيت ومفيش فايدة، لكن شكلها كده عجبها القعدة عندك هنا وأنا مش هسكت لها.
كادت أن ترد عليه بقوة لكن جاءته الإجابة على لسان سحر قائلة بقسوة: إعمل اللي تعمله يا مجدي لكن هتتكلم بقلة أدب مع أم مرام ده مش هسمحلك بيه أبداً.
تطلع إليها بغضب جامح قائلاً بغلظة: مش إنتِ السبب لكل ده رفض رجوعك للبيت ده غير إنك كلمتينـــ... قاطعته بضيق: مجدي رجوع مش هرجع ودي آخر مرة تيجي هنا.
صُدم من عباراتها التي تتفوه بها لأول مرة، قائلاً بحدة: يعني إيه الكلام ده، واجهته وعيناها تبغضه بقوة قائلة بجمود: يعني تطلقني يا مجدي.
وقفت مرام بداخل المطبخ ترتدي ثياب مخصصة للخدم، مسحت دمعةً كادت تفر من عيونها قائلة لنفسها: هيه كلها تلات أيام استحمليهم غصب عنك مفيش مفر ولا حل غير كده.
أغمضت تلك الأهداب التي ذبلت من كثرة البكاء، راقبتها سميحة قائلة بخشونة: البيه بيبلغك إن الغدا يبقى جاهز الساعة أربعة بالظبط.
اومأت برأسها بالإيجاب ثم تابعت عملها في غسيل بعض الأواني والأطباق، وضعت وفاء طبقين آخرين أمامها قائلة: وإغسلي دول كمان.
تنهدت بعدم ارتياح ورغم ذلك ابتسمت قائلة بهدوء مصطنع: حاضر ياريت إذا كان في تاني تجبيهم علشان أشوف الأكل اللي هعمله للغدا.
شعرت وفاء بسعادة قائلة: عارفه يا مرام أنا فرحانه إني أجازة من المطبخ تلات أيام وهبقى عند الست الكبيرة بدالك.
بدى الحزن على محياها قائلة: طب كويس أوي ممكن بقى تقوليلي الغدا هيبقى إيه النهاردة.
أخرجت وفاء ورقةً مطوية من جيب تنورتها قائلة: كل حاجه مكتوبة بالورقة هنا أكل تلات أيام مطلوب منك تنفذيها بالحرف الواحد.
أمسكتها وقرأت مابها اتسعت عيونها قائلة باستنكار: أنا هعمل كل ده، هزت الخادمة رأسها قائلة: أكيد وخصوصاً بكرة البيه عازم رجال أعمال على العشا.
صدمت أكثر من الضغط الذي وضع عليها كأنه ينتقم منها وليس عقاب عادي، قائلة بتلقائية: كمان عزومة على العشا، بس مش هقدر أعمل كل الكمية دي لوحدي.
ابتسمت لها مشجعة قائلة: أكيد هتقدري أنا بعملها وبخلصها في ميعادها بالظبط.
قبل أن تنطق بكلمة أخرى دخلت عليها سميحة قائلة: ياريت تشتغلي بدل الحوار ده وإعملي بسرعة فنجان قهوة للبيه.
في مطار القاهرة هبطت من الطائرة فتاة ممشوقة القوام يتطاير شعرها الطويل حول وجها مرتدية على عيونها نظارة شمسية سوداء اللون... بيضاء الوجه ذات عيون بنية ساخرة طوال الوقت، شعرها بني من كثرة صبغته له يقترب من خصرها، تضع قبعةً عليه مثل الفتيات الأجانب.
وقف باستقبالها فهمي وأمين كما أمرهم صفوان، تجاهلتهم بتكبر قائلة: مش المفروض صفوان كان جه معاكم.
أجابها فهمي بهدوء: إنت عارفه إن صفوان بيه مش فاضي يستنى حد.
شعرت بالغيظ من كمية الامبالاة الذي يعاملها بها قائلة: طب بسرعة يالا نمشي منها علشان أنا بدأت أتخنق من الوقفه هنا.
عند هبوطها واستقرارها داخل عربة صفوان، أخرجت من حقيبتها أحمر الشفاه ومرآهٍ صغيرة، كي تثقله أكثر من ذي قبل.
انتبهت للطريق قائلة بضيق: إنت موديني على فين مش ده الطريق، تنهد أمين قائلاً: دي أوامر صفوان بيه.
ردت بغيظ: يعني إيه يعني هوا هيتحكم فيه ولا إيه، لم يجيبها أكثر من ذلك، لذا شعرت بالغيظ فاستطردت: طبعاً مش هترد لا إنت ولا هوا يبقى دي أوامره السوده.
أخذت تهز قدميها بطريقةً عصبية تفكر كيف ترد له الصاع صاعين، هتفت به بغتة: وقف العربية ونزلني هنا.
عقد الرجلين حاجبيهما قائلاً أمين بدهشة: مش هينفع أوقف العربية... قاطعته بعصبية قائلة: بقولك نزلني هنا يا إما هصرخ وهلم عليكم الناس إنت شكلك نسيت أنا بعمل إيه.
اضطر أمين أن يوقف العربة، ولم يعترض فهمي أيضاً على موقفها، دون أن ينطق كلاهما بحرف آخر غير راضٍيين عن تصرفاتها الهوجاء فهذا ما كان يخشاه منذ البداية.
ترجلت منها بانفعال وأخذت حقيبة يدها دون أن تأخذ باقي الحقائب، لم يسير بالسيارة إلا عندما وجدها توقف عربةً أخرة للأجرة قائلة بضيق: إمشي بسرعة من فضلك على العنوان اللي هدهولك.
أومأ السائق برأسه بالموافقة ثم قادها مرةً أخرى، أما أمين وفهمي بعد أن ركبت من أمامه أخرج هاتفه وكاد أن يبلغه بما فعلته، لكنه بدلاً عن ذلك لم يستطع إبلاغه بالهاتف هكذا وإنما استبدلها برسالة نصية.
بعثها إليه في الحال عبر الواتسآب، متنهداً بقلق من ردة فعله الغاضبة على ما حدث.
شرد فهمي قائلاً: تفتكر صفوان بيه هيقول حاجه، رفع كتفيه بعد معرفة قائلاً: مش عارف إحنا كده لازم نعمل اللي علينا.
ترجل الآخر من العربة قائلاً: طيب يا عم أمين أنا هنزل هنا وإنت كمل طريقك، اومأ برأسه بالموافقة قائلاً: ابقى بلغ البيه باللي شفته علشان يكون عارف إننا عملنا اللي علينا.
أجابه بهدوء: هحاول بس الأول ورايا شغل ضروري للبيه وبعد كده هبلغه وادي إنت سيبتله رسالة وياريت يقراها على طول.
صمت مفكراً قائلاً بلهفة: طيب ما تتصل عليه وتبلغه، هز رأسه رافضاً خشية من غضبه عليه.
بدأت مرام تقوم بتجهيز،وجبة الغداء دون مساعدةٍ من وفاء التي استكفت بإلقاء الأوامر عليها، اثناء طهوها لبعض الأطعمة.
تذكرت تلك النظرة البغيضة الذي رمقها بها صفوان عندما وضعت أمامه فنجان القهوة، كأنها بالفعل خادمة وليست جليسة جدته تهتم بها كما شرط عليها من قبل.
جاءت لتنصرف أوقفها بنظرته القاسية قائلاً باستنكار: استحالة الخدامة تخرج من غير استأذان مفهوم.
نعتها بهذه الصفة جرح كبرياؤها، توقفت مكانها دون حراك هب من مقعده يتطلع إليها ببعض القسوة.
هاتفاً بها: واضح إنك مقرأتيش بنود العقد كويس، اذدردت لعابها بصعوبةً شديدة قائلة بخفوت: قرأتها كلها طبعاً.
ارتفع جانب شفتيه باستهزاء عائداً إلى مقعده، قائلاً باستنكار: يبقى أكيد نسيتي شروط العقد اللي من ضمنها مينفعش تخرجي من مكتبي من غير استأذان.
أغمضت عيونها منتبهه إلى وصول الطعام إلى مرحلة النضج، تتمنى رجوعها إلى أحضان والدتها وشقيقتها، ودفء ذلك الغرفتين الموجودين بالسطوح.
المملؤين بعطف وحنان أمها عليها وشقاوة أختها التي تشبهها إلى حد كبير، أتت سميحة وتوقفت خلفها قائلة بتساؤل: خلاص قربتي تخلصي ولا لسه.
أجابتها بتوتر: خلاص قربت أخلص، تنهدت السيدة قائلة: ويا ترى نضفتي أوضة البيه ولا لأ.
لامت نفسها على ذلك السهو فقد نسيتها تماماً فقد قامت بتنظيف بعض الغرف لكن إنشغالها بالطعام أخذ معظم وقتها.
لهذا سقطت الملعقة الخشبية من الرهبة التي إعتلت قلبها من الرد على السؤال المطروح عليها وبانتظار الإجابة.
هزت سميحة رأسها بغموض، الآن فهمت الإجابة التي لم تقوى مرام الرد عليها، تابعت بحدة: طب بسرعة إطلعي نضفيها قبل ما ييجي من برا.
أسرعت مرام تهرول راكضه إلى الأعلى تتجه صوب غرفته التي فتحت بابها على عجل دون أن تنتبة لأناقة الحجرة وشدة إتساعها، والطراز الحديث الذي أسست على أساسه.
فهذا غير وارد بتفكيرها المنصب فقط على تنظيف الحجرة قبل مجىء ذلك الوحش الذي يخيفها كلما حدثها.
فهي منذ صغرها لم تهتم أبداً بأي مظهر من مظاهر الحياة المرفهة، راضية بما قسمه الله لها.
على الرغم من عيشتها البسيطة، التي عاشتها منذ ولادتها فلم تتذمر يوماً على ضيق الحال، بل تستقبل والديها دائماً بابتسامة طيبة مهما ضاقت بها الظروف.
أخذت تنظف الحجرة سريعاً قبل إتيان صاحبها ويكتشف ما حدث فقد طالبها أنها تبدأ بها، لكنها انشغلت بالطعام ولم تكن بحسبانها.
نظمت خزانة ثيابه قبل فراشه وأثناء ذلك لفت نظرها صورةً ما في وسط الثياب سقطت أرضاً.
تأملتها للحظات طويلة ولم تتبين معالم الصورة فيبدو أنها صورة قديمة بالأبيض والأسود... لأحد الأشخاص.
أعادتها مكانها بحذر عندها لمحت بجوارها مظروف متوسط الحجم مغلق بإحكام، تعجبت لأمره في بادىء الأمر،وقبل أن يأخذها الفضول اتجاهه.
فجأةً كأنه إنشق من وسط ظلام سحابةٍ سوداء صورةً أمام عيناها وجه جامد الملامح، حاد البصر الذي كلما رآها يهينها... متعمداً ذلك.
ألقته سريعاً في مكانه، كأن حيةٍ شريرة قامت بلدغها بقسوة بيدها دون أن تنشغل بما يحتويه هذا المظروف فلم تجد حتى الوقت الكافي لذلك.
تناولت ملاءة نظيفة وأبدلتها على الفور كي تغادرها بسرعة، وقامت بعدها بتنظيف أيضاً المرحاض، ووضعت منشفةً انيقةً به.
بعدها بقليل وجدت نفسها قد انتهت من تنظيمها وترتيبها، ركضت إلى الخارج خوفاً من وصوله المفاجىء.
دائماً ما تأتي الرياح بما تشتهي السفن هذه مقولةً نقولها عندما نسقط في براثن موقفاً ما لم نحسد عليه أبداً ولا نتمنى حدوثه أبداً لغيرنا.
وضعت مرام كفها على قفل الباب خلفها، كادت تغلقه ففوجئت بعيون واسعة ترقبها، تلمعان من شدة الغضب والغموض.
انشغل أمين بعمله ثلاث ساعات تقريباً ولم ينتبه لهاتفه إلا عندما وصله إشعار ما بوجود رسالةً نصيةً جديدة عبر الواتسآب.
فتحها ثم تذكر الرسالة المبعوثة من حوالي ساعتين أو أكثر إلى سيده، ففتحها وقد اكتشف أنها وصلت لكنها لم تُفتح بعد.
مما أقلقه أكثر قائلاً لنفسه بحيرة: يا ترى أعمل إيه دلوقتي واتصرف إزاي.
اتسعت تلك العيون بمحجريهما على آخرهما مع دقات ضربات قلبها التي ظنت أنها ستتوقف من كثرة علوها المباغت، مع تجمد أطرافها.
نظرات مستنكرة أخذ يرمقها بها من قمة رأسها حتى أخمص قدميها، وغموض تام حل بعيونه.
قائلاً بعبوس: لسه حضرتك فاكرة إوضتي تنضفيها دلوقتي، فتحت فمها تحاول أن تدافع عن نفسها، لكنها لم تستطع ذلك واستكفت بتحاشي النظر إليه.
اطرقت بنظرها على قميصه الأنيق غير قادرة على التفكير في كيفية الخروج من هذا المأذق التي وجدت نفسها به.
هدر بصوته: إنتِ يا آنسه مش تردي عليا، ولا هتسبيني كده كتير، حاولت أن تتحدث فتحشرج صوتها الرقيق قائلة بريبة: أنا بعتذر يا سعات البيه... أنا إنشغلت بالمطبخ.
وضع كفيه في جيب بنطاله قائلاً بخشونه: اعتذارك مش مقبول، وبكده هتتعاقبي تاني.
فغر فاهها من مباغتته بالحديث هكذا، وقبيل ردها عليه إندلع بالمكان صوتاً غاضباً يقول بحنق: ممكن أعرف في إيه بالظبط ومين دي.
استقلت مروة سيارة عائدة إلى منزلها قائلة لصاحبها بتحذير: إوعى تنسى زي المرة اللي فاتت وتنزلني قريب من البيت.
ابتسم حاتم قائلاً بتهكم: لأ إزاي هوا أنا أقدر، توقف بالفعل بعيداً عن بيتها ثم ظل يتأملها قائلاً باشتياق: هشوفك بكرة ولا إيه.
نظرت له بهيام قائلة: إبقى عدي عليا في نفس الميعاد وأنا بدرس العربي... قطب حاجبيه قائلاً: بس هتعرفي تخلعي تاني من صاحبتك؟
اومأت برأسها قائلة: أكيد طبعاً دنا بقيت شاطرة في الموضوع ده أوي.
انحنى ناحيتها قائلاً بخفوت: هتوحشيني يا قمر إنت، ابتسمت على خجل هامسة: وإنت كمان باي بقى قبل ما حد يشوفنا مع بعض.
ابتسم ابتسامة غامضة وفجأة وجدها تنحني برأسها أسفل العربة قائلة برعب: أخويا جه وأكيد هيشوفنا سوا.
يُتبع