رواية الفخ الفصل السابع بقلم يمنى عبد المنعم
الفصل السابع:
لم تنم مرام طوال الليل من كثرة الحزن الذي ألم بها بسبب ما حدث في آخر الغداء، وقسوة ذلك المتغطرس عليها كأنه ينتقي ألفاظه الفظه.
الذي يقولها لها ويقوم بجرح غائر في قلبها لا يندمل بسهولة، متعمداً ذلك في كل مرة.
مسحت دمعة موجعة تريد أن تهطل من جديد، بعد أن بكت كثيراً بحرقة شديدة، همست لنفسها بقلب موجوع: أنا مش عارفه مين اللي عمل كده وحاولت أشرحله مسمعنيش.
هبت من مكانها لا تعرف كيف السبيل إلى النوم، فتحت النافذة تستنشق بعض الهواء النقي في وقت متأخر من الليل الحالك.
نسمات الهواء أخذت تداعب خصلات شعرها حتى أنها داعبت جفنيها برفق.
كأنها تمسح ذلك الغبار الحزين عن قلبها الصغير الذي لم يعد يحمل أكثر من ذلك.
لم تلاحظ الشخص الذي يقف عن بُعد يتأملها بمزيج من الغموض والترقب لما تفعله.
ابتلعت ريقها بهدوء كي تسمح بدخول بعض الهواء إلى رئتيها التي تشعر كأنهما إمتلأتا أتربة ودخاناً، وليس هواءً.
مستطردة بريبة: ماعرفش إيه هيحصل تاني أكتر من اللي حصل، أغمضت عيونها تشيح تلك الخصلات التي تناثرت على محياها الباهت.
ترقبت الوضع بالخارج مع وجود أزهار متعددة تحيط بالفيلا من الداخل، كادت أن تنتبه لمن يراقب لمعان عيونها مع رائحة عبير الزهور التي تستنشقها.
لكنه اختفى وسط ظلام الليل، تنهدت ارتياح نوعاً ما شاعرةً بنعاس يتسلل رويداً رويداً إلى جفنيهان أغلقت النافذة بإحكام وعادت أدراجها إلى الفراش.
تمددت فوقه لا تريد الشرود من جديد فيما حدث، حتى تعرف عيونها النوم.
وقفت محاسن تطلع إلى ذلك الشخص ببغض شديد قائلة بنبرات صارمة: عايز إيه يا مجدي.
انصب الغضب الكامن بصدره في صوته قائلاً بغلظة: عايز مراتي يا أم مرام.... قاطعته بحدة: طب واللي عايز يتكلم مع حد يجيله في الوقت المتأخر ده.
تنهد بحرارة عالية قائلاً بضيق: ما إنتوا اللي بتضطروني لكده، رفعت ابتسامة ساخرة على جانب شفتيها قائلة: محدش جبرك على حاجه إنت لوحدك مش قابلها، جاء ليرد انتبه لوجود سحر خلفها.
قائلة بنبرة لاذعة: أنا مش قولتلك مش عايزه أشوف وشك بعد كده وورقة طلاقي توصلني.
ذم شفتيه بغضب قائلاً: سحر إنتي عارفه طلاق مش هطلق.... ابتسمت بسخرية قائلة بنبرة متعالية: بسيطة الخلع موجود.
اعتلت صفحة وجهه العديد من المشاعر الكثيرة المشتته التي استفذة رجولته قائلاً: بقى الشغل يعمل فيكي كل ده.
قلقت سحر من هذه النبرة فهي على علم بما يستطيع فعله كي يقف في طريقها، لكنها تماسكت بعض الشيء قائلة: متدخلش نفسك في حاجه متخصكش.
نظر إليها بتوعد قائلاً بحزم: يعني ده آخر كلام عندك، ردت باختصار: أيوه يا مجدي.
انصرف من أمامهم مشتعلاً من الإنفعال الذي يتزايد مع تذكر كل حرف تفوهت به.
رمقتها والدة مرام بتردد قائلة: شكله مش هيسكت يا سحر، اومأت برأسها بالإيجاب قائلة بهدوء: عارفه وده شيء متوقع منه.
أغلقت الأولى الباب بإحكام بعدما تركهم، دخلت الأخيرة عند أولادها وفكرها منشغلاً مما قد يحدث بعد ذلك.
أما محاسن وجدت ميرا تستذكر دروسها... قائلة بهدوء: مش هتنامي ولا إيه، رفعت عيونها من على أوراق الدرس، مجيبةً إياها: لأ مش هنام دلوقتي ورايا مذاكرة كذا مادة.
هزت رأسها قائلة: طب أنا هروح أنام ولو عوزتي تاكلي وانتي سهرانة الأكل عندك في التلاجة.
ابتسمت قائلة: مفيش وقت للأكل الليلادي ورايا مواد علمية يا ماما.
ردت بطيبة: ربنا يوفقك يابنتي وتطلعي زي ما إنتِ عايزة، ثم تركتها وغادرت المكان.
وضعت يدها أسفل ذقنها قائلة: ياريتك يا مرام كنتي معايا دلوقتي كنتي بتشجعيني دايماً على المذاكرة.
وصلتها بغتةً رسالة من صديقتها مروة، قرأتها قائلة: إزاي ميعاد الدرس اتغير ولا إيه.
تنهدت قائلة: مش مشكلة الأمر لله هروح الدرس الساعة أربعة، عادت مرةً أخرى إلى مذاكرتها.
في حجرتها تجلس فوق فراشها متمسكة بهاتفها على أمل بوصول رسالة منه، قائلة لنفسها: أنا علشانك خليت المستر غير الميعاد.
دخل عليها شقيقها أحمد هاتفاً بها باستغراب: إيه مالك يا مروة شكلك قلقانة كده ليه.
صدمت لدى رؤيته ، وعلى الفور اعتدلت في السرير قائلة بتوتر: أبداً يا أبيه مفيش قلق ولا أي حاجه خالص.
جلس بجوارها قائلاً بتساؤل: يعني مش قدامك كتاب تذاكري منه، تلعثمت من كثرة التوتر والحصار الذي سيفرضه عليها إذا علم أنها لم تفتح كتاب اليوم.
قائلة باضطراب: لا دنا لسه كنت مخلصه مذاكرة وبفكر أنام، هز رأسه قائلاً: تمام يا مروة شدي حيلك، كاد أن يهب من مكانه حتى يغادر الغرفة.
لكنه استمع إلى صوت وصول رسالة للتو على هاتفها المحمول، عقد حاجبيه قائلاً بذهول: مين اللي بعتلك رسالة في الوقت ده.
ابيض وجهها من كثرة الشحوب الذي اعتلى محياها، واغلقت هاتفها وجعلته صامتاً، قائلة بتردد: دي أكيد ميرا بتبلغني ميعاد الدرس.
شرد في تلك العيون الذي لم ينساها يوماً ما قائلاً بتساؤل: إنتي شوفتيها النهاردة، اومأت برأسها قائلة: آه طبعاً كنا مع بعض في درس الانجليزي.
نهض من جوارها قائلاً: طب تصبحي على خير، اخذت نفساً عميقاً بعدما غاردر حجرتها
قائلة بارتياح: الحمد لله صدقني وأمسكت بالهاتف وقرأت الرسالة النصية في الحال.
وجدتها الرسالة المنتظرة من ذلك الشاب يخبرها بأنه سيتقابل معها بعد الدرس وسينتظرها بسيارته.
ابتسمت بسعادة قائلة لنفسها: وأنا أكيد هاجي بعد ما أخلص بس المشكلة في وجود ميرا إزاي هخلع منها.
فكرت قليلاً ثم أردفت بمكر: لقيتها وأكيد هتصدقني المرادي كمان.
أبدل صفوان ثيابه بوقتٍ متأخر من الليل، ثم دخل للمرحاض بعد عدة دقائق، خرج منه مفكراً في خسارته اليوم والتي تسببت فيه تلك الحمقاء الصغيرة.
وعلى الرغم أنهم وعدوه بإجتماع غداً إلا أنه غاضباً منها حتى الآن، تمدد فوق فراشه متطلعاً إلى رسائله الهاتفية، ولم يكن منتبهاً.
لوجود رسائل من أمين، فتحها وأخذ يقرأ محتواها باهتمام قائلاً لنفسه بضيق: شكل كده الموضوع هيبقى أكبر من جحمه وعلى الأساس ده لازم اتصرف بسرعة.
في الصباح الباكر استيقظت مرام على صوت المنبه الموجود بالقرب من سريرها، نهضت من مكانها وتجهزت وبعد ذلك ارتدت ثياب الخدم.
ولجت سريعاً إلى المطبخ وجدت مديرة الفيلا باستقبالها بوجه عبوس بعض الشيء.
لم تتركها تلقي تحية الصباح بل باغتتها بقولها الخشن: مش عايزه النهاردة أي تصرفات مش مرغوب فيها مفهوم وفطار البيه والست الكبيرة يجهز بسرعة لغاية ما وفاء تيجي تستلمه منك.
اومأت برأسها بالموافقة بصمت على الرغم من شعورها بالضيق بداخلها وحزن عميق بسبب قولها البغيض.
تركتها سميحة بمفردها وغادرت المطبخ أما مرام وقفت في مكانها تتمنى أن ينتهي هذا العقاب وألا يتجدد من جديد وعليها أن تنتبه جيداً.
لما هو قادم اليوم، وقفت تفتح الثلاجة وتخرج ما بها من طعام إفطار لسيدها قاسي القلب.
همست لنفسها بحذر: يارب ما أغلطشي تاني النهاردة يا إما المرادي مش عارفه هيحصلي إيه تاني.
دخل صفوان إلى مكتبه بالأسفل بحلته الأنيقة كحلية اللون يستعد لعمله.
طرقت سميحه على باب حجرته قائلة باحترام: الفطار جاهز يا سعات البيه.
هز رأسه قائلاً: دقيقتين وهاجي على طول، جمع بعض الأوراق وحاسوبه المحمول معه في حقيبة صغيرة.
قام بالاتصال على أمين قائلاً بلهجة آمره: ربع ساعة وتكون عربيتي جاهزة.
أجابه أمين: حاضر يا سعات البيه، غادر الحجرة متجهاً إلى مكان إفطاره، وجد مرام بانتظاره بجوار المائدة.
لاحظ ذلك الشحوب على وجهها وعيونها المتورمة من عدم النوم وكثرة البكاء، لكنه تجاهل كل هذا.
قائلاً باستعلاء: ياترى هتغلطي كام غلطه النهاردة.
رجعت خطوتين إلى الوراء كأنه سيلتهمها مع وجبة الإفطار، والرعب يتسلل إلى نبرات صوتها وحواسها.
قائلة بتلعثم: إن.. إن شاء الله مش... مش هغلط، لم يرد عليها إنما عاد وأكمل إفطاره بهدوء كأنه لم يعنفها بالأمس ولم يحدثها بحدة كعادته الدائمة معها منذ أن إلتقى بها.
بعد قليل إنتهى من الطعام قائلاً بتعالي: فنجان القهوة بتاعي بسرعة قبل ما أمشي على شغلي.
هزت رأسها بالإيجاب وركضت نحو المطبخ كي تقوم بصنع القهوة، دخلت عليها وفاء وتناولت الصينية.
قائلة: من بكرة إن شاء الله هعاود لمكاني وانتي هتعاودي لخدمة الست الكبيرة.
ابتسمت ابتسامة باهته غير راغبه بالتحدث إليها، وفي الحال انتهت من عمل القهوة.
اقتربت من مجلسه ببطء ووضعت القهوة على المائدة أمامه، لم يتحدث إليها إنما أرتشفها وهو يقلب بهاتفه دون النظر إليها.
لم تستطع أن تتحرك دون إذن منه، جاءت إليه سميحه قائلة: العربية جاهزة يا سعات البيه، تنهد بهدوء ونظراته على تلك التي تقف كالتمثال.
قائلاً ببرود: تمام... يالا شيلي الأكل ده وبعد كده إنتي عارفه هتعملي إيه.
رفعته من أمامه تحاول أن تكون متماسكة وألا تخطىء كالعادة منذ أن أتت إلى هنا دون قصد من جانبها.
ترك صفوان الفيلا وكانت ترقبه رغماً عنها من نافذة المطبخ المطل على الحديقة، لم تقوى على رفع بصرها عنه.
تتابعه وهو يركب سيارته من الخلف، لقد بدى لها أنيقاً ووسيماً على الرغم من ملامح وجهه المتجهمه والغاضبة اليوم.
اخرجتها سميحة من هذا الشرود قائلة بلهجة آمره: بسرعة نضفي إوضة البيه ومكتبه الأول، وشوفي إيه تاني مطلوب وإعمليه وبعدها إبدئي في تجهيز الغدا.
غادرتها قبل أن تجيبها، أغلقت عيونها بتوتر فكل هذا مطلوب منها اليوم.
تمتمت بيأس: ياربي هعمل كل ده، غير إني حاسه إن مبقتش قادرة.
استمعت إلى صوت خبيث خلفها قائلاً بكبرياء: إنتي يا اللي اسمك مرام إنتي جهزيلي الفطار بتاعي وهاتهولي إوضتي.
لم تلتفت إليها تأففت بداخلها وبدأت بتحضير الفطار، وضعته أمامها في شرفة حجرتها قائلة: إتفضلي الفطار... عن إذنك.
تطلعت إليها قائلة: هوا أنا أذنتلك تمشي طب ما يمكن الأكل ميعجبنيش.
تحملتها مرام هذه المرة أيضاً قائلة بهدوء ظاهري: إن شاء الله هيعجبك.
أجابتها بسخرية: شكلك واثقة من أكلك أوي، كاد صبرها أن ينفذ ولكنها تحاول إمساك أعصابها، فهذه الفتاة تريد أن تستفذها وهذا واضح في جميع تصرفاتها الحمقاء.
لهذا لم ترد عليها إنما تتذوق الطعام أولاً، هزت رأسها قائلة بتهكم: يعني مش بطال بس إن الغدا معجبنيش مش بصراحة أن هتصرف إزاي.
ريبةً إنتابتها بداخلها قائلة: إن شاء الله طعمه هيعجبك.
قبل أن تترك الغرفة نادتها قائلةبغموض: هتعملي إيه على الغدا النهاردة.
ردت بهدوء مصطنع: اللي البيه بيقول عليه بعمله، تنهدت بشر قائلة: آه... طب إسمعي الأكل اللي تعمليه حاولي تكتري فيه البصل وتخليه كده سبايسي شويه، صفوان بيحبه كده.
ضمت شفتيها قائلة بتردد: حاضر عن إذنك، قهقهت إيمي من كثرة الخبث الذي بداخلها قائلة بتحدي شرير: ده هيبقى أحلى غدا هناكله النهاردة.
تم الأجتماع بموعده وعندما انتهى منه، جاءه مدير مكتبه قائلاً: أورااق المشروع الجديد... ده غير إن مهندسين المشروع عايزين يقابلوا حضرتك النهاردة.
رد باختصار: تمام الساعة كام، أجابه الرجل: الساعة واحدة، مط شفتيه وعينيه على حاسوبه المحمول، قائلاً: طيب في الفترة دي مش عايز حد يدخل هنا.
اومأ الرجل برأسه بالموافقة قائلاً: حضرتك عايز حاجه تانيه قبل ما أكمل شغلي، أشار له بيده بالإنصراف.
في الواحدة مساءً جلس صفوان بصحبة المهندسين الخمسة المسئولين عن مشروع القرية السياحية الجديدة.
اثناء محادثتهم تفاجىء بدخول إيمي بعاصفة من الاعتراض على معاملة مدير مكتبه لها.
قائلاً بارتباك: آسف يا فندم هيه اللي أصرت تدخل بالشكل ده، نظرت إليه بحدة.
قائلة بتهكم: علشان تاني مرة متعملهاش وتعرف انت بتتعامل مع مين.
كتم صفوان سخطه منها وإنفعاله الداخلي وضح بنبرته العالية قائلاً بحده: إيمي... مين اللي أذنلك تدخلي هنا من غير إذن.
خطت بكبرياء مفتعل نحو مقعداً مقابل له على طاولة الإجتماع، واضعةً قدم فوق الأخرى قائلة باستخفاف: أنا سمحت لنفسي... هوا مش المفروض أنا كمان أحضر الإجتماع بما إن ليا أسهم هنا في الشركة.
وقف محتداً على عباراتها، متجاهلاً لتلك العبارة الأخيرة قائلاً بغضب: إطلعي برا وبدون شوشرة، يا إما هجبلك الأمن يطلعك برا بالعافية.
كادت أن ترد عليه لكن عيونه القاسية أخبرتها أن هذه غير أي مرة أخرى، نهضت من مجلسها
قائلة بضيق: إوعى تفكر إني كده اتهددت لا بالعكس، ومش هسيب حقي ليك يا صفوان.
أخذ نفساً عميقاً يريد معاقبتها على تلك الكلمات النابية، ومع ذلك كظم غيظه منها متنهداً بحرارة.
قائلاً بصرامة: كملوا الأجتماع عادي وكإن ما حصل أي حاجه.
غادرت إيمي الشركة متوعدة في نفسها ما سيحدث بعد ذلك، وسترد له ما فعله.
ركبت سياراتها تشعر بالحنق قائلة لنفسها بحدة: طيب يا صفوان إن ما دمرتك زي ما دمرت حياتي.
عادت إلى الفيلا تريد مشاكسة تلك المسكينة التي تعد الطعام بالمطبخ، قائلة بضيق: إنتي يا اللي إسمك إيه إنتي.
إلتفتت مرام إليها بتساؤل، بادرتها الأخرى قائلة: إعمليلي فنجان قهوة وتعالي نضفيلي إوضتي.
هزت رأسها بالموافقة عادت إلى عملها لكنها لم تتركها هكذا بل أهانتها.
قائلة بحدة: يعني لسه واقفة مكانك زي الصنم ما تتحركي مش عارفه جيبينك منين.
ضغطت مرام على شفتيها بحزن وألم الإهانه ينخر بقلبها اليائس.
قائلة بخفوت: حاضر هعمل لحضرتك اللي إنتِ عايزاه.
حبست دموعها حتى لا تكون ضعيفة أمامها أكثر من ذلك، انصرفت الثانية من المطبخ بعد أن شعرت ببعض الراحة بعد أن أفرغت بعض غضبها بأحدهم.
أتت إليها بالقهوة ووضعتها أمامها على منضدة صغيرة بالحجرة، دون أن تتفوه بحرف واحد.
ارتشفت منها القليل قائلة باستعلاء: يعني دي ناقصة سكر، وألقتها على الأرض.
توترت مرام من المنظر المهين لكرامتها والأخرى تتابع بتهكم خبيث: يالا نضفي المكان واعمليلي غيرها.
مسحت دمعة فرت من مقلتيها قائلة باستسلام : حاضر هعمل لحضرتك واحده غيرها.
نظرت إليها بطرف عينها في لامبالاة، مشيحةً بيدها بتعالي: يالا إعمليها بسرعة وإعمليها سكر مظبوط مش عايزاه ناقص.
نظفت المكان متجاهلة كل تلك الإهانات الموجهه إليها إهانة تلو الأخرى، تركت الحجرة سريعاً كي تصنع لها آخر.
دخلت إلى المطبخ وجدت سميحة بانتظارها قائلة بحدة: كنتي فين وسايبه الأكل وإوضة البيه ما تنضفتش ليه لدلوقتي.
اتسعت عيونها بصدمةٍ كبيرة قائلة: مين قال كده أنا نضفتها من بدري، أخذتها من يدها بقوة قائلة: طب تعالي معايا.
سحبتها خلفها كشاة لا حول لها ولا قوة، فتحت لها باب الغرفة، مردفة بقسوة: بذمتك دا منظر إوضة متنضفة.
جحظت عيونها بشدة فالغرفة لا يوجد شيء في مكانه مثلما فعلت في الصباح، فكل ما هو موجود بالحجرة مبعثر بعشوائية حتى الشراشف ملقاة على الأرض بإهمال شديد.
تلعثمت لا تعرف ما تتفوه به، لكنها أجبرت نفسها على النطق عندما ضغطت سميحة على ذراعها بقوة.
قائلة عدم استيعاب: استـــ... استحاله اللي أنا شيفاه ده، أنا أنا منضفاها الصبح
تنهدت بعصبية قائلة: يعني إيه اللي انتي بتقوليه ده، تقصدي إن الأوضة بهدلت نفسها....
انزعجت مرام من تلك الكلمات البغيضة قائلة: بس صدقيني أنا نضفتها الصبح بعد ما البيه مشي.
أزاحتها بغتةً بقسوة داخل الغرفة فسقطت على الأرض قائلة بصرامة: بسرعة الأوضة تتنضف من جديد قبل ما البيه ييجي.
أغمضت أهدابها يبكي قلبها بدلاً من عيونها قائلة لنفسها بحزن: مفيش وقت للبكى يا مرام.
أسرعت تنهض من مكانها وبدأت بتنظيف الحجرة بأسرع ما لديها من قوة، ارجعت كل شيء بمكانه.
حتى قاربت على الإنتهاء استمعت إلى صوت صرير سيارة مقبلاً بالأسفل، ركضت نحو النافذة كي تنظر من القادم فقد كان هو لا أحداً غيره.
هرولت صوب المرحاض فقد تركت الباب مفتوحاً حتى تنتهي من تنظيفه، إختطفت الشراشف الموجوده بإهمال وأعادتها إلى مكانها.
ثم سارعت إلى الإنتهاء قبل أن يأتي... خطت بخطوات حريصه إلى الباب حتى لا يراها.
لكن صوت أقدامه قد قاربت على المجيء، أسرعت بجسد مرتجف من الخوف إلى المرحاض مرةً أخرى.
تختبأ بداخله فتح صفوان باب الحجرة، وعيونه كأنها تبحث عن شيء ما خطأ بالغرفة، تنهد وقام بخلع حلته ثم سار نحو الخزانة وقد أخرج ثياباً أخرى كي يستبدلها.
في الأسفل دخلت سميحة إلى المطبخ تتفقد مرام والطعام قد إنتهى أم لا، فلم تجدها شعرت بالضيق من غيابها.
قائلة لنفسها بضيق: معقول تكون لسه في إوضة البيه.
اتسعت عيونها قائلة بصدمة: ده هيبقى يومها إسود معايا ومع البيه، ومع ذلك وجدت أن الطعام قد انتهت منه قبل أن تعود للحجرة مرة ثانية.
أما صفوان قد أخذ ثيابه متجهاً صوب المرحاض، قبض بكفه يفتح الباب، فلم يُفتح بعد عقد حاجبيه بشدة مستغرباً من الأمر، فضغط مرةً فلم يفتح أيضاً.
تسارعت ضربات قلب تلك المسكينة من التوتر والخشية من تصرفه إذا وجدها أمامه الآن.
أسرعت بفتح الباب ببطء من الخلف حتى لا يشعر بشيء وركضت خلف أحد الستائر الموجوده به.
حاول فتحه صفوان مرةً ثالثة ففتح معه، إندهش بنفسه هذه أول مرة يفعل معه ذلك، ولج إلى الداخل مغلقاً الباب خلفه.
ارتعبت أوصال تلك الفتاة التي كاد أن يغشى عليها الآن، فقد كانت تتدعي ربها بداخلها أن ينقذها من هذا الموقف البشع التي وجدت نفسها به.
لمحته من الخلف يقوم بخلع باقي ثيابه فأغلقت عيونها بقوة، وقف كي يستحم، مغلقاً باباً زجاجياً قصير خلفه.
قررت أن تهرب سريعاً قبل أن ينتبه إليها، كان مولياً ظهره إليها منشغلاً بنفسه، سارت ببطء وحذر نحو الباب.
وقبضت على مقبضه بحرص حتى لا يلتفت ويراها، خفق قلبها بقوة عندما فتحته وخرجت قبل أن ينتبه لوجودها.
أغلقته خلفها بهدوء وأخذت منظفاً كان تلمع به الزجاج، ولكنها قبل أن تفتح باب الحجرة.
بوغتت بذراعاً طويلة تمتد وتغلق الباب أمامها قائلاً بجوار أذنها: شكل العقاب المرادي هيكون غير أي مرة.
جلس صفوان على مائدة الطعام فلم تجد بداً بعدما حدث بحجرته أن تخدمه كعادتها معه، وقفت بجواره لم تستطع مواجهة عيونه المترقبة لأي ردة فعل منها.
فلم تكن تتمنى أن تكون بجانبه الآن فقلبها غير مستقر منذ أكثر من ساعة وبعد ذلك العقاب التي لم تعرفه إلى الآن، ضمت قبضتيها بقوة وتوتر تريد الفرار.
أكل بهدوء في البداية لكنه قطعة الخبز قد توقفت بحلقه، وعيون تلك اللعينة تراقبه عن قرب فهي أيضاً تتناول طعامها وتعرف ما سيصدر الآن منه.
ابتلعها على مضض هاتفاً بحدة: إيه كمية البصل الكتيرة الموجوده بالأكل إنتي إيه معملتيش أكل قبل كده.
تراجعت بتلقائية عندما صدمت من صوته الغاضب قائلة باضطراب: أصل أصل ....
هب من مجلسه قائلاً بقسوة: شكلك ما بتوبيش عن أخطاءك اللي بتكرر كل شوية.
زاغ بصرها نحو تلك الخبيثة التي تبتسم بمكر وعيونها تطلع إليها بسعادة شريرة.
قائلة لنفسها: بدأت الثورة ومش هتهدى إلا بمصيبة اكيد هيعملها حتى لو مكنتش دلوقتي هتبقى بعدين.
أسرعت تقول بخبث: شكلها كده فعلاً أنا مش عارفه إنتوا بتجيبوا الأشكال الحقيرة دي منين.
نظرت إليها مرام بوجه شاحب وفهمت تلك اللعينة فهي تريد أن يغضب وينفعل عليها أكثر من ذلك.
لهذا أسرعت تدافع عن نفسها قائلة: بس أنا مكنتش أعـــ... سارعت بمقاطعتها قائلة باستعلاء: مكنتيش إيه إنتي كنتي تطولي تقعدي للحظة دي بعد كل اللي بتعمليه.
كلماتها الشامتة جعلته يثور عليها كالوحش الثائر قائلاً بانفعال: على إوضتك دلوقتي قبل ما ارتكب جناية.
ارتجفت أقدامها وهي تتراجع ونظراتها الحزينة على وجهه المتجهم، لم تلبث بداخلها سوى ثلاث دقائق حتى وجدت سميحة تقول لها بحدة: يالا إعملي أكل تاني للبيه وإياك أنا بحذرك أهوه تغلطي تاني .
خرجت من الغرفة وعلامات اليأس على محياها الشاحب، فقد سمحت لتلك الدموع أن تنهمر بحريتها لكن صوته الغاضب ينادي سميحه.
جعلتها تمسح العبرات المتراكمة على وجنتيها سريعاً خشيةً أن يراها كذلك، ركضت نحو المطبخ وأخذت تصنع طعاماً جديداً.
أدركت أن من وضعها تحت هذا الموقف ليس إلا تلك الفتاة الشريرة، كي يثور عليها كما فعل منذ قليل وتكون ضحيته مرةص أخرى.
تركت همومها خلف ظهرها وانتبهت فقط، إلى ما تقوم به من وجبة الغداء.
قدمت إليه الطعام مرةً ثانية بخطى ثقيلة حتى أنها تحاشت النظر إليه ويداها ترتجفان خوفاً من تلك العيون الجامدة، وذلك الوجه المتجهم.
أقدم على تناوله بضيق جعل قلبها يدق ناقوس الخطر، وارتاحت بعض الشيء عندما لم يعلق بأي شيء من جديد.
تنهدت بداخلها عندما انتهى منه قائلاً بعبوس: عايز فنجان قهوة على مكتبي.
تنحت قليلاً عندما نهض من مكانه متجهاً إليه، أخذت مجموعة من الأطباق إلى المطبخ.
كي تجليهم بعدما تقوم بصنع القهوة، طرقت باب مكتبه هتف بها من الداخل: ادخلي...
تقدمت نحوه ببطء والتوتر يزيد باخل القلب الصغير الذي لم يعد يحتمل كل هذا الذعر.
لمح ارتجافة يدها مرةً أخرى متنهداً بحدةن وهي تضع القهوة أمامه على المكتب، كاد أن ينسكب منها القليل.
لكنه أمسك بكفها بغتةً بقوة متحاشياً النظر إلى عيونها المرتعبة، كي يحول دون ذلك.
جف حلقها من ملامسة قبضته إياها، انتفض قلبها بشدة وسحبتها في الحال كأن لسعها عقرب.
تجهم وجهه أكثر قائلاً: روحي شوفي شغلك، فرت من أمامه سريعاً كأنه سيلحق بها.
في حوالي الساعة السادسة صباحاً، تململت مرام في فراشها وعلى محياها ابتسامة لم تدري عنها شيئاً.
مغمضة العينين تريد استكمال نومها لكن تأتي دائماً الرياح بما لا تشتهي السفن، وياليتها من كلمات.
فعندما تثاءبت بنعاس شديد، مدت ذراعها تحتضن وسادتها كالعادة، فإذا بها تجد نفسها تحتضن شخصاً ما نائماً بجوارها على الفراش.
يتبع.