رواية الفخ الفصل الاول بقلم يمنى عبد المنعم
إن الحياة ليست وردية اللون لا عند الأغنياء أو الفقراء .... بل إنها مليئة بالمتاعب والمشاكل الذي يواجهها يومياً كل من الطرفين... بمختلف أنواعها.
فا بالرغم من ثراء البعض إلا إن المال لا يجلب لهم إلا التعاسة والعيش في الظلام طيلة حياتهم.
وأحياناً أخرى يأتي المال ومعه المرض سواء العضوي أو النفسي... على حسب ما قدر الله له.
لهذا انخدع كثيراً من الناس بمن يظن أن المال سيأتي لهم بالسعادة وأنه سيعالج جميع أمورهم.
لكن للأسف الشديد مع مرور الوقت يكتشفون زيف تخيالتهم الوردية بأقصى سرعة.
في فيلا فخمة رائعة التصميم ذات الطراز المعماري الحديث تقع بمكان ما هادئ بعض الشيء.....
دخل رجل متوسط الطول اسمر البشرة، يخالط شعره
الكستنائي الشيب عادي الملامح يقارب عمره من الخمسين......
يرتدي ثياب عادية مكونه من قميص بني غامق اللون وبنطال
مصنوع من القماش.
إلى حجرة واسعة يتوسطها مكتب خشبي ذات ذوق رفيع
يدل على شخصية صاحبه، ذات مقعدين أماميين ومقعد آخر
بمفرده بمنتصفه من الخلف.
يجلس عليه شاب جامد الملامح رغم وسامته.... ذو لحية
خفيفة ، نظراته ،ثاقبة، لا يبتسم إلا فيما ندر....
يبدو من محياه أنه في الثانية والثلاثون من عمره..... تأمله هذا الرجل الذي يقف على مسافة غير قريبة منه كأنه يخشاه.
قائلاً بهدوء حذر البنت اللي قولتلك عليها يا سعات البيه واقفة برا.
أخذ نفساً عميقاً وترك ما بيده من أوراق قائلاً بصرامة طب خليها تدخل بسرعة ومش عايز أي حد يقاطعنا مفهوم.
اوماً الرجل برأسه بالإيجاب ...... خرج مسرعاً يُناديها بنفس الهدوء كلمي البيه ونفذي كل اللي يقولك عليه بالحرف الواحد.
وقفت الفتاة الشابة ذات العشرون عاماً أمامه والإضطراب الشديد يعتريها ... تحدق بعيونها العسلية اللون بالسجادة التي تغرز قدميها الحافيتين بها.
كأنها تستنجد بها كي تحميها من عيونه الحادة المدققة بها. فقد خجلت من أن يرى أحداً
حذاءها الرث ويسخر منه كانظراته الآن.
نهض من مكانه فظهر طوله الفارع وجسده الرياضي....
العريض المنكبين.
بالمقارنة مع طول قامتها المتوسطة، مرتدياً ثياباً أنيقة تدل
على ثراءه عكسها تماماً .....
والتي هي بالنسبة إليه ما هي إلا حشرة صغيرة يرمقها ببصر
يملئه الجمود.....
متمعناً النظر بها ببرود وبثيابها من رأسها إلى أخمص قدميها
كأنها سلعة رخيصة للبيع بثمن بخس....
تقدم إليها من خلف مكتبه يخطو نحوها بخطى بطيئة تتسلل
إلى قلبها المفزوع بقلق مزعج.
وقف أمامها مباشرةً يتأمل وجهها المستدير الباهت الذي لا حياة فيه ولا روح كالمومياء.
تحدق به برهبه بتلك العينين الواسعتين والمتورمتين من أثر دموع ليالي سابقة.....
حتى بشرتها فاتحة اللون يبدو عليها أنها لم تجد من يعتني بها يوماً ما.
ارتبك تنفسها كثيراً بغتةً شاعرةً باختناق شديد بصدرها، تمنت أن تنشق الأرض وتبتلعها.
كي تتخلص من تلك العيون القاسية التي لا ترحم.......
عندما طال هذا الصمت المميت بينهما، أخافها أكثر من ذي قبل .... ظهر ذلك بشكل كبير على أناملها التي تعقدهما بتوتر واضح.
مظهره من ملامح وثياب فخمة ذات ماركات عالمية .... توحي لها ولغيرها بمهابة لم تراها على أي شخص آخر تعرفه من
قبل.
تحدث أخيراً بعد أن كاد يغشى عليها من الذعر، قائلاً بروية
ونبرة مميزة يا ترى أنت عارفه إيه سبب مجيك هنا.
هزت رأسها ببطء بالموافقة ... رغم اضطرابها قائلة بتلعثم: عم
أمين قالي وفهمني على كل حاجه.
وضع كفيه في جيب بنطاله قائلاً بلهجة باردة: عظيم يبقى
مش محتاجه أشرحلك هتعملي إيه بالظبط.
اومأت برأسها بتردد مطرقة بعيونها المتعبة إلى قميصه الكحلي اللون وضربات قلبها تكاد تخشاه هي أيضاً ... تابع
بجفاء دون أن ينتظرها للرد عليه.
عائداً إلى جانب مكتبه مرةً أخرى قائلاً بعبوس وطبعاً عارفه كمان إنك مش هتخرجي من هنا إلا يوم واحد بس من كل أسبوع أو إسبوعين تشوفي فيه والدتك واختك.... يعني باختصار شديد على حسب مزاجي أنا.
اندردت ريقها بصعوبة شديدة من هذا السجن التي وضعت نفسها به بكامل إرادتها .... ورغماً عنها من أجل ظروفها الصعبة التي تمر بها في الآونة الأخيرة.
وضعت نفسها بطريق شخص غريب عنها يتحكم بها وبجميع تصرفاتها ..... وبحياتها التي أصبحت لغزاً جديداً من الآن.
هزت رأسها بالإيجاب دون أن تتحدث مطرقة برأسها حزينة
النظرات ...... زفر بحدة للحظات تمر عليها كالدهر، ضاغطاً على
زر فوق مكتبه بضيق.
أنت تهرول إليه خادمته قائلة بتوتر واضح نعم يا سعات
البيه.... أشار بيده إلى الفتاة التي يرثى لها ولحالها.
قائلاً بلهجة آمره: خدي الآنسة قبل ما يغمى عليها من الجوع
وكليها كويس، وبعد كده وريها اوضتها وعرفيها النظام هنا
ماشي إزاي.
ثم جلس على مقعده منهياً هذا النقاش الذي أنهاه بإسلوبه
الجامد المعهود.
خرجت مرام بصحبتها تلقي ببصرها صوب حقيبتها تود الهرب
من حيث هي الآن.... والعدول عن قرارها.
حملت وفاء الخادمة حقيبتها قائلة تعالي ورايا.
سارت خلفها بتردد قلق إلى أن توقفت بها أمام باب مغلق بالطابق الأرضي.
فتحته قائلة : اتفضلي ادخلي لغاية ما أحضر لك الغدا.
أسرعت مرام هاتفه بها متشكرة أوي انا مش جعانه.
عارضت قولها هذا قائلة بإصرار: مش هينفع متكليش لازم أوامر صفوان بيه تتنفذ.
ابتلعت ريقها بصعوبة وقبل أن تجيبها كانت قد تركتها ذاهبة إلى المطبخ.
دخل أمين مرةً أخرى إلى نفس حجرة المكتب، قائلاً: العربية جاهزة يا صفوان بيه.
أشار إليه بالخروج من أمامه، تنفس بعمق ثم تناول هاتفه المحمول مغادراً المكتب.
وقفت مرام أمام خزانة كبيرة تتوسط الغرفة، تتأمل تلك الثياب القليلة التي بحوذتها.
تقارنها بفخامة الأثاث والمفروشات داخل الحجرة، هامسة
لنفسها بحزن: فرق كبير بيني وبين المكان هنا ... صمتت تتذكر
ذلك الوجه الجامد الذي أتى بمخيلتها.
تستطرد بنفس الحزن حتى صاحب المكان عارف كده
كويس، ومن نظراته ليه بتحكي كل اللي جواه من غير ما
يتكلم.
أغلقت أهدابها تهدئ من روعها قليلاً، تحاول التعود على هذه
أغلقت أهدابها تهدئ من روعها قليلاً، تحاول التعود على هذه الحياة الجديدة.
التي تعيشها الآن بإرادتها، استمعت إلى صوت طرقات على باب الحجرة.
تركت الثياب من يدها قائلة بخفوت ادخل ... وجدتها وفاء قد أتت إليها بالطعام.
قائلة : اتفضلي الغدا ... كنت ممكن تتغدي في المطبخ لكن لقيتك تعبانه وقلت تاكلي هنا أفضل.
ارتبكت من منظر الطعام الشهي، كأن معدتها تهلل فرحاً له وها قد بدأت أيضاً تستعد له، وتذكرها أنها لم تذق أي شيء اليوم يعينها على الحياة.
وضعت الخادمة الصينية على منضدة صغيرة وانصرفت.
جلست الفتاة تحدق بالطعام دون أن تلمسه بالرغم من جوعها الشديد.
ترددت في تناول الخبز وبدأت الأخذ من الأكل، لكن تذكرها الأوامر ذلك الشخص الحاد.
جعلتها تستكمل وتأكل على مضض، وإمضاءها على بعض
الأوراق التي لم تفهم معظمها.
وصل صفوان إلى منزل قديم الطراز... استقبلته إمرأة في
منتصف العمر.
قائلة باحترام كبير: اتفضل يا سعات البيه الست بانتظارك.
دخل إلى المنزل دون أن يلتفت لا يميناً أو يساراً كأنه يعرف
كل ما يحيط به من غموض هو من صنعه بنفسه.
جلس أمام السيدة الممتلئة الجسد نوعاً ما قائلاً ببرود: أظن إنك عارفه هتعملي إيه كويس أوي.
ابتعلت ريقها بصعوبة بالغة قائلة بخفوت أكيد يابني.
عند هذه الكلمة استشعر بشعور غريب لم يعتاد عليه من قبل مجيباً إياها تمام أمين هيعدي عليكي بكرة إن شاء الله
الصبح تكوني جاهزة.
اومأت برأسها بالإيجاب دون تتفوه بكلمات أخرى، أتت المرأة الأخرى تقول: صفوان بيه في شوية حاجات هنحتاج نشتريها علشان بكرة.
زفر بضيق قائلاً: اتصلي على أمين وبلغيه باللي هتحتاجيه
وهوا هينفذ كل اللي هتقولي عليه.
في منزل آخر بسيط جداً متوسط الحجم على السطوح مكوناً من ثلاث غرف وصالة صغيرة.
وقفت میرا شقيقة مرام التي تشبه كثيراً أختها الكبرى في
المطبخ مع والدتها تتابع باهتمام طريقة تحضير الطعام.
انتبهت الوالده لذلك، ابتسمت لها قائلة بمزاح هتفضلي كده
كتير بتتفرجي... ما تيجي تساعديني.
بادلتها الإبتسامة وامسكت بحبة من حبات الطماطم، وأخرى
من البصل قائلة: ما انتي عارفه يا ماما إن مش بعرف زي
مرام، بس يالا الأمر لله هقطع السلطة.
ضحكت الأم قائلة: ربنا ما يحرمني من مرام ويطمني عليها
لما بتبقى هنا مش بدخلني المطبخ مش تقوليلي سلطة.
تنهدت متذكرة مظهر شقيقتها التي لم تنساه، من كثرة الحزن الذي يعتريها.
مجيبة إياها بهدوء مفتعل صحیح یا ماما مرام مقالتش هتيجي امتى.
هزت رأسها بالنفي قائلة : لسه متعرفش الشغل الجديد غير اللي كانت فيه قبل كده زي ما قالتلي من يومين.
صمتت الأم برهة تحدق بابنتها تستطرد بحيرة بس اللي بستغرب له ان الشغل هياخد وقتها كله وهيخليها قاعده هناك لمده اسبوع او اكثر.
زفرت ميرا من اجل شقيقتها التي تعمل دون كلل أو ملل من أجلهم، ومن اجل دراستها.
قليل عندما تفكر بنفسها دائما ما تفكر بالآخرين على حساب
نفسها منذ ان توفى والدها منذ خمس سنوات.
والمسئولية على عاتقها ودائماً ما تؤثر الآخرين على نفسها.
فوالدتها سيدة طيبة هادئة الملامح والطبع، قد تجاوزت من
العمر خمس واربعون عاماً، لا تعرف في الدنيا كلها سوا
أولادها وزوجها المتوفي وبيتها البسيط....
استمعت ميرا الى صوت طرقات على الباب بوغتت بسيدة
مسكينة في الاربعينات من العمر تقف أمامها ودموعها تنهمر
على وجنتيها، تكون جارتهم منذ خمسة عشر عاماً.
ابتسمت لها الأولى بوجه بشوش اخرج الأخرى من حزنها
الذي يعتري قلبها.
۲:۲۱
قائله بخفوت معلش یا میرا ممکن ادخل اقعد عندكم يومين أو تلاتة، اصل جوزي الله ينتقم منه طردني انا واولادي ومش
عارفه اروح فين بيهم دلوقتي.
حزنت ميرا من اجلها قائله بتعاطف معها اتفضلي يا خالتي البيت بيت حضرتك.
ثم نادت بصوت مرتفع: ماما ماما خالتي ام حسام جات عندنا.
دخلت المرأة مع اولادها الثلاثة التي اصطحبتهم معها هامسه لهم بصوت خفيض مش عايزه شقاوه احنا مش في بيتنا.
استمعت إليها والده مرام وهي تنبه على أولادها الذي يكبرهم حسام البالغ من العمر خمسة عشر عاماً.
على عدم شقاوتهم هم الثلاثه له لهذا انزعجت الأخيره على هذا التنبيه.
قائله بعتاب ليه بتقولي لهم كده يا ام حسام ده البيت بيتهم
يعملوا اللي هم عايزينه.
ثم نظرت الى ابنتها وهي تقول بابتسامه ممزوجه وتعاطف
ده إنت حتى حماتك بتحبك احنا لسه كنا هنتغدى دلوقتي.
بكت ام حسام بشدة قائله بحزن منه لله جوزي هو اللي
طردني ووصلني للحاله اللي انا فيها دلوقتي دنا متجوزاه من
ستاشر سنة ومستحمله، وقلت هيتعدل مع الوقت وأقول
هيتغير وبرده هوا هوا ما فيش تغيير انا اللي استاهل اكثر من
كده علشان استحملت كل السنين دي كلها.
ربتت والدة مرام علي كتفها قائلة بحنان ولا يهمك يا ام
حسام البيت بيتك واعتبري نفسك اختي واولادك هما
اولادي.
في اليوم التالي اخرجت مرام ثيابها وارتدتها كي تستقبل عملها الجديد.
نزلت بالأسفل تحاول أن تبدو طبيعية بالرغم مما يعتريها من خوف ممزوج بقلق.
وجدت الخادمة في المطبخ تصنع بعض الطعام... ابتسمت لها مرام ابتسامة خفيفة.
بادلتها نفس الابتسامه قائلة بهدوء ها نمتي كويس، اومأت برأسها بالإيجاب دون أن تعلق بكلمة.
فقد كان فكرها مشغولاً بالعمل التي ستبدأ به اليوم.
استكملت الخادمة كلماتها قائلة بهدوء: طب تعالي افطري علشان كمان شويه وهتبتدي شغلك.
جلست الفتاة على مقعد وبجواره منضدة مستديرة متوسطة الحجم، وضعت أمامها بعض الأطعمة الطازجة وأيضاً بعض من الشطائر التي قد أخرجتها للتو من الفرن كي تتناول
إفطارها.
تأملت مرام الطعام متذكرة نفسها بصحبة والدتها في مطبخ منزلهم المتواضع.
تعده معها كل يوم إلى أن يحين موعد عملها القديم السابق.
التي تركته رغماً عنها بعد أن اعتادت عليه، تنهدت بداخلها
على تلك الذكرى التي لم تجلب لها سوى التعاسة.
أخرجتها وفاء من بين صخب الأفكار التي اعترتها للتو.
قائلة بهدوء: اتفضلي كلي لغاية ما أعملك الشاي.
هزت رأسها بالنفي قائلة بخفوت متشكرة أوي مش بشربه.... متتعبيش نفسك.
قبل أن تجيبها أتى أمين ووقف بجانب باب المطبخ.
ارتبكت مرام لدى رؤيته وامتنعت عن الطعام، أما وفاء الخادمة فقد تركت ما بيدها، قائلة: في حاجه يا عم أمين.
أشار لها بالاقتراب منه ... دنت منه ... همس لها ببعض الكلمات ثم أعطاها حقيبة بلاستيكية وانصرف.
تنهدت مرام بارتياح بعد تركه للمكان، ثم عادت إليها قائلة: الشنطه دي علشانك.
اندهشت بتوتر وهي تتفحص الحقيبة وما بداخلها، تفاجئت بثياب جديدة متنوعة ما بين البيتي والخروج.
انزعجت بشدة لدى رؤيتها لهم ورغم ادراكها جيداً للفارق الكبير بين ثيابها وهذه الثياب.
من الواضح أنها باهظة الثمن لهذا لن تقبل بهم مهما تطلب الامر.
نهضت من مكانها سريعاً، ثم بادرت الخادمة بسؤال جاد ليه
كل اللبس ده.
فهمت وفاء ما ترمي إليه مرام من ورا سؤالها هذا.
قائله بجديه هي الاخرى صفوان بيه أمر بكده ولازم أوامره
كلها تتنفذ.
ردت عليها الأولى باستغراب قائلة: بس انا مش محتاجه كل اللبس ده وعندي كل اللي محتاجاه
زفرت بحدة قائلة بصرامة : والله دي أوامره زي ما قلتلك ولازم تنفذيها من سكات.
صدمت مرام من خشونة الخادمه وهي تتحدث إليها بهذه
الطريقة التي تراها منها لأول مرة منذ أن اتت بالأمس.
خرجت الأخيرة من المطبخ، دون أخذ الحقيبة عائدة إلى الحجرة التي أصبحت غرفتها.
تريد الهروب إليها والاحتماء بداخلها، لكن كل ذلك لم تهنئ به.
إذ أتت إليها وفاء تقول بجدية : صفوان بيه منتظرك في مكتبه.
اعتلى وجهها القلق والتوتر لدى نطقها بالجملة التي سمعتها.
هامسة بصوت خفيض متعرفيش عايزني في إيه، تنهدت بفارغ الصبر مجيبةً إياها بضيق: استحالة طبعاً أكون عارفه شكلك لسه متعرفيش مين هوا صفوان الحديدي.
انبعث بداخل صدرها صدى رعباً كبير، انتقل إليها عبر نبرة
الصوت فقط التي تحدثت به
الخادمة .....
قائلة لنفسها بذعر لما هيه بتكلمني بالطريقة دي أمال هوا
هيكلمني إزاي.
دلفت مرام الى حجرة مكتبه الذي بدى منشغلاً في عدة اوراق
خاصة به وبأعماله ونظرات خاطفة يُلقيها على حاسوبه
المحمول.
لم ينتبه إلى تلك المرتعبة التي تقف أمامه كتلميذ يخشى
عقاب مدرسه.
قائلة بصوت منخفض: وفاء قالتلي إن حضرتك عايزني.
لم يرفع عينيه عن الورق إذ ظهر عليه الانشغال أكثر من ذي قبل، وطال الصمت حتى انها شعرت أنه سيغشى عليها في الحال.
إلى أن تحدث أخيراً بصوت خشن انت عارفه انت هنا ليه ولا
لأ.
خفضت أهدابها إلى الأرض بريبة هامسة بتردد: ايوه عارفه.
نهض صفوان من خلف مكتبه واضعاً كفيه في جيب بنطاله قائلاً ببرود: اظن إن ما حدش جبرك انك تيجي هنا وتشتغلي
اللي مضيتي عليه بإرادتك.
هزت رأسها بإيجاب دون ان تفتح فمها للتفوه بأي كلمة
أخرى... لم ينتظر ردها إذ ضغط فوق زر المكتب.
أتى امين على الفور قائلاً باحترام نعم يا صفوان، تنهد قائلاً بلهجة آمره: هات الشنطة اللي في المطبخ.
ثواني ثم أتى أمين بها وانصرف بعدما اشار له بالمغادرة.
لم ينظر الى الحقيبة الموضوعة امامه قائلاً بخشونة اللبس
ده انا مش جايبه شفقة مني عليكي، إنت هنا بتشتغلي عند
صفوان الحديدي.
أجبرت نفسها على التحدث إليه بنبرة مهزوزة: انا حضرتك
عندي لبس كثير والحمد لله ومش محتاجه كل اللبس ده.
رفع جانب شفتيه باستهزاء قائلاً بنبره ساخره برافو شكلك من النوعية اللي بتدي محاضرات في الأخلاق و الكلام الكبير عن الكرامة اللي ما لهاش ستين لازمة.
امتقع وجهها بشدة اذ شعرت بأنها في كابوس حقيقي، هي من وضعت نفسها به
لهذا عليها ان تتحمل كل عواقب التجريح والإهانة لكرامتها وأكثر من أجل والدتها وشقيقتها التي تتولى شئونها باستمرار.
تأملها للحظات من رأسها إلى أخمص قدميها، بوجه خال من أي تعبير ثم أشار لها بيده باستخفاف.
قائلاً بنبرة متهكمة بصي لمنظرك ولبسك اللي انت جايه بيه ولا تكوني فاكره ان شويه الهلاهيل بتوعك دول بتسميهم لبس.
غمر قلبها الحزن الشديد مع ازدياد شعورها المستمر بالإهانة
أكثر من قبل.
فقد أهانها بإسلوب فظ للغاية لم يسبق لها أن تعرضت له من
قبل.
لهذا أحست بأنها تريد بإلقاء الحقيبة في وجهه، ثم الفرار من
أمامه.
لكنها تذكرت تلك الأوراق التي وقعت عليها منذ عدة أيام، فلم
تستطع إلى أن تصمت وتصبر حتى تحقق ما تتمناه.
أيقظها من هذا الإحساس المميت صوته الأجش، مستطرداً
بحده إنت يا آنسة اللي أقوله يتنفذ... ويالا على اوضتك
والبسي من اللبس الجديد يا إما كل لبسك على الزبالة مفهوم.
اتسعت عيونها من كثرة الكلام الجارح المباغت لمشاعرها لفتاة في مثل عمرها.
ولم تجد إلى أن تفر من أمامه حتى لا تنهار باكية ويرى إنكسارها ... فيزيد من فرط سيطرته عليها أكثر من ذلك.
نفت صفوان تنهيدة حارة كانت بداخل صدره، ولم يلوم نفسه على تلك المعاملة بل سيزيد منها.
انقطع الهدوء الصاخب بصوت هاتفه، حدج الرقم ثم رد باختصار حاد مفيش حاجه اسمها أخسر صفقة فاهم لازم
تتصرف معاهم.
أتى أمين عند الباب قائلاً يترقب سعات البيه كل حاجه بقيت جاهزة زي ما حضرتك أمرت ده غير أوامرك الخاصة بأهل
البنت.
تنهد بحنق قائلاً بصرامة : تمام كلم البنت تبدأ شغلها وأي حاجه تحصل بلغني بيها وأنا هتصرف وتخلي عينك عليها.
اومأ الرجل برأسه بطاعة منصرفاً من أمامه، كي ينفذ تعليماته
الجديدة.
اضطرت مرام أن ترتدي ثياباً جديدة على مضض رغم تأثرها
بحديثه الجارح.
همست لنفسها بيأس لازم أنفذ كل كلمة يقولها يا إما هلاقي
نفسي في السجن في أي لحظة.
يتبع