رواية أرض زيكولا الفصل الثالث عشر 13 بقلم سندي

 




رواية أرض زيكولا الفصل الثالث عشر 13 بقلم سندي


توقّفت قدما خالد عن الحركة , و اتسعت حدقتا عينيه , 

و زادت ضربات قلبه حين سمع كلماتها .. 

و عاد إليها مسرعاً .. و سألها فى لهفة :

- أنتى قلتى أيه ؟!

فوجدها قد وضعت رأسها على الطاولة .. 

و غابت عن الوعى .. 

فسألها مجدداً و صاح بها لكنها لم تجبه , 

فحاول أن يجعلها تفتح عينيها و أن تكرر ما قالته مرة أخرى , و ضرب بيده على الطاولة حتى تفيق , و لكن دون جدوى , حتى أمسك برأسها و أعادها إلى الخلف ثم جلس أمامها ففتحت عينيها ببطء .. 

و نظرت إليه فى ذهول , فسألها :

- أنتى قلتى أيه فى آخر كلامك ؟

فابتسمت و نظرت إليه ثم سألته :

- من أنت ؟!

فنهض و سأل نادلاً أين يجد غرفة خالية , 

فأشار النادل إلى باب إحدى الغرف فأسرع 

و حمل الفتاة على كتفه و التى ضحكت برعونة 

حين قام بحملها .. 

و سار بها تجاه تلك الغرفة وسط نظرات الفتيات الأخرى اللاتى تهامسن حين وجدنه يحملها و كأن الغيرة أصابتهن .. حتى وصل إلى باب الغرفة فدفعه بقدمه 

و دلف بها إلى الداخل – و ما زالت تضحك - 

ثم طرحها على أرضية الغرفة .. 

و أكمل سيره للداخل و وجد إناءً كبيراً به ماء فحمله , 

و عاد به إليها و سكبه بالكامل فوق رأسها 

فصرخت من برودة الماء فسألها :

- افتكرتى أنا مين ؟

فنظرت إليه دون أن تجيب , فأسرع و حمل إناءً آخر و سكبه فوق رأسها , فصرخت :

- تذكّرتك .. أرجوك .. لا حاجة لمزيد من الماء ..

فسألها على الفور :

- مين اللى قتل أبوه عشان يرثه .. و فى الآخر ورث كتاب ؟

صمتت الفتاة , و كأنها تتذكر ثم سألته :

- هل حدّثتك عن ذلك ؟

رد خالد متلهفاً :- أيوة ..

فنظرت إليه الفتاة :

- حسنا .. ماذا تريد منه ؟

فأجابها : - أنا عاوز أوصل له بأى طريقة .. لازم أوصل له .. لازم ألاقى الكتاب و صاحبه .. أنتى تعرفيه ؟

فنهضت و تحركت خطوات بملابسها المبللة و شعرها المبلل 

و جلست على أحد الكراسى , و نظرت إليه :

- نعم أعرفه .. و قد أدلك عليه الآن 

إن أعطيتنى عشرين وحدة من ذكائك ..

فأسرع تجاهها و قال :

- و أنا موافق ..

فضحكت الفتاة :

- حسنا .. سأصطحبك إلى هناك .. 

و لكن انتظر حتى أبدّل ملابسى ..


اتجه خالد مع الفتاة , 

و التى بدّلت ملابسها إلى أحد الشوارع البعيدة .. 

و أخبرته بأن بيت صاحب الكتاب فى نهاية ذلك الشارع .. 

و خالد يسير و عقله لا يتوقف عن التفكير , 

و يفكّر بما قالته الفتاة بأن هذا الشاب قتل أباه كى يرثه .. 

و يخشى أن يكون ما يفكّر به حقيقةً تصدمه بعد لحظات .. حتى وصلا إلى أمام بيت متواضع , فسألها خالد :

- هو جوّة ؟!

فردت الفتاة :- نعم ..

فاندهش و سألها :

- و ليه هو مش بالخارج زى باقى أهل المنطقة الشمالية ؟!

فأجابته :

- إنه هكذا .. بعد أن قتل أباه و فوجئ بعدم امتلاكه لشئ .. أصابه اليأس , فهو يجلس ببيته كثيراً .. 

و تزداد حالته سوءًا , و كأنه ينتظر أن يُذبح يوم زيكولا ..

ثم طرقت الباب , و بعد لحظات قام شاب فى العشرين 

من عمره بفتحه .. فأشارت إليه الفتاة :

- ها هو صاحب الكتاب .. أما أنا فعلىّ أن أعود إلى عملى .. و غمزت إلى خالد بطرف عينها , و أكملت :

- هناك من ينتظروننى ..

فنظر إليها خالد و قال : - شكراً على كل حال ..


غادرت الفتاة .. و نظر خالد إلى هذا الشاب 

الذى يقف أمامه , و ظل يتأمّله حتى سأله الشاب :

- من أنت ؟!

فزادت دهشة خالد حين وجد صوت هذا الشاب يشبه صوته .. فسأله الشاب مجدداً , و ظهر الغضب على وجهه :

- من أنت ؟

فرد خالد :- أنا أطلب منك المساعدة ..

فسأله الشاب : مساعدة ؟!

فأجابه :

- أيوة .. أنا عرفت إنك ورثت عن والدك كتاباً 

احتفظ به لمدة عشرين سنة ..

فأخرج الشاب نفسا عميقاً :- نعم ..

فابتسم خالد :- هل تأذن لى بالدخول و نتحدث قليلاً .. 

ثم تابع حين شعر برفض الشاب :

- و سأعطيك خمس وحدات ذكاء مقابل هذا الحديث ..

فقال الشاب :

- حسناً , و لكن لا تضع وقتى .. 

عليك أن ترحل سريعاً , أنا لا أحب الغرباء ..

...

دخل خالد معه إلى الداخل .. 

و لاحظ مدى الفقر الذى يعيشه , و تلك الحياة البائسة , 

و التى ظهرت على ملابسه 

و على أرضية بيته حيث زجاجات الخمر الفارغة , 

و ظل يترقبه و يتأمله حتى سأله :

- أنت قتلت والدك فعلاً ؟

فرد الشاب غاضباً :

- و ما دخلك ؟!

قال خالد :- أرجوك , أجبنى ..

فنهض الشاب , و تحرك خطوات مبتعداً عنه .. 

و حمل زجاجة خمرٍ فى يده .. ثم نظر إليه :

- نعم قتلته .. إنه لم يجلب لى سوى الفقر .. و تابع :

- اعتقد أن أمى ماتت قديماً بسبب جنونه ..

فسأله خالد على الفور :- أمك .. ماتت ؟!!

فأجابه :

- منذ زمن قديم .. إننى لا اتذّكرها حتى .. 

ليتها عاشت و مات هو ..

فسأله خالد :- ليه بتكرهه كل الكره ده ؟!

فرد الشاب بعدما شرب القليل من الخمر :

- إننى أكرهه لأنه كان مجنوناً .. 

هل يعقل أن ينفق أحد مخزونه من الذكاء مقابل كتاب لعين .. ثم ينفق ما تبقى له من ذكاء فى التفكير فى هذا الكتاب .. يكفيه حظاً أنه وجد من أفقر منه بزيكولا .. 

و إلا ذُبح قبل أن أقتله بسنوات ..

فسأله خالد :

- ما اسمك ؟

أجابه:

- اسمى هلال .. إنه من سمّانى بهذا الاسم ..

فسأله خالد على الفور :

- و اسم والدك أيه ؟

فأجابه ساخطاً :

- كان يدعى حسنى ..

فدق قلب خالد بقوة .. و أحمرّ وجهه , 

و كأن الحقيقة التى كان ينتظرها قد لفحته .. و نطق :

- حسنى عبد القوى ؟!

فاندهش الشاب:

- نعم .. هل تعرفه ؟!

فصمت خالد .. و تساقطت بعض دموعه .. 

و انحنى بظهره للأمام , و وضع رأسه بين يديه , 

و أكمل بصوت هادئ :

- كان أبوك غريباً عن هنا .. 

و جاء إلى زيكولا من سبعة وعشرين سنة .. هو و أمك .. 

و كان يحدّثك عن مصر .. و عن سرداب فوريك ..

فزادت دهشة هلال , و نظر إلى خالد , و الذى أكمل :

- و لكنه مقدرش يحميك من طباع زيكولا .. 

و أصبح همك مثلهم .. الثروة ..

ثم نهض , و اقترب منه , و خطف زجاجة الخمر من يديه , 

و وضعها بعيداً .. ثم سأله :

- هل لاحظت الشبه القليل بينى و بينك ؟ .. 

هل لاحظت أن صوتى يشبه صوتك ؟ ثم تابع :

- أنت هلال حسنى .. و أنا اسمى خالد حسنى ..

ثم عاد خطوات إلى الخلف , و أخذ نفساً عميقاً و أخرجه ببطء ثم أكمل بعدما نظر إليه :

- أنا أخوك , و أنت قتلت والدنا .. لأنك ابن زيكولا ..

فصاح هلال به :

- يبدو أنك مجنون أنت الآخر, ثم دفعه :

- هيا أخرج من هنا ..

فصاح خالد غاضباً , 

و مازالت الدموع على وجهه :- أنا فعلاً أخوك ..

فدفعه هلال مجدداً :

- اخرج أيها المجنون .. 

هل أنا بحاجة إلى مزيد من الجنون كى تأتينى أنت الآخر ؟!!

فنظر إليه خالد , 

و كأنه يراه و هو يقتل أباه ثم مسح دموعه و سأله :

- أين الكتاب ؟

فأجابه هلال غاضباً :

- و ماذا تريد من الكتاب ؟!

فرد خالد : أنا بحاجة للكتاب لإنى عايز أرجع بلدى .. 

و ممكن تيجى معايا ..

فضحك هلال ساخراً :

- أرى أنك تشبه أبى فى جنونه .. انتظر ..

ثم نظر إليه و عقد حاجبيه , 

و سار إلى إحدى الغرف ثم عاد مجدداً إلى خالد , 

و معه كتاب قديم أوراقه سميكة و قديمة .. 

فأسرع إليه خالد , و خطفه منه حين لمح عنوانه .. 

سرداب فوريك .. 

و بدأ يقلّب صفحاته المصفرة فى لهفة و دق قلبه بقوة , 

حتى وصل إلى صفحة فى منتصف الكتاب مكتوب بها 

بخط يدوى كبير .. الطريق إلى سرداب فوريك .. 

و كاد يقرأ ما بها حتى اختطفه هلال منه , و قال ساخراً :

- هل تريد هذا الكتاب ؟!

رد خالد فى لهفة :

- أيوة ..

فضحك , و حدّث نفسه :

- لقد أصبح للكتاب فائدة , ثم نظر إلى خالد :

- حسنا .. عليك أن تشتريه ..

صمت خالد قليلاً ثم سأله :

- و كم تريد ؟

فابتسم , و تحرك خطوات جيئة و ذهاباً , و تحدّث :

- أرى أنك فى حاجة ضرورية إلى الكتاب ..

فنطق خالد :- نعم ..

فأكمل هلال :

- حسناً .. إن كنت تريده , 

فعليك أن تعطينى ربعمائة وحدة من ذكائك ..

فصاح خالد على الفور : ربعميت وحدة؟!!

فرد هلال فى هدوء , و تناول زجاجته مرة أخرى :

- نعم .. أيها الغنى .. ربعمائة وحدة ..

فقال خالد : صدقنى , أنا أخوك ..

فضحك هلال ساخراً :

- ليتنى أتأكد أنك أخى أيها المجنون .. 

أقسم لك أننى لو تأكدت من ذلك لقتلتك كى أرثك ..

فصمت خالد , و زاد ضيقه ثم سأله :

- هل ترك أبوك شيئاً آخر ؟

فأجابه : إنه لم يترك سوى هذا الكتاب .. 

هل ما زلت تريد شراءه , و ضحك ساخراً , و أكمل :

- هيا .. إنها ربعمائة وحدة فقط ..

فصمت خالد مرة أخرى .. 

و كأنه يفكر , و طال صمته حتى نظر إلى هلال :

- أعطنى مهلة شهرين .. 

و هرجع اشتريه مقابل الربعميت وحدة ..

فسأله هلال متعجباً :

- ألا تمتلكهم الآن ؟!

فتحرك خالد خطوات , ثم نظر إليه :

- امتلكهم .. و لكنى أحافظ على مخزونى من الذكاء .. 

و هقدر أوفّر من عملى ثمن الكتاب .. 

و هرجع لك بعد شهرين من اليوم .. 

أرجوك حافظ على الكتاب ..

فجلس هلال , و عاد بظهره للخلف :

- حسنا .. سأنتظرك حتى تعود , 

و لكن إن تأخرت يوماً واحداً عن الشهرين .. 

سأمزق عن كل يوم تأخرته عشر ورقات , 

حتى لو وصل بى الأمر أن أمزقه بالكامل .. 

إنه لا يهمنى بشئ .. هيا لا تضيع وقتك .. 

عد إلى حيث جئت ..

فأوما خالد برأسه ثم تركه , و غادر , 

و أخرج زفيرا طويلاً , و حدّث نفسه :

- إنه أخى .. و قاتل أبى ..


غادر خالد بيت هلال , صاحب الكتاب .. 

و سار بين الناس و بين موسيقاهم 

و صرخاتهم التى لا تتوقف .. 

و عقله يشتعل بالتفكير .. تتضارب برأسه الكثير من الأفكار , و يتخبط قلبه ما بين شعور و آخر .. 

يسأل نفسه هل يسعد لأنه وجد كتابه , 

أم يحزن حين علم بقتل أبيه و موت أمه , 

حتى لو لم يرهما من قبل .. 

و هذا الشاب المتهور الذى قد يكون أخاه , و مدى جشعه .. 

و المقابل الكبير الذى طلبه كى يعطيه كتابه .. 

و كيف سيوفّر ربعمائة وحدة فى شهرين .. 

و إن عاد ليأخذ كتابه هل يأخذه و يترك أخاه , أم يأخذه معه .. حتى أمسك رأسه , و كأنه لم يعد يستطيع التفكير .. 

و حدّث نفسه بصوت هامس :

- هدفى دلوقتى إنى آخد الكتاب ..

ثم سار إلى المكان الذى جلس به 

حين أتى إلى المنطقة الشمالية .. 

فوجد من أعطاه حصانه , فاتجه إليه كى يسترده ؛ 

فلم يعطه الحصان إلا بعدما أعطاه وحدتين آخرتين .. 

ثم أخذ حصانه .. 

و اتجه إلى مكان آخر , و آثر أن يظل به حتى تشرق الشمس فيعود إلى المنطقة الشرقية حيث أسيل و يامن و عمله معه ..


فى صباح اليوم التالى , أعدّ خالد أغراضه , و امتطى حصانه ثم بدأ يتحرك بين الشوارع الخالية 

إلى أطراف المنطقة الشمالية , 

حتى وصل إلى بداية طريقه نحو المنطقة الشرقية 

فالتفت بحصانه نحو تلك المنطقة , 

و كأنه يودعها حتى يعود إليها مجدداً بعد ستّين يوما .. 

ثم التفت مجدداً تجاه الطريق , و أمر حصانه أن ينطلق ..

...

مر الوقت , و خالد فى طريقه إلى المنطقة الشرقية .. 

لا يشغل تفكيره سوى ذلك الكتاب , 

و ماذا سيكون فى تلك الصفحة المكتوب بها 

الطريق إلى سرداب فوريك .. 

يشعر بأن أمل خروجه قد ازداد .. 

لا يحتاج إلا تلك الوحدات التى طلبها هلال كى يأخذ كتابه .. أمله .. حتى وصل إلى المنطقة الشرقية بعد غروب الشمس فاتجه إلى البحيرة , ففوجئ بنار مشتعلة فى مكانه 

بجوار الشجرة .. و وجد يامن ينتظره , فترجّل , و احتضنه حتى سأله يامن على الفور :

- هل وجدت كتابك ؟

فابتسم خالد :

- نعم ..

فسأله فى لهفة :- و أين هو ؟

فكاد يجيبه .. و لكنه فوجئ بصوت أسيل يأتى من خلفه :

- خشيت ألا تعود ..

فالتفت إليها خالد فوجدها تمسح دموعها ثم اقتربت منه , 

و احتضنته و ابتسمت :

- جئت إلى هنا و تمنيت أن أراك ..

فابتسم يامن حين وجد أسيل تحتضن خالد , و تنحنح , 

فابتسمت أسيل فى خجل ثم جلست بجوار خالد ,

كأنها لا تريد أن تفارقه .. 

و بدأ خالد يروى لهما ما حدث له بالمنطقة الشمالية 

لكنه لم يتحدث عن فتاة الليل , 

و ما حدث معها حين وجد أسيل تسأله عن كل شئ 

حدث هناك و عن فتيات تلك المنطقة , 

فأخبرهما بأن أحداً آخر قد دلّه على هذا الشاب .. هلال .. حتى أنهى حديثه فسألته أسيل :

- هل هو أخوك حقاً ؟!

فأجاب خالد :- كل الدلائل تقول أنه أخى .. 

أبوه صاحب الكتاب و اسمه حسنى عبد القوى .. 

و حكى له عن مصر ..

فتحدّث يامن :

- ربما يكون شخصاً آخر من بلدك .. مصر , و له نفس الاسم , و لكنه قد لا يكون أباك ..

فقال خالد :- لكن الولد شبهى إلى حد ما .. 

و صوتى يشبه صوتى .. لكن طباعه طباع زيكولا ..

فابتسم يامن :

- تقصد طباع المنطقة الشمالية .. ثم سأله :

- و كيف ستوفر ربعمائة وحدة من الذكاء فى شهرين 

إن كنت توفّر من العمل باليوم بعد غذائك و حمايتك 

وحدة واحدة أو وحدتين على الأكثر ..

فصمت خالد حتى نطقت أسيل :

- ربما تعمل معى , و أعطيك أربعة وحدات باليوم ..

فابتسم يامن , و تحدّث :

- إنّ عملنا يحتاج إلى النهار بأكمله , 

و إلى راحة بالليل كى يعود إلينا نشاطنا 

الذى نواصل به عملنا ..











فصمتت أسيل , و ظل خالد صامتاً حتى نطق :

- أنا اقدر آكل كل يوم خبز ..

فضحك يامن :- حسناً .. أصبح لديك أربع وحدات باليوم .. 

تأخذ سبع وحدات , و تدفع وحدتين للحماية , و وحدة للخبز ..

ثم أكمل :

- هكذا لن تكمل الاربعمائة وحدة بعد ستين يوماً ..

فصمت خالد مرة أخرى .. ثم أكمل :

- أنا ممكن أوفّر ست وحدات فى اليوم .. 

و فى نهاية الشهرين هيكون عندى 360 وحدة .. 

وقتها هضيف أربعين وحدة فقط من مخزونى .. 

و أقدر أشترى الكتاب ..

فقاطعته أسيل تحذره :

- مخزونك من الذكاء يا خالد .. 

أرى أنك بدأت تستنزف منه الكثير ..

فنظر إليها خالد مبتسماً , و أكمل :

- أكيد هعمل بعد الشهرين لحد ما يجى يوم زيكولا , 

و أقدر أعوّض كل مخزونى ..

فضحك يامن , و الذى صمت حتى انتهى خالد و أسيل من حديثهما ثم قال :

- أنك قوى بالحساب يا صديقى .. 

و لكن كيف ستوفّر ست وحدات باليوم أيها الذكى ..

فابتسم خالد ثم نظر إليه , و سأله :

- أين عمال زيكولا الآن ؟

فأجابه :- الكثير منهم يأكلون أو يمرحون أمام بيوتهم ..

فنهض خالد ثم نظر إلى أسيل , 

و طلب منها أن تعود إلى بيتها فرفضت , 

و نظرت إليه متعجبة :

- ماذا ستفعل ؟ .. سآتى معك ..

فابتسم خالد ثم سار و معه يامن و أسيل , 

و اللذان لا يعرفان نيّته .. 

و اتجهوا إلى شوارع المدينة حتى دخلوا إلى أحد المطاعم الذى يقدم الخبز و الدجاج .. 

ووجد به خالد الكثير من العمال ممن يعملون معه 

فى تقطيع الصخور .. ثم اتجه إلى صاحب المطعم , و سأله :

- كم سعر الدجاج هنا ؟

فرد الرجل :- الدجاج مقابل خمس وحدات ..

فسأله مجدداً :

- و كم عامل يأكل من دجاجك ؟

فضحك الرجل ساخراً , ثم أشار إلى من يأكلون :

- أنظر إليهم .. إنهم لا يأكلون سوى الخبز .. 

ربما أبيع دجاجة حين يأتينى غنى مثلك إلى هنا ..

فابتسم خالد ثم صمت , و أكمل حديثه :

- ما رأيك أن تبيع كل يومين كل ما تمتلكه من دجاج ؟

فنظر الرجل و يامن و أسيل إلى خالد فى دهشة , 

و كأنهم لا يفهمون ما يقصده .. حتى أكمل و سأل الرجل :

- هل تريد ذلك ؟

فأجابه الرجل :- بالطبع ..

فابتسم خالد : حسناً .. أريدك أن تجعل سعر وجبة الدجاج أربعة وحدات , و ليس خمس ..

فظهر الغضب على وجه الرجل .. و سأل خالد :

- هل تمزح ؟!

فأجابه خالد , و مازالت ابتسامته على وجهه :

- لا .. اجعل السعر أربعة وحدات , 

و سأضمن لك مكسباً لم تحلم به يوماً ..

فصمت الرجل ,و كأنه يفكّر , 

و ما زال الصمت على وجه يامن و أسيل حتى رد الرجل :

- حسناً .. سأجعله أربع وحدات .. 

و لكن ماذا ستفعل ؟ ثم نظرت أسيل إلى خالد :

- خالد لا أفهم شيئاً حتى الآن ..

فابتسم خالد :- انتظرى ..

ثم اتجه إلى صالة المطعم حيث يأكل العمال , 

و وقف بمنتصفها ثم سألهم بصوت عالٍ :

- من يأكل خبزاً ؟

فابتسم الجميع , و رفعوا أيديهم بالخبز فصمت ثم سألهم :

- و من يريد أن يأكل دجاجاً كل يومين ؟

فاندهش من يأكلون , و واصلوا أكلهم , 

و لم يُعيروا حديثه اهتماماً 

بعدما ظنوا أنه يمزح حتى أكمل :

- دون أن يدفع شيئاً مما يدخره كل يوم ..

فسأله أحد ممن يأكلون :

- هل جننت أيها الغريب ؟!

فأجابه خالد : لم أجن .. و لكننى أريدكم أن تفعلوا مثلى .. سآكل دجاجاً كل يومين .. ثم أكمل :

- أنا أكسر الصخور , 

و امتلك من القوة ما يكفينى لأتغلب على مخاوفى ,ثم تابع :

- إننى أدفع وحدتين للحماية كل يوم لمجموعة من الكسالى , و تأكل من تعبى ..

- إننى لن أعطى أحداً من تعبى عُشر وحدة من اليوم , 

حتى لو قتلونى .. أفضل أن أُذبح يوم زيكولا .. 

و لا أعطى أحداً شيئاً مقابل خوفى ..

فتوقّف من يسمعونه عن مضغ الطعام , 

و أسيل تترقّب رد فعلهم , 











و تنظر إلى خالد فى إعجاب حتى همس إليها يامن :

- إنه بارع فى استخدام لهجتنا , لقد ترك لهجته كى يحدّثهم ..

فأشارت أسيل إليه أن يصمت كى تستمع إلى خالد .. 

حتى تحرك خالد بعض الخطوات بين طاولات الطعام و أكمل :

- إننى وحدى لن استطيع ايقافهم .. 

و لكننا معاً سنستطيع ذلك .. 

سنجعلهم يعملون مثلنا , و إلا يذبحون يوم زيكولا .. 

لن يأكلون حقّنا بعد اليوم ..

ثم وقف بجوار طاولة يجلس حولها ثلاثة أشخاص فنظر إليهم , و أكمل :

- لا أعلم كيف يخيفونكم , و عددهم ضئيل للغاية .. 

أعلم أنهم أشرار , و أنكم طيبون, و متسامحون , 

و لكن إن اجتمعتم فسيكتب عنكم التاريخ ذات يوم 

أنكم اجتمعتم كى تزيلوا الظلم عنكم ..

ثم سار خطوات أخرى , و هدأ صوته :

- فى عالمى , هناك من يشبهونكم .. 

و ما زالوا ينتظرون يوماً ليجتمعوا .. 

و ما زال التاريخ يسجّل ذُلهّم .. و علا صوته مجدداً :

- اليوم يطلبون منكم وحدتين .. غداً سيطلبون ثلاث .. 

بعده سيطلبون أربعة .. خمسة .. 

من يدرى ؟ ربما يجعلونكم تعملون لديهم ..

بعدها تحرك إلى أحد أركان صالة الطعام , ثم التفت إليهم :

- أعلم أنكم تتعاملون بوحدات الذكاء .. و أن الذكاء عملتكم .. و لكن حان الوقت لتستخدموه مرة واحدة بحياتكم .. 

استخدموه كى تعيشوا .. استخدموه كى تفخروا بأنفسكم ..

فصاح يامن :

- أنا لن أدفع كى يحمينى أحد .. استطيع أن أحمى نفسى ..

و صاحت أسيل :

- و أنا كذلك .. من يريد أن يأخذ منى شيئاً فليقتلنى أولا ..

و صاح فتى آخر :

- و أنا لن أدفع ..

و تبعه رجل غيره :

- و أنا أفضّل أن آكل الدجاج كل يومين .. لن أدفع ..

و صاح عجوز يجلس بعيداً :

- و أنا لن أدفع .. لقد دفعت الكثير .. لن أدفع حتى أموت ..

و نهض فتى قوى , و رفع فأسه :

- و أنا سأكسّر عظامهم .. 

إنها ليست أقوى من الصخور التى أكسّرها ..

حتى صاح الجميع ؛ نحن لن ندفع .. لن ندفع .. 

لن نأكل خبزا مجدداً .. سنأكل ما يحلو لنا .. 

فابتسم خالد , و أحمرّ وجهه ثم اتجه إلى يامن , 

و احتضنه ثم احتضنته أسيل و أغمضت عينيها , 

و حدّثت نفسها :

- كم أحبك يا خالد , ثم فتحتهما , و همست فى أذنه :

- سيُكتب هذا اليوم فى تاريخ زيكولا ..

فهمس إليها خالد مبتسماً :

- إننى أنظر إلى وجهك فأجد الأمل يا أسيل ..

فابتسمت أسيل , و أحمرّ وجهها .. ثم نظر خالد إلى يامن :

- هيا يا يامن .. عليك أن تعيد الحصان إلى صاحبه .. 

و أن تستريح كى نعمل غداً معاً ..

ثم نظر إلى العمال الذين يتراقصون فرحاً , و تابع مبتسماً :

- سأبدأ من الغد توفير ثمن كتابى ..

            الفصل الرابع عشر من هنا 

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-