رواية أرض زيكولا الفصل الرابع عشر 14 بقلم سندي





رواية أرض زيكولا الفصل الرابع عشر 14 بقلم سندي

هكذا استطاع خالد أن يحرّك عقول عمال زيكولا , 

و أن يقنعهم بألا يدفعوا تلك الوحدات مقابل حمايتهم مجدداً .. حتى صاحوا فرحين بأنهم لن يدفعوا , و تراقصوا فرحاً بذلك , و زادت سعادة أسيل و يامن بما فعله . 


***


فى اليوم التالى اتجه خالد مبكراً إلى عمله 

فوجد عشرة ممن يأخذون وحدات الحماية 

يقفون بطريقه كعادتهم , و اقتربوا منه كى يأخذوا ما يريدون فابتسم وواصل سيره حتى أوقفه أحدهم بعنف , و صاح به :


- هيا .. ادفع وحدتيك ..


فابتسم مجدداً , و واصل سيره فأوقفه الرجل مرة أخرى , 

و طالبه بالوحدتين من جديد .. فرد فى برود :


- أنا لن أدفع ..


فظهر الغضب على وجوههم وضحك أحدهم ساخراً :


- لن تدفع ؟!!


فأجابه:- نعم ..


فقال الرجل غاضباً :


- أتعلم ماذا سيحدث لك ؟


فرد خالد مبتسماً :


- لا ..


فزاد الغضب على وجوههم جميعاً .. 

و همّوا أن يضربوه حتى فوجئوا به 

يشير تجاه غبار كثيف بالجو .. و ضحك :


- أنظروا ..


فنظروا إلى ذلك الغبار بالأعلى ثم نظروا إلى أسفله 

فوجدوا المئات من العمال , و بأيديهم فؤوسهم 

و آلاتهم اليدوية .. يقودهم يامن , و يقتربون عدواً تجاهم .. حتى قال خالد :


- عليكم أن تهربوا و إلا ستدفعون الكثير اليوم ..


فصرخ زعيمهم إلى أحدهم :


- اذهب لتجلب الآخرين ..


و لم يكمل حديثه حتى اقترب العمال , 

و ألقى أحدهم بفأسه إلى خالد فابتسم و لوّح بها , 

ثم تحدث بصوت عالٍ إلى العمال :


 


- إنهم لا يصدقون أننا لن ندفع لهم من اليوم ..


ثم أكمل بعدما لمعت فأسه :


- علينا أن نثبت لهم ذلك ..


ثم ضرب بفأسه أحدهم , 

و ما إن فعل ذلك حتى صاح العمال ثم انهالوا على بقيتهم بالضرب , و كأنهم كانوا ينتظرون ذلك اليوم .. 

حتى من ذهب ليجلب بقيتهم توارى بعيداً 

و هرب مع الآخرين حين وجدوا زملاءهم يُضربون 

كمن وقع عليهم جبلاً من الفؤوس و العصىّ ..  

حتى هدأ العمال مرة أخرى , 

و سالت الدماء على وجوه آخذى الوحدات .. فسألهم خالد :


 


- أمازلتم تريدون الوحدات ؟ فلم ينطقوا ..


فنظر إلى بعض العمال :


-انهم مازالوا يريدون ..


فواصلوا ضربهم مجدداً .. حتى صرخوا :


- إننا لا نريد شيئاً .. إننا لا نريد ..


فصاح يامن غاضباً :


- حسنا .. عليكم أن تتركوا تلك المنطقة إن لم تعملوا .. 

إن رأيناكم هنا مجدداً فلن نكتفى بما حدث اليوم ..


فصرخ أحدهم :


- حسناً.. حسناً ..


 ثم نهضوا مسرعين يهربون بعيداً , 

فصاح العمال فرحين , و بدأوا يتراقصون , و يغنون :


- سنأكل الدجاج .. سنأكل الدجاج .. نحن أقوياء ..


ثم احتضن يامن خالد , و همس إليه :


- ربما يأتون ببقيتهم غداً ..


فضحك خالد :


- معتقدش .. هما خلاص عرفوا إن انتوا اتحدتوا .. 

و المرة الجاية ممكن تقتلوهم .. 

شفت اليوم الوحيد اللى استخدمتوا فيه الذكاء .. 

 و حمل فأسه , و جذبه من يده :


- هيا يا صديقى , لدينا الكثير من العمل ..


فضحك يامن :


- أصبحت تتحدث مثلنا ..


فضحك خالد , و استعاد لهجته مرة أخرى :


- خلاص أنا بقيت من أبناء زيكولا ..


ثم عاد إلى لهجة زيكولا :


- هيا , سأنافسك اليوم فى العمل .. 

و سأعمل ضعف ما تعمل ..


فضحك يامن :


- أرى أنك تحلم ..


فرد خالد ضاحكاً :


- أحلم ؟!! سترى ..  

ثم أسرع إلى مكان العمل جرياً , 

فتبعه يامن مسرعاً : انتظر ..


 


***


 


بدأ خالد يعمل بقوة .. 

لا يشغل تفكيره شئ سوى أن يوّفر ثمن كتابه .. 

يمر اليوم تلو الآخر , يعلم أن عمله شاق للغاية , 

و لكنه يدرك أنه العمل الأكثر ربحاً فى زيكولا .. 

يحاول أن يحفّز نفسه بأن ينافس يامن كل يوم 

فى تكسير تلك الصخور .. 

و يضحك حين يجد فتاة أو أخرى تنظر إلى جسده 

القوى اللامع تحت آشعة الشمس .. 

فيكمل عمله , و يترك يامن ليداعب تلك الفتيات .. 

حتى ينتهى من عمله فيذهب إلى ذلك المطعم 

كى يتناول غذاءه .. و يبتسم حين يجد الكثير من العمال يأكلون الدجاج بينما أصبح هو الوحيد الذى يأكل خبزاً .. 

ثم يعود إلى البحيرة فيلقى بجسده فى مائها 

ثم يستلقى على شاطئها .. 

و يخرج أوراقه و أقلامه ليسجّل ما حصل عليه من وحدات , 

و ما تبقى له على ثمن الكتاب , و ما تبقى له من أيام .. حتى تأتى أسيل فتجلس بجواره لبعض الوقت 

ثم تعود إلى بيتها بينما يظل هو ساهراً حتى يغلبه النعاس .. فينام حتى صباح اليوم الذى يليه ..


حتى جاء يوم و انتهى من عمله .. 

ففوجئ بفتاة تقترب من بعيد و دق قلبه صاخباً 

حين وجدها تشبه منى - 

الفتاة التى أحبها لسنوات طويلة قبل أن يأتى إلى زيكولا - حتى مرّت بجانبه فوجدها تختلف عنها قليلاً .. 

و اندهشت حين وجدته ينظر إليها فى ذهول , 

حتى يامن أصابته الدهشة هو الآخر .. فسأله مداعباً له :


 


- هل تعجبك ؟! .. إن كنت تريد أن تتزوجها أخبرنى فقط ..


فضحك خالد :


- لا .. شكراً ..


بعدها غادر , و لم يتجه إلى المطعم تلك الليلة كعادته 

بل ذهب إلى شاطئ البحيرة , 

و عقله منشغل بتلك الفتاة التى تشبه منى .. 

و كأنه تذكر سنوات مضت , و حدّث نفسه :


- منى ؟! ثم أكمل :


- يا ترى اتجوزتى الدكتور و لا لا ؟!


ثم جلس على شاطئ البحيرة أمام نار أوقدها , 

و أخرج ورقة من أغراضه .. نصفها العلوى ملئ بكتاباته .. 

و بدأ يكتب بنصفها السفلى :


 


- لم تعد سوى أيام قليلة على إتمامى الشهرين , 

و أذهب كى آخذ كتابى .. 

و لكننى قد قابلت اليوم فتاة تشبه منى 

التى أحببتها ست سنوات .. 

و كانت أمنية حياتى أن اتزوجها ذات يوم .. 

لولا أبوها المجنون .. 

ثم صمت مفكراً قليلاً ثم أكمل كتابته :


لا أعلم ما سر أن أجد تلك الفتاة اليوم .. 

هل لأتذكر منى بعدما لم أفكّر بها منذ دخولى زيكولا .. 

حين انشغل عقلى بالبحث عن كتابى .. لا أعلم ..


 


ثم توقّف, و نظر بعيداً إلى البحيرة , 

و أخذ نفساً عميقاً و أخرجه ببطء .. 

ثم نظر إلى الورقة و التى امتلأت بالكتابة 

عدا جزء صغير بأسفلها , فكتب به :


- ما أعلمه جيداً أننى لم أحب غير منى طوال عمرى


و انتهت الورقة التى يكتب بها , فأخرج ورقة أخرى 

و نظر إلى الورقة السابقة حيث انتهى ثم أكمل :


- لم أحب غيرها طوال عمرى قبل أن آتى إلى زيكولا .. 

حتى وجدت أسيل التى يزداد شعورى كل يوم بحبها لى .. 

أما أنا فأشعر تجاها بـ ..


 


حتى شعر بأقدام تقترب من خلفه .. 

فوجد أسيل تقترب , فضحك ثم أخفى أوراقه بين أغراضه .. 

و اقتربت منه , و سألته :


- ماذا تفعل ؟


فابتسم:


- و لا حاجة ..


فصمتت ثم أكملت :


- كنت أتوقّع أن أجدك تتناول طعامك بالمطعم .. 

و ذهبت إلى هناك فلم أجدك .. يبدو أنك توّفر طعامك .. 


فقال ضاحكاً : لا .. أنا مش بخيل للدرجة دى .. 

أنا فضّلت إنى آجى للبحيرة ..


فابتسمت أسيل :


- إن البخل ليس عيبا هنا فى زيكولا كما تعلم .. 

لقد بدأ أهالى زيكولا يدخرون ثرواتهم بالفعل 

بعدما شعروا باقتراب يوم زيكولا 

إن كان مولود الحاكم ذكراً .. 

ربما يكون بعد ثلاثة أشهر أو أكثر بأيام قليلة .. 

من يدرى ؟! .. 


ثم أكملت مبتسمة :- لولا تلك الوحدات التى وفرها الكثيرون من آخذى وحدات الحماية لما أكلوا دجاجاً 

حتى انتهاء ذلك اليوم .. و ضحكت و أردفت :


- اتوقع أن يكون فقير هذا العام لديه أكثر من مائتى وحدة ..


فضحك خالد :


- و أنا نفسى أسيب زيكولا قبل ما أشوف الفقير بيُذبح .. 

ثم سألها :


- و أنتى مش عايزة تسيبى زيكولا ؟


فأجابته:


- إن تركى لزيكولا قد يكون أصعب قرار بحياتى ..  

لا اعتقد أننى ساتخذ هذا القرار حتى يكون لدى مبرر قوى للغاية .. ثم نهضت :


- هيا عليك أن تنام .. 

أما أنا فسأعود إلى بيتى لدى أيضاً الكثير من العمل باكراً ..


فابتسم خالد , و كأنه يقلدها :


- مبرر قوى للغاية ؟!!


فضحكت أسيل :


- للغاية ..


***


غادرت أسيل , و مرّ الليل , 

و أتى ما بعده من نهار .. و خالد يواصل عمله , 

و يتمنى أن تمر الأيام المتبقية سريعاً .. 

و توالت الأيام يوماً بعد يوم .. 

و خالد يوّفر ما يستطيع توفيره من وحدات .. 

و لا يترك يوماً دون أن يعمل .. 

لا ينفق من أجره شيئاً سوى وحدة واحدة حين يأكل الخبز .. حتى أنه كان يوفرها بعض الأيام .. 

و قد يمّر يومان دون أن يضع لقمة بحلقه .. 

حتى جاء اليوم الأخير من الشهرين و كان بعمله مع يامن , 

و الذى حدّثه مبتسماً :


- لقد انتهت المهلة اليوم ..


فحمد خالد ربه ثم قال :


- أخيراً .. كنت مستنى اليوم ده بفارغ الصبر ..


فسأله يامن :


- كم جمعت من الأربعمائة وحدة ؟


فصمت خالد مفكّراّ , و كأنه يحسب ما جمعه بدقة :


- اعتقد إنى جمعت حوالى 350 وحدة .. 

و هضيف لهم خمسين وحدة من مخزونى ..


فقاطعه يامن :


- تقصد مائة وحدة


فرد خالد مندهشاً :- مائة ؟!


أكمل يامن :- نعم .. هل نسيت أنك ستستأجر الحصان 

مرة أخرى ..


فضرب رأسه بيده .. و كأن ذلك الحصان لم يكن بحسبانه .. حتى صمت و أكمل :


- أنا كنت اشترى حصان أوفر لى .. ثم تابع :


- مش هتفرق خمسين من مية .. المهم إنى آخد الكتاب ..


فضحك يامن :


- حسنا .. سأوّفر لك الحصان مجدداً .. 

و سأنتظرك حتى تعود .. 

إننى أريد أن أرى أغلى كتاب بزيكولا .. 

أعتقد أنها ستكون لحظة تاريخية لى ..


فضحك خالد :


- و أتمنى إنها تكون تاريخية لى أنا كمان ..


 


***


 


فى صباح اليوم التالى , 

امتطى خالد الحصان الذى أحضره يامن .. 

و كان نفس الحصان القوى الذى استأجره المرة السابقة 

حين ذهب إلى المنطقة الشمالية .. 

و انطلق نحو تلك المنطقة .. 

تعلو وجهه ابتسامة أمل لم يشعر بها من قبل .. 

يأمر حصانه أن يسرع .. هيا .. 

إلى الأمل .. إلى خروجى من زيكولا ..  

يشقّ الطريق بقوة .. 

و يتطاير قميصه مع الهواء لتظهر عضلات جسده القوية , 

و ذراعه القوى الذى يمسك بلجام حصانه بإحكام .. 

ينطلق بحصانه , و يخشى أن يتأخر عن موعده 

فيمزق هلال المجنون صفحة واحدة من كتابه .. 

و يأمره بأن يزيد من سرعته .. 

و يمّر الوقت , و تتحرك الشمس .. 

و يواصل طريقه دون أن يستريح ..


 









حتى وصل إلى أطراف المنطقة الشمالية 

مع غروب الشمس .. 

فأسرع ينطلق فى شوارعها , و التى كانت خالية 

إلا من القليل من الأشخاص الذين بدأوا فى الخروج 

مع حلول الليل , و بعض فتيات الليل اللاتى خرجن 

إلى شوارع تلك المنطقة .. 

و أكمل طريقه نحو بيت هلال .. أخيه .. صاحب الكتاب ..


 


***


 


وصل خالد إلى بيت أخيه , فترجّل مسرعاً .. 

و عقل حصانه بجوار بابه .. 

ثم أعطى فتى يجلس أمام هذا البيت وحدتين 

مقابل أن يحمى حصانه حتى يعود .. 

ثم طرق بابه ففتح هلال ووجده أمامه , فضحك قائلاً :


 


- المجنون الذى يريد الكتاب ..


فصمت خالد و لم يرد ثم دلف معه إلى داخل البيت .. 

فوجد رجلين تبدو عليهما القوة , و يظهر الشر بأعينهما .. 

حتى تحدّث هلال :


- لقد جئت فى موعدك تماماً ..


فرد خالد :


- إننى أريد الكتاب الآن ..


فابتسم هلال ابتسامة خبيثة :


- بالطبع يا عزيزى , لقد جئت إلىّ من السماء .. 

إننى كنت أخشى أن أذبح يوم زيكولا .. 

أما بعد ذلك الكتاب فلن أعمل عاماً على الأقل .. 

إننى اليوم احترم أبى كثيراً .. ثم نظر إلى خالد :


- يبدو أنك على استعداد الآن لتعطينى الخمسمائة وحدة مقابل الكتاب


***


 


فصاح خالد فى غضب :


- خمسمائة ؟!!


فضحك هلال , و كأنه مندهش :


- نعم .. أنسيت اتفاقنا ؟!


فصاح خالد مجدداً :


- كان اتفاقنا أربعمائة وحدة ..


فصمت هلال ثم تحرك خطوات .. و تحدّث إلى أحد الرجلين :


- إنه يقول ربعمائة ..


ثم نظر إلى الآخر :


- إننى لا اتذكر ذلك ..


و نظر إلى خالد :


- ربما لم تفهم قصدى وقتها .. ربما كنت أقصد أن تعطينى أربعمائة وحدة إن أخذته قبل شهرين ..


- أما بعد تلك المدة فلابد أن يزيد الثمن .. 

لا أعلم سر هذا الغباء فى زيكولا .. 


 


فشاط خالد غضباً , و كاد يلكمه .. 

و لكنه تمالك أعصابه حين نظر إلى هذين الرجلين , 

و ما يخفيانه من شر .. ثم تحدث فى هدوء :


- لسة بقول إنك أخى ..


فضحك هلال و نظر إلى الرجلين :


- لقد أخبرتكم أنه مجنون .. ثم نظر إليه :


- اعتقد أنك تملك الكثير .. 

لن تصبح فقيراً إن أعطيتنى المائة وحدة الإضافية ..


ثم تحرك إلى إحدى الغرف , 

و عاد و بيده ذلك الكتاب و حدّث الرجلين :


- إن الوقت يمر , و مازال صديقنا يفكّر .. 

حسناً , سأمزق آخر ورقة بالكتاب ..   

و همّ أن يمزقها فأمسك خالد بيده , و نظر فى عينه بقوة :


- أنا موافق إنى اشترى الكتاب مقابل الخمسميت وحدة ..


فضحك هلال :


- حسناً .. و أنا أعطيك الكتاب ..


 


فانتزعه خالد فى غضب , و احتضنه بين ذراعيه , 

و تحدّث كأنه يتحدث إلى الكتاب :


- المهم إن الكتاب معايا .. 

الوحدات اللى فقدتها أقدر أعوّضها 

قبل يوم زيكولا إن شاء الله ..  

لسة تلات شهور على يوم زيكولا لو كان المولود ولد .. 

لو عملت زى الفترة اللى فاتت 

أقدر أوّفر حوالى خمسميت وحدة .. 

و استعيد كل مخزونى و أكتر .. 

ثم نظر إلى هلال , و الذى بدأ يشرب الخمر مع الرجلين 

و قال :


 


- أتمنى إنك متكونش أخى فعلاً .. و أكمل :


- لإنك عار ..


فضحك هلال ببرود :


- هيا .. أخرج من هنا أيها المجنون 

قبل أن نأخذ منك الكتاب مجدداً ..


فرد خالد :


- وقتها .. اقتلونى أولاً ..


 


 ثم أخذ كتابه , و خرج , و أغلق الباب خلفه بعنف .. 

ثم امتطى حصانه , و أسرع به يغادر ذلك المكان .. 

و تناسى ما دفعه من وحدات إضافية .. 

و أصبح همه أن يقرأ ما بهذا الكتاب .. 

حتى وصل إلى مكان لا يوجد به الكثير من أهالى 

تلك المنطقة , و جلس بجوار عمود أُنيرت فوقه نار للإضاءة .. و أخرج كتابه مسرعاً , و بدأ يتصفّحه , 

و يقلًب صفحاته فى لهفة .. 

و يقرأ بعينيه سطوره مسرعاً .. 

ينظر إلى صفحاته الصفراء .. 

و ما كُتب بها بخط اليد , و كأنه أمل انتظره لسنوات ..


 


***


 


وجد خالد صاحب الكتاب يذكر فى بدايته 

أنه قد كتب هذا الكتاب فى القرن الثامن عشر .. 

و أن تلك النسخة هى النسخة الثانية له , 

بعدما ضاعت نسخته الأولى دون أن تكتمل .. 

فتذكّر خالد صفحات الكتاب العشر البالية , 

و التى تحدثت عن سرداب فوريك , 

و قرأها قبل أن يأتى إلى زيكولا حين أعطاها له صديق جده .. مجنون السرداب ..


ثم قلّب خالد صفحات الكتاب فى سرعة .. 

فوجد تلك الصفحات العشر فتجاوزها , 

حتى وصل إلى تلك الصفحة 

و التى انتهت بأنه اكتشف ما هو أهم من كنوز فوريك .. فكانت مثلما توقّع خالد بأنه سيتحدث عن اكتشافه لأرض زيكولا ..


ثم قلّب بعض الصفحات , فوجده يتحدّث عن أهل زيكولا , 

و عن تعاملهم بوحدات الذكاء , 

و يوم زيكولا , و ذبح الأفقر كل عام , 

و ما تركه ذلك من طباع على هؤلاء الناس .. 

فقلب تلك الصفحات مسرعاً .. 

و كلما قرأ شيئاً يعرفه تجاوزه .. 

لا يريد أن يضيع ثانية واحدة .. 

حتى وجد صفحة مكتوب بها ..


 


((- لقد أفنيت عمرى أبحث عن سر تلك الأرض .. 

و لكننى لم أجده حتى لحظة كتابة كتابى هذا .. 

و لكننى أعلم تماماً أننى لست المصرى الوحيد 

الذى أتى إلى تلك الأرض ..


- لقد عثرت صدفة على بعض المخطوطات , و التى أخبرتنى بعضاً من الحقائق التى وضعتها نصب عينيّ ..))


فاندهش خالد .. و أكمل قراءةً :


 


(( - لقد ذكرت المخطوطات البالية 

أن الكثيرين قد أتوا إلى تلك الأرض بعد بناء سرداب فوريك .. فبعدما شُيّد ذلك السرداب ببراعة معمارية لم يكن لها مثيل .. أُعجب به((فوريك)) ذلك الثرى كثيراً , 

و وضع به كل ما يملك من كنوز و ثروة لم يكن لها مثيل 

فى ذلك العصر .. حتى طمع الكثيرون بها 

فاتجهوا إلى السرداب كى يسرقونها ..  

و حين علم فوريك بذلك أمر حراسه بأن يغلقوا أبوابه .. 

فظلوا بداخله دون أن يجدوا مخرجاً .. 

حتى مات بعضهم , و ظل الباقون يبحثون عن مخرجٍ 

حتى وجدوا ذلك المخرج إلى تلك الصحراء .. 

و التى لم تكن بها سوى تلك المدينة , 

وسورها القوى الذى لم يكن قد اكتمل وقتها .. 

فاستقروا بها , و ظنوا أن تعاملهم بوحدات الذكاء 

ما هو إلا عقاباً لهم على نزولهم السرداب 

و محاولتهم سرقة كنوز فوريك .. و بعدها كثر عددهم .. 

و عاشوا مع سكان زيكولا الأصليين .. و تكاثروا بينهم .. ))


 


((- و تقول المخطوطات أنهم لم يتذكروا شيئاً 

عن حياتهم السابقة , سوى تقويمهم الذى كتبوه 

على سور زيكولا منذ دخولهم إليها .. 

و لغتهم العربية و التى بدأوا يعلمونها سكان زيكولا .. 

حتى أنهم نسوا دينهم , و أصبح الكثيرون منهم من الكسالى الذين اتجهوا للمنطقة الشمالية فى ذلك الوقت قبل قرون .. حيث يكسبون ثرواتهم دون أن يعملوا بجد .. ))


 


وواصل خالد تصفحه لصفحات الكتاب متعجلاً .. 

و كأنه لا يهمه ما فاته مما ذكره الكتاب .. 

يبحث عن هدف واحد لا يريد غيره .. 

و أخذ يقلب حتى وصل إلى تلك الصفحة 

التى قرأها منذ شهرين و كُتب بمنتصفها :


"- الطريق إلى سرداب فوريك .."


فأخذ يقرأها متلهفاً .. حتى وجد الكاتب يقول :


- إننى جئت إلى زيكولا مرتين .. 

و أعلم جيداً الطريق إلى ذلك السرداب , 

و لكننى أحببت العيش هنا .. و لن أغادر حتى أموت ..


ثم قرأ خالد بعض السطور مسرعاً .. 

ووصل إلى سطر يقول :


- حين سرت بسرداب فوريك لأول مرة , و بدأ انهياره .. 

و أسرعت هرباً خوفاً من ذلك الانهيار .. 

لم يدر بخلدى وقتها أنه يدفعنى إلى طريق يريده السرداب ... فتذكر خالد نفسه حين كان بالسرداب و حدث الانهيار, 

و أكمل قراءة :


 


 - و لكننى تذكرت بأن هناك طريقاً آخر 

قد أبعدنى عنه انهيار السرداب .. 

و أدركت أنه طريق العودة مجدداً .. 

بعدما انهار طريق مجيئى ..و اختفى بالصحراء ..


فدق قلبه بقوة , و أكمل : 


" - إن جاء أحد من بعدى , و لم يقرأ كتابى .. 

سيظن أنه لابد أن يخرج من زيكولا 

كى يعود إلى مصر مجدداً .. و هذا الغباء ذاته .. 

من يأتى إلى تلك الأرض و يريد أن يعود إلى دياره , 

و أن يصل إلى سرداب فوريك مجدداً .. 

لابد أن يدخل زيكولا .. 

و يكون كالشمس , و ينحت فى الصخر .. 

فيجد باب السرداب الآخر أمام الرأس مباشرة .. "


 


و انتهت الصفحة , و معها انتهت صفحات الكتاب .. 

فأعاد خالد القراءة مرة أخرى بعدما لم يفهم شئ :


- من يريد أن يصل إلى سرداب فوريك , 

لابد أن يدخل زيكولا , و يكون كالشمس , و ينحت فى الصخر . سيجد باب السرداب الآخر أمام الرأس مباشرة ..


ثم سأل نفسه :


- أى شمس ؟!


- و أى رأس ؟!


- و يقصد إيه بالنحت فى الصخر ؟!! 











- أى رأس ؟!!


و قلّب صفحات الكتاب مجدداً .. و سأل نفسه .. 

و سأل الكتاب .. أى شمس ؟ .. أى رأس ؟ .. 

ثم نهض و تحرك مسرعاً , 

و دخل مكاناً به الكثير من أهالى المنطقة الشمالية .. يشربون الخمر , و يتراقصون .. 

فصاح بأحدهم , و أشار إلى تلك الصفحة بكتابه :


- هل تفهم ذلك ؟


- كيف أنحت فى الصخر أمام الرأس ؟!


فضحك الرجل :


- هل أنت مجنون ؟!


فسأل آخر فلم يجبه .. فسأل غيره فلم يجبه .. و ظل يسأل كل من يقابله عما قرأه ,كالمجنون فلم يجبه أحد .. 

ثم جلس على إحدى الطاولات .. 

و بدأ يقرأ تلك السطور الأخيرة .. 

و يكررها بصوت عالٍ .. 

و لكنه لم يفهم منها شيئاً .. حتى وجد أمامه كأساً من الخمر فشربه دون أن يدرك أنه خمر .. و شرب منه مجدداً .. 

و ظل يقرأ و يفكر دون أن يصل لشئ .. 

و كلما انتهى ذلك الكأس أمامه ملأه النادل من جديد .. 

حتى ظهر تأثير الخمر عليه .. 

فوقف فوق الطاولة التى كان يجلس عليها .. 

و أمسك زجاجة الخمر بيده , و الكتاب بيده الأخرى .. 

ثم صاح ضاحكاً فى سخرية إلى من يجلسون بذلك المكان :


 


- ظللت أحلم أن أجد هذا الكتاب .. 

و أبحث فى كل مكان بتلك المدينة اللعينة ..  

ثم شرب قليلاً من الخمر , و تابع :


- و حين وجدته .. ظللت أعمل , و أعمل , و أعمل .. 

لا آكل .. و لا أنام حتى أحصل عليه ..       


 ثم صمت , و ضحك مقهقهاً , و أكمل :


- و قد حصلت عليه اليوم ..  

مقابل خمسمائة وحدة من ذكائى .. 


 فنظروا إليه .. 

و كأنهم لا يصدقونه فأكمل , و قد أحمرّ وجهه من الخمر:


- لا تندهشوا .. لو طلب منى ذلك المعتوه .. 

الذى قد يكون أخى أكثر من ذلك لدفعت ..  

ثم شرب كثيراً من الزجاجة , 

و أكمل بعدما ترنّح فوق الطاولة , 

و بدأ لسانه يتلعثم بالحديث :


 


- و فى النهاية علمت لماذا لم يستطع أبى الخروج من هنا , و معه هذا الكتاب ..


فسأله سكيرٌ يجلس على طاولة بعيداً :


- لماذا أيها المجنون ؟


فأشار إليه خالد ضاحكاً ثملاً :


- سأخبرك أيها السمين .. لابد أن القصة قد أعجبتك .. سأخبرك ..


- يبدو أن صاحب هذا الكتاب اللعين خشى 

أن يذهب أحدكم إلى ذلك السرداب .. 

لا أعلم لماذا خشى أن تذهبوا إلى هناك .. 

ليت أهل زيكولا يذهبون إلى بلدى فيجعلونهم يعملون .. 

و لا يعتمدون على غيرهم , مثل زيكولا .. ثم ضحك عالياً :


 


- لقد وضع لغزاً بآخره ..


ثم جلس على الطاولة , و وضع رأسه بين يديه ..  

ثم رفعها مجدداً , و ضحك ضحكة يشوبها ألم كبير :


- كان يعلم أنكم تتعاملون بالذكاء .. كان يعلم أنكم أغبياء .. 

لن تستخدموا ذرة ذكاء واحدة لتفكروا فى هذا اللغز .. 

و هدأ صوته :


- و يبدو أننى سأظل مثل أبى .. 

طوال عمرى أبحث عن ذلك المخرج .. إننى غبى مثلكم ..


ثم نهض مجدداً فوق الطاولة .. 

و رفع الكتاب بيده , و صاح بصوته السكير :


- و الآن .. من يريد أن يشترى هذا الكتاب 

مقابل عشر وحدات من الذكاء ؟

            الفصل الخامس عشر من هنا

لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا 


بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-