رواية أرض زيكولا الفصل الخامس عشر 15 بقلم سندي





رواية أرض زيكولا الفصل الخامس عشر 15 بقلم سندي

ظل خالد هكذا يهذى لما أصابه من ألم الصدمة , 

و لم يجبه أحد فعاد مجدداً , و صاح بصوته :

- ألا يستحق عشر وحدات ؟! .. صدقونى إنه ثمين .. 

ثم أكمل :

- حسناً .. خمس وحدات ؟ ..

فلم يجبه أحد مرة أخرى فتمتم إلى نفسه بكلمات غير مفهومة ثم نزل من فوق الطاولة .. 

و سار خارجاً من ذلك المكان وسط سخرية كل من يقابلونه 

و تحرّشات فتيات الليل .. 

يسير مترنحاً لا يدرى بشئ من حوله , 

و فى يده كتابه يلوحّ به إلى من يقابله , و يضحك ثملاً .. حتى عاد إلى المكان الذى يقف به حصانه .. 

و ما إن وصل إليه حتى سقط و كأنه فقد وعيه ..


فى صباح اليوم التالى , كان خالد نائماً على جانبى أحد شوارع تلك المنطقة بجوار حصانه .. 

حتى فتح عينيه فجأة حين فوجئ بفيضٍ من الماء البارد 

ينسكب فوق رأسه .. 

و ما إن نظر أمامه حتى وجد تلك الفتاة 

التى أرشدته إلى هلال من قبل .. فتاة الليل .. 

و بيدها إناء فارغ , و ضحكت :

- لست وحدك من تسكب الماء ..

فنهض خالد مسرعاً , و نظر إلى ملابسه المبتلة .. 

و أمسك رأسه من الألم ثم نظر إليها غاضباً , 

فأسرعت مبتعدة عنه , و حدّثته ضاحكة :

- هيا عد إلى حيث جئت .. لن يفيدك أن تبقى هنا ..

فصمت, و لم يتحدّث ثم أمسك بلجام حصانه , و امتطاه .. 

و بدأ يتحرك به ببطء مبتعداً عن الفتاة .. حتى صاحت إليه :

- كنت أتمنى ألا أراك هكذا ليلة أمس ..

ثم صمتت , و صاحت مرة أخرى :

- كنت أظنك أقوى من ذلك ..

فأوقف خالد حصانه ثم إلتفت إليها .. و تحدّث بصوت هادئ :

- أنا آسف ..

ثم استدار مجدداً , و أمر حصانه أن ينطلق بين شوارع تلك المنطقة إلى أطرافها حيث طريقه إلى المنطقة الشرقية ..

***

كان الحصان فى طريقه نحو المنطقة الشرقية .. 

و خالد يريد أن يلقى بنفسه من فوقه 

ندماً عما فعله ليلة أمس .. 

لا يصدق أنه ثمل و لم يتحمل صدمة لغز الكتاب .. 

يتحدث إلى نفسه و يؤنّبها .. 

كانت المرة الأولى التى يشرب خمراً .. 

لا يتذكر عما تحدّث إلى السكارى .. 

و لكنه لم يوّد لحظة واحدة أن يكون هكذا .. 

ينظر إلى السماء و يستغفر ربه .. 

و يحدّث نفسه بأنه لن يفعلها مجدداً .. 

ثم تذكّر الكتاب , و ذلك اللغز .. ماذا يقصد كاتبه ؟.. 

كيف يكون كالشمس ؟ .. كيف ينحت فى الصخر ؟ .. 

و أى رأس تلك ؟.. 

و ظلّ هكذا حتى وصل إلى أطراف المنطقة الشرقية 

مع حلول الليل .. و اتجه إلى شاطئ البحيرة .. 

و ما إن وصله حتى غلبه النعاس من التعب 

و ألم رأسه الشديد .. 

فآثر أن يستريح حتى صباح اليوم التالى ..

***

فى صباح اليوم التالى , استيقظ خالد من نومه , 

و لم يكد يفتح عينيه حتى وجد أسيل تأتى إليه مسرعة .. 

و سألته فى لهفة :

- هل حصلت على كتابك ؟

فابتسم ابتسامة يعتريها حزنٌ :

- نعم ..

ثم نهض , و سار بضع خطوات تجاه البحيرة .. 

و ألقى بنفسه فى مائها .. 

يرتدى بنطاله , و نصفه العلوى عارٍ 

بعدما ألقى بقميصه على شاطئها .. 

و أخذ يغمر جسده بالماء , حتى سألته أسيل , 

و هى تقف أمام البحيرة :

- خالد .. هل دفعت الكثير من مخزونك ؟!!

فصمت خالد , و أكمل سيره إلى داخل البحيرة , ثم أكملت :

- خالد .. أراك شاحباً اليوم , و شحوبك مميز .. 

إنك أنفقت الكثير من ثروتك .. تجاوزت ثمن الكتاب ..

فتوقف ثم التفت إليها :

- أيوة .. هلال طلب منى مائة وحدة إضافية ..

حتى صاح صوت فى دهشة :

- مائة وحدة ؟!!

فالتفتت أسيل فوجدت يامن قد جاء .. فأكمل خالد إليهما :

- نعم , مائة وحدة .. لقد طلب منى خمسمائة وحدة 

مقابل ثمن الكتاب , و إلا قطّع صفحاته ..

ثم سار خارجاً من الماء .. و المياه تتساقط من جسده 

و بنطاله المبللين, ثم ارتدى قميصه , و سأل يامن :

- ليه مرحتش عملك ؟

فضحك يامن :

- أخبرنى أحد أنك جئت بالأمس بعد حلول الليل , 

فجئت كى آخذ الحصان , و أعيده إلى صاحبه , 

و أرى أثمن كتب زيكولا .. 

بعدها قد أذهب إلى عملى أو لا أذهب اليوم .. 

إن تلك اللحظة لا يضيعها عاقل , ثم سأله :

- أين الكتاب ؟

فصمت خالد حتى نطقت أسيل :

- خالد .. مالى أراك حزيناً ؟!

فتحرك خالد إلى جوار شجرته , و أخرج الكتاب 

من بين أغراضه ثم ألقاه إلى يامن .. و تحدّث ساخراً :

- ده أغلى كتاب فى زيكولا ..

فالتقطه يامن فرحاً , و ظل يتأمله و أكمل خالد :

- للأسف كنت مفكر إنى مجرّد مالاقيه هقدر أخرج من هنا بعد يوم زيكولا .. بس تقريباً اللى يدخل زيكولا 

صعب إنه يسيبها ..

فقاطعته أسيل فى دهشة :

- ألم يتحدث الكتاب عن سرداب فوريك ؟!!

فرد خالد :

- الكتاب تحدّث عنه , و عن فوريك , و عن مصر .. 

و الغريب إن الكتاب بيقول إنى ممكن أخرج قبل يوم زيكولا .. و إنى مش مضطر انتظر لليوم ده .. 

و إنى عشان أرجع لبلدى كان لازم أدخل زيكولا .. 

ثم أخذ نفساً عميقاً و زفره بقوة :

- لكنه ترك لغزاً فى نهايته .. لمخرج السرداب ..

أسيل :- أى لغز ؟

فنظر إلى يامن ثم سأله أن يقرأ آخر سطور الكتاب .. 

فبدأ يامن يقرأ :

" - من يأتى إلى تلك الأرض , و يريد أن يعود إلى دياره , 

و أن يصل إلى سرداب فوريك مجدداً .. 

لابد أن يدخل زيكولا .. 

و يكون كالشمس , و ينحت فى الصخر .. 

فيجد باب السرداب الآخر أمام الرأس مباشرة .."

بعدها صمت يامن , و كأنه لم يفهم شيئاً .. 

و صمتت مثله أسيل .. و صمت خالد حتى نطق :

- أول مرة أحس إنى ضعيف كانت فى اللحظات 

اللى قريت فيها اللغز .. مش عارف إيه اللى حصل لى .. حسيت إنى بعد ما مسكت الأمل بإيدى .. راح فجأة .. 

و كأنه تبخّر , و شربت خمراً للأسف ..

فقاطعته أسيل :

- شربت خمراً ؟!

فرد خالد :- أيوة للأسف .. 

اعتقد إن تصرفى ده كان نتيجة الصدمة ..

فقالت أسيل :

- أو نتيجة لشئ آخر , و هو فقدانك لذكائك .. 

إنك فقدت وحدات كثيرة من ذكائك فى وقت قليل .. 

لا تنس أن مخزونك كان قد زاد بعد إدخارك لثمن الكتاب .. 

ثم انفقته فجأة , و معه مائتى وحدة إضافية لـ هلال 

و ثمن استئجار حصانك .. 

أى شخص مكانك كان سيتصرف بغرابة .. 

كان سيفعل أى شئ بعيداً عن شخصيته الحقيقية .. 

و لن يلومه أحد .. إنه تصرّف لا إرادى .. 

إنك أصبحت مثلنا يا خالد ..

فصمت خالد .. ثم نطق يامن :

- و هل لا يوجد حل هذا اللغز فى الكتاب ذاته ؟!

فأجابه:

- لا .. أنا قريت الكتاب بسرعة .. 

و كان بيتكلم عن أهل زيكولا , و عن حياتكم , 

و اللغز موجود فى آخر الكتاب بس ..

ثم أكمل :

- أنا متأكد إنه لغز سهل .. ممكن يكون سهل للغاية .. 

بس محتاجنا نفكّر ..

فقال يامن على الفور فى دهشة :

- نفكّر ؟!!! 

ثم التفت بوجهه , و كأنه يهرب 

فظهر الغضب على وجه خالد , و صاح به :

- أيوة .. صاحب الكتاب أكيد كان عارف إن زيكولا 

مفيش حد فيها بيفكر , أو يستخدم ذكاءه من شدة بخلهم .. 

بس انتوا لازم تساعدونى .. ثم نظر إلى أسيل :

- أسيل .. لازم تفكّرى .. لازم تساعدينى .. أنتى غنية .. يعنى ذكية , أنتى أذكى مننا بمراحل ..

فصمتت دون أن ترد ثم نظر إلى يامن :

- و أنت عارف زيكولا أكتر منى .. لازم تفكر .. لازم ..

ثم صاح إلى الاثنين بعدما صمتا , و لم ينطقا :

- عارف إن تفكيركم بذكاء هيقلل من ثروتكم .. 

بس هتحسوا بالفخر لو قدرتوا تحلّوا اللغز ده ..

فلم يردا مجدداً .. 

فصمت خالد , و جلس أمام البحيرة , 

و أعطى ظهره لهما حتى نطق يامن :

- حسناً .. سأفكر يا خالد , 

و لكن عليّ أن أعيد الحصان إلى صاحبه الآن .. 

و أن نذهب إلى عملنا سوياً ..

فصاح خالد :

- لن أعمل الآن ..

فاقتربت أسيل منه :

- خالد , لا تيأس .. 

اعتقد أنك قوى بما يكفى لتجد حلّاً لهذا اللغز ..

فرد خالد مبتسماً:

- قوى ؟! .. إن اللغز يحتاج إلى ذكى .. 

إن رجال زيكولا أقوياء , و لكنهم ليسوا أذكياء .. 

إن اللغز يحتاج إلى من يفكر .. و أنا سأفكر ..

ثم نظر إلى يامن الذى كاد يغادر , و صاح به :

- يامن .. اجلس .. 

لن تذهب إلى عملك قبل أن نجد حل هذا اللغز ..

فاندهش يامن حتى أكمل خالد , و هدأ من ثورته :

- اجلس يا يامن .. 

سأعطيك أجرك عن عملك , و لكن فكر معى .. 

أريد مساعدتك , ثم نظر إلى أسيل :

- أسيل .. ستجدين معنا الحل .. فابتسمت أسيل , و ردت :

- حسناً ..

ثم جلس كلاهما , و تحرك خالد أمامهما جيئة و ذهاباً , 

و بدأ يتحدث :

- أنا فقدت تقريباً خمس مخزونى من الذكاء 

فى الأيام اللى فاتت .. 

بس لسة عندى اللى يكفى إنى أفكّر .. 

و أنا هفكر لآخر لحظة فى حياتى .. 

ثم رفع الكتاب بيده , و تحدّث إليهما :

- اللغز بيقول ..

- يكون كالشمس .. و ينحت فى الصخر .. 

و الباب أمام الرأس ..

- يكون كالشمس .. ينحت فى الصخر .. الباب امام الرأس ..

ثم نظر إلى يامن :

- فيه تماثيل موجودة فى زيكولا ؟

فرد يامن :- لماذا ؟!

فأجابه:- قد يكون يقصد رأس تماثيل ..

فصمت يامن قليلاً ثم تحدّث :

- لا اعتقد .. , و أكملت أسيل :

- لا توجد تماثيل فى زيكولا 

إلا تلك التى ينحتها نحاتو زيكولا لفقراء يوم زيكولا .. 

حين تلعب لعبة الزيكولا , ثم تُحطم جميعاً .. 

أصحابهم الذين ينجون من اللعبة من يحطمونها .. 

إنها نذير شؤم لهم ..

فصمت خالد , و تحرك بعض الخطوات جيئة و ذهاباً مرة أخرى , و همس إلى نفسه:

- لا يوجد تماثيل ..

بعدها نظر إلى أسيل :

- كيف أنحت فى الصخر يا أسيل ؟

فصمتت قليلاً ثم تحدّثت :

- إنك تكسر الصخور بالفعل .. فضحك يامن :

- و أنا أيضاً .. فنظر إليه خالد غاضباً , فصمت ثم أكمل خالد إلى أسيل :

- و لكن لا توجد رؤوس هنا فى المنطقة 

اللى بكسر فيها الصخور .. 

ثم صمتوا جميعاً , حتى نطق خالد بعدما أطلق صفيراً هادئاً :

- و كيف أكون كالشمس ؟!!

فضحك يامن :

- إنك مضئ مثلها يا خالد , و غضبك مثل حرّها الشديد .. فقاطعه غاضباً :

- ليتنى تركتك تذهب إلى عملك .. أصمت يا يامن .. 

لا أريدك أن تتحدّث.. إنك اليوم أغبى مما كنت اتخيل ..

فصمت يامن , و عاد بظهره إلى الخلف راقداً أمام البحيرة .. و خالد ما زال يفكّر , و يتحدّث إلى نفسه .. 

و أسيل تترقّبه فى صمت , حتى نظر إليها :

- أسيل .. ساعدينى ..

فابتسمت أسيل :

- حسناً يا خالد .. إننى أفكر الآن مثلك .. ثم أكملت :

- لا توجد رؤوس , و أنت كسرت الصخور بالفعل .. 

هل قرأت الكتاب جيّداً ؟

فرد خالد :

- اعتقد ..

فصمتت مجدداً .. و بدأ الوقت يمر .. 

و خالد لايكف عن الحركة .. 

و أسيل تضع رأسها بين يديها , 

و تفرك شعرها الناعم و كأنها تفكّر .. 

و يامن نائماً على ظهره , 

واضعا إحدى قدميه فوق ركبة رجله الأخرى .. 

حتى غربت الشمس , و لم يصلوا إلى شئ .. 

حتى نطق خالد فى يأس :

- أرى أننى أصبحت غبياً بالفعل ..

فتحدثت أسيل مبتسمة :

- سنجد الحل يا خالد .. سنجده ..

و يامن يستمع إليهما - و مازال راقداً - , و ينظر إلى النجوم التى تملأ السماء .. حتى تحدّث إلى خالد :

- أنا أعتذر حقاً يا خالد .. 

إننى أريد أن أساعدك , و لكننى لا استطيع ذلك .. 

كانت أمى تخبرنى دائماً 

أن إياد صديق عمرى أكثر منى ذكاءً .. 

و لكن أين نجد إياد الآن .. 

إنه فى المنطقة الغربية يكسر الصخور مثلنا ..

فالتفت إليه خالد , و سأله فى لهفة :

- يكسر الصخور ؟!!

فرد يامن مندهشاً من لهفة خالد :- نعم ..

فسألهما خالد :- هو فيه منطقة صخرية غير المنطقة الشرقية ؟

فأجابت أسيل :

- نعم .. المنطقة الغربية أيضاً منطقة صخرية .. 

نعم , إنك لم تذهب إليها ..

فصمت خالد كأنه يفكر .. 

و لمعت عيناه , و تحرك تجاههما مسرعاً .. 

و وضع بعض الأخشاب فى النار التى أشعلها يامن

من قبل كى تزداد إنارتها .. ثم تحدث :

- لما كنت فى سرداب فوريك .. 

انقسم السرداب إلى طريقين .. أنا أخدت طريق منهم .. 

و السرداب أبعدنى عن طريق تانى .. طريق المخرج ..

بعدها جلس على الأرض أمام يامن الذى نهض و جلس , 

و أسيل التى تابعته فى ترقّب .. 

ثم أمسك بقطعة خشب صغيرة , 

و بدأ يرسم على الرمال أمامهما .. 

و رسم خطاً طويلاً , و تحدّث :

- إن كان ده طريق السرداب الرئيسى ..

ثم رسم خطاً مُتفرعاً منه , و يسير تجاه يامن و أسيل .. 

و أكمل حديثه :

- و أنا أخدت الطريق ده لحد ما جيت فى الصحرا خارج زيكولا ..

ثم رسم خطاً آخر متفرعاً من الخط الرئيسى أيضاً ..

و لكنه معاكسٌ للفرع الذى رسمه من قبل , و أكمل :

- و الطريق ده اللى السرداب أبعدنى عنه .. 

طريق المخرج على حسب كلام الكتاب ..

ثم وقف على قدميه , و تحرك خطوتين للخلف , و ابتسم :

- الآن تأكدت أن زيكولا أخذت من ذكائى الكثير .. 

ازاى مفكّرتش فى ده ..

ثم أشار إليهما بأن ينظرا إلى الفرع الذى رسمه تجاههما , 

و نطق :

- هو ده الطريق إلى شرق زيكولا .. أكيد هو ..

ثم أشار إلى الخط المتفرع المعاكس له و هدأ صوته , 

و ابتسم :

- و هو ده الطريق إلى غرب زيكولا ..

و أكمل :

- المنطقة الوحيدة التى لم أزرها فى زيكولا .. 

المنطقة الغربية ..

ثم نظر إلى السماء حيث النجوم التى برزت .. 

ثم نظر إلى يامن و أسيل :

- لم يقصد بالشمس أننى مضئ يا يامن ..

- إنه قصد بالشمس .. حركتها ..

- من الشرق إلى الغرب ..

- إنه أسهل مما تخيلت .. 

إنه سهل للغاية , و لكن لشخص لم يفقد ذكاءه .. 

شخص عايز يفكر ..

فضحك يامن , و ابتسمت أسيل .. 

ثم توقفت عن ابتسامتها , و تحدّثت :

- و لكن يبقى الرأس ..

فابتسم خالد : سأجدها ..

فقاطعه يامن :

- و ما الذى يؤكّد لك أنها حقاً المنطقة الغربية ؟

فأجابه خالد بلهجته بعدما تنوّعت لهجته مابين لهجته الأصلية 

و لهجة زيكولا :

- لست متأكداً .. و لكن لم يعد وقتاً سوى للمجازفة .. 

إن خشيت المجازفة سأظل مثل أبى .. هنا طوال عمرى .. 

و تابع :

- سأذهب إلى هناك .. 

و أعتقد أننى سأجد تلك الرأس بسهولة .. 

لابد و أن يكون بقية اللغز أسهل مما نتخيل .. 

فضحكت أسيل :

- يبدو أن الذكاء فى بلدكم يختلف عن الذكاء هنا .. 

و أكملت :

- لو فقد أحد مثلك , خمس ذكائه لما نطق ..

فابتسم خالد : اتمنى أن تكون شكوكى سليمة .. 

و أن يكون صاحب الكتاب قصد يخليه سهل كدة ..

فضحك يامن , 

و أمسك بلجام الحصان الذى كان يقف بجوارهم :

- حسنا يا ذكى .. 

و لكن المنطقة الغربية أبعد من المنطقة الشمالية .. 

هل ستستأجر حصاناً يكلّفك المزيد من ذكائك ؟!

فصمت خالد مفكراً .. حتى نطقت أسيل :

- لا .. إنه استأجر حصاناً إلى المنطقة الشمالية 

لأننى لم أكن أذهب إلى هناك .. 

أما المنطقة الغربية فسأذهب إليها بعد عدة أيام .. 

هل تنتظر , و تأتى معى ؟

فابتسم خالد , و رد على الفور :

- أيوة .. هنتظر ..

فابتسمت أسيل :

- حسناً .. عليك أن تعمل حتى نذهب إلى هناك .. 

عليك أن تحاول إعادة أجزاء و لو قليلة من ثروتك .. 

فابتسم خالد ثم نظرت أسيل إلى يامن :

- و أنت ؟ .. لا تريد أن تساعد صديقك هناك ؟ .. 

فنظر إليها يامن مندهشاً حتى أكملت :

- إننى أريد مساعداً آخر مع خالد .. 

و لكننى لن أدفع لك أكثر من أربع وحدات باليوم , 

و ملابس جديدة لك ..

فصمت يامن ثم ضحك :

- مساعد طبيبة ؟!! .. حسناً لم لا ؟! ثم تمتم إلى نفسه :

- مساعد طبيبة صباحاً .. 

و باحث عن رأس مجهولة مع صديق بعد الظهيرة .. 

لا أظن أن هناك ما يمنع ذلك ..

بعدها تحدّثت أسيل إلى خالد :

- الآن سأغادر يا خالد .. 

و سأقابلكما هنا صباحاً بعد ستة أيام 

حتى نتّجه سوياً إلى هناك , ثم نظرت إلى يامن :

- و أنت , سيأتيك أحد بالملابس الجديدة قبلها بيوم .. 

ثم غادرت , فضحك خالد و نظر إلى يامن :

- ستكون مساعداً لمساعد الطبيبة ..

فرد يامن ضاحكاً :

- أظن أنها تريدنى أن أكون سائقاً لعربتها ..

ثم أمسك بلجام الحصان , و همّ ليغادر :

- الآن على أن أتركك .. 

إننى لم أضع شيئاً فى حلقى منذ الصباح .. 

هل ستأكل أنت الآخر ؟

فرد خالد : 










- لا .. أنا سأنام .. ربما آكل غداً .. ثم تابع :

- إن طعامى الآن يأخذ من ذكائى .. 

و أنا احتاج كل وحدة حتى أجد ذلك الرأس و ذلك المخرج ..

فابتسم يامن :

- حسنا , أراك غداً فى العمل .. 

و سأخبر العمال بأننى أمسكت أثمن كتب زيكولا بيدى .. 

كتاب ينقذ فقيرين من ذبح يوم زيكولا .. 

ثم ضحك , و غادر هو الآخر .. 

و ظل خالد بمفرده بجوار شجرته على شاطئ البحيرة ..


مرت الأيام يوماً تلو الآخر , و خالد يعمل مع يامن .. 

و يقرأ الكتاب أكثر من مرة باليوم , و يقارن بين ما ذكره الكتاب عن أهل زيكولا و بين ما كتبه هو فى أوراقه .. 

و يحاول أن يسأل الكثيرين ممن ذهبوا إلى المنطقة الغربية من قبل , لعل أحدهم يدرك سر ذلك الرأس .. 

يعلم أن ذهابه إلى هناك مجازفة 

و قد لا تكون ما يقصده صاحب الكتاب .. 

و لكنه لم يجد حلاً آخر ..

حتى جاء اليوم السادس , 

و كان فى انتظار أسيل و عربتها عند البحيرة .. 

حتى وجد يامن يقترب من بعيد , و قد ارتدى زيّاً جديداً, 

جلباباً أزرق قصيراً و مزركشاً , 

و يظهر من تحته بنطال فضفاض .. 

و يسير متباهياً بزيّه , و ينفض كل لحظة عن أكمامه .. فضحك خالد حين رآه , ثم سأله يامن على الفور :

- ألستُ وسيماً فى هذا الزى ؟

فضحك خالد :

- إن ملابسك أجدد كثيراً من ملابسى ..

فضحك يامن :

- إننى أعمل بمقابل .. أما أنت فتعمل مقابل 

ذهابك إلى مناطق زيكولا ..

بعدها وصلت عربة أسيل , و ما إن رأى يامن السائق حتى همس إلى خالد :

- يبدوا أننى لن أعمل سائقاً .. سأعمل مساعداً حقاً ..

فضحك خالد حتى ظهرت أسيل من نافذة العربة , 

و نادت بصوتها فى ابتسامة :

- هيا ..

فحمل خالد جميع أغراضه , 

و كانت لفافة من القماش بها أوراقه و كتابه , 

و بعض كسرات الخبز القديم .. 

و ركب مع يامن العربة بمواجهة أسيل , 

و التى أمرت السائق أن يتحرك نحو المنطقة الغربية ..

***

انطلقت العربة , و بداخلها خالد و يامن و أسيل .. 

و يامن ينظر عبر النافذة مسروراً حتى أثار دهشة أسيل .. 

و يريد أن يخرج عبر النافذة كى يراه من يعمل معهم بزيّه الجديد .. أما خالد فظل صامتاً , و نظر عبر النافذة الأخرى .. و أسيل تترقّبه فى صمت حتى نطقت :

- هل وجدت شيئاً آخر لذلك اللغز ؟

فأجابها:

- لا .. كل أملى إن يكون ظننا صحيحاً .. 

و يكون فعلاً هناك المخرج ..

فصمتت ثم ابتسمت , و قالت :

- تريد أن تغادر زيكولا فى أسرع وقت .. 

لن تنتظر يوم زيكولا حتى .. ثم سألته :

- ماذا ذكر الكتاب عن تاريخ زيكولا ؟

فرد مبتسماً , و فضّل أن يجيبها بلهجتها :

- إن صاحب الكتاب لم يعرف هو الآخر سر زيكولا .. 

يبدو أنه لا أحد يعلم سر تلك الأرض .. 

و لكنه ذكر كيف تحدثتم العربية ..

فسألته أسيل :- كيف ؟!

فقلّب خالد صفحات الكتاب على عجل , و أشار إلى صفحةٍ به :

- يقول الكتاب أن هناك من جاءوا من بلدى إلى هنا من قبل , عبر سرداب فوريك منذ قرون ..

و هم من علّموا أهل زيكولا اللغة العربية .. 

أما بعض المناطق المجاورة فقد علّمها مَن جاء من بلدى 

و لم يدخل زيكولا ..

فضحك يامن , و قاطعه :

- حسناً .. إننا ندين لكم بالكثير ..

فابتسم خالد , و أكمل :

- و يقول أيضاً .. إنهم ممن سكنوا المنطقة الشمالية ..

فصمت يامن ثم أكمل ضاحكاً :

- لا ندين كثيراً ..

و سألته أسيل :

- هل ذكر أين زيكولا من أرضك ؟

فأجابها :

- لا, لم يذكر ذلك .. الشئ الذى أعلمه أنا و صاحب الكتاب .. أن الطريق بين أرضى و أرضكم هو سرداب فوريك .. 

و أكمل بعدما قلّب بعضاً من صفحات الكتاب :

- هو الآخر لم يستطع أن يجد تفسيراً لوجودكم , 

و وجود تلك الصحراء , و الأراضى , 

و آبار المياه التى توجد بها , و تلك السماء , و تلك الشمس .. فقال إن زيكولا أرض أخرى لا أحد يعلم أين هى .. 

سوى أنها نهاية سرداب فوريك .. 

يبدو أنها ستظل سراً أبديّاً لا يعلمه أحد ..


بعدها أكمل الثلاثة حديثهم عن الكتاب .. 

و بدأ خالد يقرأ لهما بعضاً من صفحاته , 

و اندهشا كثيراً حين قرأ لهما عن سرداب فوريك , 

و تصميمه البديع , و كيف يكون مضاءً ليلة البدر فقط , 

و كيف تمت تهويته , و حين يجدهما لايصدقان ما يسمعانه يخبرهما بأنه قد رأى ذلك بالفعل حين مرّ منه .. 

و مرّ الوقت , و الثلاثة يكملون حديثهم .. 

و يتنقلون من حديثهم عن الكتاب و ما به إلى هلال , 

ذلك الجشع الذى أخذ مائة وحدة إضافية, 

و ضحكا كثيراً حين أخبرهما خالد بأنه قد ثمل , 

و لا يتذكر شيئاً عما تحدّث به إلى الناس 

فى تلك اللحظات هناك .. 

ثم بدأوا يتحدثون عن تلك المنطقة التى يتجهون إليها , 

و نظر خالد إلى يامن , و قال :

- أنت قلت لى قبل كدة إن المنطقة الغربية بها سوق كبيرة .. بيتم فيها بيع و شراء جميع منتجات زيكولا الزراعية 

أو الصناعية ..

فأجابه يامن :

- نعم .. تلك المنطقة يقصدها الكثيرون 

رغم بعدها عن منطقتنا , و قاطعته أسيل :

- و لكنها أكثر قرباً إلى منطقة الحاكم 

التى نمر أمامها الآن ..

فنظر خالد عبر النافذة , فوجد قصور المنطقة الوسطى , 

و أكمل يامن :

- و قريبة أيضاً من المنطقة الجنوبية .. 

منطقة الزراعة , و عُرفت دائماً أنها أرض الشراء و البيع 

فى زيكولا .. و أن الأسعار بها أرخص كثيراً من مثيلاتها 

فى المناطق الأخرى .. 

فيلجأ إليها الكثيرون من أهالى زيكولا ..

فتحدّثت أسيل :

- إنها منطقة تجار زيكولا .. 

و هم يعيشون بها رغم أنها منطقة يصعب العيش بها .. 

ثم أكمل يامن :

- و منذ سنوات قريبة أصبحت المنطقة المنافسة لمنطقتنا 

فى صناعة الطوب من الصخور .. 

بعدما بدأوا يستغلون طبيعتها الصخرية 

فى صناعة الطوب مثلنا , و بها الكثير من العمال الأقوياء , منهم إياد صديقى ..

فصمت خالد .. ثم ضحك ساخراً :

- كان فى الأول هدفى إنى ألاقى الكتاب , و لقيت الكتاب .. دلوقتى هدفى إنى ألاقى رأس مجهولة ..

ثم عاد بظهره إلى مسند المقعد الذى يجلس عليه , 

و أكمل ساخراً من نفسه فى حزن :

- خايف ألاقى الرأس , 

يكون عليا إنى ألاقى حاجة تانية غيرها ..

فابتسمت أسيل : 










- و إن كان .. ستجد كل ما تريد .. أنت القوى .. أنت الذكى .. أنت تختلف عن غيرك يا خالد .. 

أنت من وجدت كتابك , و أنت من وجدت حل لغزه .. 

و أنت من ستخرج نفسك من هنا ..

فابتسم يامن , و ظل يترقب خالد و أسيل حتى ساد الصمت داخل العربة ..


غربت الشمس , و حل الظلام بالسماء .. 

و عاد يامن بظهره إلى الخلف , و أغمض عينيه , 

و كأن النعاس قد غلبه .. 

أما أسيل فلم تفارق عيناها السماء .. حتى صاحت إلى خالد :

- أنظر هناك .. ثم أشارت إلى السماء :

- إنه أسيل ..

فنظر خالد إلى السماء , 

و نظر إلى ذلك النجم اللامع ثم نظر إليها :

- أنا بتفاءل به , و بتفاءل بوجهك يا أسيل ..

فأحمرّ وجهها خجلاً كعادتها .. و ابتسمت , 

و ظلت تنظر إلى النجم بالسماء , 

و خالد ينظر إليها , و يبتسم حين يجدها تُحرّك رأسها 

و عينيها مع ذلك النجم مع مرور العربة .. 

لا تريد أن يغيب عنها لحظة واحدة .. 

ثم يضحك حين ينظر إلى يامن فيجده قد انزلق بجسده 

بين المقعدين , و قد تعمق فى نومه .. 

حتى نظر عبر النافذة بعيداً فوجد نيراناً بعيدة , 

فعلم أنهم قد اقتربوا من تلك المنطقة التى يقصدونها ..

***

وصلت العربة إلى أطراف المنطقة الغربية 

فأيقظ خالد يامن على الفور , ففتح عينيه فى ابتسامه 

حين وجد نفسه منزلقاً داخل العربة .. 

ثم نهض , و عدّل من جلوسه و ملابسه , ثم تحدّثت أسيل :

- سنتجه الآن إلى مكان لنبيت به حتى الصباح .. 

هنا يوجد مكان خاص لطبيبة الحاكم .. أنا .. و لمساعدَىّ .. أنتما ..

فابتسم يامن :

- رائع .. خشيت أن أنام على جانبى أحد الشوارع 

مثلما يفعل صديقنا دائماً ..

فابتسم خالد, ثم أكملت أسيل :

- سنبدأ عملنا فى الصباح , 

و بعد الظهيرة لن احتاج مساعدتكما .. 

فاذهبا لتبحثا عن مخرج ذلك السرداب ..

بعدها توقّفت العربة أمام أحد البيوت , و نزل الثلاثة .. تتقدمهم أسيل , و يليها خالد .. 

ثم يامن , و الذى حمل جميع الحقائب , 

و من بينهم أغراض خالد , 

و اتجهوا إلى داخل ذلك البيت حيث كان أحد الأشخاص 

فى استقبالهم ..


فى صباح اليوم التالى , نهض خالد مسرعاً , و أيقظ يامن .. ثم اتجها مع أسيل إلى عملها .. 

و معهم ذلك الرجل الذى استقبلهم الليلة الماضية .. 

و أخذوا يتنقلون من بيت إلى بيت , 

و أسيل تفحص كل المرضى .. 

و إن احتاج أحدهم لضمادة تترك خالد ليضمده .. 

و يامن لا يفعل شيئاً سوى أن يحمل الحقائب , 

و يتباهى بملابسه الجديدة , 

و كلما مرت فتاة بجواره يضع الحقائب أرضاً 

ثم ينفض عن أكمامه حتى تمر فيحمل الحقائب مجدداً .. 

و خالد يراه و يضحك ..

أما أسيل فكانت تشيط غضباً , 

و لكنها تعود لتضحك حين تجد خالد يضحك لذلك .. 

و ظلوا يتنقلون بين شوارع تلك المنطقة .. 

و خالد ينظر إلى بيوتها , و التى بدا علي الكثير منها الثراء .. و لكنها ليست فى ثراء قصور المنطقة الوسطى .. 

يعلم أنها بيوت تجار زيكولا , ولا بد أنهم أثرياء .. 

تتكون أغلبها من طابقين , و تمتاز ببراعة معمارية من الخارج .. و جدران صخرية سميكة , و نقوش مميزة على واجهتها 

و نوافذها , و ليست عتيقة مثل مبانى المنطقة الشرقية .. حتى مرّت  

            الفصل السادس عشر من هنا

لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا 


بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-