رواية أباطرة الغرام الفصل السادس عشر بقلم اية محمد رفعت
اندفع باب مكتب أحمد فجأةً ليظهر من خلفه آسر بوجهه وعينيه المحمرتين وآثار الدموع تملؤها، اتبع خطواته نحو أبيه الذي وقف مصدومًا لرؤية حالته هكذا، همس آسر بصوت مبحوح:
_ بابا!
قطب جبينه بدهشةٍ، يتابع سير ابنه نحوه، ليحتضنه بقوةٍ و سمح بتحرر دموعه مجددًا، انفطر قلب أحمد لحالة ابنه، فسأله بقلقٍ ولهفة:
_مالك يا آسر في أيه ياحبيبي ؟!
شدد آسر من عناق والده يخشى فقدانه، وأجابه بصوتٍ مليء بالخوف و الألم :
_ماتسيبنيش يا بابا أنا بحبك اوي، متسيبنيش.
عاد يبكي بمرارةٍ أكثر، ثم رفع بصره نحو والده، وأردف بندمٍ ظاهر في صوته:
_أنا آسف مش هضايقك تاني بس ما تسيبنيش.
دُهش أحمد من حديث ولده، ليوجه بصره لعصام مستفسرًا عن حديث آسر وندمه، فقد كان يراقب الموقف بحزنٍ دفين، فأجابه بنبرة يكسوها الحزن لحالهما:
_ آسر عرف كل حاجه يا بابا.
مسح أحمد على ظهر آسر، وأخذ يهون عليه:
_ خلاص يا آسر ياحبيبي أنا كويس أهو قدامك.
كرر آسر أسفه بدموعٍ مليئة بالندم و الخوف من فقدان والده:
_أنا أسف…متسيبنيش.
ابتسامة شاحبة اعتلت وجه أحمد، ثم قام بإحتضان ابنه وبث حبه إليه منه ومن كلماته الإيجابية:
_ بس ياحبيبي، أنا روحت فين أنا معاك أهو يا آسر.
ثم أردف مازحًا ليهون عليه :
_ده أنا إفتكرت إنك عايز تخلص من أبو لهب اللي مضايقك على طول.
ترك آسر حضن والده ليندفع إلى كفيه وقبَّلهما مراتٍ عديدة، وهتف من بين دموعه:
_أنا بحبك أوي يا بابا.
_ أنا يعني يلي بكرهك يالا دا أنت ابني الصغير.
هتف بها أحمد ممازحًا إياه، ثم جفف دموع ابنه بإبهاميه، فقال خالد:
_ ألف سلامة عليك ياعمي.
_ الله يسلمك.
نظر إليهما بشكلٍ متبادل، ثم أردف بنبرةٍ تحذيرية :
_خالد، آسر مش عايز أي مخلوق يعرف حاجة.
أومأ خالد رأسه باحترام لأمر عمه وهتف آسر بطاعة:
_حاضر يا بابا، بس أنا هاجي معاك.
نظر إليه والده الذي كاد أن يعترض، فهدده بمرحٍ من بين حزنه:
_ هاجي وإلا والله يا أبو لهب إن مخدتنيش معاك لأكون مسيَّحلك هنا أنك رايح فرنسا تتفسح وتسيبنا هنا.
ظهرت ضحكة أحمد لمزاح ابنه رغم حالة الحزن التي كانت تخيم عليه، فهتف موافقًا:
_ ماشي هخدك
**********
صباح اليوم التالي، جلبةٌ كبيرة حدثت في القصر، كان العمال يعملون بجهد شديد فاليوم مميزٌ و مهمٌ جدًا لحدوث أكبر حفل خطوبة لكل من عصام وخالد الدالي الورثة لإمبراطورية وشركات الدالي، فكانت ياسمين وندى تستعدان للحفل الكبير بمساعدة فريقٍ كامل من مركز التجميل.
**************
دقَّ آسر الباب وعندما لم يجد ردًا، دخل الغرفة يبحث عن سها، فوجد على سريرها الفستان الذي سترتديه، أخذه مستبدلًا إياه بآخر قد اشتراه لها، ثم غادر الغرفة بهدوءٍ، في حين خرجت سها من الحمام تتقدم نحو المرآة تعد نفسها للحفل.
**********
وقف عصام أمام المرآة في غرفته يصفف شعره بعد أن ارتدى حلته السوداء، فبدا بها جذابًا تفوح من رائحته الخاصة بعد أن نثر عطره .
في حين ارتدى خالد بِذّلةً أنيقةً بذات اللون، وصفف شعره، فاكتملت طلته بوسامته التي لا تقل عن عصام و أخذ ينظر إلى نفسه برضًا وسعادة.
وأخيرًا تأنق آسر باللون الأزرق الذي أظهر جمال عينيه التي تشبه العسل، وبعد أن أنهى تجهيزه، نظر إلى نفسه بالمرآة وغازل نفسه قائلًا:
_ البت سها محظوظة بالجمال ده ، قسمًا بالله لو في مني نسخة كان الكوكب خرب!
***********
كانت التجهيزات و حضور المدعويين إلى حفل على أعلى مستوى، حيث حضرها أكبر رجال الأعمال والصحافة فهو حفل خطبة نجليّ عائلة الدالي.
تركزت انظار الحضور على هبوط العريسان اللذان خطفا الأنظار بوسامتهما وطلتهما الساحرة أشبه بنجوم السينما.
بعد دقائق نزل أحمد يمسك إلى جانبيه العروستين، عن يمينه ندى التي تأنقت بفستانٍ أحمر من قماش الستان يتسع عند الخصر بشيءٍ بسيط و يحيط عنقها بشالٍ من ذات اللون ، بدت كأميرة تبحث عن أميرها، عيناها تتلقف نظرات عصام الذي تسمر أمامه عند رؤية ملكة قلبه أمامه، خاصةً وعيناها الخضراء تشع عشقًا.
وعن اليسار تحركت ياسمين مع والدها بفستانٍ باللون السماوي الذي يضيق من الخصر إلى الأسفل وتبرجها الهادئ فكانت تشبه الحورية، اتسعت ابتسامة خالد لرؤياها، فأسرع نحوها تضع يده بذراعه، ثم هتف بفرحةٍ عارمة:
_ألف مبروك يا روحي.
_ الله يبارك فيك.
همست بها بخجلٍ، فهمس لها بحبٍ:
_ إيه الحلاوة دي، زي القمر ده أنتِ أحلى من القمر نفسه!
_ احترم وجودي وبعدين دي خطوبة.
هتف بها أحمد بشيءٍ من الغيرة بعد أن سمع مغازلته لابنته، فحمحم خالد بحرجٍ ونظر إليه مبتسمًا باقتضاب قائلًا:
_ الله يصلح حالك ياعمي دايمًا فاتح نفسي والله.
ابتسم والدها له مبتعدًا عنهما، ثم توجه العريسان بعروسيهما للجلوس في المكان المخصص لهم.
**********
ساعد عصام ندى بجلوسها، ثم جلس إلى جانبها يتأمل ملامحها بانبهار وهو يتمتم بسره "سبحان الله، ما شاء الله" ثم أخرج صوته بعدما لاحظ طول نظراتهما لبعض فهمس إليها:
_ إيه الجمال ده يا ملكتي! أنا حاسس إنك ملكة مش بس على قلبي على الدنيا كلها.
أنزلت رأسها للأسفل بخجل تسكته:
_متكسفنيش بكلامك!
ضحك على خجلها، وعلم أنه قد توردت وجنتيها، فقال بحبٍ يعتريه غيرة:
_ ماشي بس عشان محدش يشوف الفراولة دي اللي ليا انا بس.
***********
وقف آسر إلى جانب عمه وأبيه يراقب الحضور ، وما إن لمح سها تهبط للأسفل، حتى اتسعت عينيه وكست وجهه علامات الانبهار و عدم التصديق لما تراه عيناه من جمالها ، لكز عمه وهتف بصدمة :
_ إلحق ياعمي
فزع محمد لتنبيه آسر ، ليسأله بقلق :
_ في إيه يا بني؟!
رفع إصبعه مشيرًا نحو سها وسأله بدهشة:
_مش دي سها ولا أنا بحلم ؟!
دفعه والده بغيظٍ وهتف بسخرية :
_يعني تخض عمك كدا عشان سها وأنا مش فاهم مبحلق في ايه؟!
_ كوباية العصير .
هتف بها دون وعيٍّ، لينظر إليه عمه بحيرةٍ ثم سأله:
_ إيه؟!
_ يعمي ألحق الكوباية هتقع.
هتف بها آسر لينظر محمد إلى والده ووجه حديثه موجهًا حديثه لأحمد :
_ إبنك ده مجنون..
اتسعت ابتسامة آسر وهو يراها تقترب من الحضور، فهتف مغازلًا:
_قشطة الحلاوة دي ليا لوحدي بس مزة مزة يا بنت الإيه لازم أخد بوسة.
_ ولد إحترم نفسك إحنا واقفين ياحيوان.
هتف بها والده بحدة، لينظر إليه آسر ساخرًا:
_ياعم اتلهي أنت من ساعة ما شوفت أمال وأنت واقف مش على بعضك، ولا جيت عليا وهتعمل محترم، و أنت ياميدو عينك هتنط من مكانها على سهير إحترموا نفسكوا بقا.
تركهما وهو يلوح بيده متجهًا نحو سها، وقف قبالتها مبتسمًا ثم همس:
_ مكنتش أعرف إن الفستان هيكون حلو عليكي كدا، قمر يابت بس إيه رأيك؟ جبتهولك أزرق وأنا بدلة زرقا عشان نعمل قفلة.
ضحكت سها لتشبيهه ثم هتفت بمرح يشابه مرحه:
_لأ بس إيه الحلاوة دي يا آسورة؟!
عدّل من بذلته وهتف بغرورٍ و ثقة:
_ٱومال إيه يابنتي ده أنا آسر الدالي...
قاطع حديثهم حضور معتز الذي هتف:
_سها إزيك ؟
_ الحمد لله يامعتز أنت عامل ايه ؟
أجابته لتطمئن هي الأخرى عليه، وعند آسر تقدما رودينا منه تسأله:
_إزيك يا آسر؟
_ كويس.
هتف بها ببرود لينسحب من أمامها يمسك كف سها متجهان نحو ساحة الرقص حيث بدأ الرقص على شكل ثنائيات على أنغام موسيقى هادئة.
_تعالي نرقص.
هتف به آسر لينضم لخالد وعصام اللذان يرقص كلٌّ منهما مع عروسه.
_ بحبك ومش مصدق إنك خلاص بقيت ليا حتى لو دبلة بس ارتبطت بيكي وبقيتي بتاعتي أنا بس .
همس بها خالد وهو يراقص ياسمين، وينظر لها بعشقٍ إلى ورَّد وجنتيها، همست له هي الأخرى بخجلٍ:
_ عارف لو فكرت تلعب كدا ولا كدا والله ياخالد لوريك .
اتسعت ابتسامته لتهديدها الرقيق مثلها، ليطمئنها :
_ لا متخافيش أنا معاكي في نفس البيت يا غبية هلعب إزاي؟
توقفت عن الحركة والتمايل دقيقةً لتدرك بعدها أن حديثه صائب فهتفت:
_ آه تصدق نسيت...
ضحكت بخفوت ليشاركها الضحك وعادت تتراقص على الأنغام.
إلى الجانب الآخر ، يتحرك عصام وندى بانسجامٍ وكأنهما عشاقٌ منذ دهر، يتحرك معها عصام وعيناه تركزان عليها فقط، نظراته لها أربكتها فسألته بخجل:
_بتبصلي كده ليه؟
_مش مصدق إني حبيتك أوي كدا وإني ارتبطت بيكِ، عارفة يا ندى بعد لميس كنت مفكر إني هفضل كده مش هحب حد، ندى أنا عارف إيه السؤال يلي نفسك تسأليه بس مش عارفة أو خايفة من إجابته...
اتسعت عينيها لاعترافه وإدراك ما تشعر به، فسألته:
_سؤال إيه ؟
_ إذا كنت لسه بحب لميس أو لاء؟
سؤاله الصائب أشعرها بالخوف من الجواب، أطالت النظر في عينيه تبحث عن إجابة تطمئنها، همس بمشاعرٍ اتضحت في صوته وعيناه:
_ أنا إذا كنت حبيت لميس فكان حب لكن أنا بعشقك يا ندى عارفة يعني إيه، بسمع دقات قلبك بحس بيكي لما تكوني خايفة بسمع صوتك و أنتِ بتناديني قبل ماتتكلمي، أنا عديت مرحلة العشق بمراحل.
استمعت لحديثه وقد تبدد ارتباكها وخوفها لفرحةٍ كبيرة ، فالإجابة منحتها درجة كبيرة من الراحة و الطمأنينة لقلبها.
وعلى الجانب الآخر تعجب آسر من صمت سها وتحاشي النظر له، فهتفت متسائلًا:
_ ساكتة ليه يا سها ؟
_ أقول إيه؟
سألته وهي تتحاشى النظر إليه، فأجابها عن درايةٍ بتفكيرها :
_سها أنا بحبك وعارف أنتِ بتفكري في إيه، رودينا معدتش تفرق معايا في حاجة يا سها أنا محيتها خلاص أنتِ ليه مش عايزة تصدقي أني بحبك أنتِ؟
لم تعطه جوابًا ، فازداد قلقه وترقبه حينما سألها:
_ أنتٍ مش مصدقاني؟
بقيت على حالها صامتةً، فشعر بالغيظ لسكوتها ، فهتف منفعلًا :
_يابنتي اتقي شري أنا مجنون .
لم تحرك شفيتها حتى، ليزداد غيظه، توقف عن الحركة معها ثم انطلق إلى الميك، يوقف الأغاني التي تشتعل يقول بصوتٍ عالٍ:
_ بحبك يحبك.
وضعت يدها على فمها تردف بصوتٍ مرتجف:
_ أنزل يا مجنون خلاص صدقتك.
_انزل يا حيوان فضحتنا، وأنتِ يا أختي الواد أول ما يقولك بحبك عاملة فيها تقيلة عليه ده أنتِ هتموتي إحنا مصدقنا.
هتف بها أحمد بحدةٍ تبعتها سخرية، فنزل آسر مفكرًا في آخر ما تفوه به والده، نظر إليها بدهشة متمتمًا:
_ يقصد إيه الوالد بكلمة مصدقنا دي؟!
ابتسمت سها بخجلٍ، متذكرة خطتهم ، ثم أقرّت معترفٍة:
_ بصراحة خالو كان هو سبب خطة التغير عشان أعلمك الأدب.
_ كده ماشي يا أبو لهب الجايات كتيرة.
هتف بها آسر متوعِدًا وعاد يكمل رقصته معها.
بعد ساعات انتهى الحفل الذي حمل أسعد لحظات عاشها الجميع.
**************
في صباح يوم جديد..
هبط عصام من أعلى الدرج يتوجه نحو السفرة، يتمتم للجميع:
_ صباح الخير
أجاب الجميع بصوتٍ واحد بطريقةٍ غير مخطط:
_ صباح النور
تفحص بعينيها الجالسين، ليردف بدهشة:
_ أمال فين خالد ؟
اجابته سهير بهدوءٍ:
_ لسه منزلش ياحبيبي.
رفع حاجبيه بدهشة، ثم تمتم بتعجبٍ:
_ غريبة.
علق أحمد بهدوءٍ، ينظر نحو ابنه:
_ يمكن يابني عشان سهر أمبارح في الحفلة.
حرك رأسه بعدم اقتناع وردد وهو يعاود الصعود:
_ هطلع أشوفه.
***********
طرق عصام الباب ولم يجد استجابة، فقرر الدلوف بهدوءٍ وبالفعل ما أن دلف حتى ابتسم ثم تحولت البسمة لضحكة صاخبة وهو يرى خالد يغفو على الفراش وإلى جواره آسر يضع قدمه عليه ويبسط يده على وجهه، تقدم نحو وهو لا يزال يضحك، ثم قام بلكز خالد متمتمًا:
_ خالد خالد أنت يابني قوم اتأخرنا على الشركة..
نزع خالد يد أسر عن وجهه ثم استدار يردد بصوتٍ ناعس:
_ سبني ياعصام الله يخليك منمتش طول الليل من الحيوان ده.
عاد للكزه مرة أخرى يردف بإصرارٍ:
_ النهارده عندنا إجتماع مهم مع الوفد الإيطالي.
نهض خالد بغيظٍ منه، يمسح على وجهه بحنقٍ، يتمتم بكلماتٍ تشتعل من شدة غضبه:
_ ربنا يخدك أنت وأخوك ياشيخ أنتم حد مسلطكم عليا عايز أنام ياجدعان.
منحه بسمةً باردة ثم استدار يغادر الغرفة، يتمتم ببرودٍ وهو يقف على اعتاب الغرفة، يدير رقبته فقط يتطلع له بنظرةٍ يعلمها خالد:
_ خالد معاك ربع ساعة وتكون قدامي تحت والحيوان ده يكون قبلك تحت فاهم.
نهض من أعلى الفراش، يردف بحنقٍ:
_فاهم بس متقلبش عينك كده.
************
خرج عصام من الغرفة متوجهًا إلى غرفتها، قام بطرق الباب وحينما لم يأتيه ردها، دخل ليجدها غافلة كالطفة الصغيرة تمسك بكتابٍ بين يديه،
فتحت عيناها الخضراء بنومٍ عندما تسللت اليها رائحة العطر الخاص به، ابتسمت ندى بنعاسٍ ثم أغلقت عينيها تظن أنه حلم، ولكن قطع هذه اللحظة دلوف ياسمين تهدر بصوتٍ عالي:
_ أنتِ يازفتة كل دا نوم.. عصام أنت بتعمل إيه هنا؟!
أشار لها بأن تصمت متمتمًا بهمس :
هوش كنت بصحي ندى بس واضح إنها إفتكرته حلم!
ضحكت ياسمين بخفوتٍ، ثم اشارت له بأن يختفي مرددة بمكرٍ :
إستخبى هصحيها ونشوف رد فعلها إيه!
نالت الفكرة اعجابه فاختبئ بغرفة الملابس المرفقة لغرفتها، عادت ياسمين تنادي بعدما تأكدت من اختبأ عصام:
_ ماتقومي يابت بقا الله
ابعدت ندى يد ياسمين متمتمة بنعاسٍ:
_ سيبيني يا ياسمين!
ضحكت على طريقتها ثم سحبت الغطاء من عليها، مرددة:
_ قومي مش قولتي إنك هتروحي المكتبة تجيبي كتب وهتاخديني معاكِ!!
انتفضت غاضبة، تردد بحنقٍ:
_منك لله ياشيخة فصلتيني من الحلم الحلو ده.
ابتسمت ياسمين ثم قالت بمكرٍ :
_ حلم إيه ياندي؟!
انتظر عصام الاجابة وعلى ثغره بسمة هادئة، فاجبتها بإبتسامة وهي تلوح بيدها في الهواء بسعادة :
_ حلمت إن عصام كان هنا بيصحيني و..
تعجبت من صمتها لتسأل بترقبٍ :
_ و إيه كملي ياحبيبتي كملي؟!
تلون وجه ندى بحمرة الخجل متمتمة :
ها لا ولا حاجة.
حركت ياسمين رأسها تردف بخبثٍ :
_ فهمت.
أسرعت ندى بالحديث دون وعي:
_ لا والله العظيم ده مشى ايده على شعري بس.
انفجر كلًا من عصام وياسمين من الضحك، بينما نظرت ندى لعصام الذي ظهر أمامها فعلمت أنه بالفعل كان موجود ولم يكن حلم، هتف من بين ضحكاته:
_ مكنش حلم حبيبتي أنا قدامك أهو مادام حلم جميل أوي كده مستعد أصحيكي كل يوم.
حمحمت ياسمين تردد بمرحٍ:
_ أحم أحم أحنا واقفين إحترموا نفسكم شوية.
أمسك عصام ياسمين من تلابيب ملابسها يردف بغيظٍ :
_ بتقولي لمين يابت يحترم نفسه
امسكت بيده في خوفٍ، تردد بتوترٍ:
_عيب كدا يابوص ده أنا لسه مساعداك دلوقتي لحقت تنسى.
تطلع لها ببرودٍ، ثم اردف بصوتٍ أخافها:
_ اوك هسيبك المرادي بس عشان ساعدتني.
رفعت ياسمين سبابتها في الهواء، تدعو قائلة :
_ ربنا يكتر من أمثالك يابني.
تحرك عصام نحو الأسفل متمتمًا بعدما تطلع للساعة:
_ أنا نازل أفطر عشان متأخرش باي.
أغلق الباب خلفه وما أن استدارت ياسمين حتى وجدت عصا مرفوعة أمام وجهها، نظرت لها بتوترٍ وإلى ندى التي تمسك بها، ثم صرخت وهي تركض ما أن اقتربت منها ندى :
_ عيب ياندى ده أنا حبيبتك.
ركضت خلفها وهي تصيح بحدة:
_ده أنتٍ واقعتك سودة أنا يابت تعملي بيا الجلاشة.
علقت ياسمين وهي تركض بسخطٍ :
_جلاشة إيه إحنا ده محل حلاويات
ركضت خلفها بسرعةٍ أعلى من ذي قبل في حين حاولت ياسمين الفرار منها مشيرة لها بتعبٍ:
_ ياندي يا حبيبتي ده خطيبك وعارف إنك واقعة مش جديدة!
اتسعت عينيها بصدمةٍ ثم قالت بأعينٍ مشتعلة:
_ انا واقعة تعالى هنا والله لازم العصايا دي تسلم عليكي النهاردة.
***********
_ قوم ياحيوان أنت إيه مانمتش بقالك سنة ده أنت نايم طول الليل وعجبك السرير أوي كل شوية تزقني من على السرير هو ضيق ياحيوان.
قالها خالد بغيظٍ شديد منه، في حين نهض آسر يفرد ذراعيه باريحية، يردد ببسمةٍ اثارت غضب خالد :
_صباح الخير يا خالود.
اجابه خالد بحنقٍ، ينظر إلى ساعته:
_صباح الزفت على دماغك قوم خلص إتأخرنا خمس دقايق كمان وهتلاقي عصام جايبك من قفاك
نهض آسر وأسرع على الحمام يغسل وجهه وهو يركض، يردف بهلعٍ:
البوص مفيش عنده هزار.
رمقه بنظرةٍ غاضبة، فنظر آسر نحو خالد الذي يبحث في الخزانة عن قمصيه، ليردد بتعجب :
_هو أنت بتعمل إيه؟!
اجابه وهو يرفع الملابس عن مكانها لعله يجده:
_بدور على القميص الأسود مش عارف فين؟!
اجابه آسر بسخطٍ، وهو يغير ثيابه:
_عشان أنت غبي القمصان مش في الدلفة دي في التانية
تطلع خالد نحوه بغضب، ثم قال بحدة :
وأنت عرفت أزاي؟!
اجابه آسر، يربط رابطة عنقه:
_ مش بقولك غبي أنا طلبت من الخدم ينقلوا القمصان في الأول.
_ ليه
اندفع بها خالد ليجد اجابة مستفزة من آسر:
_عشان أحفظ المكان وأعرف ألبس.
اندفع نحوه ثم جذبه من القميص يهدر بعصبيةٍ :
_ يعني أنت استوليت على سريري وهدومي كمان يا حيوان.
أفلت آسر يد خالد ثم قال بحنقٍ:
_سيب القميص أوعى هضطر أقلعه إتكسر
تمتم خالد بإستفزازٍ:
_تستاهل يلا سلام يا أسورة.
حاول آسر اللحاق به متمتمًا:
_أستنى يا خالد.
هبط خالد من غرفته يجلس على الطاولة التي يجتمع بها الجميع، ثم نظر للطاولة ليجد سها فقط من تجلس فتساءل بدهشةٍ:
_فين ياسمين وندى؟!
اجابته بحيرةٍ:
_مش عارفة والله أنا لبست وقاعدة أستناهم عشان خرجين.
أتى الرد على سؤالٍ دار برأسه أحمد، حينما ارتفع صوت صراخ ياسمين، فنهض الجميع ينظرون نحو مصدر الصوت ليجدوا ندى تركض خلفها بالعصا، صرخت ياسمين بألمٍ:
_إهدي يا نادو والله ما هعمل كده تاني إلحقني ياعمي.
تعجب محمد مما تفعله ندى، ليتسأل بصدمة:
_ في إيه؟!
ترك عصام الحاسوب الخاص به ونهض في حين أسرع خالد نحوهما لتحتمي ياسمين خلفه، تعالى صوت ندى قائلة:
_ بصي هتضربي هتضربي هي خلاص كبرت في دماغي.
بقيت ياسمين خلف ظهر خالد قبل أن تمسكها ندى في حين صرخت ندى بغيظٍ بعدما فشلت بالوصول إليها:
_ أوعى يا خالد
هدرت ياسمين برفض يعتريه الرعب :
_ لا ياخالد دي إتجننت هتموتني.
أمسك خالد بالعصا التي تمسك بها ندى ثم قال بدهشةٍ :
_ندى خلاص سيبي البتاع اللي في إيدك ده.
نظرت سهير لها بحدة، ثم قالت بضيقٍ:
_ ندي إرمي الزفتة دي.
عبست ملامح ندى بضيقٍ، ثم قالت بتذمر:
_ يامامي بس...
قاطعتها ياسمين تردد بتأيد:
_ أيوه إسمعي كلام أنطي وإعقلي يا ندى.
نظرت ندى لها بحدة، ثم قالت بغيظٍ:
_ ليه حد قالك إني إتجننت طب تعالي بقى!!
هبط آسر سريعًا من غرفة خالد يبتسم ببلاهةٍ متمتمًا:
_إيه ده خناقة..
تقدم نحوهم يردف بجدية زائفة:
_ أنا عايز أعرف إيه اللي بيحصل بالظبط؟!
اجابته ياسمين بإصطناع البراءة:
_ أنا راحية أصحيها لقيتها بتجري ورايا بالعصايا زي ما حضرتك شايف.
نظر آسر لها بتعجبٍ، يتسأل بدهشةٍ :
_ليه إيه اللي حصل ؟!
اشارت ياسمين نحو ندى ببراءةٍ ممزوجة بمكرٍ متمتمة:
_ أسألها هي أنت بتسألني أنا!!
نظر آسر نحو ندى ثم باغتها بنفس السؤال:
_ليه بس كده يا ندى دي ياسمين بتحبك وعلى طول بتشكر فيكٍ حتى كانت بتقول أمبارح أنك مجنونة ومتخلفة عقليا و أزاي عصام قبل يتجوز واحدة زيك!
_إيه !!
قالتها ندى بصدمةٍ، في حين أكد آسر حديثه ثم نظر نحو ياسمين قائلًا:
_أيوة وندى بتحبك جدًا يا ياسمين ده حتى كانت بتقولي إنك متكبرة جدًا وشايفة نفسك وهي مستحملاكي بالعافية.
حدقت كلًا من ندى وياسمين بصدمة ثم ظهرت علامات الشر على ملامحهما، تركت ياسمين خالد ثم انقضت على ندى التي بدأت بضربها بعنفٍ، اتسعت عين عصام وخالد وحاول كلاهما سحب شقيقته ولكن لم يجدوا فائدة، هتف خالد بمحاولة سحب شقيقته:
_بس يا ندى إهدي ياحبيبتي.
ليرتفع صوت عصام هو الأخر :
_بس يا ياسمين سيبي شعرها هيطلع في إيدك.
صفق آسر بسعادة، يردد بشرٍ :
_ قشطة ولعت.
ثم جلس يحتسي العصير بتلذذٍ، ارتفع صوت محمد بغضبٍ:
- بس كفاية.
توقف كلًا من ندى وياسمين يستمع الجميع لصوت أنفاسهم، غمغم أحمد بتهكم:
_ سيبهم يا محمد كملوا ما أنتم مش عاملين إحترام لحد.
هتف آسر بتأكيد:
_ لاء.
حدجه أحمد بنظرة نارية، ثم قال:
_ إخرس أنت ياحيوان.
منخه عصام نظرة متوعدة، يردد بهمسٍ مخيف :
_حسابك بعدين.
ابتلع آسر لعابه بخوفٍ، في حين هتفت ندى بتذمر:
_ياعمي ما..
قاطعها أحمد بحدةٍ :
_ مش عايز أسمع أي كلمة فاهمين!
جلسوا جميعهم على السفرة ليتناولوا الفطور، ولكن رفضت ندى الجلوس بجانب ياسمين فجلس خالد بجانب ندى وعصام بجانب ياسمين ثم شرعوا بتناول وجبة الإفطار بهدوءٍ.
نظرت ندى إلى ياسمين في حين لاحظت ياسمين نظراتها وفجأة إنفجروا في الضحك، دهش الجميع ، لتردف سهير بيأسٍ إلى خالد وعصام:
_ ربنا معاكوا ياحبايبي هتتجوزوا مجانين.
وزع كلًا من خالد وعصام نظراته على هاتان المجنونتان ثم قالت ندى بضحكٍ عالي:
هو أنا جبت العصايا دي منين!
اجابتها ياسمين بضحك هي الأخرى :
_ أنا اللي كنت عيناها عندك عشان آسر بيضربني بيها.
اندمج أحمد بالضحك على طفلتاه اللتان لن يستطيعان أن يتباعدا عن بعض دقيقة واحدة.. يتشاجران ثم يعودان بنفس اللحظة.
نهضت ياسمين تتوجه محو خالد مرددة:
_قوم يا خالد أرجع مكانك مش بعرف أكل إلا جنب ندى.
رد خالد بسخطٍ :
_ وكان فين الحب ده لما كنتوا هتموتوا بعض من شوية!
احتضنت ندى ياسمين ثم أردفت بحبٍ :
_ سيبك منه و أقعدي.
ضرب محمد كف بالأخر، يردد بتعبٍ من جنونهما:
_ لاحول ول قوة إلا بالله العلي العظيم.
تمتم آسر رافعًا حاجبه بدهشةٍ ممزوجة بضيق :
_ إيه ده أنتم كده أتصالحتم خلاص!
ضرب خالد مؤخرة رأس آسر يردف بتهكمٍ:
_ آه يا أخويا انت ما بتصدق تلاقى مشكلة عشان تولع الدنيا.
حرك آسر رأسه في ايجابية متمتمًا بسعادة غريبة:
_بعشق الخناقات بمووت فيها.
سحبه عصام من قميصه يردد ببرودٍ:
_طب يالا ياخفيف أتأخرنا.
ركض آسر خلفه يردف بإعتراضٍ:
_يابني حرام عليك برستيجي قدام خطيبتي!!
اشاحت سها بوجهها ثم قالت وهي تلوك الخبز بفمها:
_ عادي يا بوص خد راحتك.
نظر لها آسر في غيظٍ، ثم قال بضيقٍ :
_واطية من يومك ده بدل ما تقومي تضربيه!
علقت سها ساخرة :
_ مستغنية عن عمري أنا.
*************
دخل عصام مكتبه ثم جلس على مقعده، ثم بدأ يباشر عمله ولكن أقتحم آسر المكتب فجأة يردد بسرعةٍ:
_ إستخبى بسرعة يا بوص.
انتفض عصام بعصبيةٍ منه، ثم قال بحدةٍ :
_ عايز إيه يا زفت أنت!
_ الحق عليا جاي ألحقك
قالها آسر بنبرة قوية يعتريها التزييف، في حين ردد عصام بسخطٍ:
_من إيه يا أخرة صبري!
ردد آسر ببلاهةٍ:
_ أحمد السيوفي برة وشكله ناوي يخلص عليك فقولت أجي أقولك بدل ماتتقتل والشبح بتاع سيادتك يطاردني تبقى معكنن عليا دنيا وآخره.
قطب عصام جبينه بدهشة، ثم قال بهدوءٍ :
_أحمد السيوفي وهو فين ؟
اجابه آسر سريعًا:
_ في مكتب أبوك.
ارتدى عصام سترته ثم ذهب نحو مكتب أحمد الدالي ليرى ما الذي يحدث!
***************
انتفض أحمد من مكانه بصدمةٍ من اقتحامه المفاجئ، وردد بعصبيةٍ:
_ في إيه؟ أنت أزاي تدخل عليا المكتب بالطريقه دي!!
ردد أحمد السيوافي بانفعالٍ:
_ أسمع يا أحمد يادالي أنا صبرت عليك أوي بس لحد كده وفوق، حصلت إن إبنك بيشغل جواسيسه يجبوله كل أخبار شركتي!
ضرب أحمد مكتبه بحدة، يردد بغضب:
_ إخرس إبني عمره ما يعمل كده.
رفع حاجبه باستنكارٍ، ثم قال بنبرةٍ مخيفة:
_ انا جيت ابلغك، خليه يعقل بدل ما أخليه يندم.
_ و هو يقولي ليه ما أنا سامع كل حاجة من الأول.
قالها عصام وهو يدلف إلى المكتب بثقةٍ واضعًا يده بجيب سرواله، استرسل حديث بهمس فحيح يقترب منه بدرجة مخيفة:
_ إعتذر لوالدي على صوتك العالي!
نظر له بتهكمٍ ثم قال بغرورٍ:
_ أحمد السيوافي مبيعتذرش أنت فاهم!
هدر عصام بصوت غاضب:
_ أعتذر.
توتر أحمد السيوفي من نظرات عصام التي تحولت تمامًا، زرقة عينيها تحولت موجًا هائج، ردد أحمد من بين أسنانه عندما رأى بروز عروق يده عصام:
_ آسف
ابتعد عصام عنه يردف ببرودٍ:
_أحمد ربنا إنك قد والدي عشان كده هتخرج على رجليك حي و إلا وقسمًا عظمًا لكنت خرجت من هنا على نقالة.. بس إن عيدت الغلطة دي أوعدك إنك هتخرج من هنا للمقبرة على طول أنا مش محتاج أزرع جواسيس أنت اللي زرعتهم بإيدك.، مطلعتش بني آدم ذكي للأسف بره و إلا هطلب الأمن يرموك رمية الكلاب غور!
خرج أحمد السيوافي وهو يتوعد لعصام بغلٍ، في حين دلف كلًا من محمد وخالد، ليتسأل محمد بدهشةٍ :
_في إيه يا أحمد الراجل ده كان هنا ليهم؟
تمتم خالد بقلق:
_فهمنا يا عمي في إيه؟!
نظر لهما أحمد مجيبًا بدهشةٍ :
_ إذا كان أنا مش فاهم هو بيتكلم عن إيه شركة إيه وجواسيس إيه ؟!
تنهد عصام ثم اجابه بتوضيح:
_ هفهمكم على كل حاجة ببساطة كده إحنا كسبنا المناقصة اللي قصاد أحمد السيوافي.
قطب أحمد جبينه بدهشة، ثم قال بتساؤل:
_بس إحنا مانزلناش في المناقصة أنت ياخالد مش إنسحبت!
أجابه خالد ببسمةٍ على دهاء صديقه:
_ أيوة.
_ أنا مش فاهم حاجة!
قالها محمد بعدم فهم، في حين اجابه خالد بهدوءٍ :
_ بابا إحنا إتنازلنا عن المناقصة دي بإسم شركنتا و شركة جديدة هي اللي كسبت.
نظر أحمد بتعجبٍ أكبر، يتمتم بحيرةٍ:
_ أمال أحمد ده جاي لنا ليه؟!
اجابه عصام بمكرٍ:
_عشان ببساطة أنا وخالد اللي عملنا الشركة دي.
علت الدهشة على وجه كلًا من محمد وأحمد ليسترسل عصام حديثه:
_يعني هي دلوقتي بقت تبع إمبراطورية الدالي.
نظر لهما محمد بانبهارٍ، ثم قال بفخرٍ:
_ ياولاد الإيه دي ضربة معلم يعني أنتم واهمتوه أنكم إنسحبتم من المناقصة بس أنتم دخلين بورق جديد وشركة جديدة!
حرك خالد رأسه، يؤكد حديث والده:
_بالظبط كده.
****
في المكتبة..
وقفت سها بتعب بعدما ساروا لوقتٍ طويل بالمكتبة كي يجدوا الكتاب، تردد بجوعٍ:
_حرام عليكم أنا جعت كفاية لف.
أمسكت ندى بكتابٍ أخر تراه، ثم رددت بإصرار :
_ لازم ألاقي الكتاب ده!
نظرت ياسمين محو سها تعلق على حديثها بسخطٍ :
_أنتٍ دايما جعانة كده!
ضحكت ندى على تعليق ياسمين ثم قالت من بين ضحكه:
_سيبك منها روحي دوري في الركن التاني لو لقيته قوليلي
حركت ياسمين رأسها، تردد بإيجاب متجه نحو هذا الجانب الذي أشارت عليه ندى:
_ أوك.
انطلقت ياسمين لهذا الركن، فاصطدمت بأحدٍ دون قصدًا منها، استدارت لتعتذر عن خطأها هذا،فصعقت حينما وجدت من يقف قبالتها!