رواية أرض زيكولا الفصل السابع عشر 17 بقلم سندي






رواية أرض زيكولا الفصل السابع عشر 17 بقلم سندي


صمتت أسيل قليلاً بعدما طلب خالد منها 

أن تحدد له نسبة مخزونه من الذكاء 

ثم نظرت إليه , و تأمّلته كثيراً , ثم أمسكت برأسه , 

و أمسكت ثنية من جلده بين أصبعيها :- خالد .. 

إن مخزونك الآن لا يتعدى ستمائة وخمسين وحدة .. 

و قد يكون ستمائة فقط بعد استنزافك الكثير من الوحدات 

فى تفكيرك ..

فصمت ثم سألها : - و كم يتبق لامرأة الحاكم 

حتى تضع مولودها ؟

فأجابته : - أعتقد أنه يتبقى شهران و عشرون يوماً 

أكثر أو أقل بأيام.. 

بعدها نظر إلى إياد :- هل سيستغرق حفره عشرين يوماً فقط ؟

فابتسم إياد :- أعتقد ذلك .. 

و إن شئت أحضرت هؤلاء العمال من الغد .. 

فصمت خالد , و طال صمته تلك المرة ثم نظر إليهم :- أريدكم أن تتركونى وحدى الآن ..

فابتسمت أسيل :- خالد .. أريد أن أبقى معك ..

فوضع وجهها بين كفيه برقة : - أريد أن أكون وحدى يا أسيل .. عليكِ أن تعودى إلى المسكن مع يامن الآن .. 

أريد أن أتخذ قرارى بمفردى .. 

ثم نظر إلى يامن : - اصطحب أسيل إلى المسكن .. 

و أنا سأتبعكما لاحقاً .. 

ثم نظر إلى إياد , و شكره على تفكيره فى إيجاد الحل له .. ثم غادروا جميعاً ..


غادر إياد و معه يامن و أسيل , و التى ظلت تتلفت 

و هى تسير مبتعدة عن خالد , و تنظر إليه حيث يجلس , 

و كأنها لم تُرِد أن تفارقه حتى اختفى عن نظرها .. 

بينما جلس هو على صخرة عريضة أمام السور .. 

ينظر إليه و يفكّر فيما أخبره به إياد , و يتحدث إلى نفسه .. إما البقاء فى زيكولا أو العودة إلى بلده .. و هو غبى .. 

و يسأل نفسه ؛ هل يجد ذلك السرداب حقّا إن عبر هذا السور أم أنه سراب سيظل يطارده .. 

ثم يبتسم , و يتحدث إلى نفسه , و كأنها شخص أمامه يحدّثه 

و يقنعه : - أنت شايف إن فيه حل تانى ؟ .. 

زى ما قلت قبل كدة مبقاش فاضل غير المجازفة .. 

ثم ضحك و أكمل مناقشته لذاته : - قررت أيه يا خالد ؟ .. ترجع بلدك و معاك ميت وحدة ذكاء بس .. 

و لاّ تبقى هنا طول حياتك ؟ .. . 

- لو وافقت على اللى قاله إياد لازم تحس بلذة اللحظات دى .. لأنها ممكن تكون آخر لحظات ذكاء تعيشها .. 

ثم عاد بجسده للخلف .. 

و أسند ذراعيه خلفه , و تذكّر جده حين كان يبتسم , 

و يداعبه صغيراً .. و يخبره بأنه ذكى .. 

حتى كبر , و عاد إليه يوماً بعدما لم يجد وظيفة بشهادته .. 

و أخبره أنه لا فائدة لذكائه فى بلده .. 

ماذا يفعل به , لاشئ .. 

يبتسم , و يتحدث إلى نفسه بصوتٍ مسموع :- مش هتفرق كتير لما أرجع لبلدى .. الذكى مبيختلفش عن الغبى كتير .. يشعر كم اشتاق إلى جده , و إلى رؤيته , 

و يعلم أنه لم يشغله عن التفكير به سوى سعيه للعودة إليه من جديد .. و ينظر إلى السور , 

و يحدثه بصوت هامس : - أنت الحاجز الوحيد بينى 

و بين اللى بحبهم ..

ثم نظر إلى البيت الذى يسكنه الخادم : - و انت الحل الوحيد اللى هيخلينى أشوف اللى بحبهم .. 

ثم أمسك برأسه و مرر شعره بين أصابعه , و تحدّث :- أصعب قرار بحياتى .. أصعب قرار .. 

هتقرر أيه يا خالد ؟ . هتقرر أيه ؟.. 

و ظل هكذا لا يتوقّف عقله عن التفكير .. 

حتى اقترب الليل من الزوال , و بدأ خيط النهار يظهر .. 

فنهض و اتجه إلى المسكن الذى يسكن به يامن و أسيل .. 

و ما إن وصله حتى دلف إلى غرفة يامن فوجده نائماً , 

فهمس إليه : - يامن .. يامن .. 

فلم يستيقظ فنكزه بيده حتى فتح عينيه .. 

و كاد يتحدث فأشار إليه خالد أن يصمت , و تحدّث بصوت منخفض :- أسيل فى الغرفة المجاورة .. 

و لا أريدها أن تصحو .. إن كانت نامت من الأساس ..

فنهض يامن , و جلس على سريره فاتحاً عينيه بصعوبة .. 

حتى أكمل خالد بصوته المنخفض : - أريد أن أتحدث إليك ..يامن :- حسناً .. 

فأكمل خالد :- لقد اتخذت قرارى .. 

فنظر إليه يامن .. ينتظره أن يكمل حديثه سريعاً .. 

حتى أكمل : - أرى أن إياد على حق .. 

سأعبر سور زيكولا من خلال النفق .. 

فقاطعه يامن :- خالد .. و ذكاؤك ؟! 

فأجابه :- لقد فكرت كثيراً فى ذلك .. 

لقد أخبرنا إياد أن حفر ذلك النفق سيستغرق عشرين يوماً .. و سيعطينا ذلك الخادم البيت حتى يوم زيكولا , 

حتى يعود أصحابه إن عادوا.. 

فقاطعه يامن :- نعم سيعودون .. 

هكذا تجار زيكولا , سيطير خبر يوم زيكولا قبله بأيام .. فيستعد كل من يريد العودة , حتى يُفتح باب زيكولا فيدخلونها .. 

فواصل خالد حديثه : - هذا ما أقصده .. 

يتبقى على يوم زيكولا شهران و عشرون يوماً .. 

سيُحفر ذلك النفق , و لكننى لن أغادره حتى يوم زيكولا .. 

إنهم ثمانون يوماً .. إن عملت هنا مقابل ست وحدات باليوم , سأوفّر حتى يوم زيكولا ربما ربعمائة و ثمانين وحدة .. 

مع ما تبقى لدى من المائة وحدة .. 

سيكون لدى ما يقرب من ستمائة وحدة .. 

أى أننى لن اختلف كثيراً حين أخرج من النفق .. 

و ستنفعنى كثيراً تلك الوحدات حين أصل إلي سرداب فوريك.. فابتسم يامن : - إنّه قرار حياتك يا صديقى .. 

و لا دخل لى به .. 

ثم أكمل :- إنك ذكى حقاً يا خالد , و كم أنا مسرور لذلك .. فأنك ستبقى معنا شهرين آخرين .. 

خشيت أن ترحل بعد عشرين يوماً فقط ..

فابتسم خالد :- هذا إن وضعت زوجة الحاكم ذكراً .. 

ربما تطول المدة إن وضعت أنثى .. 

و انتظرنا يوم زيكولا فى موعده الأساسى 

بعد خمسة شهور ..

فابتسم يامن : - الآن أتمنى أن تضع أنثى .. 

فابتسم خالد ثم زالت ابتسامته :- أردت أن أحدّثك بعيداً 

عن أسيل لأننى لا أريد أن أسبب لها الكثير من التعب .. 

و أخشى أن يؤثّر ذلك على عملها كطبيبة زيكولا الأولى .. اليوم سأفقد ذكائى .. 

سأصبح فى عداد أغبياء زيكولا و فقرائهم .. 

لن أستطيع التفكير .. 

و إن فكّرت ربما ستكون قراراتى غبية .. 

ثم نظر إليه ,و أمسك بذراعيه : - يامن .. 

من اليوم أنت من ستتخذ أى قرار يخصّنى .. 

فسأله يامن مندهشاً :- أنا ؟!!

فأجابه خالد : - نعم .. أخشى أن يكون تفكيرى بغباء يسبب الكثير من المتاعب .. 

و لهذا سأحمّلك مسئوليتى بعد اليوم .. 

سأطيعك مهما كان قرارك .. بالطبع ستكون أذكى منّى ..فصمت يامن , و فرك شعره :- إنها حقاً مسئولية كبرى .. فأكمل خالد :- ما عليك سوى أن تجعلنى أعمل .. 

حتى استرجع ذكائى .. 

فإن فعلت ذلك فلن أنساه طوال عمرى .. 

ثم هدأ صوته , و اقترب منه :- أريد أن أخبرك بشئ آخر .. - يامن .. إننى أحب أسيل .. 

و أخشى أن أكون غبياً فتبتعد عنى .. 

سأطيعك فيما تراه أن أفعله تجاهها أيضاً

فرد يامن : - أرى أنها تحبك أيضاً , و تحبك كثيراً .. 

فابتسم خالد :- أعلم ذلك .. 

و لهذا فكرت أن آخذها معى إلى أرضى .. 

لقد فكرت كثيراً فى ذلك .. 

و لكننى ترددت أن أخبرها بحبى لها .. 

و قررت أن أخبرها بذلك حين أجد الطريق ممهداً 

لعودتى إلى بلدى .. سأتركك وقتها تخبرنى ماذا أفعل .. فابتسم يامن :- أتمنى لكما السعادة يا صديقى ..

فابتسم خالد :- حسناً لننهض .. علينا أن نذهب إلى إياد .. و أعتقد أن أسيل قد استيقظت .. 

لا تخبرها بشئ مما قلناها ..

فابتسم يامن , و قد نهض :- حسناً ..


استيقظت أسيل فوجدت خالد و يامن فى انتظارها , 

فسألت خالد على الفور : - هل اتخذت قرارك ؟

فابتسم خالد : - نعم .. 

لقد قررت أن أجازف , و أفعل ما أخبرنا به إياد.. 

فصمتت أسيل حتى أكمل : - و سأنتظر حتى يوم زيكولا حيثما كان .. بعد ثمانين يوماً أو بعد خمسة أشهر .. 

و سأعمل كى استرجع جزءًا كبيراً من ذكائى حتى عودتى ..فسألته , و بدا الحزن على وجهها : - ألم تجد حلاً آخر ؟ .. فهز خالد رأسه نافياً , 

فسألته مجدداً : - و لماذا لا تنتظر حتى تعمل أولاً 

فيزيد مخزونك .. 

ثم تحفر نفقك قبلها بأيام , و تحافظ على ذكائك .. 

كما فعلت حين اشتريت كتابك ؟! 

فأجابها : - فكرت فى ذلك .. 

و لكننى أصبحت أعلم جيداً طبيعة أهل زيكولا , 

و مدى انتهازهم .. كلما اقتربنا من ذلك اليوم .. 

سيطلب من يحفرون النفق الكثير من الأجر .. 

ربما يطلبون ضعف الثلاثمائة وحدة أو ضعفين .. 

ثم نظر إليها , و ابتسم : - سأكون بخير يا أسيل .. 

سأكون بخير .. أريدك فقط أن تكونى معى .. 

فابتسمت أسيل حتى تحدّث يامن :- هيا .. 

علينا أن نجد إياد ..

و لم يكد يكمل جملته حتى وجدوا إياد يدخل إليهم 

فابتسم يامن :- كنا فى طريقنا إليك ..

فضحك إياد : - أعلم ذلك .. و لذا أردت أن أوّفر 

القليل من الوقت .. 

ثم نظر إلى خالد : - هل اتخذت قرارك ؟

فرد خالد :- نعم .. و سأترك لك المسئولية لمتابعة ذلك النفق , و سأعطيك مقابلاً .. 

و لكنه ليس كبيراً , و ليس الآن ..

فابتسم إياد : - لا بأس .. 

ثم أكمل : - كنت أعلم أنك ستقرر ذلك .. 

ثم تحرّك خطوات إلى الخارج , 

و عاد و معه فتى ملابسه بالية ثم أشار إلى خالد , 

و حدّث الفتى :- إنه من يريد أن يستأجر بيت سيدك ..

فتحدث الفتى : - حسناً , و لكن سأكررها .. 

إلى يوم زيكولا فقط .. بل اليوم السابق له حتى .. 

يوم يُفتح باب زيكولا .. 

إن عاد سيدى فلن يترككم لحظة واحدة ببيته .. 

و ربما يقتلنى إن علم أننى من أدخلتكم بيته .. 

فأومأ خالد إليه برأسه موافقاً دون أن يتحدث 

ثم نظر إلى إياد : - و متى يأتى عمالك ؟

فهمس إليه إياد :- سيأتون بعد قليل .. 

لا تخبر الفتى بما سنفعله أسفل بيت سيده .. 

ربما يضيع كل شئ إن علم بذلك .. سيأتون بعد أن يرحل .. بعدها نظر خالد إلى الفتى : - حسناً .. 

أستأجر منك البيت حتى يوم فتح باب زيكولا 

مقابل مائتى وحدة ..

فابتسم الفتى , و أخرج مفتاحاً حديدياً كبيراً :- و هذا مفتاح بيت سيدى ..

و ما إن أخذه خالد حتى شعر بألم شديد برأسه .. 

فنظرت إليه أسيل فى لهفة , و اقتربت منه , 

بعدما أمسك برأسه: - خالد, تماسك .. أرجوك تماسك .. 

أعلم إن اليوم شاقٌ عليك ..

فلم يرّد , و ظل ممسكاً برأسه , و بدأ شحوب جلده يزداد .. حتى سألته: - خالد .. هل أنت بخير ؟ 

فأجابها بصوت منخفض : - نعم .. 

و لم يترك رأسه حتى مر قليل من الوقت .. 

و خرج إياد و عاد مجدداً , و تحدّث إليه : - لقد أتى زعيم العمال الذين سيحفرون النفق .. 

و لكنه يريد أن يأخذ الثلاثمائة وحدة دفعة واحدة .. 

هل ستعطيهم أجرهم دفعة واحدة كما طلبوا ؟ 

فنطقت أسيل على الفور : - لا .. 

لن يدفع لهم ثلاثمائة وحدة الآن ..

فأمسك خالد بيدها .. ثم تحدث إلى إياد : - هل يأخذون أجرهم دائماً هكذا ؟

فرد إياد :- نعم .. و هذا ما سيجعلهم يكتمون أمر 

ذلك النفق .. الذى قد يودى بحياتنا جميعاً .. 

فنطق خالد فى صوت هادئ :- حسناً .. 

سأعطيهم ما يريدون .. 

فصرخت إليه أسيل : - خالد .. إن هذا قد يودى بحياتك .. فابتسم إليها خالد :- إننى قوى .. 











سأدفع لهم مايريدون , سواء الآن آو بعد ذلك .. 

ولا أريد أن يخبروا أحداً .. 

فتحدث إياد : - حسناً .. سأدخله إليك الآن 

ثم أذهب معهم إلى ذلك البيت 

لأنهم سيبدأون عملهم من اليوم .. 

و أنت ستواصل عملك .. 

و ستجد نفقك كاملاً بعد عشرين يوماً .. 

و قد أكّدوا لى ذلك .. 

و بعد أن تغادره - متى تشاء - سأجعلهم يملأون جزءه القريب من البيت بالصخور مجدداً ثم يعيدون أرضية البيت كما كانت .. و أتمنى ألا يثير ريبة صاحبه حينيعود إليه ..فحدّثه خالد :

- حسناً .. أدخله ..فخرج إياد .. 

و عاد و معه رجل ضخم شعره مجعد , و شاربه كثيف , 

و شفتاه غليظتان , و بيده آلة حفر يدوية سنّها حديدى مدبب , و تخرج منه عصا خشبية سميكة .. 

ثم نطق بصوته الغليظ : - إننا نريد ثلاثمائة وحدة الآن .. فتحدث إليه خالد : - لا أريد أن يعلم أحد بذلك أبداً .. 

فردّ الرجل : - حسناً , كما تريد .. 

إننا نعلم كيف نصون السر جيداً ..

فابتسم خالد :- حسناً , لك ما تريد .. 

فابتسم الرجل , و همّ ليغادر قائلاً : - سنبدأ العمل اليوم .. و سترى كم نحن بارعون ..

ثم غادر , و معه إياد الذى أخذ المفتاح الحديدى معه .. 

أما خالد فأمسك رأسه من جديد , و تزايدت ضربات قلبه , 

و تسارعت أنفاسه , و زاد شحوبه للغاية , 

و شحبت شفتاه , و أحمرّت عيناه , 

و نهض من مكانه , و سار مترنّحاً بين أرجاء المكان , 

و نظر إلى يامن و أسيل فى ذهول , و ترنح مجدداً , 

و برزت عيناه و أمسك برقبته كأنه يختنق , 

و أسيل تناديه و قد تساقطت دموعها :- خالد .. 

عليك أن تصمد .. لم يفعل أحد من قبل مثلما فعلت ..

- خالد .. ستصمد .. إنك قوى .. 

أعلم أنك ستصمد .. ستصمد .. 

ثم أمسكه يامن :- خالد .. ستعود إلى بلدك .. 

ستعود قوى كما كنت .. ستسترجع ثروتك .. 

و خالد ما زال يتحرك , و يهذى , و لا يدرى بشئ من حوله , 

و ينظر إلى ذراعه التى أصبحت صفراء شاحبة , 

و إلى كفيه اللتين ارتعشتا قليلاً .. 

حتى أراد أن يتجه نحو الباب , و ما إن تحرّك خطوات نحوه حتى سقط على الأرض, و ظل جسده ينتفض , 

و ضمّت أسيل رأسه إلى صدرها , و رجلاه تنتفضان بقوة , حتى هدأتا رويداً رويداً , و أغمض عينيه .. 

فنظرت أسيل باكية إلى يامن : - كنت أعلم أن ذلك سيصيبه .. و لكننى لم أعلم أننى لن استطيع أن أراه هكذا .. 

و زادت دموعها , و مررت يدها فوق شعره , 

و أكملت : - إن اليوم سيكون أصعب أيامه فى زيكولا .. إن مخزونه الآن لا يزيد عن مائة وحدة .. 

عليه أن يأخذ قسطاً كبيراً من الراحة اليوم ..

فرد يامن : - حسنا .. سأتركه ينام حتى الغد , 

و أنا سأذهب كى أرى عملنا الجديد .. 

لابد و أن نعمل من الغد .. 

لقد أصبح هدفى الآن أن يستعيد خالد ذكاءه 

قبل أن يغادر زيكولا .. 

و سأتابع مع إياد أيضاً حفر ذلك النفق ..

فقالت أسيل , و مازالت دموعها على خدّيها : - حسناً .. 

عليك أن تحمله إلى سريره الآن .. 

و أنا سأظل بجواره حتى تعود ..


غادر يامن بيت ضيافة الطبيبة بعدما حمل خالد إلى سريره .. و ترك بجواره أسيل التى ظلت تنظر إليه , 

و تحاول أن تتمالك نفسها من البكاء مجدداً , 

و تسكب القليل من الماء البارد على يدها 

ثم تمررها على وجهه و على لحيته الناعمة 

ثم على شعره الناعم .. 

و خالد مُغلقة عيناه , و يهذى بكلمات غير مفهومة , 

و أسيل تنظر إليه , 

و تتذكر حين اصطدم حصان عربتها به و رأته لأول مرة .. 

ثم تتذكر حين قرأت كلماته التى كتبها عنها , 

و أنها حورية زيكولا , و تمسح مجدداً وجهه بالماء , 

و ابتسمت حين تذكّرت حديثه إليها حين رأى نجماً لامعاً فريداً , و أخبرها بأنه قد سمّاه أسيل .. 

تشعر بأنها تراه أمامها كما رأته حين وقف أمام عمال المنطقة الشرقية كقائدهم , و جعلهم - بكلمات منه - يتخلّون عن خوفهم , و يتحدون ضد آخذى وحدات الحماية .. 

و بدأت تتحدث إليه بصوت هادئ : - ستكون على مايرام 

يا خالد .. ستكون بخير .. 

ثم نهضت لتحضر المزيد من الماء فوجدته يهذى , 

و يعلو صوته : - جدى .. منى .. منى .. جدى .. 

فتوقفت قدماها حين سمعته .. 

ثم أكملت طريقها لتحضر الماء .. 

حتى عاد يامن , و ظلّا بجواره ساعات طويلة 

دون أن يغفو لهما جفن .. حتى مرّ ذلك اليوم ..

...

فى صباح اليوم التالى , 

فتح خالد عينيه فوجد أسيل و يامن بجواره 

فضحك , فسألهم : - لماذا تجلسون هكذا ؟!

فابستم يامن , و ابتسمت أسيل , 

و ردّت :- لقد أصابنا القلق فحسب ..

فصمت خالد , و لم يتحدث بعدما نظر إلى ذراعه 

ثم نظر إلى يامن , 

و حدّثه بصوت هادئ :- هل بدأوا العمل ؟

فأجابه :- نعم .. لقد بدأوا بالأمس ..

فسأله مجدداً : - و نحن لماذا لانعمل معهم ؟!! 

فابتسم يامن :- لدينا عملنا .. 

فصاح به فى غضب : - و لماذا نجلس هنا ؟! 

فابتسمت أسيل , و نظرت إلى يامن :- نعم .. 

لماذا تجلسان ؟ .. هيا انهضا إلى عملكما ؟ 

فنظر خالد إلى أسيل مندهشاً :- ألن نساعدك ؟

فابتسمت :- كنت أتمنى ذلك .. 

و لكن مرضى تلك المنطقة أغلبهم من النساء .. 

لقد وجد يامن لك عملاً ستوفر منه ست وحدات باليوم .. 

فركل يامن بقدمه : - حسناً .. هيا بنا إلى العمل .. 

فضحك يامن : - حسناً يا صديقى .. 

انتظر حتى أغسل وجهى بالماء ..أراك أصبحت متسرعاً قليلاً ..

***

اتجه خالد مع يامن إلى عملهما الجديد فى المنطقة الغربية .. و خالد يسير واجما ً, و قد بطأت حركته , 

و كلما سار بمكان ما ؛ تلفّت حوله كثيراً , 

و ظل يسأل يامن الكثير من الأسئلة 

و التى أجابها له يامن من قبل , 

و يامن يبتسم و يجيبه مجدداً .. 

حتى وصلا إلى عملهما الجديد .. 

فتحدث إليه يامن :- هنا سنكسر الصخور 

مثلما كنا نكسرها فى المنطقة الشرقية .. أتتذكر ؟

فرد خالد :- نعم .. أتذكر .. 

فأكمل يامن : - أعلم أن كفاءتك ستكون أقل .. 

و لكن ما عليك سوى أن تقلّدنى فى عملى .. 

إنه عمل لا يحتاج إلى ذكاء .. 

و حين ننتهى من عملنا سننال أجرنا .. 

ثم نذهب إلى إياد لنرى نفقك يا صديقى ..

...

بدأ خالد يعمل مع يامن .. و كانت كفاءته أقل كما أخبره .. 

و كلما اشتد بعمله زاد تعبه و إنهاكه و أراد أن يستريح .. فيحدّثه يامن بأن يعمل , و يحمّسه : - هيا يا خالد .. هيا .. إنك بحاجة إلى كل وحدة .. 

فيعمل مجدداً , و يحاول أن ينافس يامن , و لكنه لا يستطيع .. فيُهدأ يامن من عمله , و يكسر مثله ببطء .. 

ثم يوحى إليه بأنه من تفوق فى تلك المنافسة .. 

حتى انتهيا من عملهما , و أخذا أجرهما , 

و اتجها إلى ذلك البيت الذى استاجره .. 

فوجدا إياد هناك بمفرده , و عمال الحفر قد انصرفوا , 

فسأله خالد فى غضب : - أين العمال ؟

فأجابه إياد :- إنهم قد انصرفوا .. 

لن يستطيعوا أن يعملوا مع هدوء الليل .. 

إنّ ضجيج النهار يستر خلفه ضجيج الحفر.. 

فصاح به خالد : - إننا نريد أن نسرع ..

فأشار يامن إلى إياد بأن يُهدأ من حديثه .. 

و أن خالد ليس كطبيعته , ثم أمسك بيده , 

و تحرّك بهما إلى إحدى غرف الطابق السفلى بالبيت : - أنظرا .. لقد تخلصوا اليوم من أرضية تلك الغرفة , 

و معها الطبقة الصخرية الصلبة .. إنها أصعب ما فى الأمر .. بعد ذلك أعتقد أن الحفر سيكون سهلاً .. 

و سينتهى فى موعده بعد عشرين يوماً .. 

ثم نظر إلى خالد : - اطمئن .. 

سأجعلهم يعملون ليلاً أيضا , و لكن مع اقترابهم 

من نهاية النفق .. 

ثم ضحك : - من سيزيل تلك الصخور و الرمال 

التى سيخرجونها من النفق , غيرهم ؟! .. 

فهدأ خالد , و همّ للمغادرة :- افعلوا ما تشاءون .. 

ثم نظر إلى يامن : - يامن .. أريد أن أعود إلى المسكن ..فابتسم إليه يامن فى هدوء : - حسناً يا خالد .. سنعود .. 

ثم نظر إلى إياد : - إياد .. إن مصير خالد مصيرى .. 

لن أوصيك ..

فضحك إياد :- لا أنسى أننى سأنال أجراً 

لمتابعة هؤلاء العمال ..


توالت الأيام يوماً تلو الآخر , و خالد يعمل مع يامن , 

و يترك كل ما يريد أن يأخذ قراراً بشأنه إليه , 

و لا يناقشه بشئ .. ما يريده فقط أن يعمل , و ينال أجره .. ثم يتجها إلى إياد و من معه من عُمال , 

و تأتى إليهم أسيل حين تنتهى من عملها , 

و خالد ينظر إلى ما يفعلونه من بعيد .. 

و لا يتدخل بعملهم مطلقاً .. 

و قد تعمّقوا بالأرض مسافة عمودية , قد تصل إلى مترين , 

و وضعوا بها سُلّماً خشبياً صغيراً .. 

و منها بدأوا يحفرون نفقاً أفقياً .. 

و اندهشت أسيل حين نزلت تلك الحفرة , 

و نظرت إلى النفق الأفقى .. 

و تعجبت من تلك البراعة التى يحفرون بها .. 

و كلّما حفروا مسافة معينة دعّموها بالأخشاب 

حتى لا ينهار ما فعلوه .. 

و تنظر إلى خالد ضاحكة : - لقد بدأ العمل بحق يا خالد .. ستحقق أملك قريباً .. 

ثم نظرت إلى أياد , و طلبت أن تتحدث إليه بعيداً عن خالد 

ثم سألته : - هل سيستطيع أن يسير بذلك النفق .. 

فأجابها إياد :- بالطبع لا .. إن ارتفاع النفق لا يتجاوز متراً .. عليه أن يزحف به .. أو يتحرّك على ركبيته .. 

إنها ليست مسافة كبيرة ..

فصمتت أسيل ثم سألته مجدداً :- و ماذا عن تهويته .. أخشى أن يختنق داخله , 

فابتسم إياد : - أرى أنك تخشين عليه كثيراً .. 

لا أرى أنها مشكلة على الإطلاق .. 

إن النفق سيكون مفتوحاً من الجانبين .. 

و هذا بالطبع سيمرر الهواء .. 

فردت أسيل : - أتمنى ذلك .. 

و استمرت الساعات فى مرورها .. و مرت الأيام معها .. 

و خالد يواصل عمله .. و العمال يحفرون نفقه .. 

و يسرعون فى عملهم دون أن يدرى أحد بما يحدث تحت الأرض الخالية بين سور زيكولا و البيت القريب منه .. 

يحفرون نهاراً , و يتخلصون من صخور الحفر ليلاً .. 

و يامن يزداد الأمل أمامه , و كلما نزل النفق , 

و زحف على ركبتيه أمتاراً به , 

و معه شعلة من النار يضحك , 

و يتحدث إلى خالد الذى ينتظره عند فتحته.. 

و يعلو صوته إليه :- انظر يا خالد .. 

لم يعد سوى مسافة قليلة إلى سور زيكولا .. 

انظر يا خالد .. ستخرج من زيكولا كما تريد .. 

و خالد يستمع إليه , و يبتسم , 

و يتحدث إلى نفسه : - سأخرج يا يامن .. سأخرج .. 

و تمر الأيام أكثر و أكثر , 

و أسيل تنهى عملها كل يوم لتذهب إلي ذلك النفق .. 

فتجد خالد و يامن هناك فتجلس بجوارهما , 












و يداعبان خالد و لا يتركانه حتى يعود معهما 

إلى ذلك المسكن .. دار الطبيب .. 

بعدما رفض أن يسكن بالطابق العلوى بالبيت ذاته ..

و قد وافقاه فيما أراد ..

حتى جاء اليوم الثامن عشر من بداية الحفر , 

و كان خالد يجلس مع يامن بمفردهما , 

فنظر إليه : - يامن .. لقد أخبرتك من قبل أننى أحب أسيل .. فرد يامن مبتسماً : - نعم ..

فأكمل خالد : - لم يعد يتبقى على إتمام النفق 

و مروره أسفل سور زيكولا سوى القليل .. 

و أنا أود أن أخبر أسيل بأننى أحبها .. 

و أن أطلب منها أن تأتى معى إلى بلدى .. 

فابتسم يامن :- مازال هناك وقت حتى يوم زيكولا .. 

فصمت خالد ثم نظر إليه : - أعتقد أننى تأخرت كثيراً كى أخبرها بذلك .. أرى أن الوقت قد حان لتعلم كم أحبها .. فسأله يامن :- هل تريد أن تخبرها بذلك الآن ؟ 

فأجابه :- لا أعلم .. ما أعلمه أننى لا امتلك من الذكاء 

سوى مائتى وحدة أو أكثر بقليلاً .. 

و أخشى ألا أكون ذكياً فى حديثى معها ..

فابتسم يامن : - إنها تعلم من أنت يا خالد .. و هى تحبك ..فابتسم ابتسامة حزينة : - أريدك فقط أن تخبرنى ماذا أفعل .. كنت أظن الأمر سهلا ً.. و لكننى لا أجده بتلك السهولة .. .. أخشى أن يكون تواجدها معى تعاطفاً ليس حباً ..

فصمت يامن قليلاً ثم ضحك وقال : - سأخبرك ماذا تفعل , 

ثم سأله : - أين أوراقك التى كنت تكتبها ؟ 

فأشار خالد إلى أغراضه : - إنها هناك بين أغراضى .. فسأله : - كتبت بينها أنك تحب أسيل ؟ 

فأجابه خالد :- نعم ..

فسأله :- و هل قرأتها أسيل ؟

فأجابه :- لا .. إنها قرأت الأوراق الأولى فقط .. 

حين كنت أمدحها .. 

و لكنها لم تقرأ أننى أحبها منذ دخولى إلى زيكولا ..

فابتسم يامن : - حسنا سآخذ تلك الأوراق , 

و سأجعلها تقرأها , و ستتأكد من حبك لها , 

و لن تنتظر حتى تذهب إليها .. 

أراهنك بخمس وحدات من الذكاء .. 

أنها حين تقرأ تلك الأوراق ستأتى إليك مسرعة و تقول .. أحبك يا خاااااالد ..

فابتسم خالد :- حسناً أفعل ما تشاء .. 

أما أنا فأريد أن أذهب إلى إياد و من معه من عمال الآن .. 

ثم أتجول بين شوارع المنطقة قليلا ً.. 

لا أريد أن أنام الليلة .. 

أشعر أنها ليلة مختلفة .. 

لم يعد سوى يومان على انتهاء العشرين يوماً 

التى أخبرنى بها إياد ..

بعدها خرج ..أما يامن فقد حمل أوراقه , 

و اتجه بها إلى غرفة أسيل , و طرق بابها برفق .. ففتحته فابتسم , و أظهر إليها أوراق خالد , 

و تحدّث :- إنّ خالد قد خرج و لا أعلم أين هو .. 

و أنا سأخرج الآن .. حين يأتى , أريدك أن تخبريه 

بأننى قد وجدت أوراقه مبعثرة .. 

ثم أعطاها لها فابتسمت أسيل : - حسنا سأعطيها له 

حين يعود .. ثم أخذتها , و أغلقت بابها على الفور , 

و أسرعت إلى سريرها , 

و بعثرت الأوراق أمامها فى سعادة .. 

تريد أن تقرأ ما كتبه خالد عنها .. 

و زادت من إضاءة غرفتها , و أمسكتهم ورقة ورقة .. 

و كلما انتهت من قراءة إحداهن تناولت الأخرى .. 

و ظلت تقرأ ما كتبه خالد عنها فى البداية , 

و الذى قرأته من قبل و أنها حورية زيكولا .. 

ثم بدأت تقرأ ما كتبه خالد عن زيكولا , و عن أهلها , 

و عن مناطقها .. حتى قاطع تركيزها الشديد صوت طرقات شديدة على باب غرفتها , و حين نهضت و فتحت بابها .. 

فوجئت ببعض الجنود , و قائدهم يتحدّث : - أيتها الطبيبة .. إننا من حراس الحاكم .. لابد أن تأتى معنا على الفور ..فسألته فى دهشة : - لماذا ؟ 

فأجابها : - لا أعلم سيدتى .. 

لقد أمرنى سيدى الحاكم أن آتى بكِ على الفور .. 

يبدو أن سيدتى ليست على مايرام .. 

فهدأت أسيل :- حسناً .. سآتى معك ..

ثم أغلقت باب حجرتها مرة أخرى , و بدّلت ملابسها , 

و لملمت أوراق خالد سريعاً لتحملها معها .. 

و لم تدرِ أن هناك ورقة قد أسقطتها دون أن تشعر ..

...

خرجت أسيل مسرعة مع حراس الحاكم .. 

و أرادت أن تخبر خالد أو يامن بأنها ستذهب إلى 

المنطقة الوسطى فلم تجد أى منهما .. 

فركبت العربة الفخمة التى جاءوها بها , 

و بدأت العربة فى التحرّك , 

و هى تنظر عبر نافذتها لعلها تجد خالد , و لكن دون جدوى فحدّثت نف

                الفصل الثامن عشر من هنا

لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا 


بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-