رواية أرض زيكولا الفصل الثامن عشر 18 بقلم سندي






رواية أرض زيكولا الفصل الثامن عشر 18 بقلم سندي
 

كان ما حدث من أمر الجنود صدمة بالنسبة لـ خالد ..

و وقعت كلمات قائدهم على سمعه كالصاعقة 

التى أنسته كل شئ من حوله .. 

و حاول أن يتملّص من الجنود الممسكين به و لكنه لم يستطع , و اقتادوه معهم إلى قصر كبير 

يوجد بالقرب من الطرف الشرقى للمنطقة الغربية .. 

ثم أدخلوه إحدى غرف القصر الخالية بالطابق السفلى .. 

و أوصدوا بابها الحديدى من خلفه 

فأصبحت إضاءتها شاحبة يغلبها الظلام .. 

فجلس بأحد أركانها , و وضع رأسه بين يديه , 

و كأن صدمته شلّت تفكيره .. 

ثم نهض مجدداً , و اتجه نحو الباب الحديدى , و صاح :

- لابد أنكم مخطئون .. لابد أنكم مخطئون .. لابد أن أغادر ..

حتى سكت فجأة حين سمع صوت من خلفه :

- تغادر إلى أين ؟!

...

إلتفت خالد فوجد رجلاً يجلس بركن بعيد بالغرفة , 

و لم تكن ملامحه قد ظهرت حتى اقترب منه فبدأت ملامحه فى الظهور شيئاً فشيئاً , و وجده رجلاً يبدو من هيئته 

أنه فى الأربعين من عمره .. فسأله :

- من أنت ؟

فرد الرجل فى هدوء :

- فقير مثلك ..

فصمت خالد حتى سأله الرجل :

- لماذا لا تجلس ؟!

فأجابه :

- أريد أن أخرج من هنا .. لابد أن أخرج ..

فابتسم الرجل :

- ليتنا نخرج جميعاً .. اجلس لا تضيّع وقتك .. 

طالما جئت هنا لم يعد لك أمل 

سوى أن يكون هناك من هو أكثر منك فقراً .. 

ثم تابع بعدما صمت برهة :

- أو يكون لك حظٌ مع الزيكولا ..

فجلس خالد بجواره ثم سأله :

- ما اسمك ؟

فرد الرجل :- أنا جواد ..

فأكمل خالد :- ألا يوجد غيرنا ؟!

فأجاب جواد :

- انتظر .. مازال أمامهم يومٌ آخر حتى يأتينا أطباء منطقتنا .. و إلى أن يأتى الأطباء سيحضرون هنا الكثيرين من الفقراء .. ألم تشاهد تلك الأيام من قبل ؟!

فأجابه خالد :

- لا .. إننى أشاهدها للمرة الأولى .. 

إننى لست من أهل زيكولا ..

فصمت جواد ثم ابتسم , و أكمل :

- كان لابد أن تحافظ على مخزونك من ذكائك ليوم مثل هذا ..

فسأله خالد ساخراً :

- و لماذا لم تحافظ أنت على ذكائك ؟!!

فأخرج جواد زفيراً طويلاً ثم نظر إليه :

- تستطيع أن تقول إنه القدر .. 

من كان يرانى منذ أيام لم يكن ليظن لحظة واحدة 

أن أكون من فقراء زيكولا .. 

و لكنه الزمان ينقلب رأساً على عقب دون مقدمات ..

فقاطعه خالد :

- تذكّرنى بنفسى .. 

كنت أمتلك كثيراً من الذكاء , و قد فقدته أيضاً فجأة 

و لكن لسبب قوى .. فقدته من أجل عودتى إلى وطنى .. 

أمّا انت فلماذا فقدت ثروتك ؟

فأجابه :

- إنها قصة طويلة .. قد تحكيها لمن تعرفهم إن نجوت .. تعلم , عندى ثلاث و أربعون سنة .. ثم تنهّد , و أكمل :

- مثلى مثل رجال زيكولا .. 

كنت أعمل من أجل أن أعيش و لا آتى إلى تلك الغرفة يوماً .. لم أكن غنيّاً , و لم أكن فقيراً أيضاً .. 

كنت أعمل يوماً بيوم , و أقضى حاجاتى التى تكفى لعيشى سعيداً دون أن أدّخر شيئاً زائد عن حاجتى .. 

و طالما كان هناك الأفقر منى فلم يشغل لى الفقر بالاً .. حتى جاء يوم و أحببت فتاة هنا .. 

فتاة تسكن بتلك المنطقة , و أصبح حلمى أن أتزوّجها , 

ثم صمت فسأله خالد أن يكمل , فأكمل :

- كنت جريئاً للغاية , فذهبت إليها , 

و أخبرتها أننى أريد أن أتزوّجها .. 

و لكن أبوها طلب مهراً باهظاً للغاية , 

فابتسم خالد , و قاطعه مجدداً بصوتٍ هادئ :

- أعلم البقية .. ظللت تعمل من أجل هذا المهر , 

حتى أعطيته لأبيها , فجاء يوم زيكولا .. 

فأومأ جواد برأسه موافقاً على ما قاله خالد 

الذى أكمل قائلاً :

- إنها تشبه قصّتى .. كلانا سعى من أجل ذلك المهر .. 

أنت من أجل حبيبتك .. و أنا من أجل عودتى إلى وطنى ..

فتابع جواد :

- إنها تنتظرنى .. إن خرجت من هنا سنتزوج .. 

إنها تحبنى للغاية , لقد أخبرتنى أنها تريد أن تنجب أطفالاً يكونوا من أثرياء زيكولا ..

فساله خالد مندهشاً :- هل ستترك أطفالك يعيشون هنا 

فى زيكولا ؟!!

فأجابه جواد :- بالطبع ..

فتابع خالد :

- كنت أظن بعد وجودك هنا أنك إن نجوت من تلك المحنة , ستغادر زيكولا بعدها ..

فسأله جواد متعجباً :- إلى أين ؟!! .. 

إن زيكولا وطننا و نحن نحبها ..

فنظر إليه خالد :- إنكم تُقتلون فى وطنكم هذا ..

فصمت جواد قليلاً , و طال صمته تلك المرة .. ثم أكمل :

- ربما تظن ذلك .. 

و لكن رغم ما أنا به , فلا أعتقد أننى سأجد أفضل منها 

وطناً لى .. و لأولادى .. لقد أعطتنا زيكولا الكثير .. 

أعطتنا القوة و الفخر بأننا أبناؤها .. 

فخر يشعر به الغنى و الفقير .. ثم ابتسم , و كأنه يتذكّر :

- حين يذهب منّا المرء يوم فتح باب زيكولا 

إلى مدينة أخرى فإنه يتباهى أنه زيكولى , 

و الجميع يقدم له وافر الاحترام .. 

لا يستطيع أحد مساس شعرة من رأسه .. ثم أكمل :

- أنا فقير اليوم .. 

و ربما يختارنى الأطباء بين الأكثر فقراً , و ربما أذبح .. 

و لكنى سأذبح من أجل سعادة حاكمنا بولده , 

و كم نحب حاكمنا .. لطالما جعلنا حكامنا أقوياء .. 

فقاطعه خالد مندهشاً :

- لماذا لا أراك قلقاً أو حزيناً ؟! .. 

كيف تمتلك هذا البرود ؟

فأجابه :

-لا أخفى عليك , كنت ممن يعملون بحرص ألا يأتوا هنا يوماً .و سأفرح كثيراً إن نجوت .. 

و لكننى أرى من العار أن أحزن إن لم أنجُ .. 

ثم نهض , و تحرك خطوات مبتعداً عنه فسأله خالد :

- ألا تريد أن تعود إلى حبيبتك ؟!

فتوقف جواد :

- لقد عملت ما فى وسعى , و هى الآن تعلم كم أحبها , 

و أعلم أنها ستفخر بى باقى عمرها إن كنت أنا الذبيح .. 

إنها تعلم إننى لم أكن كسولاً يوماً ..

فتحدّث إليه خالد :

- أتمنى أن تعود إليها و تنجبا أطفالاً ينعمون بذلك الحب .. ثم نهض هو الآخر , و تحرك إلى ركن بعيد بالغرفة , 

و أكمل بصوت يشوبه الحزن :

- و لكننى لا أريد أن أُذبح .. أنا لست منكم .. 

أريد أن أعود إلى بلدى .. إلى أهلى .. 

سأشعر بالفخر حين أعود إليهم ..

ثم سكت حين فُتح باب الغرفة , و زجّ أحد الجنود 

بشخص شاحب اللون إليهم ثم أوصد الباب من خلفه ..


كانت شوارع المنطقة الغربية مزدحمة 

بالكثير من أهاليها حين علموا بوضع زوجة الحاكم مولودها 

و حلول يوم زيكولا بعد أيام قليلة .. 

و يامن يتحرك بينهم يبحث عن خالد بكل مكان 

بعدما لم يعد إلى المسكن الخاص بأسيل منذ خروجه , 

و ظل يسأل من يقابله عن خالد .. 

ذلك الشاب الطويل العريض ذو الشعر الأسود الطويل 

و اللحية السمراء الناعمة , و لكن لم يجبه أحد .. 

و بدأ القلق يتسرب إلى قلبه بعدما وجد جنود المنطقة ينتشرون بشوارعها , و يبحثون عن الأكثر فقراً بينهم .. 

حتى تيقّنت شكوكُه حين أخبره فتى صغير 

بأنه رأى خالد و الجنود يجرّونه نحو قصر الفقراء .. 

فتسمّرت قدماه دون أن يدرى ماذا يفعل ..


عاد يامن إلى المسكن الخاص بأسيل على الفور .. 

و سأل خادمة هناك إن كانت أسيل قد عادت , 

فأجابته بأنها لم تعد بعد .. 

فزاد توتّره و ضيقه , و لم يشغل باله سوى خالد 

الذى قد يُذبح بعد أيام , و مصيره بيد أسيل , 

و ظل يتحرك جيئة و ذهاباً لا يستطيع أن يتمالك نفسه .. بعدها أمسك بالورقة التى أسقطتها أسيل , 

و خرج مسرعاً خارج المسكن إلى أطراف المنطقة الغربية حتى وصل إلى الطريق الممهد إلى المنطقة الوسطى , 

و ظل واقفاً على جانبه 

حتى تمر عربة متجهة إلى تلك المنطقة .. 

يعلم أن الوقت قد تأخّر , 

و الليل يكسو زيكولا و لكنه لم يفقد أمله فى ذلك .. 

حتى مرت أمامه عربة فطلب من صاحبها 

أن يصطحبه معه فرفض , و كلما مرت عربة إما أن 

يرفض سائقها أو يخبره بأنه لن يمر بالمنطقة الوسطى 

حتى جاءت عربة يركبها عجوز يتجاوز عمره الثمانين 

فأوقفه يامن , و حدّثه :

- أريد أن أذهب معك إلى المنطقة الوسطى ..

فأجابه العجوز :

- إننى لا أصطحب غرباء .. ثم أكمل :

- مالكم أيها الشباب , لماذا لا تسيرون ؟!! .. 

إننى كنت فى مثل عمركم أجوب زيكولا على قدمى ..

فأجابه يامن :- حسناً .. سأجوبها على قدمى ..

فأمر العجوز حصانه أن يواصل حركته , 

و تمتم بكلمات و كأنه يسب يامن , و تحركت العربة قليلاً , 

و يامن ينظر إليه حانقاً .. 

حتى ابتعدت العربة عنه فأسرع خلفها , و تشبث بمؤخرتها , 

و ظلت رجلاه تهرولان كى تجارى سرعة حصان العربة , 

و كلما حاول أن يسندها على لوح خشبى 

بمؤخرة العربة تفلتان .. 

حتى استطاع أن يتشبث جيداً , و ظل متشبثاً بها 

بينما يجلس العجوز بمقدمتها , و يضرب حصانه كى يسرع , 

و بدأ يغنى بصوته الضعيف المتقطع , 

و كأنه يريد أن يؤنس وحدته , و يامن يستمع إليه , 

و يريد أن يضحك , و لكنه خشى أن يعلم بوجوده .. 

فآثر أن يكتم ضحكاته بداخله ..


مر الوقت , و خالد حبيس بغرفة الفقراء , و تزايد عددهم , 

و بين الحين و الآخر يُفتح باب الغرفة ليُزج بفقير جديد 

إليهم ثم يوصد مجدداً .. 

و خالد يجلس بركنه صامتاً , و ينظر إلى جواد 

الذى كلما حلّ فقير بالغرفة يذهب إليه ليعرف قصته .. 

ثم يتحدّث إلى نفسه , و يسألها ؛ ماذا يفعل يامن ؟ , 

و ماذا تفعل أسيل ؟ , 

و هل ستنتهى حياته فى زيكولا 

أم أن هناك أملاً قد يغير ذلك المصير ..


وصلت عربة العجوز إلى المنطقة الوسطى , 

و التى سادها الهدوء و الصمت .. 

و لم يكن بشوارعها إلا قليل من الجنود و حراس القصور المتواجدين بها و الذين تظهر ملامحهم واضحة 

مع المصابيح النارية التى تنير شوارع تلك المنطقة .. 

و ما إن ابطأت العربة حتى قفز يامن , 

و ترك العجوز يكمل طريقه دون أن يدرى بوجوده .. 

ثم عدّل من ملابسه , و نفض عنها ما أصابها من غبار , 

و أسرع إلى قصر الحاكم فقابله أحد حراس القصر , 

و سأله على الفور :

- من أنت ؟

فأجابه يامن , و قد علا صوته متحدّثاً بثقة :

- أنا مساعد الطبيبة .. ثم صاح به :

- ألم تعلم من أنا ؟! .. من أنت كى تسألنى ؟!

فأجابه الجندى :

- أعتذر لم أكن أعرفك ..

فرفع يامن رأسه :

- حسناً .. هيا أدخلنى , و إلا أثرت غضبى .. 

و أنت تعلم أننى بعملى هذا قد أجعلك أفقر شخصاً بزيكولا .. هيا ..

فبدا التوتر على وجه الجندى :

- حسناً سيدى .. 

تفضل إنها بحجرتها , و لكن لابد و أنها نائمة .. 

إن الشروق قد قارب ..

فصمت يامن ثم أكمل :

- إننى لا أستطيع الانتظار .. 

أخبر إحدى الوصيفات بأن تخبرها 

أن مساعدها ينتظرها بالأسفل لأمر هام ..

فرد الجندى :

- حسناً .. تفضّل إلى أولى حجرات الطابق السفلى , 

و ستأتيك إلى هناك ..


كانت أسيل تجلس بحجرتها , و تقلّب أوراق خالد من جديد , 











و يكسو وجهها حزن شديد .. حتى سمعت طرقات 

على باب حجرتها ثم وجدت إحدى الوصيفات تدلف إليها , 

و تخبرها بأن مساعدها ينتظرها بالأسفل , 

و يريد أن يخبرها بأمر هام , فنطقت على الفور :

- خالد !!

ثم تمالكت نفسها , و سألت الوصيفة :

- ماذا يريد ؟

فأجابتها :

- لا أعلم سيدتى .. إنه ينتظرك بالأسفل ..

فصمتت برهة ثم أشارت إلى الوصيفة :- حسناً ..

فغادرت الوصيفة .. 

و ظلت أسيل كما هى , تفكّر و تسأل نفسها :

- ماذا جاء بك إلى هنا يا خالد ؟!!

- أعلمت أن أوراقك جاءت إلىّ صدفة 

فتريد أن تخبرنى أنها ليست أوراقك .. 

أم تريد أن تخبرنى أنك حقاً تحب تلك الفتاة , 

أمّا أنا فلا أمثل لك سوى شخص تحب مساعدته ..

ثم نظرت إلى مرآة أمامها , و قالت :

- ربما كانت ليست أوراقه حقاً ..

- ربما أراد أن يختبر مدى حبى و غيرتى ..

ثم عادت و سألت نفسها :

- و ماذا لو كانت تلك هى الحقيقة ؟ .. 

ماذا لو كان يحب الفتاة الأخرى ؟ .. ماذا تفعلين ؟ ..

ثم نظرت نحو باب غرفتها :

- حسناً .. سأنزل لأرى ماذا تريد يا خالد ..

ثم بدّلت ملابسها , و غادرت حجرتها , 

و هبطت السلم إلى الطابق السفلى , 

و اتجهت نحو الغرفة التى أخبروها بأن مساعدها 

ينتظرها بها .. 

و ما إن دلفت إليها و كادت تتحدث حتى فوجئت بأنه يامن :

- يامن ؟!!

فأجابها : نعم .. أعتذر أننى جئتك فى هذا الوقت المتأخر ..

فأكملت :- حسبتك خالد ..

فصمت ثم أكمل :

- لقد أمسكوا بخالد من أجل يوم زيكولا ..

فردّت :- ماذا ؟!!

فأكمل واجماً :

- نعم .. لقد أمسك به الجنود عندما كان يتجول بين شوارع المنطقة الغربية ..

فصمتت , ثم أكمل :

- إنك ِ تعلمين أنه لا يستحق ذلك .. لابد أن نساعده .. 

لابد و أن يخرج .. لابد أن يعود إلى بلده يا أسيل .. 

لقد وعدناه بذلك ..

فأجابت أسيل فى برود :

- ماذا نفعل ؟ .. أنت تعلم قوانين زيكولا أكثر منى ..

فصاح بها :

- نعم أعرفها .. 

و لكن عليكِ أن تفعلى المستحيل كى ينجو من تلك المحنة .. كيف أراكِ بهذا الهدوء .. و أنتى تعلمين كم يحبك ؟!!

فصاحت به :

- يحبنى ؟!! ثم ابتسمت ساخرة :

- تقصد أنه لم يحب فى حياته سوى منى .. 

حبيبة عمره .. أم تريد أن تُكذّب ما كتبه بين أوراقه ..

فصمت مفكّراً ثم أخرج ورقة من ملابسه :

- اقرئى هذه الورقة .. 

إنها أيضاً كتبها , و لكنها سقطت منكِ حين جاءك جنود الحاكم .. ثم أعطاها الورقة , و أكمل و هو يتجه نحو باب الغرفة :

- لو علمت أن أحداً يحبنى هذا الحب .. 

لفعلت المستحيل من أجله .. 

ثم غادر , و أمسكت أسيل الورقة , و قرأت ما بها , 

و علمت إنها تكملة لحديثه فى الورقة السابقة لها .. 

و أنه يحبها منذ أن جاء إلى زيكولا .. 

فلم تستطع أن تتمالك نفسها , 

و تساقطت دموعها بغزارة 

ثم أسرعت إلى غرفتها بقصر الحاكم .. 

تصعد درجات السلم بخُطى سريعة , و دموعها على وجهها وسط دهشة وصيفات القصر الذى يملؤه الفرحة 

منذ قدوم المولود الجديد .. 

ثم دلفت إلى حجرتها , و وضعت رأسها على سريرها , 

و واصلت بكاءها ..


أشرقت الشمس , 

و تبعها نهار بطئ مرّ على خالد كسلحفاة تسير .. 

و انتشرت الأخبار فى كافة أرجاء المدينة 

بأن فقراء زيكولا من الرجال و النساء قد جُمعوا بكل مناطقها , و جميعهم ينتظرون الأطباء حتى يقلّصوا عددهم 

إلى أكثرهم فقراً , و من بعدهم تقول الطبيبة أسيل كلمتها بشأن الفقراء الثلاثة الذين يتنافسون أمام الزيكولا .. 

و يامن لا يستطيع أن يتمالك أعصابه , 

و ينتظر ماذا سيكون قرار أطباء المنطقة الغربية 

فى اليوم التالى .. 

و أسيل تنتظر فى قصر الحاكم , 

و تتوسل إلى الوقت كى يمر سريعاً , 

و الجميع يلاحظون توتّرها 

و تغيرها المفاجئ منذ قدوم مساعدها إليها ..


فى اليوم التالى كان خالد و من معه من فقراء 

حبيسين بغرفتهم .. 

حتى فُتح بابها فجأة , و دخل إليهم قائد الجنود و قال:

- هيا .. ستُعرَضون الآن على الأطباء ..

اصطفّ الجنود صفّين , بينهما ممر أمام الغرفة , 

و بدأ خالد و من معه يمرون بين هذين الصفّين .. 

حتى وصلوا إلى ردهة واسعة , 

و اصطفّوا بها كما أمرهم قائد الجنود , 

و لاحظ خالد بأن هناك نساء شاحبات سيعرضن معهم 

على الأطباء .. و علم أنهن قد حُبِسنَ بغرفة أخرى , 

و بنظرة منه وجد عدد الفقراء و الفقيرات 

لا يتجاوز العشرين فرداً .. 

ثم نظر إلى جانبه فوجد جواد , فهمس إليه :

- كم سيختارون منا ؟

فأجابه :

- لا أعلم .. سيختارون أقلّنا ثروة ..

حتى صاح به أحد الجنود بأن يصمت ثم دخل رجلان , 

و علم من يقفون بأنهما الطبيبان حين وجدوا زيّهما الأنيق , 

و قمصانهما الراقية , و نعالهما الفخمة ..

ثم أشارا إلي الفقراء بأن يجلسوا , 

و سأل أحدهما قائد الجنود بأن يأتى بهم واحداً تلو الآخر ..


بدأ الفقراء يتجهون إلى الطبيبيّن واحداً تلو الآخر .. 

و خالد يراقب من بعيد ما يفعلانه , و ينظر إليهما , 

و هما يفعلان مثلما كانت تفعل أسيل 

حين كانت تمسك بثنية من جلده 

لتخبره كم يمتلك من وحدات ذكاء .. 

و يراقبهما حين يمسك أحدهما بقلم و يدوّن شيئاً بأوراقه بعدما ينتهى من فحص أحد الفقراء , 

و كأنه يدوّن ملاحظاته عن ذلك الفقير .. 

و قلبه يدق بقوة , و ينظر إلى جلد ذراعيه , 

و يقارن شحوبه بشحوب من معه ثم ينظر إلى السماء , 

و يدعو ربه أن ينجّيه من هذه المحنة 

حتى أمره جندى بأن يتقدم إلى الطبيبيّن , 

و ما إن تقدم إليهما حتى سأله أحدهما :

- هل أنت مريض ؟

فأجابه خالد :- لا ..

ثم أمسك الطبيب بثنية من جلده , 

و أمسك الآخر بثنية أخرى من جلد ذراعه بين أصبعيه .. 

ثم نظرا إليه يتأملانه ثم أمراه أن يعود إلى مكانه مجدداً .. فعاد , و تحرك إليهما جواد الذى قابله مبتسماً .. 

و ظل الطبيبان يواصلان عملهما , 

و الوجوم على وجوه الكثيرين من الفقراء و الفقيرات .. 

حتى نهض الطبيبان مجدداً , و نظرا إلى أوراقهما , 

و ما دوّناه بها من ملاحظات , ثم تحدّثا إلى قائد الجنود , 

و الذى بدوره اتجه إلى خالد و من معه من رجال و نساء 

و نظر إليهم :

- لقد أخبرنا الطبيبان من منكم الأكثر فقراً ..

- من ينجو اليوم عليه أن يعمل بجد 

كى لا يعود إلى هنا مرة أخرى .. 

و من اختاره الأطباء سنصطحبه غداً إلى المنطقة الوسطى حتى يُعرض على طبيبة الحاكم بعد غد .. 

و أتمنى أن يجد من هو أفقر منه هناك ..

ثم نظر إليهم مجدداً , 

و احتبست أنفاس خالد حين أشار إلى جواد :

- أنت.. ستأتى معى إلى المنطقة الوسطى ..

ثم أشار إلى خالد :

- و أنت أيضاً .. ستأتى إلى المنطقة الوسطى .. 

أمّا الباقون فعليكم أن تعودوا إلى بيوتكم , 

و احتفلوا مع أصدقائكم بمولود الحاكم ..

فسقط خالد على ركبتيه :

- أنا ؟!!

فأجابه القائد :

- نعم إنكما الأكثر فقراً هنا .. هيا انهض .. 

ما زال أمامك فرصتان كى تنجو ..

فنظر جواد إلى خالد , و قد قلّ بروده , و بدا متوتّراً قليلاً :

- يبدو أن أحدنا سيكون الذبيح أيها الصديق

            الفصل التاسع عشر من هنا

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-