رواية تزوجت مدمنآآ الفصل الثالث والثلاثون 33 والفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم نوران شعبان


رواية تزوجت مدمنآآ الفصل الثالث والثلاثون 33 والفصل الرابع والثلاثون 34 بقلم نوران شعبان 







❤تزوجت مدمناً❤

👇البارت الـ33ــ34👇

فغر شفتاه مصدوما من المنظر الماثل أمامه ،، الغرفة خالية من اي اثاث مليئة فقط بالحراس الغلاظ .. 

حارسان شديدان يقفان امامه، و تتوسطهما " حياه .!! " 

توقف الزمن من حوله، فقط ظل محدقا بحياه لا يصدق انها أمامه ،، لا يصدق انه بعد سبع سنين تظهر مرة ثانية .. 

اقتربت حياه متبخترة تقدم قدم و تؤخر الأخرى ،، يتغنج جسدها بالدلال و الأنوثة و الابتسامة الواثقة تعرف مكانها جيدا على ثغرها القرمزي .. 

اقتربت من كريم و عقدت ذراعيها تحت صدرها .. و اخيرا بدأت بالحديث بعد مرحلة الصمت تلك ، فخرج صوتها المحفوف بالسخرية 

" كريم الراجي ،، عاش من شافكك يا راجل .. ازيك و ازي ابوك .؟ " 

صمتت ثوان تحدق بملامحه و عنقه الذي ينبض كفؤاده .. 

أكملت باستفهام استنكاري و لسانها يبلل شفتها السفلية 

" و بنتي ؟ عملت فيها ايه .؟! بتمنى تكون عيشتها كويس في فترة غيابي الطويلة دي .. ! " 

فاق كريم على كلمة " ابنتي" ليتذكر الموضوع الأصلى الذي أتى به الي هنا .. 

حاول الحديث فخرجت كلماته مهموسة 

" جنة عندك صح ؟ " 

هزت قدمها بخفة، لترفع رأسها بشموخ و صوتها الرزين القوى يتغلغل في أذنه 

-: أيوة، بنتي هنا معايا .. و لعلمك هى هتفضل كدة كدة معايا، فآخدها بطريقة ودية بيني و بينك ولا نلجأ للمحاكم و الشوشرة.؟ 

هز رأسه نفيا دون تصديق ليترجاها بأعينه و كاد ان يتحدث لكن هربت الكلمات ولم يجد شيئا مناسبا لقوله .. 

هتفت حياه رافعة إحدى حاجباها باستنكار 

-: اييه .؟ زعلان اني هاخدها منك ولا ايه.؟! انت أحمد ربنا اصلا اني عرفتك انها معايا بدل ما كنت تتقهر قهرة سودة على غيابها المفاجئ .! 

صمتت تحدقه باستحقار و اشمئزاز و أكملت 

-: فاكر الناس كلها اندال شبهك ولا ايه.؟! 

" انا آسف،، عارف اني جرحتك و.." 

همس بتلك الكلمات بندم واضح لمسته في نبرة صوته و بريق عينيه .. 

و لكن حتى لم تترك له مجال لمواصلة حديثه .. 

فقاطعته بقهقه ساخرة عالية، تبعتها باسلوبها الحاد القاطع، و نبرتها الواثقة المتملكة تملك شديدا .. 

-: جرحتني.؟؟ لا انت ولا الف منك يقدروا يحركوا شعرة من كياني .!! 

واضح انك نسيت اصلك ، نسيت لما كنت بتتجرجر ورا البودرة و تشم على ضهر ايدك ؟ نسيت لما كنت متاخدش الجرعة بيبقى شكلك جربان و مقرح ازاي.؟ 

انا الي عملتك يا كريم،، انت لولا وجودي كان زمانك بتجري ورا المخدرات .! 

اخفض كريم رأسه بإحراج و غضب في آن .. لم يتحدث لأنه يعلم جيدا ان لا عذر له .. 

ابتسمت حياه بانتصار عندما شعرت بقلة حيلته و ضعفه أمامها .. 

-: انا ماشية بقى لأحسن اتأخرت على جنة .. وصلوه يا شباب لسكته لأحسن عربيته عطلانة .! 

رمقته بنظرة استهزائية أخيرة قبل ان تنصرف، و وجهاه الحارسان لخارج الفيلا مرة ثانية .. 

خرج و يتمنى لو تخسف به الأرض حتى يرتاح من ذلك العذاب الداخلي .. 

عودة زوجته، غياب ابنته .. كل شئ ضده الآن، الماضي يعود وبقوة 

يشعر بوجهه يشع حرارة تكاد تحرق مدينة ، و شرارات قلبه اعظم .. 

سار و لا يعلم وجهته، سار لا يعلم هل يبكي ام يغضب ام ماذا .. 

سار و يتمنى لو يعرف حتى شعوره الداخلي فقط .. 

جلس على مقعد خشبي موجود على أحد أركان الطريق، لتعود ذاكرته للخلف و يتذكر كل ما صار معه .. 

~~ 

فلاش باك من خمس سنوات .. 

كان أحمد يرقد على فراشه بحسرة، 

منذ ان علم بمرض القلب الذي اصابه مؤخرا وهو في حالة اكتئاب لا يرثى لها .. 

نده " كريم " منذ قليل للتحدث معه في أمر ضروري .. 

سحب كريم المقعد الخشبي لمكان قريب من الفراش و ابتسم لولاده بخفة بأعينه الذبلانة التي تكومت الهالات حولها .. 

-: خير يا بابا، اتكلم عايزني في ايه .؟ 

اعتدل أحمد في جلسته وساعده كريم على ذلك، ليتنهد طويلا قبل ان يشرع في الحديث 

-: اول حاجة و قبل كل حاجة، انا آسف، انا آسف على كل الي عملته معاك، انا عمري ما كنت أب كويس ابدا كل اهتماماتي كانت للشغل و بس، مقدرتش اكون لك الاب و الصديق و السند .. و حتى سعادتك مقدرتش اوفرهالك بالعكس انا دمرتها .! 

حاول كريم التحدث و التوضيح ليرفض أحمد 

-: متتكلمش،، سيبني انا اتكلم .. سيبني اقول كل الي جوايا .. انا دلوقتي حاجة واحدة بس الي لازم تعرفها عشان اخفف شوية من وجع قلبي و ضميري .. 

حياه بريئة و بتحبك، هى صحيح جت و هددتني في الأول بس بعديها بفترة جت اعتذرتلي و قالتلي انها اتنازلت عن فكرة الرسالة، قالتلي انها بتحبك و عايزة تكمل حياتها معاك، قالتلي انها عشقاك .. كانت صادقة في كل كلمة قالتها، كل كلمة باينة في عنيها قبل ما تنطقها .. و رغم كدة غروري خلاني انفذ الي في دماغي، حقدي من أبوها خلاني انتقم منها هى كمان .. الطريقة الي كانت بتكلمني بيها خليتني انام و اصحى باليوم الي هنتقم منها فيه، عقلي صغر لدرجة اني احقد على واحدة اد بنتي .. 

توقف عن الحديث و ظل يسعل دون توقف، يسعل كأن روحه ستنفجر .. 

و كريم يقف دون تعابير دون ملامح، و فجأة انفجر بالضحك، ضحك حتى ادمعت عيناه و سالت تختلط بذقنه .. 

ليغطي وجهه بكفه و يبكي ثانية و لكن هذه المرة بكاء بألم و قهر و حسرة .. 

-: انا عارف انك صعب تسامحني و ده حقك، بس انا حاولت ادور على حياه و اعتذرلها و اشرحلها موقفي بس هى اختفت .. و صديق مات، مات يوم ولادتها بالظبط .. 

رفع كريم رأسه له، يحدق به بأعينه الحمراوين اللتين غمرتهما الدموع، نظر لوالده بصدمة بعد ان علم ذلك الخبر .. 

ليرفع رأسه و برزت عروق عنقه بوضوح بعد ذلك الخبر، تدفقت الدموع من مقلتيه بكثرة و شد شعره واقفا .. 

اقترب من والده بعدوانية وهو يتمتم كالمجنون 

-: مات ؟ أبوها مات في نفس اليوم الي سيبتها فيه .؟!! في نفس اليوم الي المفروض تشيل بنتها في حضنها زي ما كانت بتحلم و مشفتهاش حتى ولو مرة .؟ كانت لوحدها من غير حد.! 

ركل كريم بقدمه المقعد الخشبي ليسقط على الأرض متحطما، أما هو فصرخ بأعلى صوته كأنه على وشك التحول الآن .. 

-: ازاي ... انا ازاي عملت فيها كدةةة انا حيوان انا مش بني آدم .!! 

رمق كريم والده الجالس مطأطأ الرأس بخذلان نظرة أخيرة ، ليخرج للخارج معدا أدواته و ابنته ليحجز تذكرة سفر لمصر فورا .. 

عاد من ذاكرته عندما شعر بآشعة الشمس تبدأ بالظهور و بدء يومها .. 

نهض من على مقعده الخشبي بفتور ليسير مرة ثانية دون وجهة .. 

~~~~ 

كانت جنة تغط في نوم عميق عندما احست بأنامل ناعمة تسير على وجنتها .. 

فتحت عيناها لتجده وجه حياه المبتسم يطالعها بنظرات الحب و الحنية، ابتسمت جنة هى الأخرى و فقزت من على الفراش تحتضنها بمرح .. 

ظلا يمرحان قليلا بالوسائد الريشية، حتى سقطا على الفراش مرة ثانية وسط قهقهاتهم .. 

أمسكت حياه شعرة من شعر جنة ولفتها حول اصبعها، لتسألها بعدها وهى تنظر لعينيها جيدا 

-: قوليلي بقى يا روح قلب ماما ،، انا كنت سامعة كدة انك مش بتتكلمي مع حد خالص غير بابا و مش بتضحكي كتير الكلام ده صح.؟ 

توترت جنة و تزغللت مقلتاها القامتان بعيدا عن اعين حياه .. 

لتبتسم حياه وهى تقرص وجنتها بلطف 

-: متخافيش، مفيش حاجة في الدنيا دي كلها تخليكي خايفة .. خليكي قوية و شجاعة و اتكلمي على طول .. و الاهم من كدة متعمليش حاجة غلط ابدا عشان متخافيش .. 

ابتسمت جنة بلؤم و خبث، و همست بابتسامة شيطانية طفولية 

-: هقولك بس ده سررر .. 

اقتربت حياه منها وهى تصطنع نفس التعبير الطفولي 

-: قولي سرك في بير. ! 

-: انا ببقى بعمل كل ده عشان مش بحب الدادات الي بابا بيجيبها .! 

كل واحدة بتيجي تخنقني و تخليني اشرب اللبن غصب عني و تزعقلي فقعدت امثل كدة عشان بابا ميجبش حد تاني بقى .. 

رفعت حياه حاجب و اخفضت الآخر بتعجب، و ابتسامة مثيرة زينت محياها .. 

~~~~ 

كان أحمد يجلس في مكتبه عندما سمع طرقات خفيفة على باب المكتب ليدخل رجل في حلته الشرطية الرسمية يتحدث بهدوء و شئ من الحدة .. 

" باشمهندس أحمد ،، جالنا بلاغ عن وجود مخدرات في الشركة هنا و يؤسفني اقولك اني لازم افتش الشركة حالا و معايا إذن من النيابة " 

اتسعت مقلتان أحمد بصدمة مما سمعه للتو، لكنه حافظ على هدوءه و ترك الشرطة تفتش في الشركة .. 

بعد دقائق من البحث المتواصل وجدوا بالفعل كمية هائلة من المخدرات على هيئة البراشيم و اكياس البودرة .. 

أمسك بها الظابط ليقربها من أنفه قليلا مستكشفا إياها، تحت صدمة أحمد و عقدة لسانه .. 

ألقى الظابط بالكيس بعيدا و عاد لأحمد و على شفتيه ابتسامة سمجة 

-: طييب، معلش بقى يا أحمد باشا مضطرين نستضيفك عندنا شوية لغاية ما نشوف أصل الحكاية ايه .! 

بعد فترة من الحديث و أحمد يحاول إقناع الظابط ان لا صلة له بتلك المخدرات لكن لا حياه لمن تنادي .. 

خرج أحمد محاصر بين مجموعة من العسكريين حتى صعد في سيارة الشرطة للذهاب إلى القسم .. 

في نفس المكان و الوقت، كانت حياه تجلس داخل سيارتها تتابع ما يصير أمامها بتشفى و انتصار .. و هاتفها يضئ داخل حقيبتها معلنا عن اتصال من أحدهم لكن كان على وضع الصامت فلم تسمع شيئا .. ظلت فقط تحدق بالمنظر المبهج أمامها .. 

~~~~ 

مر الوقت و كريم لا يعلم ايه مصدره، لا يعلم الي اين يذهب و ماذا يفعل .. 

يتنزه بين الشوارع و الميادين و يتخبط بين المارة بلحيته البني الكثيفة و شعره من نفس اللون غزير .. 

لم ينظر حوله وهو يمر الطريق، لم ينتبه لتلك السيارة المنظمة على أحدث الموديلات وهى تقترب منه، في نفس الوقت بالسيارة لم ينتبه السائق الذي يستمع للأغاني الأجنبية ذات الصوت العالي بانتباه و انسجام و جسده يتحرك مع دقات الموسيقى .. و بين أصابعه يدخن سيكاره بشراهة اكبر .. 

عبر كريم الحزين الطريق و ساق الرجل المرح لتصطدم السيارة بكريم صدمة عنيفة اسقطته أرضا .. 

و كان ذلك آخر مشهد و الدماء تنزف من رأسه بغزارة و الناس بدئوا في التجمع حوله .. 
❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤❤
👇34👇

ذهبت حياه لمقر شركة والدها،، 

تقف في المكتب و أمامها السكرتيرة الخاصة بمكتب " أحمد ".. 

أمسكت حياه بدفتر الشيكات الخاص بها لتدون شئ ما، ثم قطعت الورقة و اعطتها له .. 

" برافو يا شيرين، عملتي الي عليكي و زيادة عشان كدة تستاهلي مكافأة اكبر من الي اتفقنا عليها .! " 

اخذت المدعوة " شيرين " تلك الورقة بفرحة عامرة وهى تثني على حياه و كرمها الشديد، و تقسم انها لم تفعل شئ فوق طاقتها .. 

خرجت شيرين لتبتسم حياه بخبث و قد تذكرت الخطة التي نصبتها لتوقع أحمد في فخها العميق .. 

فقد عهدت اتفاقية مع ثلاثة .. 

" السكرتيرة الخاصة بمكتب أحمد " 

حتى تأتي لها بمعلومات عن الشركة و الصفقات .. 

" المحامي الخاص بأحمد " 

و ذلك حتى يمضيه على أوراق تنازل للشركة و الممتلكات الثمينة لديه .. 

" و اخيرا عمال من الشركة،، امرتهم بدس تلك الاكياس و المخدرات في مخزن الشركة " 

و بالتأكيد كل شئ مقدر بثمنه .. 

يتكرر المشهد مع " المحامي " و مع المبلغ الثمين الذي قبضه من وراء تلك الاتفاقية .. 

" متنساش تقفل تليفونك و تسافر الفترة دي ، مش عايزة حد يعرفلك مكان عشان اكيد أحمد هيلجأ لك اول واحد .." 

كانت جملتها موجهة للمحامي الذي وعدها بأن يغير رقم هاتفه و يذهب للإمارات شهرا لقضاء عطلة طويلة .. 

و اخيرا تكرر للمرة الثالثة المشهد و حياه تعطي كل نفر من العمال مبلغ ثمين يكفيهم لسنوات قادمة .. 

اراحت حياه رأسها على المقعد باطمئنان و لأول مرة تشعر بمذاق الراحة المثير .. قطع لحظات الهدوء تلك رجلا من الحراس و التي كلفته بمراقبة كريم أربعة وعشرون ساعة .. 

" انا آسف يا فندم على دخولي المفاجئ، بس في حاجة مهمة مكنش ينفع أئجلها اكتر من كدة .!! " 

~~~~ 

تجلس حياه في سيارتها شاردة، منذ ان علمت بحادثة كريم و الضيقة غلفت قلبها كله كسواد عم القصر الأبيض الملكي .. 

لم تكن تلك الحادثة في حسابها ابدا، 

فدعت ربها ان يناجيه منها على خير .. 

و ان لم يكن لصالحها فلأبنته حتى .. 

وصلت للمشفى المتواجد بها كريم لتنزل مسرعة في خطواتها .. 

فتحت باب غرفة كريم بعد ان سألت عنها الاستقبال لتجده ممد على الفراش و إحدى قدمه معلقة بسبب الكسر و شاش يحوط رأسه المفتوح بالإضافة للخدوش و الإصابات البسيطة به .. 

ظلت تقترب منه حتى صارت جانب الفراش، لم تتحدث فقط ظلت تحدث به .. و هو يتابعها بعينيه منتظر ان تتحدث، عندما طال الصمت بدء هو بالحديث 

-: جاية تشمتي فيا اكيد ؟ 

هزت حياه رأسها نفيا، لتتنهد طويلا قبل ان يخرج صوتها المبحوح 

-: كنت زيك مع اختلافات بسيطة .. 

كنت فرحانة و عايزة الولادة تنتهى في أسرع وقت عشان اخد بنتي في حضني و اشوفها اخيرا، عشان نروح بعد كدة و نعيش جو أسري قعدت سنين بحلم بيه .. 

كنت قبل الولادة بعيش حياه وردية، أما بعد الولادة كله كان سواد في سواد .. 

كنت لوحدي، مش لاقية حد يقف جنبي .. جوزي، بنتي .. بح ! 

لآ و بعديها اكتشف خبر موت بابا عشان اعرف معنى الوحدة الحقيقة .. 

عشت 3 سنين في عذاب مش بشوف غير سواد ، و دخلت مصحة نفسية و الناس بقت تقول عليا مجنونة ! شفت ازاي بقى ؟ 

- مسحت دمعة فلتت من عينيها بسرعة .. لتتنهد مرة ثانية و تستعيد قوتها و ثقتها بنفسها و شموخ رأسها المرفوع .. لتكمل بابتسامة 

-: بس اهو رجعت زي الأول و احسن ! 

و سبحان الله الأيام لفت و نفس الأحداث بتتكرر .. 

انت عامل حادثة، في المستشفى و لوحدك و مش هينفع اجيب جنة هنا فللأسف مش هتشوفها الفترة الي جية .. و خد المفاجأة دي كمان " ابوك في السجن " ! 

شعر كريم بدلو من الماء البارد يسكب فوقه بعد ان كان ينصت لحياه و حديثها الهادئ الحزين و شعر بكل ألم عاشته .. 

هتف باستنكار و صدمة 

-: انتي بتقولي ايه؟ 

اعادت حياه جملتها و قد اجتازت المسافة بينهم فأصبحت أنفاسها تختلط بأنفاسه 

-: بقول الي سمعته، ابوك مسجون حاليا .. اتقبض عليه بتهمة تجارة الممنوعات، مخدرات يعني .! 

اتسع فم كريم أكثر ، ليغلق عيناه متمتما ببعض الكلمات الغير مفهومة 

همست حياه جانب أذنه بجملتها الختامية 

-: داين تدان يا حبيبي !! 

~~~~ 

خرجت حياه من الغرفة تاركة كريم وحيدا يعاند نفسه بعدم الاستسلام .. 

شعرت بآلام يغزو قلبها بعد كل ما صار بها، شعرت برغبة جامحة في الذهاب إليه و ضمه لاحضانها الآن و التهوين عليه .. 

لكن كلما تذكرت ما فعله و كيف تركها وحيدة تهز رأسها بالنفي مرارا كأنها تطرد الفكرة من عقلها تماما .. 

عادت بعد ساعة من التفكير المتواصل لغرفة كريم بالمشفى ثانية ، انهكته الكسور فنام اخيرا لعله يرتاح من وصلة أفكاره المستمرة .. 

جلست على حافة الفراش جانبه و بمنتهى الرقة ملست بكف يدها على وجنتيه كما كانت تفعل سابقا .. 

شعرت بكفها يزيد من الرغبة داخلها، لتنحني برأسه و تطبع قبلة عميقة على وجنتيه و كفاها يحيطان رأسه المصاب .. 

تأملت ملامحه الذبلانة التي كانت سابقا تجعلها تتقبل مآسى الحياه بأكملها .. 

تدحرجت شفتاها للأسفل قليلا فاحتوت شفتيه تنشر فيهما الشوق المرقوم منذ سنين ! 

~~~~ 

مر شهر بطئ على الجميع .. 

على كريم الذي تتحسن حالته كثيرا .. 

على حياه التي تذهب يوميا لزيارته لكن تنتقى مواقيت نومه حتى لا يشعر بها .. 

على أحمد الذي قضى شهرهه بالسجن لا جديد في قضيته .. 

و اخيرا جنة التي ظلت تلح على حياه بالذهاب لكريم خاصة بعد ان علمت بحادثته .. 

يوم خروج كريم من المشفى ،، 

كان يجهز اشياءه في حقيبة صغيرة استعدادا للخروج من تلك المكان الكئيب على قلبه .. 

سمع صوت طرقات على الباب لتدخل حياه بعدها مرتدية بنطال جينز و سترة صيفية من اللون الوردي و اطلقت لشعرها الذي طول كثيرا العنان .. 

دخلت على استحياء وتوتر حتى صارت قبالته تماما، أما هو فظل محدقا بها فقط .. 

حمحمت قبل ان تردف 

-: انا عايزة اتكلم معاك في موضوع مهم، بخصوص جنة ! 

جنة يمكن حساسة شوية زيادة ، ملهاش أخوات ملهاش صحاب .. فكذلك احنا بس الي في حياتها فلازم نعوضها بغياب كل ده .. 

- تنهدت مرة ثانية وهى تطلع بعينيه جيدا 

-: عشان كدة انا جية بعرض عليك تعيش معانا في فيلتي، حتى لمدة معينة ولو حبيت تمشي بعدها as you like .! 

ينصت كريم لها و مقلتاه اللامعتان تتحركان حول وجهها بلهفة، رغبة تجتاح كل جزء ببدنه ان يقبض على شعرها بعنف و يلقيها بأحضانه داخل ضلوع صدره ، أكثر مكان الدنيا آمانا .. 

و أسنانها البيضاء المرصوصة لتدل عن معنى الانتظام و في أبهى صوره .! 

أما صوتها الناعم المختلط ببحة مميزة أضافت لمسات مثيرة له، و لهجتها الحادة .. التي جعلت اي شخص أمامها يحتار من شخصيتها تلك .. 

كل ذلك لامرأة ثلاثينية جذابة، مفحمة بالانوثة و الدلال و حدة الطبع .. 

فضربت المثل ب " السهل الممتنع .! " .. 

كل ذلك خطر بباله وهو يشرد في الملاك أمامه، أحست حياه بأعينه التي تلتهم كل جزء فيها .. فاتسعت مقلتاها بحدة وهى تزمجز متحمحمة .. 

لم تتغير ملامح كريم البتة، فقط ابتسامة جذابة ظهرت أعلى شفتيه وهو يحييها بإعجاب 

-: بتكبري تحلوي .! 

أغلقت عيناها باستنكار لما يقوله، رغم تأثير تلك الكلمة على قلبها الذي قفز مرة واحدة .. 

رفعت سبابتها مقابل وجهه بتحذير 

-: احترم نفسك احسن لك .! 

اتسعت ابتسامة كريم أكثر مردفا بسخرية 

-: احترم نفسي ليه ؟ انتي مراتي ولا نسيتي ..؟! 

اقتربت حياه منه أكثر بكبرياء، لتردف بغرور واضح بنبرتها 

-: و ده تاني موضوع كنت هقولك عليه،، طلقني .! و مش عايزة نقاش في الموضوع نهائي لإني خلاص قررت .. 

أمسك كريم بعكازيه و استند عليهما ليقف قبالتها دون تعابير، و بلهجة متفاوتة خملانة هددها ليظهر بمظهر جديد غير الذي تعرفه تماما .. و مثير أكثر، أكثر بكثير .! 

-: بصي يا حلوة .. اخدتي بنتك، و انتقمتي من ابويا، و ذلتيني بما فيه الكفاية بكلامك .. فاستهدي بالله كدة بقى و اغزي الشيطان بدل ما اغزيه انا بطريقتي .! 

ظلت حياه تحدق به بنظرات استنكارية بها لمحة من الاشمئزاز ، و شفتاها العليا مرتفعة بشكل مضحك .. 

تحدث كريم بصرامة مختلطة بعتاب 

-: متنسيش ان في بنت بينا، حرام تتظلم معانا اكتر من كدة ولا ايه ؟ 

دفعته حياه بقبضتيها اللتان اصبحا بهما شئ من القوة، فسقط على الفراش مرة ثانية و سقطا العكازيين مرتطمين بسطح الأرض السيراميكي، حدق بها مصدوما من فعلتها الساذجة تلك .. 

بينما أكملت هى بأسلوب هجومي و شرس 

-: انا مش عارفة ايه البجاحة الي انت فيها ده ؟؟ اخدت بنتي يوم ولادتي ملحقتش اشوفها ولو لمرة واحدة و حرمتني منها سبع سنين .! سبع سنين بنت عاشت محرومة من امها مع اني موجودة و لسا فيا نفس كمان .. 

و جاي دلوقتي تقول حرام تتظلم بينا .؟؟ لا يا حبيبي هتتظلم ، انت الي بدأت بالظلم و العين بالعين و السن بالسن و البادي اظلم .. و على فكرة بقى بالنسبة للموضوع الاولاني، اتلغى .!! من النهاردة و رايح مش عايزة اشوف وشك ،، ابدا !! 

احمر وجه حياه كاملا بسبب انفاعلها العنيف، و لم تلبث سوى دقائق حتى ينفجر كريم هو الآخر و قد تناسى قدمه و آلامها ووقف غاضبا .. 

ليهتف صائحا 

-: خدتها و هربت بعد ما عرفت إنك كدابة ! بعد ما عرفت اتفاقك الو** مع ابويا و التهديد الي هددتيه بيه ، هربت بعد ما شفت بعيني الورق الي كاتبة فيه ادق تفاصيل حياتنا و ازاي علاجتيني، بعد ما شفت الفيديوهات الي انتي مسجلاها علي و ده طبعا عن طريق كاميرات المراقبة .. 

هربت بعد ما عرفت إنك حطتيلي حبوب هلوسة عشان تهبليني و تجيبيلي جنان !! 

تبدلت الأدوار الآن ، أصبحت حياه المفعول به التي وقع عليها الصدمة .. و كريم الفاعل المنفعل .. 

دلف فجأة بهمجية الطبيب الخاص بحالة كريم ، ليصيح بغضب 

-: ايه الي بيحصل هنا ده .؟؟ انتوا في مستشفى محترمة و مينفعش الخناقات و الأصوات العالية هنا ، في مرضى مينفعش نزعجهم بعد إذن حضراتكوا .! 

حدقت حياه بالطبيب مرة، و بكريم مرة .. لتمسك حقيبتها بسرعة و تركض خارج الغرفة و المشفى بأكملها .. 

انتبه الطبيب على كريم الواقف فاقترب منه بعتاب ولوم 

-: يا استاذ كريم مينفعش تقف دلوقتي و تجيب الحمل على رجلك كدة اتفضل اقعد ! 

~~~~ 

في منزل حياه،، 

نجد جنة ترتدي أفضل ما عندها و تركت شعرها ينساب على ظهرها .. مرتدية فستان ابيض قصير بدت كالملائكة به .. 

فرت للخارج مهللة عندما سمعت صوت سيارة حياه تصدر صريرا للدلالة على وصولها .. 

كانت شفتاها منفرجتين من أذن للأخرى، و أسنانها اللبنية الصغيرة تظهر بوضوح، الي جانب اللمعة الطفولية ببؤبؤي عينيها فلا يستحمل ضعفاء القلب تلك الهيئة الخلابة قط .! 

رأت حياه تقترب منها بمفردها، فاستمالت ملامحها للتوجس وهى تسأل متوجمة 

-: فين بابا ، هو مش المفروض يجي معاكي .! 

عضت حياه على شفتها السفلية بحزن وهى تحاول اختراع حجة لصغيرتها الآن .. 

فردت ذراعيها للأعلى بقلة حيلة، و قالت بهدوء 

-: مجاش يا جنة .! بابا مش هيجي .. 

تفاوتتها حياه وهى تجتاز الدرج .. 

وقفت جنة في الأسفل و قد ملأها الحزن، شهر لم تراه، بعد سبع سنوات لا ترى سواه الآن مر شهر بدونه .. 

حاولت منع دموعها من السقوط وهى تسألها بعتاب 

-: زعلتيه صح ؟ انتي الي زعليته وقولتيله ميجيش صح .؟ 

وقفت حياه و كفها متصنم على الدرابزين .. لتردف جنة 

-:يبقى زعلتيه عشان كدة مجاش .. هو بيحبني و عايز يشوفني زي ما انا عايزة أشوفه .! 

تنهدت حياه طويلا لما هو آتي، 

و نزلت درجات السلم ثانية حتى وصلت لجنة التي بدأت دموعها بالهطول .. مسحت دموعها بسبابتها لتحاول اقناعها بخبرة 

-: انا مزعلتش بابا في حاجة، وحتى لو زعلته هو لو بيحبك هيجيلك أكيد مش كدة .؟ 

تحدث جنة من بين دموعها المتسابقة للنزول 

-: هو مش هيقدر يجي عشان تعبان .. وديني انتي عنده عايزة اشوفه 

-: حتى لو تعبان لو عايز يشوفك هيجيلك بردو يا جنة، اتعودي تبقى أقوى من كدة مش اي حد يغيب يأثر فيكي ..! 

رفعت جنة نظرها لحياه، لتصمت دقيقة ثم تتحدث 

-: لو انا كنت مع بابا و قالي الكلام كنتي هتوافقيه.؟ 

لأ صح ..! 

على فكرة حتى بابا مش ممكن يقول كدة و مش ممكن يخليني ما أشوفكيش .. 

عارفة ليه ؟؟ عشان بيحبك ! 

كنت بشوفه كل يوم قبل ما ينام يمسك صورتك و يحضنها .. 

اتسعت مقلتيه حياه بتحذير وهى تقاطعها بحدة 

-: جنة .! عيب كدة مفيش بنت مؤدبة تقول الكلام ده ابدا !! اتفضلي دلوقتي على أوضتك و مش عايزة أسمعك بتقولي كلام زي ده تاني .. 

فرت جنة الي غرفتها فورا، و بقت حياه تفكر ماذا تفعل .. 

~~~~ 

هل المساء ،، 

لم تحاول حياه التواصل مع جنة قط .. 

كانت حياه تقرأ إحدى الكتب عندما دخل رجل من الحراس عليها 

-: انا آسف يا فندم، بس الأستاذ كريم برا واقف عند الفيلا و عايز يشوف جنة .. 

أغلقت حياه الكتاب و سارت بخطوات سريعة نحو النافذة، لتلقى نظرة على كريم المستند على عكازيه منتظر طفلته .. 

زمت حياه شفتيها ووافقت على نزول جنة له 

-: خلي الدادة تقول لجنة تنزله، و قوله مياخدهاش في حتة خليه يقعد معاها في الجنينة تحت .. 

~~ 

نزلت جنة بالفعل و هى تقفز من الفرحة، ارتمت بأحضان كريم الذي ألقى بالعاكزي بعيدا فور رؤيتها و حملها بسعادة و شوق جارف .. 

انزل طفلته لتأتي جنة بالعكازي له، وضع كف يده على ظهر جنة و اشار لها بالسير خارج المنزل .. 

وجد الحارس الضخم يقف قبالته قائلا بلهجة مهذبة 

-: انا آسف يا فندم، بس مينفعش تخرج برا الفيلا دي أوامر حياه هانم .. 

وقف كريم بحدق به ببلاهة و لما يقوله، هتف باستنكار 

-: حياه منعاني من اني اشوف بنتي ؟؟ 

أسرع الحارس بالتوضيح بنفس اللهجة 

-: لا طبعا يا فندم العفو، هى بتعرض على حضرتك تقعد في جنينة الفيلا عشان الآنسة الصغيرة مينفعش تتطلع برا الفيلا في وقت زي ده .. 

تحول اسلوب كريم للعدائية و الغضب 

-: ده على اساس انها طالعة لوحدها ؟ مش شايفني معاها يعني ؟! 

تحدث الحارس بنفاذ صبر حاول التلاعب به 

-: حضرتك دي أوامر حياه هانم، انا ماليش دعوة ! 

زفر كريم بحنق مشيحا بوجهه للجهة الأخرى، احس بكف جنة يتشبث بكفه فتنهد طويلا لآخر مرة وهو يتحرك للدخول و المكوث في الحديقة التابعة للمنزل .. 

كانت حديقة واسعة مليئة بالأشجار و شتى أنواع الزهور الخلابة التي في لمح البصر تجذب الانتباه .. 

اصطحبته جنة نحو طاولة دائرية متوسطة الحجم تتوسط الحديقة، كانت الطاولة مزينة بالحرير المطرز بحبات كريستال مثيرة لخطف الأبصار، و عليها طبق من الزجاج الشفاف مليئ بقطع الشوكولا و الحلويات الصغيرة .. 

أمسكت حياه بقطعة من الشوكولا و قربتها من فم كريم، ليتناولها كريم وهو يجلس على المقاعد الصغيرة الملتفة حول الطاولة، و اجلس جنة فوق فخذتيه .. 

-: ممكن تقوليلي عملتي ايه طول المدة الي فاتت دي مخلكيش تسألي على ولا تشوفيني مرة واحدة حتى ؟ 

أردف بها كريم بعتاب، لتعقب جنة بصوتها الطفولي و أرجوحة قدماها في أهواء 

-: معملتش حاجة خالص، بس ماما قالتلى مينفعش اروح المستشفى و لازم استناك لما تطلع .. 

زم شفتيه و كان متوقعا الإجابة، سألها مرة ثانية بشئ من اللهفة 

-: طب و ماما عملت ايه ؟ 

تنهدت جنة بلؤم و أظهرت ذلك جيدا في نبرتها المتهاونة بغلب 

-: معملتش حاجة بردو بس آ .. ولا لأ خلاص خلاص 

-: بس ايه قولي ؟ 

-: ما انا مش هينفع اقولك، لأحسن ماما تزعل مني بعدين ! 

تصنع كريم الحزن وهو يشيح بوجهه بعيدا 

-: خلاص بلاش ماما تزعل خليني انا الي ازعل ! 

أمسكت جنة بوجهه بين قبضتيها وهى تسرع بالقول 

-: لآ خلاص خلاص متزعلش، انا هقولك بس متقولش لماما اتفقنا ! 

-: اتفقنا ! 

-: ماما قالتلى قبل كدة انها عايزاك تيجي تقعد معانا، بس انت زعلتها من قبل كدة عشان كدة هى زعلانة منك بقى .. 

تكذب جنة فكل ما تقوله، لكنها علمت ان الكذب في سبيل مصالحة المتخاصمين خير فواصلت تأليف .. 

-: هى ماما قالتلك كدة ؟؟ 

-: آه، هى قالتلي كدة ! 

-: طب و قالتلك كدة ليه ؟ 

-: عشان انا قولتلها تيجي تقعد معانا .. 

-: يعني انتي الي قولتيلها مش هى الي قالت ؟؟ 

-: اممم .. احنا الاثنين قولنا يا بابا ! احنا الاثنين .. 

حدق كريم بها جيدا، ليزم شفتيه مغير الموضوع د 

-: امممم ماشي .. المهم عملتي ايه في دراستك ؟؟ 

ظلا يتحدثان طويلا مع بعضهما البعض في حديقة المنزل .. 

ليأتي حارس من الحراس يستأذن كريم في اخذ جنة لان ميعاد نومها وجب .. 

~~~~ 

مر اسبوع، لم يجد فيه شئ سوى أحمد الذي خرج من السجن بعد ان توسطت حياه له كما اركبته الجريمة من قبل .. 

ولم ينسى الحديث بينهما وقت خروجه 

-: إنت بس لولا انك كبير في السن و مش هتستحمل مشقة السجن كنت سيبتك تعرف ان الله حق شوية .. 

هتفت بها حياه بغرور ، ليبتلع غصته بمرارة وهو يعقب 

-: انا مش هقولك آسف، مش هقولك أنسي الي فات و نبدأ صفحة جديدة .. 

و مش هلومك على الي عملتيه ده حقك، انا الي عملته فيكي مش سهل ابدا تستحمليه .. 

بس انا عايز اقولك ان كريم مالوش ذنب و انا فهمته الحقيقة بعدها، حاول يدور عليكي كتير و يرجعلك بس انتي كنتي مختفية .. 

هو كمان عاش في جحيم لما سابك، كان بيتألم حتى وهو فكرك وحشة ، و اتألم اكتر لما عرف انك مظلومة و ان كل كل ده مني انا .! 

انا الي فتشت وراكي و جيبت كراسة يومياتك و عرفت كل حاجة حصلت بينكو و وسطت حد يكتبها على هيئة رسالة .. 

قاطعته حياه مصدومة 

-: يعني انت الي سرقت اليوميات بتاعتي ؟؟ و انا الي افتكرتها ضاعت.! 

- أكملت بتذكر - 

-: و طبعا لما هو قالي على الورق كان قصده على الورق الي بتقول عليه ده ؟! 

-: أيوة، على فكرة هو جالي زيارة في السجن قبل كدة و حكيتله على موضوع الورق ده .. مقولتلهوش عليه قبل كدة عشان كنت خايف يسيبني، بس عادي كدة كدة سابني ! 

حالة صمت عمت لدقيقتين، ليقطعها بندم حقيقي 

-: الاعتذار واجب على " انا اسف .! ".. 

خربت لك حياتك و شقلبتها .. 

بس انا فعلا ندمان على كل الي عملته في حقك خصوصا انك متستحقيش ده .. و صدقيني كريم مالوش ذنب في حاجة، عاقبيني انا ، انا المذنب الحقيقي .. 

بس بلاش تعاقبيني بجنة، ابقى خليني اشوفها تهون على وحدتي .. 

انهى جملته ليقف ثم يستدير، و يرحل بخطواته العرجة .. 

وقفت حياه و ادمعت عيناها، نبرة حديثه الحزينة و عيناه المنطفئة، رأسه المطأطأ و شعره الأبيض الذي ذكرها بوالدها رحمه الله كثيرا .. 

فاضت الدموع من عينيها و تدحرجت باستسلام متطلعة لإنكساره المؤلم ذلك .. خصوصا في سنه المتقدم .. 

لم تستطع السيطرة على مشاعرها و ركضت في اتجاهه باكية حتى وقفت أمامه، و بدون تفكير القت نفسها داخل احضانه 

ربت أحمد على شعرها ليهدئها قليلا، ولا يعلم سبب بكائها .. 

ابتعدت حياه عن احضانه بعد ان هدأت قليلا و أمسكت لجام دموعها .. 

همست بين شهقاتها الرقيقة 

-: انا الي المفروض أعتذر، أعتذر عشان فكرت ائذي واحد اد أبويا، عشان لجأت لوسيلة رخيصة هتريحني وقتها بس بعد كدة هحس بالذنب طول عمري .. 

لإني بدأت سكتي مع كريم غلط، بدأته بأنانية و دي نتيجة طبيعية للي بدأنا بيه .. مكنش ينفع احملك المسؤلية لوحدك و انا بردو غلطت في حاجات كتير .. آسفة ! 

~~~~ 

رحلت حياه بعد ان ارتاحت كثيرا بحديثها مع أحمد ، بعد ان صفت الأمور تماما ولم يتبقى في النفوس سوى المحبة و الوداد .. 

كان المساء به فجوة من البرودة الخريفية، و الهواء مصطحب بقطرات مياه خفيفة أضافت لمحة برودة قاسية .. 

وقفت أمام سيارة مرتفعة عن مستوي الأرض بقليل لكن طولها قصير .. تشبه العربات المخصصة للفنانين أثناء التمثيل .. 

وقفت تطلع لها وهى تتذكر كلام الحارس المراقب لكريم 

" جاب عربية - van - و ركنها قدام الفيلا .. مش بيخرج منها حتى بينام فيها طول الأسبوع " .. 

تذكرت أيضا حديثها مع جنة منذ بضعة ايام .. 

~~ فلاش باك ~~ 

كانا حياه و جنة يجلسا على الطاولة العريضة في غرفة الطعام يتناولان فطورهما .. 

تركت حياه معلقتها و صوبت بصرها نحو جنة التي تحمحم كأنها تريد قول شئ ، بهدوء شديد اردفت حياه 

-: شكلك عايزة تقولي حاجة يا جنة، ياريت تتكلمي على طول و متخافيش زي ما انا ما عودتك ! 

سحبت جنة نفسا طويلا، و أعادت كلماتها في عقلها تؤكد على تذكر كل شئ خططت له جيدا من قبل، لترفع رأسها و تتحدث بثقة متملكة لا تليق بكونها طفلة ابدا 

-: بصي يا ماما، انا هقولك على طول من غير ما اكدب ولا امثل اني زعلانة و مقموصة .. انا بصراحة عايزة اطلب منك طلب، و ده تقريبا اول طلب اطلبه منك و هبقى فرحانة كتير لو وافقتي عليه .. 

شبح ابتسامة ظهر على ثغر حياه حاولت اخفاءه، ورفعت حاجباها مبهورة بطلاقة لسان جنة و لباقتها في الحديث، و معرفتها جيدا للطريق السالك لقلب حياه .. 

لمحت جنة لمعة بؤبؤي حياه، فأيقنت انها حتى الآن خططتها تسير بنجاح .. 

فاستطردت بنفس اللهجة المهذبة .. 

-: انا عايزة بابا يجي يعيش معانا هنا .. هو مش يبقى بابا ؟ و انتي ماما ؟ و انا بنتكم ؟ يبقى المفروض نعيش في بيت واحد مع بعض صح ؟ ليه نبعد عن بعض كدة ..؟! 

اجفلت حياه بعينيها عقب انصاتها لجنة، و علمت انها في موقف صعب الآن .. صمتت ثوان تجمع أفكارها لتتنهد بعدها 

-: بصي يا جنة، انتي عارفة ان انا بحبك و اني اكيد هحب اشوفك مبسوطة .. و اكيد بردو احب اني انفذ لك كل طلباتك .. بس بابا زعلني من قبل كدة و من ساعتها و احنا متخاصمين عشان كدة هو مش عايش معانا .. وهو مصالحنيش فأنا مش هينفع أقوله تعالى اقعد معانا و انا زعلانة منك صح ؟! 

-: سوري يا ماما بس لأ مش صح ! 

ينفع انك تقوليله يعيش معانا عادي حتى لو هو مزعلك .. هو مش " خيركم من بدأ بالصلح " بردو ؟؟ 

هزت رأسها بيأس لتتمتم 

-: مش هتفهميني يا جنة، انتي لسا صغيرة عشان تفهمي الي بيحصل ! 

-: طيب انا صغيرة صح .. بس سيدنا محمد لما قال كدة مكنش قصده على الصغيرين بس مش كدة ؟ كان قصده على اي حد كبير او صغير .. 

افحمت حياه بالرد، و فغرت فمها مصدومة من تلك المعجزة الصغيرة أمامها التي لا حجج تقف عائقا أمام خفة لسانها و آفاق عقلها .. 

استطاعت بكل عفوية ان تلتقط الرد المناسب و تبخه داخل مسامعها، لتصمت حياه لا تعلم ماذا تقول و ماذا تفعل ؟! 

ابتسمت حياه بعد وقت طويل و أدركت ان حديثها صائب، أدركت ان رغم أفكارها الصغيرة إلا انها تفكر بصواب و حكمة، ابتسمت و قد قررت مكافأتها بالموافقة على طلبها .. 

-: انتي صح يا جنة..! و عشان كدة هكلم بابا يجي يعيش معانا بس لما الفرصة اسمح اتفقنا ؟ 

ضحكت جنة بمرح و قفزت تقبل حياه من وجنتيها .. 

~~ عودة ~~ 

اقتربت حياه من السيارة و طرقت عدة طرقات على النافذة الزجاجية التي حالت لها بالرؤية داخلا .. 

ظلت تطرق كثيرا حتى فتح باب السيارة اخيرا و هل كريم من خلفه .. 

تطلع لها بأعين ناعسة مندهشة، لتسارع هى بالدخول للسيارة و تسحب الباب مرة ثانية و تغلقه .. 

-: حياه ؟؟ اإ انتي بتعملي ايه هنا .؟! 

هتف بها باستنكار وهو يدعك عيناه جيدا .. 

-: ولا حاجة، عرفت ان ده بقى مقرك فقولت اجي ازور بيتك الجديد، عندك مانع ؟ 

-: لأ .. اكيد لأ .. ده انتي حتى تنوري فيلتي المتواضعة .! 

اعقب كذلك بمرح وهو يشير للمكان الضئيل جدا المتواجدين به .. 

-: ليه .. ليه اشتريت العربية دي و فضلت فيها ؟! 

-: عشان أفضل جمبكم .. 

هكذا أجاب ببساطة بعد فترة من التفكير .. أجاب وهو يرفع ذراعيه بمنطقية 

حدقت به حياه لفترة، لا تعلم ماذا تفعل و ماذا تقول .. 

نجدها من وصلة تفكيرها قائلا 

-: تشربي ايه ؟ 

نظرت حياه حولها تتفقد ماذا يوجد لديه يضايفها به 

-: انت عندك ايه ؟ 

رفع حافظ المياه الحراري أمامه ليهتف بسخرية 

-: شاي ! تشربي شاي ؟ 

وقفت جياه بابتسامة تلاشت عندما تلجلج لسانها و شعرت بتوتر لقول ذلك 

-: لآ اا .. م ش مش عايزة شاي دلوقتي .. نشربه لما تطلع معايا الفيلا، مش هينفع تفضل لوحدك في الجو ده و كمان جنة عايزة تشوفك .. 

فهمها كريم فورا، فهم انها تريد العودة إليه بشكل غير مباشر، فهم انها بدأت باللين لكن كبريائها يمنعها من العودة إليه .. 

ابتسم وهو يمسك بعكازيه و ينهض مخفضا رأسه حتى لا تصطدم بسطح السيارة .. 

دخلا الفيلا، لتسأل حياه مدبرة المنزل عن جنة فتخبرها انها نامت .. 

-: خليتهم يحضروا لك أوضة في الأرضي عشان متطلعش و تنزل السلم كل شوية .. 

-: انتي كنتي مظبطة كل حاجة بقى ؟ 

توترت حياه لكنها نجحت في السيطرة على ذلك 

-: كل الاوض دائما جاهزة ، دادة جميلة بقى الله يكرمها مظبطة الفيلا كويس ! 

يلا غير هدومك عشان تتعشى .. 

رفع حاجبيه مجحظا بعينيه 

-: اتعشى ؟ هو انتي مش هتتعشي معايا ؟! 

-: لأ ، سبقتك .. 

اجابته بإيجاز و شئ من الجدية .. 

همت حياه بالمغادرة سريعا من تحت مفعول اعينه، لكنه استوقفها بطلب 

-: ممكن اشوف جنة ؟ 

زمت حياه شفتيها دون اهتمام وهى توافقه مشيرة للأعلى 

-: اتفضل ! 

-: طب سنديني حتى لغاية ما أوصل، انتي مش شايفة حالتي ؟ 

حدقت به حياه طويلا و عقلها يفكر تعاونه ام تنده شخص يعاونه ..؟ 

قررت ان تعاونه على الطلوع هى فهذا اولا و أخيرا مساعدة بريئة .. اقتربت منه و امسكت بذراعيه بينما ابتسم هو بخفة و استند على ذراعيها حتى يحزى على فرصة للتقرب منها ولو بقليل . 

اتكأ عليها بيد، و اليد الأخرى على درابزين الدرج، حتى وصلا لغرفة جنة ..

#يتبــــــــــــــع......

الفصل الخامس والثلاثون والاخير من هنا


 

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-