رواية صدفة ام قدر (العشق الخماسي) الفصل الاربعون 40 بقلم سميه عبد السلام



رواية صدفة ام قدر (العشق الخماسي) الفصل الاربعون 40 بقلم سميه عبد السلام 


#صدفة_ام_قدر

#العشق_الخماسي

#البارت40

عايزة اقول كلمتين بجد بشكر كل الناس من قلبي اللي فضلت مستنياني و مستنية الرواية و مزهقتش رغم انه غصب عني والله انا عارفة ان فترة غيابي كانت طويلة اوي بس ربنا وحده اللي يعلم كانت فترة صعبة إزاي، مش عارفة اعوضكم عن غيابي ده إزاي بس هحاول اعمل كده اني انزل الفصول اسرع من الأول واحب اطمنكم اني راجعة بأحداث جميلة و قوية بأذن الله تعجبكم، الفصل ده طويل اوي وان شاء الله يعجبكم هستنى اكيد رأيكم اللي بيفرحني وانا خارجة من مدعكة كده كل الحب ليكم والله💗🫂

_________

ملخص للاحداث السابقة

_نعمات وقعت من على السلم وهي بتتخانق مع سيد عشان شافت صور هبة في تليفونه و طلبت الطلاق من جوزها إسماعيل.

_سليم راح عند سلمى تاني بس في حد خبطه على راسه وراح المستشفى و سلمى اتصلت على قدر اللي جت هي و ادهم وعرف مين اللي عمل كده وانه نفسه خطيب سلمى السابق إسلام، وراح اداله العلقة التمام.

_اخر حاجة في البارت اللي فات هو سليم وهو ماسك تليفون احمد و شاف صور هبة المتعدلة عليه، و النقطة دي هنعرف إزاي وصلنا ليها مع باقي الاحداث

طبعا في احداث تانية كتير بس دول اهم حاجة لازم تكونوا فاكرينها.

بسم الله الرحمن الرحيم

البارت 40 (صدمة جديدة)

تضيق و تضيق عليك الدنيا و تظن أنه لا مخرج منها، ولا ترى شيء سوى ظلمة موحشة تحيط بك من كل جانب، فقط تشعر بصدرك ينكمش اكثر و اكثر تكاد تشعر بالاختناق كأنك تتنفس من ثقب إبرة، واصبح الجسد رخو كأنه فقد روحه، كجثة هامدة تتسطح هي على الفراش فـ نعم هي فقدت روحها التي انتظرتها لاكثر من عشر أعوام و فقدتها هي في ساعات قليلة، كانت تتأمل سقف الغرفة بعيون ذابلة انهكها البكاء و وجه رسم عليه الوجوم وهو أشد الأنواع حزنًا، و اما الجسد فقد فَقد قوته لعدم حصوله على ما يجعله بحالٍ جيد، إلا وهو الطعام و الشراب و الذي هو نفسه ترفضه «نعمات» ومع محاولات «فاطمة» المستميتة وجميع من بالمنزل لم يقدر احد على إقناعها او حتى الخضوع لرغبتهم، و لم يجدوا حل سوى اللجوء إلى المحاليل الغذائية الموصولة بذراعها الآن.

اغلقت جفونها بقوة كأنها هكذا تضغط على عقلها عدم التذكر و النسيان لكن هيهات فكيف للعقل ان يرحمها ويتركها تذق للراحة طعم وهو الذي كأنه يتلذذ بتعذيب صاحبه بتذكيره بكل ما يجعله يحزن ويفسد مزاجه إلى الاسوء، لقطات سريعة تمر من امام عينيها تذكرها بالمعاناة التي عاشتها طوال هذه السنوات، من احاديث الناس السخيفة بشأن تأخر الإنجاب و اتهامها و القاء اللوم عليها بأن العيب منها كأنها هي من تقف عائق في طريق إنجاب «اسماعيل» زوجها للأطفال او ليس كأن الامر بيد الله وحده، ومشهد اخر لـ عمة زوجها وهي تحثه على الزواج بأخرى غير مبالية بمشاعرها و لا بقلبها الذي يحترق لكن دائمًا كان زوجها منصفًا لها و الداعم الأول و الأخير لها.

وبعد صبر دام لعشر سنوات لم يمل او يكل «اسماعيل» من الدعاء و التضرع إلى الله و بث الأمل في نفس زوجته دائمًا فقد مَن الله عليهم و استجاب لدعائهم، بأن رزقهم بهذا الحمل الذي جعل قلوبهم تبكي فرحًا، ولكن لم يكتب الله لهذه الفرحة ان تدوم و فقدت «نعمات» أبنها الذي دبت فيه الروح منذ أيام بسبب سقوطها من فوق السُلم أثناء حديثها أو بالأحرى الشجار مع شقيق زوجها «سيد» وما ان وقعت حتى استغاثت به لكنه تجاهل صوتها الضعيف الراجي و لذا بالفرار، اغلقت عينيها في محاولة منها للاستسلام لقدوم المو.ت لكن عادت من جديد لفتحهما لتجد نفسها بين اقباع الفراش في المشفى وسمعت حديث الطبيب مع زوجها الذي يخبره انها فقدت الجنين و انها أصبحت عاقر من المستحيل ان يحدث حملًا كهذا ابدًا ليقترب منها زوجها وتطلب منه الطلاق.

لم يعرف «اسماعيل» كيف يتصرف في هكذا موقف خصيصًا بعد ان رأى انهيارها لأنه أخبرها انه لن يتركها هو يحبها لا بل يعشقها واذا رزقهم الله بالأطفال خير و ان لم يحدث خير ايضًا، لكن «نعمات» لم تكن في حالتها الطبيعية، قام بالاتصال على السيدة «فاطمة» و التي حضرت على الفور هي و شقيقها «لطفي» واخبرهما «اسماعيل» بما حدث، وبالفعل تدخلت «فاطمة» و اقنعت «نعمات» بالمكوث معها حتى يتم شفائها لأن من الخطر عليها السفر إلى الشرقية لبيت أهلها وهي مازالت خارجة من عملية لتوها و اخبرتها بأن كل ماتريده سيحدث فقط عليها ان ترتاح.

وها هي الآن في منزل «فاطمة» تتسطح الفراش في غرفة «اسراء» رحمها الله، لتبكي بحرقة والألم ينهش قلبها المسكين.

بينما في غرفة المعيشة جلس بها «فاطمة» ومعها «هناء» زوجة شقيقها و علامات الحزن و الشفقة مرتسمة على وجوههن ببراعة كانا في حالة من الصمت حتى ترجلت «هبة» إلى الغرفة هي الاخرى لتنضم أليهن ثم سمعت «فاطمة» تقول متلهفة:

"رضيت تاكل يا هبة"

ات رد «هبة» المتخاذل و هي تنفي بحزن:

"زي ما دخلت الأكل خرجته اضطربت اغير لها المحلول"

ثم تابعت بأسى:

"زعلانة عليها اوي، شكلها مقهور اوي مش حزن عادي"

تجمعت العبرات بأعين «فاطمة» التي تعلم كم المعاناة التي رأتها «نعمات» منذ زواجها وتأخرها في الإنجاب، لم تجد «نعمات» مئوى لها في هذا البلد الغريب غير السيدة «فاطمة» التي اعتبرتها كأم لها وهي كذلك اعتبرتها كأبنة لها.

حاولت ان تسيطر على عواطفها وإلا تتذكر وفاة «اسراء» الآن وتبكي بل اردفت بكلمات لم تمنع دموعها من النزول:

"نعمات شافت كتير و دول عشر سنين الابتلاء كان صعب عليها اوي يا حبة عيني مالحقتش تفرح بيه و الضنا غالي حتى لو ماشفتهوش عينك لسه بس من اول ما بيتزرع جواك وحبك ليه بيكبر معاه وهي استنت عشر سنين عشان تحس باللحظة دي وفجأة كدة تسود الدنيا في وشها من تاني بعد ما خلاص قالت ان ربنا عوض صبرها خير"

ربتت «هناء» على كتفها بحزن لتقول بموساة:

"ده امتحان من ربنا ليها ولازم تنجح فيه واكيد ربنا مش ناسيها وشايل ليها كل الخير ماحدش يعرف لو الطفل ده كمل وجه الدنيا كان ممكن يعمل اي، مش يمكن كان يتعبهم لما يكبروا ويبقا ابن عاق ليهم"

اردفت «هبة» تؤكد حديث زوجة خالها:

"كلام طنط هناء كله صح ورب الخير لأ يأتي إلا بالخير بس اهم حاجة نحاول معاها تاني منسبهاش كده لازم نهون عليها في مصيبتها دي هي مهما كان ملهاش حد غيرنا ولازم تحس انها وسط أهلها"

مسحت «فاطمة» خديها المبتلة بالدموع تومأ برأسها ثم تابعت بقولها وهي تقف:

"انا هروح الحمام اتوضى اصلي ركعتين ادعي لها فيهم ان ربنا يصبرها ويرزقها بالخلف الصالح و ادعي لـ إسراء ان ربنا يرحمها ويصبرني على فراقها"

تركتهم «فاطمة» و ذهبت لتتحدث «هناء» بعد ان تأكدت من ابتعادها وقالت:

"و انتِ مالك بقا، انا ملاحظة انك متغيرة اليومين دول زي ما يكون في حاجة قلقاك بس كنت بكدب نفسي بس الحزن و الخوف اللي شيفاهم في عينيك دلوقت ما يقولش انك زعلانة عشان نعمات بس، اكيد في حاجة تاني"

توترت «هبة» وأصبح صوتها مرتبكًا وهي تنفي كاذبة فهذه غير عادتها ان تكذب وحتى ان فعلت تُكشف بسهولة:

"ها لأ طبعا يا طنط مافيش حاجة انا زعلانة عشان نعمات و عشان خالتو وبردو مو'ت إسراء لسه مش عارفة اتخطاه"

"انا عارفة ان كل اللي مرينا بيه ده مش سهل بس انا قلبي مش مرتاح و قلت اسألك لوحدنا بلاش نشغل عقل فاطمة اكتر من كده عشان لو في حاجة اعرف أتصرف"

ابتسمت «هبة» بحب مقتربة منها و اخذت تحتضنها من جانبها وهن يجلسن على الأريكة قائلة بتودد:

"لأ اطمني و طمني قلبك انا بخير و كويسة"

لم تكن تكذب هذه المرة هي بالفعل تشعر بالاطمئنان لوجود «مراد» معها في هذه المحنة والتي لا يعلم احد عنها سواهما وهي تلك الصور البشعة التي بُعثت لها و جعلتها ترتعد من الخوف لكن «مراد» طمأنها و اخبرها بأنه سيتصرف ولن يتركها بمفردها.

__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__

في صباح اليوم التالي يقف «سعد» و الذي يبدو في حالة يرثى لها وهذا لأنه خرج لتوه من المشفى ولم يتم شفائه او حتى تحسن حالته و لو بالقليل اثر الضرب الذي تلقاه على ايدي رجال «الشيمي» ومع رفض والدته في الخروج لم تقدر على منعه و الآن يقف في الجنينة الخارجية لمنزل «الحج زكريا» ينتظر خروج «مراد» او «ادهم» ليخبرهم أنه لم يكن الأمر بيده و قام بعمل المحضر ضدهم دون رغبته.

بينما في داخل المنزل هبط «ادهم» الدرج ليصل للطابق الأرضي ينظر في ساعة يده ليرى كم الوقت، حتى سمع صوت ابن عمه «سليم» وهو يصدح في المكان:

"اي يابني التأخير ده كله بقالي عشر ثواني مستنيك"

عقد «ادهم» حاجبيه ثم استكمل نزول الدرج مقتربًا منه في دهشة:

"و مستنيني ليه وبعدين انت لابس هدومك ورايح فين الساعة 7 الصبح"

رفع «سليم» حاجبيه بأستنكار ثم اضاف ببساطة:

"اما امرك غريب يا جدع، هكون رايح فين مثلا اكيد رايح الشغل مش رايح اقابل مراتي التانية يعني"

انهى جملته الاخيرة بمرح لكن هذا لم يغير شيء بوجه «ادهم» المحتد الذي يخلو من اي تعبير ثم اردف بضيق:

"و تروح معايا الشغل إزاي و تهبب اي و انت دماغك مفتوحة كده وبعدين فين الزفت الكاب مش لابسه ليه؟ احنا مش ناقصين وجع دماغ من امك"

اردف بهدوء مع ابتسامة على وجه والتي لم يكن سببها سوى رؤيته لخوف «سلمى» عليه بالأمس وانها بالفعل تحبه لكن هي تخفي شيء وبالتأكيد سيعلم ما هو:

"لأ اطمن امي لسه نايمة تقريبا البيت كله نايم ماحدش صاحي غيرنا وبتاع اللبن"

تنهد «ادهم» بيأس ثم تابع «سليم» حديثه مردفًا بجدية:

"لأ ما تبصليش كده اصل هروح معاك يعني هروح معاك انا غتت و انت عارف"

رمقه بضيق مصطنع ثم استطرد:

"طب يالا ياخويا قدامي و ابقى فكرني نشتري لك كاب و احنا راجعين"

هَم الإثنين بالخروج ثم سمعوا صوت «رحيم» المستعجل يقول:

"صباح الخير يا شباب"

"صباح الخير، مالك يابني شكلك مستعجل كده ليه ده حتى لسه بدري"

وقف امامهم يعدل من ثيابه المنمقة بالاساس مجيبًا:

"اصلهم كلموني من المستشفى ان في حالة طارئة محتاجة عملية ولازم اروح لها بسرعة"

"آل قولي يا رحيم هي على كدة تجارة الأعضاء بتكسب فلوس"

التفت ثلاثتهم لصوت الرابع و الذي لم يكن سوى «مراد» و بصحبته «احمد» الذي أضاف:

"طبعا بتكسب انت مش شايف الساعة اللي لابسها ده توم كروز نفسه ماعندوش أختها انا بصراحة كنت ناوي أبلغ عنه بس طالما هيديني الساعة هدية هسكت اصل انا ذمتي مخرومة و بقبل الرشوة عادي"

أيده في الحديث «مراد» هو يقول بمرح:

"انا لا يمكن اتنازل عن مبادئي عشان حتة آيفون ليه هو انا ذمتي بلاستيك"

كم كان يود «رحيم» الضحك الآن على هذا العرض المسرحي المبتذل على عكس «سليم» الذي يشملهم بنظراته المستحقرة بينما «ادهم» اردف بملل وهو يبادل نظراته بين الإثنين:

"خلصتوا"

اردف «احمد» وهو ينظر إلى «مراد» يسأله:

"انا عن نفسي خلصت شوف مراد لو لسه عنده حاجة لفيفي عبده و عايز يمتعنا"

رمقه «مراد» بتقزز ثم سمعوا الاثنين صوت «ادهم» وهو يقول اثناء تلويحه بالهاتف في الهواء:

"لأ هي المتعة اللي بجد لسه هتشوفوها لما اسمع الكلمتين الحلوين اللي قولتوهم من شوية لجدكم زكريا وهو يحكم بقا ويشوف مين فيكم يستحق الساعة و مين يستحق الآيفون"

اضطربت معالم كلاهما ونظروا له ببسمة متوترة ليقول «احمد» :

"انا بقول اننا اتأخرنا على الشغل"

ابتسم «سليم» بأنتصار ثم اردف:

"شهادة لله تمثيلكم كان في منتهى...القرف حاجة تسد النفس كده"

تشدق «مراد» ساخرًا:

"ما هي لازم النفس تتسد طول ما شايفة وشك السمح ده يا سليم"

ابتهج وجه«احمد» وقال:

"شوف يا اخي انت ابن عمي بقالك اد اي بس اول مرة أحبك"

كشف«سليم» عن ساعديه وهو يقترب منهم قائلًا بتوعد:

"طب تعالوا لي انتم الجوز بقا"

لكن قطع شجارهم قبل ان يبدأ هو دخول احد رجال «الحج زكريا» وهو يقول بعد ان القى تحية الصباح على الجميع موجهًا حديثه لـ «ادهم»:

"بشمهندس ادهم في واحد برى واقف في الجنينة شكله مريب بالنسبة لي سألته عايز مين وواقف كده ليه قال انه عايز حضرتك و الاستاذ مراد"

اردف «مراد» بتعجب:

"طب اسمه اي؟ و ما دخلتوش ليه سايبه واقف برى"

نفى الرجل في تهذيب:

"ماقلش حضرتك، ومرضيش يدخل البيت قال انه هيستنى في الجنينة برى"

تحدث «ادهم» يحث الآخرين على الخروج:

"انا بقول كفاية رغي ونطلع نشوف مين ده وعايز اي"

تحرك الشباب للخارج وما ان رأه «مراد» انكمشت ملامحه بضيق وتملك الانزعاج من وجه «ادهم» لم يفهم أية من الثلاثة الآخرون سر هذا التغير او سبب لهذا الضيق الواضح على معالم كلاهما وهذا لأن لا احد يعرف هوية الواقف غير «مراد» و «ادهم» الذي اقترب من «سعد» بوجه مقتضب:

"خير حضرتك جاي ليه؟ اوعى تقول انك جاي تطمن علي انا و مراد اصل بصراحة مش هصدقك"

اعتدل «سعد» في وقفته وتحمل على ذاته الألم الذي يشعر به في كل جسده و اردف بوجه لم يخلو من علامات الخزي و الإحراج:

"ليك حق تزعل يا بشمهندس انت و الاستاذ مراد بس انا فعلا جيت عشان اطمن عليكم قلت اعمل بأصلي"

وعند نطقه اخر جملة انفعل «مراد» المعروف عنه بالبرود وبجواره شقيقه يحاول ان يستشف شيئًا من الحديث الدائر حتى تحدث «مراد» بتهكم:

"لأ ما اصلك ده شفناه لما روحت تبلغ عننا و تعمل المحضر و بسببك ابات انا و اخويا ليلة كاملة في الحبس"

طأطأ رأسه ثم رفعها من جديد يطالع الجميع بنظرات مخذولة مردفًا:

"انتم فاهمين غلط و الحكاية كلها ماكنتش بأيدي"

اردف «ادهم» ناطقًا بضجر:

"ايوة يعني انت جاي لحد هنا عايز اي؟ مستني مننا أي بعد اللي عملته"

هم بالدفاع عن نفسه وهو يرى نظرات الحقد و الضيق وكذلك نظرات عدم الفهم التي شملت اوجه «رحيم و سليم و احمد»:

"جيت عشان مش مستني حاجة وحقكم تعملوا معايا كده واكتر و..."

بتر «مراد» حديثه قائلًا:

"لأ ثانية واحدة هو احنا عملنا معاك اي عشان تقول حقنا نعمل كده و اكتر انا لما عارف ان والدتك ست مريضة وملهاش غيرك، انا كان لي تصرف تاني معاك"

اشار له «ادهم» بالتوقف عن حديثه هذا مع نظراته المثبتة على «سعد» و اردف بجمود:

"كمل باقي كلامك، عندك اي تقوله"

"انا عارف كويس انكم مش انتم اللي حرقتوا المحل وحتى لو شفتكم بعيني انا كنت مستحيل اعمل حاجة زي كده و ابلغ عنكم بس رجالة الشيمي هجموا علي في بيتي وطحنوني ضرب زي ما انتم شايفين انا بردو ماكنتش ناوي اسمع كلامهم ولا اعمل اللي عايزينه بس هددوني بأمي والله كان غصب عني يا بشمهندس كان غصب عني يا استاذ مراد"

الآن اتضحت الصورة امام «سليم» وفهم من سياق الحديث ان هذا الشاب الواقف امامهم هو نفسه الذي كان يبحث عنه حتى يجعله يتنازل عن المحضر ضد إخوته، تملك الغضب منه و قال اثناء اقترابه من «سعد» وعيناه تلمع بالشر:

"و اه انت بقا جاي عشان نكمل عليك بعد رجالة الشيمي مش كده"

اوقفه ذراع «ادهم» يحثه على التريث و الهدوء الذي لا يعرفه «سليم» البتة ثم اردف «سعد» ناطقًا بشموخ وعدم خوف من هيئة «سليم» الضخمة و التي توحي بأنه على وشك الخوض في عراك معه:

"لأ جيت عشان اقول للاستاذ مراد اني مش قليل الاصل و لا واطي زي ماهو فاهم وعمري ما اعض الايد اللي اتمدت لي في يوم"

لم يقلل هذا من غضب «سليم» بل اردف بعصبية:

"لأ كتر خير امك يالا، تبلغ عنهم و تخلي البوكس يدخل يسحب اتنين من بيت الحج زكريا قدام اهل الحارة و يقضوا ليلة كاملة في الحبس بسبب واحد رخيص زيك"

لم يقدر «سعد» على تحمل الاهانة اكثر من ذلك واردف يدافع عن كرامته التي يبعثرها «سليم» بكلامه المهين هذا:

"لو سمحت يا حضرت اي إهانة انا مش هقبل بيها وعلى فكرة انا لي لسان اطول من لسانك اعرف اخرس بيه اي حد بس انا عامل إحترام لصاحب البيت الحج الكبير و البشمهندس و الاستاذ مراد"

انفلتت اعصاب «سليم» اكثر من هذا الوقح الواقف أمامه_كم يعتقد هو_ و انقض عليه كالثور الهائج ليتدخل «رحيم» و «احمد» لفض النزاع ورغمًا عنهم تعالت الأصوات والتي على اثرها خرج «زكريا» بهيبته الطاغية وعم الهدوء بعد خروج صوته المعنف للجميع:

"اي اللي بيحصل هنا؟ في اي على الصبح و مالكم كلكم متجمعين كده مش وراكم شغل ولا خلاص فضينا للخناق و المشاكل كل يوم"

لم ينطق احد ببنت شفة وقف الشباب جميعهم صامتون احترامًا لوجوده، فتابع «زكريا» حديثه الموجه للغريب بينهم :

"وانت يابني تعالى ورايا الجاعة تقولي اي حكايتك"

اعترض «سليم» بقوة ناطقًا بوجه متجهم:

"مستحيل الواد ده يدخل البيت، اللي زي ده اخره الشارع"

ضرب «زكريا» الأرض بعصاه ناطقًا بصرامة و صوت حاد ظهر به جزء طفيف من غضبه:

"ده لما يكون بيت أبوك او انا مـ.ـت وقتها بس ابقا اقول مين يدخل البيت ده ومين لأ"

تدخل «رحيم» ملطفًا للأجواء المشحونة بالتوتر و القلق و كذلك الغضب ناطقًا بهدوء:

"طب انا شايف ملوش لازمة وقفتنا دي وكل واحد يروح شغله، و استاذ سعد يتفضل مع جدي و يقول الكلمتين اللي عنده"

وافقه الجميع على اقتراحه هذا ولكن قبل ذهاب «زكريا» و معه سعد اردف بنبرة محذرة لـ «سليم» و التي ان دلت على شيء دلت على ان اخطاء «سليم» تكثر وجده لن يمرر كل هذا بسهولة.

"اول حاجة تعملها لما ترجع من شغلك تيجي لي اظاهر ان في حاجات كتير بتحصل من ورا ضهري انا ماعرفهاش"

ختم حديثه بنظراته التي تشير على الشاش الطبي الملفوف حول رأس «سليم» الذي ابتلع ريقه بأذدراء مردفًا بهمس لـ ابن عمه:

"أدهم ابقا فكرني و احنا راجعين اسمع كلامك و البس الكاب"

كتم «ادهم» ضحكه ثم اردف:

"لأ انا شايف ملوش داعي، كده كده جدك هغير لك على الجرح بنفسه"

انفجرت اسارير «مراد» من الضحك وللحق جميعهم لكن ما نال غيظ «سليم» اكثر هو ضحك شقيقه ليقول متمتًا بغيظ:

"عجبتك اوي يا خويا وانا اللي دمي محروق عشانك، طب اقسم بالله لو جدكم قال لي حاجة لأكون فاضحكم عنده واحد واحد عشان نعرف نضحك كلنا سوا بعد كده"

تشدق «احمد» بفمه ناطقًا بطريقة سوقية:

"تفضح مين يابن المفضوحة انت!"

لكزه «مراد» في زراعه ينهره بضيق:

"عيب يا احمد، المفضوحة دي تبقا أمي بردو"

جحظت أعين «سليم» بغير تصديق لما تفوه به شقيقه لكن سرعان ما حل مكانها نظرات الضيق و الغيظ ليقول من بين أسنانه:

"ياض اعمل اي في لسان أهلك اللي بينقط زفت ده"

ثم ابصر «رحيم» الذي يضع يده على فمه بين الحين و الآخر حتى يكتم ضحكه ليعلق «سليم» ساخرًا:

"والله ما انت ماسكها، طلعها طلعها"

حمحم «رحيم» مردفًا بطريقة مهذبة تدل على طيبته:

"بصراحة عايز اضحك بس حاسس انك هتزعل مني"

ابتسم الاخر بسماجة معلقًا:

"لأ اطمن يا رحيم انا مازعلتش ده هو يدوب جلطة على انسداد رئوي و تقريبًا اشتباه في حالة فقع مرارة، يعني كلها حاجات بسيطة متشغلش بالك انت"

تمتم «ادهم» معبرًا عن انزعاجه رغم محبته لهذه المناوشات المُقامة بين إخوتها و ابناء عمومته ناطقًا:

"اقسم بالله شوية مجانين اتحدفت في وسطهم، انا ماشي"

تحرك للخارج بعد جملته ثم تبعه الباقي بعد تذكرهم ان لديهم عمل يجب الذهاب إليه، وبالطبع اخُتتم هذا الحديث بقهقهتهم و اصوات ضحكاتهم العالية على مرحهم هذا و الذي لا يعلم احد منهم انه لن يدوم طويلًا قبل ان تندلع نار الفتنة بينهم. 

__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__

بداخل المنزل و بالتحديد في القاعة الكبيرة للمنزل جلس بها «زكريا» و معه «سعد» الذي يجلس في إحراج وخزي من موقفه وكان حاليفه التوتر و خصوصًا في حضرة «الحج زكريا» الذي لانت تقاسيم وجهه عما كانت بالخارج و استطاع التقاط توتر الجالس أمامه و رهبته منه ليقول بصوته الرخيم:

"معلش مش هنعرف نقول لك تشرب اي"

ابتسم الاخر بتوتر ناطقًا بشكر:

"خيرك سابق يا حج زكريا، انا مش جاي عشان اضايف انا كنت جاي اقول كلمتين و امشي"

هذا بالتحديد ما يريد «زكريا» سماعه ثم اردف بهدوء يحث الجالس على التحدث اكثر:

"وانا بقا عايز اعرف الكلمتين دول، وقبل ما تقولهم تكون حاكي الحكاية كلها من الأولى و تعرفني بنفسك و اي علاقتك بأحفادي عشان تبلغ عنهم و تعمل لهم محضر زي ده"

ابتلع «سعد» ريقه وبدأ يجمع شتات نفسه وتمنى إلا يغضب الآخر من حديثه لأن الجميع يعلم ان من يقترب من أحفاد المنشاوي كيف سيلقى مصيره على يد « زكريا المنشاوي» بدأ بقص كل شيء عليه منذ بدء عمله مع «الشيمي» و غضب امه منه و زجه في السجن ومساعدة «مراد» له في الخروج بعد ان اقسم له انه تاب عن هذا الطريق ويريد الإصلاح لنفسه وبعدها كيف ساعده في القبض على «الشيمي» الذي ارسل رجاله له وحرقوا المطعم و فعلوا ما فعلوا حتى جعلوه يقوم بهذا المحضر ضد «ادهم» و «مراد» قص كل شيء بأدق التفاصيل و «زكريا» فقط يستمع له في انصات تام.

ثم اضاف لنهاية حديثه:

"و برغم اعتراض امي على خروجي من المستشفى و انا لسه تعبان بس مقدرتش استنى وجيت عشان افهم البشمهندس ادهم و الأستاذ مراد اني مش وحش زي ما هما فاكرين و ان الموضوع كان غصب عني وعمري ماكان في نيتي حاجة غير الخير ليهم"

هتف «زكريا» بهدوء:

"بس انت غلطان ياسعد في اللي عملته"

عبثت ملامحه بحزن و اسىٰ اثناء قوله:

"وانا عايز اسمع حكمك و راضي بيه من قبل ما اسمعه"

نفى «زكريا» ما وصل لـ «سعد» من جملته المبهمة التي حملت معنى غير المعنى موضحًا:

"تبقى عبيط لو فاكر ان بغلطك عشان اللي عملته مع ادهم و مراد لأن اللي انت عملته ده عين العقل و اي حد في مكانك كان عمل زيك كده حتى هما بنفسهم كانوا عملوا نفس التصرف لو اتحطوا في الموقف لأن مافيش حد هيبدي الغريب عن أمه و يضحي بيها مهما كان الغريب ده عمل معاه اي من جمايل"

شعر «سعد» بالتخبط من اثر كلماته التي اتت عكس توقعاته مردفًا بعدم فهم:

"مش فاهم ياحج امال انا غلطت في اي"

تابع «زكريا» يجيبه عن سؤاله بهدوء:

"غلطت لما مشيت في سكة حرام مامنعكش عنها غير السجن مع انك لو سمعت كلام الست والدتك من الأول وريحت قلبها ماكنش حصل ده كله، واللي حصل لك ده بسبب انها مش راضية عنك ولا عن اللي بتعمله، وغلطت تاني دلوقت لما عارضتها و خرجت من المستشفى وجيت هنا من غير رضاها"

تشوش عقله ولم يفهم رغم وضوح الحديث ليسأل ببلاهة:

"يعني اي ياحج"

ابتسم «زكريا» متحدثًا بوجه بشوش:

"يعني ترجع لـ الست والدتك تستسمحها و تطمن قلبها عليك واعرف ان ربنا مش هيكرمك طول ما هي مش راضية عنك"

باغته بسؤال اخر رغم انه لا يصدق هذا الحوار الدائر كله وان المناقشة ستكون هكذا:

"طب و ادهم و مراد"

اردف «زكريا» بتريث:

"انت جيت لحد عندهم وحكيت اللي حصل و وضحت الصورة قدامهم وهما يصدقوا او لأ هما احرار وانت عملت اللي عليك"

كم ازاحت هذه المقابلة همًا من على قلبه وشعر بالسكينة بالحديث مع هذا الرجل والذي لاول مرة يراه فيها هو فقط يسمع عنه من احاديث الناس وكم انه شخص عادل ويقف بجوار كل شخص يحتاجه ولا يغلق بابه في وجه اي سائل، ناهيك عن هيبته و وقاره الذي يجبرك رغمًا عنك على احترامه وتقديره.

اخذ يدخل الهواء لرئتيه براحة ثم اردف يدلي بنيته امامه:

"وانا والله ياحج زي ما قلت لحضرتك انا عمري مكان في نيتي إلا الخير ليهم"

"عارف يابني ومجيتك لحد عندنا ده تقدير منك نحترمك عليه، وحقك عندي انا لو حد من احفادي ضايقك بكلمة"

اتسعت ابتسامة «سعد» يقول بود:

"حقهم لو عملوا كده والله بس هما تربية الحج زكريا المنشاوي يعني الاحترام نفسه.."

ثم اكمل حديثه بهمس يكمل:

"ماعدا التور ابو عضلات منفوخة اللي ماشفش ذرة احترام ولا ذوق"

ضحك «زكريا» على نعته لحفيده «سليم» 'بالتور' ليقول من بين ضحكه:

"اهو التور ده بالتحديد ماتقربش منه لا بخير ولا بشر عشان ده بكلمة واحدة تلقيه انفجر في وشك"

حمحم «سعد» بأحراج ليقول معتذرًا:

"انا ماقصدش ياحج انه هو تور تور يعني"

اجابه «زكريا» بلطف:

"لأ انت مغلطش هو سليم تور فعلا"

قهقه الاثنين ثم استأذن «سعد» في الرحيل ليشير له «زكريا» بالجلوس حتى نادى احد رجاله وما ان دلف قال له:

"تاخد العربية يا نادر توصل بيها الاستاذ سعد المكان اللي يختاره بس قبلها تعدي على اي محل من محلاتنا تنقي احسن انواع الفاكهة وتوصلها لحد بيته، مفهوم؟"

لبى الاخر في طاعة:

"انت تؤمر ياحج"

لكن وقف «سعد» معترضًا بأدب وخجل:

"ملوش لازمة ياحج خيرك سابق والله"

رد «نادر» ببتسامة مرحة:

"عيب اللي بتقوله ده، ده انت واقف في بيت الحج زكريا يعني بيت الكرم كله"

ثم اضاف «زكريا» على حديث رجله حتى يزيل عنه الحرج:

"وبما اننا في صيام ومش هنعرف نضايفك يبقا واجبك تاخده معاك، هي دي الأصول ولا ايه"

ابتسم «سعد» بحب له وكم تمنى لو كان لديه شخص مثل هذا في حياته لكنه عاد يحمد الله في سره ثم ختم حديثه قبل الذهاب:

"عداك العيب ياحج"

__:__:__:__:__:__:__:__:__:__:__:__:__

فى احدى شركات «الصاوي» وبالتحديد داخل مكتبه، كان يجلس على الكرسي امام المكتب ومعه مساعده يخبره بخط سير إبنه.

"تقريبًا مش بيخرج من البيت، غير بس في حالتين"

امتنع عن الكلام بتوتر وقلق من رد فعل رئيسه بينما صمته هذا جعل «الصاوي» يستشيط غضبًا فهو لم ينسى إهانة إبنه له في منزل خالته ورفضه المجيء معه و احراجه امام الكل ليهتف بأنفعال جلي:

"ما تخلص يا مرزوق انت هتنقطي بالكلام، اخلص وقول بيهبب يروح فين"

حمم «مرزوق» ينتقي حنجرته ثم اردف بثبات واهي:

"بيروح يزور قبر الست اسراء و...و بيقابل واحد كده شغلته ديلـ.ـر اسمه إسلام هو اللي بياخد منه المخدر'ات انا جمعت لحضرتك كل البيانات عنه"

اشار له بيده بمعنى عدم الاكتراث بشأن هذه المعلومات و اضاف بجمود:

"الواد ده يتبلغ عنه ويبات في الحبس الليلة يا مرزوق، سامــعنــي، اللــيــلة"

اومأ برأسه موافقًا ثم اردف بأقتراح ورغم ذلك خرج صوته متلجلجًا:

"اللي تؤمر بيه حضرتك هيتنفذ بس انا شايف يعني ان ده مش حل واكيد أنس باشا هيحاول يدور على حد تاني يجيب منه اصل اللي زي دول كتار و ماليين البلد"

تنهد «الصاوي» بتعب ونطق بقلة حيلة وهو يرى ابنه الوحيد يضيع من أمام عينيه:

"امال اي الحل يا مرزوق، انا خلاص جبت اخري من الواد ده، بدل ما يوقف في ضهري ويدير هو شركاتي وشغلي عشان ارتاح في اخر ايامي يقوم هو اللي كاسر ضهري"

اردف «مرزوق» بعملية يكمل حديثه الناقص:

"بعد الشر على حضرتك يا فندم، انا شايف اننا نوديه مصحة نعالجه فيها، وطبعا عشان الصحافة و الإعلام هيروح المصحة اللي عندنا وهنكتم على الخبر ومش كتير عارف ابن حضرتك لأنه قليل اوي لما يظهر معاك في مكان عام او افتتاح اي شركة جديدة او مستشفى ليك"

راق له هذا الاقتراح لكن لم يخبره بالموافقة مباشرة بل قال بهدوء:

"طب روح انت على شغلك و قول للواد اللي بيراقبه عينه متغفلش عنه ثانية، وانا هبقا افكر في الموضوع"

رحل «مرزوق» ولم يلبث إلا دقيقة وعاد من جديد ليزفر «الصاوي» بحنق:

"خير يا مرزوق"

"طارق باشا عبدالحميد برى يافندم وعايز يقابل حضرتك"

انكمشت ملامحه بضيق و انزعاج مردفًا بنذق:

"لأ قوله عنده meeting مش فاضي"

"مش عيب يا صاوي تبقا في السن ده وتكدب، طب ده حتى الكداب بيدخل النار"

تمتم بها «طارق» بعد ان اقتحم مكتب «الصاوي» وبعدها جلس على الكرسي امام مكتبه، رمقه بغيظ ثم اشار لمساعده بالانصراف مردفًا على مضض:

"خير ممكن اعرف سر زيارتك الكريمة دي اي"

ارخى «طارق» جسده على الكرسي والذي يعلم ان هذا يذيد من غيظه ناطقًا ببرود:

"والله لقيتك بتتهرب مني و من مكالماتي قلت اما اجيلك أنا"

اردف «الصاوي» بحنق يبدي به انزعاجه من الحاضر:

"لأ انا مش بتهرب، كل الحكاية اني مش فاضي لا ليك ولا لغيرك"

ثم استطرد يكمل:

"و ياريت تنجز وتقول جاي ليه"

ابتسم «طارق» بمكر وهو يقول بخبث يتلاعب بأعصاب الاخر:

"ما تهدى علينا يا باشا، ده انت حتى روحك في ايدي"

وقف «الصاوي» بغضب وضرب بكلتا يديه على سطح المكتب ينفث عن انفعاله مردفًا بصوت عالي:

"انا شكلي غلطت لما ماطلبتلكش الآمن من الأول اتفضل اطلع برى"

وقف «طارق» هو الاخر يماثله ولكن بغضبٍ اقل:

"طب اسمع بقا الورق اللي كان في خزنتك بقا معايا ومتسألنيش جبته إزاي عشان مش انا اللي سرقت خزنتك بس ده مش موضوعنا، يعني بلاغ صغير مني كده لمصلحة الضرايب تيجي تعمل جرد وتلاقي عليك تهرب ضريبي بعشرة مليون جنيه مترجعش تزعل بقا"

صمت ثم استكمل حديثه وهو يلقي بعض الاوراق أمامه:

"ودي نسخة من الأوراق اللي معايا عشان ماتقولش اني كبرت وخرفت ولا حاجة او حتى بهوش"

اصاب الاخر في مقتـ.ـل وهو يتفقد الأوراق امام ناظريه، ويرى انه محق خانته ساقه من هول صدمته وكذلك لكبر سنه وعاد يجلس على الكرسي مردفًا بوهن وصوت خرج ضعيف جعل الاخر يشعر بالانتشاء:

"اخرتها بتهددني يا طارق، وانا اول واحد ساعدك تقف على رجلك في السوق"

اغلق زر بدلته استعدادًا للرحيل وقال بثبات يفقده غريمه:

"المفروض ما تتفاجأش ما انا عملتها قبل كده مع حسن المنشاوي، بس انت عشان حبيبي انا هكون هين عليك "

نطق بجمود ونظرات خالية تبغض الواقف:

"عايز اي يا طارق"

اردف بملاوعة يرد عليه بنفس حديثه:

"عايز اي هبقا اقول لك عليها بعدين عشان حاليًا مش فاضي اصل عندي... meeting"

ختم جملته بضحكة رنانة سمع صداها في المكان رغم امتلائه بالاشياء، وتركه خلفه كمن قُيد بالاحبال والقُى به في عرض البحر.

__:__:__:__:__:__:__:__:__:__:__:__:__ 

في الحرم الجامعي وقفت «ياسمين» رفيقة «قدر» كـ تائه الذي لا يعرف أين هو او إلى اين يذهب تشتت ذهنها لكل هذا الحزن القابع بقلبها وهي فقط تحاول الهروب منه، ابتلت اهدابها بالدموع وقبل ان تسقط من عينيها انتبهت لهذا الشاب المريب الذي يقترب منها وعلى وجه بسمة ماكرة تفوح منها رائحة الخبث و النوايا السيئة، ابتلعت ريقها واظهرت الجمود وبدأت في تحريك قدمها من اجل الذهاب إلى كليتها كلية التجارة لكن وقفت عندما سمعت الاخر يهذي ببتسامة مقززة بالنسبة لها.

"لابسة اسود ليه وانا لسه حي"

وقبل ان تفكر تتخذ قرارها في الذهاب او الوقوف و الرد عليه تولى شخص اخر هو هذه المهمة عندما سمعت صوت يقول بتقزز و استهزاء:

"لابساه على رجولتك اللي ما'تت"

ألقى الفتى نظراته الساخطة على الفتاتين ثم رحل ليبتهج وجه «ياسمين» وهي تهتف بفرحة صادقة:

"رحــمــة!! وحشتيني اوي"

اسرعت «قدر» في خطاها لترد على جملتها بعناق حار اظهرت به شوقها لرؤية الآخرى ناطقة بحب:

"قلب رحمة من جوا والله، بس انا بقول نخلينا في قدر بحبه اكتر"

فصلت العناق بعدما سمعت اخر جملتها المرحة مردفة بأستفاهم مع بسمة وجهها التي لم تختفي:

"قدر قدر، بس افهم اي الحكاية الأول"

عاتبتها «قدر» بضيق مصطنع:

"ما لو الهانم بتسأل او بتفتح تليفونها كانت عرفت إني روحت لأهل أبويا عرفتهم انا مين انا ورحيم و دلوقت عايشين معاهم"

هتفت «ياسمين» بسعادة وهذا لأنها تعلم كل شيء عن صديقتها التي لا تخفي عنها شيء منذ صداقتهم التي بدأت منذ عام وبالتحديد بعد الشجار الذي حدث بين «قدر» و «ملك الزيات»

"بجد؟!! طب هما كان رد فعلهم ايه؟ صدقوا الموضوع كده على طول؟ طب طلع ليك ولاد عم بقا وكده، في حد منهم بيضايقك يعني قصدي انهم..."

قاطعتها «قدر» عن الاسترسال اكثر في طرح الأسئلة ناطقة بضجر:

"اي حيلك حيلك اي كمية الأسئلة اللي نزلت فوق دماغي دي، ده احنا حتى صايمين اهدي شوية ياما عشان اعرف احكيلك" 

التقطت «ياسمين» يدها بعد ان اختفى الحزن مع على وجهها لمجرد رؤيتها لصديقتها _الوحيدة_ و جرتها خلفها مردفة:

"تعالي نقعد الأول عشان تحكي لي كل حاجة" 

ضحكت «قدر» وهي تسير خلفها:

"طب والامتحان يابنت الهبلة"

اعترضت الاخرى اثناء جلوسها على احد المقاعد وبجوارها «قدر»:

"لأ الامتحان لسه فاضل عليه ساعة يعني يدوب تحكي لي"

ردت ساخرة:

"قصدك يدوب نسقط، الكتاب ماتفتحش يخربيتك، بس في داهية يعني لما اتخرج هنافس نجيب ساويرس"

ضحك الإثنين معًا ثم سردت «قدر» القصة منذ بداية مخططهم لكيفية الدخول وسط عائلة «المنشاوي» لتحتمي بهم من براثن «طارق» حتى لحظتهم هذه وكيف يناديها الجميع بأسم «قدر» سردت كل شيء ماعدا الجزء الخاص بسرقتها للأوراق من مكتب إبن عمها لا تعلم لمَ لم تخبرها فمجرد تذكرها للأمر تشعر بالاختناق.

علقت «ياسمين» على كل ماسمعته بقولها:

"ده اي الأكشن اللي فاتني ده كله، ده حكايتك طلعت مسلية عن MBC 2"

ابتسمت «قدر» ثم حركت عينيها على ثياب صديقتها قائلة بهدوء يتنافى مع حالة الضحك التي كانت بها منذ قليل وهي تحكي قصتها:

"مش ناوية تقلعي الأسود بقا يا «ياسمين»، سفرك اسكندرية مخلكش احسن بردو؟"

خيم الحزن على وجهها من جديد وهي تتذكر وفاة والدتها ناطقة بصوت متحشرج شارف على البكاء:

"غصب عني يا قدر انا مش عارفة اعيش من غيرها و بابا بيحاول يعمل كل حاجة عشان ينسيني مع ان حبيب قلبي الموضوع صعب عليه هو كمان بس بيداري عشاني"

ربتت الأخرى على ظهر يدها ناطقة بحنو:

"و اهو عشان كده بقول لك لازم تخلعي الأسود عشان خاطر باباك، صدقيني لو الحزن على اللي راح و لبس الاسود هيرجع اللي مشيوا وسابونا كان زماني دهنت جسمي اسود مش لبسته بس"

ابتسمت «ياسمين» من بين دموعها على اخر ما تلفظت به الآخرى ثم استطردت كمن تذكر شيئًا:

"اه نسيت اقول لك احنا سبنا شقتنا القديمة عشان مقدرتش اقعد فيها لأن كل ركن بيذكرني بماما عشان كده نقلنا وخدنا شقة تانية لازم تزوريني فيها"

عقبت «قدر» بمرح:

"طبعا، و انتِ كمان لازم تزوريني عشان اعرفك على المزز... احم قصدي ولاد عمي اللي انا عايشة معاهم"

هزت «ياسمين» رأسها بيأس هذه الفتاة التي تشبه «هبة» كثيرًا في اخلاقها و تدينها وملابسها الفضفاضة على عكس «قدر» تمامًا التي ترتدي البناطيل الضيق منها و الواسع بجميع اشكاله وطرحتها القصيرة التي كانت تظهر منها شعرها_وبالطبع هذه الافعال لم يكن رحيم راضي عنها_ و مستحضرات التجميل التي دائمًا تضعها على وجهه وتخفي خلفها جمالها الطبيعي الذي لم ينل رضاها ابدًا لكن مهلًا لحظة...بشرة «قدر» صافية خالية من اي انواع من هذه الأشياء وحجابها المعتدل والذي يخفي كامل شعرها نعم لم يكن خمارًا لكنه على الاقل ادى شرطًا من شروطه وهو حجاب _اخفاء_ الشعر عن أعين الناس.

اردفت «ياسمين» بتعجب بعد ان لاحظت هذه الاشياء:

"غريبة اول مرة اشوفك من غير ميكب وكمان لافة الطرحة عِدل زي بقية خلق الله"

تنهدت «قدر» بأحراج من نفسها قبل صديقتها مردفة بهدوء و صدق مع لمعت عيناها:

"انا لما رحت عندهم كان على اساس اني فاقدة الذاكرة فكان لازم ابين اني ناسية كل حاجة، بدأو هما يغيروا فيَ ويخلوني زيهم طلعوا ناس طيبين اوي يا ياسمين، كلهم ناس طبيعية كل واحد بيتصرف بتلقائية وعلى طبيعته البنات في العيلة دي حتة سكرة كلهم قمرات ما شاء الله لما شفتهم بالخمار غيرت منهم قلت ليه انا مش زيهم ليه انا مش راضية عن شكلي زي ماهما عندهم قبول لذاتهم كده حبيت وجودي في وسطهم و حبتني انا معاهم بسبب حبهم لي من غير حتى ما يتأكدوا اذا كنت بنت عمهم ولا لأ، لقيت لما بكون على طبيعتي بكون مرتاحة اكتر"

انتقلت لها مشاعر «قدر» وهي ترى صدق عيونها و نبرة صوتها وهي تخرج الكلمات ليصل إلى قلب الأخرى بعد ان ادمعت عيناها ناطقة ببتسامة لطيفة نابعة من قلبها الطيب:

"اد اي ربنا بيحبك عشان بقا ليكِ عيلة زي دي، عيلة قدرت تعمل في شهر اللي انا مقدرتش اعمله معاك طول السنة، بس ده عوض ربنا ليكِ يا «قدر» لأن اللي شفتيه مش قليل"

طاف الحزن بعينيها ليعلن عن وصول الدموع لهما لتقول بهدوء عذب:

"ربنا يربط على قلبك الابيض ده يا ياسمين في محنتك"

انهت جملته لتنكمش حاجبيها بغلظة وضيق لتتعجب الأخرى من انقلابها المفاجئ هذا لكن عرفت السبب فور رؤيتها لـ «ملك» ومعها «مريم» يقتربان منهن لتكمل «قدر» وهي تشعر بالاختناق:

"اهم جوز العقارب حضروا"

__:__:__:__:__:__:__:__:__:__:__:__:__

"شوفي يا هبة مين بيخبط، أيدي مش فاضية"

صاحت بها «فاطمة» من داخل المطبخ لتقول «هبة» وهي تضع الحجاب على رأسها:

"حاضر يا خالتو، رايحة افتح اهو"

تأكدت من ان الحجاب يغطي شعرها ثم فتحت الباب لتجد رأسه منخفضة لكن رفعها هو تلقائيًا عند رؤيته للباب ينفتح لتعلو شفتيه ابتسامة وصلت إلى عينيه ناطقًا بنبرة لينة ومريحة:

"المفروض انهم هيشوفوا القمر بكره عشان يعرفوا اذا كان الشهر كامل ولا لأ بس شكلهم مايعرفوش ان القمر كله واقف قصادي دلوقت"

توردت وجنتيها بخجل ناطقة على استحياء تخفض رأسها:

"بتجيب الكلام ده منين يا مراد، و انت ماشاء الله ماعروف عنك انك دبش"

اختتمت حديثها بغيظ، ليجيبها وبسمته تتسع بمجرد رؤيتها امامه:

"عشان هما بتكلم معاهم بلساني انما انتِ..."

ترك الجملة معلقة ليجذب انتباهها ويجعلها تنظر الى عينيه البنية واكمل هو بنبرة اسرتها:

"إنما انتِ بتكلم معاكِ بقلبي، يعني ده كلام مش بيطلع غير ليكِ و معاكِ، حتى انا بكون سامعه مني لاول مرة يعني كلام انا مش حافظه، ده بيبقا طالع من هنا بس اول لما اشوفك"

كان يشير إلى قلبه في نهاية كلماته، لتدق الطبول في قلبها ليرقص فرحًا، لو يعلم اثر كلماته البسيطة على قلب تلك المسكينة لرأف بحاله، كم ذاقت هي السنين العجاف لتحافظ على نقاء قلبها ومشاعرها الغير مستهلكة في طريق غير طريقه فقط لتخرج كل هذا في الحلال و النور دون ان تخشى احد يكفي ان يكون «المولىٰ» راضٍ عن علاقتهم النقية كـ قلبهما الصافي، ورغم انها تعلم تمام العلم ان «مراد» زوجها ويحق لها ان تخرج كل مكنونها إلا ان حيائها يقف عائقًا ويمنعها من ان تبادله مشاعرها، مشاعرها التي لم تعلم اين ومتى تكونت لتكون له هو فقط لـ «مراد».

لم يرد احراجها اكثر ليحمحم بعد ان عادت نبرة صوته لطبيعتها:

"خالك موجود"

نفت برأسها وهي تقول:

"لأ راح يصلي التراويح في المسجد ولسه مرجعش، اتفضل ادخل وهو زمانه جاي"

رفض بأحترام وهو يقول بمزاح:

"انتِ عايزة جدي يعرف اني دخلت البيت من غير مايكون فيه راجل ده تطير فيها رقاب، و اولهم رقبة العبد لله"

ضحكت بخفة ليخرج يده التي لم تراها هي وهو يحمل علبتين من الكرتون وعلى كلا منهما صورة توضح ما بداخلها، ضمت حاجبيه في استغراب ناطقة:

"اي دول يا مراد"

علق ساخرًا:

"سلاكة للحمام اصلي عرفت ان المجاري عندكم مسدودة، قلت أتصرف بدل ما ريحتكم المعفنة تفوح على الجيران و تفضحونا"

امسكت طرف الباب و زمجرت بتهديد:

"طب امشي بقا عشان ما اقفلش الباب في وشك، يخربيت لسان امك ياشيخ"

رغمًا عنها انفعلت ولم تعي لما تقول ليقول الاخر ببرود:

"على فكرة بقا حرام تقولي يخربيتك عشان ربنا مش بيخرب بيوت، انا بردو اللي هقولك يا شيخة هبة يا بتاعت قال الله و قال الرسول"

تبسمت ضاحكة ترمقه بغيظ مزيف ثم تابع هو:

"و اه عيب تغلطي في امي اللي هي حماتك يعني"

اردفت بلهفة تخبره بصدق:

"انا اسفة والله يا مراد ماتزعلش مني،انا... انا مش قصدي اكيد اغلط فيها بس انت بس عصبتني"

تنهد بعمق على براءتها، ثم عاد يمد يده والبسمة تزين تقاسيم وجهه الفتن:

"لأ مش زعلان بس هزعل بجد لو رفضتي تاخدي دول"

نظرت لما يحمله في يده بحيرة واردفت تقول وهو مازال يمد ذراعه:

"ايوة يا مراد بس مش انت قلت هتتصرف في الموضوع و تجيب لي تليفوني تاني دول بقا لازمتهم اي"

اردف ناطقًا بثبات لكي يذيد من طمأنة قلبها:

"وانا عند وعدي ليكِ، وهعرف مين اللي عمل كده بس الصبر، دول، ده تليفون جديد عشان بعد ما الموضوع يتحل تاخدي اي حاجة مهمة من على تليفونك القديم تنقليه هنا احنا خلاص مش عايزين القديم في حاجة، وده لاب عشان تتصوري براحتك وزي ما انتِ عايزة وتبقي تحطي الصور عليه وتخلي الفون فاضي من صورك كده هيكون امان اكتر ليكِ "

همت تعترض بخجل منه لكن سبقها هو بقوله الخبيث:

"خلاص يا هبة انا فهمت انك مش عايزة تاخديهم عشان مني"

نفت هي بسرعة تلك التهمة التي يلصقها بها ناطقة بتبرير وهي تأخذهم من يده:

"لأ والله مش كده خلاص هاخدهم، شكرًا"

همست الاخيرة بلطف ليقول هو بمزاح:

"لأ انا مش عايز شكر من البؤ، انا عايز حضن اصل بصراحة حضنك بيوحشني"

ضحكت وقبل ان يعطيها فرصة للاعتراض حتى، كان قد اقترب منها وضمها إليه، بينما «هبة» لفت ذراعيها حول عنقه تدفن رأسها في كتفه، تشعر بالراحة والاطمئنان بقربه هو فقط، حضنه هو فقط ما يجعلها تشعر بالأمان تشبثت به _على غير عادتها الخجولة_ وشعر هو بذلك ليعلم كم هي تحتاجه كم هو يحتاجها ايضًا فكلاهما وطن ومَسكن للاخر.

قطع لحظتهم صوت احدهم عكر صفو «مراد» وهو يقول بصوت عالي افزع الإثنين وجلعهم يبتعدوا عن بعضهم:

"قفشتك يابن المنشاوي، انا كان قلبي حاسس ان نيتك مش سليمة من الأول و واد ألعوبان"

تملك الغيظ من «مراد» وهو يهتف بأستهزاء:

"ألعوبان؟! قديمة اوي الكلمة دي ياعم لطفي"

تحدث «لطفي» بتهكم و استهزاء:

"يعني واقف مع البت في بير السلم وواخدها على جمب يا صايع وضايقتك ألعوبان؟!!"

توسعت عيون «هبة» من صدمة حديث خالها لتسمع زوجها يقول بغيظ:

"بير سلم اي بس اللي بتتكلم عنه، صل على النبي في قلبك ياعم لطفي و ارقح كده عشان هتفضحنا في الحارة و البت مراتي اصلا"

صعد لهم «لطفي» المتبقي من درجات السُلم مقتربًا منهم وقال بعد ان نجح «مراد» في استفزازه:

"مش هرد عليك يابن المنشاوي وليك كبير يترد عليه"

اندفع«مراد» في الحديث يقول بتعجب:

"ده كله عشان حتة حضن امال لو بوستها من بؤها بقا كنت بلغت عني بوليس الاداب "

برق «لطفي» عيناه بشر ينظر لابنة شقيقته بمعنى هل حدث شيئًا من هذا القبيل، لتنفي الاخرى بسرعة بخوف وخجل من خالها:

"والله ما حصل حاجة من دي يا خالو"

ارتخت تقاسيم وجهه لكنها تشنجت من جديد وهو يسمع «مراد» يقول بعبث:

"لأ هيحصل، اصل مش هقضيها احضان كده من غير بوس واحنا السكة قدامنا طويلة"

صرخ به «لطفي» من فرط غيظه وهو يرى ابنة شقيقته تبتسم بخجل على حديثه المخل للشرف هذا:

"على جثتي لو الجوازة دي تمت يا مراد"

رسم الاخر علامات الاسى على وجهه مردفًا بحزن مصطنع غلفه التهديد المبطن لحديثه:

"طب ليه الفال الوحش ده طيب، افرض وانت ماشي في الشارع جت كساحة هفتك من على الطريق ومعرفناش حتى نلم جتتك يبقا اي الحل ساعتها بقا"

انتفخ «لطفي» من الغضب و احمر وجهه من فرط انفعاله، وهو يقول بسخط وصوت عالي:

"هي حصلت انت بتهددني يا مراد و في بيتي"

نفى بأدب جعل ملامح الاخر تهدأ ولو بالقليل:

"اكيد لأ طبعًا ياعمي انا مستحيل اعمل كده..."

اومأ له الاخر بشر:

"احسب"

ليكمل «مراد» حديثه المعلق قبل ان يهرب من امام لطفي:

"بس هدافع عن اللي هيعملها"

جحظت اعين «لطفي» بينما فر الاخر و وقفت «هبة» تحاول كبت ضحكها حتى لا ينفعل عليها خالها الذي قال اثناء دخوله للبيت:

"انا عارف حبيتي فيه اي ده؟ حرق دمي اللهي يحرق دمه"

همست «هبة» من بين شفتيها ولم يسمعها خالها:

"بعد الشر عليه من حرقة الدم، ده حبيبي ده"

__:__:__:__:__:__:__:__:__:__:__:__:__:

استقرت قدماها امام المقهى الشبابي وفتحت هاتفها تتأكد من صحة العنوان المرسل لها، ثم اعادته لحقيبتها مرة اخرى، ابتلعت ريقها واخذت نفسًا قويًا لتنعش به رائتيها، عله يخفف من توترها الظاهر هذا، كانت تتحرك بقدم وتأخر قدم، تسير بتردد هل ما تفعله صحيح؟ هل ستترك للشيطان مجالًا يعبث بعقلها ويجعلها تسيء الظن بزوجها؟ هي فقط اتت هنا من اجل ان يرتاح قلبها و عقلها من كثرة التفكير هي بالطبع لا تصدق، ان «احمد» حب طفولتها و زوجها يخونها، واذا كنتِ حقًا يا «علا» لا تصدقي ما اخبرتك بها هذه الفتاة التي لم تراها حتى الآن فما الجدوى من وجودك هنا الآن.

لكن كل شيء ضده وهو لا يعطيها حجة قوية على افعاله الغريبة الفترة الماضية، شعرت بالتخبط وعصفت الأفكار بعقلها ليذيد من تشتت ذهنها، لكن حسمت أمرها وقررت ان تعود ادراجها خشت من هذه المقابلة التي ربما تأكد من وساوس عقلها، تركت العنان لقدميها ولكن هناك من احكم قبضته على عضدها جعلها تلتفت له ثم سمعتها تقول:

"انتِ علا مش كده؟! انا مستنياك من بدري"

تأملت مظهر الفتاة التي ترتدي فستان واسع بأكمام طويلة لونه ازرق مع ورود صغيرة بيضاء وتغطي شعرها بخمار بنفس لون الورود، تبتسم في وجهها مردفة بترحيب تعرفها عن نفسها:

"انا شهد اللي كلمتك في التليفون"

من يعرفها و يراها بهذه الهيئة لن يصدق انها نفسها «شوشو» التي قضت اكثر من نصف عمرها في النوادي الليلية، وبالطبع كان هذا من ضمن الخطة حتى تصدقها «علا» بسهولة وتصدق كل ما تقوله، لم تنطق «علا» ببنت شفة بل ظلت معلقة بصرها بها بعيون حمراء من كثرة البكاء لتقول الاخرى:

"طب مش هندخل جوا، هنفضل واقفين كده"

هزت رأسه بموافقة ثم اتبعتها لداخل، وضع النادل المشروبات فوق الطاولة ثم سأل ان كانا في حاجة لشيء اخر لتنفي «شوشو» بيدها بمعنى لا.

لينفذ صبر الاخرى وهي تتمنى ان تكون الجالسة كاذبة وليس لديها شيء تدين به زوجها:

"لو سمحتِ انا ماجتش عشان اشرب عصير، انا جيت عشان تقولي لي انتِ تعرفي جوزي منين و ازاي تقولي عنه الكلام اللي قلتهولي في التليفون"

ارتشفت «شوشو» من العصير بتلذذ لترمقها الاخرى بأعين مغتاظة لكن عليها التمهل حتى ترى ما لديها من أقاويل، والتي اخيرًا تحدثت:

"معنى انكِ موجودة معايا دلوقت يبقا انتِ كده مصدقاني يعني اكيد هتصدقي اللي هقوله دلوقت حتى لو كان صعب عليكِ تسمعيه"

انتظرت ترى تأثير كلماتها السامة وهي تلقيها على مسامعها ابتسمت بخبث لم تلاحظه «علا» وهي ترى خوفها و ارتباكها من القادم لتتابع باقي حديثها تلقيه دفعة واحدة:

"طبعا اكيد بتسألي ازاي واحدة لابسة واسع زيي وخمار وتقلل من نفسها و تكلم شب وتمشي معاه من غير ما تخاف من ربنا، بس انا ماكنتش كده انا ما التزمتش غير لما احمد بعد عني و سابني وكسر قلبي بعد ماعشمني بحبه وانه هييجي يتقدم لأهلي وانا ماكنتش بعرف انام غير لما اسمع صوته، كان مفهمني انه مش بيحبك ماكنتش اعرف انه متجوزك اصلا وكاتب كتابه عليكِ، قال انه هيتكلم معاكِ و يفهمك انه بيحبني انا وانك مجرد اخت بالنسبة له عشان مايجرحكش، بس لاسف طلع انسان كداب و كان بيتسلى بيا"

تصنعت عدم القدرة على الاكمال بدموع زائفة برعت في إحضارها كأنها تنتظر منها الاشارة في النزول، بينما الاخرى تيبس جسدها، و ألمها قلبها مما تسمعه وبسبب عاطفتها لم تستخدم عقلها وتضع احتمال ان واحد بالمئة تكون الجالسة أمامها كاذبة، ابتلعت الخصة التي تشكلت في حلقها كالاشواك ثم نطقت بصوت ضعيف:

"وبعدين"

كم تود «شوشو» الرقص فرحًا الآن وهي ترى خطتها تنجح لتتابع وهي ترسم الكمد على وجهها مع عبراتها المنسابة على وجنتيها:

"بعدها انا فقت لنفسي وبقيت زي ما انتِ شايفة كده، الحمدلله، انا بعدت عنه بعد ما بعد عني وقلت ربنا يسامحه في اللي عمله فيَ وفي قلبي، بس لما عرفت انه لسه زي ماهو واحد رخيص صعبتِ عليَ اسيبك كده زي المغفلة بعد مايكسر قلبك وهو مدورها من وراك على فكرة انا مش بعمل كده عشان انتقم منه لأ انا خلاص شلت احمد من دماغي انا بس شفت نفسي فيك ومش عايزاك تجربي كسرة القلب زيي"

كم براعة هذه الفتاة في التمثيل لقد ادت دورها بنجاح وهي ترى عيون الأخرى الزائغة في كل مكان، والحزن الذي طغى على معالم وجهها، و جسدها المتصلب وبرودة يديها التي بدأت تسري في كامل أنحاء جسدها ناطقة بصوت متحشرج كمن اوشك على البكاء تحاول ان تنفي كل هذه التهم عن زوجها:

"انا مستحيل اصدقك احمد لو كان زي ما بتقولي كنت انا عرفت من زمان، احمد ماتغيرش معايا غير الفترة الأخيرة بس"

نست «شوشو» الدور الذي تتقمسه ناطقة بطريقتها العادية:

"حقك يا عروسة ماتصدقيش بس اللي مايرجعش يعيط بقا"

عقدت «علا» ما بين حاجبيها من تغير طريقتها الواضحة في الحديث، لتقول الاخرى بسرعة البرق تصحح الموقف:

"قصدي ان اكيد مش هتصدقي واحدة اول مرة تكلميها كان في التليفون و اول مرة تشوفيها هي دلوقت وفي المرتين بتقول لك ان جوزك خاين، انا اكيد جاية وعاملة حسابي انك مش هتصدقي وعشان كده انا معايا الدليل اللي يثبت صحة كلامي، بس للاسف انا كنت مستعجلة عشان الحق درس الدين و نسيتهم في البيت و الدليل ده اسكرينات قديمة بينه وبيني، ده غير الصور اللي مع البت اللي بيمشي معاها "

وقفت «علا» ناطقة بجمود تنهي هذه المقابلة التي اثقل من الحجر على القلب:

"خلاصة القول الحاجات دي تكون معايا امته"

وقفت «شوشو» في المقابل لها ناطقة بهدوء:

"هبقا اكلمك نحدد معاد تاني و نتقابل فيه"

"تمام" 
تمتمت بها وهي تلتقط حقيبتها ثم سمعت «شوشو» تقول:

"مش عايزة تعرفي مين البنت دي"

تطلعت في الفراغ أمامها تقول بقلة حيلة بعد ان شعرت بالخذلان لا تعلم ان الخذلان لم يأتي بعد:

"مش مهم، هتفرق في اي؟"

نطقت «شوشو»بمكر:

"لأ ازاي هتفرق طبعًا، عشان البنت دي تبقا... اختكِ وردة"

كالصاعقة سقطت فوق رأسها و اصابت جسدها الذي خذلها هو الآخر، لتتشوش الرؤية من امامها ولم تشعر بشيء إلا وهي تسقط فاقدة للوعي لتهرب من هذا الواقع المرير الذي يهديها صدمة جديدة، لتصرخ «شوشو» بفزع:

"يخربيتك، هي ما'تت ولا اي، ده اي المصيبة دي"

الفصل الواحد والاربعون من هنا







 

تعليقات



×