رواية أرض زيكولا الفصل السابع 7 بقلم سندي

 




رواية أرض زيكولا الفصل السابع 7 بقلم سندي


فانطبعت الدهشة على وجه خالد , 

و تسرب إليه قلقه حين شعر أن ذكاءه قد قلّ بالفعل منذ دخوله تلك المدينة , 

و أن قدرته على التفكير قد قلّت قليلاً ..و لا يعرف السبب .. 


و لكن ما يقوله يامن لا يصدقه عاقل حتى تذكر شيئاً .. 


فتحدّث إلى يامن :

- كلامك مش صحيح .. 

أنا أكلت و شربت و اشتريت هدومى من غير مقابل ..


فابتسم يامن :

- صديقى .. هل لاحظت وجود الأسعار بالوحدات 

فى تلك الأماكن ؟ ..

فتذكر تلك الوحدات التى سأل نفسه عنها من قبل :

- أيوة


فأكمل يامن :

- وحدات الذكاء لا تُدفع باليد .. إنها تنتقل تلقائياً بيننا .. 

و طالما رأيت تلك الوحدات .. أقصد الأسعار , 

و تواجدت فى تلك الأماكن .. 

هذا يعنى أنك موافق على الشراء و على الأسعار التى رأيتها .. و ينتقل منك ثمن ما أكلته أو اشتريته إلى صاحب هذا المكان دون إرادتك .. 

الغرباء يسمونها لعنة زيكولا .. 


فقاطعه خالد هائماً :

- أنا أكلت كتير .. و الزى ده كان مكتوب عليه أكبر وحدات .. و صاحبه قال إنه أغلى زىّ عنده .. و شكرنى لأننى غنى ..


رد يامن :- بالفعل يا صديقى .. لقد لاحظت اليوم اختلافك قليلاً عن المرة الأولى التى رأيتك بها ..

ثم نظر إلى إياد :

- يبدو أن صديقنا قد فقد جزءً ليس بالقليل من ثروته ...


تساءل خالد فى لهفة :

- و أنت عرفت ازاى ؟


فابتسم يامن :- إن وجهك أصبح شاحباً بعض الشئ يا صديقى .. و أكمل :

- كلما قلّ ذكاؤك زاد شحوب وجهك و بدا عليك المرض .. 

هكذا نعرف من هو الغنى و من هو الفقير .. 

كلما تكسب ثروة تكون طبيعى بل يزداد شبابك .. 

أما حين تخسر فستجد المرض يتسرب إلى جسدك .. 

و هكذا حتى يقترب يوم زيكولا فيقوم الجنود بجمع الأكثر مرضاً بالمدينة .. و يُعرضون على الطبيبة أسيل .. 

و هى من تحدد المريض حقاً و المريض بالفقر .. 

ثم تختار الثلاثة الأشد فقراً ..


فقاطعه خالد :

- لا , دى بلد مجانين .. ثم تركهما و جرى مسرعاً .. 

و قلبه يدق خوفاً , يخشى أن يكون ما قالاه واقعياً .. 

و أكمل جريه وسط الزحام - 

و أهل المدينة يرقصون و يمرحون , 

و بلغت الموسيقى ذروتها - 

يتحرك بصعوبة بينهم , 

و يحاول أن يخرج من هذا الزحام .. 

و يصطدم بالفتيان و الفتيات دون أن يعتذر .. 

ما يشغل باله أن يخرج إلى باب زيكولا .. 

و واصل جريه بعيداً عن أرض الاحتفال .. و يحدّث نفسه :

- مش معقول يكون ده صحيح .. مش معقول ..

و تعدو قدماه مسرعتين .. حتى اقترب من باب زيكولا , 

و قد ظهر العرق الغزير على جبينه .. 


فوجده قد أُغلق بالفعل و تواجد أمامه الكثير من الحرّاس .. فاقترب خالد من أحدهم ,كان ضخم الجثة .. و قال :

- أنا عايز أخرج ..


فضحك الحارس ساخراً :

- تخرج ؟!!


فصاح خالد : أيوة .. أخرج


فضحك الحارس مجدداً .. ثم نظر إلى حارس آخر , و حدّثه :

- إننا نترك احتفالات زيكولا و نقف هنا حتى يأتى السكارى .. و يعبثون معنا ..


فصاح خالد :

- أنا مش سكران .. أنا هخرج .. و دفع الحارس بيده .. فظهر الغضب على وجهه ثم لكم خالد لكمة قوية أعادته خطوات للخلف و سقط على الأرض و سالت دماؤه من حاجبه الأيسر .. فنهض على الفور , و عاد و وقف مرة أخرى أمام الحارس .. 

و لكنه نظر إلى درعه الذى يحمله و كان لامعاً كالمرآة .. 

و أمعن النظر به إلى صورته المنعكسة .. 

فاتسعت عيناه خوفاً , و تسارعت أنفاسه و خفق قلبه بقوة حين رأى وجهه شاحباً .. حتى قاطع تفكيره صوت الحارس الغليظ :


- عد إلى حيث كنت و إلا سيكون السجن مصيرك ..

فنظر إليه خالد خائب الأمل , واضعاً يده على حاجبه .. 

يريد أن يوقف دماءه .. 

و أدرك أن هذا الباب لن يُفتح كما أخبره إياد .. 

و أن حديث يامن إليه ما هو إلا الحقيقة التى خشيها ..


بعدها عاد إلى شوارع المدينة .. يسير هائماً , 

يفكر كيف سيعيش عاماً فى تلك البلد الملعونة .. 

و يسأل نفسه ؛ عام ؟! .. 


إنه لم يستطع أن يعيش يوماً واحداً .. و عاد بتفكيره ؛ ماذا لو مرّ العام و كان أفقر من بالمدينة ؟ .. 

ماذا لو كان الأغبى ؟ , و علا صوته و سأل نفسه :

- و جدّى ؟! هيقدر يعيش سنة من غيرى ؟ .. 

أنا كنت بقول يومين أو تلاتة و أرجع له ..

- سنة ؟!! هعيش هنا سنة ؟!


و ظل هائماً هكذا حتى أفاق حين صدمه حصانٌ , 

كان الحصان الذى يجر العربة الثرية - عربة أسيل - 

فصاح به سائقها يعنفه .. و توقفت العربة , 

و نزلت منها أسيل على الفور لتطمئن عليه .. 

و لكنه غادر شارداً .. و رغم نداءها إليه كثيراً 

فقد أكمل مسيره دون أن يلتفت .. فعادت إلى عربتها, و حدّثت نفسها :


- لو كان شخصاً آخر .. لطلب تعويضاً على ذلك .. 

ثم أمرت السائق أن يتحرك من جديد ..


مرت ساعات و خالد مازال يسير بالمدينة .. 

و لم يتوقف عقله عن التفكير .. 

حتى وجد نفسه يقترب من بحيرة واسعة .. 

فأسرع إليها و حين تذوق ماءها وجده عذباً .. 

فشرب منها كثيراً .. ثم أسند ظهره على شجرة بجوارها .. 


و ضحك حين جال بخاطره أن يأتى والد منى 

إلى تلك المدينة .. و أقسم أنه سيذبح على الفور .. 

حتى منى لو جاءت ستُذبح هى الأخرى .. 

يتذكر أصدقاءه و أنهم لا يمتلكون من الذكاء شيئاً بل سيذبحون كلهم .. ثم ضحك و حدّث نفسه ساخراً :


- عايز آكل مقابل وحدتين ذكاء ..

ثم ضحك مجدداً حين تذكر أحد أصدقائه .. 

و كان سميناً للغاية و يأكل كثيراً .. 

و أنه لو كان بزيكولا لفقد ثروته كلّها مقابل أن يأكل .. 

ثم تحدث إلى نفسه :


- بتضحك يا خالد .. فعلا مصرى ابن مصرى .. 

نضحك فى أشد أوقات الكرب .. ثم سأل نفسه :

- هتعمل إيه يا خالد ؟


فأجاب نفسه .. و كأنه شخص آخر :

- هعيش زى الناس هنا .. أنت قدامك حل تانى ؟ 

فردّ كأنه الشخص الأول :


- لا ..

فابتسم .. و جعل صوته غليظاً :

- يبقى تكيّف مع الوضع .. و أهلا بك فى زيكولا ..

بعدها نظر إلى السماء التى خيّم عليها الليل فوجد ألعاباً نارية غريبة عما يعرفها تزينها , فابتسم :


- يوم زيكولا .. ثم أكمل بعدما صمت برهةً:

- كلها ساعات و ينتهى .. و أشوف زيكولا على طبيعتها ..


ثم نظر إلى البحيرة و إلى شاطئها فلم يجد أحداً غيره .. فوجدها فرصة أن يستحم .. و ما إن تجرد من ثيابه .. 

و كاد يكون عارياً تماماً حتى شعر بحركة غريبة .. 

و سمع همساً و بعض الضحكات فالتفت 

فوجد فتاتين تنظران إليه .. 

فارتدى ملابسه على الفور , 

ثم أسرع عائداً إلى الشجرة مرة أخرى 

و أسند إليها ظهره من جديد .. و حدّث نفسه مازحاً :


- لا .. أنا بقول أنام أحسن ..


مرّ الليل , و أشرقت الشمس ..  










و خالد نائم بجوار شجرة شاطئ البحيرة .. 

حتى انتفض حين سمع صرخات .. 

و حين نظر بعيداً وجد امرأة تصرخ بأن ابنها يغرق فى البحيرة .. فأسرع إلى الماء بملابسه .. 

يريد أن يصل إلى ذلك الفتى , و الذى كان بعيدا ًبعض الشئ .. و لم يتخيل أن تكون البحيرة عميقة هكذا .. 

حتى اقترب منه فجذبه تجاهه , 

و عاد به مرة أخرى إلى الشاطئ .. - و قد فقد الفتى وعيه , و لم تتوقف أمه عن الصراخ -.. 

فأرقده على ظهره .. و بدأ يضغط بيده على صدره .. 

يريد أن ينعش قلبه .. 

يضغط بعض الضغطات المتتالية ثم يضع فمه على فم الفتى و يملأ صدره بالهواء .. 

ثم يعود ليضغط بعض الضغطات مرة أخرى .. 


و اجتمع الناس من حوله , و بينهم أسيل التى أسرعت إلى الفتى و طلبت من خالد أن يبتعد عنه لكنه لم ينظر إليها و لم يرفع نظره عن الفتى .. 

و أكمل ضغطه على صدره و إعطاءه من أنفاسه .. 

حتى شهق الفتى .. 

و شعر خالد بنبضاته حين وضع أصبعيه على رقبته .. 

فحمد الله ثم نظر إلى أمه قائلاً :


- الحمد لله .. هو بخير .. 

فنظرت إليه الأم باكية , و احتضنت ابنها :

- شكرا لك .. ثم سألته :


- كم تريد مقابل هذا ؟

فأجابها :


- أنا مش عايز حاجة .. أى حد مكانى كان هيعمل كدة .. 

خدى بالك منه بعد كدة .. , 

والناس ينظرون إليه فى غرابة .. 


حتى سألته أسيل :

- كيف فعلت هذا ؟! .. و لماذا لم تتركنى أساعدك ؟!

فرفع خالد رأسه .. 

و نظر إليها للمرة الأولى بعدما لم يفارق نظره الفتى حين كان ينقذه , و فوجئ بأنها صاحبة الصوت الذى طلب منه أن يتركه .. فشعر بقلبه يخفق سريعاً حين وجدها قريبة منه إلى هذا الحد .. لا تفصلهما سوى أقل من خطوة .. 


و حدّث نفسه فى سره ؛ 

أنها جميلة جمال لا حدود له , 

و نظر إلى شعرها الأسود الطويل , 

و عينيها الضيّقتين و رموشهما السمراء الطويلة .. 

و تذكر ضحكتها حين كانت ترمى الورد , 

و تضيق عيناها كلما ضحكت فتزيد جمالها جمالاً , 

و لاسيّما مع شفتيها الرقيقتين .. حتى نطق هامساً :


- أسيل !! ..

ففوجئت هى الأخرى بأنه من تجاهلها , 

و مضى حين اصطدم حصان عربتها به .. فسألته :


- كيف فعلت هذا ؟


فضحك :

- أول مرة أحس إنى اتعلمت حاجة مفيدة .. 

دى دورة اسعافات أولية كنت اتعلمتها فى القاهرة .. 

ثم أسرع , و أخرج وردة من ملابسه المبتلة .. 

و التى قد التقطها فى اليوم السابق .. 

و نظر إليها مبتسماً :

- دى وردتك .. أنا محتفظ بيها ..


فتجاهلت حديثه عن الوردة .. و سألته :

- لماذا لهجتك غريبة .. ثم أكملت :

- و أين القاهرة تلك ؟


فابتسم :

- دى قصة غريبة جداً .. و أكيد مش هتعرفى القاهرة .. 

أنا مش من زيكولا .. ثم أراد أن يتحدث إليها بلهجتها فأكمل :


- لست من زيكولا .. و قد دخلت إلى زيكولا أول أمس .. 

و لم أكن أعرف أن بابها سيُغلق ..

فصمتت أسيل كأنها تتذكر شيئاً ما .. 

ثم نظرت إليه , و قالت :


- مثلى تماماً ..

                الفصل الثامن من هنا 

بدل ماتدور وتبحث علي الروايات خليها علي تليفونك وحمل تطبيقنا

تحميل تطبيق سكيرهوم
تعليقات



close
حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-