رواية صمت الفتيات الفصل الحادى عشر بقلم خديجة السيد
كنت أسير بخطوات بطيئه بتثاقل شديد بعد انتهائي من يوم العمل الشاق وبعدها دلفت بداخل المترو لاذهب الي المنزل تمنت لو بعد لحظات قصيره جدا اجد نفسي في المنزل من كثر التعب الشديد الذي اشعر به حتى اسقط على فراشي واسافر في سبات عميق.
كنت مرتدية بلوزة حريرية باللون الكشميري و بنطلون أسود قماش واسع قليلا واحمل حقيبة يدي صغيرة بنفس لون البلوزة، مع الحجاب الاسود يغطي خصلات شعري و وجهي الطبيعي دون تجميل.
نظرت حولي ولما اجد مقعد خالي بداخل المترو ولم افكر في الامر كثيرا حيث تقدمت لا اقف بجانب زوايا اسند عليها بظهري، وانا افرك وجهي وتنهدت بثقل وقد تذكرت احداث اليوم في المدرسه التي اعمل بها مدرسه فنون جميله وقد كانت هذه الرحله وهميه بالنسبه لي قبل سنوات فقط، فعندما التحقت بالكليه بعد اتمام تعليمي بالثانوي اجتاحت لمجهود جبار مع والدتي وابي أيضا، حتي يتركوني اكمل مسيرتي التعليميه كما افضل واحب انا، و جاء الجهد الاكبر حين قررت الالتحاق بالجامعة وكان اقناع والدتي بالذات ليس بالهين بتاتاً لانها كانت تعمل مدرسه ايضا لكن لغه عربيه، لذلك كان لديها امل كبير ان التحق بنفس الوظيفية واكون مدرسه لغه عربيه مثلها، لكن أنا كان لي راي اخر وقد احببت مهنه الرسم منذ طفولتي، وبعد معاناة فأنا الابنه الوحيده لهم وافقوا على ذلك.
وسرعان ما ظهر طيف مشوش داخل عقلي و اخذت أتذكر احداث طفولتي التي لم احب ان اتذكرها يوماً مطلقاً التي تسببت لي بالكثير من المعاناه والجروح التي لم تشفى حتى الان؟
ولا تفارق عقلي ابدا لذلك دائما اصبح شاردة الذهن وبصحه غير جيده وعدم اتزان نومي في الفتره الاخيره، وما هو يؤلمني اكثر انني لم استطيع البوح بما داخلي؟ لمن؟ أو لماذا أتحدث اذا كان الوضع سيستمر كما هو دون تغيير!
أفقت فجاه على صوت رجل يتحدث بخشونه بجانبي إلي لم انتبه في البدايه ماذا يقول؟ لكن عندما نظرت اليه وجدت رجل في عمر الخمسون تقريبا لكن كان يبدو عليه الشيب المبكر وملامح وجهه الظاهره بها تجاعيد، ابتسم بطيبه وهو يقول بنبرة حنونه
= مالك يا بنتي سرحانه في ايه عمال انده عليكي شكلك تعبان قوي تعالي اقعدي جنبي في مكان أهو، وبعدين شكلك تعبانه خالص،
تعالي يا بنتي اقعدي جنبي انا زي والدك
تطلعت فيه مترددة قليلا وهو يبادلني النظره بحنان وابتسامه دافئه، تقدمت نحو المقعد في صمت بعد أن شكرت الرجل بامتنان شديد فانا حقا كنت بحاجه الى الاسترخاء، وجلست بتعب شديد أعلي المقعد وأنا أغمضت عيني اتنفس بهدوء واستمرت في فرك كتفي من الالام الذي اشعر بي، وبعد عشرون دقيقه تقريباً شعرت بشيء لم يكن غريب عليه؟
فانتفض جسدي وكنت خائفه تماماً وفتحت عيني علي واسعها ولم اتجرا على النظر إليه، حاولت ان ابتعد بهدوء وصمت حتى اتفادى ما يفعله بي دون أي حديث قد ينكأ جراحي، وقلت إلي نفسي من الممكن ان اكون اتوهم لا اكثر! وقلت الى نفسي من المستحيل ان يفعل رجل بهذا العمر شيء كذلك.
لكنه لم يتوقف بل فعلها مره ثانيه وقد تمادي أكثر وحاولت مره ثانيه و ثالثاً ان اتفادى اكثر من مره ولكنه كان هو شبه لديه اصرار رهيب علي لمسي، اخذ رعبي يهدأ قليلاً وانا اقنع نفسي انها مجرد تهيئات ولكن اي تهيئات تلك؟! حين شعرت بلمسات خفيفه علي طول ذراعي بينما بدأ الأمر يتمادى أكثر و أكثر وهو يصدر صوت مقرف بتلذذ وتمهل وكأنه يستمتع بما يفعله
لم اعلم هل انهض؟ أم اظل جالسة حتى يتوقف هو من نفسه؟ شعرت بالارتباك بضع ثوان ثم أنبت نفسي علي التخاذل سريعاً هكذا وحاولت التماسك او هكذا هيئ لي، أجفلت جفني ووجلت نبضات قلبي في وهن شعرت بأني سانهار حتما، لا اريد ذلك ان يحدث لي مره ثانيه واستقبل ذلك كعادتي بالصمت الذي لم يفيدني مطلقاً بل على العكس تماماً يضرني اكثر واكثر.
حاولت ان اقاوم من داخلي رغبتي في الاستسلام ولم اعلم كيف اتت من الجراه وامسكت يده بعنف حتى يتوقف، ونظرت له حتي تنبه الراجل العجوز وهو يلتفت نحوي وشعرت باحتياج للتأهب لما قد يحدث ولكن عندما تلاقت الأعين ،كانت نظراته كفيلة بأن تبوح بكل شيء لم يعد هناك أي داعي للحديث أو الشك لما يحدث الان؟ فهو الان بالفعل يتحرش بي؟ يتحرش بـي شابه في عمر ابنته تحولت نظراتي إليه إلي اشتمزاز وقرف وانا عقلي يحاول استوعب الأمر؟ لكن ما تألمت لاجله هو نظراته إلي كانت قويه جدا لم يهتز كانه لم يفعل شيء مخجل أو محرم؟ وانا المجني عليها خائفه منه بشده كذلك، وسالت نفسي الى متى سيظل هذا الوضع يتم قتلي بالبطيء والمذنب هو من معه الحق؟ هل هذا هو عدل الله حقا حين قال استوصوا بالنساء فالبتاكيد لا؟ اذا لماذا ليس انا من معي الحق؟
كان ذهني مشتت تماما ،افكاري مبعثرة في تلك اللحظة برعب وحيره، لذا حاولت أن استجمع كل قوتي قبل أن اخذ أي رد فعل، فيكفي الي هنا لقد صمت بما يكفي فيجب ان اكون في تلك اللحظه، صلبة.. قوية ..لا يجب أن اضعف، الحق معي انا الجاني عليها وليس المذنبه؟ وبعدها لم افكر في الامر ولا ثواني حين نهضت وصفعته على وجهه بكل قوتي!
ساد صمت رهيب بداخل المترو لكن انا عيني كانت مصوبه تجاهه هو فقط وانا ارى صدمه كبيره علي وجهه لكن لم تكن الصدمه من نصيبه هو فقط بل انا ايضا صدمت من نفسي ومن ردت فعلي اخيرا وقد اخذت حقي حتى لو لي مره واحده في حياتي؟ ولكن قبل ان افرح بانتصاري حدث شيء لم أكن اتوقعه في حياتي؟
أصدرت شهقه مصدومة عندما رأيت الرجل العجوز وهو يبكي مثل الاطفال فجاه دون مقدمات وبعدها بدا الجميع ينظر إلي نظرات دهشه وغضب عارم مني وتقدم رجل إليه وهو يقف جانب الرجل العجوز يحاول يهديه لكنه دون فائده فالرجل العجوز استمر بالبكاء بطريقه تثير العطف والشفقه تجاه ثم تطلع فيه الراجل الأخري بضيق شديد وقال بعدم رضي
=ليه كده يا بنتي حرام عليكي في حد يعمل في راجل كبير كده، عمل لك ايه بس كده؟
حاولت ان اشرح الامر بسرعه لكن اتسعت حدقتي بصدمه وعدم استيعاب وانا ارى سيدات تنهض بهجوم نحوي وأحدهم تصيح بعصبية حادة وعنف
=هو حضرتك لسه هتسال ليه كده يا شيخه حسبي الله ونعم الوكيل فيكي وفي اللي زيك احنا مش عارفين الجيل ده بقي ماله، ما بيحترمش الاكبر منه ولا بيحترم حد، وكمان وصلت بيكي تمدي ايدك على راجل كبير هنروح منكم فين ده احنا في اخر الدنيا
نظرت السيده الاخرى بنظرات مقرفه إلي وهي تتحدث بحده كبير
=على رايك والله ده احنا بنشوف العجب من بنات الايام دي بالذات قدك ده عشان تمدي ايدك عليه لا اله الا الله امال بتعملي ايه في امك وابوكي اللي مش عارفين يربوكي، قولي بقى عملك ايه عشان تعملي فيه كده.. ايه سرقك ولا عمل لك ايه يا مؤذيه عشان تضربيه بالقلم
ثبت وكأني كالصنم لا يستطيع التحرك ولا حتي تحريكه و ترفرف الدموع بعيني تلك اللحظه وأنا اري ان الجميع يدافع عن المتحرش دون ان يعطوني الفرصه للتحدث حتى ولا يسمعوا اي مبررات لديه، حاولت الصراخ ولكن بلا فائده ايضا ..فقد عُقد لساني اخذ صدري يعلو ويهبط بعنف اشعر بتنميل في سائر جسدي والرجفه تتملك مني و قدمي لم تعد بإمكانها حملي لم اعلم كم ظليت علي حالي هذا ارتجف داخلياً واشعر بثقل انفاسي لا استطيع التنفس بشكل طبيعي واطرافي ترتعش خوفاً، فتحت فمي ودموعها تنسدل علي وجنتيها بخوف وذعر فلاول اول مره يحدث معي موقف مثل ذلك
=لا ما سرقنيش بس عمل الالعن من كده عمال يتحرش بيا ويمد ايده عليا أكتر من مره.. ده راجل مش كويس ولا محترم
نهض الرجل العجوز وإبتلع ريقه بصعوبة وهو يشاور علي نفسه بصدمه زائف ودموعه مزالت تتساقط بقوة ليقول بنبره مرتعشه وقد تيقنت الان أن الجميع معه وهو يحاول قلب الموازين لصالحه
=انا يا بنتي كلمتك ولا جيت جنبك ده انتي صعبتي عليا لما شفتك واقفه تعبانه ومش قادره تصلبي طولك من التعب، وقلت لك بكل حسن نيه تعالي اقعدي جنبي انتي زي بنتي تقومي تتبلي عليا اني بتحرش بيكي انا هعمل حاجه زي كده وانا في السن ده برده
دقات قلبي كانت تتسارع لتعلن الحرب عليا ومعدتي تنكمش من الداخل كأنها تريد أن تعتصرهني ،الا يكفيني ما أنا فيه، أخفضت بصري وانا في حاله ذهول تاما لما الجميع يدافع عنه رغم انهم ليس معهم دليل، او اذا كان الدليل اني فتاه فذلك يكفي لهم؟ ظليت التهم الجميع بعيني وكأني أبحث عن طوق النجاة لي من اي شخص بين الموجودين بداخل المترو حتى لو واحد فقط يقف ويدافع عني لكني لم اجد مع الاسف الشديد غير دفاع بشكل رهيب ضدي انا! حتى اجبرت نفسي على الحديث لاكمل ما بداته وإجابت بصوت غير متزن بجفاء
=ايوه عملت اقسم بالله انت كذاب و واحد مش كويس ..هتروح من ربنا فين
نهض فجاه راجل في سن الاربعين نحوي ونظر لي بعينين لا يخضعان وقلب لا يلين بعطف نحوي و كانت نظراته مليئة بالتحدي والقوة حين ارتعش جفني و جسدي حين نظر لي بتحدي أقوي قائلاً بتهديد.
=يا بنت عيب كده احنا ساكتلك عشان انتي بنت وأنا بنفسي فعلا سمعت الرجل وهو بيقول لك تعالي اقعدي جنبي عشان صعبتي عليه، ممكن يكون بيتهيالك ولا حاجه وعيب تغلطي في واحد قد ابوكي
لترفع سيده أخري بصرها نحوي بغضب شديد وثبات قائلة بحده
=يعني دي جزات الراجل انه حب يعمل خير.. بس يا حاج بطل عياط حقك علينا احنا انت زي ابونا برده
اخذت الرجل العجوز يصرخ بكلماته وهو يهز رأسه بهستريا وببكاء حار حتي يتعاطفون معه
اكثر.
=والله يا ابني ما عملتلها حاجه والله يا جماعه وحياه بناتي صعبت عليا عشان كده قلتلها تعالي اقعدي جنبي وانت بنفسك سمعتني بقول لها كده، انا تتهمني بتحرش بيها وانا في السن ده و تهين فيا وتقول عليا كذاب.. هي الدنيا جرى فيها ايه بس الواحد بعد كده ما يعملش خير في البلد دي.. هاتوا مصحف احلف لكم عليه ان انا مظلوم وما لمستهاش ولا قربت من جنبها، صدقوني يا جماعه انا مش كذاب عيب لما عيله زيها تهني بالشكل ده ليه بس يا بنتي
حركت راسي بغضب وعدم تصديق لهذا الرجل العجوز وتصنعه الدائم فقد في لحظات انقلبت الموازين وأصبح هو المجني عليه، حاولت الصراخ مثلهم فأنا الحق معي ولكن أنعقد لساني وقد فاض بي الكيل ونظرت حولي مره اخري بشفاه مرتعشه
في حين هز أحد الموجودين رأسه بأسف شديد ثم تقدم نحو الرجل العجوز و امسك بيده وأجلسه علي الكرسي المقابل له، وهو يجول ببصره في المكان ثم قال بجدية وكانه يوجه للجميع رساله ان ما يحدث هذا عيب في حقنا احنا ايضا حتي يتحركوا.
=معلش يا راجل يا طيب تعالي اقعد جنبي انا، انت زي ابويا برده وما يرضنيش حد يهينك وانا موجود
ظليت ابحث في وجه اي شخص عن أي بارقة أمل ولكني لم اجد لكني شاهد شيء اخر المني أكثر، نظرات بعد الفتيات بعجز وقله حيله مثلي هم خائفون أن يتحدثون او حتى يدافعون عني، وقد عرفت قيمه المعاناه الحقيقيه التي تتعرض اليها الفتيات حين التحديث، وهو الخوف وعدم الامان من ردت الفعل بعدها هل سيصدقها احد ام سيحدث ما يحدث معي الان، لذلك عرفت لما كل فتاه تفكر مليون مرة قبل أن تتحدث! حتى لو كانت التي أمام سيده مثلي
فـ الصمت سيكون دائما هو ردت الفعل الينا.. فاذا كنت اليوم لاول مره تجرات وتحدث ودافعت عن نفسي فسوف أتراجع في التفكير بعدها اكثر من مره مثلهم حتي ابوح بما داخلي.. فالمجتمع هذا ما يريده صمت الفتيات وليست أنا.
وبعدها لم يعطيني أحد فرصه للحديث وجذبتني نفس السيده نحوها بقوه وعنف حتى كادت أن أسقط بالأرض من جذبها إلي وشعرت بالرعب الشديد في هذا الموقف لم انساه في حياتي ابدا، كان مؤلم وجع رهيب! ابشع ما تعرضت له في حياتي
وفي نفس اللحظه توقف المترو في محطه ما لينزل بعض الركاب لكن لم تكن هذه المحطه ما أريد الهبوط منها لي ارى السيده التي كانت تجذبني وتضغط على ذراعي بقوه شديدة دون عطف أو شفقه تجاهي و دون مقدمات كانت تدفعني للخروج للخارج المترو بقسوة شديدة وهي تصرخ بصوت غليظ
=هي وصلت بيكي كمان هتتبلي علي الراجل منك لله يا شيخه إلهي ربنا يبتليك بنصيبي، حسبي الله ونعم الوكيل فيكي ربنا على الظالم والمفتري.. يلا غوري من هنا و روحي شوفيلك اي مصيبه تانيه توصلك مطرح ما انتي رايحه داهيه ما ترجعك يارب
انغلق الباب وبدأ يسير المترو لبعيد وشهقت فجأع حتي كنت سوف أسقط لولا حاولت الثبات لكن كانت الآلام تملئ عيني وانا أري الجميع حولي ينظرون إلى بدهشة وفضول وكأني كنت اغوص تحت سطح الماء ثم خدلت قدمي تحتي ولم تقدر علي حملي لي اسقط علي الارض ودموعي تسقط بغزارة دون توقف وانا ابكي بصوت عالي باشفاق علي نفسي من الاهانه والذل التي تعرضت لهما.
وكل ذلك لاني خرجت عن القاعدة و كسرت الصمت، على عكس مثيلاتي، ضحايا التحرش الجنسي وكان قد كان المقابل جزاتي واتهامي بتعدي على رجل مسن واني غير محترمه، لذا يُكتم صوت الحقيقه !! وهنا وثيقة إحتجاج ضد المجتمع وإزالة الأقنعة الزائفة فلا يوجد مجتمعا فاضلا وطاهرا ومثاليا كما نصور أنفسنا نحن المجتمعات الشرقية الذي دائما وابدا يكون الحل بالنسبه إليهم "صمت الفتيات"
ضغط حمزه على فكيه بقوة وهو لا يزال لا يصدق ما سمعه مني وإني قد تعرضت للتحرش الجنسي مره ثانيه وقد عشت هذه التجربة المؤلمه مره اخرى! ثم همست بشفيتن المرتجفة
= طول الوقت لما أي بنت بتتعرض للمواقف اللي زي كده بنحس بالعار بس من ايه محدش عارف منا ولا حتى أني عاوزه احكي بس مش قادره لاني حاسه ان ما حدش هيفهمني
مسحت دموعي وقد تنسيت الألام التى تعصف بجسدي وقلت بوهن
= الخذلان اللي واجهته في الموقف ده كان صعب.. وان ازاي اواجه القرف والوجع دي اصعب حاجه في الحياه! انك تواجه الوجع اللي جواك.. نفسي بجد اعيش حياه ما فيهاش خوف ولا قلق من الناس
لن يفهمنا أحد ، جميعهم يظنون أننا نبالغ ، جميعهم يتهموننا بالبؤس ، جميعهم فلاسفة حينَ لا يخُصهم الأمر ، يعتقدون أنّ الحل سهل ، لن يشعر أحد بما نشعر به ، فنحنُ نتحدث عن أمر أشعلَ في قلوبنا ناراً صعب إطفائها ، أمر جعلنا نشفق على أنفسنا من شدة قسوته ، أمر قطعنا فيه آلاف الأميال تفكير ولم يمشوا فيه خطوة واحدة ..كم هائلة تلك المسافة بين ما نشعر به وبين ما نستطيع شرحه للآخرين لذا توقفنا عن الحديث فلا تلومونا ، لا أحد يهتم ، وحدها قلوبنا التي تحترق.. و هؤلاء الذين نرتدي أقنعة لنرضيهم.. أو نخفي حقائقنا خوفا من نظراتهم الينا .. لا يستحقون الشكر ولن نسعد هكذا معهم أبدا.
اكملت حديثي وقد اغمقت عيناي بالألم
= انا جايز اكون مغلطش بس انا قبلت بالغلط و متكلمتش و هو ده عين الغلط ..انا سكت لما كان مفروض اتكلم.. و ما تكلمتش في الوقت اللي كان مفروض اقول فيه لأ..
فرت الدماء من عروق حمزه و قد شحب وجهه بشدة فور ادراكه ما نطقت بتلك الكلمات المؤلمه امامة ليصمت عاجز على الرد فلا يعرف ماذا يجب عليه أن يتحدث حتي يخفف عنها؟ لكن دائما يقف امامها متجمد وهو يستمع الى معاناتها الصعبة فهي بالتاكيد تمتلك قوه خارقه داخلها لتتحمل كل هذا الالام، فهو لم يري في حياته فتاه مثلها ما زالت تصارع مع الحياه بعزيمه رغم كل ما حدث لها.. تنهد بعمق شديد وقال بصدق
= عارفه يا ريحانه ساعات بقف قدامك في نقط كتير ومبقاش عارف ارد عليكي او اقول لك ايه ممكن يهون عليكي لانك بصراحه بتتكلمي في حاجات مهمه جدا وللاسف ناس كثير بتعاني منها وبتسكت وبنبقى خايفين نواجهه
نظرت إليه ثم اطلقت صيحة عالية ساكنة تخرج من عمق نزيف قلبي الذي بدي كالثور الهائج..انهكتها الحياه و نجحت في تدميري...
حمحم حمزه قائلا باستفهام حتي يغير الموضوع
= مش عايزه تكملي قصتك للناس انا زي ما وعدتك مستمر بالنشر والناس بقت شبه تقريبا مستنين بفارغ الصبر تسمع باقي الحكايه؟.
مرت هكذا جميع السنوات عليا وانا اكبر؟؟ أصبحتُ قليلة الكلام مع الجميع وكثيرة الشرود ، هادئة بمظهر ثابت رغم الضجيج الذي يسكُنني حتى اعتقدوا اهلي اننا انطوائيه ولا أحب الجلسات الاجتماعيه مع الاغراب قبل عائلتي نفسها، لم أعُد أجيد الإقتراب من أحد وماعادت التجمعات تجذبني ، أصبحتُ أخاف من عائلتي و العلاقات ورسم أحلام ورديّة ، أميل دائماً إلى الوحدة رغم كوني ليست المخطئه ، هكذا سارت الأمور معي وانا اكبر، تغير كل شيء بلحظة، لقد أعطَيت كل الأشياء الجيدة دفعة واحدة وردت إلَيَّ بكل السوء الذي يسكُن العالم أجمع..لست بنادمة أبداً ولكن ما يؤلمني أنّ كل شيء سكبت عليه من روحي رحل ، كأنّ روحي المنهكة أصابت كل من ألفَها..
وكل فتره كنت.. أحتاج فقط من حين لآخر أن أنعزل و أبكي كثيراً ، و أحتاج أن أتنازل عن قناع القوة الذي أرتديه .. أنا بخير و لكني أحتاج أحياناً أن أعبر عن كوني.. لست بخير ...!!
مررتُ بلحظات شَعرت فيها أن مَخزوني من التحمل قد نَفذ واني لن أَحتمل أكثر من ذلك، خسرتُ كل شيء، شعرت كثيرًا أنها نقطة النِهاية، وأنّ نِهايتي قد حانت، لكن لا شيء من هذا حدث. لم أَمُتْ.. وها أنا أحتمل أكثر، والآن وبمرور الخسائر أتعلم جيدًا من أكون، أُدرك حجم قوتي، وأَعرف جيدًا أنه مهما فسد كُل شَيء يجب أن أنجو.
كبرت حتي دخلت الى الجامعه و كنت و مازالت دائما ابتعد عن الجنس الاخر، اشعر دائما بالخوف و الاضطراب لما هو قادم؟ لم أكون صداقات مع فتيات ولا مع شباب كنت في الماضي امثل اني انطوائيه ولا احب العلاقات حتى اصبحت بالفعل لا أحب العلاقات مع الاغراب ولا الاقارب.. وفي نهايه اليوم اختبئ في حضن الصمت حين ادرك بأن ما احاول شرحه لن يفهمني احد مُطلقاً.
وضع والدي فنجان القهوة أعلي الطاوله بعنف مكتوم قائلا بحده
= وبعدين يا ريحانه ده خامس عريس ترفضي ويكون كويس وما فيهوش عيب وأحد وحش وانتي برده ترفضي من غير حتى ما تقعدي معاه ولا حتي تشوفيه، هتفضلي كده لحد امتى؟
أخفضت بصري وانا اجيب عليه بصوت مخنوق
= لحد ما ياجي نصيبي انا قلت لكم مش مستعجله على الموضوع مش عارفه ليه انتم اللي مستعجلين ومصممين تجوزوني بالغصب
ظهر الغضب والضيق علي ملامح والدي قبل أن يتحدث قائلا بصرامة
= سامعه بنتك يا نشوي بتقول ايه؟ طب ردي عليها أنتي، احنا لحد دلوقتي غصبناها على حاجه، وانا لو كنت بفكر بالطريقه دي كنت زماني جوزتها من غير حتى ما اخذ رايها ولا واقعد في الشهور احايل فيها عشان توافق تقعد مع اي عريس وتشوفه بس
تنهدت أمي قليلاً وهي تنظر إليه بعدم رضي وتهتف بجديه
= يا حبيبتي هو حد دلوقت غصبك واحنا صحيح لو عاوزين نغصبك ما كناش اخذنا رايك كل الحكايه نفسنا نفرح بيكي وانتي فعلا على راي ابوكي زودتها قوي عماله ترفضي في العرسان من غير ما تقولي لينا اسباب مقنعه
نظرت إليهم مطولاً قبل أن انهض واتحدث بعصبية
= في إني مش مرتاحه ومش بفكر في الجواز دلوقتي حلو كده ده سبب كفايه ومقنع ليكم ولا لاء؟
كنت لستُ بخير هذه الفترة ولا أحد يعلم ما انا بي ، أفكّر كثيراً ولا أنام جيداً ، سُكوتي مفاجئ ودقات قلبي موجِعة ، أتألم كثيراً لكن بصمت ، لم أرغب في مجاورة أحد ولا المَيل على كتف أحد ، لم أرغب في أن يكون لروحي رفيق واتحدث معه ، لم يعد تسعفني المحاولات حتى مع أحدهم بينما بعد ذلك نعود غرباء كما كنّا ، ما فائدة أحد بجانبي وكل ليلة لا يُجاورُني سوى البكاء والخيبة.. لستُ بخير أبداً ولكن إن سالني احد ساجيب أنني في أحسنِ حال..
لم يتوقفون عائلتي حاول موضوع الارتباط وكل ليله يتناقشون معي بالهدوء والشد حتى اقتنع واوافق علي أن ارتبط بشخص ويصبح زوجي ورفيقي في الحياه!! كانت بالنسبه لها ستكون فرحه كبيره لكن اليه ستكون نكته سخيفه، فكيف ان ارتبط بشخص وانا داخلي كل ذلك الاسرار الخفيه اعتقد يجب ان اصارحه اولا؟ وهذه كانت اصعب خطوه إليه! فكيف اتحدث وانا اعاني من الصمت كل ليله.
بعد مرور شهرين لم يكن امامي غير الموافقه حتى اتخلص من كثره الحديث والشكوك حولي وارتبط بشخص يكبرني بثلاث سنوات إبن صديق لي والدي لكن كانت هذه اصعب فتره إلي لأن اكتشف جانب في اخر لم كنت اعلم عنه شيئاً؟؟ الخوف والاشتمزاز من خوض تجربة الزواج كلما تخيلت حياتي بعد الزواج كيف ستصبح اشعر انني اريد ان اتقيا من الفكره.. فعقلي يخليني بمخيلات وتفاصيل طفولتي المؤلمه.. ورغم عني اضع مقارنه داخل عقلي وما كان يفعله عمي معي سوف يحدث في زواجي او هذه ستكون طبيعه العلاقه الزوجيه بيننا.
لاكتشف اني اصبحت مريضه نفسيا واحتاج الى علاج.. من ذلك التفكير المقزز.. لذلك لم تستمر خطوبتي طوال وفسختها انا بعد اصرار كبير مني لشعوري بالذنب وضمير يؤنبني إني اذا اكملت في هذه العلاقه وانا اعلم ما يصيبني فلا استطيع ان اظلم شخص معي ليس له ذنب.
بالطبع دخلت في صراع مع عائلتي وظلوا يلوموني على ما فعلته لكني كنت مصره علي فسخ الخطوبه، ولم اخاطر مره ثانيه للدخول في علاقه دون أن أفصح عن جزء من معاناتي أولا واصارح من سوف يشاركني حياتي عن تلك الحقائق!! مهما حدث؟
عقد حمزه حاجبيه باقتضاب هاتفاً بفضول
= ولقيتي الشخص ده؟ لقيتي اللي تقدري تحكيله علي كل حاجه عنك ويصدقك ويفضل مكمل معاكي وهو قابل ومتفهم حالتك؟
نظرت إليه عده ثواني و همست بصوت خافت وأنا اتذكر و يدي تمر برفق فوق الأخري بحالميه
= كان زميل لي في الجامعه، أنا كنت دائما اصلا كل سنه بحاول على قد ما اقدر اتجنب اي صداقات من الرجاله والبنات في الجامعه.. بس لما شفته حاجات كثير جوايا اتحركت واتغيرت ناحيته هو بالذات، وانا كمان حسيت أنه جوه حاجه من ناحيتي من اهتمامه الكبير معايا واحترامه لي وانه عمره ما اتعدى حدودو معايا.. كل دي حاجات خلتني اعيد التفكير من ناحيته مش عارفه اذا كان اعجاب ولا حب بس كان احساس حلو اول مره احسه
ثقلت انفاسي وأنا أتابع حديثي باعين تلتمع بالشغف
= فضلنا كده سنه ونصف ما بنتكلمش عن حاجه تخص علاقتنا بس كان في تلميحات بطرق ثانيه منه، لحد نهايه السنه و وقت التخرج اتفاجئت انه بيطلبني للجواز كنت فرحانه جدا بس فرحتي اتطفتي في ثانيه لما افتكرت اللي انا مخبياه طول الوقت.. وافتكرت برده الوعد اللي انا اخذته على نفسي ان اذا دخل راجل في حياتي ثاني لازم اصارحه بالحقيقه عشان ما احسش بالذنب من ناحيته
أردف حمزه متسائلا مضيق عيناه بتركيز عليه
= وحكيتلي كل حاجه حصلت معاكي زي كده بالتفصيل؟
وكاني هنا قد رجعت مره ثانيه الى ارض الواقع، وقد امتلئت عيناي بالدموع
= بعد خطوبتنا باسبوع صممت انه لازم يعرف، و حكيتله بس مش كل حاجه، قلتله ان انا اتعرضت لي اعتداء جنسي بس ما قلتلوش مين اللي عمل فيا كده ولا انه حد من اهلي قريب مني، كالعاده بقول نص الحقيقه وانا خايفه من رد الفعل
عقد حمزه حاجبيه بدهشة وقال بفضول
= وعمل ايه بعدها
اجابته بصوت مرتجف وأنا امسح عيني بيدي بجمود
= اختفى!
نظر إليه حمزه باضطراب قائلا بعدم فهم
= بمعنى ايه اختفى كان عاوز وقت يعني يفكر ويراجع نفسه هيقدر ولا لا يكمل معاكي؟
ظليت اتطلع اليه بصمت عدة لحظات و الألم ظهرت علي ملامحي بسهولة وضربه من جديد ممزقاً بقلبي.. لكنني تنحنحت قائله بعدم مبالاه بالنهاية و أنا احاول ان ابدو متماسكه
= لا اختفى بالمعنى الحرفي يعني ما بقاش يظهر في حياتي اختفى وما لقيتهوش بعد كده قدامي وما اعرفش راح فين لحد دلوقت، بس مش محتاجه تفكير كثير اكيد بعد عني عشان حس أنه مش هيقدر يكمل مع واحده زيي
عندما رأي حمزه الالم يرتسم على وجهي فور سماعه كلماتي تلك التي اشعرتني بالإهانة حينها، هز رأسه وهو يده تضغط بقوة على اطار الطاوله أمامه ثم زفر بحنق قائلاً و أنا ارفع وجهي اليه
= ريحانه ما تقوليش على نفسك كده وانا اسف يعني بس هو انسان جبان لان حتى لو مش قادر فعلا يكمل معاكي بعد إللي عرفه عنك كان على الاقل يقف قدامك ويقول لك انه مش عاوز يكمل بس عشان هو جبان ما قدرش يواجه! لكن انتي ما لكيش ذنب انتي كنتي ضحيه وكنتي عاوزه تكوني صريحه معاه وما تكذبيش عليه.. انما هو اللي مش قد المسؤوليه ولا اد الحب اللي حبيتيه لي، عشان كده بكل بساطه اختفى وهرب... بس انتي ما تستاهليش كده ولا انك تحسي لحظه واحده انك قليله في نظر اي حد مهما كان مين
اومأت برأسي بصمت فقد كنت بحاجة إلى تلك الكلمات بهذا الوقت اكثر من اى وقت مضى حتى اهدئ ما يثور بداخلي من خوف و قلق فانا أصبحت كلما أسير بطريق جديد اعلم مدى قذارة الناس المحيطة بهم... اخذ حمزه ينظر إليه بحنان محاولة تهدئتي و امتصاص حزني فقد كان يعلم مدى صعوبة ما يحدث عليا..
ثم رأيته متناول من بين جيبه منديل أبيض من القماش المطرز بشكل جميل واضعاً اياه فوق الطاولة امامي وهو يتطلع إليه مبتسم بهدوء وبعدها لينهض للخارج..
بينما أنا استغربت ثم رفعت يدي بتردد لأخذ المنديل لامسح دموعي دافناً بوجهي وانا أتنفس لاشتم رائحته فيه بعمق ابتعدت قليلا على وجهي وقد فتحته لأجد مكتوب عليه بخط صغير بالخيط الذهبي "الأمل لا ينطفي" لاجد نفسي ابتسم بخفه دون اراده.
***
تشدد جسد زبيده بذهول وصدمه فور سماعها كلماته الاخيرة تلك و صوت اسماعيل الغاضب يعصف بانحاء الارجاء بقسوة
= سؤالي هنا انتي كنتي فين من كل ده؟ عايز اعرف ما كنتيش تعرفي ولا عندك خبر عن القرف اللي بيعمله ابنك في بنات الناس ومع اكثر من واحده.. ردي عليا كنتي فين من كل ده؟
قـبـل عـده سـنـوات!
في أحد المدرسة المشتركه بين صبيان وفتيات، بداخل مكتب المديره كان هناك صياح واصوات عاليه والجميع يتحدث في نفس واحد.. بينما هتفت زبيده بنفاذ صبر وضيق
= انا مش فاهمه منكم حاجه ممكن واحد بس اللي يتكلم عشان نسمع بعض، دلوقتي حضرتك اتصلتي بيا وجبتيني على ملا وشي وقلتلي ابنك عمل مصيبه اديني جيت، ايه هي المصيبه اللي عملها بقي
صمت الجميع قليلا لتتحدث الاخصيه الاجتماعيه بالمدرسة قائله بجدية
= يا مدام زبيده الطالب حمدي كذا مره نلاحظ عليه سلوك غريب ومش كويس ،يعني لما الاطفال بينزلوا مع بعض حوش الالعاب بيستغل أن البنات بيلعبوا و بيدخل وسطيهم ويفضل يضايقهم ..الاول قلنا انه طفل مشاغب وبيلعب وبيغلس عليهم عادي.. لكن لما توصل انه يحضن ويبوس البنات اظن لازم اقول لحضرتك واجيبك عشان تتصرفي
عقدت زبيده حاجبيها بدهشة و استنكار قائله بعدم فهم
= اتصرف في ايه ما انتي قلتيها بنفسك طفل صغير وعاوز يلعب وبيغلس عليهم عادي مش اكثر
اتسعت عينا الاخصيه بصدمه وغضب مكتوم من اجابتها وعدم اهتمامها بالموضوع لتقول بلهجة ساخره
= يعني حضرتك شايفه لما يحضن ويبوس بنت زميلته في المدرسه هنا بالغصب كده لعب! لا معلش ده اسمه تحرش، ولازم ابن حضرتك يعرف ان السلوك ده غلط من دلوقتي و لازم يتعاقب عليه كمان عشان ما يكرروش ثاني
لويت زبيده شفتها بسخرية واستهزاء فهي لا ترى أي خطوره بالامر لتقول قبل ان تستدير اليها مغمغة بحدة و نفاذ صبر
= تحرش مره واحده، ده طفل عنده تمن سنين حضرتك واعيه علي كلامك انتي مالك مكبره الحكايه كده ليه ما تركزش معاه وهو مش هيعملها ثاني، هو ده يفهم يعني ايه تحرش اصلا ده طفل صغير
كادت أن تتحدث الاخصيه مره ثانيه بحده لكن اوقفتها المديره باشاره بيدها بهدوء لتتحدث هي قائله بوقار
= استاذه زبيده الموضوع كبير اصلا وهي بتبدا من السن ده الجسم والعقل بيبدا يوعى ويركز في اللي حواليه وهو فعلا لو موضوع كان اتكرر مره واحده ومعدهاش ثاني كنا ما ركزناش معاه ولا جبت حضرتك لحد هنا، وبعدين جاءلنا شكوى من زمايله البنات في الفصل معاه اكثر من مره، الافضل تخلي بالك منه من دلوقت بدل ما يضيع والموضوع يتطور معاه.. ولازم تقعدي معاه وتفهمي هو بيتفرج على ايه ولا بيشوف إيه عشان يعمل السلوك ده
تحول وجهها إلى اللون الأحمر بعصبية شديدة ، ونهضت بحدة عندما شعرت من الطريقة التي تتحدث بها أنها تعني أنها كانت أم مهملة في تربية طفلها. صاحت بصوت حازم جدا.
= لا انتي زودتيها قوي وانا هخلي ابني مثلا يتفرج على ايه عشان يتعلم حاجات زي كده ما تحاسبي على كلامك ،ما هو العيب عليا انا، أنا إللي جبت ابني مدرسه زي كده كنت فاكرها محترمه شوفي انتي يا حضره المديره اللي أنتم بتعلموا للاطفال اصلا قبل ما تحاسبيني، و ما تجيبوش اهمالكم فيا
***
بداخل منزل زبيده كانت زبيده تقف بداخل غرفه حمدي البالغ من العمر اربعه عشر عاماً، فكانت تنظف الغرفه باهتمام حتي وصلت الى مكتبه لتفتح الادراج لتنظفها من الداخل لكنها توقفت عما تفعله بدهشة عندما وجدت بعض المجلات الاباحيه والصور لفتيات عارية بدون ملابس تقريبا، شهقت زبيده بعدم تصديق و شعرت بالاشمئزاز منهم.. ليدلف في نفس اللحظة حمدي من الخارج الذي تجمد مكانه من الرعب عندما وجد والدته تمسك هذه الاشياء بيدها، ابتلع ريقه بصعوبة بالغة وهو يتقدم منها بتوتر شديد
= يا ماما قلتلك بدل المره عشره ملكيش دعوه باوضتي وانا اللي هاروقها بنفسي برده بتدخلي الأوضه من ورايا
نظرت إليه بحده وقالت بصوت غاضب
= هو انت مفكر نفسك قاعد في لوكنده انا ادخل الاوضه اللي تعجبني يا بيه وبعدين ما تداريش في الكلام ايه القرف ده، ايه المجلات والصور الزباله دي بتعمل ايه في الاوضه
صمت حمدي بخوف وقلق يفكر ثم هتف مرتبك
= دي بتاعه واحد صاحبي ونسيها معايا
ضغطت زبيده علي شفتها بغيظ شديد ثم قالت بحده
= يبقى ترجعله على طول وما تصاحبش اشكال زي كده تاني فاهم
اوماء برأسه عده مرات بارتباك بينما ألقت والدته المجلات والصور بوجهه وهي ترمق حمدي بنظرات تملئها الاشمئزاز
= امسك الله يكسفك ده انا مش قادره ابص فيها كاتك القرف انت وصاحبك
***
كان حمدي يسير في المنزل بخطوات مذعورة وهو يستمع إلى صياح والدته من النافذه في الخارج مع احد الجيران، ظل حمدي واقفة في مكانه بتصلب يتطلع باعين متسعة بالخوف حين اقتربت منه والدته بوجه قاتم، ليقول متسائلا باستفسار بصوت متوتر
= في ايه يا ماما؟ صوتك طالع بره مع مين هو انتي كنتي بتتخانقي مع الجيران
اقتربت والدته منه بينما اخذ جسدها يهتز من شده الغضب الذي كان يعصف بداخلها هاتفه بنبره شرسه
= تعالي هنا يا أستاذ يا اللي على طول جايبلي المشاكل ووجع الراس مع الناس.. هو انت صحيح بتقف على ناصيه الشارع مستني بنت عمك محمود اللي ساكن في الدور الخامس وضايقت بنته او لمستها
نظر لها حمدي و وجهه شاحب من شدة الخوف والرعب بأن يتفضح امره وتعرف والدته الحقيقه بان بالفعل يتحرش بابنه صاحب العمارة، ليندفع قائلا بسرعه ولهفه
= دي كذابه طبعا وانا هعمل حاجه زي كده ليه انا مالي ومالها ده هي اللي حاولت تكلمني وكانت عاوزه تديني رقم تليفون البيت بس انا ما رضيتش تقوم تلبسني مصيبه .. اوعي تصدقي حاجه زي كده يا ماما انا عمري ما هعمل كده طبعا
زمجرت زبيده من بين اسنانها وقد اوشكت علي ان تفقد السيطرة علي غضبها وهي تقول بحده
= انا برده قلت كده تلاقيه هو عشان متغاظ مننا و عاوز يمشينا من العماره ويبيعها بسعر اعلى.. فتلاقيه فكر يجيبها من الناحيه الثانيه ويقولي ربي ابنك إللي بيضايق بنتي في الراحه و الجايه لاما تمشي من هنا
هز رأسه بسرعه حمدي مرددا بالتاكيد حتى ينفي التهمه عنه
= ايوه بالضبط كده.. تلاقيه عشان عاوز يمشينا من العماره.. وبعدين هي مين دي اللي ابصلها دي طفله ما كملتش سبع سنين قدي دي عشان اجي جنبها ولا افكر اعاكسها حتي
هزت رأسها بضيق لتقول بنبرة غليظة حادة يتخللها التهكم
= بس بعينه بالعند فيه انا قاعده فيها طالما وصلت انه يتبلى علي عيالي بالباطل
ظل اسماعيل يقف بمكانه عدة لحظات بجمود و هو يتطلع الى والدته باعين مظلمة ممتلئة بالغضب العاصف قبل ان يقول بصوت ساخراً بحده
= وانتي كنتي بتصدقيه على طول وتثقي فيه للدرجه دي؟ يعني كل اللي حواليكي كانوا غلط وهو الوحيد اللي صح
ابتلعت الغصة التى تشكلت بحلقها وهي تتذكر
جميع ما حدث و الشكاوي التي كانت دائما تاتي إليها بسبب ابنها حمدي لكنها حينها لم تأخذ خطوه واحده ضده للعقاب ولا للتحدث معه عن اخطاؤه لتقول هى بينما تقاوم بصعوبة الدموع التى انسابت بصمت على وجنتيها و هى تدرك بانه ليس لديها اعذار ولا أحاديث لها فائده له
= مش هنكر اني اوقات كثير كنت بصدقهم أو أشك بس كنت بكذب نفسي وبكذبهم هم كمان واقول لهم لا ابني ما فيش احسن منه ولا في اخلاقه وتربيته وعمره ما يعمل حاجه زي كده غلط أبدا، انا ابني دائما صح و عمره ما يكذب ولا العبه تطلع منه.. كان لازم اطلع ابني بريء في نظرهم ونظري انا كمان!! و كنت بقول طيش شباب وهيروح لحاله لما يكبر ويتجوز هيعرف يفرق بين الصح والغلط بس ما توقعتش ان الامور توصل لكده أبدا
هتف اسماعيل بصوت ممتلئ بالغضب
= وهو هيعرف الصح والغلط منين اذا كان امه نفسها مش معترفه انه غلطان وبتدافع عنه وعن اخطاؤه وبتلاقيله حجج واعذار عشان يفضل مستمر في الغلط
ليتوقف لحظات وعقله يراجع كلماته ليشعر بالم حاد بين ثبات قلبه يعتصره بعنف وقسوه ، ليتحدث وهو يشعر بتانيب الضمير فهو ايضا كان يزيف حقيقه المجتمع الى ابنته مثلها
= وانا كمان كنت بصور حقيقه المجتمع وارسم لي بنتي حقيقه ثانيه مزيفه عشان ما تتصدمش بالواقع. ويا ريت جاءت على كده وبس لا كمان كنت بجيب الغلط على الضحية زيي زي غيري ،يمكن تكوني انتي السبب كمان عشان ربيتينا كده من البدايه
اتخذت زبيده خطوة نحوه و قد ألمتها سماعه كلماته تلك ولكن توقفت عندما رفع اسماعيل عينا ينظر بعجز الي والدته التى اشتد بكائها مما جعله يومأ برأسه نحوها بحزن هامساً لوالدته بصوت مختنق
= وانتي كمان السبب في اللي وصل له ابنك بسبب دلعك الزياده لي، انا فاكر إني كنت دائما بقول لك زمان خفي دلعك الزياده لي انتي كده هتضري مش هتصلحي بس انتي كنتي دائما شايفه انك صح وتقوليلي سيبني اعوضه، على الأقل انت واختك شفتوا ابوكم وعشتوا معاه شويه قبل ما يموت.. لكن هو يتيم الاب من وهو عنده سنتين وما لحقش يشوفه ويشبع منه.. وادي النتيجه في الاخر اول ناس اذاهم هم اهله فرحانه دلوقتي مبسوطه بتربيتك ولا لسه؟
أنزل رأسه بعجز وقله حيله و هو يهتف بشراسة و غضب و قد بدأ يفقد السيطرة على غضبه فكل ما يحدث يضغط على اعصابه و قوة تحمله سيجن حتماً
= انا كنت بعتبر ابنك أبني أنا كمان مش اخويا بس، و رغم ان احنا من ام واحده بس، لكن عمري ما حسسته بالفرق ده وكنت بحاول اعوضه واعتبرته اخويا بجد وفي الاخر يطعني في ظهري ويؤذيني الاذيه دي قوليلي انا عملت له ايه عشان ما يلاقيش غير بنتي ويكسرني بيها الكسره دي.. قوليلي ايه الغلط اللي انا عملته مع ابنك عشان يضرني في بنتي ويوجعني كده قوليلي انا قصرت في ايه عشان يحسرني على شباب بنتي كده ويوجع قلبي عليها
اجابته زبيده قائلة و القلق و الخوف عليه يعصفان بداخلها وهي تمسح بيدها المرتعشة الدموع العالقة بوجنتيها
= حقك عليا انا يا ابني معلش
اتسعت عينا بشراسة ليجز علي اسنانه المطبقة بقسوة ليصيح باعين ممتلئة اخيراً بالادراك... كما لو كانت هناك غمامة على عقله و تم ازالتها، صائحا بعنف شديد
= معلش! ليه هو ابنك كان داس على رجلي بالغلط.. بس ليكي حق تشوفيها حاجه عاديه ما انتي عمرك ما هتحسي بيا ولا تتخيلي انا حاسس دلوقت بايه ،انا حاسس نفسي مش راجل ما قدرتش احمي بنتي وما زلت عاجز ومش عارف اعمل ليها ايه مش قادر حتى اطلب منها تسامحني! ما هي هتسامحني على ايه ولا ايه؟ على اهمالي ليها واني ما كنتش الاب اللي هي تستاهله ولا صدقتها ولا كنت جنبها في اكثر وقت محتاجه لي، ولا عارف اجيبلها حقها ومن مين من اخويا؟ اقول لك على حاجه انتي بتحمدي ربنا أن إبنك دلوقت مات، عشان انا اللي كنت زماني قتلت بيدي دول لو كان لسه عايش..
وضعت والدته يدها فوق فمها بضعف وهى تنفجر باكية بشهقات ممزقة بيأس ثم تحرك وهو يسير بثقل على قدميه قائلاً بهدوء يعاكس الاعصار القائم بداخله
=جايز مش هقابله في الدنيا بس اكيد هقابله في الاخره و ساعتها عمري في حياتي ما هسامح!
اشعلت كلماته تلك الالم الذي ينبض بداخلها وقد تذكرت والدته أن الذنب الذي فعله ابنها ليس قليل علي المغفرة والتسامح فهو توفاه الله وهو كأن يفعل ذنب شنيعه من الكبائر ولم يفكر في التوبه طول حياته مطلقاً ولا فكر بأن الله شديد العقاب.
***
لتتجه دهب نحو فراشها تحضن دميتها بين ذراعيها لتدفن الاخيرة وجهها بصدرها تبكى بشهقات ممزقة بخوف و رعب.. حتى ظلت هكذا لحظات تقاوم بصعوبة الدموع التى انسابت بصمت على وجنتيها و هى تدرك بانه ليس لديها حل اخر غير الصمت والتماسك حتي لا يعلم احد من اهلها ما حدث معها منذ شهرين وبالتحديد والدها.. فهي اصبح تترعب من رده فعل حينها وعقلها مستمر في نسج سيناروهات قاسيه عندما يعلم والدها بما حدث.
فور ان دلفت رحاب متجهه بخطوات مترددة نحو غرفة دهب ابنتها ليصل الي سمعها صوت اناتها وهي تبكي بشده زفرت رحاب بخوف و النيران التى بصدرها تشتعل اكثر و قد تأكدت من شكوكها بأن يوجد شيء قد حدث مع ابنتها الصغيرة وهي تخاف ان تقول... ارتجف جسد دهب عندما شعرت بأن والدتها خلفها اعتدلت بسرعه بخوف بينما تقدمت منها رحاب وقالت بهدوء و عينيها مسلطة عليها بتركيز و اهتمام تراقب ردة فعلها
= انتي كويسه يا دهب مالك يا حبيبتي بتعيطي ليه؟
صمتت ولم تجيب عليها و هى تحيط جسدها المرتجف بذراعيها ثم ربتت رحاب على ظهره قائلة بحنان
= حبيبتي مش انتي بتحبيني يبقى ما ينفعش تكذبي عليا ولا تخبي عليا حاجه مش كده؟ قوليلي مالك خايفه من ايه ومش عاوزه تقولي لينا
لتقول دهب وهى تنفجر باكية بشهقات ممزقة
= هتزعقيلي زي بابا وهتضربيني
لتحاول ان تطمئنها وتتحدث معها بلهجه تملاها الحنان والمرح قائله بابتسامه عريضه وهي تاخذها بين احضانها الدافئ
= لا طبعا مين قال كده وبعدين بابا زعق عشان كان خايف عليكي وانا مش هعمل زيه.. ده انتي حبيبتي وروحي و اخر العنقود و آخر حته من قلبي.. يلا يا حبيبتي احكيلي وما تخافيش مني، وما ينفعش اصلا تخافي مننا احنا بالذات ،عشان احنا اهلك وعايزين دائما الخير ليكي
***
فور ان دلف اسماعيل الى المنزل اتجه بخطوات بسيطة الى داخل غرفه ريحانه فهو يعرف ان زوجته اصبحت طول الليالي السابقه تجلس بداخلها ولا تخرج منها وتقيم فيها الليل حتى تنام داخل فراش ابنتها وتصلي وتدعي لها، فتح الباب و دلف اسماعيل الى الغرفة بوجه يظهر عليه على الاكفهرار و الاغتمام لكن نشوي تجاهلته و ركزت عينيها علي الصور والالبومات المنتشره في الارض تحتها التي كانت تتفحصها بعنايه شديدة لكنها اخفضت عينيها عندما ظهر امامها قائلا بدهشة
= بتعملي ايه يا نشوى؟
ابتسمت بحب وهي تشاهد صور براءه ابنتها قبل ان تغتال على يد ذئب بشري، لتقول بنبرة شارده
= تعالي بص يا اسماعيل وانا بدور في اوضه بنتك لقيتها لسه محتفظه بالبوم الصور وهي كانت صغيره وصور وهي لسه مولوده كانت شكلها حلو قوي وهي صغيره، يا ريتها ما كبرت وفضلت بين يدي و قدام عيني على طول الـ 24 ساعه
تصلب جسد اسماعيل فور سماعه كلماتها لكنه لم يتفاجئ فاصبحت الفتره الاخيره تصرفاتها غريبه منذ حادث ابنتها، شحب وجه نشوي فور ادراكها معنى كلماتها تلك لتشعر بانفاسها تنسحب من داخل صدرها و امتلئت عينيها بدموع محتقنة مما جعلها تخفض رأسها و هى تشعر بخيبة أمل و الخجل من نفسها
= ولا انا كنت من زمان ام مهمله معاها ومش بهتم بيها.. اكيد كنت كده برضه.. بس لا انا فاكره المرحله دي لما كانت بتكبر بين ايدي
ثم هتفت فجاه بصوت عالي مرتجف من بين شفتها وقد اخذت ضربات قلبها تزداد من شدة الخوف
= بص كده يا اسماعيل الصوره دي ما كانتش بتضحك قوي فيها! تفتكر هنا كان حمدي عمل ليها حاجه بس كانت صغيره قوي يا حبيبتي.. يا قلبي كانت لسه بتكبر و ملامحها بتبان ليه يطفيها كده ويخليها تعبانه وزعلانه من صغرها
اجابها بهدوء يعاكس النيران التى تغلى بعروقه قائلا
= نشوى اقفلي اللي في ايدك ده و بطلي تفكري في الحاجات دي وتتعبي نفسك على قله فايده اللي حصل حصل خلاص.. التقصير جاي مننا احنا الاثنين مش هيفيد بحاجه لما كل واحد يقعد يرمي عن الثاني الغلط عليه بدل ما نقف ونحل
لم تهتم بالحديث وصاحت بغضب شديد وهي تقلب بالصور مثل المجانين و تنظر اليهم بعينين تلتمع بوحشية عندما لم تجد تاريخ خلف الصور، مما جعلها تخفض عينيها في ذعر و خوف
= هي الصور دي ازاي مش وراها تاريخ ولا مكتوب عليها حاجه من وراء.. انا كنت عاوزه اعرف هي عندها كام سنه هنا هي قالت انه كان بيستغلها من وهي عندها خمس سنين ازاي انا مش كاتبه على كل صوره سن بنتي ولا حتى عارفه اخمن من الصور هي عندها كام سنه.. اكيد الحيوان اخوك هو السبب انها ما تبقاش فرحانه كده في الصور.. بس انا زي ما كنتش واخذه بالي أنها مش فرحانه.. هو انا كنت مهمله فيها اوي كده من وهي صغيره
فرك اسماعيل وجهه و هو يلتقط نفساً عميقاً محاولاً تهدئت الالم الذي ينبض بداخله من رؤيتها تعاني هكذا وتحمل نفسها الذنب كامله بهذا الشكل مقارناً حالتها تلك بالماضى، هز رأسه محاولاً طرد افكاره تلك و التركيز علي ما اتى من اجل حماية طفلته الوحيدة ومحاوله اصلاح اي شيء تبقي، بينما شهقت نشوي بقوة لتقول بألم و بكائها يزداد
= انا ما استاهلش تكون بنتي يا ريتني ما كنت بخلف احسن ولا اعذبها واهمل فيها كده.. حتى اكثريه المناسبات مش فاكره كنت بصورها ليه..
زفر اسماعيل بعنف و النيران التى بصدره تشتعل اكثر وقال بصوت مخنوق
= شيء طبيعي ما تبقيش فاكره يا نشوي ،الصور عدى عليها سنين طويله
لكنه حديثه لم يريحها بل ظلت تجلد نفسها بشده وقوه.. انتفضت لتنهض أمامه تدفعه بصدره هاتفة بصياح حاد و انفس لاهثة
= لا العيب مش في السنين واننا مش فاكرين، العيب فيا وفيك احنا اب وام مهملين احنا ما كناش قد المسؤوليه.. امال بنتنيل نخلف ليه لما احنا مش عارفين نربي عيله صغيره ولا كنا حاسين بوجعها ولا قادرين نحميها من غدر البشر.. احنا ما نستهلهاش وما نستحقش يكون اسمنا اب وام
توقفت عن الكلام فجاه ثم تطلعت اليه بنظرة يملئها العذاب وهي تعلم أنها تستحق هذا.. بعد ما فعلته بها و عدم اهتمامها الكافي بـ ريحانه شعرت كما لو سكين حاد يغرز بقلبها...ثم أشارت إلى نفسها تصرخ بألم وهي تبكي
= بالذات انا، أنا استاهل كل اللي يجريلي عشان ما كنتش بسمعها ولا اديها فرصه تتكلم؟ و عشان ما كنتش قريبه منها كفايه؟ وعشان ما كنتش باركز معاها واشوفها تعبانه ولا زعلانه من ايه؟ انا كنت فين من كل ده ازاي كنت مغيبه على بنتي كده ومش واخذه بالي منها.. اززاي
أكملت صرختها نشوي بصوت مرتجف و قد شحب وجهها من شدة الذعر و الخوف
= وفي الاخر بنتك هي اللي محبوسه واحنا اللي بره، احنا اللي نستاهل الحبس والشنقي مش هي احنا ما نستاهلش نعيش بعد اللي عملناه في بيتنا.. ايوه المفروض احنا اللي نتحاسب مش هي.. المفروض الحكومه بتاعتك دي تحسبنا احنا وكل اب وام زينا ما يستهلوش انهم يكونوا عندهم اولاد
صرخت نشوي منتحبة عندما اخذت تشعر بألم شديد متتالي قاسي داخلها وهي تشعر بالذنب الشديد تجاه ابنتها وتقصرهم نحوها، بينما أكملت تصرخ به و هي في حالة شبه هستيرية
= اه يا بنتي قلبي واجعني عليها قوي يا اسماعيل ما بقتش عارفه اعيش من ثاني وضمير يؤنبني بالشكل ده، انا زي هكمل حياتي من غيرها ازاي هعرف اعيش في الدنيا وهي مش مسامحاني.. قل لهم ياخذوني انا ويسيبوا بنتي.. آآآه يـا ريـحـانـه
بينما شعر اسماعيل كامل جسده متصلباً بينما تضيق به الانفاس كما لو منع عنه الهواء فجأة ليشعر كأنه وسط جحيم يشعل جسده بنار لا يستطيع تحملها وهو يقف عاجز يشاهد زوجته تنهار من الالام على ابنتهم...
صرخت نشوي منتحبة عندما اخذت تشعر بألم شديد متتالي قاسي داخلها وهي تشعر بالذنب الشديد تجاه ابنتها وتقصرهم نحوها، بينما أكملت تصرخ به و هي في حالة شبه هستيرية
= اه يا بنتي قلبي واجعني عليها قوي يا اسماعيل ما بقتش عارفه اعيش من ثاني وضمير يؤنبني بالشكل ده، انا زي هكمل حياتي من غيرها ازاي هعرف اعيش في الدنيا وهي مش مسامحاني.. قل لهم ياخذوني انا ويسيبوا بنتي.. آآآه يـا ريـحـانـه
بينما شعر اسماعيل كامل جسده متصلباً بينما تضيق به الانفاس كما لو منع عنه الهواء فجأة ليشعر كأنه وسط جحيم يشعل جسده بنار لا يستطيع تحملها وهو يقف عاجز يشاهد زوجته تنهار من الالام على ابنتهم...
❈-❈-❈
جلست رحاب بجانب زوجها و شهقات بكائها تتعالي وقد اخذت ضربات قلبها تزداد من شدة الخوف علي ابنتها و اخذت تنتحب وهي في حالة شبه هستيرية.. لكنها انتفضت بمكانها فازعة عندما نهض زوجها بدر بحده قبل ان يغمغم بقسوة
= هو ده اللي ربنا قدرك عليه هتقعدي تعيطي جنبي بعد المصيبه اللي انتي قلتيهالي يعني طلع فعلا كلام الظابط حقيقي مش كذب والهانم بنتك راحت مع الراجل برضاها
هتفت بصوت باكي ميت بينما كتفيها منحيين و الالم يلتمع بعينيها بوضوح
= امال عاوزني اعمل ايه بعد اللي عرفته من بنتك ده لولا ريحانه لحقتها في اخر لحظه كان زمانها
لم تقدر على تكمله جملتها لتنفجر في البكاء و هو صائحاً بشراسة مرعبة و يكاد يكون خارج السيطرة
= وبنتك كان عقلها فين لما راحت لوحدها مع واحد غريب ما تعرفوش ..وانتي يا هانم كنتي فين وسايبه بنتك في الفرح لوحدها انا مش نبهت عليكي اكثر من مره ما تغيبش عن عينك لحظه واحده
أسرعت رحاب تهتف بتبرير
= والله العظيم كانت جنبي طول الفرح وانا كنت بابص عليها كل شويه لما كانت بتبعد عني، بس بنتك روان كانت عايزه تدخل الحمام ومكسوفه تدخل لوحدها عند ناس غريبه قالتلي تعالي معايا واستنيني بره وانا رحت معاها وماجاش في دماغي ان ممكن ده يحصل
اجبر بدر شفتيه علي التحرك قائلاً بصعوبة و هو يشعر بالقلق علي بناته من القادم
= يبقى اكيد كان بيرقبك واستغل أنك مشغوله مع بنتك الثانيه وراح يلعب في عقل العيلة الصغيره الثانيه عشان يستدرجها ..هي فين بنتك صحيح
تحرك قاصد غرفه دهب لكن توقفت رحاب أمامه و عيونها متسعة بحده وهي تمسك بكتفه وصاحت بعصبية حادة
= استني هنا انت رايح فين رايح تتخانق مع دهب صح.. ما انت لسه قائل بلسانك انها عيله صغيره ومش فاهمه حاجه هي ايه ذنبها الزفت الحيوان الثاني هو اللي ضحك عليها واستغلي سنها الصغير بانها مش هتعرف تدافع عن نفسها ، اياك تقرب منها يا بدر كفايه اصلا بسبب زعيقك المره اللي فاتت خافت منك انها تتكلم وتحكي لينا اللي حصل، و لولا إللي انا اخذت بالي ما كناش هنعرف حاجه ونسيبها يعيني تعاني مع نفسها واحنا مش دريانين بحاجه.. والله العظيم حتي لو فيها طلاقي منك يا بدري ما هتمد ايدك على البنت دي سامع ولا لا هو انت كده بتحل يعني
اتسعت عينا بغضب مكتوم وصمت بينما اخرجت زوجته صوت صغير متألم كان كسكين يغرز بقلبها وهي تقول بين دموعها بتوجس
= معنى كده اللي بنسمعه في الجرايد والاخبار صح عن ريحانه وعمها فعلا اعتداء عليها وهي صغيره.. يعيني يا بنتي عليها هي كمان ربنا يسترها معاها ويبارك ليها زي ما سترت على بنتي ولحقتها كان زمانها دلوقت واحده من الضحايا اللي بنسمع عنهم ..يا ريته كان عايش كنت انا اللي قتلته بيدي الكلب ده، احنا مديونين بكثير لريحانه لازم نروح نشكرها بنفسنا
قاطعها بدر بلهجة صارمه شديده قائلا
= ولا تشكري حد ولا تنيلي حاجه ،خلاص الموضوع ده لازم نقفل عليه و لا اكننا عارفنا حاجه ولا عاوزه سيره بنتك تبقى في الجرائد والاخبار هي كمان!!
همست بعدم فهم وهي تتطلع اليه باعين متسعة ممتلئة بالارتباك
= انت بتقول ايه يا بدر، بس حسب اللي عرفناه ان شهاده بنتك هي اللي هتنقذ ريحانه من حبل المشنقه
أردف وهو يتنفس الصعداء بصعوبة ونبرة المرارة الموجودة فى صوته وهو يقول بصوت مختنق مرتجف
= بس سمعه بنتك ومش هي بس لا بناتك الثلاثه كمان هتبقى على كل لسان وما حدش هيصدق انه ما لمسهاش وكل واحد هيقول كلمه ويزود من نفسه في عرض بنتك.. ده غير دي قضيه بتتسجل في المحاكم يعني بنتك لما تكبر و واحد يجي يتقدملها وهيسال عليها طبعا وعلى سمعتها هيعرف على طول موضوع القضيه وان في حد حاول يعتدي عليها
قد شحب وجه رحاب فور ادراكها معنى كلماته تلك فهي لم تحسبها ذلك، شعرت فجاه بانفاسها تنسحب من داخل صدرها كما لو ان المكان يطبق جدرانه من حولها حين فكرت في ذلك بالفعل، امتلئت عينيها بدموع محتقنة مما جعلها تخفض رأسها و هى تشعر بالعار و الخجل علي بناتها.. بينما جلس بدر بمواجهتها مائلاً الي الامام و ظل ينظر اليها حتى بادلته بتردد نظراته وهو يهتف بجدية
= ولو قعدنا من هنا لمئه سنه نحلف لكل واحد ان بنتك بريئه ما حدش هيصدق عشان الناس مش بترحم.. عشان كده الأفضل نعمل نفسنا ولا اكننا عرفنا حاجه ولا الموضوع ده حصل، حتى بنتك نفسها لازم تنسى، والحمد لله ان ربنا سترها على بنتك لحد كده
❈-❈-❈
قد جاء الموعد المنتظر وهو الحكم! لا اعرف هل سيكون القضاء على روحي ام الانتصار علي العادات والتقاليد التي ذبحتني بسيف حاد يغرز بقلبي كل ليلة ليقسم روحي نصفين... لكن عندما دلفت الى قاعه المحكمه هذه المره وجدت شيء لاحظته غريب كان يوجد العديد من الناس الحاضرين بالمحكمه لا اعرفهم جميعاً و كاميرات وصحافه واذاعه في كل مكان على عكس الايام السابقه، لم اعرف لما هذه المره كأن يوجد الكثير بالقاعه وينظرون اليه بتركيز واهتمام ويصوروني هكذا؟؟
بعد فتره توقفت خلف القضبان لا استمع قليلا من المرافعات والاحاديث وبعدها وجدت القاضي يطلب مني الحديث لكني همست بخفوت
= بس انا مش عاوزه اتكلم ولا ادفاع عن نفسي
نظروا أبي وأمي إلي بعض بتوجس بينما اقترب مني مامون المحامي قائلا بجدية
= ريحانه مش هينفع كده انتي وصلتي لنقطه مهمه ما ينفعش تسكتي هنا خالص، و اذا كان مش علشانك فعشان غيرك ما يفضلش ساكت ولا حد يتحط في الموقف ده لازم تتكلمي يا ريحانه كفايه سكوت!!.
نظرت إليه عده ثواني افكر بالرفض لكني تراجعت في آخر لحظة، واعتدلت واقفه ثم فتحت شفتي للحديث و اجبرت نفسي على النطق قائلة بصوت متحشرج خافت لا يكاد يسمع
= انا مش عايزه اتكلم ولا ادافع عن نفسي، انا لما كان عندي خمس سنين ما حدش كان عاوز يصدقني ولا يسمعني؟ ولا حد اصلا كان شايف معاناتي واللي انا فيه، انا كنت طول الوقت عايشه حياتي في خوف ورعب من كل الناس حتى اهلي نفسهم.. انا حتى كنت هتجوز بس عشان ابعد واهرب من كل الذكريات اللي حوالي الوحشه.. انما الجواز نفسه ما كنتش عاوزه كنت عايزه اتجوز بس عشان ابقي الاسم متجوزه واهلي يفرحوا بيا.
كان يجلس حمزه بين الجميع وهو يراقبني باهتمام بينما انسحبت انفاسي من داخل صدري و أنا اكمل بهمس بصوت منخفض مرتجف
= انا اصلا كنت ناويه افضل ساكته وما تكلمش لحد ما تحكموا عليا الحكم اللي انتم شايفينه صالح ليا أو اموت وسري يتدفن معايا وما حدش يعرف حاجه
أخفضت أمي وجهها وهي تبكي بشده عليه بينما الدموع تنسدل من عيني المحتقنة بالألم و أنا اشرد في تلك الايام التى كنت اعاني بمفردي فيها...ثم همست من بين شهقات بكائي المنخفضة
= انا كنت طول الوقت بحس ان انا لوحدي رغم ان انا عندي اب وام.. بس بابا كان طول الوقت في الشغل ومش باشوفه غير فين وفين، بحكم شغله طول الوقت مطلوب منه أن يفضل متواجد 24 ساعه فيه..و ماما كانت مشغوله كمان في شغلها في المدرسة لفترات طويله.. وانا كان عندي وقت كثير فاضي بس ما كنتش بلاقيهم جنبي ولا في اكثر وقت كنت باحتاج ليهم.. بس كنت بلاقي غيرهم.. انا مش بلومهم على فكره بس في حاجات كثير كنت عاوزاها منهم و ما لقيتهاش.. كنت بابقى محتاجه كتير اوي ذي الامان ونصايح بس ما لقيتش الاثنين
أنزل ابي وجهه بقله حيله وهو يتألم من كلماتي،
سمعت بعدها صوت القاضي يسالني بخشونه قائلا
= قتلتي ليه حمدي عبد المجيد عمك يا ريحانه
شردت وانا أفكر في تفاصيل ذلك اليوم،كأن حينها اليوم المنتظر بشده من عائلتي انه يوم زفافي علي ابن خالتي ليس كانت بيننا قصه حب كان مجرد زواج صالونات كما يدعي، بدات اقص ما حدث تلك الليلة الماضية التي بعدها تغيرت حياتي بالكامل! لكن لم اعرف هل سوف تتغير الى الافضل ام سوف اغرق أكثر دون نجاه.
تأمل الجميع بعطف وجهي الباكى الذي يظهر عليه الالم بوضوح و حالتي الرثة قبل ان اهز رأسي بضعف واغلق عيني وشعرت بثقل كبير يستقر فوق صدري فمن الصعب التحمل لكنني انا مجبره على الاستمرار
= أنا كل يوم كنت بصحى بقول هو أنا عملت ايه غلط!! كنت بسأل نفسي هو كان في حاجة ممكن اعملها زيادة وما عملتهاش؟ كلام حاولت بس ما حدش صدقني بعدت عنه بس هم اللي كانوا بيرجعوني ثاني لي او هو اللي بيجي ورايا.. ويكمل اللي بيعمله معايا من تاني
اكملت بصوت مرتعش من شدة الالم الذي ازداد عليا بينما هتفت بروحي الذابلة
= عاوزه اقولك لحضرتك مش متخيل كم الاذى النفسى الى احنا بنمر بيه و كمية الطاقه الى بنحتاجها عشان نرجع طبيعيين و نتعامل عادى ، و بتعدى علينا فتره خايفين و مش عارفين نتعامل مع الرجاله ، و الاسواء اننا بعد ما نتخطى الموضوع ده بيحصل تانى
همست بصوت مختنق لا يكاد يسمع يملئه الخوف و الارتعاب وانا اوصف معاناه حقيقيه تحدث بالفعل!
= للاسف البنات بتعانى فى الشوارع وبتفكر مليون مرة قبل ما تتكلم عشان حقيقة ان الستات نفسهم الى مش هيقفوا جنبي قبل الرجاله... مش قادره أصدق بصراحه ان في ناس للدرجة دي قلة نخوة لدرجة البنت لما حد يتحرش بيها يقولوا عدي واسكتي وبلا فضايح !
بدا معظم الفتيات الموجودين بداخل القاعه بالتاثر بحديثي ومنهم من بدا يبكي بصمت فمن المعتقد انني قد فتحت جراح كانت مغلقه.. هززت رأسي هامسة بنبرة متحشرجة بينما الدموع تملئ عيناي بمرارة
= الناس بقت تغلط اي بنت بيحصل فيها حاجه لمجرد أن صوتها على بيتقال لنا احنا اللى نسكت ونقصر ونحط لسانا جوا بوقنا ده غير أن المتحرشين مبقوش بيخافوا زي الاول لا بقى من عدم تدخل الناس فى بجاحه وممكن تتشتم وتضرب منه كمان، يعني لو بنت فكرت تعترض او تفضحه كمان بيطلع العيب عليها وهي اللي بتضرب وتتهان
اهتز جسد أبي بعنف كما لو صاعقة قد ضربته فور سماعه كلماتي تلك وهو يشاهد دموعي والمى ويستمع الى معاناتي، وبدا يشعر بالحسر والندم على الايام التي ضاعت وانا اعاني بمفردي دونهم.. ويتساءل داخله هل هذه طفله الصغيره الذي كان يعتقد أنها تعيش سعيده ولا تحتاج الى شيء بينما كانت تعاني بعيد عنهم في اللحظه الف مره يا حسره على رجولته التي لم تثأر لحق ابنته، فكانوا يقولون إن العار على الفتيات فقط فهذا خطا كبير فهو في تلك اللحظه يشعر بالعار الحقيقي والخجل من نفسه على مستقبل ابنته الذي اضاعه بيده.
لن استطيع المقاومة بسبب الألم الذي بدأ يعصف به جسدي الذي اصبح واهن وشعرت إني سوف استسلم بأي لحظة، لكن صرخت متألمة وانا انفجر باكية شاعرة بألم قوي، لا اعرف هل اعاند نفسي ام الزمن
= المشكلة ان الناس ممكن تشوف دا بيحصل قدام عينيها و بيتفرجوا و محدش بيعمل حاجه واحنا اتعودنا نسكت و نجري من كتر الخوف اللي جوانا.. المشكله دايما في عقول المجتمع واراء هي اللي خلت المتحرشين يكتروا.. بس انا ما قدرتش اسكت زيهم واعمل نفسي ما شفتهاش وعمي بيحاول يعتدي عليها
سقطت دموعي بغزارة وكلما كففتها تساقطت اكثر بحزن عليه.. غرزت اسناني بشفتي حتى ادمتها و تذوقت طعم الدماء بفمي لكني لم ابالى فقد كان الالم داخلي يكاد يمزقني الى اشلاء.. لذلك صممت على اكمال الحديث ربما لم اجد فرصه مثل هذه مره ثانيه
وقلت
=احنا بنسكت من الخوف لان للاسف غالبا محدش بيعمل حاجه لراجل إلى بيتحرش وعلى فكرة والله العظيم بيتحرشوا بالمنتقبات والمختمرات والمحجبات والى بشعرها مش بيفرقوا... عشان هي ما لهاش قاعده عند ناس زي دول ما عندهمش ضمير
ظليت اتحدث واتحدث وشعرت بي اكثر من مره بفلاشات كاميرا تصورني لكني لم ابالي لها، وظليت اتحدث دون توقف.. رغماً إني شعرت فجاه بجسدي يأن بألم كما لو ان سكاكين تمزق جسدي و اسفل ظهري كان الألم رهيب لا يطاق من المجهود... لكن تصلب جسدي بقوة فور ان شعرت بدموع دافئ ينساب من بين عيني اخفضت عيني ببطئ ليتحول شحوب وجهي الى لون رمادى كما لو كنت قد فقدت الحياة، حاولت التمسك هاتفة بوهن
= ومش شرط بس انسة ولا مدام بقي يتحرش بيها لا في بنات صغيرة بيحصل معاهم ده واكتر من كده وأنا مثلا أهو.. أنا وغيري كتير.. الفكرة اننا لازم نربي بناتنا من صغرهم اي موقف تتحط فيه شبه دا انها تزعق و لما تاخد الثقة دي من صغرها عمرها ما تخاف من اي شخص حتي لو كبرت ساعتها هتعرف تتعامل و تخوف الاشكال دي كويس يكفي بس نظرة غضب تبقي على وشها لما تلاقي حد مش مظبوط و اي حد مش مستريحاله متقعدش جنبه..
وفجاه ألتفت بجسدي رغم عني نحو الجميع وصرخت باعلى صوتي باكية عندما ازداد الالم في قلبي بشكل اصبح لا يطاق وانا احاول عدم وصل أي فتاه مكاني ولا تصل لذلك المرحله من حياتها مطلقاً
= انا باترجى وبطلب من كل بنت انها ما تسكتش لحد ما يوصل بيها الامر لنفس اللي انا وصلت لي دلوقت.. يا بنات متخافوش من الناس اللي حواليكوا اللي بيعمل فعلا كده بيبقي جبان يكفي بس ان لو حسيتي ان اللي قدامك مش مظبوط تصحيله كده عشان ميفكرش يمد ايده عليكي او حتي يبصلك خليكي دايما أنتي الاقوي مش الضعيفه.. بس
ما تسكتيش باترجاكم كلكم وخدوني انا مثال أهو فضلت ساكته سنين طويله وكتمه جوايا وفي الاخر انا اللي خسرت كتير قوي من عمري بسبب السكوت ده
يصل الإنسان إلى مرحلة يكسر كل قيود الجراحات والآلام، يحاول جاهداً أن يعود إلى فطرتهِ النقية إلى الفكاك من قيود الخضوع للمشاعر والرغبة حيث أُدميَّ هو وقلبه تحت أهوائهما، فيقطع أشواطاً عديدة ليجد نفسه.. فيحتضن ما تبقى منها ويرأف بما بقيَّ من أرقام عمره، مستعيداً كل شيء.. بأملهِ وإيمانه وحُسن ظنه بالله وبنفسه.
بعد ساعات تواصلت في المرافعه ليقترب المحامي الخاص بي من منصه القاضي وهو يقول بنبرة وقار
= ريحانه ضحيه مجتمع بحاله ومش مجرمه زي ما العداله بتقول، ريحانه ضحيه عادات وتقاليد المجتمع اللي بيجبر البنات انها تسكت وما تتكلمش وما تدافعش عن حقوقها.. ومش بس قصه ريحانه لا في بنات كثير حصل ليها كده ولسه بيحصل ليها، زي القتيل حمدي عم ريحانه يا سياده القاضي التحريات اثبتت أن حمدي اعتدى واتحرش بـ 24 بنت وعمل فيهم نفس اللي كان بيعملوا مع ريحانه ..وده رقم تاكيدي لا ده احتمال يكون في اكثر من كده كمان والغريب ان ولا بنت من البنات دي قدمت شكوى واحده ضده ولا منها ولا من اهلها.. يعني حتى اهلهم ذات نفسهم ماوقفوش جنبهم ولا حد سمع ولا حس بالالام البنات اللي كانت بتعاني بعد اعتداء عليهم
ثم اكمل المحامي حديثه وهو ينظر إلي الساده القضاء بثياب وجديه
= وكل ده وليه؟, عشان خايفين من العار و الفضيحه اللي هيرتبطوا بإسم البنت و والعيله طول العمر.. ندمر اجيال ونفسيات اطفال صغيره ما لهاش ذنب في اي حاجه غير أن شخص خسيس ليس له علاقه بالرجوله والاخلاق قام بابتزاز الاطفال لرغباته الشهوانيه ..هي دي العداله ؟ هو ده العدل يا سيدي القاضي؟
بعد ساعه من الجدل والسماع الشهادات والمرافعات ترك القاضي فوق الطاوله التي امامه قائلا الحكم بعد المداوله.
حتي بعد مرور ساعة رجعوا مره اخرى القضاء مكانهم.... ابتلع أبي ريقه بصعوبة شديدة و قلبه يقفز بداخل صدره بعنف وهو ينتظر حكم سماع القاضي بنفاذ صبر.. بينما أمي جالسه جانبه تطلع امامها باعين شاردة بينما وجهها يرتسم عليه الحزن و الالم و هي لا تكف عن القلق والتفكير بي... وشفايفها تتحرك بهمس تدعي الي بي إظهار الحق.
بينما أنا لا ايزال واقفه بمكاني خلف القضبان غارقاً بعالمي المظلم من المشاعر التى تتصارع بداخلي.
بعد دقائق اعتدل القاضي في جلسته قبل أن يهتف بصوت قوي حازم
= حكمت المحكمه بحاله اوراق المتهم ريحانه اسماعيل عبد الرحيم الى المفتي ..رفعت الجلسه.
هزت تلك الكلمات أرجاء المحكمة فبعد ساعات من المرافعه والاحاديث المرهقه والشهادات وصرخات الاهات و انينات الموجوعين قد وصلت القضاه الى ذلك الحكم القاسي!
انتفض أبي و هو يشهق بلهاث حاد لا يصدق ما سمعه ليسقط مره ثانيه على المقعد بوهن بينما ضربات قلبه تتعاصف بداخله وهو ينحني راسه بين يديه بانكسار يتغلب عليه الشعور بالعجز و الذنب.
بينما أمي اخذت لحظات حتي تستوعب ما سمعته لتنهض فجاه وصرخات متتاليه خرجت منها بقهر مريرة وهي تلطم علي وجهها بعنف وتضرب على قلبها بندم وحسره كما لو ان روحها يتم سحبها بقسوة من داخل صدرها...
ظلت على هذه الحاله تصرخ بهستيريه و قد اصبحت الرؤية امامها مشوشة بينما كامل جسدها يصرخ من شدة الالم و التعب وهي تضرب جسدها بقوة وتبكي بحرقه مقهوره من الظلم نحوي، بينما ابي جانبها يجلس بقله حيله على نفسه وعليها.. اخذت هي تضرب فوق رأسها بعنف وتلطم وجهها دون وعي حتي بدأت تشعر بالدوار الشديد ولم تحاول المقاومة و استعادة نفسها بلا تركت نفسها لتسقط فجاه مرتمية علي الارض و هى تستسلم اخيراً للغمامة السوداء التى ابتلعتها بداخلها..