رواية مالك المصري الفصل الحادى عشر بقلم نسمة مالك
الطموح هو القوة الدافعة التى تحرك الإنسان لتحقيق أهدافه وأحلامه، هو الرغبة في النجاح والتقدم والتفوق في مختلف مجالات الحياة، و لكن تذكر أن الطموح هو سلاح ذو حدين يجب إستخدامه بتوازن وإعتدال لتحقيق الأهداف و الوصول إلى النجاح.
و ها هى بطلتنا الدكتورة "إسراء الدمنهورى" تحلق بتوهج في سماء طموحها ، بعقليتها النابغة وتفوقها المبهر تخطو بخطى واسعة نحو القمة حتى تربعت على عرش أوائل المتفوقين في مجالها ، ولكنها لم تكتفي بما حققت بعد !
ما زالت تسعى لتحقيق هدفها الأوحد، هدفها الأهم على الإطلاق ليس بالنسبة لها فقط بل بالنسبة لبلدها و ربما يكون للعالم أجمع،
وبعد غياب أكثر من ست سنوات كاملة بعيده عن وطنها منذ سفرها أول مرة وهى لم تكمل عامها الثامنة عشر وعادت الآن و هى في الرابعة و العشرون من عمرها،
لم تأتِ خلال تلك المدة الطويلة حتى أثناء الأجازات،
كانت أسراتها كاملة تسافر إليها يقضون معاها عطلتها التى لم تمنعها عن مذاكرتها، وصلت إلى حد الهوس من شدة تعلقها وحبها لدراستها حتى وصلت إلى مكانة مرموقة بجمعتها جعلتها من أهم طلابها ، حصلت على تميز حصرى لها غير مسبوق لأحد من قبلها ،
خبر وصول الطائرة الخاصة بالطبيبة المصرية الشهيرة " إسراء الدمنهورى " أصبح ترند على جميع المنصات الإلكترونية،
و أخيرًا عادت تلك النسرية القوية وهبطت على أرض وطنها في أستراحة محاربة قبل أن تعود للتحليق مرة أخرى،
أنطلق سرب من أفخم السيارات الفارهه ،
تكتز بحراسات عسكرية مشددة ،
يدوى منهم صوت إنذار مفزع في مشهد مهيب يقشعر له الأبدان ، وتطلع له العيون في فضول و حماس،
بأفضل سيارة تجلس "إسراء " برزانتها المعهودة وملامحها الجميلة رغم نظرات الغرور التى تعتليها،و من غيرها يحق له الغرور و هى قد ورثته عن والدها وأتقانته ببراعة تفوقه،
عقدت حاجبيها بتعجب حين توقفت سيارتها وجميع السيارات من خلفها قبل أن تغادر أرض المطار:
"وقفت ليه ؟!"
نطقت بها بتسأل لسائق السيارة، ليجيبها هو بدوره على الفور:
"مستنين أمر من رئيس الحرس يا فندم ".
نفخت بضيق مرددة :
"و المفروض استني أمر رئيس الحرس بتاعك ده كتير! أتحرك بينا حالاً يالا".
نظر لها وهو يقول:
" منقدرش نتحرك غير بأمر مباشر من سيادة الظابط رئيس الحرس يا فندم"..
أعتلت ملامحها الغضب و همت بفتح فمها و لكن انتبهت لباب السيارة المجاور للسائق يُفتح و وقف أمامه شخص ضخم البينة بطوله المُهيب، لم ترى وجهه ولكن وصل لسمعها صوته الأجش يتحدث عبر جهازه اللاسيلكى مردداً بأمر:
"أفتحوا الطريق ،الموكب يتحرك على قصر فارس باشا الدمنهوري "..
رباه أنه هو "مالك المصرى" بنفسه هو رئيس حرسها !!!
سنوات لم تسمع خلالهم صوته ،كانت تلك رغبتها وحققها لها ،هي عنيدة و هو عزيز النفس و أستطاع كبح نفسه عنها و دفن عشقه لها رغماً عنه، تركها ولم يقف في طريق طموحها ، ولن ينكر سعادته بنجاحها وتفوقها، و لكن إصرارها على أنه بمثابة أخ لها وأنها لن تقبل بعشقه ولا بالزواج منه مطلقاً أظهرت أصعب صفاته فأصبح صلب ، قاسي القلب و الملامح بفضلها وحدها،
بينما هي خفق قلبها خفقة كاد أن يقفز بسببها من بين ضلوع صدرها من قوتها،
تهللت أساريرها وأنبلجت أبتسامتها الرقيقة تُزين ثغرها مرددة أسمه بلهفة:
” مالك ”
لم يكترث لندائها رغم أن صوتها زلزل كيانه كله دفعة واحدة ،مال بجسده و جلس على المقعد المجاور للسائق غالقاً الباب بقوة و هو يقول بأمر: “أتحرك يا أبنى” ..
أعتلت ملامحها الإعجاب من هيبته،و عنفوانه و ضخامة جسده المعضل ،
أقبلت علي مقعده من الخلف و وضعت كف يدها على كتفه تحسه على النظر لها مغمغمه بنبرة تقصد بها أستفزازه:
“مش سامعنى وأنا بنادى عليك يا حضرة الظابط ولا أية! ”
أقتربت من أذنه و تابعت بغرور ” أنا بقول الكلمة مرة واحدة بس ..مبعدهاش”
حانت منه ألتفاته صغيرة و رمقها بطرف عينيه من فوق كتفه مدمدمًا بعمليه باحتة:
“حمد الله على سلامتك يا دكتورة”
عدلت نظارتها الطبيية بإحدى أصابعها بكبرياء و عادت تسند بظهرها من جديد على مقعدها ونظرت له عبر المرآه لكنه نجح في عدم النظر لعينيها :
” الله يسلمك..مرسيي يا مالك ”
لم تستطيع السيطرة على دهشتها من طريقته معاها الجديدة عليها كلياً ، و لا أعجابها الشديد بهيئتة الذى يتحلى بها،تعترف زادته السنوات الماضية نضج وتعقل و أيضاً وسامة د.مرت جمودها المعتاد معه، أخذت نفس عميق قبل أن تبتعد بعينيها عن المرآه قبل أن يرى هو نظرة الإعجاب التى تملئ عينيها ، لا تعلم أن مهاراته تمكنه من الإستماع إلى صوت أنفاسها العالية نتيجة شدة توترها،بل أنه يستمع لصوت دقات قلبها العالية جعلته يتيقن أن خطته في طريقها الصحيح نحو النجاح هذه المرة ..
بقصر الدمنهوري:
دوى صوت صرخات عالية بفرحة غامرة حين وصل صوت إنذار السيارات إلى سمع عائلة إسراء، ركضات على الدرج الداخلى للقصر ،تترأسهم الأم الملقبة بغرام المغرور تركض بلهفة وأعين تبكى من شدة الفرح و خلفها بناتها الخمسة و أبنها الوحيد ” فارس ” الصغير، انطلقوا جميعهم نحو باب القصر و من ثم إلى باب القصر الخارجى و كادوا أن يعبروا منه:
“أنتو رايحين على فين ؟!”
قالها “فارس” و هو يفتح زراعيه و يحتوي زوجته و بناته بين يديه يمنعهم من الخروج نحو الشارع .
“إسراء يا فارس..بنتنا جت..الدكتورة إسراء رجعت لحض.ننا يا فارس ”
نطقت بها زوجته بأنفاس لاهثة و عيون تنهمر منها العبرات ..
مسح بكف يديه على وجهها مغمغمًا: “أهدى حبيبتي..خدى نفسك “..
دار بعينيه بينها وبين بناته مكملاً:
“ممنوع حد يخرج للشارع ..أهدوا كده و أقفوا استنوها هى جاية على هنا ”
أنهى حديثه ووقف بجوار زوجته يحتوى كتفيها بذراعه ، و من حولهم بناتهم بينما الوحيد الذى تركه يخرج للشارع هو ابنه الصغير صاحب الخمس سنوات :
“فارس بس اللى مسموح له يقف في الشارع يستقبل أخته”..
قالها و هو ينظر بفخر لصغيره الذى قفز بفرحة و ركض نحو والده و هو يقول:
“جت ..إسراء جت ”
فور وصوله لولده عبرت السيارة بوابة القصر ،ليهب منها “مالك” أثناء سيرها ببراعة أذهلت جميع الواقفين ..
“مااااالك” صرخوا بها بنات فارس وهم يركضون نحوه و عانقوه بحب شديد ،
“معقول ده مالك؟!”تفوهت بها إسراء و هي تقترب برفقة زوجها بخطى متلهفة..
“كنت واثق أنه هيأمن بنتنا بنفسه “قالها فارس و هو يقترب منه و يعانقه رابطا على ظهره ببعض القوة،
“أنا قولت أنت قطعتنا و مش هتعرفنا تانى ”
قالتها إسراء بنبرة عاتبه ليخلع مالك نظارته الشمسية و يتنقل بنظره نحوهم بابتسامة دافئة مرددًا:
“مقدرش اقطاعكم أبداً..ده أحنا أهل و بينا عيش وملح”
تجمعت الأسرة كلها من حوله و قف هو يتوسطهم حامل فارس الصغير على يده يتبادلون السلام وقد تناسوا تلك الجالسة بسيارتها تشتعل غضبا.
قامت بفتح نافذة سقف السيارة و أنتصبت واقفة خرجت بنصف جسدها منها وتحدثت بغضب قائلة:
“هو مالك اللى كان مسافر و أنا اللى كنت بجيبه ليكم!!”
انتبهوا لها مجددًا فدوى صوت ضحكات الجميع على ما تفوهت به زاد من غيظها أضعاف، و هرولوا جميعهم تجاه سيارتها وهمت والدتها بفتح باب السيارة لتوقفها هى و تنظر ل مالك و تتحدث بأمر:
“أنت ..أفتح لى باب العربية”..
تسمروا جميعهم محلهم حول سيارتها،اتسعت أعين والدتها مرددة:
“بنت يا إسراء أيه أسلوبك ده يا بنتى!”
لم تبتعد بعينيه عن مالك الذى لم يرمقها بطرف عينيه حتى و تابعت بصوتٍ يملؤه الغرور:
“ماله أسلوبي..ده شغله اللى خلاه يدخل بيتنا تاني بعد كل السنين اللى فاتت ..مش كده يا حضرة الظابط؟”..
“بالظبط..زى ما قولتى يا دكتورة” تفوه بها مالك و هو يعطى فارس الصغير لوالده واقترب من السيارة وقام بفتح الباب لها ..
صكت على أسنانها قبل أن تخرج من السيارة و تلقي بنفسها داخل حض.ن والدتها التى ضمتها بلهفة و بدأت تبكى بنحيب مرددة من بين شهقاتها:
“واحشتيني يا بنتى”
أقترب فارس منهما وضمهما داخل حض.نه بعنا.ق حا.ر،
لم تبتعد إسراء بعينيها عن مالك الواقف بثبات و جمود يُحسد عليه ،يقوم بعمله على أكمل وجه عينيه تدور كالصقر بأرجاء المكان من أجل تأمينها ولكنه يرى نظرتها النارية له التى ترمقه بها أثلجت قلبه فبتسم ابتسامة مستهزءة بنظرتها عن قصد انتبه لها فارس:
“جرى أيه يالا..أنت حالق للبت ليه كده! أنت هتنسي نفسك و لا أية دى إسراء الدمنهورى ما تتعدل وحياة أهلك لعدلك “قالها له فارس الذى ترك زوجته و أبنته و ذهب إليه بغضب و هو يرمقه بنظرة يملؤها الغرور تُشبه نظرة أبنته تماماً..
صدح صوت ضحكة مالك و من ثم صمت لوهلة و نظر له نظرة يملؤها التحدى مردداً بثقة:
“أنا كنت ناسي نفسي فعلاً يا فارس باشا و أفتكرت متأخر أنا أبقي مين”
صمت لبرهة و اتجه بعينيه نحو إسراء و تابع وهو يرتدى نظارته الشمسية:
“و مش ناوى أكرر أى غلط غلطه قبل كده “..
“تقصد أيه يا مالك؟”صاحت بها إسراء وهى تقترب منه وتقف أمامه مباشرةً تطلع له بعيون تقدح شرارٍ..
“أول مرة أشوفك متعصبة كده يا دكتور ! ” قالها ببرود و غمز لها مكملاً: “أهدى العصبية دى مش لايقة عليكى ”
ابتسمت له ابتسامة مزيفة و هى تقول :
و لا أنت لايق عليك دور إنك مبقتش تحب إسراء يا مالك”
صمتت لوهلة و تابعت بثقة و هى تنظر داخل عينيه :
” و عمرك ما هتبطل تحبنى و عشان كده أنا رجعت .. رجعت لك عشان أقولك أنى موافقة أتجوزك”..