رواية العروسة الاسيرة الفصل الخامس بقلم فيوليت وينسبر
تتحمل موجات الرياح الشمالية العنيفة الباردة وموجات الرياح
الشرقية الجافة المثقلة بالغبار. ولاشك ان الابراج اقيمت لتعطي القلاع مظهرا يشيع الرعب في قلوب القراصنة الذين ينزلون في الساحل تحتها. وقديما قالوا ان بيت الرجل هو قلعته التي توفر الحماية
لعماله واهل بيته
وادركت من طريقة حديثه انه يجد سعادة وفخرا بالبيت القديم المتين البنيان الذي عاشت فيه اجيال متعاقبة من اسرته واحبته اشد الحب
ولهذا السبب كان يتوق الى انجاب
ولد يكون وريثا لهذه القلعة. وفي هذه اللحظة انفتح الباب وسارت رافينا الى القاعة الكبرى حيث كان وميض البرق يكشف دروعا عربية واثاثا عتيقا ولوحات عائلية معلقة على الجدران المطلية باللون البرونزي المتوهج كقطع
الخشب المشتعلة بالمدفأة.
صاحت رافينا قائلة:
" نار !!
صيحة ارتياح من شخص يكابد
البرد في داخل جسمه وخارجه واسرعت تركع فوق السجادة الصوفية وتشابكت اصابع يدها طلبا للدفء وطقطقت
الاخشاب المشتعلة التي كانت الظاهرة الوحيدة المرحة في تلك القاعة الكبيره ثمسمعت صوتا
يتسائل:
" اذن ... هذه هي العروس؟ "جاءت الكلمات فجأة من بين
الظلال فالتفتت رافينا واجفة القلب ورأت شخصا يجلس في مقعد بجوار المدفأة. كان للمقعد ظهر مرتفع والنقوش تزين مسانده وارجله وكان الشخص الذي يحتل المقعد امرأة عجوز ترتدي ثوبا اسود بينما
ارتاحت قدمها على مسند القدمين. استقرت عيناها على رافينا عينان سوداوان لا تشع الابتسامة فيهما راحتا تتأملان وجه الفتاة الشاحب وعيناها الخضراوان وشعرها الاحمر الذي بلله المطر. وتطلعت رافينا الى
مارك ورأت سمات الكبرياء في ملامحه وهو واقف الى جوار المدفأة
وامتدت يده ليساعدها على الوقوف فتوهج خاتمه والقى الضوء على ندوب وجهه فأجفلت رافينا من لمس يده ونهضت واقفة على قدميها دون الاستعانة به ولم تحاول ان ترى القسوة التي ارتسمت على
فمه فقال لها :
" دعيني اقدم لك زوجتي دونا جوكاستا ليوناردي عادة ادعوها
لانونا عندما اكون هادئ المزاج " تمتمت رافينا بالتحية التقليدية وكانت قد تمنت ان تلتقي بجدة
مارك اذ اعتاد ان يتكلم عنها بحنان
فهو سلتي وبينها وبينه شئ مشترك ولو ان دونا جوكاستا تتحدث الانجليزية بطلاقة الا انها لم تكن على مودة معها ولا شك انها تفكر هذه اللحظة في عروس ساردينيا التي اتى بها حفيدها الى البيت منذ ست سنوات مضت وكان على مارك ان
يبتسم وتألقت عيناه عندما طلب
شرابا وقال:
" انه من الواجب احتساء نخب لهذه
المناسبة السعيدة "
ونهضت دونا جاكوستا واقفة على قدميها فجلجل ثوبها الحريري الاسود مثل اوراق الشجر الجافة
وقالت :
"
هل تسمحون لي بالانصراف لانني
امضيت اليوم بطوله في الاشراف على اعداد غرفكم وتنظيف البيت. انا متعبة يا ماركوس وسأتناول وجبة
خفيفة في غرفتي قبل النوم "
قال بصوت يشوبه غضب هادئ : " ان تناول كأس معنا لن يستغرق
وقتا طويلا "
وتطلعت جدته نحوه ثم الى رافينا ولاحت ومضة من الحقد في عينيها
عندما استقرتا على رافينا وقالت : " لم تتقدم بي السن كثيرا حتى انسى ان العشاق يحبون الانفراد وانا واثقة من ان عروسك تفضل ان تستحوذ
عليك لنفسها "
وسارت الجدة نحوه وربتت على خده المشوه بالندوب وجالت يدها المتألقة بالخواتم فوق صفحته لتشاهد رافينا ملامحه مرة اخرى ورأت الجدة في عينيها نفورا من لمس مارك لذلك قررت ان تتركها وحدها في صحبته حتى تعلم نفسها ان تكون تحت رحمة طلباته. واحست
رافينا بالبرودة تسري في اوصالها حتى وهي قريبة من دفء النار حين
قالت السيدة العجوز لها : " ليلة طيبة. ارجو ان تجدي غرفتك مريحة. حجرة العروس حجرة كبيرة ولكن ولا واحدة من عرائس اسرة
كورزيو كانت تشكو منها "
رافق مارك جدته حتى فسحة واسعة تقع عند اول درجات السلم بينما
وقفت رافينا تتطلع الى النار. وتنبهت رافينا عندما شعرت بيدي مارك فوق كتفيها عندما انضم اليها وهي مستغرقة في هذا الجو الصامت
وقال لها :
" لا تتبرمي بما قالته لانونا انا سيدة
عجوز من اهالي سردينيا وهي غاضبة لانني لم اتخذ زوجة من بنات جنسي فأهالي سردينيا متعصبون لعشيرتهم ويتصفون بالكبرياء قالت رافينا بصوت هادئ
وقفت رافينا تتطلع الى النار. وتنبهت رافينا عندما شعرت بيدي " يبدو لي يا مارك ان زواجك مني
جلب الشقاء الى قلوب ثلاثة افراد "
وادار وجهها لمواجهته ورحلت يده اليسرى من كتفها حتى استقرت
على رسغها وسألها :
" ما الذي يدعوك الى الظن بانني
شقي؟ بالتأكيد انت تعرفين يا رافينا
انني اجدك فتاة جذبة بشعرك الاحمر وبشرتك البيضاء وعينيك
البحريتين اما عن سحرك ....."
وحدقت في وجهه واحست كأن
قناعا اسدل على وجهها فحال دون
رؤيته فسألته :
" الا تجعل لمشاعري حسابا لديك؟
هل انا مجرد شئ بالنسبة اليك؟ انفرجت شفتاه وتلألأت اسنانه " وسط وجهه الاسمر المشوه بالحريق
واستدار عنها وهو يقول: " انت انسانه تدخل السرور الى
القلب يا سيدتي .... هاهو ذا رينزو
اقبل لنا بالشراب سوف نحتسي نخبا وسنشعر بالدفء يسري في عروقنا
"
وصب الشراب من قنينة زجاجية في كأسين ثم ناولها احداهما واحست
ببرود الكأس في يدها اما الشراب فكان ذهبي اللون ورفع مارك كأسه وقال بلهجته الايطالية: " تحياتي " ونظرت رافينا اليه برزانة وقالت له ببرودة
" لم اتعود بعد على لغة اهل
سردينيا
قال :
" سأعلمك كل شئ عن اهل
سردينيا
كانت عيناه تحملان معنى عميقا وهو يقرب الكأس من شفته ثم
اردف قائلا:
" لا يمكن ان يتحقق التفاهم يا
رافينا بدون نشوب معركة او
اثنتين.. هذا ما يدفئني "
جالت رافينا ببصرها على الجدران
وتطلعت الى صور الاشخاص الغريبة
عنها وابصرت الظلال تلقيها
الشمعدانات وفسحة السلم الكبير
المؤدي الى البهو ثم عادت لتقول
من :
" ان ما يدفئني حقا مختلف تماما يا
مارك لانني لست ممثلة كتبت لها عواطفها لكي تؤديها انا هنا معك
ومع هذا لا اشعر بأي عاطفة "
فسألها ساخرا:
" ولا حتى الخوف؟ "
وتحولت ببصرها من سلم الغرف
العليا الى غرفة العروس التي سوف
تقاسمه النوم فيها وقالت له :
" هناك عواطف اقوى من الخوف يا
مارك "
احتسى نصف مافي الكأس ثم قال:
" اظن ان العاطفة المخادعة اقوى من الخوف ولكن لا مبالاتك
تسعدني الى ابعد حد "
وفي لحظة ارات ان تقول انها تشعر | بالامبالاة نحوه ولكن هذا الشعور لم يكن صحيحا لانها كانت تحس بقوامه ولونه الاسمر وكبريائه كلها ممثلة في وقفته امام المدفأة بل انها كانت تحس بعظمته... فقط عندما كان يشيح جانب وجهه المشوه
" بالندبة بعيدا عنها . قال: انتهي من احتساء كتفك حتى
نتوجه الى غرفتنا انت في حاجة الى انعاش جسمك بعد هذه الرحلة
الطويلة وقبل ان نتناول طعام
العشاء "
واتخذا سبيلهما الى فسحة السلم ورأت وجود عدة غرف وممرات تؤدي الى اجزاء مختلفة من المنزل ولكن رافينا احست انها ليست سيدة القصر وشعرت بانها شخص
غريب لا يشعر بالالفة في بيته. قال ماركوهما يرتقيان السلم متجهين
الى البهو :
جناحنا يقع في برج الفارس "
ثم استدار شمالا وسارا في ممر يقود الى سلم ضيق واحست رافينا وهي تسير الى جواره بانه لم يقم مع دوناتا في جناح الفارس وانما عاشا في
الجناح الآخر فسألته:
" ماذا يسمى البرج التوأم؟
" برج المادونا اطلقت عليه هذا
الاسم احدى جداتي وهي فتاة حالمة من توسكانا وان كان اهل ساردينيا لا يستسلمون لمثل هذه الخيالات
الرومانتيكية لانهم اناس عمليون " كانت هناك نافذه تجاور سلم البرج
وتسمح بدخول ومضات البرق التي كانت تهز اعصاب رافينا وربما كان البرق والظلال المتراقصة سببا في ان تسرع بارتقاء الدرجات حتى كادت تقع على وجهها لكن مارك كان اسرع منها اذ مد يديه ليحفظ توازن جسمها وفجأة التفت ذراعاه حولها فقاومته رافينا وهي تحاول الفرار منه
"...مرددة: " لا ...لا
لكنه امرها قائلا:
" اهدئ تماسكي... اليس من
التقاليد المتبعة ان يحمل العريس
عروسه ويعبر بها عتبة المنزل؟ " وفي خطوة طويلة حملها وعبر بها عتبة غرفة النوم حيث كانت المصابيح مضاءة والحطب مشتعلا
في المدفأة والدفء يشيع في ارجاء
الغرفة واثاثها .
وظل مارك حاملا رافينا ووجهها على مبعدة من شفتيه اللتين لا يبدو عليهما اية ملامح من الرحمة وقال: " انت تنظرين الي وكأنك تزوجت
شيطانا
قالت : " انا متعبة يا مارك وانت دائما
تعذبني "
واسبلت جفونها كأنها لا ترغب في | رؤية نظراته ومع ذلك كانت تحس بعينيه تتأملان شعرها وبياض بشرتها ولاول مرة في حياتها ادركت كيف تبدو امام رجل وكيف جعلها تشهر بانها مسلوبة الارادة. ولما كان هذا الرجل هو مارك فانها كانت تود ان تنشب اظافرها في جسمه حتى
يشعر بالام.
قالت له بوحشية:
" كم اكرهك. واكره هذا المنزل
وهذه الجزيرة التي تفخر بها احجار مبنية على احجار وانت لا تقل
حجرا عنها 1"
قال ساخرا:
" مجرد كلمات, هل تظنين ان مجرد
كلمات تستطيع ان تجرحني؟ "؟
قالت له :
" وهل تظن ان شيئا يمكن ان يجرح
حجرا الا الحجر. ولا يوجد شئ
اکثر برودة من امرأة باردة "
قال :
" مجرد وعود من شفاه ناعمة "
ثم اردف يقول: انني لم اتزوج منك من اجل
كلمات ناعمة او نظرات ناعسة او خضوع مستأنس وانما تزوجت منك لانني اريد طفلا بكل الروح والمرح
الذي ان يتمتع به درستي "
واحست في هذه اللحظة انه يتجرع الالم وان العذاب القاسي هزه حتى دفعه الى ان ينزلها من على ذراعيه ويبعدها عنه بقوة والقسوة تكسو
وجهه المشوه بالندوب.
قال :
" لقد احضروا لك ماء
للاستحمام
"
واشار الى اباريق نحاسية موضوعة | على عتبة الحمام ومناشف دافئة وستارة شفافة اسدلت امام الحمام
"
ثم اردف يقول :
اسباب الراحة هنا ضئيلة الى حد ما ولكنك ستشعرين بالدفء قرب المدفأة. دبرت لانونا وصيفة صغيرة لخدمتك لان اغلب الخدم هنا من الرجال وهذه الليلة يمكنك تبيرها
بنفسك "
قالت رافينا بهدوء: