رواية مملكة سفيد الفصل العاشر 10 بقلم رحمة نبيل

 




رواية مملكة سفيد الفصل العاشر 10 بقلم رحمة نبيل

وضعت لثامها تخفي وجهها قدر الإمكان، ترغب في ممارسة عادتها الليلة وتتدرب، فلا تعلم متى تصرخ الحرب باسمها لدعوتها نحو الساحة، ومتى تحين العودة للقصاص، لكن …

هي لا تمتلك سلاحًا كي تتدرب به، فسيفها الوحيد والذي فازت به بعد معركة طاحنة وعن جدارة، أخذه ذلك المسمى دانيار والآن عليها استعادته ولو كلفها الأمر حياتها، هذا السيف لن تتخلى عنه لأحد، فهو حقها هي، أخذته من فم الأسد ولن تلقي به بين مخالب ثعلب كذلك الرامي.

تحركت بخفة كبيرة وهي تتنقل بين ممرات القصر دون أن ينتبه لها أحد، تبتسم بسمة واسعة ترى جميع الحراس منتشرين في كافة أركان القلعة :

” يبدو أن الأمر هنا أصعب مما توقعت ”

أخذت زمرد حذرها، ثم بدأت تتنقل بين الممرات بشكل خفي تعلم وجهتها جيدًا …حجرة القائد دانيار .

وفي حجرة دانيار ..

كان الاخير يتحرك بنزع ثيابه ليأخذ حمامًا دافئًا بعد معركة طويلة في مملكة مشكى، نظر لثيابه التي تلوثت بالدماء بملامح حانقة :

” هذا لن يزول بسهولة، سترة أخرى ذهبت ضحية المتعة ”

خلع سترته يلقيها ارضًا بإهمال شديد، ثم سار صوب المرحاض الخاص به يغلق بابه في الوقت الذي ظهر خيال اسود أعلى نافذة الجناح بعدما اتخذت زمرد اسهل الطرق للدخول متلاشية الحراس أمام الجناح .

ابتسمت باتساع تسمع صوت المياه الجارية داخل المرحاض، قفزت داخل الغرفة بخفة شديد، ثم ركضت تتحرك في كل مكان باحثة عن سيفها، بدأت بخزانة الثياب الخاصة به .

تبحث بسرعة وهي تنظر خلفها كل ثانية والأخرى، تبتلع ريقها بريبة شديد خشية أن يخرج أثناء بحثها .

وحينما فشلت في إيجاده داخل الخزانة، ركضت بسرعة تبحث في كل مكان، أسفل الارائك وفي حافظة الأحذية الخاصة به، حتى شعرت باليأس من إيجاده، رغبة عارمة بالصراخ أصابتها، يالله ليس سيفها العزيز، ليس ذلك السيف، هل …هل يمنكها العودة لحجرتها وغدًا تطالبه به بكل ود وبالطرق السلمية العادية ؟! أم أنه سيكون من الغلظة ليرفض؟!

وبحسبة سريعة ومرور سريع على تصرفات دانيار معها، رجح عقلها الخيار الثاني، هو لن يعيد لها شيئًا، خاصة وأن القوانين تمنع حمل الأسلحة الحادة للعاملين من غير الجنود .

زفرت تحاول ايجاد حل، حتى شعرت باليأس لتقرر الخروج بسرعة قبل خروجه هو من المرحاض .

لكن بالإستماع لصوت تحريك مقبض الباب شعرت بقلبها يكاد يتوقف، ودون حتى أن تستوعب ما يفعل جسدها كانت تلقي نفسها ارضًا تتدحرج لاسفل الفراش بسرعة كبيرة تكتم نفسها .

خرج دانيار من المحرض يلف منشفة حول خصره يتعجب تلك البرودة التي ملئت حجرته، لمح النافذة المفتوحة ليضيق ما بين حاجبيه بتعجب، تحرك صوبها كي يغلقها لكن فجأة توقفت يده عما يفعل ثواني وتحركت عيونه في المكان، ثم أغلق النافذة ببساطة شديدة …

تحرك دانيار حول الفراش يميل بنصف جسده العلوي كي يلتقط سترته الملوثة ليلقيها في سلة الملابس، بينما أنفاس زمرد كادت تتوقف، حاولت أن تعود بجسدها للخلف كي لا يلمح خيالها أسفل الفراش .

و دانيار التقط السترة بهدوء شديد يبتسم بسمة صغيرة، ثم تحرك يلقيها في السلة الخاصة بها، وقف أمام الخزانة يخلع المنشفة، يرتدي بنطال قماشي، ثم سترة أخرى منزلية مريحة، وما كاد يبتعد حتى أبصر المنشفة ارضًا ليميل يلتقطها بهدوء، وزمرد تكاد تسقط في اغماءه من شدة رعبها وضربات قلبها مع كل مرة يميل ارضًا ..

” يالله رحمتك ”

وبمجرد أن التقط دانيار المنشفة تنفست الصعداء، لكن لسوء حظها سقطت من يده بالخطأ مجددًا، ليميل مرة أخرى وتكتم أنفاسها برعب :

” أيها الحقير، قلبي سيتوقف رعبًا، ألن ينتهي هذا ؟؟”

ألقى دانيار المنشفة في سلة الثياب، وبعدها تحرك صوب المرآة التي تتوسط الجدار يمسك عبوة من الدهان الخاص بالجروح ..

وبدأ يمرر إصبعه على جروحه التي أُصيب بها خلال المعركة، لكن سقطت العلبة منه لتتدحرج بسرعة كبيرة صوب الفراش … أو هو من أسقطها عمدًا .

ابتسم دانيار بخبث شديد يتحرك صوب الفراش متظاهرًا بالبراءة في افعاله، يميل بنصف جسده يبحث عن العلبة والتي كانت بالتحديد جوار جسد زمرد، وزمرد في تلك اللحظة كانت ترتجف من الرعب .

مدت أصابعها الطويلة تدفع العلبة بخفة صوب يد دانيار كي لا يضطر للنظر أسفل الفراش، وحينما امسكها تنفست الصعداء وهو ابتسم يقول بهدوء معتدلًا :

” شكرًا لكِ ”

ابتسمت زمرد براحة تلقي رأسها ارضًا كي تتنفس واخيرًا براحة :

” العفو ”

لكن ما كادت تستوعب ما حدث، وقد اتسعت عيونها بشدة، حتى سمعت صوتًا جوارها يهمس بصوت خافت :

” مرحبًا ”

انطلقت صرخة مرتفعة من فم زمرد التي انتفض جسدها برعب وصدمة لتصطدم رأسها في الفراش، ولم تعطي لنفسها حتى حق التألم لتلك الضربة، إذ بدأت تزحف للخلف وهي ترى جسد دانيار يشاركها أسفل الفراش وعيونه تلتمع بسواد مخيف .

حاولت أن تتنفس، لكن رؤيته بذلك الشكل وتلك الهيئة جعلتها تسارع للخروج من أسفل الفراش، ودون أن تتوقف لحظة تحركت صوب النافذة راكضة، مدت يدها تفتحها، لكن شعرت بسيف يوضع على ظهرها وصوت دانيار يردد :

” يبدو أنكِ لن تتوقفي حتى تسيل دمائك على سيفك العزيز ”

تنفست بصوت مرتفع وهي تغمض عيونها بقوة، ثم استدارت صوبه ببطء ترفع يديها في الهواء، وفي ثواني كانت يدها تمتد لتختطف السيف من يد دانيار، لكن دانيار لم يكن بالابله، إذ تدارك سريعًا ما تريد فابتعد عنها بسرعة كبيرة ليتهاوى جسد زمرد ارضًا وتعلو صرخاتها في المكان بأكمله، تنفست بعنف وهي ساقطة ارضًا والسيف على ظهرها وصوت دانيار يقول :

” كلمة أخيرة ؟؟؟”

__________________________

هل كُتب عليه أن يكون هو مرمى جسد تلك المرأة في كل مرة تسقط ؟؟ تنفس سالار بصوت مرتفع يحاول أن يرى إن كانت بخير باكثر الطرق لطفًا، مذكرًا نفسه أنها وللأسف الشديد الملكة هنا، مهلًا للمرة الكم يذكر نفسه بهذا الشيء ؟!

كانت تلك الأفكار تدور داخل رأس سالار بقوة وكأنها تتنافس على من يتسيد تفكير، بينما تبارك تضع رأسها على الأرض تتألم من السقطة، بل وبدأت تخرج اصوات حانقة وسبات لا تصل له .

مسح سالار وجهه، ثم مرر يده في خصلاته الصهباء يبعدها عن عيونه ليرى ما حدث لها، زفر يحمل خنجره يضعه أسفل رأسها، ثم ببطء رفعه واعلاه رأسها يبعد رأسها عن الأرض بكل هدوء وبمجرد أن

رفعها نظر لها بريبة أن تكون قد تأذت بسببه خاصة أنها لم تنطق بكلمة حتى الآن، وحينما اطمئن أنها بخير سحب الخنجر ليسقط رأس تبارك مجددًا ارضًا بخفة لصغر المسافة بينه وبين الأرض .

لكن تلك السقطة كانت أكثر من كافية لينتفض جسد تبارك وتعود للخلف بسرعة تتحدث بغضب شديد :

” ايه يا اخي، فيه ايه ؟؟ مستكتر عليا لحظات الوجع اللي بعيشها ؟!”

كانت تتحدث وهي تمسح فمها في عادة منها بعد استيقاظها مخافة أن يكون لعابها خرج دون وعي ..

وسالار يراقب كل ذلك بأعين حانقة مغتاظة:

” ما الذي تفعلينه في هذا الوقت ؟! خارج غرفتك وفي هذه الممرات ؟!”

نظرت تبارك حولها تتأكد من حجابها وقد تحقق كابوسها وهو أن يراها نائمة بشكل فوضوي غبي، هذا الرجل لا يراها سوى في اسوء اسوء حالاتها.

نظرت له تقول محاولة تذكر ما تريد :

” أنا كنت …كنت جعانة ولما خرجت معرفتش اوصل المطبخ، وتوهت وبعدين معرفتش اروح فين، دورت على حد لكن مفيش جنود هنا خالص تقريبًا راحوا يناموا، بعدين ملقتش حل غير اني اقعد استنى حد يعدي يرجعني الاوضة بتاعتي، وشكلي كده سقطت في النوم ”

ختمت حديثها بكلمات خجلة وهي تمسح عن وجهها أي علامات نعاس أو نوم، تشعر بالخجل من حالتها أمامه.

وسالار الذي كان يستمع لكل تلك الكلمات المتدفقة من فمها، لا يصدق حقًا مقدار البساطة التي تتحدث بها، الملكة تنام بين ممرات القصر لأنها لم تستطع العودة لجناحها، حادثة فريدة من نوعها .

تنفس بصوت مرتفع ثم قال :

” هل أنتِ بلهاء ؟؟”

ولم يكن من تبارك سوى الإجابة بكلمات بسيطة :

” الله يسامحك ”

” أيتها الغبية تنامين في مكان مكشوف لأي حقير قد تسول له نفسه قتل الملكة، تنامين في الممرات دون أن تعبأي لأي شيء ؟؟ أنتِ الملكة .. الملكة، هل من الصعب عليكِ فهم ذلك ؟!”

” لا من الصعب عليك أنت مش عليا، بدل ما تفضل تقول اني الملكة قول لنفسك وللي شغالين معاك، أنا محدش بيحترمني في المكان ده غير الملك الله يباركله ويعمر بيته، قعد معايا وكان زي البلسم، إنما أنت اللهِ لا تكسب ولا تربح دايمًا تطلع فيا القطط الفطسانة كده ”

كان حديثها جديًا غاضبًا منه، ابتسم سالار بعدم تصديق، هل تقارنه الآن بالملك ومعاملته لها؟؟ هل هي حانقة لأنه يتعامل معها بشكل طبيعي كما يتعامل مع باقي البشر ؟!

كاد يتحدث ليبرر لها الأمر، لكن فجأة توقف يقول بعدما استوعب ما قالت :

” هل قمتي بالدعاء عليّ للتو ؟؟”

نظرت له تبارك دون أن تهتم بالرد عليه، تنهض عن الأرض تنفض ذلك الفستان الغبي الذي ترتديه :

” قوم رجعني الاوضة بتاعتي عايزة انام ”

نظر لها سالار وهو ما يزال جالسًا ارضًا، بينما هي تنظر لها من علوها بتكبر لا تهتم لنظرات سالار المصدومة وهو يحاول أن يستوعب أنها للتو أمرته بكل تكبر، وهو الذي حتى الملك يتحدث معه بكل الاحترام لفرق العمر بينهما والذي يصل لثلاثة أعوام ..

وتبارك لا تهتم بكل ذلك فقط تضع يديها في خصرها تنتظر منه أن ينهض لينفذ أوامرها :

” ايه هفضل مستنية كتير ؟؟ ”

نهض سالار بقوة وبسرعة كبيرة، مما جعل جسد تبارك يتراجع بسرعة كبيرة للخلف بردة فعل طبيعية تضع يديها أمام وجهها بخوف منه، وهو أصبح بضعف حجمها ويرمقها من علوه وهي تنظر له مبتلعة ريقها برعب .

” هل أخبرك أحدهم أنني أعمل خادمًا لسيادتك مولاتي ؟؟”

نفت تبارك برأسها وهي تبتلع ريقها بريبة من نظراتها، مال سالار بعض الشيء مع الاحتفاظ بمسافة مناسبة بينهما؛ كي يوصل كلماته لاذنها إذ يبدو أن سمع تلك المرأة به خطأ :

” أنا لستُ خادمًا لكِ مولاتي، لذلك تحركي وجدي من يدلك على الطريق غيري، لستُ متفرغًا لتصرفاتك الصبيانية ”

كان يتحدث بينما تبارك تخفي وجهها خلف يديها برعب من همساته ونظراته :

” حاضر، حاضر ”

ابتسم لها سالار بسمة واسعة، ثم قال برضى :

” جيد، والآن اعذريني مولاتي فأنا مشغول بعض الشيء”

تركها يتحرك بكل بساطة مبتعدًا عنها، وهي وقفت مصدومة مكانها، هل يمزح معها ؟؟ أخبرته أنها ضلت الطريق بسبب جوعها، ولم يهتم بحالتها أو حتى جوعها .

شعرت بالقهر يندفع داخل صدرها وقد عادت لها ذكريات الملجأ قديمًا حينما كانت تبيت ليلتها جائعة وتسكن معدتها ببعض المياه :

” على فكرة أنت لو استمريت تعاملني بالشكل ده انا هسيب ليكم القصر ده واطفش ومحدش هيعرفلي طريق”

توقف سالار فجأة لتبتسم وهي تمسح الدمعة الوحيدة التي كادت تفلت لحسرتها وقهرها، وهو استدار نصف استدارة ونظر لها ثواني ثم قال ببسمة :

” جيد، احرصي ألا تضلي الطريق أثناء هروبك، حتى لا نجدك وقد عدتي لجناحك بالخطأ ”

ختم حديثه يميل قليلًا باحترام شديدة :

” بالتوفيق مولاتي ”

اتسعت عيون تبارك بقوة من حديثه، وشعرت بالكره يمليء صدرها لذلك الرجل، هو أكثر لئمًا من عاملة الملجأ حتى .

استدار سالار يكمل طريقه، لكن فجأة توقف حين شعر بشيء يصم في ظهره بقوة شديدة .

ضيق ما بين حاجبيه يستدير ببطء ليبصر أحد المزهريات النحاسية أسفل قدمه بعدما ضربته بها، الملكة ألقته بمزهرية، حقًا ؟؟ امرأة ضربته مجددًا ؟؟ وهذا يذكره يوم ضربته في المشفى بمزهرية كذلك

رفع سالار رأسه صوبها ببطء مرعب جعل تبارك تعود للخلف ودموعها تسقط بقهر :

” أنت اللي اضطرتني اعمل كده ”

مال سالار برأسه في حركة معتادة منه، لترتسم بسمة مرعبة على فمه، وهي ابتسمت له بسمة صغيرة سخيفة ظنًا أنه يبتسم لها، لكن في ثواني كان صدى صرخاتها يرن في الممر بأكمله وهي ترى سالار يستل سيفه من غمده صارخًا بجنون :

” ترميني بقطعة حادة ؟! الويل لكِ ”

ومن بعد تلك الكلمات لم تكن تبارك ترى أمامها سوى ممرات تتحرك بسرعة وطرق تدخل بها، وهي تركض صارخة بجنون، تبكي رعب جلي وقد شعرت أن قلبها سيتوقف :

” أنا آسفة ..والله العظيم أنت اللي عصبتني، أنا آسفة”

كانت تركض دون أن تبصر حتى أن سالار لم يتحرك خطوة من موضعه بعدما نزع السيف، بل فقط اخافها كي لا تكرر فعلتها ونجحت خطته وبامتياز .

ابتسم يضع السيف في الغمد مجددًا، يتجاهلها متحركًا صوب مكتبة العريف كيف يعلم منه ما جاء لاجله، لكن فجأة توقف وصوتها يرن في أذنه وهي تخبره أنها جائعة وضلت الطريق.

نظر صوب طريق المكتبة ثواني، قبل أن يتراجع لنفس الطريق الذي ركضت به تبارك، يلحق بها بخطوات سريعة وهو يهمس بضيق :

” أنا لا أحب هذا …لا أحب كل هذا ”

____________________

دخلت الغرفة بسرعة وصوت انفاسها المرتفعة أيقظت تلك النائمة من أحلام اليقظة الخاصة بها، لتنتفض عن فراشها بأعين شبه مغلقة وصوت ناعس :

” من ؟؟ ماذا يحدث هنا ؟!”

فجأة أبصرت برلنت جندي يتقدم من فراشها يشير لها أن تصمت، شعرت بجسدها يتيبس رعبًا من خطواته تلك، هزت رأسها بخوف :

” أنا… أنا لم اؤذيه، أقسم أنه هو من كان ساقطًا في دمائه قبل أن أراه حتى، ارحمني، لقد اعتذرت منه ووافق على مسامحتي و..”

وقبل أن تسترسل في المزيد من التوسل نزعت كهرمان لثامها تقول بغيظ من كلام برلنت :

” هذه أنا برلنت ما بكِ ؟!”

اتسعت أعين برلنت بعدم فهم لما ترى، هي عندما خرجت لم تكن بهذه الهيئة، ولا تدري إلى أين ذهبت، لكنها خرجت فتاة وعادت جندي .

” كهرمان ؟! ما الذي ترتدينه ؟! هل تحاولين افتعال كارثة هنا ؟؟ إن رآكِ أحد جنود الملك ستكون نهايتك يا حمقاء ”

خلعت كهرمان ثوبها وهي تنظر صوب برلنت تقول ببسمة بسيطة :

” لا تقلقي عزيزتي لم يرني أحد جنود الملك ”

” حمدًا لله ”

” بل الملك بنفسه من فعل ”

اتسعت أعين برلنت بصدمة وهي ترى بسمات كهرمان الغريبة التي تعلو وجهها، والأخيرة كانت فقط شاردة به، ذلك الرجل الذي تشعر كما لو أنه شخصين داخل شخص واحد ..

الملك الهادئ والحكيم الذي يتعامل معها ومع الجميع بحكمة، وذلك الحقير الذي يكاد يقتلها داخل ساحة التدريب رغم معرفته أنها فتاة، لكنه لا يهتم بذلك، بل يعاملها كعدو حقيقي .

في تلك اللحظة انتبه الجميع لصوت فتح الباب واندفاع جسد زمرد منه تنزع عنها لثامها، تخطو صوب فراشها بوجه شاحب، ثم تسطحت عليه تنظر للسقف بشكل غريب وصدرها يعلو في وجيب منتظم بفعل أنفاسها .

نجت ..هي نجت منه، هي حية، لقد خرجت من أسفل يده بأعجوبة، ومن بين كل كلمات برلنت وكهرمان اللتين حاولتا معرفة ما يحدث، جذبت الغطاء بكل بساطة ووضعته على عيونها، وصوت همس دانيار يرن في أذنها :

” لولا أنني لم أعتد يوم محاربة النساء أو ضربهن، لكنت فعلت الآن، لكن ولأنني شخص نبيل سأمنحك فرصة الهروب من أمام وجهي ولتحاولي أن تتلاشي مقابلتي في الأيام القادمة ”

رفعت زمرد عيونها له تنظر له بشر كبير لتتسع بسمة دانيار أكثر هامسًا :

” عندما تحاولين التسلل والاختباء في المرة القادمة، احرصي على تجنب جميع الأماكن القريب من أي سطح عاكس ”

رمقته بعدم فهم ليشير بعيونه صوب زجاج النافذة والذي يعكس كل ما أسفل الفراش، لتشهق هي بصدمة كبيرة، لكنه لم يهتم يشير للسيف الخاص بها :

” جئتي لأجله صحيح ؟!”

رفعت حاجبها :

” هو لي .”

” لم يعد كذلك، غير مصرح لكِ بحمل الأسلحة أسفل قصر الملك ”

وبعد هذه الكلمة لا تعلم كيف نهضت تتحرك صوب النافذة بسرعة وكأنها هربت منه وليس هو من تنحى جانبًا سامحًا لها بذلك، ولا يدري حقًا السبب، لكنه فقط تركها تتحرك صوب النافذة وقبل أن تفكر في الهرب استدارت له تقول بصوت متوعد :

” لنا لقاء يا سيد .”

منحها دانيار ابتسامة ساخرة بعض الشيء :

” في الانتظار يا سيدة ”

ضمت زمرد غطاء الفراش لصدرها تعضه بغيظ مكبوت بعدما تذكرت ما حدث لها، تشعر بنيران تشتعل داخل صدرها من ذلك الرجل الغير معقول، يالله لو أنها فقط تـ ..

” زمرد ما بكِ؟؟ منذ اقتحمتي الغرفة وأنتِ شاردة تتعاركين مع الغطاء، ماذا حدث لكِ، ثم أين كنتِ ؟!”

استدارت زمرد على جنبها تراقب الفتاتين على الفراش أمامها ينتظرون منها كلمة تطمئنهم :

” لا تقلقا أنا بخير، فقط كنت أسير كي استشنق بعض الهواء النقي ”

” وما الذي أصابك ؟؟”

كان هذا سؤال برلنت المتعجب، لتتنهد زمرد تقول بصوت حانق مرهق بعض الشيء :

” لا شيء، فقط تذكرت أمرًا مزعجًا، والآن لننم قبل حلول الصباح، فلدينا بعض ايام الراحة لننعم بها ”

ختمت حديثها مبتسمة، ثم استدارت تغمض عيونها بقوة حتى تبعد كل الأفكار عنها، لكن تلك الافكار أبت إلا أن تصاحبها تلك الليلة …

__________________

بحث عنها في جميع الممرات وهو يتمنى أن تكون قد وجدت غرفتها ليريح ضميره ويعود لما كان سيفعل، لكن فجأة وجدها تقف عن مفترق طريق وهي تحرك أصابعها في الهواء وتقول كلمات غير مفهومة .

اقترب سالار بريبة منها يرهف السمع وقد وصل لمسامعه كلمات عجيبة :

” حادي بادي كرنب زبادي، شالو وحطوا وكالوا على دي، يا كتكـ …”

وقبل حتى أن تضيف كلمة واحدة على تلك الكلمات الغريبة التي غالبًا ما يستعملها المصريون حين حيرتهم في شيء بغرض الاستقرار على أمرٍ ما، وجدت تبارك جسدها يصطدم في الجدار جوارها حتى شعرت بعظامها تستغيث، وقبل أن تصرخ أبصرته يقترب منها هامسًا بصوت مرعب وسيفه قد استقر على رقبتها يتساءل بهدوء شديد وتعجب :

” ما تلك التعاويذ أيتها المشعوذة ؟! هل أنتِ من نسل سحرة ؟!”

تحركت عيون تبارك المصدومة من السيف لعيون سالار الذي كان يقف أمامها بهيئته الضخمة، قالت بصوت خافت خرج بصعوبة بسبب رعبها :

” أنا بس كنت …كنت عايزة أكل وانام ”

لكن سالار تجاهل كل ذلك يقول بصوت محذر :

” ما تلك الكلمات التي كنتِ تلقينها محركة بيديكِ في الهواء ؟؟ أنتِ ساحرة ؟؟”

لم يكن سالار يمزح أو يبالغ، فالسحر أمر مرفوض في البلاد وقد عوقب العديد من الأشخاص على ارتكابهم لذنب كممارسة السحر واذية غيرهم، وقد سمع يومًا بعض تعاويذهم والتي لم تكن مفهومة، تمامًا ككلمات الملكة .

جاهدت تبارك للتحدث وعيونه تكاد تحرقها حية وهي فقط تنظر للسيف بخوف لا تنزع عيونها عنه تحاول ابعاد رقبتها عنه :

” على حسب أنت قصدك ساحرة اللي هي جميلة، ولا الساحرة بتاعة المكنسة الطايرة ؟!”

رمقها سالار بعدم فهم :

” ماذا ؟؟”

لكنها لم تهتم وهي تكمل :

” هفترض حسن نيتك واقولك الله يكرمك، بس معلش ممكن بس تبعد السيف شوية لاحسن ..أنا بس عندي حساسية من المعدن بتاعه ”

كانت تتحدث وهي تدفع السيف بطرف إصبعها محاولة أن تتلاشى حافته الحادة، لكن سالار بنظرة واحدة جعلها تتراجع أكثر حتى كاد تطبع جسدها على الجدار خلفها تقول بخفوت :

” كل ده عشان ضربتك بالفازة النحاس ؟؟ امال لو ضربتك بالنار هتعمل فيا ايه ؟!”

نظر لها سالار ثواني، ثم فجأة شعر بالصدمة حينما تذكر أنها بالفعل ضربته، وها هو سبب آخر كي يقتلها دون تأنيب ضمير، لكن كمحاولة أخيرة لاستخدام كرمه وعدله :

” والآن اعطيني سببًا واحدًا يمنعني من قتلك ”

ابتلعت ريقها تقول بكل ذرة براءة كانت تختزنها داخلها طوال تلك السنوات :

” عشان أنا الملكة ؟؟”

لكن يبدو أن طول فترة تخزينها لبرائتها أصابها الصدأ وتضررت، فما ظهر على ملامحها وهي تتحدث بتلك الكلمات لم تكن براءة بأي شكل من الأشكال، بل كانت بلاهة ورعب .

ارتسمت بسمة جانبية على فم سالار يقول :

” حتى إن كان الملك نفسه ساحر فسيُعدم ”

” بس …بس أنا مش ساحرة، أنا…بالله عليك بص لوشي، ده وش ساحرة ؟؟ أنا يعني لو كنت ساحرة كان ده هيبقى حالي ولا كنت سكتلك على اللي بتعمله معايا ؟؟ اقسم بالله كنت وقتها سخطتك و…”

صمتت تكتم صرخة بيدها وهي تراه ينزع السيف عن رقبتها مانحًا إياها نظرة تحذيرية مخيفة، ثم قال بصوت خافت :

” نعم أنتِ محقة، لا يمكن لفتاة غبية مثلك أن تكون ساحرة ”

ختم حديثه تاركًا إياها بعدما أشار لها دون كلمة واحدة أن تتبعه، وهي فقط نظرت له تتنفس بصوت مرتفع ورعب، لا تدري أتسعد لأنها حية، أم تغضب لأنه وصفها بالغبية ؟؟

سارت خلفه محاولة أن تجاري خطواته السريعة والواسعة، ولم تتحدث بكلمة واحدة منذ رمى في وجهها أنها غبية دون وضع اعتبار أنه يتحدث للملكة ورحل هكذا بكل بساطة .

زادت من خطواتها حتى تلحق به وهي تردد ببسمة متناسية كل ما قاله منذ ثواني وأنه كاد يقتلها جديًا، وأن سيفه كاد ينحر رقبتها إن ابتلعت ريقها بالخطأ، هي فقط لا تحب ذلك الصمت الخانق، كما أن ذلك الرجل أمامها غامض بشكل مستفز بالنسبة لشخص فضول مثلها فأرادت التعرف عليه :

” صحيح مقولتليش، هو أنت تبقى قريب الملك ؟!”

استدار لها سالار يرمقها بحيرة لا يعلم سبب طرحها هذا السؤال الغريب، لتبرر تبارك الأمر ببعض الحجج الواهية :

” اصل يعني اخدت بالي من عشم كبير بينكم وأنت بتكلمه ولا كأنه الملك بتاعك، ولا أنت كده مش بتحترم حد ولا حد مالي عينك في البلد دي زي ما بتعمل معايا ؟؟” 










ورغم جهل سالار بمقصدها خلف بعض المصطلحات والكلمات، إلا أنه صمت ولم يجب وهي زادت من سرعة خطواتها تكمل ذلك الحوار الشيق من طرفها :

” هو اشمعنا أنت الوحيد اللي شعرك كده ؟؟ يعني كلهم هنا شعرهم اسود وساعات بني واصفر، ليه أنت اللي شعرك لونه احمر كده ؟؟”

ابتسم سالار ولن يتحدث بكلمة واحدة يجيب على كل تلك الاستفسارات الغبية _ من وجهة نظره_ لكن ذلك لم يمنع تبارك من استكمال ذلك الحوار بينهما :

” أنت شبه والدك ولا والدتك ؟! يعني الشعر ده وراثة ولا خلقة ؟! اصل أنا طول عمري نفسي في شعر زي ده ؟! أنت بتستخدم نوع كريمات معينة ؟؟ دي صبغة ولا بجد”

توقف سالار فجأة وبشكل جعلها تتراجع للخلف بريبة وهو فقط نظر لها ثواني يراها تتنفس بسرعة وكأنها كانت في سباق ركض :

” هل كلفك الملك بعمل دراسة حول ألوان شعر الشعب ؟؟”

نظرت له وهي تحاول أن تجد ردًا على حديثه، هي لم تكن تريد الحديث بأمور عشوائية كتلك ابدًا، لكن الأمر وما فيه أنها تشعر بالرهبة حين السير جواره وحديثها حتى لو مع نفسها يقلل من ذلك الصمت الخانق والمرعب .

تنفست بصوت مرتفع :

” لا، أنا بس ….بسأل عادي، لو مش حابب تجاوب أنت حر”

نظر لها يقول باستنكار :

” بالطبع أنا حر، وهل أخبرك أحدهم أنني عبد ؟؟”

رمقته ببلاهة شديد لا تفهم ما دخل العبد بحديثها، وهو فقط زفر بصوت مرتفع يكمل طريقه صوب مطبخ القصر وهي خلفه، لا يعلم ما الذي يفعله، في حياته كلها لم يحدث وأن خطى ذلك الجزء من القصر، والآن يفعل ليطعم الملكة، هل يلعب الان دور والدها ؟! ام يلعب دوره كمرشد للقصر ؟!

زفر بغضب وهو يتجاهل صوت خطواتها الراكضة خلفه، وهي لم تتوقف عن الحديث أبدًا :

” هو اشمعنا أنا اللي ابقى الملكة ؟؟”

” عقاب من الله ”

” يعني من بين كل بنات المملكة مكانش فيه ملكة مناسبة غيري، ليه انا بذات اللي اختارتوني؟ ”

صمتت ثم ركضت كي تسبقه تقف في وجهه وهي تواجهه بذلك السؤال الذي فكرت به مئات المرات دون أن تصل لرد محدد :

” أنت المفروض وحسب ما عرفت أنك واحد ليك مركز هنا والناس كلها ماشاء الله بتخاف منك ”

رفع سالار حاجبه يبتسم بسمة جانبية هامسًا :

” وأنتِ لا تفعلين؟؟”

نظرت له تبارك مطولًا، هي لا تخاف منه، هو لن يؤذيها، إذن ما الداعي للخوف ممن لا يضمر لها أذى، فتحت فمها للحديث وأخباره أنها لا تفعل :

” لا واخاف منك ليـ ”

وقبل أن تكمل كلماتها وجدت يده ترتفع في لتشهق وهي تتراجع بعيدًا عنه بخوف تخفي وجهها، وهو فقط كان يبعد خصلات شعره عن عيونه، لكن بعد حركتها تلك ابتسم بسخرية لاذعة :

” نعم أنتِ لا تفعلين ”

زفر باستهزاء وقبل التحرك تحدثت هي بما كانت تريد قوله :

” نسيتني كنت هقولك ايه، المهم بما أنك واحد يعني ليك مكانتك وكده يعني، وجيت مخصوص كل المشوار وعديت كل المخاطر دي عشان بس تجيبني لهنا، هل أنا فعلا مهمة اوي كده ولا ايه بالضبط ؟؟”

رمقها سالار مطولًا حتى ظنت أنه لن يجيب كعادته وسيكتفي بالتحرك بعيدًا عنها وتجاهلها كما جرت العادة، لكنه خيب ظنها _ ويا ليته لم يفعل _ واجابها بكل بساطة :

” أنا لم أفعل ذلك بكامل إرادتي، لقد اجبروني على الذهاب واحضارك ”

ختم حديثه وهو يتحرك بعيدًا عنها وهي ما تزال في طور صدمتها، تحاول أن تخرج منها، نظرت لظهره وهو يسير بكل هدوء، ابتسمت لا تصدق ما يحدث، ما الذي تبقى ولم يحدث حتى يثبت أنها هنا لا أهمية تذكر لها .

وصل الاثنان صوب حجرة كبيرة يقف على أبوابها بعض الحراس الذين بمجرد أن لمحوا سالار انحنوا له ليتحدث بهدوء :

” اخبروا العاملات بالداخل أن يحضروا وجبة للملكة، ثم خذوها لجناحها، وأنت أرشد الملكة للجناح حتى يتجهز الطعام لها ”

ختم حديثه يتحرك بكل بساطة تاركًا تبارك تنظر في أثره ببلاهة وهي تقف أمام حجرة الطعام، لا تفهم ما حدث وما فعل، هكذا فقط ؟! احضرها ليأمرهم بإعداد الطعام لها وكأنها صغيرة لم تكن لتستطيع قول ذلك ؟؟

نظرت لاثره وهو يرحل ببساطة شديدة وهي فقط تقف وتراقبه ببسم 

           الفصل الحادي عشر من هنا 

تعليقات



×