رواية الجزار الفصل الثالث بقلم حسن الجندي
نظرت البائعة، التي تسجل الأرقام الكودية للكتب للشاب الواقف أمامها، ثم نظرت إلى الكتب التي وضعها أمامها على الكاونتر، كي تسجلها وتعطيه فاتورة بها، ليسددها في الخزينة
ويتسلم الكتب.
(جسم الإنسان بالتفصيل)
تشريح العضلات والغدد)
أطلس التشريح البشري)
(علم التشريح . عند العرب
وظائف المخ وعلاقتها بالجسد
(مقدمة عن جسم الإنسان) (تشريح سنيل السريري)
تشريح العين - بن الهيثم وتقاليد جالينوس)
(جراحة الجمجمة والدماغ عند العرب (Cardiac Surgery)
ما كل تلك الكتب الطبية ؟ يبدو أنه يهوى كتب التشريح لأن تلك المجموعة ليست لطالب، بل لها و.. قالت الفتاة كل ذلك في عقلها، وهي تمرر الجهاز الصغير الذي تحمله بيدها على الأرقام الكودية للكتب في حين أن عينيها وقعت على حقيبة بلاستيكية ضخمة يحملها الشاب عليها شعار مكتبة أخرى بمدينة نصر، ويظهر من الحقيبة الشفافة مجلدات ضخمة يبدو أنها تتعلق أيضا بالتشريح !!!
لا تلتقطه إلا عين خطوات بطيئة، لكنها ثابتة.. عرج بسيط لا : خبيرة.. قوام مفرود تظهر الثقة على حركات جسده، وهو يقف أمام مقهى بسيط في أحد أحياء شبرا، ثم يشير بيديه للنادل الشاب الذي حضر سريعا، فانحنى الرجل على أذنه، وقال بضعة كلمات، ثم وضع في يده - بطريقة لم يلحظها العامة - ورقة من فئة الخمسين جنيها. نظر النادل للورقة بطرف عينيه، فاندهش وتهللت أساريره وهو يتكلم بصوت خفيض
مع الرجل، يصف له طريقا ما.
تركه الرجل، وسار في الشوارع على حسب وصف النادل
حتى وصل إلى شارع جانبي ضيق جدا، في آخره صيدلية
صغيرة جدا، اتجه لها حتى دخلها، وهو يقول بصوت خفيض
مبحوح
" أريد أن أتكلم مع دكتور محمود الشامي). "
ضحك الرجل العجوز، الذي يجلس على مقعد صغير داخل
الصيدلية، وقال للرجل : " أنا (محمود) .. طلباتك ؟ "
ابتسم الرجل الواقف وهو يقول بصوت خفيض وبحروف
بطيئة: - " أريد شراء بعض الأدوية الخاصة، وأريد تعلم
استخدامهم "
ww تبع تلك العبارة بأن أخرج من جيبه رزمة من النقود
فابتسم له الرجل العجوز بخبث وهو ينهض له.
الثلاثاء ٣ / ١ ٩/١١
رأسي سورية أنا وطني .. نعم أنا وطني، وأحب بلدي وأعشق : ترابها أكثر من أي شخص آخر، يتشدق بالشعارات والكلمات، ويريد إثارة أزمات داخل وطني كل من يتعاملون معي لا يعلمون حجم المجهود الذي يبذله أمثالنا في حماية أمن الوطن.. تجد الواحد منهم يذهب لعمله صباحا، ثم يعود لمنزله ليأكل... وينزل ليجلس على المقهى، ويعود مرة أخرى لمنزله، ويفتح التلفزيون، ويجلس أمنا بجانب أطفاله وزوجته، حتى ينام هنيئا
في فراشه.
هذا الرجل لا يعلم ما نفعله نحن ليل نهار، كي نحميه هو وأسرته. نحن لا تذوق طعم النوم تقريبا، ولا نشاهد أطفالنا ولا
زوجاتنا في سبيل أن يأمن هذا المواطن .
أنا مخير في أمن الدولة.. هل خفت مني ؟ الكل يخاف مني بمجرد أن يعرف ذلك، ولكن ما المشكلة ؟.. نعم أنا أفتخر بذلك، وأفتخر بعملي الذي لا يعلم أسراره أحد من العامة. أننا أدوات تعذيب، ورجال جبارين على ينظر العامة لنا على الضعفاء، ولم ينظر لنا أحد بأننا كنا السبب في حماية عائلته من عشرات القنابل التي كانت من الممكن أن تنفجر فيه، ومن عشرات الانقلابات التي ستنهي حياته ومستقبله، ومن آلاف المحرمين الذين يحاولون أن يعبثوا بأمن و وسلامة الوطن.
اسمي هو (لطفي عبد البر محمد) سيني خمس وخمسون عاما، لكني مازلت في كامل صحتي كاني في العشرينات من عمري، لا يهم مظهري، ولكني أسمر اللون، أحب تربية شاربي، فهو يجعلني مهيبا بين اللصوص والمجرمين، عندما كنت في معهد أمناء الشرطة تعلمت قانون واحد .. الناس نوعين ظالم أو مظلوم وعليك أن تختار نوعك، كن ظالما كي لا تكن
مظلوما) .
وهذا ما فعلته في شبابي في المعهد، كنت كالعفريت لا أهاب شيئًا وأفعل كل شيء شربت الحشيش والخمور،
وتاجرت في كل أنوع المخدرات... سرقت أموالا، والتهمت زملاء لي بسرقتها .. تمت مع كل داعرة قابلتها.. لم يردعني شيء.. وكان حافزي الوحيد هو الخوف.. نعم الخوف، فأنا أخاف أن أصبح المظلوم في يوم من الأيام.. أخاف من أن يعاملني الآخرين بقسوة، أو يهينني أحدهم، وبسبب كل هذا. اخترت طريقي من البداية.. كنت مقربا عند الصول الذي يشرف على تدريبنا في المعهد، فقد كنت ألبي طلباته مهما كانت غريبة ليس هناك مشكلة من أن ألمع حذاءه مرة، أو أنظف غرفته، أو أتي له بداعرة تقضي معه ليلة حمراء، وأقف أنا في الخارج انتظر كي ينتهي منها.
كان هذا الرجل هو حمايتي في المعهد من كل شخص. أفعل ما أريد، ولا يردعني أحد حتى جاء اليوم الذي اختارني فيه الصول مع اثنين آخرين للذهاب للعمل بمباحث أمن الدولة. والعجيب.. أنه قال لي إنه تم اختياري على أساس ملفي، الذي يحتوي على الكثير من النقط السوداء والشغب، فهم يريدون رجالا أقوياء أشداء في أروقة أمن الدولة.. لا مكان للضعيف بينهم. وذكرني قبل أن أغادر المعهد بالمقولة التي لازمتني طوال حياتي يجب أن أكون ظالماً بدلا من أن أكون مظلوما)
والتحقت بأمن الدولة، وبدأت حياتي في التغير.
لا أعرف هل سيصدقني أحد أم لا؛ ولكنني في تلك الفترة توقفت مشاغبتي وشعرت بوجوب أن أتقرب إلى الله. أقلعت
عن الحشيش والخمور والرذيلة، وتزوجت فتاة طيبة من بلدتي وأنجبت منها .. وظلت هي وأطفالي مقيمين في قريتي، وأنا أزورهم في الأسبوع ثلاث مرات.. وواظبت على الصلاة في
المسجد.
هل أنا أختلف عن أحد إذن؟ بالعكس أنا أشعر براحة بيني وبين ربي، أشعر أن الله قد سامحني على ما ارتكبت من أخطاء.. ما المشكلة أن أقبض على كل شخص يحاول أن يضر يبلدي ووطني، ولو وصلت لأن أعذبه، كي يدلني على
الحقيقة؟.. ما المشكلة ؟
لو أخطأت ما المشكلة؟.. من فضلك لا تقل لي إنك لا تخطيء، فأنت ظلمت بالتأكيد أحدهم في يوم من الأيام، وربما قمت بضره. أما نحن، لو ظلمنا فذلك لغاية أسمى، وهي جعل
الشعب في أمان دائم.
ما المشكلة أن : نقبض على المئات في سبيل الملايين، أتحدى
أي واحد ممن يتشدقون من العامة أننا نعذب الناس بالباطل
وأننا شياطين .. أتحداه أن يتسلم أمن الوطن يوما واحدا، وأرى
ماذا سيفعل.. لو كان يعتقد أن المجرمين والخونة يمكنه أن
يوقعهم بالحب والكلام المعسول والحنان فهو مجنون الموضوع
أن الشعب يرى ما نفعله بمنظور معين، فهم لا يغطون كل
المناظير. وأعتقد أن السبب في كل هذا الدعاية السيئة عنا في
الصحف والكتب والأفلام، فهم يظهروننا بأننا الجبابرة، الذين نشرب دماء العامة، وهم لا يعرفون أن المئات ماتوا منا ونحن تدافع عن تراب هذا الوطن.. كم من شهيد قتل وهو يحاول أن يلحق بجريمة قبل أن تبدأ، أو يطارد أحد الفارين.
وبعد أن نموت شهداء، يكتب علينا ألا يعرف عنا شيء، ونظل طي الكتمان.
ربما ارتكبت بعض الأخطاء وأنا استخدم سلطني في مصالح شخصية، ولكن ما المشكلة في هذه أيضا؟ أليس الجميع يستخدم مناصبه كي يريح حياته ويجعلها سلسة؟.. ربما عدت من وقت لآخر أتناول الحشيش، أو أدخن سجائر البانجو؛ لكني أعود مرة أخرى لصوابي.. أنا أخاف على أطفالي أكثر من نفسي، وأحب زوجتي وأرعاها، وأودي فروض صلاتي داخل المسجد، وأهتم بعملي جيدا، وأحمل كفني على يدي فداء
هذا انا سواء صدقتي أم لا..
الثلاثاء ٣ / ١١ / ۲۰۰۹ (الساعة ١٢ مساءً)
انتهى (لطفي) من المكالمة في هاتفه المحمول، بعد أن قام بإبلاغ العميد (عمر) بانتهائه من مراقبه الطالب الجامعي وتسليم المراقبة لزميله. وقد أبلغه العميد بأنه الليلة سيكون
إجازة، ويمكنه العودة لزيارة أهله، ولكن عليه أن يتواجد غدًا في تمام العاشرة، ليسلم التقارير المطلوبة منه.
بعد أن أغلق المحمول، ونظر في ساعته، فكر وهو يقف. بأحد شوارع وسط البلد.. هل يعود الليلة لقريته، ليزور زوجته وأطفاله؟.. قرر أنه لو عاد فسيعود متأخرا ولن يلحق بميعاد الصباح، فقرر أن يذهب لشقته في بولاق، كي ينام، لأنه منهك منذ الصباح في المراقبة. وقف أمام موقف الميكروباص، وانتظر حتى وجد عربة، فركبها متجها لأقرب نقطة لمنزله.
3
نزل من الميكروباص، وأخذ يسير بين الشوارع ما يقرب من ربع ساعة، حتى وصل إلى الشارع الذي يسكن فيه. كان شارعا هادئا برغم انتشار المحلات به. أخذ يسير وهو يلقي السلام على أصحاب المحلات الذين كانوا يردون التحية باحترام بالغ، مما جعله يضحك في داخله من هؤلاء الذين يعمل مخيرا بأمن الدولة. وصل ارتعدوا بمجرد أن علموا أنه (لطفي لمنزله، الذي يتكون من : أربعة طوابق. كان المنزل مبني على النظام القديم، فواجهته لم تدهن بعد، مازالت ظاهرة بالطوب الأحمر، وكانت جميع منازل الشارع بهذا الشكل متلاصقة، بنفس عدد الطوابق تقريبا أو أعلى قليلا.
صعد حتى الطابق الثالث، ثم أخرج المفاتيح من جيبه، ووضع مفتاح الشقة في الباب، وأدار المفتاح وفتح الشقة، ثم دخلها وأشعل الإضاءة. كانت شقة متوسطة الأثاث، تتكون من صالة وغرفتين والصالة وضع بها منضدة طعام، وجهاز تلفزيون قديم، وأريكة ومقعدان، وبعض المقاعد الخشبية. بمجرد أن دخل للشقة، اتجه مباشراً إلى الحمام، لكنه توقف عند باب الحمام، بعد أن ضغط زر الإضاءة وهو ينظر للمرآة بدهشة... المرأة مهشمة
لم يكن (لطفي) غبي ليقف كي يفكر في السبب، بل نظر خلفه بحذر، ثم ذهب لغرفة النوم ليحضر المسدس من دولابه. لكنه عندما أضاء الغرفة، وجد المرأة الكبيرة الموضوعة على
التسريحة - مهشمة أيضا !!!! نظر حوله بسرعة لينتبه لأي هجوم محتمل، ثم اقترب من الدولاب بحذر، وهو ينظر الخارج الغرفة، متوقعا هجوما في أي لحظة.. مد يده ببطء كي لا يسمعه أحد، ليفتح الدولاب
ويمد يده داخله.
لكن فجأة رأى شخص ما يخرج من الدولاب وهو يلكمه
بعنف، فسقط الطفي) من عنف الضربة على ظهره، وفجأة
شعر بألم شديد من جراء ضربة ثانية على رأسه، واسودت
الدنيا.
الثلاثاء ٣ / ١١ / ۲۰۰۹ (الساعة ١:١٩ مساءً)
جاهد (لطفي) كي يفتح عينيه.. لماذا يشعر بخدر في جسده، وشعور بالنوم ينتابه ؟.. حرك رأسه ناظرا حوله، وهو يتذكر ما حدث.. لقد ضربه أحدهم على رأسه.. لحظة شعوره يجسده يعود مرة أخرى، ولكنه مازال يشعر بالنعاس، ويثقل
جسده . نظر لأسفل، فوجد جسده قد قيد، الغريب أنه بدأ يدرك أنه مفيد في مقعد خشبي في صالة شقته، ومن قيده ربط الحبل بإحكام عجيب حول جسده، فلم يترك حتى محال الحركة بسيطة لقدمه أو يده. أغمض عينيه لحظات، ثم فتحهما، ليزيل
أثر النعاس الذي يزداد..
- " أهلا بالصديق القديم.. أتشعر بالنعاس ؟ ربما كان ذلك
بسبب جرعة المورفين ) om التي حقنتها لك، قبل أن تفيق بدقيقة." سمع (لطفي العبارة السابقة يقولها أحدهم، وهو يقف خلفه تماما. كان الصوت رخيماً وهادئا، ويشبه الفحيح قليلا،
وصاحبه يتكلم بطريقة، كأن لسانه ثقيل، أو كأنه تعاطي مخدرا
قبل كلامه.
حاول أن ينظر خلفه، ولكنه لم يستطع رؤية المتكلم، الذي
وضع يده اليمنى على كتف (لطفي)، الذي قال: " من أنت أيها المحرم، وماذا تريد مني ؟ "
+
جاءه الصوت الغامض يقول:
- " كنت أسير بالقرب من منزلك، وشعرت بالجوع،
فجئت إليك.. هل أخطأت؟"
زبحر (لطفي)، وحاول أن يحرك . جسده وقال بغضب: بغضب
- " هل تعرف من أنا يا غبي؟ سأسامحك هذه المرة فقط
لأنك أتيت لتسرق طعاما، ولكن فك قيدي يا ولد."
شعر (لطفي) برقبته ... إذا فهو أن أنفاس الرجل الذي يقف خلفه تصطدم يقترب الآن من أذنه.. وبالفعل . zna سمعه يقول
بجانب أذنه:
حقي أنا. ماذا؟"
- " لقد فهمت معنى عبارتي خطأ، لقد جنت لأكل من
ابتعدت خطوات الرجل للوراء؛ ولكن حين سمعها (لطفي)، شعر أنه يعرج قليلا.. فهناك دق لقدم واحدة، وقدم أخرى تزحف بصوت غير واضح المهم أن الرجل ابتعد للخلف ويبدو أنه جلس على شيء ما، ثم بدأ بالحديث: هل اليوم الثلاثاء أم الأربعاء؟ لا أعرف بعد، فالساعة قد تعدت الثانية عشر، فيمكننا أن تعتبر أن اليوم الأربعاء... ولكن في الحقيقة نحن الثلاثاء ليلا.. الممم لا أعرف ماذا أختار:
الثلاثاء أم الأربعاء؟ "
فعل المخبر حركة بذيئة بفمه بسخرية، وهو يقول:
" هل جئت لشقتي لتسألني عن اليوم؟"
"..نعم" -
اختفت نظرة السخرية من على وجه (لطفي)، وحلت موضعها نظرة الدهشة، فأكمل الغريب كلامه: - " جنت أسألك بالفعل عن اليوم.. الثلاثاء ١٤/ ١٢ /
۲۰۰۷ ، هل تتذكره؟ "
زالت نظرة الدهشة من وجه (لطفي)، وعادت النظرة
الساخرة وهو : يقول:
- " إذا أنا قد سجنتك في هذا اليوم، وجئت الآن لتنتقم
ماهاهاهاهاها.. ألن تكفوا عن مشاهدة تلك الأفلام الرخيصة
التي تعرضها السينيمات "
قام الغريب من على المقعد، وخطا ناحية (لطفي) وهو يقول
" (آدم) محمد عبد الرحمن).. هل تتذكر الاسم؟"
توقف (لطفي) عن الضحك، وقد لمعت عيناه واتسعت فهو يمتلك ذاكرة قوية منذ صغره، تمكنه من حفظ الأسماء
بسهولة.. وكأن الاسم قد فتح بئر مسدود في عقله. - " أتذكر الاسم.. لقد كان أحد الناشطين في العمليات
الإرهابية، وقام بمحاولة تفجير فاشلة .... "
- " لا يا صديقي.. لم لا نقول المعلومات الحقيقية؟"
قاطعه الغريب بتلك العبارة، وقد اقترب منه مرة أخرى
قائلا: تلك - " أتكلم عن (آدم) الشاب الذي قبضتم عليه في
الليلة، وقمتم بتعذيبه واغتصابه، ثم اغتصاب زوجته وقتلها، ورمي جثتها لكلاب الأزقة.. هل تتذكر ؟ "
برغم مفعول المورفين الذي يسري في جسده، شعر (لطفي) بغضب.. أعصابه أصبحت مشدودة، وهو يتذكر ما حدث...
- " لقد كنا تحاول أن تحمي الأمن العام، وهذه أشياء لا
يفهمها أمثالك."
اقتربت أنفاس الغريب من رقبة الطفي) من الخلف، وقال:
" إذن فقد قمتم بتعذيبه، وقتل زوجته."
صرخ (لطفي) بغضب:
تصدير التركيز
- " فلتفعل ما تريد (آدم) وزوجته وطفلته ماتوا، ولا
يوجد دليل واحد يؤكد قصتك.
هنا أطلق الغريب صرخة، وهو يقول بغضب:
أنا الدليل.. أنا الدليل."
قالها
وهو يدور حول (لطفي) ، ليصبح اما ح أمامه، ثم صرخ وهو
يقرب وجهه منه:
" )أنا (آدم " -
اتسعت عينا (لطفي) وهو ينظر : له قائلا: .................!!!! مستحيل" -
الأربعاء ١١/٤/ ٢٠٠٩) (الساعة ٥ مساءً)
الناس تحيط بالمنزل بالرغم من وجود العساكر حوله، والجميع يعرفون أن القتيل هو (لطفي)، الذي يعمل مخبرا بمباحث أمن الدولة، والكل متشوق ليعرف أي معلومة كي ينشرها في الحي، والذي كثرت فيه الإشاعات منذ أن تم
اكتشاف الجثة منذ ساعات.
يمكنك أن تدخل المنزل، لترى الكثير من أفراد الشرطة يملكون المكان.. تصعد السلم، فتجدهم في كل موضع وكل طابق، وداخل كل شقة يستجوبون أصحابها، وقد انقلب المنزل الهادئ إلى قسم تحقيق.. لو صعدت للطابق الثالث، ودخلت إلى الشقة، فستجد مشهدًا لا يخطر ببالك ...
اثنان من رجال البصمات يفحصون كل أجزاء الشقة، ويقومون برفع البصمات بخبرة وهدوء.. فريق مكون من أ أربعة رجال من المعمل الجنائي اثنان يفحصان جوانب الشقة ويجمعان بعض الآثار، واثنان يقفان عند الجثة يجريان بعض الفحوصات.
يمكنك أن تندهش من وجود من وجود هذا الكم الهائل من ضباط الشرطة بمختلف الرتب وضباط يرتدون ملابس عادية يبدو
أنهم من جهة رسمية.
ربما كان كل هذا الاهتمام لأن القتيل يعمل بجهة أمنية، وربما أيضا لأن من اكتشف الجريمة زميل له، أتى لزيارة منزله في الواحدة ظهرا، وظل يضرب الجرس، ثم اتصل على هاتف القتيل المحمول، ليسمع صوت الهاتف يأتي من داخل الشقة، مما جعله يكسر باب الشقة ليدخل ويقوم هو بإبلاغ رؤسائه أولا، والذين أبلغوا الشرطة، وتحرك الجميع .
وفوجئ الجميع بهذا المشهد عندما دخلوا الشقة.. القتيل يجلس وقد انفتح فمه، والدماء تخرج منه مغرقه جسده، و .... عيناه غير موجودتين والدماء تخرج من موضعهما، ودماء تخرج من أذنيه .. كل هذا والقتيل يجلس على المقعد، الذي امتلأ بالدماء !!!! لهذا السبب صارت القضية هامة .. القتيل كان يعمل بجهة
+
أمنية، وقتل وتم تشويه جسده بطريقة انتقامية.. لن يمر هذا
بسهولة.
2
لكن عندما بدأت المعاينة الدقيقة، وحدوا شيئًا غريبا !!! آثار طبخ في مطبخ القتيل، وبقايا صحون وبهارات متناثرة و.. طبق موضوع على المنضدة التي أمام القتيل، وبجانب الطبق شوكة وسكين وكوب ماء وبقايا شيء يؤكل ..!
بعد أن عاين الطبيب معاينه مبدئية للجثة، اكتشف أن اللسان تم قطعه، مثلما تم قطع العينين لقد أخرجت العينان من محجريهما، وقطع اللسان، وأدخلت أداة حادة في الأذن،
ثم دخل القاتل المطبخ وقام بطهي كل هذا، وجلس أمام القتيل
ليأكلهم بهدوء !!!!!!!!!!
العميد (عمر) يكاد يستشيط غصبا مما حدث. أخرج علية سجائره، وأشعل واحدة، وأخذ يسحب أنفاسها بغل وهو يفكر. كان جالسا داخل مكتبه منتظرا تقرير المعمل الجنائي في قضية (لطفي)، المخبر الذي كان يعمل معه في الفترة الأخيرة.
منعت الصحافة من التكلم عن الجريمة، وتم وضعها على أعلى درجات السرية، حتى يتم الكشف عن القاتل. تم التعاون الودي بين إدارة مباحث أمن الدولة والشرطة في جمع التحريات المعرفة الجاني. كان (عمر) يتلقى التقارير أولا بأول، ونسخة من المحاضر التي تقوم بها الشرطة، وتقارير المتابعة التي تقوم بها أمن الدولة، وهو الآن ينتظر التقرير النهائي من داخل المعامل الجنائية، حيث أرسل في طلب الحصول على نسخة من التقرير عند خروجه، وها هو ينتظر أحد رجاله حتى يأتي له بالتقرير. مرت الدقائق بطيئة، و(عمر) يحرق سيجارة وراء الأخرى، حتى دق الباب ودخل المخبر الذي أتى بالتقارير، فأمسكها (عمر) بلهفة، وأشار للرجل بالانصراف، وفتح التقارير، ثم أخذ يقرأها ...
تقرير الفحص الأول للجثة في مكان الجريمة انتقلت أنا محمد إبراهيم عبد العزيز) و (عيد أحمد) ورمينا مجدي جورج) و (محمد عادل فوزي ضمن فريق
البحث الجنائي يوم ٤ /۲۰۰۹/۱۱ الساعة الثانية وعشرون دقيقة إلى موقع الحادث، وهو العقار الذي يقطن فيه المجني عليه بشارع (......) بمنطقة بولاق، وبدأنا معاينة الجثة
وكانت كالأتي:
الجثة تجلس على مقعد من الخشب وأمامها منضدة من الخشب مخصصة للطعام، والجثة تمت إراحة ظهرها للخلف، ووضع اليدين على المنضدة.
- الجثة لرجل في الخمسينات من عمره، أسمر اللون، ذي شعر خشن ويمتلك شاربا ضخما، ويرتدي قميصا من القماش بني اللون وسروالا قماشيا أسود اللون، وحذاء جلديا، وجوارب سوداء. وجود لآثار اختناق على رقبة من الفحص البسيط، لا القتيل، أو طعنات سكين، أو قطوع، أو تمزق بالملابس، عدا
الدم الذي يغرق ملابسه ومصدره هو وجهه.
- خيط من الدماء يخرج من أذنيه وعينيه وفمه
وبالفحص تم ملاحظة استخدام آله حادة رفيعة لثقب
الأذنان، وتم استخدام آله حادة تشبه المشرط الجراحي في قطع جفون العينين، ثم إخراجهما من محجريهما، وقطع
الشرايين الموصلة للمخ، وبنفس الآلة الحادة قطع اللسان. إصبع القتيل السبابة ملطخ بالدماء، وأمامه على المنضدة كتبت ثلاث كلمات بدمائه كل كلمة تحت
الأخرى: (لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم.
- في مناطق القدم والأيدي والبطن والأكتاف، وجدت أثار حبال، يبدو أنه تم فكها بعد موت القتيل
هناك آثار قيء تحت أرجل القتيل، مما يعني أن المنضدة
كانت بعيده عنه في البداية، وقد قربها القاتل منه بعد فترة. من الفحص في موضع الحادث، تبين أن القتيل قد مات عن طريق نزف الدم من شرايين العين والأذن
انتهى (عمر) من قراءة التقرير، وقام بمشاهدة الصور التي تم التقاطها وهي تظهر (لطفي) جالسًا، والدماء تغطيه، ثم صور للمنضدة التي كتبت عليها بدمائه، لا أرى لا أسمع لا أتكلم وقد كتبوا بخط متناسق أي أن هناك أحد ما أمسك يد
الطفي) وحركها ليكتب بأصابعه تلك الكلمات .
قلب (عمر) الأوراق، حتى وصل إلى ورقة فحص
البصمات، ليجد أن الفحص سلبي تماما، ولا يوجد بصمات
سوى للقتيل، وثلاثة بصمات منهم واحدة لزوجته، التي ظهر أنها تزوره من وقت لآخر لتعتني بالمنزل، وبصمات زميله الذي اقتحم الشقة، وبصمات لشقيقه الذي كان يزوره أيضا من وقت لآخر، مما يعني أن القاتل قد ارتدى قفازا منذ بداية دخوله الشقة، وحتى خروجه منها، وعلى الأرجح أنه لم القفاز في الشقة، أو بجانب الشقة أو في المنزل يتخلص من بأكمله
قلب في الأوراق مرة أخرى، حتى وصل إلى تقارير أخرى فرعية لرجال المعمل الجنائي، فوجد أشياء غريبة.
بعد أن تم التأكد من استخدام أدوات الطهي، هناك بقايا بمارات في المطبخ متناثرة، ويبدو أن القتيل لم يكن يستعملها وهي على الترتيب (فلفل أسود شديد الكثافة . ورق لورا - زنجبيل - شطة - قرنفل ويبدو أنه خلطهم ببعض أثناء الطبخ، حيث وضع إناء على النار به الماء، وتم سلق العينين التي انتزعهما القاتل من الجثة، واللسان، ثم تمت التصفية من المياه، وقليهم على النار، مع إضافة التوابل أثناء القلي ببعض الزيت، ثم استخدم طبق لوضع اللسان والعينين التي تحولتا لعجين بعد الطبخ، وتمت إضافة النكهات مرة أخرى، ونقل القاتل الطبق أمام القتيل، وأكل أمامه مستخدما شوكة وسكينا، وبعد أن انتهى قام بمسح الشوكة
والسكين بمنديل ورقي، وقد ترك قطعة من عين القتيل المطبوخة. هذا عما وجد في المطبخ، أما الشيء الذي تكرر في كل مكان هو تهشيم مرآة الحمام، ومرآة غرفة النوم بدون سبب، فلم يستعمل الزجاج المهشم في شيء، ولم يتحرك من موضعه. أما عن دخول القاتل لباب الشقة فأصبح ذلك غير واضح بعد تهشيم باب الشقة بواسطة زميل القتيل ولكنه أفاد أن الباب كان موصدا بطريقة
طبيعية عند اقتحامه).
كانت هناك صور أخرى مرفقة مع التقرير، أخذ يتأملها وهو ينظر للمرآة المهشمة في الصورة بدهشة، متسائلا عن
سبب تهشيم المرايا بدون سبب !!
تقرير تشريح جثة المجني عليه
(تقرير الوفاة)
تاريخ الوفاة : ٤ / ١١ / ٢٠٠٩
موعد الوفاة من الساعة ٤ صباحا إلى 5 صباحًا
بعد المعاينة الدقيقة الملابس المجني عليه، وجدت بقع دموية
منتشرة على قميصه وبقع صغيرة منتشرة على السروال
وثلاث بقع على القميص نتيجة قيء المجني عليه، واختلاط
القيء بالدماء، مما يعني أن لسانه قد قطع بآلة حادة، ثم تقياً
المجني عليه بقع الدماء على ملابسه لم تأت نتيجة قطوع
شريانية في جسده، أو وجود أعيرة نارية، أو استخدام آلة حادة، بالنسبة للرأس، وهو أكثر الأماكن التي تواجدت بها الدماء، فبالنسبة للعين تم استخدام مشرط جراحي لقطع الجفون في البداية، وقد كان المجني عليه إما في حالة تخدير أو حالة وعي، وذلك لأن اليد التي قطعت الجفون من الممكن أن تكون قد وجدت مقاومه من انجني عليه، أو أن اليد التي قطعت الجفون كانت في حالة ارتعاش، ثم قطع الجاني اللسان، ولكن بحرفة عالية فيبدو أن المجني عليه بكل تأكيد كان في حالة تخدير كاملة. وبعد قطع اللسان بمدة، تم إدخال الجسم الطويل المدبب للأذن بعدة لا تزيد عن خمس دقائق من قطع اللسان. ثم ترك المجني عليه ليترف، ولكن رأبي أن سبب الوفاة تمت بعد ساعتين من ذلك العمل، والوفاة جاءت نتيجة صدمة عصبية أصيب بها المجني عليه، جعلته يدخل في شبة غيبوبة، ويبدو أن وعيه قد عاد أكثر من مرة قبل أن يموت، ولكنه وجد نفسه فاقدًا الحواسه، فيعود مرة أخرى للغيبوبة، والتي انتهت بتوقف القلب، وذلك يعني أن التريف
لم يقتله، ولكن الصدمة هي ما قتلته.
تم معاينة الأظافر والشعر واليد، وباقي أجزاء الجسد، ثم غسلت الجسد جيدًا، وقمت بحلق شعر الرأس، لأكتشف إن كان هناك علامات ضرب على الجمجمة من الأعلى بشيء ثقيل، ووجدت بالفعل علامة استخدام شيء ثقيل على مقدمة الجمجمة، وهناك علامات تقييد المجني عليه بالحبال بقوة شديدة فترة طويلة، ومن المؤكد أن الحبال قد فكت بعد عملية التعذيب بمدة وجيزة.
في الدم، وجد أثار الجرعة مورفين قليلة، قد دخلت عن طريق محقن في الذراع اليمنى من جسد المجني عليه، بجانب مادة أخرى قليلة النسبة من المواد المخدرة، جرعة المورفين هي التي جعلت القتيل في حالة شبة غيبوبة، وربما منعت عنه الكثير من إحساس الألم أثناء التعذيب، ولكن لقلة الجرعة لم يغب المجني عليه عن الوعي تماما، وظل مدركا للكثير من حوله.
أغمض (عمر) عينيه قليلا من شدة الألم، الذي بدأ بها بسبب قلة نومه الأيام السابقة. ثم عاد وفتحها ثانيا، وهو يقلب مرة أخرى بالأوراق والصور بتمعن، ويعود بذاكرته بسرعة لمحاضر الاستجواب التي شاهد نسخ منها، ولم تدل على شيء. ولكنه قال في داخله بغضب " إن من فعل ذلك بلطفي فعله بدافع الانتقام، وهذا المحرم سيدفع الثمن قريبا."
سحب الرجل نفسا آخرا من الشيشة، ثم تبعه برشفة من كوب القهوة الموضوع بجانبه وهو ينظر إلى العمارة التي أمامه، والتي يبدو أنها في آخر مراحل التشطيب، ولكنها لم تكتمل.
ربما تلك الشقة هي الوحيدة التي اكتملت في العمارة بأكملها. نظر الرجل لجانبه وهو يحدث صديقه قائلا بدهشة:
- " شيء ولا الأفلام الأجنبي، تقول إنك تصدق حكاية
شقة (آدم) هذه قل كلام غير هذا، فأنت متعلم يا صاحبي"
- " في البداية سمعت مثلك عن حكاية : تلك العمارة، كما سمع الباقيين عن (آدم) الشاب التي تزوج حبيبته (بنول)، وأنجب منها (نور)، ثم فجأة اختفى الجميع، ليظهر (آدم) بعد أيام وهو كالمجنون ليدخل شقته، فيجد الطفلة ماتت من الجوع.. ثم يختفي مرة أخرى، وفي نفس الوقت تظهر جثة (بتول) وهي بقميص نومها، وقد قتلها أحدهم بعد أن اغتصبها .. يدخل (آدم) مستشفى الأمراض العقلية، ويموت فيها.. ومن هذا اليوم تبدأ الأحداث الغربية بالشقة."
برشف قليلا الرجل وهو برشـ ا من كوب القهوة، ويقول:
- " سمعت الكثير من الأساطير حول الأحداث الغربية مثل سماع أصوات بكاء من الشقة، وأصوات تحرك أثاث وأضواء حمراء وأشياء من تلك التخاريف، ولكن حتى الآن ليس هناك ما يثبت هذا."
رد صديقه بسرعة قائلا: " في ليلة كهذه ، كنا نجلس بعد منتصف الليل على تلك القهوة، وكان عددنا ٦ أشخاص، وسمعنا جميعا أصوت بكاء تأتي من الشقة، وضوء أحمر يخرج من النافذة، فصعدنا كلنا العمارة حتى وصلنا إلى الشقة، واسترقنا السمع، فلم نسمع شيئًا.. وعندما نزلنا مرة أخرى كان الضوء الأحمر انتهى، وأصوات البكاء اختفت.. في اليوم التالي، جاء صاحب المنزل، وقام بفتح الشقة أمامنا، ودخلناها، ولم تجد شيئا سوى الأثاث القديم، الذي لم يخرج من الشقة بعد، والكثير من ما يريب
الصناديق القديمة المغلقة.
ومر أسبوع آخر، وحدث ما حدث ولكن هذه المرة لم ننتبه لتلك الأحداث، أو لصوت الأثاث الذي سمعناه ينتقل من مكانه، وبعض أصوات الطرق على النافذة.. بسبب تلك الأحداث الغربية لم يسكن أحد في تلك العمارة منذ تلك الحادثة أكثر من أيام، حتى من قاموا بحجز شقق بها، لم يكملوا
تشطيبها، وتركوها معلقة هكذا."
نظر الرجل مرة أخرى للعمارة وهو يسحب نفسا آخر من الشيشة، ويقول في باله: ربما كانت إشاعة، وربما كانت حقيقة، ولكنها مازالت لغزاً كبيرا."
الثلاثاء ۱۰ / ۱۱ / ۲۰۰۹ (الساعة ١٢:٣٥)
تصدير التركيز
برغم من سدول الليل، ولكن شارع محمد فريد مازال ملينا بالحركة والحياة، وكأنه الظهر. فالليل في شوارع وسط البلد يبدأ قبل الفجر، حين يعم السكون الشارع؛ ولكن قبل ذلك تظل المحلات ساهرة والناس سائرين والأطفال يلعبون، والحياة تستمر في أحد الشوارع الجانبية، من الشارع الرئيسي، هناك شاب غير واضح الملامح يسير ببطء وهو يعرج قليلا، ولكن بدون صوت الصحة تبدو على جسده، والهدوء يبدو على وجهه، الذي كان ينظر إلى الأرض قليلا، وهو : يسير في انكسار أو خضوع لأي شخص يراه، وكأنه يحمل هموم الدنيا على كتفيه 2
دخل في الشوارع الجانبية، وظل يسير حتى دخل أحد الشوارع، ووقف أمام منزل قديم، ثم فتح باب المنزل الحديدي، ودخل بهدوء وثقة.
نحن الآن في غرفة النوم المظلمة، وعلى الفراش رجل
وزوجته يغطون في النوم، لا يشعران بباب الغرفة وهو يفتح...
لا يشعران بالشاب الذي يدخل منه وهو يعرج قليلا.. لا يشعران وهو يقف بجانب الزوجة التي تنام وقد ظهر جزء من ذراعها، ثم يدب المحقن الذي يحمله في ذراعها. فتحت عينيها فجأة، ولكن الشاب كان سريعا، فقد أفرغ المحقن، ووضع يده على فم الزوجة بسرعة، ليكتم صرختها التي كانت تستعد لتخرجها.
لم يشعر الزوج بزوجته التي كانت تهتز للحظة، ثم فجأة شعرت بوعيها يغيب عنها، ورأسها ينقل ويغيب في الظلام. ربما شعر الزوج في تلك اللحظة باهتزاز زوجته، ففتح عينيه بتثاقل وهو ينظر لزوجته.. فجأة وجد أحدهم يكيل له لكمه قوية، سمع معها صوت تحطم أنقه، ولكنه ما لبث أن حاول استيعاب الموقف، ونهض بتثاقل لكنه شعر بشيء يصطدم برأسه، ويجعله يتثاقل، ويبدأ في الغياب عن الوعي. ولكن قبل أن يغيب عن الوعي، شعر بشيء يشبه المحقن يدخل ذراعه.
بعد أن غاب الزوج عن الوعي، تراجع الشاب، الذي
يعرج، للوراء، ثم نظر خلفه إلى مرآه غرفة النوم. لم تمر لحظة وهو ينظر فيها للمرأة إلا وقد دارى وجهه بيديه، وكأنه يخفي وجهه بسرعة، ثم اقترب وهو مازال يداري وجهه من المرأة وبعد اقترابه بمدة كافية، أمسك زجاجة عطر، موضوعة على تسريحة المرأة، ثم قذفها على المرأة، فتهشم الزجاج.
بدأ يفيق، ويحاول أن يتذكر ما حدث قبل لحظات الإغماء لكن قبل أن يفتح عينيه اخترقت أنفه رائحة طعام شهي، تشبه رائحة شواء اللحم، ولكنها رائحة أثقل بكثير.. يبدو أن هناك الكثير من التوابل التي أضيفت لهذا الشواء.
حاول أن يفتح عينيه، لكنه شعر بثقل جفونه، مع تنميل تام في أطرافه، فلا يشعر بيده ولا قدمه، لكن حاستي السمع والشم كانتا تعملان على أكمل وجه، فأتفه تجد رائحة شواء، وأذنه
تسمع صوت احتكاك شوكة بطبق، ما تم صوت مضغ.
بدأ الثقل في جفونه يضيع تدريجيا، حتى استطاع بمجهود أن
يفتح عينيه، ولكنه لم ير شيئا في البداية، وكأن على عينيه طبقة
من الدموع، تحجب الرؤية، وتجعلها صعبة.
مرت ثوان، ثم بدأت الرؤية تظهر شيئًا فشيئًا.. ولكن مازالت بعض الرؤى غير واضحة. إنه مازال في منزله، وهذه هي مرآة غرفة الطعام التي يعرفها .. ولكن هل الرؤية مازالت
غير واضحة لعينيه، أم أن المرأة مهشمة؟
سمع صوت المضغ مرة أخرى، ولكنه استطاع تحديد الاتجاه
الذي يأتي منه صوت المضغ.. إنه على يساره. ولكن المشكلة
هو شعوره بخدر في أطرافه، فلا يستطيع النظر ليساره، حاول
بشيء من الجهد أن يحرك رقبته لليسار، حتى يرى مصدر
صوت المضغ، ولكنه فشل في أول مرة.. حاول مرة أخرى وهذه المرة نجح في تحريك رقبته حركة بسيطة لليسار، ليجد شيئا غريبا.
مازالت الرؤية مشوشة، ولكنه قادر على التمييز، حيث رأى رجلاً يجلس على أحد أطراف منضدة الطعام، وأمامه طبق صغير، داخله شيء ما يأكله، وهناك طبق آخر كبير أمامه، يحتوي على شيء ما، يبدو أنه قطع لحم مشوي. الرجل يأكل باستمتاع وهو ينظر لطبقه، وفجأة نظر أمامه، لتصطدم عيناه بعين الرجل، الذي خدرت أطرافه.. ثم ابتسم !!!!!
كل من الرجلين ينظر للآخر، ولكن الفرق أن الرجل الذي يأكل ينظر له بابتسامة، أما الآخر فيحاول أن يتبين ملامح
الرجل الذي يأكل بصعوبة، وكأنه لا يرى ملامحه.
توقف الرجل عن المضغ، وهو مازال ينظر له مبتسما، ثم
قال : 2 - " قطعة لحم شهية، أشبعت جوعي."
لم يفهم الرجل الذي تم تخديره ما المقصود من العبارة فأكمل الرجل:
- " أعذرني.. وددت لو تشاركني في تذوق ذلك اللحم
اللذيذ، ولكن أعرف أنك ستمانع قليلا لأسباب شخصية."
قال الرجل العبارة السابقة، ثم أشار بإحدى يديه في اتجاه معين في جسد الرجل الآخر، فما كان من الرجل الآخر إلا أنه حاول بشيء من الجهد أن يحرك رقبته، لينظر للموضع الذي
أشار له الرجل الذي يأكل اللحم.
شاهد بعد مجهود، استطاع تحريك رقبته لأسفل قليلا، ليجد أن هناك لونا أحمرا يقابل عينيه أثناء نزولها لأسفل. فجأة الرجل شيئًا ما عند قدمه، فاتسعت عيناه برعب، ونظر باتجاه
الرجل الآخر بسرعة.
لقد رأى نفسه لا يرتدي سروالا، وقدماه مبتورتان من عند الركبة، وفخذاه مقطعان، وأجزاء من لحمهم غير موجودة، وعظام الفخذ يظهر جزء منها ل اله المال
نظر مرة أخرى للرجل المجالس، ولكن مازالت الرؤية
مشوشة، وكأنه تحت تأثير مخدر.
لا يعرف.. هو يعتقد أنه يعرف صاحب هذا الوجه، ولكن
ترکیزه مازال غير كامل حتى الآن. أغمض عينيه للحظات
يحاول أن يسترجع الأحداث الأخيرة. هو لا يتذكر شيئًا !!
ولكنه مازال في شقته !!
- " ( علي حسن عثمان ) ، ألا تتذكرني يا سيادة الرائد؟ "
بدأ الإدراك المشوش ينقل لـ (علي) صوت الرجل الجالس وكأنه يعاني من ثقل في اللسان، وبطء في الكلمات، وصوت
مبحوح مثل من يعانون مشكلة في الأحبال الصوتية.
حاول أن يتكلم، فوجد لسانه ثقيلاً جدا، والكلمات تخرج
بصعوبة
" من أنت ؟ ماذا تريد مني ؟ "
أكمل الرجل الجالس مضغ شيء ما في فمه، وهو يخرج أصوات من فمه دلالة على استمتاعه بمذاق اللحم، ثم قال:
- " كي لا أكثر عليك التفاصيل، هل تتذكر قضية آدم
محمد عبد الرحمن الشاب الذي اغتصبتم زوجته، وألقيتم
بحثتها في مقلب القمامة؟"
قال تلك العبارة وهو ينهض من المقعد، ويسير حتى صار
خلف (علي)، الذي قال بعدم فهم:
- " ماذا تقول؟"
وضع الرجل يده على كتف (علي)، والذي لم يشعر بملمس يده، بل شعر بتنميل في أطراف جسده، في حين قال الرجل
بصوت خفيض
" هل تريد أن أنعش ذاكرتك؟ في ليلة جميلة منذ عامين تحركت قوة من مباحث أمن الدولة، وقامت في ليلة الثلاثاء بالقبض على شاب يدعى (آدم)، وقمتم بإحضار زوجته وتركتم طفلته في الشقة، وهناك قمتم بتعذيبه كي يعترف بتهمة تفجير ملهى ليلي، وعندما رفض اغتصبتم زوجته أمامه بدون
رحمة .."
+
" ماذا يحدث وأين أنا ومن
قال ( علي) بنبرات حادة: wimla
***
رطب
- " لا تسأل أسئلة أيها الكلب. أنت هنا لا الترد على أسئلتنا
نحن
نهض(علي) من مجلسه، واقترب من (آدم)، الذي وضع يديه أمام وجهه في خوف، فركله (علي) في وجهه بعنف، مما جعل رأس (آدم) يرتطم بالأرض، وفي تلك اللحظة وضع (علي) حذاءه على وجه (آدم)، محبرا إياه أن يظل وجهه على
الأرض، وحذاء (علي) فوقه وهو يقول:
" أنت الذي اخترت الطريقة القادمة في التعامل يا ابن
الكلب."
نهض (علي) من مقعده وهو يشعل سيجارة، ويقف بالقرب من (بتول)، التي حاولت أن تخمش وجه (حسن) بأظافرها وهي تصرخ، ولكن (علي) وضع قدمه فجأة على ساعدها الأيمن، ليثبته في الأرض، ثم بقدمه الأخرى ثبت ساعدها الأيسر على الأرض، وهي تئن محاولة تحرير يدها من أقدام علي، الذي أخذ يضحك وهو يستنشق أنفاس السيجارة.
...
ظلت عين (علي) شاخصة، وهو يتذكر أحداث تلك الليلة ومن خلفه وضع الرجل يده اليمنى على كتف (علي)، وهو ينظر إليه بغضب مرت لحظات، ثم صوت الرجل الهادئ
وهو يقول بنيرة غاضبة:
- " هل تذكرت ما فعلت في تلك الليلة؟"
شعر (علي) بجفاف في حلقه، فحاول أن يبتلع ريقه، ثم قال
بصوت مهروز - " من أنت؟ وما علاقتك بذلك اليوم؟ "
وضع الرجل يده اليسرى على الكتف الآخر لعلي، فبذلك
وضع كلتي يديه على كتفيه، ثم قال وهو يضغط بيديه على
أكتافه
في تلك الليلة استمتعت وأنت ترى (بتول) و(حسن) يهتك عرضها .. كنت أرى علامات التلذذ على وجهك. حاولت أن تداريها، ولكنك فشلت. كنت تريد أن تكون موضع (حسن) ولكنك جبان، اكتفيت بأن تقف بقدمك على يديها، كي تمنعها من المقاومة حتى وهي تقاوم مغتصبها تمنعوها .. تأكلون لحمها وتمنعونها من الصراخ.. تستمتعون بألمها، وتمنعونها من الاعتراض.. لقد ظهرت النشوة على وجهك وأنت تقف على يديها وهي تحاول الإفلات منك. قدمك، التي وضعتها في وجه (آدم) كي تهينه.. قدمك، التي وضعتها لتمنع (بتول) من الدفاع عن عرضها.. تلك القدم اشتهيت أن أتذوقها منذ ذلك اليوم ما أجمل طعمها، وأنا ألوك لحمها اللذيذ. لا أعرف يا سيادة الرائد ماذا حدث لي وأنا أكل تلك الوجبة الشهية.. إنه نوع من النشوة وراحة القلب، وكأن هناك نارا مشتعلة في قلبي، وأكل لحم قدمك يطفئها."
شعر (علي) بالغثيان وهو ينصت لكلمات الرجل الغريب
حتى انتهى منها، فقال بحزن
" أنت.. (آدم)؟".
قهقه الرجل ضاحكاً بصوته المبحوح، وهو يحرك يديه على
رقبة (علي)، ويتلمسها وهو يقول: " (آدم) .. يا له من شاب طموح.. لا يا سيادة الرائد
أنت لا تتذكر جيدا .. فأنتم قتلتم (آدم) تلك الليلة، وصنعتم
بدلا منه مسخاً بشعا.. صنعتم غولا يشتهي اللحم . لقد
صنعتم ... "
توقف الرجل عن الحديث لحظة وهو يمسك بيديه كتف
( علي) ثم يقول بنشوة:
- " صنعتموني."
هنا شعر (علي) بشيء يخترق كتفه الأيمن، لقد قضم الرجل بأسنانه كتف (علي)، الذي لم يشعر بألم بسبب التنميل الذي لم يغادر جسده بفعل المخدر
- " والآن هل تعرفت علي؟ "
قالها الرجل والدماء تقطر من فمه، بعد أن قضم قطعة من جلد كتف (علي)، والذي قال وهو في حالة من الضعف والوهن
- " أرجوك يمكنني أن أعوضك عما فعلناه معك.. فقط
اتركني لأعيش."
" إذا أنت تعترف بأنكم قضيتم على عائلة كاملة في تلك
الليلة ؟"
+
رد (علي) وهو يكافح الشعور بالغثيان قائلا:
- " لم نقتل أحدا، فقد ماتت الفتاة بسبب قلبها، ولم
قلب الرجل المقعد فجأة . على جانبه وهم يقول بغضب:
- " اخرس.."
mla
وقع المقعد على الجانب الأيسر، وشعر (علي) باصطدام رأسه بالأرض، ولكنه لم يشعر بألم الصدمة بسبب هذا المخدر الذي لا يعرف نوعيته. بعدها سمع صوتا من خلفه، وعرف أن الرجل يجلس قريبا منه، وهو يحدثه بسرعة بصوته الخفيض:
تقول إن ذنب موتها هي وعائلتها ليس في رقبتكم!... اغتصبها زميلك حتى صعدت روحها إلى ربها، ثم تقول ليس ذنبكم .. اعتقلتم زوجها بلا سبب لأيام، حتى ماتت طفلته في المنزل من الجوع، وتقول ليس ذنبكم!.. أصيب (آدم) بالجنون وانتهت أحلامه وطموحاته، وتقول ليس ذنبكم!"
ساد الصمت الدقيقة كاملة حتى قال الرجل: نسيت أن أبارك لك على زواجك.. مباركتي متأخرة قليلا، ولكني سأعوض ذلك، والآن يمكنني أن أتركك لتعيش، فهذا أسهل ما يكون، وسأبلغ الإسعاف لتأتي حالا، وسيفعلون اللازم لينتهي الموضوع، وتعيش باقي حياتك.. ولكن مقابل
ذلك ستدفع ثمنا بسيطا ."
رفع (علي) عينيه للأعلى محاولا شحذ تركيزه وهو يستمع
للرجل الذي قال:
- " شعرها الأسود الطويل، وعيناها البنيتان، وجسدها
الممشوق أعجبني نعم هي زوجتك.. لقد شدتني منذ اللحظة الأولى، وأنا وبكل صراحة أريدها الآن. أنت صديق قديم، ولن أخفي عليك حاجتي واشتياقي إلى جسد زوجتك. قديما يا صاحبي أخفيت طمعك في جسد (بتول) والآن ولأنني صريح لا أخفي طمعي في زوجتك. سألهض الآن لأدخل الغرفة النوم وزوجتك مازالت بقميص نومها المثير. هي نائمة بفعل المورفين، ولن تشعر بشيء.. سأفعل ما أريده بها على فراشك الدافئ.. سأمزق ملابسها برومانسية شديدة، وأفعل ذلك معها.. سأفعله مرة واثنتين وثلاثة وأربعة وخمس مرات... وسأصل إلى قمة نشوتي معها.. يا إلهي.. ما أجملها من متعة
سأحصدها الآن !"
أخذ (علي) يزوم من فمه بوهن، وهو يسمع عبارات الرجل، ويحاول أن يحرك جسده بغضب، ولكن ضعف قواه
يمنعه.
- " ماذا يا صاحبي هل تريد شيئا؟ نلتقي بعد ساعة من الآن، بعد أن أكون أخذت كل ما أريد منها، وأعدك أنني سأعود إليك لأنقذك كي تعيش مع زوجتك حياه سعيدة 2
هانئة. "
انسابت الدموع من عين (علي) وهو يزوم، ويحاول أن يصرخ، ولكنه يفشل في كل مرة في إخراج الصرخة من حلقه؛ في حين نهض الرجل، ومر من على جسد (علي) الملقى على الأرض، وهو يتجه إلى غرفة النوم وهو يعرج قليلا .. نظر (علي) للرجل، الذي يسير نحو الغرفة وهو يحاول أن يهز جسده ويصرخ، ولكن صرخاته لا تخرج، حتى اختفى الرجل
من أمامه، عندما دخل للغرفة.
مرت نصف ساعة و (علي) لا يكف فيها عن محاولة الصراخ والدموع تذرف من عينيه في سرعة شديدة، وهو يقول كلمات بسيطة بين الحين والآخر، محاولا التوسل للرجل، ولكن كلماته كلها خرجت بصوت ضعيف، يكاد هو يسمعه بصعوبة. أخذ يتخيل زوجته وهي تغتصب الآن، وهو مقيد في مقعده ظل في تلك الحالة إلى أن أخذت محاولاته في الهدوء شيئا فشيئا، وانتهى الصوت الذي يخرجه من حلقه، وخبنت حركته البسيطة تماما، وظلت عينيه شاخصة، والدموع تغلفها ...
***
الثلاثاء ١٧/ ١١/ ٢٠٠٩ (الساعة ١١ مساءً) 2
- " هل عندك بسكويت بالشيكولاتة يا عم (صابر)؟ " "
قالت العبارة تلك الطفلة الحسناء، التي لم تتجاوز الخامسة وهي تقبض بيدها على جنيه قديم، أعطته لها والدتها لتحضر الحلوى التي تحبها، فما كان منها إلا أن ذهبت إلى بقالة عم (صابر) في آخر شارعهم. ابتسم (صابر) لها وهو يناولها الحلوى قائلا بابتسامة: na
" تفضلي طلبك ككل ليلة يا عروسة."
ناولته الطفلة الجنيه، وأخذت الحلوى، وجرت وهي سعيدة لتذهب للمنزل كي تأكل الحلوى بجانب والدتها، التي كانت تنظر لها من نافذة شقتها كي تتابعها حتى تعود للمنزل مرة أخرى.
كان عم (صابر) كما يطلق عليه شباب الحي - يمتلك
محل بقالة منذ عام قام بافتتاحه بعد تقاعده من عمله، الذي
تتضارب الأقوال عليه فالبعض يقول إنه كان يعمل مخبرا بالشرطة، والبعض يقول داخل مباحث أمن الدولة، والبعض يقول إنه كان صولاً في الشرطة.. لا يهم ما كان، ولكنهم يشهدون بطيبته وحبه الشديد لأطفال الحي، بسبب أنه لم
يرزق بأبناء.
2 كان عم (صابر) يفتح البقالة كل يوم، حوالي الساعة العاشرة صباحا، ويغلق العاشرة مساء أو الحادية عشر على الأكثر. المحل في أسفل العمارة التي يسكنها، وقد استأجره من صاحبة المنزل منذ عام ونصف، وأقام فيه بعض التجديدات، ثم حوله محل بقالة متواضع. عندما اعترضت زوجته على تركه العمل بلا سبب لم يتأثر .. عندما تاشده الأهل والأقارب بألا يترك عمله وهو لم يتعد الخمسين بعد، ويمكنه أن ينتظر فيه العشر سنوات أخرى لم يتأثر.. حاول الكثيرون معرفة السبب، الذي جعله يقرر ذلك فجأة، ولكنهم فشلوا، وظل الحال هكذا، حتى اقتنع الجميع برغبته وبالفعل قدم على معاش
مبكر، واستقر في حياته الجديدة.
نظر (صابر ) الساعة يده التي تجاوزت الحادية عشر بقليل، يجب عليه أن يغلق المحل الآن فزوجته تنتظره على العشاء. أغلق المحل، وأدخل الصناديق التي تحتوي على الحلوى والطعام
الداخل المحل، ليغلقه بذلك القفل الضخم، ثم يصعد لشقته
بالطابق الخامس.
بعد أن دخل الشقة، وغسل يده ووجهه، خرج إلى الصالة حين كانت زوجته تضع طعام العشاء على المنضدة، فذهب إلى المطبخ ليساعدها في نقل الأطباق، ثم جلسا وهما يتحدثان عن أحوال بعض الأقارب ومشاكلهم، وظلا يتكلمان حتى انتهيا من العشاء، فدخل (صابر) الحمام ليغسل يديه، ثم خرج واتحه إلى الصالون، وأمسك بالمصحف الذي يضعه على المنضدة الصغيرة، وبجانبه نظارة القراءة التي ارتداها وهو يفتح المصحف، ويقرأ فيه في حين أن زوجته جلست أمام التلفزيون وهي تتابع مسلسلا، زوجها عن القراءة. ــور
وقد خفضت الصوت كي لا يشتت azna.c
(الساعة ٢:١٠ صباح)
أ
شعر (صابر) بمن يهزه ببطء، ففتح عينيه، ولكن ظلام الغرفة
منعه من رؤية من يجلس على فراشه. حاول أن يسترق السمع،
بعد أن فتح عينيه، ليسمع أي صوت، فربما كان يحلم. ولكنه
سمع من يقول بصوت خفيض مبحوح، وبحروف بطيئة لا تحاول أن تتحرك، أو سأضطر إلى قتلك قبل أن
تفكر بالتحرك."
سمع (صابر) العبارة، وبدأ يشعر بالخوف يختلط بالتحفز، وشعوره القديم بالقوة عندما كان يعمل مع المحرمين يعود إليه مرة أخرى، فحاول أن يحرك يديه بخفة، كي يعرف مكان من يحدثه، حتى اصطدمت يديه بيد ،رجل، فأمسك بها بقوة، وهو يوجه لكمة لصاحبها بيده الأخرى، وبالفعل اصطدمت اللكمة بوجه صاحب اليد، محدثة صوتاً عنيفاً، لاصطدام قبضته بعظام وجهه. ولكن الرجل حرر يده التي أمسكها (صابر) بسرعة، فحاول (صاب أن يبحث عنه مرة أخرى، ولكنه شعر بقبضة تصطدم بأنفه بعنف، فتراجعت رأسه للخلف قليلا، ثم عادت نفس القبضة لتصطدم برأسه مرة أخرى، ولكنه تلك المرة لم يتحمل، وسقط في غيبوبة، لم يستيقظ منها إلا بعد مرور
دقائق
جسده فجأة، وأنه يريد أن في البداية، شعر بنشاط في ينهض. ولكنه استوعب سريعا أنه مكبل بالحبال في مقعد الأنتريه القديم الموضوع في الصالة. فتح عينيه بسرعة، ليجد التلفزيون يطالع عينيه مباشرا، ولكن شاشته محطمة، وأيضا لاحظ أن المقعد اقترب من التلفزيون عن سابق، مما يعني أن أحدهم قد حركه للأمام لغرض ما .
" لم تحقن كزملائك بمادتي السحرية بعد."
+
نظر (صابر) خلفه بسرعة باتجاه الصوت، واستطاع أن يشاهد خيالاً أسوداً، يجلس من خلفه، ولكن رأسه لن يمكنها الالتفاف أكثر من ذلك، كي يمكنه تحديد شخصية من يجلس خلفه.
" لماذا فعلت ذلك بنفسك؟ لماذا استقلت، من عملك؟ "
قالها نفس الصوت المبحوح الخفيض، فقال (صابر) بسرعة:
- " من أنت؟ ولماذا فعلت ذلك؟ هل أنت لص؟ " "
قهقه صاحب الصوت وهو يقول : - " لم أسمع عن اللص الذي يتعامل بهذه الطريقة يا... يا
عم (صابر)."
3
نهض صاحب الصوت واتجه لصابر، الذي كان يحاول تحرير إحدى يديه من الحبال التي قيد بها، ثم أقرب أكثر وهي
يقول:
- " كنت أمر بالقرب من منزلك، وشعرت بالجوع
فجئت إليك.. هل أختنات ؟ "
توقف (صابر) عن الحركة، وهو ينصت لصاحب الصوت.
لم يكن غبيا.. فهم أن من يحدثه جاء له شخصيا، وليس
لسرقته.. ولكن ما معنى جوعه؟
قال (صابر) بصوت أراد أن يجعله ودودا وهو يحدث الرجل
خلفه قائلا:
- " يا بني إن ما تفعله خطأ كبير، ولكن مازال يمكنك
إصلاحه. قل لي ماذا حدث، ولماذا تفعل بي ذلك؟"
ساد الصمت لحظات، ثم تكلم الرجل قائلا :
- " سأراهن على أنك ستتذكر كل شيء بمجرد أن أذكر
لك الاسم.. (بتول)...
لم يظهر على (صابر) أي علامات من التغيير، ولكنه نظر
للأرض بهدوء، وهو يسترجع الأحداث بسرعة:
مع
قرب الرجل المطواة من كتف (آدم)، وأحدث جرحا لا يزيد عن اثنين سنتيمتر به بهدوء وبحرفية شديدة، و(آدم) يصرخ ويتلوى، ولكن الآخر كان يكبله بإحكام.. ثم قرب الرجل المطواة من موضع آخر في كتفه، وأحدث نفس طول الجرح
السابق، ويبدو أنه جرح سطحي.
فعل الرجل الممسك بالمطواة ذلك ما يقرب من عشرين مرة، في يده وأكتافه وبطنه وضلوعه، و(آدم) يكاد يموت من الألم، الذي يحرق خلاياه العصبية، وهو يتأوه في كل جرح
يحدثه ...
فجأة ابتعد الرجل الممسك بالمطواة، ليتقدم الرجل الثالث وهو يحمل في يده زجاجة عطر من المسماة بالعامية (كولونيا). كانت زجاجة ضخمة، فتح الرجل سدادتها، (آدم) بها. وبدأ يعرق جسد
3
في حين أن العميد (عمر) نادى أحد الرجال، الذين ظلوا صامتين طوال تلك الفترة، وقال له: - " (صابر).. خذ (لطفي) وألقوا بتلك الجنة في أحد مقالب القمامة بسرعة، وضعاها في حوال كي لا يلاحظها
أحدهم إلا بعد مدة."
تم نادى على رجل آخر، وقال له:
- " ضعه في زنزانة ٢٦ بسرعة، قبل أن يفيق من ذهوله
هذا."
كان (آدم) يجلس كما هو وهو يحتضن (بتول).. وعندما
أتى الرجلان ليسحبا منه الجثة تركها وعيناه متعلقتان بها،
وأحدهما يحملها والآخر يساعده، حتى خرجا بها من الباب.
رفع (صابر) رأسه وملامحه لم تتغير بعد، ثم تنحنح وقال
بهدوء
- " رحمها الله "
لم يتكلم الرجل من خلفه، ولكنه سمع همهمة تصدر منه، فلم يعلق، وحاول أن يستمع لأي شيء من بين الهمهمة، إلى أن ميز ما يقوله الرجل.. لقد كان يقرأ سورة الفاتحة !!!!!
- " هل تقرأ الفاتحة لها ؟؟؟؟ "
قالها (صابر) وهو مندهش لذلك الفعل، ولكنه لم يتلق رداء بل شعر بالرجل يقترب من خلفه، وفجأة أمسك بشعره بعنف،
مما جعله يتأوه بصوت عال قال الرجل بعنف الصابر: - " بما أنك تمتلك ذلك القلب الرحيم، الذي يترحم عليها،
فلماذا فعلتم ما فعلتم بها؟ هل يمكنك أن تجيبني؟ " كان يتكلم وهو يهز رأسه بعنف، وصوته المبحوح يعلو
بغضب، في حين قال (صابر) وهو يتأوه:
- " لقد ندمت على ما فعلناه في تلك الليلة.. أي.. لكن
الندم لن يعيد شيئا، وليس بمقدوري فعل شيء بعوض ما
حدث. "
ترك الرجل شعر (صابر) بقرف، ثم عاد للخلف مرة أخرى
" هل يمكنني أن أحكي لك عما حدث؟ ولكن دعني أتكلم بطريقتي.. بعد أن ماتت (بتول) أمامكم، وسيدكم يغتصبها أمامكم وأنتم كالكلاب تشاهدون ما حدث بدون أن يتحرك أحدكم، جاء الأمر من أسيادكم أن تلقوا جنتها المقلب القمامة كي تنهش عيون الناس عورتها. حتى وهي في ذمة الله تصرون على هتك شرفها أمام الجميع!.. حملت أنت جسدها بيديك النجسة هذه، وأنت لا تراعي حرمة موتها، ثم ألقيتها في القمامة. أقسم بالله.. لو كانت عاهرة، لكنت احترمتها أكثر من ذلك. وبعد أن أتممت مهمتك، وأطعت أسيادك عدت لتمارس حياتك الطبيعية كما هي.. تصحو من النوم، وتأكل وتذهب لعملك، وتخيف اللصوص والمحرمين ثم تعود لمنزلك لتجامع زوجتك، وتنام هاننا بعد أن تشعر أنك فعلت ما يجب عليك، وكما يقول البعض ليس في الإمكان أبدع مما كان.. تمر الشهور، وتعلم بأن (آدم) مات بحسرته على (بتول) وطفلته، فتشعر أنك يجب أن ترضي ضميرك قليلا، فتقوم بعمل معاش مبكر، وترتدي الجلباب الأبيض، وتداوم على الذهاب إلى المسجد، وترسم على وجهك نظرة الورع وأنت تجلس على مقعدك ممسكا المسبحة، تلعب بحباتها وعقلك منشغل بتجارتك وحياتك وعائلتك، وتشعر أنك فعلت ما
يجب عليك فعله، فأنت بذلك قد أصبحت عم (صابر)، الرجل الطيب الشيخ الفقيه، الذي يحترمه الجميع ويبجله.
هذه هي الحقيقة التي أراها أنا هل توافقني على ما أقول
" يا ... عم (صابر)؟
انسابت الدموع من عين (صابر) وهو يسمع كلمات الرجل. يشعر بطعم دموعه المالحة في فمه، ولكن هناك طعما ہے
آخرا تكون داخله.. إنه طعم المرارة، ويا له من مذاق يشعر به. حاول أن يقول شيئا، ولكن صوته خرج منقطعا:
- " لن أدافع عن نفسي، ولكن يعلم الله ما بداخلي من ندم على ما فعلت. لقد حاولت فعل كل شيء يكفر عن ذنبي ولكن ما الفائدة والجميع ماتوا. عندما علمت بموت (آدم) عرفت أنني من قتله.. عرفت أنني من قتل طفلته.. عرفت أنني من اغتصب زوجته تذكرت حينها عينيه وهو ينظر الجثة زوجته، وأنا أرفعها كي أخفيها.. عيناه لم تكن غاضبة، ولا حزينة، بل كانت بلا تعبير، وكأنني أنظر إلى دمية.. أفزعتني عيناه ذلك اليوم.. يدي التي حملت زوجته الميتة، ظللت أشعر بأنها تحمل دماءها إلى اليوم. لن تصدقني عندما أقول لك إنني أتقيأ يوميا، كلما أتخيل يدي وهي ترفع جثتها من على الأرض.. لن تصدق عندما أقول إن عين (آدم) ما زالت تطاردني في كوابيسي كل ليلة.. يا ترى هل ستصدقني لو قلت لك إنني أتمنى الموت في كل لحظة، لأرتاح من ذلك العذاب؟"
- " لا لا لا ... لقد انسابت الدموع من عيني من كلماتك
يا رجل.. اعذرني، ولكن لا يمكنني أن أصفق لك، فسامحني."
انتهى الرجل من عبارته وهو يبتسم قائلا من وسط دموعه: 2 " والآن انتهى وقت الألعاب، وحان وقت العشاء اللذيذ،
من المشهيات التي أحضرتها معي. كنت أريدك أن مع قليل تشاركني العشاء، للأسف لا يمكنك أن تكون مدعوا على تلك
الوجبة المغذية. "
لم تتغير أي من : (صابر)، ولكنه قال وهو يبتلع
ريقه
لا يهمني، ولكن هناك سؤال أريد أن أعرف إجابته قبل أن أموت.. أنت (آدم) أليس كذلك؟ "
مرت دقائق بدون أن يتكلم الرجل أو (صابر).. هدوء يخيم
عليهما وكأنهما ينتظران شيئًا ما .. لكن فجأة شعر (صابر) بيد
الرجل اليسرى تطوق فمه وتسحب رأسه للخلف بشدة
فحاول أن يتملص وهو يطلق أنينا، ويهز جسده محاولا المقاومة، ولكن الرجل قرب فمه من أذنه اليسرى وقال
بخفوت - " علي أن أعترف أنني فقدت شهيتي للطعام، ولا أرغب بتذوقك، ولذلك سأكتفي بشيء بسيط هذه الليلة. أما بالنسبة لسؤالك عن شخصيتي..
توقف (صابر) عن الحركة والتملص وهو يستمع... . " أنا من أتيت من أعماق عقلي.. أنا الرغبة مجسدة.. أنا
من أردت أن أكونه، وأخاف أن أكونه.. أنا المسخ الذي عاد
لكم" فجأة شعر (صابر) بمحقن يخترق عنقه، وسائلا ما يدخل الجسده عن طريق أوردته، ثم شعر بارتخاء في عضلاته، والرجل
يكمل كلماته قائلا:
(رجل)"
حرك رأسه قليلا وهو يخور بلا فائدة، كان مازال يجلس على المقعد كما هو، وقد فك عنه الرجل الحبال التي تحيط به. لا يسمع، ولا يرى، وبدون لسان، ويده اليمنى مقطوعة من
الرسغ. أخذ يتنفس بسرعة وهو يبتلع ريقه المخلوط بالدماء
وهو يحرك رأسه.. أخذ يتحسس بيده اليسرى السليمة رسغه
الأيمن المقطوع، والدماء تترف منه بغزارة.. لقد فهم.. شرايين يده قطعت، وسيموت في خلال دقائق على الأكثر. هناك صداع فظيع يلسع مخه، وكأن هناك شعلة من اللهب داخل جمجمته.. لا يشعر بالألم في أجزائهه إلا من بعض التنميل
والألم البسيط.
بيده اليسرى أمسك بيد المقعد، وتشبث بها وهو يحاول النهوض، ولكنه فشل.. أطرافه كلها مسترخية.. حاول مرة ثانية، ولكنه نجح هذه المرة في تحريك جسده، ليقع على الأرض. فجأة تضاعف الألم في رأسه، بعد اصطدام جسده بالأرض. لقد وقع على سجادة الصالة، لكنه قال لنفسه إنه يجب أن يصل لبداية السجادة أخذ يتحسس الأرضية، ثم يحاول أن يزحف للأمام، ولكنه لا يمتلك القوة ليجعل يده ور
اليسرى تسحب جسده
أخرج من فمه صوتا كالحوار . مرة أخرى، وهو يشعر هذه المرة بوعيه يتسرب منه هل سيموت الآن؟ جاءت في رأسه فكرة أسهل، لينفذ بها ما يريد أخذ يسحب السجادة بيده اليسرى، كي يصل لنهايتها.. وبالفعل وصلت ليديه بداية السجادة، التي رفع بدايتها من على الأرض، ليتحسس البلاط
البارد بيده اليسرى.
غاب دقيقة عن الوعي، ولكنه أفاق مرة أخرى، وهو يرتعش من فكرة أن يموت هكذا. مد يده اليسرى ناحية يده اليمني التي تترف، وبلل إصبعه، ثم وضع الإصبع على البلاط،
وكتب بخط مرتعش...
( آدم عاد
السبت ۲۱ / ۱۱ / ۲۰۰۹
دخل (سامح) لمكتبه في الساعة الثامنة إلا الربع كما هي عادته اليومية منذ بداية عمله في جهاز المخابرات منذ ثماني سنوات كان (سامح) قصير القامة قليلا، متناسق الجسد، يرتدي نظارة طبية، يمتلك شعراً أسود اللون، كثيف، يصففه للخلف، يرتدي حذاء رياضيا، وسروالا من الجينز، وقميصا قماشيا.
منذ بداية عمله وجميع أنه يعمل بالجهاز، وأنه أحد رجال المخابرات يندهشون بسبب مظهره البسيط، والذي يحمل لمحة من الطيبة والبساطة، عكس ما يتخيله العامة عن رجل المخابرات الذي يرتدي بذلة ويتميز بالوسامة، والشدة، والكاريزما المرعبة.. تلك الصورة التي تكونت من الأفلام والمسلسلات التي روت تاريخ المخابرات في البداية، وعمل مجموعة من الرجال الذين حملوا كاريزما خاصة في بداية عمل الجهاز.
من يعلمون أنه
لكن (سامح)، الذي يبلغ من العمر سبعة وثلاثين عاما، حمل من خلف قناع بساطته عقلية غريبة، أهلته للعمل بالجهاز، بعد أن كان ضابطا بالشرطة.. عقلية تعتمد على المنطق، وعلى
نوع غريب من الحدس والاستنتاج معا، وحساب الأمور بنسبية غير مفهومة للعامة لم يتم اختياره لأنه ذكي ويجيد التفكير المنطقي، لا .. فكثير من رجال الشرطة يجيدون ذلك، ولكن تم اختياره بسبب كونه يجيد القدرة على دمج خياله بتفكيره، وإخراج الاستنتاج بسهولة، تظهر للبعض أنها عشوائية في التفكير، ولكنها دقة وصعوبة قامت على أساسها الكثير من
العمليات الاستخباراتية في داخل الجهاز. نعود مرة أخرى لسامح، الذي دلف إلى مكتبه، وأشعل الضوء، ثم اتجه إلى الخزانة الموضوعة بجانب مكتبه على منضدة صغيرة، وقام بضغط بعض الأرقام في واجهتها، حتى سمع صوت أزير مكتوم، فأخرج سلسلة مفاتيحه من جيبه، وفتح الخزانة، ثم أخرج منها بعض الملفات، وأغلقها بحرص، ثم وضع الملفات على المكتب، وجلس هو من هو أمامها. ولكنه انتبه أنه . الملفات على ملف آخر موضوع على سطح المكتب، فأزاح الملقات، وأمسك الملف بيده، وهو يفتحه بدهشة، فهذا معناه تسليمه عملية جديدة بجانب عمليات المتابعة التي يقوم بها. وضع
أمسك بسماعة الهاتف، وضرب رقما داخليا، وقال:
" أوصلني بمكتب السيد (رفاعي) "
انتظر قليلا ثم قال: كيف حالك يا رفاعي) ؟ وجدت اليوم ملف العملية
جديدة على مكتبي.. هل كلفتني الإدارة بحالة جديدة؟ نعم نعم
سأنتظرك في المكتب حالا."
أغلق (سامح الهاتف، ثم فتح الملف، وبدأ في القراءة، حتى ارتابع حاجبيه من الدهشة وهو يقلب في صفحات الملف بسرعة، حتى سمع طرقات على باب المكتب، ثم فتحه أحدهم، ودخل وهو يبتسم لسامح، الذي صافحه بحرارة، وأجلسه أمامه
وهو يقول:
- " هناك خطأ بالتأكيد يا ( رفاعي) في ملف تلك العملية !!! هل تلك العملية تتعلق بقضاية سياسية او دولية او فبرانية
ابتسم رفاعى وهو يقول له
. " هذا الملف لا يخص عملية خاصة بالجهاز، هذا ملف
جرائم قتل بدأت منذ أسبوع ..
قال سامح بدهشة
عمليات قتل وليس لها علاقة بقضايا من اختصاص الجهاز
" نعم .. الموضوع عبارة عن تعاون ودي بين جهاز المخابرات وبعض الأجهزة الأمنية في القبض على القاتل، لأنه تخصص في قتل أفراد يعملون بجهة أمنية واحدة، وبطريقة غربية، ويبدو أيضًا أن تلك الجرائم ستتكرر مرة أخرى لأفراد بعينهم، ويجب البحث عن القاتل فورا، لأن الموضوع تسرب للإعلام، وسيتم تضخيمه في الأيام القادمة إذا لم يتم العثور
على القاتل الحقيقي."
عدل (سامح) وضع نظارته على عينيه وهو يفكر لحظات
ثم قال: العملية؟" ما هي مني وصلاحياتي؟ ولماذا تم ترشيحي لتلك
مهمتك تعثر : - " أن على القاتل، وصلاحياتك هي توفير كافة المعلومات من الجهات الأمنية المتعاونة عن القضية، وتنفيذ المطالب التي ستطلبها أثناء العمل في القضية، ولكن المشكلة أنك لن تعمل بنفس قوانين العمل داخل الجهاز، فأنت في الخارج لست ضابط حالة، يمكنك أن تحتفظ بأسرار العملية حتى عن رؤسائك، ولكن عليك مشاركة معلوماتك واستنتاجاتك مع باقي فريق العمل، وستجد تصريح اشتراكك في القضية داخل الملف الذي أمامك. أما عن اختيارك أنت، فقد اختارك السيد (محمد) بسبب عملك سنوات عديدة في
الشرطة، وملفك المشرف بها.. هل هناك أسئلة أخرى قبل
استلامك للعملية؟"
رد (سامح) بلهفة:
- " والعمليات التي أديرها كضابط حالة، والعمليات
الوقائية التي تسلمتها منذ أيام.. ما هو مصيرها؟"
سيتم تحويلها لضابط آخر لحين انتهاءك من القضية، نسيت أن أقول لك.. لن يمكنك الاستعانة بأي من الذين يعملون داخل الجهاز بطريقة قانونية، فيمكنك أن تكون فريق للعملية من أي جهة أمنية تختارها للعمل معك. هذه العملية بصفة ودية بين الأجهزة الأمنية وجهاز المخابرات، فيجب عليك أن تحذر وأنت تتعامل مع ضباط الأجهزة الأخرى."
ابتسم (سامح) وهو يقول لرفاعي: - " لا مشكلة في ذلك، سأبدأ العمل اليوم."
إحدى جرائد المعارضة هي.. برغم ذلك واسعة الانتشار
داخل مصر. لو ذهبنا إلى مكتب رئيس التحرير، لوجدناه
يجلس على مقعد المكتب وهو ينظر بتركيز نحو هذا الصحفي
الشاب الذي جلس وهو يتابع ما يقوله في حماسة: " وكل ما فات من كلامي لا يساوي شيئا مقابل القادم.. فكما قلت لك منذ قليل إن جريمة القتل الأولى حدثت منذ أسبوع لمخبر يعمل هناك، وكانت بشعة بكل المقاييس، ولكن الجريمة الأخرى التي حدثت منذ أيام هي التي تجعل هناك خيطا خفيا بين الجريمتين.. تم تعذيب القتيل قبل قتله، استخدم القاتل فكرة أكل أجزاء من أعضاء القتيل، هناك جهة أمنية واحدة يعمل بها المجني عليهما، وحتى الآن لا وجود لخيط يؤدي للقاتل، أو للسبب الذي ارتكب به جريمته. لقد توصلت لبعض الصور والتقارير الخاصة بالجريمتين، ولو قمنا بنشر الصور والتقارير والمعلومات حول الجريمة، منحصل على سبق إعلامي غير مسبوق، وخصوصاً أن القضيتين في طي السرية حتى الآن، والمعلومات التي حصلت عليها تمت بطريقة غير شرعية."
ابتلع رئيس التحرير ريقه وهو يقترب من الصحفي قائلا لهدوء
التحقيق خطر يا (سالم)، وسنفتح على أنفسنا أبواب العذاب من كل الجهات في الدولة."
رد (سالم) بلهفة:
- " أنت تعرف أن تحقيق كهذا سيكون سبقا يمكن أن يقلب الدنيا رأسا على عقب، بل إنه سيعيد للعقول حادثة بني
مزار، التي شغلت الرأي العام مدة طويلة."
ظل رئيس التحرير ينظر لسالم لدقيقة كاملة، وعلى وجهه علامات التفكير، وقد قطب جبينه وهو يحرك عينيه كثيرا، وفي
النهاية قال:
- " مازال التحقيق خطرا عليك، ولكنه سبق إعلامي كما
قلت أنت، لذا فما رأيك أن ينشر التحقيق تحت اسم مستعار حتى لا تسأل أمنيا عن مصدر معلوماتك. وأنا عن نفسي سأكتب لك ورقة تفيد بأنك تكتب مجموعة مقالات صحفية عن حوادث قتل تحت اسم مستعار، وسأكتب اسمك والاسم المستعار، وأقوم بتسجيلهم في الشهر العقاري كي أحفظ حقك في التحقيقات وفي نفس الوقت سيمكنك جمع المزيد من التحقيقات من مصادرك بدون الإضرار بك.. ما رأيك ؟ "
فكر (سالم) مليا، ثم ابتسم ببشاشة، وقال: - " موافق.. ومن الأفضل أن ننشر التحقيق يوم الأحد
القادم، إذا سمحت يا سيدي، أي غدا "
- " سينشر كما طلبت أنت وسنجعل له نصف الصفحة
الأولى، والصفحة السادسة بالكامل."
زادت ابتسامة (سالم) أكثر وهو ينهض من على المقعد
بحماس: وأنا سأقوم بإكمال التحقيق، وجمع أكبر عدد من
المعلومات من مصادري."
".. انتظر " -
قالها رئيس التحرير وهو يكمل متأملا سقف الغرفة: - " (الجزار) يثير الهلع بين رجال الأمن، هذا هو المانشيت
الرئيسي للصفحة الأولى في يوم السبت.. ما . السبت.. ما رأيك؟"
ردد (سالم) العبارة وهو يتذوقها بين شفتيه، ليرى وقعها، ثم ابتسم لرئيس التحرير وهو يتجه إلى باب المكتب، ليخرج
وصوت رئيس التحرير يتبعه قائلا:
- " لا تنس أن تمر على الخزينة، لتأخذ منها الثلاثة آلاف
التي دفعتها المصادرك، بالإضافة الخمسمائة جنيها مكافئة لك
على هذا ا التحقيق."
في داخل مكتب العميد (عمر)، جلس هو وأمامه جلس ضابطان من الشرطة والجميع يتحدث في حين أن (عمر) أخرج علبة سجائره، وأخرج سيجارة، وأعطاها لأحد الضباط، الذي أخذها شاكراً، ولكن رفض الضابط الآخر
بلطف، ثم جلس على مقعده مرة أخرى، وأشعل قداحته وهو يقول والسيجارة مازالت بين شفتيه - " سيأتي الآن، ومهمته واضحة وهي المساعده في القبض
على القاتل."
انتهى من إشعال السيجارة، فأعطى القداحة للضابط، ليشعل سيجارته، في حين قال الضابط الآخر بملل
- " شيء مضحك أن يشترك ضابط مخابرات في حل قضية
من اختصاص الداخلية من أين له بالخبرة الميدانية في العمل في
محال التحقيقات والجرائم؟ في رأيي وجوده سيكون بلا فائدة."
أخذ (عمر) نفسًا من السيجارة، ثم قال باقتضاب:
- " لا تستهين بخيرة رجال المخابرات يا عبد الرحمن) ثم إن التعاون جاء من أوامر عليا، رأت أن يقوم التعاون بين الأجهزني لان القضية، وبطريقة سرية، وليس لنا حق الاعتراض على الأوام
كانت الساعة لأن تدق العاشرة تماما، عندما سمع الجميع طرقات على : ودخل رجل وهو يؤدي التحية العسكرية قائلا بأن من يريد مقابله العميد (عمر)، ويقف خارجا مره (عمر) أن يدخله.
" وأنا سأقوم بإكمال التحقيق، وجمع أكبر عدد من
المعلومات من مصادري."
"..انتظر " -
قالها رئيس التحرير وهو يكمل متأملا سقف الغرفة:
- " (الجزار) يثير الهلع بين رجال الأمن، هذا هو المانشيت
الرئيسي للصفحة الأولى في : السبت.. ما رأيك؟" ين
ردد (سالم) العبارة وهو يتذوقها بين شفتيه، ليرى وقعها، ثم ابتسم لرئيس التحرير وهو يتجه إلى باب المكتب، ليخرج
وصوت رئيس التحرير يتبعه قائلا:
- " لا تنس أن تمر على الخزينة، لتأخذ منها الثلاثة آلاف
التي دفعتها لمصادرك، بالإضافة الخمسمائة جنيها مكافئة لك
على هذا التحقيق.
في داخل مكتب العميد (عمر)، جلس هو وأمامه جلس ضابطان من الشرطة والجميع يتحدث في حين أن (عمر) أخرج علبة سجائره وأخرج سيجارة، وأعطاها لأحد الضباط الذي أخذها شاكرًا، ولكن رفض الضابط الآخر
بلطف، ثم جلس على مقعده مرة أخرى، وأشعل قداحته وهو يقول والسيجارة مازالت بين شفتيه - " سيأتي الآن، ومهمته واضحة وهي المساعده في القبض
على القاتل."
انتهى من إشعال السيجارة، فأعطى القداحة للضابط
ليشعل سيجارته، في حين قال الضابط الآخر بملل: - " شيء مضحك أن يشترك ضابط مخابرات في حل قضية
من اختصاص الداخلية من أين له بالخبرة الميدانية في العمل في مجال التحقيقات والجرائم؟ في رأيي وجوده سيكون بلا فائدة."
أخذ (عمر) نفسًا من السيجارة، ثم قال باقتضاب: - " لا تستهين بخبرة رجال المخابرات يا عبد الرحمن) ثم
إن التعاون جاء من أوامر عليا، رأت أن يقوم التعاون بين الأجهزة في ان القضية، وبطريقة سرية، وليس لنا حق الاعتراض على الأوام
كانت الساعة الان تدق العاشرة تماما، عندما سمع الجميع طرقات على : ودخل رجل وهو يؤدي التحية العسكرية قائلا بأن من يريد مقابله العميد (عمر)، ويقف خارجا
امره (عمر) أن يدخله.
دخل (سامح) من الباب، وهو يلقي التحية عليهم، ويتقدم
ليصافح (عمر) وهو يقول له :
- " (سامح صبحي) "
YOND
- " العميد عمر زهران، تشرفت بك يا سيد (سامح)."
صافح (سامح) أول الضباط، والذي عرفه بنفسه أنها صالح عبد الحي، والآخر الذي . عرف نفسه : المقدم بأنه المقدم (عبد الرحمن عبد العزيز). جلس (سامح على مقعد بجانبهم، أمام المكتب، والثلاثة يتأملونه بعيون الخفية. مظهره العادي، والذي لا يوحي بعلاقته بالمخابرات أو بعوالمها، التي طالما تغلف بالسرية والكتمان والغموض.. كان مظهره وملبسه وطريقة حديثه عادية، ليس بها ما يميزه بكونه رجل مخابرات بالفعل كان مخيبا للأمال بشكل كبير.
قطع (سامح الصمت، وهو يقول باقتضاب:
- " تشرفت بالعمل معكم، متى سنبدأ العمل؟ "
رد (عمر) بسرعة قائلا:
" من الآن لو أحببت، ولكن ما هو مدى إطلاعك على
معلومات القضايا؟ "
تسلمت ملف مبدئي للعمل بالقضايا، ويحتوي على
معلومات بسيطة عن ثلاث قضايا، وقعوا على فترات ثابتة ويبدو أن منفذ الجرائم شخص واحد، أو جهة واحدة، وقرأت بعض التقارير البسيطة عن القضايا، ولكن كما تعرف هذا لا
يكفي، فيجب أن أطلع على كل التفاصيل."
أطفأ (عمر) السيجارة في المطفأة . ل التي أمامه، ثم نظر لسامح،
واعتدل في جلسته
- " من اليوم سيكون لك مكتب بجوار مكتبي أثناء فترة
عملنا بالقضايا. ولقد أمرت اليوم بعمل نسخة من كل ورقة أو
ملف أو صورة تتعلق بالقضايا، وستكون جميع الأوراق على
مكتبك بعد ساعات قليلة.. كل ما تريده يمكنك أن تطلبه مني،
أو من أي ضابط يعمل على تلك القضايا."
على
تنحنح ( صالح ) بعد انتهاء جملة (عمر)، ثم قال موجها
حديثه لسامح:
- " أنا لا أقصد إهانة لك يا سيدي، ولكن ما صلة عمل
المخابرات بالقضايا الجنائية؟ أنا أعلم أن ضباط المخابرات
بعيدين كل البعد عن الشئون الداخلية."
ظهرت نظرة متوعدة على وجه (عمر)، في حين رد
(سامح)
- " بالفعل ضباط المخابرات ليس لهم صلة بجرائم القتل
والسرقة إلا إذا كانت تتعلق بقضايا أخرى سياسية أو دولية، ولكن أوامر القادة جاءت بالتعاون بين جميع أجهزة الدولة وذلك لاحتواء القضايا مما فهمت على الغاز تخرج عن كونها جرائم عادية.. مثل تلك الصورة التي رأيتها للمجني عليه الأخير المدعو (صابر)، والذي كتب بدمائه قبل موته (ادم عاد)، مما يعني أن هناك معرفة قديمة بينه وبين القاتل، وبالتالي فجميع من, قتلوا كانوا على معرفة بهذا الشخص والذي قام بثلاث جرائم قتل بطريقة غريبة على عقلية الرجل المصري، وبدون ترك أي دلائل تقود إليه في مسرح الجريمة.. وطالما هناك لغز، وهناك الكثير من الرجال الذي تربطهم علاقة عمل بجهة أمنية يقتلون إذا القضية تتعلق بأمور خطيرة، ويجب الوقوف عليها بسرعة،
قبل وقوع عدد كبير من الضحايا."
فهم (صالح) من إجابة (سامح) أنه يقول له بلطف (ليس
هذا من شأنك لأنه لم يعطه جواب شاف، بل تكلم معه عن
القضية، محاولا الهرب من الإجابة بلطف.
سمع الجميع طرقات على الباب، ثم دخل شاب طويل القامة، وسيم الملامح، وهو يلقي التحية ليصافح الجالسين في الغرفة، وصوت (عمر) يرتفع بفخر قائلا: - " أعرفكم بالرائد حسن المهدي).. انضم أمس الفريق
البحث في القضية."
موضة
(سامح) يده وهو يصافح (حسن)، ويتأمل ملامح
وجهه، التي تحمل وسامة ولكنها وفي تلك اللحظة كانت تحمل لمحة من الهم والحزن.
- " الرائد (حسن) كان صديق شخصي للمرحوم (علي)،
غير أنه عمل مع (صابر) و(لطفي) قديما."
قال (عمر) تلك العبارة في نفس اللحظة التي سحب فيها (حسن) مقعدا، وجلس عليه.
(الساعة ٤:٢٥)
شکر (سامح) العسكري الذي أحضر آخر الملفات ووضعهم أمامه على المكتب، ثم سأله إن كان يأمر بشيء آخر، فشكره (سامح بلطف، فخرج العسكري، بعد أن أدى التحية العسكرية السامح الذي هز رأسه فبالرغم من عدم معرفة
مهمة (سامح) إلا أن العسكري قد استشف خطورة هذا الرجل، فلقد خصص له مكتب مغلق خاص، وتم نقل ملفات قضايا على مكتبه، ثم ذلك الأمر من سيادة العميد بتلبية كل متطلباته أثناء تواجده داخل المكتب، والأغرب أن العميد شدد على الجميع بأن لا يعلم بتواجده أحد.. لم يكن من الصعب على العسكري وزملائه الذين علموا بقدوم الزائر، أن يتوقعوا أنه على درجة عالية في إحدى الجهات الأمنية، لذا وجب
احترامه.
بعد خروج العسكري، عدل (سامح) وضع منظارهن وهو يتأمل الغرفة التي يجلس بها .. كانت غرفة متوسطة الحجم، يبدو أنها استخدمت كغرفة لحفظ الملفات، لأنها تحتوي على الكثير من الأرفف والدواليب، ولكنها قد نظفت قبل بحيثه من الملفات القديمة، ووضع بها مكتب أنيق، لا يتناسب مع شكل الغرفة، ومقعد جلدي ضخم يناسب المكتب، وهاتف، وبعض
الأقلام، وأوراق.
أخذ (سامح) نفسا عميقا، وهو يشعر بالضيق لانتظاره كل تلك الساعات حتى تأتيه ملفات القضايا والتحقيقات.. بالرغم من وعد العميد (عمر) أنها ستأتي بعد ساعات قليلة، إلا أنها تأخرت حتى هذا الوقت، والذي فضل (سامح) أن يقضيه في الغرفة، التي أعدوها له. ظل جالسا هكذا، يتأمل الغرفة كثيرا - كعادته عند دخوله أي مكان أن يتأمل كل تفاصيله، ويحفظها في ذهنه لأي ظرف يمكن أن يقابله عن هذا المكان مستقبلا ... وأخيرا أنت الملفات، وأمسك بأحدها يتأملها، وهو يأتي بورقة خالية، ليضعها بجانبه على سطح المكتب العاري بدون أن يضع تحتها شيئًا، ثم أمسك القلم، وفتح الملف، وأخرج الصور، ووضعها جانبا، والتحاليل الجنائية في جانب، والتحقيقات
والتقارير في جانب آخر، ثم أخذ الصور ليتفحصها.
صور كثيرة الموقع الحادث.. صورة المرأة غرفة نوم كبيرة مهشمة، ثم صورة أخرى المرأة تشبه مرأة الحمام - مهشمة أيضا ومرأة يبدو أنها كانت جزء من دولاب قبل تهشيمها،
ثم صورتين المرايا أخرى مهشمة.
نظر (سامح) للورقة الموضوعة بجانبه، وكتب بها ( مرآة ) ثم نظر مرة أخرى، وهو يتأمل صور المطبخ، وصور أدوات طبخ، وأطباق، وملاعق، ثم طبق ضخم موضوع فيه قطعة لحم كبيرة مشوية، ثم صور لقدم ملقاة على الأرض، وقد ظهرت
عظامهما، فنظر إلى الورقة مرة أخرى، وكتب (أقدام).
قلب الصور المسرح الحادث، حتى وصل إلى صور للمجني عليه ملقى على الأرض، بجانب مقعد ملقى بجانبه، والدماء
تغرق نصفه الأسفل، الذي ظهرت منه عظام فخذيه، وقد بترت قدماه من الركبة.. ظل يقلب الصور المقربة لوجه الجثة والتي تظهر مدى الألم الذي ارتسم على وجهه قبل موته، حتى وصل إلى صورة الحائط، وقد كتب عليها بخط أنيق بالدماء (أقدامي تجربي إلى الموت)، فاتسعت عين (سامح) وهو يكتب العبارة في الورقة. لم يكمل تصفح الصور، ولكنه وضعها جانبا، وقام بفتح تقرير المعامل الجنائية، والذي جعله يجمع فكرة لا بأس بها عن الجريمة.
المجني عليه علي أحمد عثمان، رائد بأمن الدولة، بعد بلاغ من الزوجة التي تقول إنها لا تتذكر شيئا سوى أنها فتحت عينيها ليلا، لتشعر بمحقن يخترق ذراعها، لتغيب عن الوعي، وتفيق الساعة التاسعة صباحًا، وتشاهد جثة زوجها في الصالة، فأبلغت الشرطة، والتي بدورها أبلغت الجهة التي يعمل بها القتيل، وبعد معرفة أنه أحلام رجال الأمن با وجود الصالات غربة إلا بصمات بعض الأقارب، وبصمات الزوج والزوجة، وطفل صغير قريب لهم، يأتي لهم أيام في الأسبوع ليقيم معهما، ثم يرحل بعد أيام.. القاتل دخل الشقة بطريقة بسيطة جدا، فقد صعد سلم العمارة، ثم قام بتسلق (المنور) حتى وصل إلى نافذة الشقة، وقام بفتح النافذة بطريقة بدائية عادية، ودخل منها، ثم أغلقها وراءه، ودخل إلى غرفة النوم، وحقن الزوج والزوجة، ثم نقل الزوج وهو حي إلى الصالة، وكيله جيدا
بأحد المقاعد، ثم وباستخدام المنشار، الذي يستخدم في العمليات الجراحية، قام ببتر القدم من منطقة الركبة، وتبعها باستخدام مشرط جراحي، بقطع أجزاء من الفخذ بطريقة فنية، وكأن له خبرة تشريحية سابقة، لأنه قام بإخلاء اللحم من الأقدام المبتورة، ثم نقل أجزاء اللحم إلى إناء طعام ضخم، وقام بسلقها في مدة من الممكن أنها تجاوزت الساعة، ثم وضع قطعة كبيرة منها في صينية للشواء، وأضاف عليها قطع بصل وطماطم وبهارات وصلصة.. مكونات البهارات والصلصة أتى بها القاتل معه، فلم تتعرف عليها الزوجة، ثم وبعد نضج اللحم، نقله إلى الصالة مرة أخرى، وأخذ يأكل أمام القتيل، حتى انتهى من جزء من اللحم، ثم قام بإسقاط المجني عليه على الأرض وهو مقيد في مقعده، وتركه هكذا حتى مات، بعد أن تزف جزء كبيرا من دمائه بين الساعة الثالثة والخامسة فجرا، ثم كتب على أحد حوائط الصالة عبارة أقدامي تجربي إلى الموت) بإصبعه، بعد أن بلله بدماء المجني عليه. بعدها فك الحبل عن الجثة، وحمله معه، ثم فتح باب الشقة، وخرج منها.
أما عن الجثة تشريحيا، فلا تحتوي على أي أشياء غريبة، إلا أثر كدمة في الرأس، تكونت من ضربة عنيفة، تلقاها المجني عليه، غير هذا لا توجد آثار أخرى حتى بعد حلق شعر الجثة وغسلها جيدًا، لم تظهر أي من الآثار سوى آثار ذلك الحبل، الذي قيدت به الجثة. أما عن الدماء، فقد وجدت جرعة من مخدر المورفين، وجرعة لا تذكر من مخدر آخر غير معروف !!
كانت الورقة الآن أمام (سامح)، مليئة بالكلمات مثل
(مورفين) (مرايا) (نافذة)، وكلمات أخرى يستخدمها (سامح) للدلالة على أفكار في عقله، تخصه هو .
فتح المحاضر، وبدأ بقراءتها بتعمق، وهو يقرأ محاضر الزوجة، والأقارب والأصدقاء المقربين وبعض رجال الحي.. ثم فتح تقارير قدمها فريق البحث في القضية، وظل يتابعها بهدوء حتى انتهى منها .. عاد مرة أخرى، وقرأ تقارير المعامل الجنائية والتقارير الفريق البحث والمحاضر، وكان يدون بعض الكلمات في الورقة التي بجانبه، ثم وللمرة الثالثة قرأ الأوراق الخاصة بالقضية، وشاهد الصور بتعمق أكثر.
جمع الصور والأوراق، وأعادها مرة أخرى لملف القضية، ثم أحضر ورقة أخرى، ووضعها في موضع الورقة السابقة وأزاح الورقة السابقة جانبا، وفتح ملف قضية (لطفي عبد البر محمد، وظل يتابع الصور والتقارير والملفات الجنائية وتقارير
الشرطة والمباحث والمحاضر، وهو يدون على الورقة الجديدة كلمات مثل (مورفين) (مرايا) (عين أذن - فم) (بهارات)
( مسدس) حتى انتهى من الملف وراجعه مرة ثانية وثالثة بدقة.
فتح الملف الثالث وهو يتأمل الصورة، التي أثارته عندما
اطلع على نسخة منها صباح اليوم.....
رجل ينام على وجهه، وقد انتشرت دماء تحت رأسه ويده اليمني مقطوعة، أما يده اليسرى فهي ممدودة بطولها، وفي نهايتها طرف سجادة مرفوع، ومكتوب بالدماء، وبخط مهزوز وباهت يصعب قراءته (ادم عاد) !!!!!!!
ظل يتأمل الصورة دقيقة كاملة، وهو يحاول أن ينشط خياله عن تلك الشخصية التي كتب القتيل اسمها. ثم قلب الصور ليجد صور لمرايا تم تهشيمها وصور أخرى للقتيل وقد قلبه رجال المعمل الجنائي ملتقطين صور لوجهه وعينيه المقلوعة والدماء التي تخرج من فمه ثم صور للمقعد وصور مقربه ليده اليمني المبتورة.
ولكن توقف (سامح) وهو يسأل نفسه عن عدم وجود أي صور الأواني مطبخ، أو أدوات طبخ مثلما حدث في باقي القضايا ؟؟ .. كان يسجل الملاحظات في ورقة جديدة، ولكنه توقف فجأة عند صورة مقربة العبوة زجاجية، تحتوي على مسحوق أصفر اللون، ملقاة على الأرض.. هنا اتسعت عين
(سامح) وهو يهتف لنفسه بدهشة:
- " أميتال الصوديوم ؟؟!!!! "
مطعم بمنطقة الهرم، تعود العميد (عمر) أن يأخذ أطفاله. وزوجته إليه في أيام العطلات، كي يقوم بالترفيه عنهم، وخاصة لكثرة غيابه وانشغاله. كان يرتاح بطبيعة الحال في ذلك المطعم، لكثرة المرات التي ذهب فيها إليه، وكان هذا هو أول مكان قرر أن يصطحب إليه (حسن)، كي يتحدثا بعيدا عن جو
العمل، ويتناولا الغداء.
2
يأكل من الأطباق الموضوعة كان (عمر) يجلس مبتسما وهو يأكل من الأه أمامه، ويتكلم مع (حسن) الذي جلس شاردا، يرد بأقل الإجابات. توقف هنا (عمر) عن الأكل، وتغيرت ابتسامته، ثم mla
تكلم بجدية:
- " إذا أنت مازلت تفكر بهذا الموضوع.. لنتحدث إذا عما
تريد، من أين تريد البدء؟"
نظر (حسن) للأرض شاردا وهو يقول" آدم) عاد( " - يقول:
مد (عمر) يده في جيبه، ليخرج علبة سجائره وهو يقول
بعدم اهتمام
"آدم (من؟؟)"
نظر (حسن) حينها في عين (عمر)، الذي أشعل السيجار ثم نظر إلى يد (حسن) اليمنى، وأشار ناحيتها وهو يقو
بابتسامة:
- "ما أخبار الخطوبة؟"
نظر (حسن) ليده اليمنى وبالتحديد إلى الدبلة، التي الديلة أحاطت أحد أصابعه، ثم زفر نفسا طويلا وهو يقول:
"..بخير " -
- " إذا فقد فهمت رسالتي."
ظهرت ملامح السؤال على وجه (حسن)، فقال (عمر)
بنفس الابتسامة:
ور - " رسالتي لك تقول . إنك ستتزوج قريبا، ثم تصبح آبا، . وتتحمل الكثير من الأعباء، وتذوق الكثير من الراحة والاستقرار.. بعد كل هذا وأنت تريد أن تنبش في ملفات
الماضي؟ أليس هذا غباء يا بني؟"
تحفز (حسن) وهو يرد على (عمر) قائلا:
- " أي ماض هذا الذي أنبش فيه؟ الماضي هو من عاد لنا
من جديد يا سيادة العميد.. عاد في شخص (آدم) مرة أخرى."
ظلت ملامح (عمر) جامدة وهو يقول:
- " أي (آدم)؟ (آدم) الذي نعرفه هو اسم انتحله أحدهم في قضية هامة منذ سنتين، وتم القبض على الفاعل.. أما (آدم)
الذي تتكلم عنه فهو سراب."
- " وكيف تفسر قتل (علي) و (صابر) و (لطفي)؟ ولماذا هم
دون غيرهم؟"
اعتدل (عمر) في مقعده وهو ينظر إلى أحد المناضد التي جلس عليها رجل وزوجته وطفلة صغيرة تبتسم لهم، ثم أشار
برأسه ناحيتهم وهو يقول: 2
- " هل ترى تلك العائلة يا (حسن)؟
نظر (حسن) بطرف عينيه للمكان الذي أشار إليه (عمر)،
الذي أكمل قائلا:
" تلك الابتسامة التي تكونت على شفاههم، نحن من
نسهر للحفاظ عليها .. نحن من يموت منا الآلاف في سبيل تلك الأسرة.. نحن من يرسم الإعلام لنا صورة السفاحين الذي يتسلون بتعذيب الشعب ذلك الشعب، الذي يقدر بعشرات الملايين نحن من نحميه.. ولو يوما ما أخطأنا وعذبنا عشرات، حاسبونا وكأننا عذبنا الملايين.. لتعيش تلك الملايين
في سعادة، ما المشكلة من بعض الأخطاء؟ لا أعتقد أن أحدا