![]() |
رواية صدفة ام قدر (العشق الخماسي) الفصل الثالث والاربعون 43 بقلم سميه عبد السلام
عاد «سليم» إلى المنزل بعد ان انتهى من حمل البضاعة و إدخالها إلى المخزن بمساعدة اخويه، وبعدها ذهب ليتحمم ويبدل ثيابه بأخرى نظيفة، وبعدها قرر الذهاب إلى المسجد حتى يؤدي فريضة العصر في جماعة لكن ما ان وصل لطابق الأرضي توقف يبحث بعينيه عن ابنة عمه «قدر» لكن قطع عليه ذلك هو هبوط «احمد» من فوق الدرج واقترب منه وقال بهدوء:
"واقف كده ليه؟ مش يلا عشان نصلي"
تنهد و اومأ له وقرر ان يعود لها بعد الصلاة حتى تذكر شيء وقال:
"استنى!! هو فارس فين انا مشفتوش طول اليوم"
تشدق «احمد» بفمه ساخرًا:
"البيه مكتئب وقاعد في اوضته وشايل طاجن سته فوق دماغه، و جدك قال ماحدش يزعله هو هيروق مع نفسه ويرجع زي الفل"
اعترض «سليم» على حديثه وهو يحثه لسير خلفه:
"لأ تعالى ننكشه ونعرف ماله، ده حتى بكره العيد ماينفعش نسيبه زعلان كده"
تحرك الإثنين وطرق «سليم» فوق الباب بهدوء ولم يدلف حتى سمح له «فارس» بذلك، كان الآخر يجلس منزوي على حاله في الغرفة ليهتف «سليم» بمرح:
"قولي بس مين مزعلك وانا ازعلك امه، وبعدين ده انت عملت اللي ماحدش فينا قِدر يعمله و هتتجوز قبل ما تكسر التلاتين"
اكتفى برسم بسمة ساخرة ليعلق «احمد» وهو يقترب يجلس بجوار ابن عمه:
"نرجس دي بنت حلال ما تسبش حد غير وتنكد على أهله"
نكزه «سليم» بمرفقه في جانبه وهمس له بضيق:
"احنا جايين نهدي و لا نشعللها يا حريقة"
خرج صوت «فارس» وهو يقول بنبرة ساخرة تحمل في طياتها الحزن:
"لأ هي مولعة خلقة، وبعدين خلاص شكله ولا هيبقا في جواز ولا عريس من أصله"
نظروا إلى بعضهم بحزن على حالته و قبل ان يندفع أحدهم لمواساته كان قد صدح صوت هاتف «سليم» أخرجه من جيبه و تعجب من المتصل والتي كانت «علا» ابنة خالته، رأى «احمد» اسمها على شاشته لكنه ادعى الانشغال مع «فارس»، تنهد «سليم» بعمق ثم أجاب:
"الو ايوة يا..."
بترت هي كلماته وهي تقول بلهفة:
"ماتقولش اسمي لو احمد جمبك، من فضلك يا سليم لو كان جمبك أبعد عنه"
تعجب «سليم» من مطلبها لكنه خمن انها ربما تريد ان تفعل مفاجأة لزوجها دون علمه و تحتاج لمساعدته لكن نبرة صوتها المضطربة اوحت بعكس ذلك، لبى طلبها و ابتعد قليلًا عنهم ثم اضاف بأستغراب لم يخلو من حديثه:
"قمت اهو ممكن بقا تقوليلي مش عايزة احمد يعرف انكِ بتكلميني ليه؟؟ هو انتم متخانقين؟!!"
اجابت بما ذاد من حيرة وقلق الاخر بقولها:
"عشان مش عايزة احمد يسمع الكلام اللي هقولهولك دلوقتي"
قطب جبينه بتعجب و زادت حيرته من حديثها المبهم ليقول بدهشة:
"هو في اي يا علا؟! صوتك بيقول ان في حاجة وشكلها حاجة كبيرة كمان."
تنهدت بقوة حتى وصل إلى سمعه صوت تنفسها وهي تسحب الهواء تدخله رئتيها وتكتم دموعها المحبوسة بعينيها واردفت بثقل وصوت مبحوح:
"احمد بيخوني يا سليم طلع يعرف بنات و بيكلمهم من ورايا، انا قلبي حرقني اوي ومش عارفة اعمل أي؟؟ "
زاغت ابصاره نحو الجالس ويبدو انه منهمك في الحديث مع «فارس» ثم عاد ينظر من النافذة المتواجدة داخل الغرفة وهو ينفي بتأكيد ما قالته هي لتوها ولكن بصوت منخفض حتى لا يحدث بلبلة ويتطور الأمر بينها وبين زوجها أكثر:
"مستحيل الكلام اللي بتقوليه ده يا علا، كلنا هنا في البيت عارفين أد اي احمد بيحبك وعمل اي عشان خاطر يتجوزك وعارفة كمان ان جدك زكريا كان رافض فكرة ان الصغير فينا يتجوز قبل الكبير ولما وافق على جوازكم كان شرطه ان احمد يشتغل مع فارس في السوبر ماركت بعد شغله في الشركة و احمد وافق رغم أن الشغلتين مع بعض بيهدوا حيله "
مسحت خدها المبلل بدموعها الساخنة كلما تتذكر حديث تلك الفتاة التي قابلتها في الكافيه وأخذت تسرد ماحدث له لكنها أخفت عنه أن «شهد» أخبرتها بأن شقيقتها «وردة» على علاقة غرامية بزوجها لأنه بالتأكيد ان علم ذلك لن يصدقها وهي تحتاج إلى مساعدته، ثم اردفت بصوت واهن خرج نبرته ضعيفة:
"انا يا سليم عارفة كل كلمة أنت قولتها وانا كمان بموت في أحمد ومقدرش اعيش من غيره و اتمنى ده كله يطلع كدب، أنا شفت تصرفات احمد الغريبة معايا مبقاش يكلمني لو رنيت على عليه مايردش و لو رد يقفل معايا في الكلام ده غير ان كذا مرة حد يرن عليه وهو معايا يتوتر ويروح يتكلم بعيد عني ولما اسأله مين بيكلمك يقول مكالمة مش مهمة كل الحاجات دي خلتني غصب عني اشك فيه."
ما جعل الشك يتسرب إليه وانها قد تكون محقة هو اخر حديثها، ليعود بذاكرته ليوم أمس عندما اجتمع الشباب مع بعضهم و اتت لـ «احمد» مكالمة وظهر التوتر واضحًا على وجه وخرج ليجيب فأتبعه «سليم» لكن حينها هاتفته «سلمى» ولم يذهب خلفه، ورغم الشك الذي دخل إلى عقله إلا أنه أعترض على حديثها يقول بصرامة:
"لأ بردو كل ده ممكن يكون ليه تفسير تاني غير انه بيخونك و بيكلم بنات وانا مش هصدق ان احمد بيعمل كده غير لما اشوف بعيني غير كده يبقا انتِ بتخربي العلاقة بينكِ و بين احمد"
لم تجد رد على حديثه الجاف معها غير البكاء، وصلت شهقاتها إليه، ليمسح على وجهه بضيق من نفسه على طريقته في الحديث معها ليكمل حديثه بنبرة تبدلت كليًا وهو يقول بهدوء و صدق:
"علا حقك عليا بس انتِ قبل ما تكون مرات احمد انتِ اختي اللي بخاف عليها بلاش تخلي شوية كلام ملوش اساس من الصحة يأثر عليكِ ويخليكِ تفكري كده، و افضل حل انكِ تواجهي احمد باللي حساه بس بلاش تجيبي سيرة البنت اللي اتكلمتي عنها دي عشان لو كلامها طلع صح و ده مستحيل، احمد هيقلب الترابيزة عليكِ و لو طلع غلط علاقتكم انتم الاتنين هتدمر طالما دخل بينكم الشك خصوصًا و انتِ مش معاك دليل."
و عند نطقه لاخر كلماته جذب هو انتباهها لأنه أحضر مربط الفرس في حديثه لتقول هي بلهفة:
"عشان كده انا كلمتك يا سليم، انا مش معايا دليل و لو واجهت احمد في الحالتين هكون انا اللِ خسرانة، وهو ده سبب مكالمتي ليك."
شعر هو بالتيه من حديثها المبهم ليعقد حاجبيه بتسأل:
"لأ مش فاهم تقصدي اي؟؟"
ابتلعت الغصة التي تشكلت كالاشواك في حلقها وهي تجيبه بهدوء عكس العاصفة التي تجوبها من الداخل:
"عايزاك تمسك موبايل أحمد بس من غير ما يعرف و تشوف بنفسك اذا كان كدب ولا حقيقة و تريحني يا سليم بدل قهرة القلب اللي انا فيها دي"
همَ ليتعرض و قبل ان يقول شيء خمنت هي رفضه لما تقول، حتى أسرعت هي بالحديث مردفة بتوسل ورجاء:
"بالله عليك يا سليم ما ترفض، انا كلمتك انت بذات عشان عارفة معزتي عندك و لو انا زي اختك زي ما بتقول اكيد مش هترضالي بده، ارجوك وافق."
لم يقدر على الإعتراض وخصوصًا بعد جملتها الأخيرة التي تبدو كالانذار قبل أن تدخل في نوبة بكاء، اغلق معها بعد أن طمئنها واخبرها انه سيتولى زمام الأمور وعليها إلا تنجرف وراء عواطفها حتى تتأكد من شكوكها _المحتمل فيها ان تكون على خطأ_ أقترب منهم وجلس مكانه رغم الحزن الذي ظهر في عينيه و حاول هو إخفائه، حتى انتبه لصوت «احمد» المتسأل:
"مين اللي كان بيكلمك يا سليم؟!"
هو يعلم الإجابة جيدًا لكنه اراد ان يسمعها منه هو، بعد ان نجح شخص مجهول الهوية في زعزعت ثقته في أخيه و زوجته من خلال رسائل الغرض الأول منها و الأخير هي بث الشك بينهم و خلق النزاعات حتى و إن كان السبب وهمي، لم يفضل «احمد» المواجهة خصوصًا بعد ان اخبر «ادهم» بأمر هذه الرسائل و الاخر نهره بضيق على تفكيره الساذج حتى يصدق مثل هكذا رسائل، فقرر ان يلجأ إلى هذه الحيلة السخيفة ليتأكد من صحة الرسائل و استعان في هذه الخطة بمساعدة «شوشو» و التي كان يتلخص دورها في ان تخبر زوجته بأن «احمد» على علاقة بشقيقتها.
حتى يتسنى له رؤية رد فعلها و من خلاله يحكم أن كانت بريئة ام لا، يا لك من أحمق يا «أحمد» ألم تجد شيء افضل من هذه الخطة البلهاء حتى تتأكد من ظنونك، تكسر قلب زوجتك و تسيء الظن بأخيك لمجرد رسائل لا تعرف حتى من يرسلها، أقسم ان لو «ادهم» يعلم بما تفعله لفصل رأسك الغبية هذه عن جسدك.
و لكن ما زاد الأمر سوءً هو إجابة «سليم» التي زادت من الطين بلة وهو يقول بهدوء:
"لأ ده أسامة سكرتير أدهم كان بيكلمني عشان الشغل ما تشغلش بالك انت."
لم يكن في نية «سليم» شيء سيء أو خبيث هو فقط لم يرد ان يخبره ان زوجته هي المتصلة حتى لا يسأله عن سبب المكالمة و تتفاقم الأمور بينهم، بينما «أحمد» احتدت نظراته و زاد الغضب بداخله فيبدو ان المرسل لا يكذب، لكن جاهد في اخفاء مشاعر الكره التي نشأت بداخله تجاه ابن عمه و عادت ملامحه لطبيعتها، ثم سمع صوت إشعار يأتي من هاتفه، اخرجه من جيبه و قام بفتحه دون ان ينتبه لنظرات «سليم» الجالس بجواره، وسرعان ما التقط الرمز الذي كان على هيئة رسم نمطي وليس أرقام، وهذا جعل حفظه سهل بالنسبة إلى «سليم».
__:__:__:__:__:__:__:__:__:__:__:__:__:
دلف «ادهم» إلى المنزل بخطوات ثابتة بعد ان انتهى من صلاة العصر، و قرر الصعود إلى شقتهم لكن هناك شيء جذب أنظاره وهي تلك العُلب الكرتونية الموضوعة فوق طاولة الطعام التي تخلو من أي شيء عداها، ومع ابتسامة «ادهم» التي تتضح من خلالها أنه يعرف محتواها ثم حرك شفتيه متحدثًا مع نفسه ولكن بصوت مسموع:
"كراتين العسل الأبيض يبقا أكيد..."
و هناك من أكمل جملته وهو يأتي من خلفه:
"يبقا اكيد صالح جه من اسكندرية بالسلامة، يا Tiger"
استدار بلهفة بالغة و اشتياق لصاحب الصوت و الذي بالطبع لم يكن سوى «صالح» الرفيق الوحيد لـ «ادهم» و الذي يقطن في مدينة الإسكندرية وهناك تعرف عليه، اخذه في عناق حار بينهم أعبر عن الكثير من المشاعر المختلطة منها الاشتياق، الفرح، الدهشة و ايضًا الحب.
ولم يفصل العناق إلا بعد شعورهم انه طالت المدة ليبتعد «ادهم» عنه وهتف بسعادة حقيقية لتواجد رفيق عمره:
"وحشتني ياجدع، يعني لو ماكنش الحج زكريا كلمك و طلب منك تحضر معانا العيد ماكنتش هتييجي؟؟"
ابتسم الآخر مردفًا بنبرة مرحة يشاكس بها صديقه:
"انت عارف ماقدرش اقول للحج زكريا على حاجة لأ، ده حبيب hearty ده"
اكتفى «ادهم» برسم ابتسامة ودودة على حديثه لمعرفته لحب صديقه لكل أفراد عائلته، ثم سمع صوت «صالح» وهو يقول بحزن رغم وجهه المبتسم:
"عينيك بتقول انك تعبان و دماغك مش رحماك من كتر التفكير، كويس اني جيت المرة دي ادي إيراد المناحل بتاعت جدتك سارة الله يرحمها بنفسي عشان تقولي مالك، شكل الخزان عندك اتملى و محتاج يتفضى و انا عارفك مش بتحب تتكلم مع حد من ولاد عمك عشان متشيلش حد همك"
يا الله ما هذا الصديق الذي من مجرد نظرة فهم كل ما يدور بخلده رغم أن الظاهر عكس هذا، هكذا حدث «ادهم» نفسه و شكر ربه على تلك الصدفة التي جمعت طريقهما معًا و اتخذ منه خليلًا، و رغم كشف «صالح» له أمام نفسه إلا أنه تحدث بملاوعة:
"صدفة أخبارها أي ما قولتليش؟؟"
ابتسم الآخر بمكر وهو يقول:
"ارجع و اقولك مبروم على مبروم ما يرولش بس بشوقك ياعم، و صدفة كويسة وكمان بتسلم عليك"
اقترب منهم «مراد» يرحب بالضيف العزيز على جميع أركان هذا المنزل، بحفاوة وحب صادق، حتى سمع صوت ابنه عمه يسأله:
"امال ابويا فين يا مراد؟"
"عند امك"
كانت هذه الجملة جوابه الذي خرج بشكل تلقائي من فمه ليرفع «ادهم» حاجبه بأستنكار و هتف بحنق:
"اي عند أمك دي؟!! ما تحسن ملافظك يا بغل انت"
ليعدل «مراد» من جملته السابقة:
"مش قصدي اشتمك والله بس هو فعلًا عند امك"
رمقه الآخر بنظرات مغتاظة لتتعال اصوات الضحك و الذي كان مصدرها «صالح» الذي خر في الضحك و من شدته بدء يسعل ثم هتف بأسف رغم عدم قدرته على التوقف عن الضحك:
"ـ Sorry يا أدهم بس مش قادر أكتمها"
و بعد دقائق كان رحل عنهم «مراد» و توقف «صالح» عن الضحك ثم اضاف من جديد:
"اقسم بالله اكتر واحد واحشني في البيت ده هو مراد و لسانه اللي بينقط عسل بس عسل اسود عشان العسل الأبيض تخصصي أنا"
لم يعلق «ادهم» لكن نظراته التهكمية كانت كفيلة بالرد، حمحم «صالح» ثم اردف بجدية:
"امال فين ابن عمك و بنت عمك اللي طلعوا لك من تحت الأرض"
تعجب «ادهم» من معرفته للأمر رغم انه لم يتحدث معه منذ لقائه بـ «قدر» غير مرة واحدة و لم تكن المكالمة عنهم آنذاك.
"و انت عرفت منين؟ شكلك بيقول انك لسه واصل يعني ماحدش من البيت لحق يحكيلك"
هرب «صالح» من نظراته حتى لا يخبره بأمر الجاسوس الذي يخبره بكل شيء في هذا المنزل حتى ولج «عمر» إلى الداخل ورأى وقفتهم هذه ليهلل بفرح وصياح لرؤيته، و كان من بين حديثه قوله:
"انت مش قلت لي امبارح في التليفون أنك جاي الصبح اي اخرك بقا؟"
عبثت ملامح «صالح» بخوف مصطنع وهمس بحسرة:
"يخربيت غباءك يا عمر"
لم يفهم «عمر» رده الفظ هذا _من وجهة نظره_ أهكذا يقابل ترحيبه له بهذه الكلمات لكن سرعان ما استوعب ما يدور حوله عند سماعه لحديث شقيقه وهو يقول بسخرية:
"ده العصفورة طلعت أخويا و انا ماعرفش، طب يا راجل كنت قولي كنت عملت حسابي في شوية قمح ولا شعير تسلي بيهم نفسك"
حك «عمر» خلف رأسه بتوتر ثم ابصر «صالح» وهو يقول:
"احم...هو يقصدني انا مش كده؟؟"
حرك «صالح» رأسه بمعنى نعم بشكل متكرر ليقول «عمر» بخوف من شقيقه قبل ان يهرب من المكان:
"طب اطير على العش انا بقا"
ضحك الإثنين على فراره المضحك ليهتف «صالح» من بين ضحكاته:
"هو الواد ده لسه بيخاف منك؟؟"
هز «ادهم» رأسه بيأس من شقيقه وهتف بترو:
"مع أن عُمِري ما مديت أيدي عليه"
و على الجهة الأخرى خرجت «قدر» من المطبخ بعد انتهائها اخيرًا من طهي الطعام بعد ان رفضت اي مساعدة معروضة عليها من قِبل سيدات المنزل، ورغم التعب الجسدي الذي لحق بها بسبب طهي هذه الكمية المهولة إلا انها سعيدة بما أنجزته، فقط عليها الآن الانتظار و ترى نتيجة هذا الإنجاز الكبير _بالنسبة لها_ على الإفطار، و ما ان خرجت لتتقابل مع «ادهم» و «صالح» و ما ان وقع بصرها على هذا الغريب قامت بسحب غطاء رأسها حتى يخفي خصلاتها الأمامية الظاهرة.
انتبه الإثنين لقدومها نحوهم ليهتف «صالح» بأعجاب واضح:
"صح في بحري البنات عندنا ما يختلفوش عن حلاوتهم اتنين بس ده ما يمنعش أن بنات قبلي بردو جامدين"
خجلت من تغزله الصريح بها، لتتحرك مقلتيها بتلقائية تجاه إبن عمها الذي يرمقها بنظراته الجامدة ينتظر جوابها على حديث صديقه، عادت تنظر لهذا الغريب وهي تهتف على مضض:
"ما قولتليش يا أدهم يطلع مين الكابتن؟؟!"
للحق قد نال ردها إعجابه، ابتسم خفية من احراجها لصديقه الذي قال بسخرية و تهكم يقلدها هو الآخر:
"كابتن!! لأ ياختي انا مش كابتن، مين دي يا أدهم؟!!"
حمحم بهدوء رغم السعادة التي غلفت عينيه، وهو يراها تستمع لنصيحته في أن تجعل بينها و بين الاغراب عنها حدود حتى لا يتخطوها، ثم تمتم بثبات نجح في التحلي به:
"اعرفكِ ده صالح صاحب عمري و النسخة التانية من سليم المنشاوي بس على اسكندراني، و ماسك إدارة المناحل بتاعتنا في اسكندرية"
وبعدها نظر إلى رفيقه و اكمل تعريفه بها:
"و دي قدر بنت عمي حسن الله يرحمه، يعني تحترم نفسك بعد كده و انت بتتكلم معاها"
__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'
في القاعة كان يجلس بها «زكريا» و معه إبنه الاوسط «ابراهيم»، يتحدثون في العمل بشأن تجارة الخضروات و الفاكهة التي تركها لأبنائه و هو فقط يشرف على العمل، مد زراعه الذي يحمل حقيبة سوداء لابنه الذي رمق الحقيبة بجهل لكن لم يدم طويلًا بسبب قول «زكريا» :
"الشنطة دي فيها فلوس إيراد المناحل بتاعت الشهر ده صالح جابها بنفسه عشان هيحضر معانا العيد"
أخذ «ابراهيم» الحقيبة من يده بعد ان فهم ما يريد والده قوله، فالأمر ليس بغاية الصعوبة حتى يفهم ما يجب عليه فعله بالاموال:
"و طبعًا زي كل شهر نص الفلوس هتخرج لناس الغلابة كصدقة على روح والدتي الله يرحمها و النص التاني هيدخل في الحسابات المالية"
نفى «زكريا» حديث إبنه بهدوء وحتى لا يترك مجال لتعجب بينهم قال:
"النص الأول من الفلوس زي ما انت قلت انما النص التاني هيكون مصيره زي الأول بس هيكون على روح أخوك حسن الله يرحمه"
نطق الأخيرة بحزن وصوت محبوح لكن عاد إلى ملامحه الجدية و التي من خلالها يخفي مشاعره الحقيقية حتى عن اولاده.
أعترض «ابراهيم» بأدب وهو يقول:
"ايوة ياحج بس الفلوس دي كتير أوي احنا ممكن نخرج نصها عادي زي كل شهر ويكون بردو صدقة لأمي و اخويا الله يرحمهم، و النص التاني نجيب بيه بضاعة جديدة، احنا تقريبًا بنصرف على المناحل دي من تجارتنا رغم انها ماشاء الله بتكسب فلوس كتير"
احتدت نظرات «زكريا» بجمود من حديث إبنه المزعج و هتف بضيق:
"لما تكون مش لاقي تاكل انت ولا حد من عيالك تبقا تيجي تحاسبني، و شوية الفلوس اللي انت مستكترها على امك و اخوك دي احنا عندنا اضعافها 100 مرة، و متنساش ان اخوك حسن لما مشي ساب حقه في ورث امه وماخدش جنيه بس عياله موجودين الحمدلله و ماحدش منهم كلمني وطلب جنيه مع ان ده حقهم و انا ماكنتش هعترض، و اظن لو اخوك حسن هو اللي مكانك ماكنش عمل زيك كده وقال كتير"
انتفض «ابراهيم» من مضجعه و مال بجسده يقبل يد والده مردفًا بأعتذار :
"حقك عليا ياحج، المال مالك و انا مليش احاسبك ده احنا كلنا عايشين من خيرك، و عشان تعرف اني ماكنش قصدي اللي فهمته و اني مش مستخسر الفلوس في أخويا، انا كمان هخرج زيهم من نصيبي"
ربت «زكريا» على ظهر إبنه بعد ان لانت تقاسيم وجهه الحاد، و لمعت عينيه بالعبرات حزنًا على مفقوديه:
"امك و اخوك وحشوني يا إبراهيم، مش عايزك تزعل من كلامي يابني، اصل الضنا غالي و انا مالحقتش اشبع من أخوك"
"ادعيلهم بالرحمة ياحج"
مسح «زكريا» اهدابه قبل ان تخونه عينيه و تعلن عليه حرب الدموع ليهتف بنبرة جادة لكن غلفها المرح:
"طب يلا ياخويا روح اعمل اللي قلت لك عليه وترجع قبل الفطار عايز اشوفكم كلكم ملمومين حوليا، ولا انت ناوي تخنصر على الفلوس؟؟"
ابتسم «ابراهيم» وقَبل رأس والده وذهب ليقوم بما كُلف به، تاركًا خلفه «زكريا» الذي سبح بعقله في بحر الذكريات و بالتحديد تلك الذكرى التي لم و لن ينساها وهو أول لقاءً بها، بمن خطفت قلبه قبل بصره.
تحرك ذلك الشاب صاحب الجسد العريض و القامة الطويلة و البنية القوية، مع ملامح وجهه المنحوتة و نظراته الحادة، و ما ميزه هو ذلك الشارب الاسود الكثيف فوق شفتيه كان يشبه إلى حد كبير ذلك الفنان الشهير «رشدي أباظة» آنذاك و بالطبع كان هذا الشاب هو «زكريا المنشاوي» الذي يتمشى على الشاطيء في عروس البحر المتوسط، ينظر إلى تلك الموجات التي تطلاطم مع الصخور لتصدر اصواتًا كفيلة ان تنعش روحك المرهقة.
لفت نظره الحامل الخشبي الكبير و فوقه لوحة بيضاء و لكن يبدو ان الواقفة امام اللوحة ملأتها بألوانها، و ما ان انتهت من رسم لوحتها التي كانت عبارة عن تلك الموجات و الصخور من أسفلها، و السماء الصافية التي زينت بقرص الشمس البرتقالي لحظة غروبه في مشهد يخطف الأبصار و ما اضاف جمالًا فوق جمال اللوحة هي تلك الطيور المهاجرة من الشمال إلى الجنوب في هذا الموسم من السنة، و ما أن سحبت القلم الموضوع في رأسها الذي تضم به خصلات شعرها لينسدل شعرها الطويل على ظهرها مع حركة الرياح الخفيفة، التي جعلتها تبدو كلوحة فريدة لأحد الفنانيين.
و ما ان لاحظ «زكريا» تأمله لها كأنه مسلوب الإرادة، تحرك وابتعد عنها وجلس على احد الصخور يتأمل جمال المكان لكن يبدو انها هي اجمل شيء هنا.
بينما الأخرى كانت تنظر إلى لوحتها الشبه منتهية و تأفأت بضجر ناطقة:
"مش عارفة ليه حاسة ان اللوحة ناقصها حاجة"
تحركت مقلتيها تنظر إلى المكان بيأس وزفرت الهواء بقلة حيلة حتى سقطت عينيها على الجالس، تطلعت به لوهلة ليعود لها الحماس من جديد وعادت تكمل لوحتها.
شعر «زكريا» بتأخر الوقت وقرر النهوض و العودة إلى صديقه «فضل» و حاول ان يتجنب النظر إلى تلك الفتاة التي شغلت عقله لكن يبدو ان القدر كان له رأيًا اخر حتى سمعها تناديه:
"لو سمحت استنى...لو سمحت"
لم يكمل سيره و استدار لها حتى تقابلت عيناه بعينيها الخضراء، ابتسمت بخفوت صاحبة الملامح الأجنبية لكنها تحدثت باللغة المصرية بطلاقة:
"كنت عايزة اشكرك"
عقد حاجبيه بدهشة واردف بهدوء:
"تشكريني انا !! على اي؟ "
اشارت على اللوحة خلفها قائلة بأمتنان ولم تختفي بسمتها:
"عشان خلتني اعرف اكمل اللوحة بتاعتي لأني كنت حاسة ان ناقصها حاجة بس مش عارفة هي اي، و انت جيت و كملتها"
تطلع في اللوحة لبرهة من الوقت ثم عاد ينظر لها مع قوله الهادئ رغم شعوره بالأنجذاب نحوها:
"بيا او من غيري مافرقتش في الحالتين شايف النتيجة واحدة، عن اذنك"
ذهب وتحرك من أمامها حتى سمعها تهتف من خلفه:
"بس غريبة !! ده كأن اللوحة كانت مستنياك عشان تكمل بيك"
ابتسم بخوفت حتى وصلت البسمة إلى عينيه، التفت لها وجدها تولي له ظهرها و تدون شيئًا ما على اللوحة ضيق جفونه حتى يتسنى له الرؤية، بينما هي كانت تدون إسمها.
«سارة المهدي»
حُفر الإسم في ذاكرة قلبه قبل ذاكرة عقله، كان هذا هو اللقاء الأول بينهم وشعر هو أنه لن يكون الأخير، وكيف يكون الأخير بعد ان سلبت منه فؤاده صاحبة العيون الخضراء.
عاد من تذكره للماضي ببسمة مشتاقة ونظرات تحمل الحزن و الحنين معًا على كل شيء سبق ومر كأنه حدث بالأمس، هبطت دمعاته تشق طريقها على وجنتيه.
__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'
في المشفى التي يعمل بها «رحيم» كان قد خرج لتوه من إحدى غرف العمليات بعد ان نجح في العملية الجراحية للمريض كعادته، ثم خلع عنه الجاون الطبي و كذلك القفاز الملطخ بالدماء و ألقى بهم في الحاوية المخصصة لتلك الأشياء، و ألقى بجسده على الكرسي المتواجد في غرفة الكشف الخالية من الناس عداه، أرجع رأسه للخلف و اغمض عينيه بتعب و إرهاق، حتى سمع ضوضاء في الخارج ألتقطت أذنه صوت «آسر» لينهض على الفور ويذهب ليرى ما الذي يحدث.
بالخارج كان يقف «آسر» وهو يرتدي الرداء الابيض 'البالطو' مع ملامح وجهه المتشنجة، وهو يرمق تلك السيدة التي تخطت السبعون من عمرها و بجاورٍ منها يقف أبنها الذي هتف بأمتعاض:
"و حضرتك بدل ما تكشف على الناس بتعاكس في أمي؟!!"
اثارت كلماته من حنق الآخر الذي هتف بعصبية يسخر من حديثه:
"أمك مين ياشحط أنت !! وبعدين انا لو هعاكس، هعاكس واحدة آخرها لو خرجت في Date تخرجه مع عزرائيل"
انفلتت أعصاب الرجل ليلتهم المسافة بينه وبين «آسر» يجذبه من ياقة قميصه وهتف من بين أسنانه بوعيد:
"و انا بقا مش هسيبك غير لما اطفحك كل الكالكوز الموجود في المستشفى هنا "
عقب «آسر» على حديثه بهدوء:
"اسمه جلوكوز على فكرة مش كالكوز "
"ياشيخ اتنيل ده هيمو.تك في أيده وانت بتعدل على كلامه"
كان «رحيم» والذي نجح في فض النزاع بطريقته المهذبة وانتهى الأمر بأن اجبر صديقه على الاعتذار، ثم سحبه خلفه و دخلا الإثنين للغرفة رغم تعجب و دهشة «رحيم» من رؤيته.
"الولية بقولها السكر عامل اي قامت زغرالي بعينها كده و قالت انت بتعاكسني وراحت نادها على المقطف أبنها"
ابتسم «رحيم» ثم اشار خلف «آسر»:
"طب حاسب عشان المقطف وراك"
التفت خلفه بذعر لكن لم يجد احد الغرفة فارغة، ثم سمع ضحكات «رحيم» التي ارتفعت في المكان، رمقه بوجه ممتعض وقال:
"ده بيبقا يوم أسود يوم ما أقف في الاستقبال مالها الحضانات بقعد انا و العيال نعيط سوا"
"ها ممكن بقا اعرف حضرتك بتهبب هنا اي؟ أكيد ملحقتش تعمل مصيبة عشان يرفدوك من المستشفى هناك"
اردف بتسأل رغم تيقنه من الإجابة التي سمعها من «آسر» بقوله:
"لأ انا اللي استقالت وقدمت ورقي هنا عشان اكون معاك و جمبك انا قلت لك قبل كده انا معاك على الحلوة و المرة"
يعلم ان صديقه سوف يقوم بفعل هذا ورغم شعوره بالسعادة لعملهم سويًا في نفس المشفى إلا أنه أعترض على ذلك بقوله:
"ايوة يا اسر بس كده ماينفعش المستشفى التانية كانت قريبة من بيتك و لو كنت فضلت فيها انا ماكنتش هزعل، تقدر تقولي زين مين هياخد باله منه لما الطريق بس من المستشفى هنا لحد بيتك ساعة رايح و ساعة جاي"
و عند ذكره لأسم صغيره، ارتسم الوجوم على وجهه، ليعلق «رحيم» وهو يرى تبدل حال صديقه:
"مالك يا آسر؟ زين حصله حاجة؟؟"
و مع نبرة صوته التي خرجت حزينة قال مجيبًا:
"ناهد كلمت ماما و من ساعتها و انا خايف من ظهورها في حياتنا تاني"
هتف «رحيم» بعصبية طفيفة لعلمه بكل ما تسببت به تلك المدعوة «ناهد» بصديقه و أبنه:
" هي مش خلاص قبضت تمن أبنها راجعة بعد السنين دي كلها عايزة اي تاني؟!!"
تنهد «آسر» بسخرية ثم هتف بتهكم:
"راجعة تطلب مني انسى كل اللي عملته و نرجع نعيش مع بعض و لا كأن حاجة حصلت يأخي انا شفت كتير في حياتي ناس بجحة بس زي ناهد دي انا مشفتش"
رجع «رحيم» بظهره على الكرسي واردف بهدوء يترقب انفعالات الآخر:
"و انت ناوي ترجع لها؟؟"
هتف «آسر» بقوة:
"مستحيل طبعًا اللي زي دي خسارة فيها ان زين ابني يشيل إسمها حتى"
تنهد «رحيم» وقال بخوف وحزن على صديقه:
"ايوة يا آسر بس متنساش بردو أنها أمه أينعم هي سابته من اربع سنين بس ده ماينفيش كون أنها امه، و لو ظهرت لـ زين اكيد هيتعلق بيها خصوصًا انك مفهمه ان أمه مسافرة، كان لازم على الأقل زين يكون عارف الحقيقة"
تجهم وجه «آسر» وغلفت العبرات بعينيه، و ابتلع الغصة التي تشكلت في حلقه ترفض خروج الكلمات من جوفه، ولم تخلو نظراته من الانكسار و الأسى وهتف بنبرة مختنقة يتذكر الماضي:
"اقوله اي يا رحيم؟!! اقوله اول ما اتولدت و امك عرفت انك مريض بمتلازمة نادرة وملهاش علاج كانت عايزة تمو.تك بحجة أنها مش عايزة تتعذب مع طفل مشوه، ولا أقوله انها خيرتني بينه وبينها وهي عارفة اد اي انا بحبها بس انا اختارته هو، ولا اقوله انها سابته ومشيت وهو لسه لحمة حمرا ماكملش شهر، ولا أقوله انها رجعت تاني بعدها بسنة عشان تساومني عليه، طفل زي ده هيستوعب و يتحمل ده كله إزاي؟!! قولي"
تعلقت الدموع بأهدابه وهو يختم اخر حديثه بحسرة، ترك «رحيم» مكانه و اقترب يجلس مقابلًا له و انحنى بنصف جسده يربت على فخذه واردف بأبتسامة جاهد في رسمها ومن داخله يشعر بالألم حياله:
"طب أهدى طيب و كل حاجة ليها حل و ان شاء الله زين هيفضل في حضنك وربنا يبعد ناهد دي عنكم"
اومأ له ثم أردف بمرح في محاولة منه ان يتغاضى عن حديثه السابق:
"طب يلا عشان المغرب مش فاضل عليه كتير و الحج زكريا هيستعوقنا و زمان زين كل دماغهم هناك"
قطب «رحيم» جبينه يرمق الجالس بأستغراب مع وجه مشدوه:
"حج زكريا مين و زين مين أنت بتقول اي؟!!"
"و حياة أمك مش وقت فقدان ذاكرة خالص، الحج زكريا ده يبقا جدك و زين ده يبقا ابني"
تشنج وجهه بسخط وهتف من بين أسنانه:
"شكرًا على الاضافة، اكيد مش قصدي كده، قصدي انت رايح عندنا الحارة مش مروح بيتك؟!"
اردف بتوضيح:
"ما هو الحج زكريا عزمني على الفطار و وصاني اجيب زين معايا وديته هناك قبل ما اجاي على هنا، يلا انت مش الـ Shift بتاعك خلص من نص ساعة تقريبًا"
تنهد بقلة حيلة واردف بضيق:
"ده المفروض، بس زي ما انت عارف الأحوال اليومين دول مش مظبطة منه لله اللي كان سبب في ان معظم المستشفيات الحكومي تتباع للمؤسسات وتبقا زيها زي المستشفيات الخاصة يعني اللي معهوش يروح يمو.ت من سكات"
رد الاخر بضجر:
"هي خلاص بتخرب"
"بلاش ياعم نتكلم في السياسة و خلينا في نفسنا أحسن، روح انت و انا ان شاء الله احتمال ارجع على بليل لأسف مش هعرف اروح قبل كده"
انتهى الحوار بينهم عند هذا الحد وبعدها رحل «آسر» من المكان متجهًا إلى منزل «زكريا المنشاوي» و هناك و بالتحديد في شقة «حسن» كانت تجلس «وردة» و فوق قدميها يجلس «زين» و بجانبها «هبة» التي قالت بعد ان استأذنت منهم «قدر» الدلوف إلى المرحاض من اجل الاستحمام:
"عسول زين أوي، بس مين جابه؟"
هتف الصغير بمرح:
"بابا هو اللي جابني و قالي تعالى عشان هنروح عند وردتك"
انكمش حاجبي «وردة» مردفة بأستغراب:
"اي ده يا زين هو أنت بتزرع ورد؟!"
حرك «زين» رأسه بنفي وهتف ببراءة:
"لأ انتِ وردتي و انا و بابا بنحبك"
اشتعل خديها بحمرة الخجل من حديث الصغير و ما ذاد من شعورها بالارتباك هو نظرات العبث التي ترمقها بها «هبة» وقالت بمشاكسة:
"طب انا هنزل اشوفهم تحت لو محتاجين مساعدتي، يمكن حابين تقولوا لبعض كلام سر ولا حاجة"
قبضت «وردة» على مرفقها قبل ان تتحرك وهتفت بتلعثم:
"لأ انتِ فاهمة غلط زين ده انا بديله درس الإنجليزي مع نعمات في الكُتاب و آسر مجرد والد زين"
حاولت كتم ضحكها وهي تقول بمكر:
"اه اه ما انا عارفة، كلنا هنا عارفين"
جحظت عينيها وهتفت بأندفاع:
"عارفين اي؟!!"
"مالك اتخضيتي كده، قصدي عارفين أنك بتدي الدرس لـ زين و آسر مجرد أبوه"
التقطت «وردة» الوسادة تضربها بها مردفة بغيظ:
"والله إنك رخمة يا هبة"
انتهت «قدر» مما تفعله و قبل ان تتحرك و تذهب لتجالس الفتيات رن هاتفها برقم «سليم» الذي طلب منها النزول إلى الأسفل وهو بأنتظارها، اغلقت معه بتعجب وهبطت إلى شقة عمها لتعرف ماذا يريد.
"خير يا سليم قلقتني؟!!"
تمتمت بها «قدر» وهي تدخل من الباب بعد ان استقبلها «سليم» وقبل ان يجيبها على اي تفسير حثها على التحرك و الجلوس على تلك الأريكة المستوطنة الدرهة، نفذت رغبته ثم انتظرت سماع ما لديه.
"هطلب منكِ طلب و انا عارفك رجولة و هتعمليه بس قبلها هقولك الأول مش عارف ندى أختي اتكلمت معاك ولا لأ بس شكلك بيقول انك ماتعرفيش"
تأفأفت «قدر» بضجر تحسه على الإيجاز بقولها:
"لأ وحياة خالتك أنجز المغرب فاضل عليه نص ساعة"
"احنا كل عيد او مناسبة عمومًا بنروح نشتري لبس لـ ندى و علا و معاهم وردة قبل ما تتجوز و كمان نرجس متعودين أن كل واحد فينا يجيب لبس ليهم كلهم على ذوقنا وهما عليهم يختاروا هيلبسوا من بتاع مين بس غالبًا علا كانت دايمًا تلبس اللبس اللي جايبه أحمد وكذلك نرجس أما ندى مرة من مراد و مرة مني ومرة من أدهم عشان يعني ماحدش يزعل، مرتب شهرين بيطير بسبب الحكاية دي هتقوليلي طب وليه ده كله وما كل واحد يشتري لواحدة بس هقولك انها بقت عادة هباب ويارب تنقطع"
أبتسمت بخفوت على جملته الأخيرة ليتابع بقية حديثه بأسترسال:
"طلبي بقا انك تحاولي تقنعي سلمى تيجي معانا بحجة انها تجيب لبس العيد و لو رفضت وقالت إنها جابته اطلبي منها تيجي بردو بس بحجة أنها تساعدك و انتِ بتنقي اللبس و اكيد طبعًا هي مش هتكون عارفة ان انا اللي طلبت منك كده يعني اكيد هتوافق"
ظلت صامتة تطالعه بنظرات غير مفهومة ثم هتفت وهي تستنكر حديثه:
"سليم هو انت عايز اي من سلمى؟؟"
تنهد بعمق مردفًا بصراحة يخرج كل ما بجعبته ناهيك عن لمعة عيناه التي تثبت صدق ما سيقوله:
"بحبها...و هي مش عايزة تصدق حبي ده"
ثم شرد بعقله يقص لها اول مرة رآها فيها:
" كنت رايح أجيب عربية بابا من عند الاسطى إسماعيل وشفتها في الأول كنت واخد الموضوع بهزار و يومين وهزهق بس الصدف بينا كترت و غصب عني لقيتني بتعلق بيها هي، بقيت اتلكك و اروح لحد بيتها بس عشان أشوفها ولا كأني عيل مراهق في ثانوي، و هي واخدة عني فكرة وحشة حاولت احسن صورتي عندها بأني اتقدم رسمي بس هي رفضت رغم اني واثق و متأكد انها بتحبني زي ما انا بحبها"
نظر لها بعد أن انتهى من حديثه وجدها تعبث في أنفها رمقها بتقزز وقال بسخط:
"انتِ بتهببي اي؟!!"
عقبت الأخرى بأنزعاج:
"اكيد مش اللي في دماغك يا مقرف، انا بس عايزة اعطس و العطسة مش راضية تيجي مجننة امي من سعت ما قعدنا، ها عيد بقا كده كنت بتقول اي؟ ماله اللبس؟"
رد عليها بطريقة وقحة بعد ان نجحت في استفزازه وهي تقصد ان تظهر له تجاهلها لحديثه:
"هو انا ممكن اعيد اللي قلته بس مش هعيده كلام...هعيده حاجة تاني بس مترجعيش تزعلي"
لم يستغرق الأمر حتى استوعبت ما يرمي إليه لتصيح بتشنج وحنق:
"يخربيت قلة ادبك، و بعدين بقا انا عايزة افهم حكايتك انت و سلمى منين مش بطيقك ورفضتك لما اتقدمت لها ومنين كانت منهارة و مموتة نفسها عياط عليك يوم ماكنت في المستشفى؟!!"
"و ده اللي خلاني اتأكد ان في حاجة سلمى مخيباها عني، عشان خوفها عليا ونظرات عيونها بتقول عكس الكلام اللي بتسد بيه بدني كل ما تشوف خلقتي و تردده بلسانها زي البغبغان "
بينما على الجهة الأخرى كانت «ندى» في طريقها إلى غرفتها من اجل تبديل ثيابها لتسقط عينيها عليهم، شعرت بالغيرة من تواجد «قدر» وقربها بالفترة الأخيرة من شقيقها وتجاهله لها، شعرت بأنها تحاول سحب البساط من أسفل قدميها وهي تحاول التقرب و التودد لجميع من في المنزل بعدما كانت الفتاة المدللة الوحيدة بهذا المنزل، جاء من يشاركها في كل شيء حتى و ان كانت بنت عمها متناسية أنها حُرمت من كل هذا بسبب هروب والدها من المنزل سابقًا، لم يمنعها من التفكير وشعورها بالمقت من ابنة عمها غير رنين هاتفها برقم لم تعرفه لكن هذا بالطبع لن يمنعها من الرد.
"الو.."
نطقت بها بعد ان امرت ساقيها بالتحرك و الولوج إلى الغرفة غير مبالية بالمتصل حتى انتبهت حواسها وهي تسمع صوت شاب:
"ازيك يا ندى اتمنى تكوني بخير اسف اني بتصل بس كنت..."
ابعدت الهاتف عنها تتأكد ان الرقم غير مسجل ثم وضعته من جديد على أذنها مردفة بتساءل ظهر فيه عدوانها من المتصل:
"انت مين ؟وجبت رقمي منين ؟؟و ازاي ترن عليا اصلًا؟؟"
تريث الاخر في الرد عليها مردفًا بهدوء ونبرة لبقة في الحديث بدى مهذب للغاية:
"انا زميلك هشام بس في سنة رابعة كنت قابلتك مرة في الزمالك وكان تقريبًا معاكِ اخوكِ و تقريبًا بردو اتعصب لما شافني معاك و جبت رقمك منين؟ جبته من جروب دفعتك "
تذكرت ذلك اليوم الذي اختفت فيه «قدر» و ذهبت هي مع «رحيم» إلى شقتهم في منطقة الزمالك حتى يروها ان كانت هناك، حينها التقت بذلك المدعو «هشام» الذي صرح لها بأعجابه بها وانه يريد ان يأتي لخطبتها، تبسمت بغرور بعد ان شعرت بالانتشاء وهي ترى إعجاب الاخرين لها _رحيم و هشام_ لتثبت لنفسها أنها جميلة وتستطيع سلب قلب اي رجل خاصة ابن عمها «ادهم».
تلاشت بسمتها وهي تقول بأقتضاب:
"ايوة و حضرتك عايز اي مش فاهمة؟!!"
كان يتحدث بنبرة هادئة للغاية ولطيفة يخفي بتلك النبرة نواياه السيئة تجاهها:
"انا بس خفت اخوكِ ده يكون زعلك بسببي و كنت عايز اطمن عليكِ و اعتذر لك لو سببت لكِ اي إحراج انا عارف اني اتأخرت في اعتذاري بس حقيقي انا دوخت لحد ماعرفت اجيب رقمك، بس مش خسارة فيك العشرين جنيه اللي دفعتها لليدر الدفعة عشان يجيبلي رقمك"
تمتم الاخيرة بمزاح لتقهقه هي بصوت مسموع وصل له ليشعر بالانتصار وهو يرى اولى خطواته تتم بنجاح ليكمل بقية حديثه:
"خلاص صافي يا لبن؟!!"
اتسعت بسمتها وهي تجيبه بنبرة لينة اختلفت عن سابقتها:
"حليب يا قشطة"
لم تنتهي المكالمة عند هذا الحد بل استمر الحديث بينهم في أمورٍ عدة، غافلة عن باب الشيطان التي فتحته وهي ترتكب معصية في حق نفسها قبل حق ربها وثقة أهلها وتربيتهم لها، لتبرر لنفسها انها محبوبة و الجميع يتهاتف عليها بنظرات الإعجاب و الحب بسبب عقلها الذي يواجهها بحقيقة ان «ادهم» يتعامل معها كـ اخت لها بينما قلبها يقول عكس ذلك.
رفُع اذان المغرب ليذهب الرجال إلى المسجد و من قبلها كان الشباب قاموا بأخراج طاولتين كبيرتين في حديقة المنزل واحدة للرجال في الجانب الأيمن من الحديقة و واحدة اخرى خاصة بالسيدات في الجانب الأيسر و يفصل بينهم ذلك الممر الحجري بين البوابة الحديدية و الباب الكبير للمنزل بمسافة لا بأس بها حتى تسمح للفتيات بالاكل على راحتهم.
بدأت الفتيات بأخراج الطعام ووضعه على الطاولتين بعد أن قمن بتأدية صلاة المغرب في جماعة و كان الإمام بهم هي «هبة» التي شعرت بالحرج و الرهبة لكنها تغلبت على ذاتها وما ان دخلت بين يدي الله شعرت بالسكينة تغمرها وتلاشى خوفها و ارتباكها من هذا العدد الهائل من السيدات اللواتي يتبعونها و يرددون خلفها.
خرجت «عايدة» من المطبخ وهي تحمل أطباق السلطة في يديها حتى اقتربت منها «هبة» تأخذهم عنها مردفة بود:
"عنك يا طنط انا هوديهم"
اخذت منها الأطباق و غابت عن انظارها لتقترب منها شقيقتها «ريهام» مبتسمة المحيا ناطقة بلطف:
"بنت حلال هبة دي"
استدارت لها بوجه متجهم ومطت شفتيها ناطقة بسخرية لاذعة:
"بنت حلال اه، ده كهن بنات ماتعرفيش عنه حاجة تانية لفت على الواد و دلوقت بتلف على أمه"
زفرت «ريهام» بيأس من تفكير شقيقتها تتابع حديثها وهي تدافع عن «هبة» ناطقة بعتاب:
"يا عايدة بلاش تحطي البنت في دماغك مش كفاية اخر مرة كانت هنا سديتي بدنها بكلامك و قولنا معلش معذورة أبنها اتحسب وكانت خايفة عليه مع أنه مش عذر و مع ذلك البنت ما اتكلمتش و لا رضيت تسيبني و تمشي وانا تعبانة، ما تستغربيش عرفت منين ندى حكتلي اللي حصل، واحدة غير هبة دي كانت حلفت ما تدخل البيت ده تاني"
لوت فمها بتهكم وهي تقول من بين اسنانها بغيظ:
"ياريتها يختي تعملها و ما تدخله بس نقول اي ناس معندهاش دم"
"لا ده اظاهر مافيش منك فايدة انا خارجة اشوف لو حاجة ناقصة على السفرة قبل الرجالة ما ترجع من الصلاة، احسن لو وقفت معاكِ اكتر من كده دمي هيتحرق"
و بعد مرور عدة دقائق اجتمعت العائلة و كذلك ضيوفهم حيث كان يجلس على طاولة السيدات، «سعاد» التي ترمق الطعام بشهية، و يجلس بجوار منها بناتها الثلاثة «ريهام» و «نجلاء» و «عايدة» و بعدها «نرجس» الشاردة بملامح حزينة لا تأكل فقط تعبث بالطعام و جلست بجوارها «علا» التي لا يختلف حالها عنها بينما في المقابل لهن جلست هناء و التؤام و بجوارهم «فاطمة» التي لم تغفل عن نظرات «عايدة» المستنفرة تجاه «هبة» التي من بعدها يجلس «ندى» و «وردة» و «قدر» التي هتفت بحماس:
"عايزاكم تدقوا الـSoup الأول و تقولوا رأيكم "
كانت تنظر إلى وجوههن وهي تشعر بالسعادة لإنجازها هذه المهمة الصعبة على اكمل وجه و الآن عليها ان تنتظر لمعرفة رأيهن في الطعام، حتى سمعت «سعاد» وهي تقول :
"إلا يطلع اي السوب اللي قالت عليها المحروسة ده يابت يا نجلاء"
ابتسمن الفتيات خفية عدا «نرجس» و «علا» و «قدر» التي انتظرت جواب «نجلاء»:
"شربة يا ماما قصدها ندوق الشربة يعني"
مطت شفتيها كحركة شعبية مردفة بسخرية:
"سوب البت !! اسمها مرئة ياختي"
بدأ الجميع في تناول الطعام وبعدها الثناء على طهي «قدر» حتى و ان لم يكن يعجب البعض لكنهن لم يردن ان يختفي الحماس و الفرحة التي تزين مقلتيها البنية، حيث انه لم يكن افضل شيء ولكن بالنسبة إلى شخص مبتدأ لا يفقه شيء فهو جيد إلى حد ما، رغم شعورها انهن يقمن بالثناء على الطعام من باب المجاملة الا أنها لم تحزن بل عزمت على التعلم أكثر، ثم اخذت تسترق النظرات للطاولة الأخرى حتى ترى رد فعلهم و كان أهمهم هو «ادهم»
بينما عند طاولة الرجال و التي كان يترأس مقعدها هو «زكريا» الذي تطلع في جميع الحاضرين بسعادة و ابتسامة ممتنة من الله الذي جعله يعيش لهذا اليوم وهو يرى هذا التجمع المحبب لقلبه، لكن شعر بفرحته ناقصة بغياب حفيده «رحيم» الذي لم يقدر على المجيء.
انتبه «زكريا» لرفض الصغير تناول الطعام ليجذب الانظار حوله وهو يقول:
"مش بتاكل ليه يا زين؟ الأكل مش عاجبك؟!"
نفى الصغير ببراءة ثم أضاف بحزن:
"انا مش عايز اكل و مش عايز اتكلم عشان لما بعمل الحاجتين دول بيخرج اصوات من بوقي غصب عني و الناس بتضايق مني"
ما ان انهى كلماته التي جعلتهم يشعرون بالحزن و الشفقة عليه و خاصة والده الذي ترك الملعقة من يده وهو يرى صغيره يتألم ولا يقدر على فعل شيء اصدر ذلك الصوت الناتج عن متلازمة توريت Tourette Syndrome، بينما «زكريا» لاحظ الصمت و الوجوم الذي عم على وجوههم ليقول مع وجه مبتسم يتطلع بـ «زين»:
"طب ممكن تيجي تقعد على حجري الأول عشان اعرف اكلمك بدل ما انت بعيد كده"
تعلقت انظاره بوالده الذي اومأ له وبعدها تحرك و فعل كما طلب منه «زكريا» ليكمل حديثه بنبرة لينة و هادئة غير تلك القاسية التي يتعامل بها مع احفاده كأنه تبدل إلى اخر:
"و اي يعني طب ما عندك احمد حفيدي مثلًا بيطلع اصوات كمان بس الفرق انه بيطلعها وهو نايم او في الحمام مش متأكد"
كتم الجميع ضحكاته ليهتف «صالح» بهمس لـ «احمد» الذي شعر بالحرج منهم:
"جدك بيسيح لك على الملأ"
ضحك الصغير وبدأ في تناول الطعام بشهية بعد ان نال إعجابه ليبتسم «آسر» وبعدها رفع بصره يشكر «زكريا» بنظراته الممتنة له.
كان «فارس» يجلس بجانب «مراد» وعلى وجهه بسمة لم تختفي بعد ان علم كيف سيقوم بمصالحتها، بينما «مراد» كان منهمك في تناول الطعام غير مبالي بنظرات الغيظ و الحقد المصوبة له من قِبل «لطفي» الذي قال على حين بغتة:
"انا عايز اشهدك ياحج زكريا على مراد"
توقف الطعام بحلق «مراد» و كاد يشعر بالاختناق لولا يد شقيقه «سليم» التي تحمل المياه ثم بعدها همس:
"شكلك بيقول عامل مصيبة، خد بلع"
ابتسم «لطفي» بتشفي وهو يرى «مراد» يترجاه و يستعطفه بنظراته حتى لا يخبر جده لكن الاخر ابى ذلك:
"ينفع ياحج ارجع من صلاة العشا امبارح ألاقي مراد واقف قدام الباب و حاضن هبة و من بجاحته كان عايز يبوسها"
تجمد جسد «مراد» خوفًا من جده فهو اكثر شخص يخشاه بهذا المنزل و للحق الجميع يخشى بطش «زكريا المنشاوي» الذي ألقى نظرة سريعة على حفيده ثم اضاف بهدوء و رزانة جعلت الجميع في صدمة:
"و اي يضايقك في حاجة زي كده يا استاذ لطفي؟! هبة مراته و ربنا محلله كده امال احنا كاتبين الكتاب ليه؟ وبعدين تلقيها كانت خايفة وهو بس بيطمنها، مش كده يا مراد؟!"
سقط فك «لطفي» بينما «مراد» فرغ فاهه يطالع جده بتيه:
"ها؟ !!"
ابتسم «ادهم» بخفوت و اخفض رأسه للاسفل حتى لا يضحك يدعي الانشغال في هاتفه ليكرر «زكريا» اخر حديثه مرة اخرى:
"مش هبة كانت خايفة و انت كنت بتطمنها؟"
اردف الاخر بلهفة رغم انه لم يستوعب بعد:
"اه و الله العظيم ياجدي هو ده اللي حصل هي كانت خايفة و انا كنت عايز ابوسها...قصدي اطمنها"
تفاقم غيظ «لطفي» كان على وشك الانفجار تجزم انك تكاد ترى الدخان يخرج من أذنيه، لاحت بسمة خبيثة على وجه «زكريا» و لم يلاحظه غير «صالح» الذي يعلم ان «زكريا» رغم معاملته القاسية لاحفاده إلا أنه لن يجعل الغريب ينتصر عليهم ابدًا.
مال «سليم» على إذن والده مردفًا بمرح:
"انا بقا لما اتجوز مش هقضيها احضان و وبوس زي الواد مراد لأ انا هجيب عيال على طول، و اخليهم يتنططوا حوليك كده"
هتف والده بأمتعاض:
"هو انا طايق اشوفك لما اشوف عيالك"
التوى ثغر «سليم» بحنق حتى انتبه لـ «عمر» الذي يضحك عليه في الخفاء ليقول بسخرية:
"بطل ضحك و اطفح بدل ما اطفحك اللقمة انا"
رمقه بنظرات ممتعضة تعبر عن اشمئزازه وهتف بتعالٍ:
"يا لك من شنقيط"
احتدت تقاسيم وجهه و اشتعلت عيناه بالغضب ليرد عليه بأنفعال:
"انا شنقيط يابن الـ..."
قاطع استرساله «مراد» الذي همس له واضعًا يده على فم شقيقه:
"لأ فرمل ابوس ايدك عشان ابن المشنقطة قصدي أدهم قاعد جمبك لو سمعك بتقول على امه شنقيطة هيقوم يشنقطنا كلنا في بعض، اهمد كده"
توقفت الالسن عن الكلام لكن النظرات ظلت مشتعلة بينهم، بينما على الجهة الأخرى كانت تأكل الطعام و في نفس الوقت تطوق لمعرفة رأيه لا تستطيع الإنتظار خاصة عندما كانت معه بالمطبخ و اخبرها.
" بس مش عايزكِ بقا تكسفيني انا مراهن نفسي عليكِ"
لتنتبه لصوت اشعار من احد تطبيقات التواصل الاجتماعي ماسنجر، رأت اسمه وصورته تضيء الهاتف لتفتح الدردشة بينهم بلهفة حتى ترى ماذا ارسل لها.
"نسيت اقولكِ إني ما بخسرش الرهان"
ابتهج وجهها من الفرحة و رفعت رأسها بتلقائية تنظر إلى مكان جلوسه لم تكن المسافة بعيدة حتى ترى ملامحه جيدًا و تعرف انه مصوب نظراته عليها ايضًا، خفق قلبها و شعرت بالاضطراب لتخفض رأسها تنظر إلى الطعام هربًا من عينيه التي جعلتها تشعر بالارتباك وأنها تود الفرار من هنا لتختبأ منه، لكنها لا تعلم أن كل الأماكن تؤدي إليه هو.
__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'
في مكان اخر تحديدًا في شقة «شوشو» التي تجلس بجانب هذا الشخص المجهول تستمع إلى حديثه.
"احمد ده اغبى واحد انا شفته في حياتي، مجرد رسايل من Private Number تخليه يصدق و يشك في مراته و ابن عمه و الغبي فاكر نفسه زكي و عايز يتأكد لما يخليك توهمي مراته بأنه بيخونها مع أختها عشان يخليها تحس باللي هو حاسه مايعرفش انه بينفذ الخطة اللي انا راسمها بالظبط"
اردفت «شوشو» بتساءل وهي ترمق تلك الأفعى الجالسة معها المتجسدة في هيئة شخص:
"و بعدين ناوي على اي؟!!"
لمعت عيناه بمكر ودهاء:
"الخطوة الجاية ان علا و سليم يتقابلوا عندك هنا في الشقة و احمد يشوفهم"
عقبت على حديثه تتذكر طلبه منها سابقًا:
"عشان كده خلتني اروح لـ سليم البيت و اخليهم يشوفوني عشان..."
اكمل هو بدلًا عنها:
"عشان لما يعرفوا ان سليم مصاحب بنات شمال ويعرف ناس من عينتك يبقا سهل حركة قذرة زي دي تطلع منه وهي انه يخون إبن عمه"
امتعضت من اهانته لها لكنها تجاهلت ذلك و تابعت بأستغراب:
"ايوة بردو انت هتستفاد اي من ده كله"
تجمدت ملامحه بحقد و كره تجاه كل فرد بهذه العائلة و اردف بغل:
"إلا هستفاد هستفاد كتير اوي و انا شايفهم بيقطعوا في بعض و الشمل بتاعهم يتفرق و بكده هيكون سهل عليا آذيهم لما يكون كل واحد فيهم لوحده انا مش هرتاح غير و انا بهد البيت عليهم، و اشوف الحسرة في عيون زكريا على احفاده اللي عمال يتفشخر بيهم كأن ماحدش جاب عيال غيره"
تمتمت «شوشو» بخبث:
"ده انت شايل و معبي بقا"
قرب رأسه من وجهها مع نظرات عينيه التي تنتهك حرمة جسدها الشبه عاري مردفًا بمكر:
"طب قومي هاتي حاجة نشربها عشان اقولك إزاي التلاتة هييجوا هنا"
انهى حديثه الماكر بغمزة لترتفع صوت ضحكتها الرنانة تفعل كما طلب منها، بينما الآخر ظل يفكر بشر كيف يدمر تلك العائلة التي يبغضها و دمرت له حياته، ثم لاحت بسمة الانتصار وهو يرى مخططاته تسير كما يريد، تبقت خطوة واحدة فقط عليه الإنتظار ويشاهد بأستمتاع ذلك السيناريو الذي جاهد في تأليفه و الآن أحفاد «المنشاوي» عليهم تنفيذه لكن الفارق هنا أن المخرج لن يقول 'فركش' لينتهي الفيلم.