رواية صدفة ام قدر (العشق الخماسي) الفصل الرابع والاربعون 44بقلم سميه عبد السلام


 

رواية صدفة ام قدر (العشق الخماسي) الفصل الرابع والاربعون 44 بقلم سميه عبد السلام 


#صدفة_ام_قدر


#العشق_الخماسي


#البارت_44


حبايب قلبي أبطال الثانوية ايوة انتم فعلًا أبطال عشان تعدوا من مرحلة زي دي ممكن جسديًا تكونوا كويسين ونفسيًا مش أحسن حاجة بس خليك فخور بنفسك مهما كان مجموعك اي، انا مش هقعد اقول كلام من باب جبر الخواطر انا بس هقولك الحقيقة، والحقيقة ان الدرجات دي مش هي اللي بتقيم مستواك طول السنة بالعكس انت عملت اللي عليك وزيادة انما الدرجات دي ما هي إلا كوبري يوصلك لحاجة حلوة ربنا كتبهالك، وبعدين ماحدش عارف الخير فين بس ما تقلقوش هو مش في مصر انا دورت كويس😂♥️


بسم الله الرحمن الرحيم


البارت 44 (غيرة وغضب)


في أحدى المولات التجارية كانت الفتيات برفقة الشباب قبل ان يتفرق كل واحدًا منهم ليذهب إلى وجهته، حيث اجتمعت الفتيات في محل خاص ببيع ملابس السيدات، وبدأت حركتهم في التجول لتنتقي كل واحدة منهن ما تريده، والمقصود بالفتيات هنا هن «قدر» «وردة» «هبة» «سلمى» ولم تحضر «علا» و «نرجس» معهم بحجة انهن قمن بشراء الثياب في وقتٍ سابق ورغم هذا اصرت الفتيات على حضورهن إلا انهم ابوا ذلك و قابلوا إصرارهم هذا بفتور و نظرات جامدة، بينما «ندى» لم تقدر على المجيئ بسبب شعورها بالتعب والخمول الذي يأتي لها كل شهر و فضلت البقاء في المنزل وستختار ما تريده عن طريق تصوير احدهن لثياب و إرساله لها عبر واتساب.


وفي محل اخر بالجوار وقف فيه الشباب لم يكن يفصل بين المتجرين سوى لوح زجاجي كبير بعرض الحائط، يكشف لهم رؤية المتجر الآخر، أخذ «مراد» يعبث في الثياب بعشوائية دون جدوى من إيجاد شيء يعجبه، تأفأف بأنزعاج حتى لاحت فكرة في رأسه و عزم على تنفيذها، اخذ يجول بعينيه على الشباب وجدهم منشغلين فيما اتوا من أجله، تسلل خفية دون أن يراه أحد خارجًا من المحل و قبل ان تخطو قدمه المحل الخاص بالفتيات شعر بيد أحدهم فوق كتفه يقول:


"على فين يا حلو؟!!"


استدار و بدء في التقاط أنفاسه براحة بعد ان وجده «صالح» معقبًا:


"منك لله وقعت قلبي، وبعدين ماسكني كده ليه زي ما تكون ماسك حرامي غسيل"


ابعد «صالح» يده و تجاهل حديثه مردفًا بمرح:


"تقريبًا كنت سامع حد من البنات بينده عليك روح شوفهم يا مراد لا يكون محتاجين مساعدة ولا حاجة، اصل انا عارفك بتحب تساعد غيرك إزاي"


و على الفور التقط «مراد» مغزى حديثه ليتهلل وجهه بفرح ليتابع حركته لكن قبل ذلك اردف ناطقًا:


"اقسم بالله انت أرجل من شوية الحلاليف اللي جوا دول"


ترجل «مراد» و حرك عينيه في كل المكان يبحث عنها حتى لمحها تقف مع «سلمى» ويبدو على ملامحها الحزن و الضيق على عكس الآخرى التي تبتسم بهدوء مردفة:


"يا هبة صدقيني لو باللي بتعمليه ده إسراء هترجع او حتى هيقلل من حزنك كنا كلنا عملنا زيك لما اغلى حد لينا سابنا و فارق الدنيا دي، إنما كده انتِ بتزودي في حزنك و ده ما ينفعش"


اقترب منهن «مراد» بعد ان استمع إلى اخر حديثهن دون قصدًا منه مردفًا بتساءل رغم عيناه المسلطة على زوجته التي حثت «سلمى» على عدم الإفصاح من خلال نظراتها التحذيرية لكن الأخرى لم تأبه لها بل اردفت بحزم:


"كويس انك جيت، هبة مش راضية تشتري او تنقي حاجة شايفة ان ده ملوش لازمة طالما هي مش هتلبسه وقررت انها هتلبس الأسود ده على طول و حابسة نفسها في القوقعة اللي هي فيها دي"


ثم مدت بزراعها الذي يحمل فستانًا من اللون الأزرق الفاتح او كما يسمونه 'بترولي' إلى «مراد» تتابع حديثها:


"ده دريس عجبها و لما قلت لها تدخل تقيسه عندت اكتر ورفضت بس انا متأكدة ان حضرتك هتعرف تقنعها و تلين دماغها الحجر دي"


انسحبت من بينهم مقررة ترك تلك المهمة إلى «مراد» الذي ظل يحدق بزوجته مع بسمة لا تفارق وجهه حتى خرج صوت «هبة» تقول بأصرار و لم تنتبه لنظراته لها بعد:


"ريح نفسك يا مراد قلت مش هلبسه يعني مش هلبسه انا جيت بس عشان مزعلش البنـ...انت مابحلقلي كده ليه؟!!"


لم تختفي بسمته المريبة التي جعلتها تتوقف عن الاستكمال تطالعه بوجه مشدوه وما ذاد تعجبها منه عندما سمعته يقول:


"فين البروفا؟"


اردفت بعفوية تجيبه على سؤاله:


"هي اللي هناك دي"


قطبت جابينها وهي ترى بسمته تزداد رويدًا رويدًا معلقة بأستغراب:


"انت بتسأل على البروفا ليه؟ و اي الضحكة المريبة اللي على وشك دي؟!! مراد انا بدأت اخاف انت مش بترد ليه؟!!"


حاول كتم ضحكاته يحافظ على ابتسامته فقط ثم اتاها الرد منه يعبر عنه بسحبها خلفه ثم وجل الاثنين إلى غرفة قياس الثياب التي لم تكن تتسع إلا لشخصين فقط كانت قريبة منه للغاية، قرب جعلها تشعر بالارتباك و ارتفاع في دقات قلبها خاصة وهي تطالع عينيه التي تجوب ملامحها بحرية، و قبل ان تغوص في تأمله انتبهت للوضع الذي هي فيه مردفة بحرج:


"مراد انت اتجننت، الناس يا مراد ممكن حد يكون شافنا وبعدين هيبقا..." 


قاطع استرسالها وهو يقترب منها برأسه يطبع قبلته الأولى على خدها ببطء، قبلة صغيرة اعبرت عن مشاعره المبكوتة بداخله و لن يجد الكلمات المناسبة ليعبر عن شوقه و حبه و لهفته و اشتياقه لها غير هذا القرب المحبب له، غافل عن تلك التي تسارعت نبضات قلبها تكاد تجزم أنه على وشك الخروج من مكانه، ولاول مرة تجرب هذا الشعور إلا أنها أحبته بل عشقته، و استمتعت بقربه منها رغم مشاعر الخجل والحياء التي تهاجمها لتكون لها كجرس الإنذار معلنًا عن قدوم خطرٍ ما.


ابتعد عنها بمسافة صغيرة و مازالت انفاسه تلفح وجهها، رفع رأسه حتى يتمكن من رؤية عينيها إلا أنها حرمته منهما وهي تخفض رأسها للأسفل بعد ان تصبغ خديها باللون الاحمر لتهتف بصوت رقيق من فرط خجلها منه:


"مراد انت بقيت قليل الادب كده من امته؟"


اجبرها على النظر إليه بعد ان اشفق عليها وبعثر كيانها امامه وقرر آل يخجلها اكثر بعد ان غلف حديثه المرح:


"هوبا ! مافيش واحد متجوز مش قليل الأدب مع مراته إلا لو كان ما بيطقهاش، يعني من الاخر كلنا Bad boys بس مع مراتتنا، على عكس سليم اخويا Bad boy مع اي تاء مربوطة يلاقيها معدية"


فلتت من شفتيها ضحكة على اخر حديثه، ليتابع هو بعد ان بدل نبرة صوته من المرح إلى الجدية رغم أنها رأتها وقحة بعض الشيء وهو يقول بحزم:


"و دلوقت قدامك حل من اتنين، يأما تلبسي الدريس و انا هستناكِ برى عشان اشوفه عليكِ يأما وعهد الله ما هخرج من هنا غير و انا ملبسهولك بنفسي، وبصراحة انا برجح الحل التاني عشان هموت و اعمله"


تدرج وجهها بالحمرة اكثر لتهتف بأستياء:


"الله يعمر بيت ابوك يا سلمى...انت جيتلي منين بس؟!"


و قبل ان يتفوه ايًا منهم يضيف شيئًا جديد سمعوا طرق على الباب و صوت انثوي يقول:


"في حد هنا؟"


شحب وجه «هبة» وهي تقول بهمس و بنبرة اشبه للبكاء:


"يالهوي اتفضحنا"


لوى «مراد» شفتيه بحنق يقول ساخرًا:


"انا جوزك يابنت الهبلة، ردي عليها بدل ما ارد انا وساعتها هنتفضح بجد"


في المحل الخاص بالملابس الشبابية، كان يجلس «سليم» القرفصاء امام «زين» وبجوار منه يقف والده «آسر»، ثم هتف بنبرة مرحة:


"اي رأيك بقا في الطقم الكاجول ده؟ بذمتك مش أحسن من البدلة اللي ابوك كان هيخنقك بيها؟!"


رد الصغير ببراءة جعلت الاخر يطالعه بتشنج:


"بس ذوقك وحش يا عمو سليم، انا مش مرتاح في اللبس ده"


رمقه بنظرة ساخطة وعلق بأستهزاء:


"والله مافي حد وحش و معفن غيرك انت و ابوك، وبعدين لزمتها اي عمو دي يا روح عمو"


وأد «آسر» بسمته يتصنع الجدية وهو يوبخ إبنه الصغير:


"عيب كده يا زين، اعتذر من سليم يلا"


ارتخت معالم الصغير بحزن وقال:


"Sorry"


علق «سليم» بمرح كي يضحك الصغير يعلمه أنه لم ينزعج منه:


"سوري ولا ياباني"


ظل وجه «زين» كما هو فقط يطالعه بعدم فهم، حك الاخر جبهته مردفًا بأحراج:


"كنت حاسس بردو أن دمي يلطش"


وعقب انتهائه من حديثه رأها في الجهة الأخرى من اللوح الزجاج من خلف الصغير، ليعود ببصره للواقف أمامه مع بسمة خبيثة زينت ثغره:


"بقولك اي يالا، ماتفكك من أبوك وتعالى معايا نقلب رزقنا في المحل التاني"


لم يفهم «زين» حديثه بالكامل لكنه لم يرفض ايضًا حتى استمعوا كلاهما لصوت «آسر» يقول بأمتعاض:


"انت رايح هناك تعمل مصلحة على حساب الواد"


وقف «سليم» في مقابلته وارد ببراءة زائفة:


"شوفت ظالمتني إزاي ده انا كنت واخده عند وردة هي ذوقها هايل في لبس الأطفال، بس خلاص انا بقول خلينا هنا أحسن"


اندفع «آسر» في الحديث:


"لأ نفضل هنا ده اي؟!! ده انا رقبتي اتلوحت وانا ببص على الناحية التانية ومش شايف حاجة"


وبالعودة إلى الفتيات و بالتحديد إلى «سلمى» التي ابتعدت عن محيط «هبة» و زوجها و انشغلت في تنقية الثياب و تصويرها بالهاتف من اجل «ندى» تنتظر ردها بعد ان ارسلت لها صورتين لفستانين بشكل و ألوان مختلفة معلقة برأيها.


"انا شايفة الموف هيكون جميل فيكِ اوي عن اللون النبيتي وبردو اللي يعجبك بس انجزي بالله عشان مش عايزة اتأخر على البيت"


ظلت تتطلع في الهاتف ورأتها تكتب من الجهة الأخرى وقبل ان ترى ردها، منعها من ذلك صوت رجولي يهتف من خلفها:


"ذوقك تحفة في اللبس"


استدارت للمتحدث وجدته شاب رمقته بتعجب من تواجده بمحل يختص بملابس السيدات لكنها خمنت انه يعمل هنا وقبل ان ترد عليه بإيجاز و تكمل ما تفعله وجدته يكمل حديثه و الذي من خلاله يتضح سبب تواجده هنا:


"انا آسف مش قاصد اضايق حضرتك او اسبب لك ازعاج بس انا كنت حابب اشتري فستان لأختي و اعمل لها مفاجأة بس لما جيت هنا بقيت عامل زي الاهبل مش عارف اجيب أي"


تبسمت بهدوء على نعته لنفسه بالاهبل ثم تابع بطريقة لبقة وهادئة:


"و الحقيقة شفتكِ و انتِ بتختاري اللبس وعجبني ذوقك، بس لو أمكن يعني تساعديني في ده"


"اه بس حضرتك ليه ماطلبتش من البنات اللي شغالة هنا وهي ساعدتك "


"انتِ اكيد عارفة ان اللي شغالين هنا بيبقوا عايزين يبيعوا كل البضاعة اللي في المحل"


اومأت بتفهم وقررت ان تساعده وتلبي طلبه لكنها اردفت تسأله من جديد:


"طب اخت حضرتك دي عندها كام سنة؟ و بتلبس مقاس اي؟"


أجابها وهو يتطلع بها من اخمص قدمها حتى طرف رأسها بنظرات لم تكن بريئة لكنها لم تنتبه بل انتظرت رده الذي نطق به مردفًا:


"هي تقريبًا في سنك كده، وجسمها حلو ومليان زيك بالظبط يعني تقدري تقولي بطة بلدي"


تملكتها الريبة منه ولم تدري أكان يوصف شقيقته ام يتغزل بها لكن كل ما تعرفه الآن انها تشعر بعدم الارتياح، قررت بداخلها تجاهل ما تشعر به وانهاء هذا الحوار وهي تلتقط احد الفستاين المعلقة بالحامل المعدني تمده لها قائلة:


"اتفضل ده اكيد هيعجبها وكمان على مقاسها لو زي ما حضرتك قلت يعني"


بلل شفتيه بطرف لسانه يتطلع بها بنظراته الوقحة لا يركز على وجهها مثلما يركز على جسدها يلقي عليه نظرات متفرقة شهوانية سببت الازعاج للاخرى وقبل ان تذهب من أمامه مستأذنة تجرأ وامسكها من زراعها يقول:


"طب ممكن تقسيه عايز اشوفه على جسمكِ...احم...عشان يعني اتأكد انه على مقاس اختي، ده لو مافيهاش إساءة مني"


"لأ الاساءة دي و قلة الأدب لسه هتشوفهم مني لو ماخدتش بعضك من هنا وزقيت عجلك"


كلمات خرجت من فاه «سليم» الذي وقف له بالمرصاد يخفي «سلمى» خلفه بجسده العريض بعد ان التقط يد الآخر يبعدها عنها بغضب مكتوم لكنه على وشك الإنفجار، رغم كلماته التي اردف بها بهدوء شديد عكس العاصفة التي تنشب بداخله، سمع الآخر يهتف بصوت جهوري يظهر عن مدى وقاحته:


"و ليه الغلط بـقـا.. ما لو عجباك قولي وانا اسيبهالك مع اني جيت ووقفت معاها قبلك بس مش مشكلة ندور على بطة بلدي غيرها "


شهقت «سلمى» من وقاحته التي برع في اخفائها بأرتدئه رداء الاحترام والأخلاق، غافلة عن الذي تفاقم غيظه من هذا المتبجح الماثل أمامه مع صدر يعلو ويهبط من الغضب وهدر من بين أسنانه:


"اللي عمال تتكلم عنها دي ياروح أمك تبقا مراتي، و لو على الغلط فأنت لسه ما شفتوش يابن الـ*** ده انا هطلع**** امك النهاردة"


لم يكتفي بألقاء الكلمات البذيئة على مسامعه بل اطاح به بلكمة قوية اعبرت عن البركان الذي يثور بداخله جعلت الاخر يشعر بالدوار ناهيك عن خط الدماء الذي اخذ طريقه يسيل من أنفه، مسح الدماء بظهر يده ثم رفع عينيه على «سليم» الذي يرمقه بسهام حارقة مقتربًا منه حتى ينال منه، لم يخشى الآخر منه بل اندفع إتجاهه بعلامات الشر الذي زينت وجهه مردفًا بأستفزاز:


"لأ حلو وبتعرف تضرب، بس ده مايمنعش بردو ان المدام بطة بلدي ده يابختك بيها ياعم"


انهى جملته بغمزة حقيرة مثله، لا يعلم ان بكلماته جعلت الآخر يفقد صوابه وبلغ ذروة غضبه، وعلى حين بغتة ألتهم «سليم» المسافة الفاصلة بينهم وانهال عليه بالضرب سواء كان بلسانه او بيده، لم يكن يعطيه فرصة حتى يتنفس كان على وشك ان تزهق روحه من بين يديه.


وعلى اثر هذه الضوضاء والصراخ الذي عمَ المكان، انتبه «مراد» الذي خرج من 'البروفا' ينتظر زوجته تبديل ثيابها إلى الشجار القائم بين شقيقه و احدًا ما، هرول ناحيتهم وفي نفس التوقيت اقترب منهم ايضًا «آسر» الذي كان يقف مع «وردة» و أبنه.


ورغم ازدحام المكان بالناس إلا انه لم يقدر احد على الاقتراب منهم وفض هذا النزاع خشية من التدخل فيما لا يعينهم بينما «سلمى» تملك الرعب منها وهي ترى الشاب كاد يسلم روحه لخالقه مردفة بلهفة ودموع اجتمعت في مقلتيها ناطقة بخوف:


"سيبه يا سليم عشان خاطري، ده هيمو'ت في إيدك"


اردف بغضب أعمى جعل عقله يتوقف عن التفكير ومازال يعتليه:


"ايــه هي الهانم خايفة عليه؟"


اقترب منه «مراد» يحاول أبعاده عنه وبسبب غضب أخيه لم يقدر على زحزحته من مكانه حتى سمع كلاهما «سلمى» تهتف بصوت مبحوح أوشك على البكاء:


"يابني ادم انا خايفة عليك أنت"


وفي هذه اللحظة ارتخت عضلات جسده المشدودة و التي مكنت شقيقه من ابعاده من فوق هذا الشاب المتحاذق الذي سلط انظاره البغيضة عليهم، بينما صاح «سليم» بأنفعال:


"اخفى من وشي والا اقسم بالله هتكون اخر ليلة ليك معانا هنا على الكوكب"


همس «مراد» بأذن أخيه وهو مازال يحكم حركته حتى لا يثور مرة أخرى:


"اهدى يا سليم المكان كله كاميرات و اللي بتعمله ده مش في صالحنا"


ثم علَ من صوته يوجه حديث لهذا الفتى:


"و انت امشي من هنا يلا، امشي انا مش ضامن نفسي هقدر امسكه اكتر من كده ولا لأ انا لو سبته عليك هيفرمك"


صاح بأنفعال وغل ينهش به:


"مش هسيبك وديني لاوريك"


عقب «مراد» ببرود:


"ما تحلفش بس بدينك عشان من حلف بغير الله فقد أشرك، قول بقا لا اله إلا الله خليني اخد في اللي خلفتك ثواب"


تدخل «آسر» وهو يقول بأستهزاء:


"هو مش قالك امشي واقف ليه؟!! يلا ياحبيبي يلا انت لسه هتنحلي"


غادر بعد أن القى نظراته الحاقدة عليهم و بالاخص «سليم»، تحرك «آسر» وذهب لصاحب المحل كي يعتذر منه على تلك الفوضى التي تسببوا بها بينما «سليم» استدار بلهفة بعد ان حرره اخيه من قبضته و وجدها تحتضن «وردة» ومعها «قدر» التي تربت على ظهرها.


"انتِ كويسة؟؟ الحيوان ده عاملك حاجة؟"


وعلى عكس المتوقع ات ردها جامدًا جافًا تهتف بنبرة اشبه للصراخ:


"يأخي انت عايز مني ايـــه؟!! ما تسيبني في حالي بـقـا فرجت علينا الناس"


لم تقدر على الوقوف والصمود أمامه بهذا الشكل خاصةً بعد ان رأت الخيبة و الحزن اللذان زينوا ملامحه، هربت من أمامه بل من المكان كله اندفعت «وردة» حتى تلحق بها لكن منعها من ذلك صوت «مراد» وهو يقول:


"خليكِ انتِ ياوردة، روح وراها يا سليم ماتسبهاش تمشي لوحدها في الشارع كده"


لم يتمهل وركض من مكان وقوفهم يلحق بها.


"سلمى !! سلمى استني.. يا سلمى !"


استدارت بوجه غاضب تهتف بقوة:


"عايز اي من زفتة؟؟"


لم يستحسن ردها عليه والذي يجعله ينفعل اكثر لكنه قرر أن العصبية لن تنفع في مثل حالتهم خاصة وهو يعلم انها تفعل كل هذا حتى تبعده عنها غافلًا عن السبب وراء كل هذا، وقرر ان يسلك طريقًا اخر وهو يهتف بنبرة لينة مشتاقة اعبرت عن صدق حديثه:


"وحشتيني"


ارتخت تقاسيم وجهها الجامدة ليتابع بنفس نبرة الصوت وهو يرى تأثيرها عليها:


"انا عارف ان اللي عملته جوا ده ضايقك ومش هقدر اقولك اسف عليه عشان لو الموقف اتكرر تاني انا هعمل اللي عملته و مش بعيد ما اسبوش غير وانا مطلع روحه في أيدي، انا مقدرتش استحمل نظراته ليكِ انا شاب زيه وفاهم نظراته دي كويس رغم انك لبسك محترم ومش مبين تفاصيل جسمك إلا ان في ناس مريضة واللي زيهم ملوش غير انه يتربى"


هتفت بأستنكار تخفي فرحتها بما فعله وغيرته التي اعبرت عن حبه الصادق لها تستمر في ارتداء قناع البرود:


"وليه ده كله؟؟ وعشان اي؟!"


خرجت نبرته اهدى عن سابقتها يطالع وجهها الذي لم يقدر على غض بصره عنها يقول بنبرة ساخرة تحمل في طياتها وجعه منها ومن رفضها المستمر له ولحبه:


"لسه بتسألي يا سلمى؟؟"


ابتلعت ريقها بأرتباك تتجاهل نظراته التي تجعلها تفقد ثباتها _الواهي_ أمامه تحاول التحكم في قلبها قبل ان يعلن عصيانه و يهتف بكل ما يكنه من مشاعر لمن عشقته روحها مردفة بنبرة متلعثمة:


"ايوة..لسه..بسأل وبعدين تعالى هنا اي مراتك اللي قولتها جوا دي"


ورغم انه عندما نطقها اتبع بعدها يطلق الفاظ نابية إلا انها لم تستمع إلى شيء اخر غير هذه الكلمة التي توقف عقلها عندها وتجلجل قلبها بتخبط منها، بينما «سليم» ابتسم بمشاكسة وهو يقول:


"ومش دي الحقيقة؟؟"


كان يرمقها بنظرات التسلية والمكر التي استطاعت هي ألتقاطتهم على الفور لتقرر ان تتبع نفس طريقته مردفة ببرود واستنكار:


"لأ طبعًا مش دي الحقيقة، انا يوم ما هتجوز هتجوز واحد بحبه إنما أنا مش بطيقك"


حسنًا لنكون صادقين هو لن يقدر على ادعاء الهدوء الذي استعان به في حديثه معها هو بالأساس مازال غاضب من هذا القذر الذي تعدى حدوده وها هي تكمل عليه من برودها وحديثها اللاذع ليهتف بغيظ بعد ان صك على أسنانه:


"وحياة أمك !! امال اي 'يابني ادم خايفة عليك انت' اللي قولتيها جوا دي؟ !!"


مطت شفتيها تدعي عدم الإهتمام لتثير حنقه اكثر:


"عادي كنت بهاودك عشان تسيب الواد اللي كان هيفطس في ايدك ده"


وعلى حين غرة وجدته في أقل من ثانية كان يلتهم المسافة بينهم لتصبح في مقابلته مباشرةً لا يفصل عنهم سوى خط وهمي من الهواء، ابتلعت ريقها بذعر وتوتر مع عيناها المتسعة من هذا القرب المهلك لها ولقلبها الصغير، بينما هو تمكن من السيطرة على انفعاله وهمس بطريقة وقحة غير مبالي بالمارة حولهم:


"ورب الكعبة ان ما بطلتي فشر وكدب لأكون رازعك بوسة تجيب اجلك قدام الناس دي كلها"


جحظت عينيها بصدمة من اثر كلماته على مسامعها هل يعقل ان ينفذ ما تفوه به من ترهات؟ !! بالطبع لا هو يعلم ان ما يفعله كله ليس من حقه وانه هكذا يتعدى حدود دينه هو فقط يريد ان يستفزها كما تفعل حتى يجعلها تعترف له والمقصود بالاعتراف هنا ليس بحبها له لأنه بات على يقين تام بحبها بسبب جميع افعالها التي تؤكد هذا حتى ولو قالت عكس ذلك هو يريدها ان تعترف بالسبب الذي يجعلها دائمًا في حالة هرب منه، ورفضها المستمر له حتى و ان كان لديها حجة وهي تلك الصورة.


"نهار ابوكم اســوح !! انتم بتهببوا ايــه؟!!"


انتفض جسد «سلمى» بعد ان سمعت صوت شقيقها «ديشا» وأخذت تبتعد للوراء قليلًا، بينما الآخر لم يتحرك له ساكن ظل على نفس الوضع مع حفاظه على نظراته المعلقة عليها حتى صاح «ديشا» من جديد:


"عينك ياحبيبي... عينك يابابا...عينك يازفت ..بدل ما اخزقهملك"


ثم وجه حديثه لـ «سلمى» يهددها:


"وانتِ !! هو ده اللي رايحة تجيبي لبس وممرمطاني معاكِ طب والله لاقول لأبوكِ انكِ بتقفي مع شباب في المولات"


استنكر «سليم» حديثه وهتف بأمتعاض وسخرية:


"والشبح كان فين لما أخته كان في واحد *** بيتحرش بيها؟؟"


تبدلت ملامح «ديشا» المنزعجة من تواجده مع شقيقته إلى أخرى خائفة وقلقة على شقيقته ليقول بلهفة بعد ان استدار لها:


"طب انتِ كويسة ياسلمى؟؟"


ابتسمت بهدوء تطمئنه:


"ماتقلقش انا كويـ..."


بترت باقي حديثها بعد ان قررت ان تقلب الحديث إلى صالحها حتى لا تجعل شقيقها يخبر والدها بوقوفها مع «سليم» تهتف بأنزعاج وبنبرة درامية:


"لأ ياديشا ماكنتش هبقا كويسة لما بشمهندس سليم اتدخل وضرب الشب ده، غير كده الله اعلم كان حصلي اي، وبابا لو عرف انك سبتني ومشيت اكيد هيزعل وانت عارف بقا زعل بابا بيبقا عامل إزاي "


بلع ريقه بخوف ثم ابتسم بتوتر طفيف:


"لأ ياسلمى ده انا ديشا اخوك حبيبك و الـbodyguard بتاعك، اكيد مش هتقولي له مش كده؟!!"


وقبل ان تجيبه انتبهت لبسمة «سليم» التي تعلو شفتيه يتابع مايحدث بتسلية مردفًا بمكر:


"بمو'ت في قلب الترابيزات، زي بالظبط ما قلبتيها على اخوكِ دلوقت بس تعرفي انا بردو نفسي أقلب الترابيزة على دماغ اخوكِ بس ترابيزة حقيقية من اللي هي برجلين دي"


استشاط «ديشا» منه وبكلماته جعلته يكرهه اكثر ليقترب منهم «عمر» الذي أنتبه لغياب صديقه أثناء تجربتهم للملابس الجديدة، لاحظ هو غضب «ديشا» العارم على وجهه والذي بالتأكيد سيكون السبب في ذلك من غيره «سليم».


تعمد ان يتحدث بالفصحى أمامه في محاولة منه لأستفزازه واخراج اسوء ما فيه أمام «سلمى»:


"ما بالك يا ديشا؟!! أ يزعجك هذا المعتوه؟؟ "


عقب الآخر بنفس الطريقة:


"لا تقلق يا عمر فأنا هنا أتولى زمام الأمور"


مسح «سليم» على وجهه بضيق ورفع رأسه يتطلع إلى السماء يقول بحسرة:


"يارب لأ انا مش هقدر استحمل كرم وكريم دول يارب كفاية عليا واحد قارفني في عيشتي مش هيبقوا اتنين، يارب اسخطهم قرود او نسانيس عادي، انا راضي يارب"


__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'


في منطقة وسط البلد وبالتحديد داخل شقة «سعد المرشدي» جلست والدته بتعب على الأريكة بسبب مرضها بالسكر وكذلك بسبب الجرح الذي تركوه رجال «الشيمي» في زراعها، وبجوار منها «سحر» التي انتهت لتوها من التغيير على الجرح وبعدها اعطائها حقنة الأنسولين مكررة كلماتها التي اردفت بها عند قدومها:


"الف سلامة عليكِ يا ام سعد" 


تحدثت بوهن وتعب ظهر واضحًا من نبرة صوتها:


"الله يسلمك يا استاذة سحر، وحقك عليا من اللي حصلك هنا وشفتيه لما اللي منهم لله جم وهجموا علينا بس بردو ربنا كريم بسبب انك شغلتي دماغك وصورتي اللي حصل كان زمان الاتنين الغلابة ولاد المنشاوي في السجن دلوقتي"


عقبت على حديثها بتهكم وضيق:


"ما الفضل يرجع لابنك ياخالتي، عشان بسببه يحصل معانا كده وكمان كان هيأذي ناس كل اللي عملوه انهم وقفوا جمبه وساعدوه يمشي بالحلال، يارب سعد يتعظ ويعرف ان اخرة الحرام وحشة"


ردت والدته بدافع عن أبنها الوحيد:


"ما تظلمهوش يابنتي سعد ابني اتغير وفعلًا تاب بس ولاد الحرام هما اللي مش عايزين يسيبوه في حاله"


لم تتخلى عن نبرتها القاسية في الحديث تتابع:


"ابنك هو اللي ظلم نفسه لما مشي في سكة الحرام من الأول وهو بردو اللي ادى فرصة لناس زي دي تشوفنا ونشوفهم يعني ماحدش يتلام غيره"


"بس انا خلاص توبت وبعدت عن السكة دي وفتحت المطعم وقلت باب رزق حلال، ده ربنا قِبل التوبة ليه الناس مش عايزة تقبلها؟؟"


استدار الإثنين جهة الصوت وجدن «سعد» يقف على اعتاب الباب يرتدي ثياب توحي بأنه كان في طريقه للخروج لكن عندما التقطت أذنه صوتها، دق قلبه ولم يقدر على الذهاب من دون رؤيتها وياليته ما فعل فقد تألم قلبه من كلماتها التي تنزل على قلبه كالسوط ولم يكن يقصد احد بجملته الأخيرة غيرها هي فهو لا يهمه أمر الناس هو فقط يهمه امرها هي...هي من عشقتها روحه.


اعتدلت في جلستها حتى تتقابل الأعين التي تفضح عشق كلاهما نعم فـ «سحر» تبادله نفس الحب لكنها تتعمد ان تتعامل معه بقسوة وجمود حتى يبتعد عن هذا الطريق الذي ابدًا لم تكن راضية عنه، وحتى بعد ان فعل هذا اصبحت تشكك في مصدقية توبته.


"بس لما تكون التوبة صادقة وبجد سعتها الناس هتصدقها، وانت ياسعد ماظنش انك صادق فيها اصلك مشيت في الحرام كتير اوي، جاي انت بقا بين يوم وليلة تقول توبت وبعدين حتى لو كلامك صح وفعلا توبت عايزينا نعملك اي مثلًا، نقوم نصقفلك ونقولك برافو عليك عشان عملت اللي ماحدش عمله، وبسبب القرف اللي كنت بتعمله حصل اللي حصل وكان زمان انا و امك اللي قاعدة دي روحنا فيها "


كانت نبرتها قاسية تمامًا مثل كلماتها اللاذعة التي تلقيها على مسامعه دون هوادة او حتى ترأف بحاله وبقلبه الذي يلعن نفسه لأنه أحب شخصية مثلها كل ما تفعله هو فقط بث الوجع والقهر من خلال كلماتها، ولكل شيء قدرة على التحمل وهو فقد كل طاقته بالحزن على حريقهم للمطعم ويأنب نفسه على ماحدث لهم في المنزل ناهيك عن تعب جسده وإلى كل تلك الكدمات التي يخفي منها اكثر مايظهر بثيابه، لكن طفح كيله عند هذا الحد ليصرخ بها بأنفجار فقد فقد كل ذرة صبر وتحمل لديه:


"انتِ أي يا شيخة ارحمي بقا، انت حتى مكلفتيش خاطرك ولو مرة تسأليني انا اي خليني أمشي في الطريق ده، انا عارف حتى مهما قلت من اعذار ده مش هيكون مبرر للي عملته بس انا خلاص فوقت وتوبت وحاولت امشي في طريق الحلال و الناس اللي حضرتك مضايقة عشان انا اديتهم فرصة يشوفكم وتشوفوهم جم عشان حاولت اعمل حاجة صح اكفر بيها عن اللي عملته بأني اساعد الاستاذ مراد يخلي الشيمي ورجالته يتقبض عليهم يعني مش عشان انا لسه ماشي في الحرام زي ما قلتِ، عاملة فيها قاضي وكل ماتشوفي خلقتي تعلقيلي المشنقة ياشيخة ده حتى القاضي مش بيحكم غير لما يكون معاه دليل، ده في ناس بتخرج من السجن لعدم إكتفاء الأدلة عمرك سمعتي عنها دي، بس ماعتقدش وانتِ عمالة تسمعيني كلام زي السم وانا استحمل واجاي على نفسي بس عشان لــــيـــه ده كله؟؟؟ عشان حبيتك ياشيخة يلعن ابو الحب اللي يذل صاحبه ويخليك تبيعي وتشتري فيا كده "


لم يكن حديثه هذا رد على ما قالته بل هو تراكمات بداخله و إناء امتليئ لينضح بكل ما يحمله فقد فاض به منها ومن الجميع وحتى من نفسه، بينما «سحر» ابتلعت الغصة وقاومت دموعها تمنعها من الهبوط و انتفضت من مضجعها مع حافظها على ملامح وجهها القاسية والجامدة مردفة بحزم تهرب من هذا المكان قبل ان ينزاح عنها قناع الجمود:


"انا ماشية ياخالتي وبعد كده حضرتك تاجي تاخدي الحقنة عندي عشان انا مش هعتب البيت هنا تاني ولولا العِشرة انا كنت رفضت ادي حضرتك الحقنة من الأساس بس للأسف انا حالفة قسم هتحاسب عليه، عن اذنك"


انتشلت هاتفها وعبرت من جواره لكن الآخر التقط يدها يقول بنبرة هادئة قليلة عما سبقتها يرمقها بندم على ماتفوه به رغم ان عقله يقول له انه فعل الصواب بينما قلبه شعر بالحزن فهو مازال يحبها وقال بحنو:


"استني ياسحر ما تمشيش.."


قاطعت استرساله في الحديث وهي تنفض عنها يده بقوة ترمقه بنظرات مشتعلة تكمل طريقها للخارج، بينما «سعد» كور يده وضرب الباب بجانبه لتركض والدته نحوه مردفة بلهفة وحزن على وليدها:


"ليه ياسعد ليه يابني تعمل في نفسك كده وانت بتحبها انا اللي مصبرني عليها وعلى كلامها عشان عارفة انها كمان بتحبك بس مشكلتها مابتعملش حساب ان كلامها ده ممكن يأذي الناس، هي قالت لي انها كمان بتحبك لما كلمتها من وراك في موضوعكم بس عطتيها وعد ماقولكش لحد ما تتأكد بنفسها انك فعلا اتغيرت"


ومع اخر حديثها الذي جعل الصدمة حليفته لم يتمهل وانطلق خلفها.


__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'__'


خرج «ادهم» من 'البروفا' وجاب بعينيه في المكان لم يجد غير «صالح» الذي يجلس على كرسي صغير متواجد في المحل يعبث بهاتفه ولم يستحوذ على انتباهه غير صوت «ادهم» وهو يقول:


"امال العيال فين انا مش شايفهم؟؟"


اخفض «صالح» الهاتف عن مرمى بصره وتطلع بالواقف يخبره بهدوء:


"فارس راح الاتيليه اللي قصادنا، عمر وديشا خرجوا برى من شوية، احمد مش عارف راح فين انما آسر وزين و سليم و مراد في المحل اللي جمبنا عند البنات"


رفع حاجبه بأستنكار مردفًا بحنق:


"هما بيستعبطوا ولا بيستهبلوا دول اي اللي وداهم هناك؟؟"


رسم «صالح» الجدية وجاهد حتى لا يضحك وهو يعلم ان ما سيقوله سيستفزه خاصة مع نبرة صوته الخبيثة:


"ولا بيستعبطوا ولا بيستهبلوا دول بيحبوا والهوى رماهم، عقبالك يانمر لما تبقى زيهم وتحب بس حب من النظرة الأولى"


تطلع بوجهه بنظرات مغتاظة واردف بنبرة جامدة يهدده بها:


"ارقـــح هــا ارقـــح"


لم يتوقف ليستمع إلى حديثه وذهب للمحل الآخر بينما «صالح» تحدث بصوت مسموع وهو يتابع رحيله:


"مابقاش صاحبك وعشرة عمرك ان ما كانت البت بنت عمك شغالك، وإلا ماكنتش تسميها قدر لما كنت فاكر انها فاقدة الذاكرة"


وعلى الناحية الأخرى كان يقف «آسر» مع «وردة» يشكرها على مساعدتها في اختيار الثياب لابنه الذي رفض جميع الملابس بحجة انها لا تليق به:


"مش عارف اشكرك ازاي، ده طلع عيني انا وسليم وبردو مش عاجبه حاجة"


تحدث «زين» قبل «وردة» وهو يقول بتذمر:


"يعني عشان اريحك يا بابي البس على مزاجك مش عيب كده"


وأدت «وردة» ابتسامتها على حديث الصغير بينما «آسر» علق بسخرية:


"لأ هو العيب هنا ياحبيبي اني ماعرفتش اربيك"


دلف «ادهم» إلى المحل وبالرغم انه جاء بحجة تواجد الشباب هنا إلا أنه اخذ يبحث عنها حتى سقطت عينيه عليها وهي تقف بجانب 'الكاشير' ومعها الكثير من الحقائب البلاستيكية، لم ينتظر واقترب منها على الفور مغمغمًا بضيق:


"انتِ بتعملي اي؟؟"


توترت من رؤيتها له أمامها فجاءة لكنها تداركت الموقف واردفت تجيبه:


"بدفع تمن الحاجات اللي اشترتها"


"ده على اساس ان مافيش حد فينا مالي عينيك عشان تبقي جاية معانا و تحاسبي انتِ"


اردفت بهدوء مدافعة عن نفسها:


"انا اكيد ماقصدش إهانة ليكم باللي بعمله ده، كل الحكاية اني شريت لبس كتير عشان ناوية اغير من طريقة لبسي وكمان عشان نفسي اجرب الاخمرة اللي اشترهالي مراد واكيد طبعًا مش هينفع ألبسها على لبسي القديم، ولما كلمت رحيم اعرفه اننا هنخرج قالي افتح الدولاب واخد الفلوس اللي أحتاجها، انا كان غرضي مش عايزة اتقل عليكم كفاية لبس العيد اللي هتجبهولي "


رفض ان تدفع المبلغ وقال قبل ان يستدير للفتاة الجالسة التي تحاسب الزبائن:


"ورحيم مش موجود وعيب اوي تدفعي واحنا موجودين، دخلي فلوسك في شنطك تاني، وياريت بلاش تعملي فرق بينا انتِ ورحيم خلاص بقيتوا مننا"


وبعدها تطلع في الفتاة يحثها على قول كم المبلغ من نظراته والتي فهمتها هي على الفور وقالت بعد أن انتهت من الضغط على الآلة الحاسبة واخرجت لها الرقم النهائي تلقيه على مسامعهم:


"7000 جنيه تحب تدفع فيزا ولا كاش؟"


عاد ببصره إلى «قدر» وقال بجدية رغم انه يمزح:


"لأ احب تدفع هي"


رمقته بوجه مشدوه ليهتف بمرح:


"بهزر... ماسمعتيش عن حاجة قبل كدة اسمها هزار "


اخرج بطاقة الائتمان الخاصة به واعطاها للفتاة ثم طلب منها الإنتظار وتحرك اتجاه الملابس واختار من بينهم فستان باللون البني وعاد مكانه يعطيه لها تحت نظرات «قدر» المتعجبة وقال:


"ضيفي ده على الحساب"


اردفت هي:


"ايوة يا أدهم بس..."


لم يدعها تكمل وقال هو:


"على فكرة لو سمعتِ الكلام من غير مناهدة مش هيحصلك حاجة، اقفي ساكتة بقا"


وعند «مراد» عاد يقف مكانه الأول قبل شجار شقيقه ينتظر انتهاء زوجته مما تفعل وحمد الله ان 'البروفا' تقع بعيدًا قليلًا عن مكان الشجار وبالتالي لم يصل إلى «هبة» شيء التي فتحت الباب بترو وخرجت بطلتها الهادئة تقترب من زوجها الذي لم يقدر على ازاحت بصره عنها بل ظل يتأمل ملامح وجهها _العادية_ بشيء من الانبهار كأنه يرى شيء غالي وثمين ونادر لأول مرة يراه.


خجلت من نظراته المصوبة عليها حتى سمعته يقول بوجه مذهول يعبر عن كم هي جميلة:


"بسم الله ما شاء تبارك الخلاق فيما خلق، اخاف عليكِ من عيني لتحسدك" 


اي فتاة اخرى لو سمعت مثل هذا الاطراء لكانت سعدت على عكس «هبة» التي ترمقه بوجه مصاحب له الوجوم تعرف انه يفعل هذا من باب المجاملة وحتى يقنعها في اخذ الثوب:


"على فكرة يامراد انا عادية، عادية جدًا يعني انا نفسها هبة اللي كانت معاك من شوية الفرق ان لون الفستان اختلف من الأسود للبترولي يعني مافيش داعي لكل الانبهار اللي انا شيفاه في عينيك ده، يعني نفسي تشوفني عادي "


لم تختلف نظرته وظل يحدق بها بنفس النظرة، النظرة التي اعتادت عليها «هبة» في كل مرة يراها بها وقال ببسمة زينت ثغره و زادت ملامحه الرجولية وسامة:


"انا اللي نفسي تاخدي عينيا وتشوفي نفسك بيهم وساعتها هتعرفي اني عندي حق" 


دخل «فارس» المحل بصحبة «صالح» الذي اخبره ان «سليم» هنا وما ان وقعت عينهم عليه ذهبوا له.


"انا جبت الفستان زي ما قلت لي وحطيته في العربية"


تمتم بها «فارس» على مسامع «سليم» الذي قال:


"امشي انت بس على الخطة زي ما قلتلك انا واحمد العصر وانت هتصالح نرجس و ابو نرجس كمان"


رفع يده يتمتم بالدعاء:


"يارب"


التفت «سليم» برأسه جهة شقيقه وصاح بنبرة مرحة فهو الوحيد الذي لا يبدو عنده مشاكل مع حبيبته على عكس كلًا من الثنائي «فارس ونرجس» «احمد وعلا» «سليم و سلمى»


"الله يسهله ياعم ماشية معاك زي السكينة في الحلاوة"


ألقى عليه نظرة ساخطة ثم تطلع بزوجته من جديد وحرك شفتيه ليتابع حديثه ولكن قبل ان تخرج الكلمات سمع الإثنين صوت أنثوي رقيق تقول بفرحة اعبرت عن دهشتها:


"اي ده مراد !! يخرب عقلك بقالي شهر ماشفتكش"


"ماتشفيش وحش"


ابتلع ريقه بتوتر وهو يرى تلك الفتاة تقف أمامهم فكانت تشبه إلى حد كبير عرائس الباربي بشعرها الأصفر وبشرتها ناصعة البياض وقوامها الرشيق مع خصرها المنحوت ومع كل هذا فستانها الضيق الذي يبرز مفاتنها.


أكملت حديثها بنفس الإبتسامة الواسعة ولم تعطي للواقفة بجواره اي إهتمام حيث قالت:


"مختفي فين وماحدش بيشوفك؟"


ألقى نظرة خاطفة على «هبة» التي لم يستدل من تعابير وجهها بشيء وابتسم بسمة صفراء لتلك الشقراء والتي من المؤكد انها ستكون السبب في حدوث مشكلة وسوء تفاهم بينه وبين زوجته:


"ما انتِ عارفة ان المكتب بيجيلوا قضايا كتير مش ملاحقين، عن أذنك"


وعند نطقه للكلمة الأخيرة امسك برسغ «هبة» يحثها على التحرك حتى قالت هذه الفتاة التي واخيرًا انتبهت لها:


"ما تقولش !! دي اكيد ندى أختك اللي حكتلي عنها مش كدة؟!!"


ومن تولى مهمة الرد هذه المرة هي «هبة» التي نفضت يدها من يد زوجها وقالت ببسمة صفراء تخفي بها تلك النيران المشتعلة في صدرها من فرط الغيرة:


"لأ انا مش ندى...ومش اخته...انا هبة...ومراته"


كانت تقطع في كلماتها ترسل للواقفة رسالة مبطنة تعبر بها عن ضيقها منها وان وجودها غير مرحب بها، بينما الأخرى زادت بسمتها اكثر وزاد معها حنق «هبة»:


"اووه ! بجد يامراد ألف مبروك انا.."


لم تكمل ما تبقى من حديثها بسبب رنين هاتفها والتي بعده اضطرت للأستئاذن، وحمد «مراد» ربه انها رحلت حتى سمع صوت التي تحترق بجواره تقول بهدوء مفتعل:


"بص انا هادية ومش هتعصب عشان مافرجش الناس علينا قدامك دقيقة تقولي اي علاقتك بالعروسة العلبة اللي كانت واقفة هنا دي؟؟!"


همس «مراد» بين نفسه:


"الله يحرقك بجاز وسخ ياسليم انت وعينك الصفرا"


ثم حمحم وعلت نبرته بعد ان ابتلع ريقه بأذدراء مردفًا:


"دي؟ دي دي عميلة عندنا في المكتبة كانت متهمة في قضية قتـ.ـل جوزها وانا جبت لها براءة بعد طبعًا ما اتاكدت أنها بريئة"


شبكت «هبة» زراعيها أمام صدرها وقالت ببرود وحديث ذات مغزى:


"طب وانت وخرجتها انا بقا مين هيخرجني؟؟"


قطب جابينه مردفًا بأستغراب:


"يخرجك منين مش فاهم؟!"


فكت زراعيها وهتفت بأمتعاض وغيظ:


"يخرجني من السجن لما اقتـ.ـل جوزي"


لم تتمهل وعادت تدخل 'البروفا' صافعة الباب في وجهه تتركه تحت اثر الصدمة من حديثها وبالطبع كان كل مايحدث تحت نظرات الأربع شباب بعد ان انضم إليهم «آسر» تاركًا إبنه مع «وردة» و أول من تحدث منهم كان «فارس» الذي قال بذهول:


"يخربيتك يا سليم هي لحقت ترشق"


هتف بغباء كأنه لم يفعل شيء:


"هي اي دي اللي رشقت؟؟"


صاح «صالح» يهلل بأبتسامة ساخرة:


"عينك، عينك ياسولي"


عاد ينظر لأخيه الذي يقترب منهم بوجه يحمل علامات الغضب والغيظ في آن واحد ليبادله ببسمة متوترة قبل ان يركض ويختبأ خلف «ادهم» الذي يقف على بعد مسافة قريبة منهم وهتف:


"لو راجل بقا قربلي"


بعد عشر دقائق حضر فيهم «احمد» الذي تغيب عنهم منذ لحظة وصولهم ولم يعرف احد أين كان، وضع الهاتف على أذنه يحادث زوجته التي لا ترد على مكالمته وبعد محاولته السابعة بدء يسمع صوت التسجيل الآلي يقول:


"الهاتف المطلوب مغلق او غير متاح"


على عكس المرات السادسة التي سبقتها كان فقط يسمع صون الرنين، تأفأف بأنزعاج وضيق جلي:


"كمان انتِ اللي مقموصة"


وبعدها وقعت عينيه على «فارس» و «سليم» يقفوا معًا وصوت ضحكاتهم يصل إليه شعر بالكره والغل ينهشه وهو يراه يقف ويضحك وكأنه لم يفعل شيء ولم يكن المتسبب في ان زوجته لا تحضر معهم اليوم وحتى هو بدء يتحول حبه لها إلى كره، وحالما يتأكد من شكوكه لن يرحمه، اندفع نحوهم بوجه حاقد وجسد متأهب للعراك.


"احمد جه أهو، تعالي يابني شوف صاحبك بيقول زهق من الخطوبة وعايز يتجوز وهو يدوب خاطب من سنة بقوله امال احمد يعمل اي اللي هيمو'ت ويتجوز"  


لم تتغير ملامحه المستنكرة وهتف بشيء من التلميح:


"والله امو'ت على الجواز احسن مافضل صايع وامشي اكلم في بنات الناس واسيبهم بعد ما اعشمهم بالجواز"


ضيق «سليم» من عينيه يحاول ان يستشف مقصده وهتف:


"اي يا أحمد مالك؟ بتتكلم كده ليه؟ طريقتك في الكلام مش مرياحني "


نطق بتهكم:


"وانت اللي زيك اتكلم معاهم إزاي"


تدخل «فارس» حتى لا تنجرف الأمور إلى شجار خاصةً وهو يرى ملامح «سليم» التي تتحول من المرح إلى العصبية:


"اي يا احمد مالك داخل فينا شمال كده ده انت ناقص تضرب سليم قلمين على وشه"


رد ببرود مستفز لكلاهما:


"وهو يستاهلهم الصراحة"


نفذ صبر سليم وهتف بأنفعال رغم محاولته في السيطرة على سرعة غضبه:


"لأ ده انت زودتها اوي وشكلك مصطبح وعايز علقة تفوقك"


هتف الآخر بصوت عالي وعصبية لا تقل عن ابن عمه:


"العلقة دي لناس الو*** اللي زيك"


طفح الكيل وثارت ثورته من هذا المغفل الذي لا يعلم ما به وقبل ان يقترب احدهم من الآخر كان يقف «فارس» في المنتصف كحائل بينهم يوبخ الإثنين:


"في اي انتم اتجننتوا هتضربوا بعض وعشان اي اكبروا بقا عيب اوي اللي بتعملوه ده"


مسح «سليم» على وجهه بغضب واخذ يتنفس عله يهدئ وقال:


"وبعدين بدل ما تتعصب عليا روح شوف مراتك اللي مزعلها دي وبسببك ماجتش معانا"


وبجملته زاد الوضع سوءًا وجعل نيران الغضب تشتعل في عين «احمد» الذي يلقي عليه سهامه الحارقة والتي لو كانت حقيقية لفتكت بـ «سليم» الآن.


"وانت مال أمك هي كانت مراتي ولا مراتك، واياك تجيب سيرتها على لسانك الوس* ده"


هتف «سليم» باستهزاء ولم تهدئ نوبة غضبه ولو بالقليل:


"انت عبيط ياض !! سيرتها اي دي اللي مجبهاش على لساني هو انا بشتمها، علا دي أختي عارف يعني اي أختي يعني اللي هيزعلها هدشمل أمه"


اسودت أعين «احمد» واصبح الغضب هو المسيطر على كليهما:


"طب ما تيجي كده ونشوف مين فينا هيدشمل التاني"


صرخ بهم «فارس» الذي تتلاشى قوته في إبعاد الإثنين عن بعضهم فهو لوحده لن يقدر عليهم:


"ما تهدى يا احمد كده وقول هديت، وانت يا سليم ما تقصر الشر معاه وامشي دلوقت "

وعلى صوته اقترب الشباب منهم ومن بينهم «ادهم» الذي شمل الثلاثة بنظراته وهتف:


"في اي مالكم انتم بتتخانقوا؟؟"


خرج صوت «احمد» المعارض وهتف بأستياء وشعوره بالمقت:


"الله يبارك لك يا ادهم تخليك في حالك عشان مش ناقصة حكم ومواعظ هي" 


احتدت ملامح شقيقه وتمتم بضيق وانفعال:


"في اي يا احمد هي هبت منك ولا اي؟؟ انت ناسي اني اخوك الكبير"


تشدق بفمه ساخرًا مع صدره الذي يعلو ويهبط من شدة الغضب:


"بلا أخوك الكبير بلا اخوك الصغير انا ماشي و سايبهالكم مخضرة"


ومع نهاية قوله دفع «ادهم» في صدره ورحل عن المكان، رمقه «ادهم» بغيظ وغضب وقرر اللحاق به لولا يد «فارس» التي منعته وقال:


"سيبه دلوقت يا ادهم، احمد متغير واكيد في حاجة مضايقاه لما يهدى هروح اتكلم معاه اعرف ماله"


الفصل الخامس والاربعون من هنا

تعليقات



×