رواية اصقلها شيطان الجزء الثانى الفصل الرابع بقلم سماح سماحه
لم يكتفي هارون بمحاولته مع زاهر بل أصر على مقابلة رجاله الذين تواجدوا معه منذ أختطاف سدرة إلى يوم الحادث الذي قبض عليهم فيه، وبرغم كل الأغراءات المادية الذي وعدهم بها هارون كما عاهدهم بخروج من يدله على مكان زوجته أو بالمكان الذي دفنت به بالخروج من المحاكمة دون أدانة في تلك القضية الإ أن قولهم جميعًا جاء مطابقًا لقول زاهر وهو أن زميلًا لهم قتلها عندما حاولت الهروب وقام بدفن جثتها في مكان ما بالصحراء لا أحد منهم يعلم مكانه الإ هو، وعندما سألهم عنه وأين يجده أخبروه أن زاهر قام بضربه ضربًا مبرحًا ثم طرده من العمل لديه لأنه خالف أوامره وهم لا يعلمون عنه شيء سوا أن أسمه يونس فقط، يأس هارون من استخلاص معلومة منهم تدله أن كانت سدرة لا تزال حية أو حتى بالمكان التي دفنت، لكنه لن يرضخ أو يستسلم من أول جولة وكلف عدة رجال مختصين ومحترفين في تتبع الأثر لكي يكتفوا أثر سدرة وذلك الرجل الذي يدعى يونس حتى يعلم منه ما حدث فعلًا وهل ما قاله زاهر ورجاله حقيقة أم كذبة يريد أن يكيد له بها، كانت حالة هارون الصحية تتحسن ببطئ لعدم ألتزامه بتعليمات الطبيب ورغم شدة ألم جرحه الإ أن جرح قلبه كان أشد وأعظم ألمًا فحبيبة قلبه الذي لم يعرف طعمًا للحب سوا معها أختفت دون أن تسامحه أو تعلم بمدى حبه الكبير لها، مرت عدة شهور مازال البحث عن سدرة ويونس فيهم قائمًا دون فائدة فأضطرا هارون أن يوقف البحث ليأسه خاصة بعد مقتل زاهر داخل محبسه أثناء التحقيق معه وقبل تحويله للمحاكمة وظلت المئات من علامات الاستفهام تحيط بتلك القضية فقد شغلت الرأي العام لفترة ليست بقليلة لتورط أسماء تعد من أهم رموز الدولة في وقتها، عاش هارون حالة من الحزن والأنعزال التام عن الجميع حتى عن خالته زهرة التي لم تتوقف عن البكاء حزنًا وقهرًا على ما آل إليه حاله وحال سدرة، وبقيا هارون يفرغ جام طاقته في عمله مثل الألة التي تعمل طوال الوقت لا تتوقف حتى تفرغ طاقتها، وظل يؤجل لقاءه بميسرة لعدم تحمله رؤية نظرات خذلانه لها في عينيها فالأول مرة بحياته كلها لا يفي بوعد قطعه على نفسه رغما عنه وقرر أخيرًا الذهاب لها حتى يوقف التخبط الذي يعث بداخله بسبب تقريع ضميره له، وعندما وصل أمام بابها تردد كثيرًا في طرقه لكنه استجمع ما بقى له من قوة وطرقه بوهن ولكم تمنى أن لا تجيبه ويعود دون رؤيتها ويعطي لنفسه المبرر الذي يريح ضميره ولو قليلًا لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن وكان وجهها هو أول من طالعه حين فتح الباب، أغمض عينيه وهز رأسه كي يتمالك نفسه من الأنهيار أمامها، نظرت له ميسرة بجمود لعدة ثواني ثم دخلت دون أن تنبث بكلمه أو حتى تدعوه للدخول لكنها لم تغلق بابها في وجهه بل تركته مفتوح، دخل هارون مترددًا يقدم قدم ويؤخر عشر ووقف أمام الأريكة التي تجلس عليها ونطق بوهن.
- انا عارف أن زيارتي ليكم جت متأخرة بس كنت عاجز عن أني أخد الخطوة دي مش استهتار بمشاعركم أو تقليل منكم بالعكس انا كنت خجلان من نفسي لأني غصب عني موفتش بوعدي ليكم.
يُقال ذاتِ يوماً يقع كائن من يكُن في هيام الحُب ها أنا الكائن في حُب معشوقي وقعتُ تخطيت تلك المشقات معكَ وتلك المتاعب معكَ وتلك الآلآم معكَ ها أنا اليوم معكَ اسأل...
رفعت ميسرة عينيها المغلفة بعبرات متحجرة وهزت رأسها بوهن وظلت صامتة لا تقوى على الكلام، فنزل هارون أمامها على قدم وساق يمسك بكفها يلثمه بحب وقد تجمعت دموعه أيضًا بعدما عجز عن حبسها أكثر من ذلك.
- دموعك دي غالية عليا قوي زي ما كانت غالية على سدرة، انا مش هطلب منك تسمحيني على خذلاني مش بس ليكم وكمان لسدرة ولنفسي لأن انا مش مسامح نفسي، انا هفضل اللي باقي من عمري كله أكفر عن ذنبي في حقها وكمان عمري شوية على ده، انا كل اللي طالبه من حضرتك أنك تسمحي ليا أن أجي كل فترة أطمن عليكِ أنتِ وعمي حسان لو مش هضايقكم.
أمدت ميسرة يدها نحو وجهه ومسحت على وجنته بحنو وتحدثت من بين دموعها.
- هون على روحك يا أبني ومتشيلش نفسك فوق طاقتها، أنت متأخرتش عن سدرة بالعكس أنت لولا ستر ربنا كان بعد الشر جرالك حاجة، انا مش زعلانة منك وبالنسبة ليا أنت وفيت بوعدك وأكتر بس القدر قال كلمته وده أجلها، انا اللي زعلانة من نفسي على اللي عملته فيها في أخر أيامها.
لم تتمالك ميسرة نفسها وأنفجرت في البكاء تنوح فلذة كبدها.
- لو كنت أعرف أن أجلها قصير مكنتش سبتها يوم ولا ساعة ولا حتى لحظة كنت خدتها في حضني وفضلت أعوضها عن غيابها بعيد عني، لو أعرف مكنتش زعلتها مهما يحصل، وهى عملت أيه دي أنضحك عليها من مجرم استغل طيبتها وبرائتها وصغر سنها، حسبي الله ونعم الوكيل فيه، نفسي أشوفها وحشتني قوي يا هارون.
نهض هارون من أتكائه أمامها وجلس بجوارها يضمها بذراعه ويربت برفق على كفها، وتحدث بصوت مختنق بعبراته.
- أرجوكِ يا طنط حاولي تهوني على نفسك، أحنا مدخلناش في علم الغيب، فراق سدرة جارحنا كلنا بس هتصدقيني لو قولتلك أن أحساسي بسدرة بيقولي أنها عايشة ومش ممكن تكون ماتت.
رفعت ميسرة عينيها له وسألته برجاء.
- أنت كمان مش مصدق أنها ماتت صح قولي أنك مش مصدق لأن انا كمان مش مصدقة وحاسة أنها عايشة.
أبتسم لها هارون ابتسامة لم تتخطى شفتيه.
- أيوه يا طنط انا مش مصدق وأحساسي أنها عايشة وأن شاءالله هترجع لينا قريب
وقف حسان على باب غرفة نومه يشاهد ما يحدث بقلبٍ مفطور على خسارته لأبنته وعلى حال زوجته التي كادت تجن بعد فقدانها لمن كانت سبب يمدها بالحياة، تقدم منهما ثم جلس على المقعد بجوار زوجته ونظر لهارون.
- السلام عليكم، أزيك يا هارون بيه عامل أيه؟.
أومئ له هارون بابتسامة حانية.
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أولا يا عمي بلاش بيه دي عشان محسش أني غريب عنكم، ثانيا انا الحمدلله بخير، ثالثًا أزي حضرتك وأزي صحتك؟.
أبتسم حسان لتواضعه ومعاملته الحسنة لهم ثم زفر على مضض قائلًا.
- الحمدلله أدينا عايشين نعافر مع الأيام عشان تعدي بسرعة.
هز هارون رأسه متفهمًا أحساسه.
- عندك حق يا عمي وياريت بتعدي دي واقفة ووجع الفراق مصعبها علينا أكتر.
رفع حسان كفيه يتدلى من إحداهما المسبحة.
- عليك بالدعاء يا أبني، أسأل ربنا يمنحك الصبر وأن شاءالله ربك يستجاب.
ثم نظر لزوجته يربت على قدمها.
- وحدي الله يا حاجة وأدعي ربنا يردها لينا سالمة لو عايشة.
جاهد نفسه لأخراج تلك الكلمات الثقال فما أشدها قسوة عليه.
- أو أدعيلها بالرحمة لو ربنا أراد وأسترد أمانته.
صرخت ميسرة بقهر.
- لا يا حسان بنتي عايشة وأن شاء الله هترجع لحضننا قريب أنا واثقة من كدا.
أومئ حسان برفق وربت على كفها.
- أن شاء الله يا حبيبتي مفيش اصدق من أحساس الأم وأكيد أحساسك بيها حقيقي وترجع لينا قريب.
تنحنح هارون كي يلفت انتباههما.
- انا عامل مفجأة صغيرة ليكم ولخالتي كمان ومفيش حد يعرف بيها حاليًا غير انا وحمدي، فا بعد أذنكم ممكن تتفضلوا معايا عشان نشوفها مع بعض.
قطبت ميسرة حاجبيها متعجبة.
- مفجأة أيه أنت لقيت سدرة ومخبي عليا صح؟!!....
زفرة هارون بقوة ثم هز رأسه بهدوء.
- ياريت يا طنط دي كانت تبقى أجمل مفجأة في الدنيا دي كلها، بس كل اللي أقدر أقوله أن المفجأة ليها علاقة بسدرة وهتفرحكم قوي.
سأله حسان بعدما غلبه فضوله.
- هى سر يعني مينفعش تقول لينا عليه دلوقتي.
أبتسم هارون ابتسامة عزبة.
- لا هى مش سر ولا حاجة بس لو قولت عليها مش هتكون مفجأة وانا بصراحة حابب أشوف رد فعلكم لما تشوفوها في وقتها.
لم تستطع ميسرة ولا حسان رفض طلب هارون أمام أصراره ورجائه لهما، وذهبا برفقته في سيارته الخاصة لكي يرى تلك المفاجأة الذي أعدها من أجل سدرة وستفرحهما كثيرًا، وبعد مدة ليست بقصيرة وجدا السيارة تعبر بهم سور ضخم يحيط بمنزل كبير وبجواره عدة أبنية صغيرة، لمحت ميسرة تلك اللافتة العريضة المعلقة على البوابة الخارجية مكتوب عليها ( دار سدرة لكفالة اليتيم وذوي الاحتياجات الخاصة) وضعت يدها على فمها تحبس شهقاتها فهى لم تكن لتتخيل أن المفاجأة بتلك الروعة، نظرت عبر المرأة الأمامية لهارون وقالت له بسعادة.
- أنت عملت دا لسدرة بجد ولا انا قريت اليافطة غلط.
توقف هارون بسيارته بعدما وصل بها أمام الباب الرئيسي للفيلا ونزل منها يفتح باب السيارة ومد يده يساعدها على النزول.
- لأ بجد يا طنط انا شغال انا وحمدي في أعداد الدار دي بقالنا أكتر من ست شهور والحمدلله النهاردة الأفتتاح بتاع الدار وطبعًا مكنش هينفع نفتتحه من غيركم لأن انا هسيب أدارة الدار لحضراتك مع عمي حسان وخالتي زهرة كمان تيدروها وتكونوا مسؤولين عنها.
نزلت عبرات ميسرة ولكن تلك المرة هى دموع فرح ونظرت له ممتنة.
- انا مش عارفة أقولك أيه غير أني أدعيلك ربنا يسترها معاك ويجازيك كل خير يارب.
أبتسم هارون وشعر بسعادة بالغة لأنه تمكن من أدخال الفرح على قلوب أتعبتها نار الفراق.
- ودعوتك دي عندي بالدنيا يا طنط، وتهون عليا أي تعب شوفته بجد.
أشار هارون لداخل المنزل وطلب منهما الدخول.
- أتفضلي من هنا أتفضل يا عم حسان.
ثم قال له.
- أكيد حضرتك موافق تمسك الدار مع طنط ميسرة.
أومئ حسان له برضا.
- إكيد يا أبني وهى دي حاجة حد يتإخر عنها، بس انا ليا طلب شغلي هنا هيكون بعد الضهر على ما معاد شغلي يخلص.
أشار هارون على أحدى الغرف.
- أتفضلوا هنا دي أوضة رئيس الدار.
ثم وجه حديثه مرة أخرى لحسان.
- طيب ممكن تاخد أجازة عشان تفضى للدار كليًا وأكيد هتاخد مرتب هنا بدل مرتبك.
هز حسان رأسه برفض.
- لأ معلش أعذرني يا هارون يا أبني انا شغلي في الدار هيكون لله وبدون مقابل وكل الحكاية الساعتين بتوع الصبح وعلى الضهر هكون هنا وميسرة والست زهرة خالتك شطار وميتخافش عليهم أكيد مش هيغلبوا في الساعتين اللي هغبهم.
أومئ هارون له ممتنًا.
- تمام يا عمي زي ما حضرتك تحب.
دخلوا ثلاثتهم لغرفة الإدارة فوجدوا زهرة تجلس خلف المكتب المتواجد بها تمسك بعض الأوراق تطالعهم بدقة وتركيز، ألقى هارون عليها التحية لكي تنتبه لهم.
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رفعت زهرة رأسها ثم نزعت نظارتها الخاصة بالقرأة ونظرت لهم فأرتسمت على وجهها ابتسامة عذبة فور رؤيتها لميسرة ونهضت برفق وهى تفتح ذراعيها تستقبلها بحفاوة.
- ميسرة أزيك يا حبيبتي عاملة ايه؟.
أقتربت منها ميسرة تضمها بحب.
- الحمدلله بخير يا مدام زهرة أزيك أنتِ عاملة ايه وصحتك أزيها.
هزت زهرة رأسها برضا.
- انا الحمدلله بخير يا حبيبتي وفي نعمة.
ثم عاتبتها بلين.
- بس أيه مدام زهرة دي هو انا عشان أكبر منك كام سنة هتعملي فرق.
نفت ميسرة بابتسامة.
- لأ يا حبيبتي مش فرق دا تقدير واحترام، وعلى العموم انا هقولك يا أم حمدي عشان سامحيني مش هقدر أقولك زهرة كدا.
أومأت لها زهرة متفهمة.
- خلاص نمشيها أم حمدي.
ثم نظرت لحسان وحيته بإيمائة.
- أزيك يا أستاذ حسان عامل أيه؟.
أبتسم لها حسان وهز رأسه برفق.
- الحمدلله بخير يا أم حمدي، الحمدلله أننا شوفناكِ بخير.
زفرت زهرة برضا.
- الحمدلله على كل حال.
ثم نظرت لهارون وفتحت ذراعيها تضمه بحنو.
- أجمل مفجأة عملتها يا حبيب قلبي انا ساعة ما حمدي جابني هنا من شوية مكنتش مصدقة نفسي.
ضمها هارون برفق يقبل كتفها بحب.
- كان نفسي أكون موجود في استقبالك وأشوف فرحتك بالدار بنفسي لكن هعمل ايه هو حمدي طول عمره كدا.
ابتعدت زهرة عنه ضاحكة ثم لكزته برفق في ذراعه.
- هههههههه طول عمره عسل وقمر كمان تقدر تنكر.
أبتسم هارون قائلا بسخرية.
- اه قمر بس أمر بالستر.
ثم نظر لخارج الغرفة.
- المهم هو فين عشان عايزة.
أومأت له زهرة تغمز بأحدى عينيها.
- راح يجيب سهيلة من المستشفى بعد ما جلستها مع الدكتور النفسي خلصت.
هز هارون رأسه متفهمًا.
- أخبارها أيه يا خالتي يا ترى مستجيبة للعلاج؟.
تنهدت زهرة براحة وهى تشيح بيدها.
- كتير كتير موضوع الدكتور ده فرق معاها وخلاها ترجع لطبيعتها تاني.
أبتسم هارون لها والتفت ناحية ميسرة حين بادرته بسؤالها الذي شعر فيه بغيرتها وحزنها لظنها أنه سيخلفها في حياته خلفًا لسدرة.
- مين سهيلة دي يا هارون؟.
أقترب منها هارون ووقف في مقابلها ونظر لها.
- دي بنت حمدي صدمها بعربيته يوم الحادثة بتاعتي وهو جاي ليا المستشفى، رمت نفسها قدام عربيته عشان تموت نفسها بس ربنا قدر ولطف الحمدلله، والدكتور طلب من حمدي أنها تروح تتعالج عند دكتور نفسي لأنها ممكن تكرر الموضوع ده تاني، وخالتي جابتها عاشت معانا عندي في القصر عشان تراعيها لغاية ما تخف وترجع طبيعية.
نظرت ميسرة بحزن وعتاب لزهرة، فشعرت بها الأخيرة من دون أن تتحدث فأقتربت منها تربت على ذراعها.
- متخافيش يا ميسرة مفيش حد هياخد مكان سدرة في حياة هارون حتى لو ملكة نزلة من السما، والبنت انا جبتها لأنها غلبانة والدنيا جاية عليها بزيادة وانا لا يمكن كنت اسيبها وقررت اساعدها لأني أعتبرتها بنتي ربنا يعفو عنها ويشفيها.
أومأت لها زهرة بابتسامة وعيناها تلمع بالعبرات ثم نظرت لهارون الذي وجدته يبتسم لها بحنو.
- بنات الدنيا كلها ميملوش عيني لأني مش شايف ولا هشوف غير سدرة وبس.
نزلت دموع ميسرة وهزت رأسها برفض.
- انا لو حاسه أن سدرة لا قدر الله ماتت مكنتش هزعل لأن دا من حقك بس احساسي بيها أنها عايشة بس معرفش هى فين ولا أيه اللي حايشها عني، ولو رجعت ولقيت في غيرها في حياتك هتتجرح قوي يا هارون دي حبيتك أكتر من نفسها.
زفر هارون بحزن.
- وانا كمان حبيتها أكتر من حياتي ولا يمكن غيرها يدخل حياتي، وأن شاءالله سدرة عايشة وهترجع لينا وقريب.
في سيارة حمدي جلست سهيلة بجواره شاردة تنظر من زجاج السيارة لا تعي لنظرات حمدي المتابعة لها وعندما وجدها غير مبالية له ولا بأحساسه الذي تكون داخله ناحيتها، في بداية الأمر ظن أنه مجرد شفقة عليها لما تمر به من ظروف غامضة دمرتها نفسيًا جعلتها تقرر أنهاء حياتها في لحظة يأس تملكتها لكنه تيقن بعد ذلك من شعوره بالأنجذاب ناحيتها وسعادته برؤيتها وخفقان قلبه الذي لم يشعر به سابقًا حتى مع سدرة فكان إحساسه بها مختلفًا عن سهيلة فهى جعلته يتمنى قربها في كل وقت أما إحساسه بسدرة كان خوف عليها وشفقة على ما مرت به ليس أكثر، لذا قرر وضع حد لحيرته والتأكد ما أن كانت تبادله نفس شعوره أم أنه يتوهم ذلك، أوقف حمدي السيارة بجوار الممشى الحجري بجوار النهر مما جعل سهيلة تنظر له متسائلة عن سبب توقفه، نظرت له وقالت برقتها المعهودة.
- حضرتك وقفت ليه يا أستاذ حمدي؟.
أنتفخ داخل حمدي بالغيظ لوضعها دائمًا حاجز بينهما.
- سهيلة ممكن تبصيلي.
رفعت سهيلة عسلتيها اللامعة تنظر له وسرعان ما أخفضت نظراتها أرضًا.
- في حاجة انا عملت حاجة؟.
نقر حمدي بأصابعه على عجلة القيادة.
- اه فيه، في أني معجب بيكِ ومش بس كدا لأ انا كمان بحبك.
أتسعت عين سهيلة بفزع وأمسكت بقفل الباب تفتحه لتخرج من السيارة لكنها وجدته مغلقًا فتوسلت لحمدي وهى تبكي.
- أفتح الباب أرجوك يا حمدي بيه، أرجوك ..... أرجوك.
تعجب حمدي من رد فعلها على ما قاله فسألها.
- في أيه يا سهيلة هو انا قولت أيه يخليكِ تنهاري كدا؟.
هزت سهيلة رأسها بخوف.
- لأ انا منفعش صدقني منفعش شوف ليك واحدة غيري، نزلني وخليني أمشي وأنساني أرجوك دا عشانك مش عشاني.
شعر حمدي أن هناك ما يؤرقها وجعلها تعاني هكذا لذا أمسك معصمها ونظر في عينيها بقوة.
- ليه رميتي نفسك قدام عربيتي وكنتِ عايزة تموتي نفسك؟.
ثم أشار له بسبابة يده الأخرى.
- ويكون في علمك مش همشي بالعربية ولا هسيبك غير ما تحكي ليا كل حاجة، وكمان عايز أقولك أن مهما قولتي وحكيتي ليا انا مش هغير رأيي اللي قولته من شوية وأوعدك أن هيفضل سر ما بينا.
تجرعت سهيلة ريقها بصعوبة وهى ترتعش فطمأنها حمدي وهو يربت على كفها بين يديه.
- متخافيش يا حبيبتي انا مهما سمعت مش هيأثر على أحساسي بيكِ.
زفرت سهيلة ثم نظرت له بعد أن أعطاها دفعة قوية جعلتها تطمئن فقالت بخوف.
- أاااااا........ ان.........انا قتلت واحد.
جحظت عين حمدي بدهشة.
- قتلتي دا بجد؟.
أومأت له بحزن وعبراتها تنساب.
- أيوه قتلته لأنه يستاهل القتل، هههههو .....هو أقنعني أنه بيحبني ولما صدقته حاول يتعدى عليا ويغتصبني فقمت قتلاه وهربت ولما فوقت من الصدمة قررت أموت نفسي عشان مشيلش أمي همي كفاية عليها هم أخواتي الأيتام اللي بتشقى عشان تربيهم.
ترك حمدي يدها ولحف وجهه بيديه ثم مسح عليه ونظر لها يسألها.
- أسمه أيه الحقير ده وفين عنوانه؟.
أتسعت عين سهيلة بخوف.
- عايزة ليه أنت قولت ليا هيفضل سر ما بينا.
ربت حمدي على كفها يطمأنها.
- متخافيش انا بس هسأل واشوف هو مات فعلا ولا لأ، ولو مات انا هقف معاكي وهخلي المحامي بتاع شركتنا يترافع عنك ويخرجك منها دفاع عن النفس.
هز سهيلة رأسها بخوف.
- أرجوك يا حمدي بيه بلاش انا خايفة انا ممكن أتعدم.
أبتسم حمدي لها وطمأنها.
- متخافيش يا حبيبتي قولتلك انا مش هسيبك وهفضل وراكِ لغاية ما أطلعك منها.
أومأت له سهيلة بعدما شعرت ببعض الطمأنينة.
- هو أسمه شريف وساكن في جليم.
زوى حاجبيه مستفسرًا.
- جليم في اسكندرية صح؟.
زفرت سهيلة بقوة.
- أه في اسكندرية.
أبتسم حمدي لها وأومئ لها برفق.
- تمام انا هبعت بكرة اللي يتقصى ليا عن كله حاجة عن شريف ده ويشوفه مات فعلا ولا لأ، ومش عايزك تقلقي.
أبتسمت له سهيلة ابتسامة بسيطة لم تتعدى شفتيها ثم أغمضت عينيها تدعو الله في سرها أن يمر الأمر على خير، وضع حمدي نظارته الشمسية وقاد السيارة لدار الأيتام حيث ينتظره هارون والبقية.