رواية الجزار الفصل الخامس5 بقلم حسن الجندي


 

رواية الجزار الفصل الخامس بقلم حسن الجندي

والمباحث، والشرطة المنتشرين في كل موضع سمع نحيبا يأتي من إحدى الغرف في الطابق السفلي فاقترب ليجد طفلة صغيرة السن، وفتاة لم تتعد مرحلة المراهقة تبكيان بحرقة في أحضان أمهما التي أغمضت عينيها، والدموع تذرف منها ببطء. دخل الغرفة، واقترب منهم وهو يواسيهم، ويطلب من الأم أن يسألها بعض الأسئلة، فانفجرت فيه الأم غاضبة، قائلة

إن الجميع يستجوبها هي وأطفالها منذ ساعات.

- " أنا لست تابعا للشرطة أو المباحث يا سيدتي، ولن أثقل

عليك في الأسئلة. أما لو كانت أعصابك لا تتحمل الآن فلا

مشكلة، وعزائي لك في الفقيد." سكنت الأم كأنها تفكر، ثم قالت بعنف:

- " ما هي الأسئلة ؟ "

- " كيف اكتشفت ما حدث؟"

عندما اندهشنا من تأخر زوجي عن اللحاق بنا لبلدته،

كنا على اتصال دائم بهاتفه المحمول وهاتف المنزل بلا إجابة

ثم في النهاية اتصلنا اليوم صباحا بمكتبه، فعرفنا أنه لم يصل بعد.

زوجي هو من يقود سيارته كل يوم من وإلى مكتبه، ولذلك

فقد قررت أن أعود مرة أخرى اليوم وعندما .. وعندما .. "
بدأت الأم تأخذ شهقات متقطعة، وهي تحاول أن تكمل فلم تستطع فلحقها (سامح) بسؤال آخر، كي لا ينال عليها...

- " متى سافرتم البلدة، ولماذا لم يسافر معكم المرحوم ؟"

- " أمس عاد (عمر) مبكراً بعد العصر، وطلب منا أن

نجمع ملابسا تكفي يومين كي نذهب جميعا للبلد الزيارة أقاربه. كان طلبا غريبا عليه، فليس من عادتنا أن نذهب البلدته هكذا في أي وقت وبقرار مفاجئ بسبب عمله، ولكن بعد أن جهزنا الحقائب اتصل بأحد السائقين، الذين يعملون معه، وجاء بسيارته كي يذهب بنا إلى البلدة، وقال هو إنه سيتأخر الليلة حتى ينهي مأمورية، ويقوم باللحاق بنا هناك، وكل تلك القرارات ليست من عادة زوجي، فهو لا يسمح بأن نسافر لأي مكان بدونه.

- " متى اكتشفتم الحادث ؟ "

- " حوالي الثالثة والنصف من عصر اليوم، وقد قمت أنا

بإبلاغ الشرطة بسرعة."

- " شكرا لك يا سيدتي ."

غادر (سامح) الغرفة وهو ينظر حوله جيدا ، كي لا يتعثر

في عمل رجال المعمل الجنائي، وظل عقله يرتب بعض الأشياء،
ويتذكر عندما اتصل به حسن المهدي على هاتفه، وهو يكلمه بصوت عال غاضب قائلا له إن العميد (عمر) قتل. كانت صدمة لسامح، لكنه تمالك نفسه بسرعة، وهو يستقل سيارته، ويسرع إلى العنوان الذي أعطاه له (حسن)، وهو يفكر في العميد (عمر)، والسر الذي كان يحتفظ. لقد كان هو على القائمة التالية، وقد حاول أن يخفي هذا.. لماذا اتصل (حسن) به هو ليبلغه بتلك السرعة؟

عندما صعد (سامح) للطابق الثاني، وجد (حسن) يقف يتكلم مع مجموعة من ضباط الشرطة بعصبية، فألقى عليهم السلام، فنظر الجميع له بدهشة، وهم أحدهم أن يسأله بغلظة عن هويته، فقال (حسن) بسرعة إنه من جهاز المخابرات ومكلف بالتحقيق في القضية منذ مدة، ثم أخذه جانبا، فقال له

(سامح)

- " أوصلني إلى الجنة."

سار (حسن) و (سامح) يتبعه، حتى توقف (حسن) عند

غرفة يتجمع الرجال حولها، يرفعون البصمات، ويلتقطون

الصور، فدخلها (سامح) بهدوء، وهو يشم رائحة نتنة لا يعرف

من أين مصدرها وفجأة.. انفرجت شفتاه لا إراديا وهو

يشهق..

غرفة واسعة.. ذات شرفة كبيرة مغلقة.. وفراش كبير، وخزانة ملابس عالية. كانت مخصصة للنوم، ولكن يبدو أنها مخصصة للضيوف، لأن أثاثها غير متناسق، بمعنى أن الفراش من نوع، والخزانة من نوع، وحتى المقاعد في الغرفة من نوع آخر... مطلية بطلاء أبيض، قد بدأ يتحول للأصفر بفعل السنين. أما ما شاهده بعد ذلك فهو ما جعله يطلق تلك الشهقة

(عمر) نائم على ظهره، مغمض العينين، والدماء عملاً

الفراش، ورأسه.. رأسه بها انبعاج غريب عند جبهته على

طرف الفراش شيء غريب مليء بالدماء !! اقترب (سامح) من بين الرجال بحذر، ومعالم الجثة تظهر بوضوح.. الشيء الملقى على ظرف الفراش هو قطعة من جمجمة (عمر)، وانبعاج جبهته بسبب ب أن الجلد يغطي فراغ الجمجمة، لأن المخ مأخوذ منها، والجزء العلوي هو من الجمجمة المكسورة، والتي رميت القطعة المكسورة منها على طرف الفراش الغرفة منظمة ومرتبة، ولا تدل الآثار على وجود مقاومة من (عمر). توقف (سامح) أمام الفراش، ونظر للحائط الذي يعلوه، وقد كتب عليه بالدماء...

إذا انتصر عقلي على ضميري، فانا لا أستحقه

نفس نوع الخط في جميع الجرائم السابقة. هنا جاءت عبارة

سريعة في عقله ..

وإن كنت لا تصدق أنني أنا من تطلق عليه لقب الجزار فسأعطيك دليلاً. يوم الثلاثاء ليلا، سأشبع جوعي من جديد.. ساكل قطعة جميلة من رأس أحدهم.. سأشبع جوعي مرة أخرى، وبرأس هذا الرجل الذي حلمت كثيرا أن اكل رأسه، وأتذوق ذلك الطعم اللذيذ الخلاب، الذي يدغدغ

معدني مع كل قضمة.

...

صدق الجزار .. لقد أخذ رأسه، وها هو يكمل جرائمه بدون أن يوقفه أحد. اقترب أحدهم من الجثة فجأة، وهو يلتقط لها صورة عند اليدين، فاستأذته (سامح) وقال له:

- " أسف، ولكن هل المجني عليه تم ربطه بحبل، أو نقل

جثته من مكان للفراش؟"

‏ يا سيدي.. المجني عليه كان على هذا الفراش منذ

 بداية ما حدث."

- " وماذا حدث؟"

- " أعطاه القاتل جرعة مخدرة في ذراعه اليمنى، ثم قطع جلد رأسه من الخلف، واستخدم منشارا معدنيا دقيقا في نشر

الجمجمة بطريقة دائرية، ثم أخرج المخ، ونقله إلى الدور
الأرضي، حيث يوجد المطبخ، وطبخه ببعض التوابل، ثم قام بتحمير قطعة منه وأكلها، وعاد للجثة مرة أخرى، وكتب الكلمات على الحائط، ووضع ورقة في يد الجثة، ثم غادر ."

- " أي ورقة؟"

- " ورقة كتب عليها بضع عبارات بخط صغير. "

- " وأين هي ؟"

- " ستجدها في حرز دكتور عدلي الآن

‏WW‏

قال الرجل آخر عبارة، ثم اعتدل للجثة مرة أخرى، وأكمل التصوير. أخذ (سامح) يسأل عن دكتور (عدلي)، حتى وجده يضع ورقة ما، خط عليها رقم بجانب طبق في المطبخ، فاستأذنه بأن يرى الورقة، التي كان القتيل يقبض عليها. في البداية، رفض الدكتور بشدة، ولكن عندما عرف هوية (سامح) شعر بخطورة الأمر، فهو لم يتوقع دخول أي من أفراد جهاز المخابرات في الموضوع، ولذلك فقد أعطاه الورقة بعد أن أحضرها من أحد مساعديه. كانت الورقة مفرودة داخل كيس بلاستيكي، فأمسك الكيس، وأمكنه قراءة الكلمات داخل الورقة بصعوبة، بعد أن عدل وضع نظارته على أنفه: لن يوقفني أحد يا رجل الدائرة قاربت على الاكتمال، أما أنت فخارجها، وليس لك ذنب مثلهم. حارا : الابتعاد عني لأنك تبحث عن رجل ميت فلو وصلت لي ستجدني شبحا. عد العالمك مرة أخرى، فأنا أحترمك، فلا تضيع هذا الاحترام.

رفع (سامح رأسه عن الورقة، وهو يقول في داخله:" تلك الرسالة لشخص معين، وأنا عرفت هوية هذا الشخص الآن "!!!!! إنه أنا

هم ستة أطفال، تتراوح أعمارهم ما بين السابعة والثامنة، عائلاتهم تربطها صداقة من نوع خاص. عندما تجد نفسك فجأة تزور كل يوم شخص ما في المنزل المجاور. ثم تجد زوجتك أصبحت تتبادل التهاني مع زوجة هذا الشخص، ثم بمرور الشهور تجد نفسك فجأة تجلس معه كل يوم أنت وزوجتك وأطفالك، وفي المقابل هو وزوجته وأطفاله يزورونكم يوميا... هذه هي الصلة التي نشأت بين أهالي هؤلاء الأطفال، وهي صلة تجمع بين الجيره والصداقة تلونها تلك الأجواء القديمة الدافئة، التي مازالت تترارت بين الأهل في الكثير من المناطق الشعبية

حتى الان.

كان حد الأمانمال يمسك كرة صغيرة ملونة، وهو يتحدث

مع الباني، شارحا لهم إحدى الألعاب الجديدة بلهفة، ومنهم

لق الأسئلة عن طريقة اللعب، ومنهم من تظهر الحماسة

على وجهه. وبعد أن انتهى من الشرح وقف اثنان من الأطفال في نهاية الشارع، ووقف أحدهم عند منتصف الشارع وهو يحمل الكرة الصغيرة، والباقي حاولوا الاختباء في شوارع جانبية أخرى، وفجأة سمع الجميع صوتا يصيح من أحد العمارات

لأحد الأطفال:

" ماذا تفعل يا (أحمد)؟ اخرج من ذلك المنزل. "

توقف الأطفال عن اللعب بسرعة، وهم ينظرون لهذا الشخص الذي كان والد أحدهم، ثم اختفى الرجل من الشرفة، وظهر وهو يخرج سريعا من منزله، ويتجه لهذا الطفل، الذي يقف أمام أحد العمارات التي لم يكتمل بناؤها. أمسك به وهو ينهره، ويحذر الجميع من الاقتراب من تلك العمارة مرة ويحذر الجميع من الاقتراب من :

أخرى.

أ

خرج على هذا الصوت والد أحدا الأطفال، وهو يستفسر من الرحل، الذي يبدو أنه يعرفه عما يحدث، فقال له الرجل بأن أحدهم يحاول الدخول المنزل (آدم)، ففزع الرجل الآخر أيضا، وتغيرت ملامحه وهو ينهر الأطفال، الذين تجمعوا حوله بشدة، ويأمرهم أن يصعد كل منهم الآن لمنزله، ثم قال كلمة للرجل الآخر، ووافقه الرجل هزة من رأسه، وتبعه وهو يتجه

لأحد المنازل.
كانت جلسة بين مجموعة من الرجال، هم آباء الأطفال الذين كانوا يلعبون منذ قليل في الشارع، وصعدوا لمنازلهم، وكان الرجل الذي نهرهم يتواجد بين هؤلاء الرجال، وهو الذي يتكلم، وهو يمسك بكوب من الشاي. - " يجب ألا ننكر موضوع منزل (آدم).

ارتسمت نظرة الدهشة على الوجوه من جراء فتح هذا الموضوع بالذات، وبخاصة أن هذا الرجل هو الذي قام بالاتصال بهم لأجل أمر هام؛ ولكن الرجل أكمل قائلا بجدية:

- " اليوم وجدت بالصدفة (أحمد) ابن الأستاذ (علي) يحاول الدخول المنزل (آدم) وهو يلعب مع أطفالي وأطفالكم ولكني نهرته في آخر لحظة، و(حامد) شاهد ذلك، وأبدى

اعتراضه أيضا."

نظر الجميع لبعضهم وملامح قلقة تظهر عليهم، ثم قال

أحدهم:

- " (آدم)! هل عدنا لتلك الخرافات مرة أخرى؟"

عاجله أحدهم بغضب:

- " لا يا (محمد).. لا أتفق معك في كلامك، فأنا شاهدت

تلك الأشياء أيضا منذ شهور."

" أعرف أن ذلك الموضوع بدأ بمجموعة حكايات

وتخاريف بعد موت الذي يدعى (آدم) في المصحة العقلية، بعد وفاة زوجته وطفلته في حادثة غامضة، كان الموضوع في البداية بالفعل عبارة عن حكايات تنتشر بوجود روح الزوجة والطفلة في الشقة تحوم بعد موتهم، ولكن لم يظهر شيء، أما أنه منذ شهور تبدأ بعض الأشياء الغريبة في الظهور، فذلك حقيقي بالفعل.. أضواء حمراء تضيء وتنطفئ بالقرب من نوافذ الشقة.. أصوات بكاء تأتي من الشقة في ليال كثيرة.. وكلنا سمعنا أصوات البكاء والنحيب خرفشات وكأن أحدهم يحتك بجدار النوافذ، وبعض الطرقات على النوافذ. وعندما يصعد أحدهم، ويفتح الشقة بجانب مالك العمارة، يجد بعض الصناديق القديمة المعبأة يخلفها التراب، وبعض الأثاث القسم كما هو، مثلما أصر أهل (آدم) بطريقة ودية مع مالك العمارة، على أن يدفعوا الإيجار شهريا، مقابل ترك الشقة كما هي،

لينتفعوا بها في المستقبل في زواج أحد أقربائهم.

يقول الجميع إنهم يشاهدون أفعالا غريبة تحدث في الشقة كل ليلة.. هناك من قال إنه سمع ضحكة لرجل أو لطفل وهناك من أقسم أنه سمع بكاء طفلة صغيرة. أنا متأكد مما رأيت فقد رافقت بعض رجال الشارع في مرة أثناء فتحهم للشقة. كان الجميع يقرأ آيات من القرآن، ويبسمل، ويذكر

الأدعية بصوت خفيض عند الدخول. فتشنا الغرف، ولم نجد أحد.. العمارة بالكامل لم تسكن بها ولا شقة حتى الآن، ومن كتبوا العقود للإيجار تخلوا عنها، ولم يحضر أحد لاستلام الشقة

ومن حضر وسمع تلك الأصوات، رحل بعد أيام."

قال أحد الرجال موجها سؤاله للرجل الذي كان يتحدث

منذ قليل قائلا:

- " مسكونة؟"

- " لا إجابة على تلك الأسئلة، لأني لا أعرف لها إجابة. ولكن أشعر بالخطر على أولادي، ولا أعرف السبب. وتلك الشقة تثير الاشمئزاز في نفسي، فلا يقنعني أحدكم أنني فقط من

أشعر بهذا."

نظر الكل له، والصمت هو السيد بينهم، ثم قال أحدهم

الهدوء

أشباح . من ماتوا، لماذا عادوا في ذلك الوقت

بالذات ؟" ‏

رد أحدهم بهدوء مماثل :

- " ربما عادوا لهدف ما، وعندما سينتهي هذا الهدف،

سيختفوا مرة أخرى."
الصمت.. الضيف الثالث الذي يجلس بين (سامح) و (حسن) على تلك المنضدة الصغيرة في إحدى الكافيتريات على النيل (سامح) صب لنفسه كوب من الماء من الزجاجة الموضوعة أمامه، وأخذ يشرب من الكوب وهو ينظر الحسن الذي ظهر على وجهه التوتر، برغم أنه حاول أن يتمالك أعصابه، ويظهر الصلابة على وجهه. لقد فهم (سامح) لماذا اتصل به (حسن) عند موت (عمر).. لقد كان (عمر) الأب الروحي والمرشد الحسن، والذي -بمجرد موته - فقد ذلك المرشد الذي يوجهه للطريق الصحيح. لكن هذا ليس سبب وجيه كي يلجأ إليه بهذا الشكل إلا إذا كان يشعر بالخوف من شيء بعد موت (عمر).. وهو يعرف أن (عمر) يشارك أسرارا مع (حسن) بخصوص القضية، وبالتالي عندما يموت (عمر)، فهذا يعني أن الذي يحمل الأسرار الآن هو (حسن). - " أنت المرشح التالي."

اتسعت عينا (حسن) انبهارا، وكأن العبارة نزلت عليه كالصاعقة، وهو ينظر لسامح، الذي لاذ بالصمت بعد أن ألقى العبارة. بلع (حسن) ريقه وهو يقول: - " ماذا تقول يا سيد (سامح)؟

- " ما سمعت ."

" مرشح لماذا؟"

- " أنت تعرف."

قد توصل (سامح) لاستنتاج غريب، أخذه بالطريقة التي لا يتعامل بها في عمله. هو بدأ يحلل كل ما ورد له من دلائل على القضايا، ثم وجد حلقات ناقصة، لا يمكنه الوصول لها، فقام هو بإضافتها من خلال استنتاج تخيلي.. هؤلاء الرجال تجمعهم صلة واحدة عملهم ومعرفتهم الشديدة ببعض، اثنان من المخيرين، والباقي من الضباط، لا يجمعهم السن، لا تجمعهم صداقة قبل العمل، لكن يجمعهم إثم ارتكبوه قديما. (عمر) حاول إخفاء جزء من ملف (علي)، وهذا يعني أنه لا يريده التوصل الحادثة معينة في ملفه.. وفجأة، يموت (عمر) أيضا، وبطريقة غريبة كما قال رجال المباحث الجنائية حيث إن الأبواب مفتوحة، وهذه ليست طريقة الجزار في الخروج، أن يترك الأبواب مفتوحة، وهذا يرجع احتمال فتح عمر نفسه للأبواب، والغرفة التي كان ينام فيها، لم تكن غرفته، ولم يتم من قبل، بل هي مخصصة للضيوف، ولكن لماذا ينام فيها الليلة بالذات، ولماذا يرسل عائلته على غير عادته - إلى فيها . بلدته، ويتعلل بحجة غير صحيحة مثل موضوع المأمورية هذا. كل تلك الدلائل غريبة، وكأنه كان ينتظر الجزار الليلة.. وكل هذا يتوافق مع كلمات الرسالة التي نشرت اليوم صباحا من خلال رسالة الجزار التي يقول فيها إنه تعرض لموقف بالفعل
منذ مدة، وهو قد عاد مرة أخرى للانتقام.. بقى استنتاج يجب أن يضعه في الحسبان.. أن (حسن) اشترك مع من ماتوا في الحادثة، التي جعلت الجزار يعود مرة أخرى.. استنتاج يحتاج المزيد من الدلائل، ولكنه استنتاج تخيلي قائم على الحدس.. وفي عالمه الحدس والخيال هما السيد في كثير من المواقف.

- " كلامك غير صحيح يا سيد (سامح)." 

- " اسمع يا (حسن).. أريد أن أمنع هذا القاتل، ولكن العميد (عمر) رحمه الله كان يبطئ خطواتي، وها هو الآن في ذمة الله، فلا وقت لدينا للكثير من اللهو، فقد بقى أسبوع على

الضربة القادمة."

حاول (حسن) المحافظة على هدوئه أمام عبارات (سامح)؛ ولكنه فشل فأصبح يحرك قدميه بقليل، ويهزهما، و(سامح)

يقول وهو يضيق عينيه:

- " لقد عاد لكم من جديد، ولكن هذه المرة أقوى من المرة السابقة.. هل تتذكرها؟"

جفت شفتاه تماما وهو ينظر لسامح، ويحاول بلع ريقه مرة

أخرى، ويشعر بالعجز (سامح) قد أخذ قراره بمحاصرة

(حسن) بالفعل، ولكن بطريقته الكلاسيكية، والتي تجعله يظهر

الحسن بمظهر العارف بالحقيقة، ولا يبالي به إن اعترف أو أنكر.
الخميس ٢٦ / ١١ / ٢٠٠٩

جلس (سامح) في ذلك الصباح أمام مكتبه في الجهاز، وهو ينهي كتابة تقرير خاص بأحد العمليات، ليسلمه في اجتماع اليوم بعد الظهر، ثم قام ببعض الأمور المكتبية، ورفع السماعة، وطلب عامل البوفيه الذي جاء، فطلب منه كوبا من الشاي وجرائد اليوم. غاب العامل ربع ساعة، وأتى بكوب الشاي والجرائد، فأخذ (سامح) يرشف من الكوب وهو يبحث بين الجرائد عن جريدة (......) كي يتأكد من مقال (سالم)، وبالفعل وجد مانشيت المقال يحتل جزء ضخما من الصفحة الأولى للجريدة، ويتكلم عن حادثة قتل الضابط، التي نفذها الجزار كما قال في رسالته لم يتعجب (سامح)، لأنه كان يعلم عن قدرة (سالم) على أخذ المعلومات مقابل مبلغ مالي من داخل الشرطة، وقد اتفق معه في آخر لقاء أنه لن يمنعه، مقابل أن يطلعه على رسالة الجزار القادمة قبل نشرها، وفي نفس الوقت إذا طلب منه تعديل أي جزء من التفاصيل التي تنشر يعدلها .. تلك الفكرة ابتدعها ليمكنه إرسال رسائل للجزار بسهولة، لأنه بالتأكيد يقرأ الجريدة، ليتابع نتاج عمله. بعد أن قرأ التحقيق بالكامل، والذي كان هذه المرة بدون صور، وجد

أن لهجة الاستهزاء بالدوائر الأمنية قلت في طريقه كتابة (سالم)، مما سيدخل الشك في قلب الجزار بصلته بجهة أمنية... يجب تنبيهه لذلك بسرعة، وفي نفس الوقت بدء إرسال الرسائل للجزار عن طريق التحقيقات كي يحاول الكشف عن

معلومات أكثر تخصه.

فكر (سامح) في فكرة، خطرت بباله فجأة، يمكنه بطرق معينة أن يحصل على ملف (حسن). لو طلب رسميا الوصول لملف ضابط بمباحث أمن الدولة، فسيتحول الموضوع الحرب بين الجهات الأمنية. يمكنه أن يحول الموضوع لتحقيق رسمي لكثير من الضباط، ولكنه بذلك سينشر البلبلة.. طريقته في

إحضار الملف ستغنيه عن تلك . ستغنيه عن تلك المشاكل.

أمسك هاتفه المحمول، وقام بالاتصال برقم ما، وهو ينوي لا يحصل على الملف بأسرع ما يمكن.

(الساعة ٢:٤٠ مساء)


قاعة السينما تغرق في الظلام، وفيلم رومانسي يعرض على

الشاشة الكبيرة، والجميع يتابعه بتركيز. وسط المشاهدين

جلست (مریم)، وبجانبها (حسن) يشاهدان الفيلم.. (حسن)

يجلس جامد الملامح، وهو ينظر لشاشة العرض متنفسا بعمق وبطء، أما (مريم) فهي الأخرى كانت تلاحظ ذلك من بداية الفيلم، ولكنها حاولت أكثر من مرة أن تجر قدميه، ليتحدث معها عن الفيلم، ولكنه يبتسم ويتظاهر بأنه يفهم ما تقوله، ويهز رأسه ولكن الحقيقة أن وجهه قد انطبع عليه الغضب منذ بداية عرض الفيلم. أخذت (مريم) قراراها لتخرجه من صمته، فقالت له هامسة

- " الفيلم أصبح مملا، لما لا تخرج الآن لتدعوني على وجبة

دسمة.. أم أنك ستهرب مني؟" لم يفهم (حسن) دعابتها، فقام من مقعده، وقامت هي وراءه، وخرجا من قاعة السينما المظلمة لشمس أحد شوارع وسط البلد. ظل هو صامتا، وهي تنظر له بشفقة، تفكر كيف تخرجه من صمته.. ظلا هكذا إلى أن دخلا مطعما شهيرا، وجلسا إلى منضدة بجانب إحدى الشرفات، فقالت (مريم) بسرعة

- " لن تتركني اليوم، قبل أن تحكي لي ما يجعلك شريدا هكذا. "

نظر لها لأول وهلة بدهشة، ثم كور شفتيه، ونفخ بحرقة، وقال:

لا يوجد ما أقوله."

قالت هي بعناد طفولي:

- " بل ستقول.. هذه أول مرة تخرج فيها منذ زمن، وأراك

بهذا الشكل، وتريد مني السكوت، وأن أرسم ابتسامة على

ضعه؟"

2

فجأة اشتعل الغضب في عيني (حسن)، وانفلت الجام

أعصابه، وقال بصوت عال غاضبا:

- " قلت لك لن أتكلم يا (بتول)."

فتحت (مريم) فمها مندهشة، وهي تقول بحذر:

- " (بتول) !!!! من هي (بتول) هذه؟"

انه قال بتول).. ياللهول زاغت عينا (حسن)، وهو يسترجع جملته الأخيرة، ويتذكر ما الذي جعله ينطق هذا الاسم؟ شعر بمرارة في حلقه، فأشاح بوجهه عنها وهي تنظر له

بدهشة.. مرت فترة، ثم قال هو بأسف:

- " لم أقصد أن أحدثك بتلك اللهجة، ولكن ظروف

العمل شغلت بالي الفترة الأخيرة."

وكأنها لم تسمع عبارته الأخيرة، كررت سؤالها بصرامة هذه المرة
من هي (تول) يا (حسن) ؟"

بلع ريقه وقال:

. " اسم فتاة عرفتها منذ سنين."

- " وأين هي الآن؟"

ارتسمت على وجهه ضحكة ساخرة، وهو ينظر للأرض،

وقال:

- " هي في القبر الآن."

صدمت (مريم) من وقع العبارة، ولكن أخرجهما من الصمت الصادم النادل عندما وقف بجانبهما، فطلب (حسن)

الغداء، في حين لم تتكلم (مريم).

أحس (حسن) بأن عليه أن يعيد الثقة المريم مرة أخرى،

بإشراكها في أي أمر هام في حياته، فقال لها بحزن:

- " أصدقائي الا الأعزاء قتلوا." ‏a‏

شهقت (مريم) وهي تضع يديها على فمها، فأكمل (حسن)

- " منذ أسبوعين قتل (علي)، وأول أمس قتلى العميد (عمر)، الذي كان يرعاني كوالدي، لذلك كنت أتأخر عليك

و دائما في حالة شرود.. "

قربت (مريم) يدها من يد (حسن)، وربنت عليها بحنان

وهي تقول بأسف:

- " أعتذر عندما كنت أتذمر كل تلك المدة، وأنت

تتحملني.. أرجو أن تسامحني."

ابتسم (حسن) لهدوئها، وهز رأسه، وقال: 2

- " أنا لم أغضب منك لحظة واحدة يا حبيبتي."

ابتسمت له، ولكنها فجأة قالت بجدية مستفسرة:

" كيف قتلوا، ولماذا ؟ "

ماذا يقول؟ وخاصة أنه لم يكن يقصد أن تعرف هي التفاصيل، فهو أراد فقط أن يلهي عقلها، ويشغلها. لكن القدر أنقذه، عندما رن جرس هاتفه المحمول، فاستأذنها في الرد. كان

في شرطة الآداب، يتكلم . صديق له : معه بحزن.

- " ما أخبارك يا (حسن)؟ أنا (عادل عبد الرحمن)."

- " الحمد لله.. اشتقت لك يا رجل، ما كل تلك الغيبة؟"

- " (حسن).. عندي لك خبر سيء حدث صباح اليوم."
صديقنا (جلال).. وجدته والدته في غرفته منتحرا،

وقد شنق نفسه."

انفتح فم (حسن) مذهولا، وقال بكلمات متقطعة خائفة: - " هل تقصد (جلال) معز)، الذي نقل من مباحث أمن

الدولة لشرطة الآداب عندكم منذ عام؟"

- " نعم هو "

هب (حسن) واقفا وهو يصرخ:

(الساعة ٥:٢٣ مساء)

هذا هو الملف إذا .. أمسك سامح) بالملف بيديه، وهو يتأمله، ثم يفتحه، ويطالع تفاصيله بدقة. لقد أحضره في مدة لا تزيد عن ثماني ساعات بعد أن طلب إحضار الملف بطريقة ودية، بدون رسميات، مع وعد بعودة الملف مرة أخرى بعد ثلاث ساعات من استلامه إياه كان مازال جالسا داخل مكتبه في الجهاز، وهو يفتح الملف، وبجانبه ورقته المشهورة التي يدون بها الأفكار، ويمزقها بدقة. اليوم صباحا توصل لاستنتاج بسيط، كان قد ادخره عندما يحصل على أحد الملفات.. الاستنتاج بسيط، وهو أن الجزار يلتهم أعضاء من آذوه منذ مدة، وذلك الالتهام هو تمثيل بهم، لإشباع رغبة الانتقام لديه، ولكن الوحيد الذي لم يأكل أعضاءه بعد أن قطعها هو (صابر). والطبيب النفسي أكد له أن الجزار لم يأكل تلك الأعضاء، كمكافئة له على شيء فعله ( صابر )، أي أن (صابر) فعل شيئا ما، دل على حسن نية بعد ذلك، وهذه هي المكافأة. بمراجعة تاريخ عمل (صابر) يتضح أنه سوى معاشه فجأة، بدون أسباب واضحة، وافتتح بقالة تحت منزله من هذا الذي ينهي معاشه في سن مبكر من مهنة يعتبرها البعض كترا من الاحترام والشهرة؟! لقد سوى معاشه، وابتعد تكفيرا له عن ذنبه، وبذلك عندما تحدد التاريخ الذي سوى معاشه فيه تعرف أنه حدث بعد الحادثة تماما، وقد سوى معاشه منذ شهر أغسطس، أي أن الحادثة حدثت قبلها، وبالتالي فالملف الخاص بـ (علي) كان سيدله على القضايا التي اشترك فيها في تلك الفترة. وبعد نقصان أوراق من الملف، حان وقت ملف

(حسن)، وبالتالي فسامح يعرف ما يبحث عنه.

- " (آدم محمد عبد الرحمن) "

قالها بنبرات بطيئة، وهو يرفع الورق، ويقربه لعينه أكثر ... إذا قاسم (آدم) موجود في إحدى القضايا، ولكن يقول الملف إنه اسم انتحله أحد المحرمين السابقين، ليدير عملية إرهابية التفجير ملهى ليلى.. هل هو اسم مستعار ؟.. ولكن الأوراق تقول إنه تم القبض عليه. نظر بسرعة لتاريخ القبض على المتهم، ثم رفع سماعة تليفونه وطلب من عامل الهاتف إيصاله بحجرة معينة، فاتصل بها، فقال له إنه يريد نسخة من جريدة )............ وجريدة ............) وجريدة )........( وجريدة (..........) وجريدة (..............) من تاريخ (١٥ / ١٢ / ٢٠٠٧) إلى (۳۱ / ١٢ / ٢٠٠٧).

بعد ربع ساعة سمع دقات على الباب، فأعطى الإذن بالدخول، ليدخل شاب طويل، وهو يحمل قرص ليزر، ويعطيه لسامح، ومعه ورقة باستلامه القرص، واحتواء المعلومات فأخذ (سامح) القرص، وأمسك الورقة، ووقع إمضاءه عليها، وأعطاها للشاب شاكرا إياه، ثم وضع القرص في الحاسب الآلي الشخصي، وبدأ يتصفح الأخبار.

في البداية كان يطالع الأخبار بسرعة، ليعرف محتوى كل

خبر على الساحة في وقت الحادثة، فربما كان هناك خير في

الجريدة يتعلق بحادثة التفجير وبالفعل طالعته الأخبار عن

الحادثة الأصلية، وتمكن رجال مباحث أمن الدولة من القبض

على المدير الرئيسي للعملية، واعترافه بها، واشتراك (حسن

المهدي) و علي حسن (عثمان) و (عماد هي الدين) و (علاء حمادة في فريق التحقيق.

خير في جريدة أخرى يعيد نفس الخبر السابق. ظل يفند الجرائد خيراً خيرا، محاولاً تكوين صورة عامة عن الأحداث في هذه الفترة حتى توقف فجأة عند خير.

2 لغز ملف قضية الأسرة المصرية، التي تعرضت لمحاولة القتل، مازال يكشف أسراره بعد البلاغ الذي قدمه أحد المواطنين عن وجود جثة فتاة بملابس النوم في أحد مقالب القمامة، وتم التعرف عليها يزيد اللغز تعقيدا، خاصة عند ظهور موت طفلتها، التي لم تتعد العامين داخل شقتها بالمرج، واختفاء الزوج في نفس وقت اختفاء الزوجة. الزوج، ويدعى (آدم) محمد عبد الرحمن)، ويعمل مدير حسابات بإحدى الشركات اختفى في ليلة ١٤ / ١٢. وقد تبين من تقرير الطب الشرعي تعرض الزوجة للاغتصاب العنيف، وموتها نتيجة سكتة قلبية، بسبب المجهود العنيف الذي لم يتحمله قلبها، وخاصة مع تاريخها المرضي، الذي يظهر أنها مصابة بضيق الشرايين التاجية. وحتى الآن مازال الزوج مختفيا بلا أثر، برغم مشاهدة البعض له بعد ليلة

الاختفاء بيومين).

أخذ (سامح) نفسًا عميقا وهو يتخيل بعض المشاهد... اغتصاب.. رمي الجنة.. اختفاء (آدم).. أراح رأسه للوراء ناظرا للسقف، وقد اكتمل حل اللغز في مخيلته.. أخذ نفسا عميقا آخر، ثم عاد مرة أخرى لمتابعة الجرائد، ولكن هذه المرة المتابعة تركزت على أخبار آدم) محمد عبد الرحمن الذي اختفى.. كلما وجد خبرا صغيرا في جريدة من الجرائد يتكلم عن الحادثة، كان يكمل الصورة في ذهنه.. وجدوا (آدم) أمام مقبرة زوجته، وجسده مليء بالجروح المتعفنة، ونقلوه بين الحياة والموت إلى المستشفى.. فقدان ذاكرة جزئي انتابه، لا يتذكر أي معلومات قبل تلك الليلة نقله المصحة عقلية خاصة على نفقة عائلته، لإكمال علاجه النفسي والتأهيلي. إلى هنا انقطعت الأخبار عنه. وجه النفسي.
لا مشكلة الآن في تجميع البازل الجديد بطريقة صحيحة... (آدم)، الشاب الهادئ الذي تزوج من الفتاة الجميلة، وأنجب منها طفلته الوحيدة.. الزوجة مصابة بالقلب، ولكن الحياة جميلة برغم كل شيء.. فجأة يختفي الزوج والزوجة ليلة ١٤ / ۱۲، وتترك الطفلة في المنزل، وكانت المغادرة بالتأكيد بغير إرادتهما، لأنهما لن يتركا طفلتهما وحيدة حتى تموت من الجوع في المنزل، وتتعفن جثتها في الغالب بشيء من التخيل - يمكن السامح أن يتخيل (آدم)، الذي يتم تعذيبه.. و (بتول) التي اغتصبت.. هناك من حضروا الواقعة، وهم الآتون: (صابر) و (لطفي) مخيران نفذا الأوامر لهما بما فعلا، لذلك كتب الجزار
بجانبهما لا أرى لا أسمع لا أتكلم بعد أن أكل الثلاث مراكز، التي لم يستخدموها الرؤية والسمع والتحدث، (علي) فعل شيء بقدمه في الغالب لبتول، من الممكن أن يكون ضربها، أو أهانها بقدمه، ولذلك أكل لحم قدمه، وقطعها وكتب بجانبه أقدامي تجربي إلى موتي، أما (عمر) فيبدو أنه استخدم عقله في مساعدة الفاعل، الذي اغتصب (بتول)، أو في شيء آخر، مما استحق أن يؤكل منه، ويكتب بجانبه (إذا انتصر عقلي على ضميري، فأنا لا استحقه والمقصود بها أنه استخدم عقله

استخداما سيئا، فحان الوقت الذي يحرم فيه منه.

لكن بعد أن دخل المصحة العقلية، ماذا حدث له؟.. يجب أن يبدأ البحث فورا، ليعرف كيف له أن يرتكب جرائمه، ‏と‏

برغم وجوده في المصحة.

عاد مرة أخرى للكومبيوتر، وهو يحفظ بعض التفاصيل كالمنطقة التي يسكن بما (آدم) قبل الحادثة، واسم الشركة التي كان يعمل بها، حتى يبدأ البحث، فلا يمكن أن يثق بأحد بعد الآن، لأنه لا يعرف بعد من اشترك أيضًا في تلك الحادثة.

(الساعة ٧:١٩ مساءً)

عاد (سامح) مرة أخرى للمكتب، الذي أعدوه له في أحد مباني مباحث أمن الدولة، وعندما شاهده العسكري، الذي كان مكلفا بالوقوف على باب مكتبه لتلبية طلباته، جرى وراءه مهرولا، وهو يرفع يده بتحية عسكرية بسيطة، ووجهه

في الأرض وهو يقول:

- " تحت أمرك يا باشا)."

اكمل (سامح) مسيرته، وهو يقول ملل:

- " شكرا .. لا أريد شيئا."

- " قلت في نفسي أن أبلغك بأن الكبير من الباشوات

ذهبوا الحضور جنازة (جلال) باشا رحمه الله ."

توقف (سامح)، ونظر له وهو يقول باستفسار :

- " من هو (جلال)؟"

قال العسكري بسرعة

- " (جلال) باشا خدم معنا سنة كاملة، وكان الجميع يحبونه، رحمه الله، ولكنه طلب منذ عامين على ما أذكر - أن

يتم تحويله لمباحث الآداب. الله يرحمه. "

- " كيف مات؟"

- " لا نعرف يا باشا)."

ثم نظر حوله، وقال هامساً: هناك إشاعة تقول إنه مات منتحرا ليلة أمس، ولكني لا

أصدق هذا، فجلال باشا رجل يتقي الله، وليس من النوع

الذي يقدم على الانتحار." نظر له (سامح) وقد تصلبت حدقتا عينيه على العسكري، في حين أنه نسي السبب الرئيسي لحضوره لهذا المبنى.. الدائرة تكتمل على ما يبدو، ولكن يبدو أ أحد من كانوا على الا القائمة لم

يتحمل انتظار دوره القادم.

السبت (۲۸ / ۱۱ / ۲۰۰۹)

يمر صباح آخر على (سامح)، وهو مازال يعمل بالجهاز، ويظل ساهراً حتى الصباح في العمل، كما كان يفعل في الأيام، التي يطلع عليه الصباح فيها في العمل، ويضطر لعدم تركه. قام يصلي الفجر في المسجد الصغير الملحق بالمبنى، ثم صعد للكافيتريا، وتناول الإفطار، ثم صعد ليشتري الجرائد، واتجه إلى مكتبه، وبعدها قام بالاتصال بزوجته، ليوقظها ليطمئن عليها وعلى الأطفال، ثم يعود مرة أخرى لعمله. ولكن هذه المرة فتح جريدة (.......) بسرعة ليقرأ مقال (سالم)، الذي تكلم فيه عن انتحار الضابط المصري.. هذه المرة (سامح) هو من أمر (سالم) بأن يكتب عن حادثة انتحار الضابط. وعندما يكتب

سالم) عن حادثة انتحار الضابط، بدلا من متابعة تحقيقات قضية الجزار، ويشرح تاريخ الضابط الذي عمل بأمن الدولة سنة، قبل أن يطلب هو نقله المباحث الآداب، وصلة صداقته بالضباط الذين قتلوا في الأيام السابقة.. كل هذا من شأنه أن

يضم (جلال) للدائرة.

كان (سامح في يوم الجمعة - قد 2 قام يجمع المعلومات عن المعلومات : (جلال)، وعمله، وبعض الصور من المعمل الجنائي، وقام بإيصالهم لسالم، ووصاه بكتابة هذا المقال في هذا التوقيت وخاصة أنه بهذا المقال يربك خطط الجزار، وطريقة قتله المتسلسلة كل يوم ثلاثاء، مما يجعله يقع في الأخطاء، ويمكن

عمل كمين له. أمسك هاتفه المحمول، واتصل برقم وانتظر حتى ردا الرجل

على الطرف الآخر، فقال له:

- " ما أخبار تحليل دماء (عمر) يا (محمد) ؟ "

اكتشف الطب الشرعي أن القتيل حقن بمادة (بنتوتال الصوديوم)، ثم تبعها بالمورفين بجرعة بسيطة، لأن البنتوتال قام بتخديره بدرجة كافية، سمحت بغيابه عن الوعي، ولكنه عالجه بالمورفين، كي يفقده الوعي تماما."
وتحليل الورقة التي وجدت الجثة تمسكها ؟"

- " الورقة لا تحتوي على أي بصمات، سوى بصمة باهتة

للمجني عليه.. الورق المستخدم والخبر منتشرين جدا، وليس هناك ما يميزهم.. تحليل الخط مطابق مع الورقة التي أعطيتها لنا، ونفس نوع الخط والخير والورق مطابق.. ليس هناك جديد." شکره (سامح) وهو يغلق الخط، ثم يسند ذقنه على يده مفكرا بعمق.. أميتال الصوديوم أو بنتوتال الصوديوم.. ما فائدة استخدام تلك المادة؟ دائما هناك سؤال يشغل باله... كيف يعرف (آدم) بعناوين الضحايا، وأماكن تواجدهم بدقة؟ هل بنتوتال الصوديوم هو السبب؟.. كيف عرف (آدم) بوجودي، وترك لي رسالة في يد (عمر) بعدما مات؟.. هل استجوب (عمر) عن طريق هذه المادة؟ كيف يستطيع (آدم) معرفة طريق الاستجواب عندما يحقن بنتوتال الصوديوم العمر ... هناك طريقة في إلقاء الأسئلة، والتعامل مع الشخص

المخدر، كيف يمكنه معرفتها ؟؟؟؟

اليوم سيبدأ بحثه بعد انتهائه متابعته الملفات آخر العمليات و سيبدأ بحثه من المناطق التي بدأت فيها تلك المشاكل.

الساعة ٢:٥٥ مساء)

هذه المرة لم يستطع أحد أن ينكر أن (حسن) في حالة عصبية غير طبيعية من الهالات السوداء، التي تكونت تحت عينيه، ونظرته المتسعة الشاردة، وملامح وجهه التي تنذر ببركان من الغضب، سينفجر في أي لحظة. كان يجلس يدخن سيحارة على مقعد الصالون أمام والد (مريم)، و (مريم) نفسها، التي جلست تنظر له بشفقة وحنان، وهو لا يدري من نظراتها شيئا. كان والدها قد دعاه على الغداء هذا اليوم، وبالفعل أتى (حسن)، وتناولوا الغداء، وها هم يجلسون ليشربوا الشاي، ومازال (حسن) صامنا منذ جاء هنا قال الأب الحسن بابتسامة ودودة

- " أنا ذاهب الأحضر لك بعض الحلوى يا بني.. هل تريد

شيئًا آخر ؟""

انتبه (حسن) وهو يقول بأدب:

" لا يا عمي أشكرك، لا تتعب نفسك."

قال الرجل كلمة ما بابتسامة، ثم ذهب إلى المطبخ. تحركت (مريم) من مقعدها، وجلست على مقعد قريب من (حسن) وقالت:

لماذا لم ترد على هاتفك أمس وأول أمس يا حبيبي؟"

- " لم تكن حالتي تسمح بذلك."

قالها باختصار وهو ينظر لعينيها الجميلتين، ويفكر في فكرة غريبة.. ماذا لو ارتمى على صدرها وبكي بحرقة، وأخذت هي تربت على رأسه، مثلما كانت أمه تفعل في صغره؟.. لن يمكنه ذلك؛ لكنه يتمناه.. ما في قلبه من هموم يجعله يتمنى البكاء، ولكنه حتى وهو وحيد في شقته يخشى من البكاء.. يخشى أن تنزل الدموع من عينيه وينهار.. يحتاج إلى من يعطيه الأمان، كي يمكنه ، ويمكنه ... ورد

- " هل تبكي يا حبيبي ؟"

قالتها (مريم) بلوعة، وهي تنظر له، فانتبه (حسن) سريعا للدموع التي غادرت عينيه، وأغرقت خديه، فانتفض، وأخذ يمسحها بيديه، ولكنه فوجئ بدموعه تنزل بغزارة أكثر، وهو مازال يمسح. وفجأة.. وجد يد (مريم) ممتدة بمنديل ورقي تمسح دموعه برقة، فأحفل لحظة، وقد تسمر جسده، ثم هدأ، وأخذ منها المنديل ليكمل هو إيقاف دموعه، التي أصبحت كالأمطار:
" أعرف أنك لن تحكي عن مشاكلك بالتفاصيل.. ولكن

هل تسمح لي أن أقول ما بداخلي؟"

انعقد حاجباه من الدهشة وهو يشاهدها تبتسم له برقة

وتقول بنيرات ساحرة - " أنا أحبك يا (حسن)، وأعتبرك زوجي لاحقا

ودائما ما أشعر بتقصيري في حقك، وأنت تحمل همومك وحيدا، وكان من واجبي أن أحملها معك.. لكم أتمنى أن نتقابل في آخر كل يوم، وتروي لي كل ما كان بيومك، وأنا أشاركك فرحك وحزنك.. تناقشني في كل صغيرة وكبيرة... نشعر معا أننا شخص واحد. واليوم، أتوسل إليك أن تحكي لي عما يدور بخلدك سترتاح أعرف ذلك.. قل لي كل ما يخيفك، وكل ما يغضبك، وكل ما يحزنك.. اعتبرني زوجتك

لو لم ترني حبيبتك." كلماتها كان لها تأثير غريب على روحه، كأن عباراتها تنفذ إلى روحه مباشرة وتطمئنه.. كأنه تحول لطفل مرة أخرى ويستمع لكلمات أمه وهي تطمئنه، وتقول له إنها ستحميه من عقاب أستاذه في الفصل ابتسم لها بسخرية، وهو يقول:

- " سأموت بعد أيام."

لم يظهر على وجهها أي تعبير، ولكنها قالت مستفسرة:
ماذا قلت؟"

- " سأموت بعد أيام، وبالتحديد سأقتل يوم الثلاثاء."

ضحك فجأة كالمجانين بسخرية وهو يقول:

- " وهل تعرفين سبب قتلي ؟"

؟؟؟

فيين

د

- " لأنني قتلت عائلة منذ .

ورب العائلة عاد مرة

أخرى من الموت لينتقم مني

شکت (مريم) في قواه العقلية ولكنها قالت له بهدوء:

- " (حسن) يا حبيبي.. إن أعصابك اليوم ليست... "

قاطعها (حسن) غاضبا:

" لا وقت للغباء الآن يا (مريم).. يجب أن تسمعيني.

الجميع أن ماتوا، وحتى (جلال) لم يتحمل الانتظار، وانتحر قبل يأتيه الجزار.. ثلاثة من المخبرين وثلاثة من الضباط، وأنا... مات اثنان من المخبرين، والثالث قد مات منذ سنة في مأمورية والضباط هم (علي) و (عمر) و (جلال)، والجميع قتل

والأخير انتحر، وبقيت أنا .. أنا من بقيت هل تفهمين؟"

ردت (مريم) بعصبية مماثلة وهي تقول:" لا زلت لا أفهم ما تقول.. ماذا تقصد، وماذا حدث ؟"

أخذ (حسن) نفسا عميقا، وعادت الدموع تنسكب منه،

ولكنه هذه المرة لم ينتبه لها، وقال:

- " سأروي كل شيء منذ البداية، ولكن لا تقاطعيني."

ثم بدأ يتكلم.. وعين (مريم) تتسع بفزع مما تسمعه.

بجانب منزل (آدم) جلس (سامح) على القهوة، وهو يرتدي بذلة سوداء، وقميص أبيض، وقد تخلى عن نظارته، وارتدى عدساته اللاصقة رشف رشفتين من كوب الشاي الساخن، الذي وضع بجانبه، ثم نظر مرة أخرى للعمارة، التي لم يكتمل بناؤها. ‏na‏

- " أسف لتطفلي.. هل يمكن أن أسأل عن شيء ما؟"

كان (سامح) يقول تلك العبارة لرجل وقور، يجلس على

منضدة بجانبه، ويدخن الشيشة، فنظر له الرجل قائلا بلطف:

- " تحت أمرك ."

" أبحث عن شقة جديدة، لأنتقل فيها أنا وعائلتي.. وأرى

تلك العمارة تبدو خالية.. هل أجد فيها شقة؟"
" أي عمارة تقصد؟"

"..تلك "

قالها (سامح) وهو يشير بيده إلى عمارة (آدم)، فنظر الرجل لاتجاه يده، ثم ظهرت على ملامحه الخيبة، وقال السامح: - " لا أعتقد أنك تريد أن تسكن في تلك العمارة

بالذات."

- " لا أكذب عليك خيرا، فإن لي صديقا يسكن بالقرب

من هنا، وعندما فاتحته بعثوري على عمارة بشارع (......) ووصفتها، قال لي كلام عن العفاريت، ولكني لم أصدقه." سحب الرجل نفساً عميقاً من الشيشة، وارتسمت ملامح

الجدية على وجهه، ثم قال: - " اسمع يا أستاذ.. أنصحك بألا تقترب من تلك العمارة،

فسمعتها سيئة جدا، منذ حادثة حدثت لأحد القاطنين فيها."

- " حادثة؟ هل الموضوع حقيقي؟"

ظهرت ملامح الدهشة والتي رسمها (سامح) بمهارة - على وجهه، فرد عليه الرجل، وقد بدأ يستمتع بالحديث:

- " منذ سنتين، كان يسكن في تلك العمارة رجل يدعى

(آدم)، أهل الحي يحبونه وهو يحبهم. كنا نشاهده معنا في المسجد عند الصلاة، حتى صلاة الفجر .. كان طبيبا ودودا، وكما يقول المثل إنسان في حاله، وقد انتقل إلى العمارة هو وزوجته، ورزقهم الله بطفلة صغيرة، فجأة.. في ليلة اختفى الجميع، أو للحق يقال ظهر فجأة (آدم) كما قال عم (کرم) عند آخر الشارع، وهو عار، لا يرتدي سوى قطعة من ملابسه الداخلية، وعلى جسده تنتشر الجروح، وكان في حالة من الهذيان والذهول، كأنه لا يعرف من هو ثم صعد إلى شقته، ونزل منها جريا، فصعد عم كرم)، ومعه رجال من الشارع، فوجدوا باب الشقة مكسوراً، فدخلوا، وفوجئ الجميع بجثة الطفلة في غرفتها، والشقة خالية تماما. بدأ البحث عن الزوجة والزوج من قبل الشرطة، وتبين أنهم وجدوا جثة الزوجة ملقاة في الشارع بعد اغتصابها وقتلها قبل يومين.. المهم، بعد أسبوع عاد (آدم) مرة أخرى، ووجدوه أمام قبر زوجته وطفلته، فنقلوه إلى المستشفى، وهو يقول إنه لا يتذكر أي شيء، وبعدها دخل المستشفى المجانين، ومات هناك بعد شهور، وقال البعض أنه اختفى لكن حسبما أخبرنا والده الذي يأتي للشارع كل شهر ليترك إيجار الشقة لصاحب العمارة، إن الجثة لم تظهر بعد موته، وكأنها تبخرت. ويقول البعض إن والده أخفى الجنة، كي لا يتم تشريحها.. المهم أنه منذ عام، ظهرت أصوات من داخل الشقة، وأضواء، وبعدها

كل من سكن شقة داخل العمارة كان يشتكي من الأصوات المرعبة التي تأتي كأصوات صراخ، وهمهمات، وبكاء ودقات والكل ترك شققه ومازال الوضع كما هو حتى الآن."

- " وهل قام أحدهم بفتح الشقة مثلا، ليعرف مصدر هذه

الأصوات؟"

- " نعم.. كثيرا ما فعلنا، ولكننا لا تجد سوى الأثاث

القديم، وبعض قديمة. " الصناديق التي تمتلئ بكتب كثيرة، وأدوات التي

كان هذا هو الشخص الرابع الذي يسمع منه (سامح) الموضوع، وحكاية (آدم)، وقد كون فكرة عامة عما حدث، ولكن ما شغل باله هو سر تلك الأصوات، التي تأتي من الشقة.. هل من الممكن أن تكون خيالات وأساطير من أهل الحي؟.. بالفعل الخيالات يجب أن تدخل في صلب الحكاية، لكن ماذا لو كان هذا صحيحا ؟!
خرج الأب من المطبخ مندهشا، وهو يرى (مريم) تنهض

من المقعد، وتجري ناحية غرفة النوم، وهي تضع يدها على

فمها وتبكي. لقد كان يشاهد بطرف عينيه من البداية ما يحدث في الصالة بين (حسن) و (مريم) وكان يشاهدهما يتحدثان، ثم رأى (حسن) يغضب في الكلاء. ويهدأ، ويتكلم مرة ثانية بهدوء، وعندما انتهى بكت (مريم) - قامت تجري!

- " ماذا حدث يا (حسن)؟"

قالها الأب بلهفة تشوبها الدهشة، فنهض (حسن) من

المقعد، وقال بأدب:

- " آسف يا عمي لكن يبدو أنني أغضبت (مريم) بكلامي.. أنا في حالة سيئة، وأعتذر سأحاول أن مرة أخرى.

أطيب خاطرها عندما تهدأ."

- " ماذا قلت لها يا بني؟"

شرد بصر (حسن) للحظة وهو يقول:

- " قلت لها كل شيء." - " قلت لها كل . 
الساعة ٢:٥٠ صباحًا في ليلة السبت)
لا يعلم أحد ما حدث، لكن (سامح) استطاع أن يجلس في غرفة (النوبتجية) الخاصة بالممرضين الذين يأخذون فترة العمل الليلي، وممرضة اسمها (عزة) تجلس أمامه، وهي تعرض عليه

ملفات وورق، وصور إشاعات وتحاليل  إذن فقد أصبح (آدم) في آخر أيامه لا يملك السير على قدمه اليسرى، ولا يرى بعينه اليسرى، وأصاب وجهه نوع من الجمود، مع موجات بكاء بلا صوت أو تغير في وجهه...

" نعم.. وهناك تقارير عن حالة صوته التي تدهورت

وأصبح علامات استفهام، وكأن هناك مشكلة بالأحبال الصوتية، ومجموعة الأطباء اختلفوا على التشخيص النهائي في تقاريرهم كما ترى يا (سعد) باشا. " 
قالت (عزة) عبارتها الأخيرة وهي تعطي (سامح) مجموعة من الأوراق، أخذتها من ملف في يدها، فأمسكها (سامح) وهو

يراجعها، و(عزة) تقول: ا و (عزة) تقول

- أثناء تنظيف غرفته بعد الاختفاء، وجدنا ورقة مليئة بال (شخبطة) وها هي "

تناولها (سامح) وهو يتطلع لها بدقة.. الورقة مليئة بالخطوط الكثيرة، لكن هناك مجموعة متشابهة من الخطوط رسم مشابه الرسم السهم، ومكررة سبع مرات بشكل غريب.. ثلاثة أسهم بحجم صغير جدا تحت بعضهم، وثلاثة آخرون بجانبهم، أكبر منهم قليلا، وسهم وحيد بعدهم، هو أكبرهم وأوضحهم.

باقي الورقة عبارة عن خطوط بسيطة، ودوائر لا تشترك في شيء، إلا أن الممرضة قالت بحرج وهي تشير للورقة:

- " دكتور (عاطف) عندما رأى الورقة، قال بأن الدوائر

تشير إلى أنه يفكر في طريقة لفعل شيء، لكنه يفشل.. وكل دائرة تعني أنه يحاول التفكير في نفس الشيء بلا جدوى. أما النقط المتناسقة، فتعني أن عقله أصبح هادئا، وأنه أخذ قرارًا يريح باله.. والأسهم يشيرون إلى أشخاص في حياته، إما يمثلون مثله الأعلى، وإما يمثلون فشله.. مازلت أتذكر كلامه جيدا."

عند أمسك (سامح) بباقي الملفات والتقارير، حتى توقف صورة لآدم.. شعر اسود عيون واسعة ابتسامة تظهر أسنانا بيضاء، هذا هو (آدم) قبل ما حدث.. ترى ما هو شكله الآن؟

نظر فجأة للممرضة، وقال متذكرا:

- " ماذا قلت لي عن الرجل الذي كان يزور (آدم) بانتظام؟"

- " كلنا رأيناه، ولكنه كان دائما ما يخفي وجهه."

" حاولي أن تصفي لي طول جسده، وتقاسيمه، وما تذكرينه من وجهه."

أخذت الممرضة تصف بيدها تكوينه الجسدي، وبعض العلامات المميزة في جسده ومشيته وكل ما تتذكره عنه... ثم جلست مرة أخرى على مقعدها منهكة...

انتظرت قليلا، ثم قالت بأدب:

- " سأغادر الغرفة الآن، وأتركك على راحتك. أي شيء تحتاجه يمكنك أن تطلبني على . هذا الرقم في أي وقت، وعندما

تريد المغادرة أنت تعرف الطريق كما اتفقنا."

قامت الممرضة وهي تمد يدها مصافحة . (سامح)، الذي قام 

وهو يقول لها شاكرا .

تلك الخدمات التى  قدمتها لي لن أنساها.. أشكرك مرة 
أخرى"
صافحته، وغادرت الغرفة، فجلس (سامح) مرة أخرى، وهو يشحذ تركيزه مرة أخرى، ويمسك بالورق ليراجعه هذه المرة بتركيز كامل، لدراسة حالة (آدم) النفسية بدقة.
الأحد ۲۹ / ۱۱ / ۲۰۰۹

ضغط (سامح) على جرس الباب، وقبل أن يكمل ضغطته، انفتح الباب، فيبدو أن هناك من كان يقف خلفه. نظر، فوجد شابا لم يتجاوز العشرين، ينظر له مستفسرا، فقال (سامح): 

" أستاذ محمد عبد الرحمن) هنا؟"

" نعم.. نقول له من يريده؟"

- " (سامح صبحي.. مخابرات .

بیت الولد لحظة، ثم جرى لداخل الشقة، ومرت ثوان وسمع (سامح) من الخارج جلبة، وأصوات نقاش واستنكار، ثم ظهر على الباب ثلاثة رجال يرتدون ملابس المنزل، وعلى ملامحهم علامات الترقب، فقال أولهم، الذي ظهر أنه نسيب للعائلة :

" تحت أمرك يا فندم.. أنا ضابط شرطة.. ماذا يحدث؟"

في حين قال أكبرهم سنا بهدوء:

- " تفضل يا سيد (سامح).

دخل (سامح) وهو ينظر في الأرض، حتى أوصله الرجل الوقور للصالة، فجلس بها، وجلس الرجلان على المقاعد، وأتى

رجل آخر من مكان ما، فقال (سامح)

- " لقد أتيت اليوم بشكل ودي، فلا داعي للقلق."

تبع تلك العبارة بأن أخرج "كارنيه" من محفظته، وأعطاه أنه ضابط شرطة، والذي قال بعد للرجل الذي يجلس ويقول

أن نظر فيه بتمعن

" أهلا بك يا‏ سید (سامج). "

نادى الرجل الوقور والذي سنعرف أنه ( محمد عبد الرحمن ) - على اسم فتاة . سم فتاة، فأنت طفلة في مود الثامنة تجري، فنظر

السامح قائلا له :

ماذا تشرب؟"

‏ كوب من الشاي لو أمكن."

فنظر (محمد) إلى الطفلة، وقال:

- " خمسة أكواب من الشاي يا (هالة) بسرعة."

ثم عاد الرجل ينظر إلى (سامح)، الذي قال شارحا :

- " لا أريد أن أضعكم في موضع قلق كثير. جئت اليوم

لأضع النقاط على الحروف.. هل تعرفون قضية الجزار؟"
نظر الرجال لبعضهم، ولكن تلك النظرة ليست نظرة

اندهاش، بل نظرة من يعلم بالاسم جيدا.. فأكمل (سامح) - " وبالطبع لو كنتم تعلمون بقضية الجزار، ربما تعرفون أن

أحد المجني عليهم كتب بدمائه آدم عاد.. هل تمثل لكم تلك

العبارة شيئا؟"

بحق ظهرت ملامح الدهشة على وجوه الرجال، الذين لم يتكلموا للحظات، حتى تكلم (محمد) في البداية قائلا:

- " أولا قبل أي شيء، سألت عن (محمد عبد الرحمن)، وأنا هو يا ولدي.. وثانيا تقول قضية الجزار، وهي قضية مشهورة جدا، والجميع يعلم عنها. ولكن تقول (آدم عاد) وبالتالي أنت تقصد ربط اسم (آدم) باسمي، أليس كذلك؟" (سامح) يستمع له بإنصات، معجبا بصراحته، وبعد كان

انتهائه قال:

" نعم.. ابنك (آدم)، هل ظهر بعد اختفائه؟"

" ماذا تقول؟"

قالها أحد الرجال، بينما ظهر التحفز مختلطا بالدهشة على باقي الوجوه، ولكن ( محمد عبد الرحمن ) قال:

- " لا لم يظهر . "
هذا الرجل يكذب.. قالها (سامح) في نفسه وهو ينظر لعين

الرجل الضيقة التي تحمل لمعة ذكاء، فقال:

- " (آدم) مازال على قيد الحياة، أليس كذلك؟"

- " لا نعلم."

أجابه (محمد) بالعبارة الأخيرة، ثم تـ تبعها بأن قال بسؤال: " لكن لحظة !! ما علاقة المخابرات بولدي؟ وثانيا ما به

علاقة ولدي بالجزار؟"

آدم) هو( " - الجزار .

انتفض الجميع في جلستهم، وظهرت الهمهمات، وعبارات التعجب من الجميع، ولكن العجيب أن (محمد) بالرغم من دهشته، ولكن عينيه مازالت تحمل شيئًا ليس طبيعيا، ولكن مازالت

أحد الرجال قال:

- " ما هذا الذي تقوله يا حضرة الضابط؟ (آدم) قبل

اختفائه كان يعاني من مشاكل بالحركة والرؤية، وحالات من الهذيان، وأنت تتكلم عن قاتل محترف، فشل الجميع في

ملاحقته، كما عرفت من الصحف.

هنا قال الضابط:

- " لماذا يفعل (آدم) هذا لو كان هو الجزار كما تقول؟"
ح ح

- " للانتقام."

قال (سامح العبارة السابقة وهو ينظر إلى محمد عبد

الرحمن)، والآخر ينظر له بغموض، في حين قال الأخير: - " هل تعرف أنه منذ أسابيع، أخبرني أحد رجال الشارع

الذي كان يعيش فيه ولدي أن هناك رجال من المباحث يسألون عن (آدم)؟ وقتها لم أفهم لماذا ولدي بالذات.. وحتى الآن مازلت لا أفهم، ولكني تأكدت أن الجميع متأكد أن ولدي يقتل الناس، ويأكل جثثهم بلا سبب.. وتقول أنت إنه الانتقام لو كان هذا فيلم من أفلام الدرجة الثالثة الأمريكية عندما يقتل الأشرار زوجة البطل وابته، ثم يعود البطل للانتقام منهم، لكنت صدقتك.. ولكن أنت تتكلم عن شاب تدمر نفسيا، وعقليا وجسديا، واحتمالات وجوده على قيد الحياة

ضعيفة، ثم تقول ببساطة إنه عاد لينتقم !"

" (آدم) ظلم في حياته، وأنا أعرف من هم الجناة، وأعرف من فعل هذا به وبزوجته."

هب رجلان يقفان وشهق رجل آخر، واتسعت عينا

الضابط، أما (محمد) فقد ارتسمت ملامح الغضب على وجهه

وهو يخاطب (سامح):

" ماذا قلت؟"

- " قلت إنني توصلت لحل قضية (آدم)، ومن فعل به هذا

ولكن (آدم) يسبقني إليهم، قبل أن يقدموا للمحاكمة.. (آدم) يقتلهم واحدا تلو الآخر، أما أنا فأريد لهم أن يقدموا للمحاكمة

أمام الجميع، ويحصلوا على جزاء فعلتهم."

- " من هم من فعلوا بولدي و(بتول) ذلك؟"

- " هم من قتلهم ولدك. "

- " ومن الباقي ؟"

كان (محمد) و (سامح) ينظر كل منهما للآخر، والعيون تلتقى في لمعة من الذكاء والمكر واللحظات تمر، حتى قال

(سامح)
من بقى . يمكنني أن أجعله يشنق أمام الجميع، وتعود مرة أخرى إليه، ولكن بالقانون. كل ما أريده أن أجده، لأقول له أن يتوقف، ويترك لي آخر مهماته لأقدمه أنا للمحاكمة.. ما يفعله ليس انتقاماً، بل هو خروج عن القانون... لو كل شخص آذاني أقتله بدون اللجوء للقانون، فستتحول الدنيا إلى غابة."

لم يرد (محمد) في البداية، ولكن غضبه قل، وهو يقول

بسخرية غير ظاهرة: هل اغتصب أحدهم زوجتك، وقتلها يا بني؟ وهل

مانت طفلتك من الجوع؟ وهل عذبت أنت، وظلمك الجميع

أياما ؟ هل فقدت عينك وقدمك، وأصبحت مريضا نفسيا ؟...

أنت تتكلم من موضع قوة يا بني، فلن تفهم مشاعره."

زرعت العبارة السابقة الشك في قلب (سامح) نحو والد (آدم)، وبالفعل استنكر الضابط كلام (محمد)، مانعا إياه من الاسترسال، ولكن (سامح) قال:

- " أنا متيقن أن (آدم) ليس على صلة بكم الآن.. ولكن كنت أتمنى لو أجد خيطا، أحاول منه منع (آدم)، لتقديم آخر

المتهمين للعدالة."

نهض (سامح) بعد أن قال آخر عبارة، فنهض الجميع ولكن (محمد) أجلسهم بإشارة من يده، ونهض هو كي يوصل (سامح لباب الشقة.. وعندما فتح (محمد) باب الشقة، وأشار السامح بالخروج بأدب. فجأة سمع (سامح) صوت الرجل وهو يقول له بصوت هامس هادئ النبرات

- " منذ أكثر من عام، كنت نائما بفراشي أنا وزوجتي..

وجدت من يفتح باب الغرفة بهدوء، ورأيته في الظلام يقترب

من الدولاب، ويفتحه ويفتح أحد الأدراج، التي أحفظ دائما

نقودي بها، وأخذ من النقود خمسة عشر ألف جنيها، وترك
الباقي، ثم نظر لي ولزوجتي قليلا لدقائق، وبعدها خرج من الغرفة.. لم أتكلم. ومنذ سنة أشهر، دخل نفس الرجل الغرفة في الظلام، وفتح نفس الدرج في الدولاب، وأخذ مبلغ ثلاثين ألف جنيها، وترك باقي النقود، وأخذ ينظر إلينا مرة أخرى، ثم خرج كان هذا الرجل يعرج وهو يسير.. اسمع يا بني.. لا أعرف كيف قلت لك هذا، ولكن أحلفك بالله لا تؤذي (آدم)

لو شاهدته."

كان (سامح) يسمع الكلمات السابقة، وهو يعطي ظهره

للرجل، ولكنه نظر له بعدها، فوجد الدموع في عين الرجل. - " يا أستاذ (محمد).. ولدك لغز لا أعرف أكرهه أم أتعاطف معه، أقتله أم أحميه.. أنا أبحث عنه، ولا أعرف ماذا

سأفعل معه بعد ذلك.. ربما هو يعرف."

الاثنين ٣٠ / ١١ / ٢٠٠٩

هل أتى الليل؟ كم بقى يا ترى؟ ماذا سيحدث عندما يأتي؟ كلها أسئلة تدور في عقل (حسن) الذي جلس على مقعد في غرفته بجانب الفراش واضعا قدمه أمامه في تلك الجلسة الأمريكية على طرف فراشه ويرتدي منامته التي يظهر من عدم هندامها أنه يرتديها منذ مدة.. أما لحيته النامية، والهالات


تعليقات



×