رواية الجزار الفصل السادس بقلم حسن الجندي
السوداء تحت عينيه، فكانت تكمل المشهد الكتيب الذي رسمه (حسن).. وجهه يحمل تعبيراً جامدا، وهو يفكر منذ يوم كامل في كل تلك الأفكار الغريبة، يضحك في ساعة، ويبكي في
ساعة، وينام في ساعة، ويفكر في ساعة.
(مريم) لا ترد على الهاتف منذ ذلك اليوم، وهذا واضح
بالطبع، لأنه حكى لها عن كل شيء.. المضحك أنه حكى لها عن كل شيء، لشعوره الغريب أنه سيموت يوم الثلاثاء.. هل شعر من مات قبله بهذا الشعور ؟ (علي) (لطفي) (عمر) (صابر).. (عمر) قبل موته كان يطمئنه أنه لن يموت بتلك الطريقة القذرة، ولن يسمح بذلك. ولسخرية القدر، كان هو التالي.. أما (جلال) فلم يتحمل الانتظار، وانتحر في غرفته. لم يبق إلا (حسن)، كي يشاهد النهاية وتنغلق الدائرة إلى الأبد.. ترى كيف سيقتله ؟ هو اغتصب (بتول).. فكر قليلا، ثم اتسعت عيناه قليلا، وهو يتخيل ما سيحدث له، ثم غرق في ضحك هيستيري، وهو يتخيل ما سيأكله الجزار هذه المرة.. أخذت نوبة الضحك ترتفع، حتى سمع فجأة صوت جرس الباب فأحفل للحظة، وهو يتخيل أن من يقف على الباب الآن هو الجزار.. شعر بتنميل في نصفه الأسفل، وهو ينهض ببطء، ثم يسير مترنحا إلى باب الشقة، وينظر عبر العين السحرية... (سامح) !!!! نظر مرة أخرى، ثم فتح الباب، ليظهر (سامح) بالفعل على عتبة الباب، ينظر له بهدوء.
- " ألن تدعوني للدخول ؟"
أشار له (حسن) بالدخول فتبعه (سامح)، حتى جلسا في
الصالة..
- " الجميع يقول إنك قمت بأجازة عاجلة لسفرك لبلدتك،
كي تحضر جنازة خالك.. لم أصدقهم، وأتيت لك لأفتح معك
الموضوع، فلا وقت لدينا "
2
كان (حسن) يجلس فاردا يديه، ينظر نظرة خاوية لسامح وكأنه في حالة . من غياب الوعي
- " هل : تنتظر النهاية؟"
m ضاقت عينا (حسن) وهو لا يرد، فأكمل (سامح):
- " هل تنتظر (آدم)؟"
اتسعت عيناه، وارتفعت حواجبه بدهشة...
آدم محمد عبد الرحمن) وزوجته (بتول) وابنتهما
(نور).. هل تتذكر هذه الأسماء يا صديقي؟"
زاغت عينا (حسن) وهو ينظر حوله بعدم فهم، وتسارعت أنفاسه، فقال (سامح) بنفس هدوئه - " عندما اتصلت بي يوم وفاة (عمر)، شعرت أنك تلجأ
لي، لأنك تعرف أنني سأصل للجاني.. ولكنك خفت أن أعرف الحقيقة، لذلك كنت في حيرة من إخباري أو تركي
الأسير في طريقي حتى أصل للجزار.. ولكن في طريقي إلى الجزار، مررت بك يا (حسن) "
اعتدل بجسده أكثر على مقعده متحفزا، وهو يقول والغضب يظهر على وجهه
" قابلتك أنت وأصدقاءك يا (حسن).. قابلت (آدم)
الذي جعلتموه يصاب بالجنون بعد فقد عائلته. قابلت جثة فتاة تم اغتصابها وإلقاؤها في الطريق وكأنها حيوان نافق.. قابلت طفلة صغيرة ظلت تصرخ من الجوع، تنتظر والدتها لتأني إليها، حتى صعدت روحها إلى الله. قابلت وجهك الآخر يا (حسن)، وقابلت الوجه الآخر لآدم.. أنتما الاثنان كنتما وجها العملة واحدة.. أنت ذو وجهين، وجه الوحش الدنيء المغتصب الذي لا يعرف رحمة، يتسلى بعذاب الآخرين وقتلهم، ووجه الرجل الوقور الطيب، الذي يعمل بوظيفة مرموقة، وسيتزوج فتاة من عائلة محترمة، ليكون أسرة سعيدة... أما (آدم)، فوجهه الطبيعي كان الشاب ذو المستقبل المبهر والزوجة الحسناء والعقلية التي يحسده عليها الكثيرون، ووجهه الآخر هو الجزار .. يأكل لحم من أكلوا لحمه قديما.. ألم تفهم يا (حسن) لماذا يفعل (آدم) هذا ؟ .. هو يعتبركم أكلتم لحم أسرته، وهو يأتي ليأكل لحمكم.. لقد حولتم (آدم) الجزار ...
مريض نفسي يتمتع بأكل اللحم البشري، ولا هدف له في الحياة سوى أكلكم.. من منكم المذنب؟ أنتم الذين قتلتم عائلته، واغتصبتم زوجته وقضيتم على عقله، أم هو الذي يأكل أجزاء من الحمكم، ويترككم لتموتوا، وانتم تقضون أصعب لحظاتكم وآخرها .. من منكم يجب أن يحاكم أولا؟"
هدأت أنفاس (حسن) قليلا، ولكن . ظل صدره يعلو ويهبط، 2 له بتحد. وفجأة وهو ينظر لسامح، الذي أخذ هو أيضا ينظر أيضا ينظر له
قال (حسن) غاضبا:
- " ماذا ا تريد مني أنت أيضا؟"
قالها ونهض فجأة وهو يقترب من (سامح)، الذي نظر له كما هو، ولم يتحرك من مكانه، و(حسن) مازال يقترب،
ويقول ونبرة صوته تعالى أكثر : يد أن تحاكمني قبل أن : " هل تريد .
لتأخذ حقك مني أنت أيضا . فكل رجل يأكل قطعة من جسدي.. هيا تعالى.. " الآن يرى أنه يجب أن
يأتي الجزار ؟..
هيا تعالى
كان (حسن) قد اقترب جدا من (سامح) وفجأة نظر
(حسن) على يساره فوجد منفضة ضخمة موضوعه على
منضدة صغيرة، فمد يده بسرعة، وهو يقول بغضب:
" هيا لتأكلني.."
أمسك (حسن) المنفضة، ورفعها وهو ينظر ناحية (سامح) الذي يجلس أمامه، ولكنه لم يجده في مكانه، فتراجع برأسه، فشعر بأن رأسه يصطدم بشيء معدني، ويد قوية تمسك يده التي تحمل المطفأة. نظر بطرف عينه فوجد (سامح) يقف ببرود وراءه، يحمل مسدساً صغيراً من نوع ( لاما )، ويلصقه بمؤخره رأسه، ويده اليسرى تمسك يد (حسن)، وبنبرات هادئة قال (سامح)
3 - " لا تحاول أن ترتكب حماقة يا هذا، فأنا لست طفلا، تقتلني بمنفضة لتحاول أن أن أتعامل معك." سجائر.. أنصحك بالجلوس الآن : قبل ترك (حسن) المنفضة تقع من يده، وهو حذر جدا من فوهة المسدس، التي تضغط بشدة على مؤخرة رأسه. دفعه (سامح) ليسقط على وجهه على المقعد، في حين أعاد (سامح) وضع إبرة الأمان للمسدس وهو يقول: - " اسمع يا (حسن).. برغم ما فعلته مع (آدم)، وما كنت ستحاول فعله الآن، فمهمتي هي الحفاظ على حياتك غدا من الجزار."
ضاقت عيناه وهو يكمل كلامه بنبرات خافتة، ويقول:سأحافظ على حياتك غدا، لتبدأ محاكمتك بعدها على الجريمة التي ارتكبتها منذ عامين. لا تحاول الهرب، لأننا لن نشغل بالنا بتتبعك، بل سنترك المهمة للجزار، وعندها سيريحك هو نهائيا. أمامك خياران: إما الجزار، وإما نحن.. غدًا سنقوم بعمل كمين للجزار، وستكون أنت الطعم يا صاحبي، ولا تخف، سننقذك منه، ولكن بعدها ستقدم للمحاكمة، لأني سأبلغ عنك، وسيفتح تحقيق موسع عما حدث قديما، ويعاقب كل من أخطأ مثل خطأك يا (حسن)."
بعد أن قال عبارته، غادر (سامح) الشقة؛ ولكن قبل أن يغادرها، نظر خلفه وهو يفتح الباب، وقال مخاطبا (حسن):
- " على فكرة.. أنا أعرف أنك من كنت تزور (آدم) في المستشفى بانتظام. كنتما تنظران لبعضكما بدون أن ينطق أحد كما ... الجلاد ينظر في عين الضحية، ولكن الضحية بنظراته یا (حسن) يقول لا يقول لك إن موعدك قادم. أعرف شعورك وأعرف فيما كنت تفكر، وأنت تتخفى لتقابله بانتظام.. كنت تريده أن يثور، أن يتهمك، أن يقتلك؛ ولكنه كان ينظر لك فقط .. كان يقتلك كل يوم بنظراته.. لقد راقبته وهو يتحول للجزار يا صديقي، وها هو قادم غدا ليزورك هو، مثلما كنت تفعل معه في المستشفى. إلى اللقاء في الغد يا (حسن)."
ثم خرج، وأغلق باب الشقة، تاركا (حسن) ينظر بدهشة للباب المغلق. وفجأة.. رفع (حسن) رأسه، وهو يصرخ بصوت
عال، والدموع تنساب من مقلتيه.
الثلاثاء ۲۱/۱ / ۲۰۰۹ (الساعة ١:٥٠ ظهرا)
خرج (سالم) من مكتبه، وهو يتلفت حوله، يحمل الخطاب الذي وصله، وكتب عليه من الخارج إلى السيد/ أبو وافي... كان قد استلمه من زميلته في الجريدة منذ دقيقة واحدة، وعندها استأذن لدخول الحمام، وها هو يسير حتى وصل إلى الحمام، فدخل إحدى الدورات الخالية، وأغلقها على نفسه، ثم فتح الخطاب، بعد أن مزق جزء من الظرف. أخذ يقرأ الكلمات التي كتبت بخط الصغير نضيد
( لا أعرف متى سيصلك هذا الخطاب. أنت تعرف الآن أنني أنا الجزار الذي تبحث عنه. صحف كثيرة تكتب عن أخباري، ولكن مقالاتك أنت هي التي تحمل الحقيقة. وصلتني رسالتك التي بين السطور، عندما عرضت الضابط الذي شنق نفسه فجأة، مما يعني أن هناك من يقودك، ويريد أن يقول لي إن أحد أهدافي مات منتحرا. والآن رسالتي للشخص الذي يقودك هي أن الوقت فات بالفعل، والدائرة قاربت على الانتهاء بسلام، بدون أضرار لأبرياء، فاتركني لحالي. أما عن النهاية لكل ما حدث، فستراها يوم الثلاثاء. نهاية القصة الطويلة، التي بدأت منذ عامين.. النهاية هي أمتع جزء في القصة، ونهايتي أنا هي اللون الرمادي.. ألا تراه معي ؟!!)
أنهى (سالم) الخطاب، وقد شعر لأول مرة في حياته أنه مراقب. لقد عرف الجزار أنه على علاقة بشخص ما، يأمره بطرق كتابة المقالات هل سيقتله مثلهم؟.. عند هذه الفكرة ارتعدت فرائصه، وهو يتخيل نفسه في موضع كل من كتب عنهم في مقالاته، ثم تذكر ما يجب أن يفعله، فأخرج هاتفه المحمول، وطلب رقم (سامح)، وعندما رد الأخير، قال يفزع: " سيد (سامح) المجدني.. الجزار أرسل رسالة أخرى."
2
***
(سامح أنهى شرحه للضباط، وبجانبه جلس رجل وقور، يرتدي بذلة عادية، ويستمع له بتمعن، لا يعلق على أي من کلام (سامح)، مما جعل الضباط لا يفهمون سبب وجوده. سبع ضباط، منهم ثلاثة من الشرطة، واثنين من مباحث أمن الدولة، وضابط آخر يرتدي ملابسا مدنية، غير معروف انتماؤه لأي جهة.. وعلى مقعد آخر، جلس رجل يرتدي بذلة أيضا، ولكن هذا الرجل كان يناديه (سامح باسم الدكتور / ميلاد. بعد انتهائه من الشرح، انتظر الأسئلة، فقال أحدهم:
- " لماذا سننتظر حتى يدخل (آدم) حجرة (حسن)، ثم نقبض عليه؟ يمكن بمجرد دخوله الشارع نفسه أن تقبض عليه القوة التي تنتشر حول الشارع."
لسببين، أولا لأننا لا نعرف طريقته في دخول المنازل وبالتالي من الممكن أن يلاحظ تمركز الأعداد ليلا بطول الشارع، الذي يقع فيه منزل (حسن)، ويمكنه الهرب. ثانيا لأن (آدم) يعلم مسبقا بأننا نعد له كمين الليلة في شقة (حسن) وبالتالي فكل خطواته قبل الدخول لغرفة (حسن) هي ألغاز وتوقعات بالنسبة لنا، فلا نريده هو أن ينصب لنا كميناء في وقت من الأوقات. وننشغل نحن بطعم ما، ما، ونترك (حسن) في وقت من 1
قال أحد الضباط:
- " إذا الخطة سهلة جدا وبسيطة، وهي أنه بمجرد دخول (آدم) لغرفة نوم (حسن) يتم مهاجمة الغرفة.. لا مشكلة.
ولكن لم التحذير الدائم من موضوع العقاقير هذا؟"
com أتركك لتسمع رأي د/ ميلاد في موضوع العقاقير .
تنحنح د/ ميلاد وقال شارحا:
- " (آدم) بطريقة ما لا نعلمها توصل لتعلم كيفية
استخدام العقاقير المهلوسة والمواد المخدرة، ولا نعلم عن قدراته
سوى أنه استطاع استخدام المورفين بدقة، وبجرعات مناسبة
لكل حالة قتل، وفي بعض الحالات استخدم أميتال الصوديوم)
لاستجواب المجني عليه. ومن علمه استخدام تلك المواد، علمه
طريقة التعامل مع المريض الذي يتعاطى (أميتال الصوديوم) حتى يأخذ منه الإجابات من الممكن أن يستخدم أي عقار سواء أكان مخدراً أو ساما، فربما يستخدم الـ ال سي دي الذي يدخل متعاطيه في نوع من غياب الوعي، فيصبح كتلة من الأفكار الغريبة والخيالات التي تصل لمتعاطيها بالإقدام على الانتحار بسهولة. وربما يستخدم عقار (الميسكالين)، الذي يسبب هلوسات لا حصر لها، تنتهي غالبا بالوفاة.. أو الخوف من استخدامه لمواد سامة، يتأثر بها الإنسان عن طريق الجهاز التنفسي أو الجلد. لذلك وجب التحذير من إطلاق الطلقات المخدرة عليه بسرعة بمجرد مشاهدته، لأننا لا نضمن ما يمكن
أن يفعله، لو اقترب أحدكم منه
- " ألم تا تقل یا سید (سامح) إنه zna يعرج بقدمه اليسرى؟"
رد (سامح)
- " ليس معنى عرجه أنه سيكون لقمة سائغة، فهو قد قتل
أربعة رجال من جهة أمنية، واستطاع التغلب عليهم، والحرب منا بسهولة. ولذلك يجب أن نظل متأهبين طوال فترة الكمين."
هز الرجل رأسه بالموافقة، ثم قال (سامح):
تلتقي الساعة الثامنة مساءً، ويبدأ الكمين في التمركز
حول المناطق التي اتفقنا عليها من الساعة التاسعة، ونحن
سنتمركز في شقة (حسن) من العاشرة تماما."
حياه الرجال وانصرفوا وانصرف معهم الطبيب، والذي شکره (سامح) على حسن متابعته للحالة النفسية لآدم،
والمعلومات التي أمده بها ... غادر الجميع الغرفة، وبقى الرجل الوقور بجانب (سامح) الذي التفت إليه بأدب وهو يقول:
".لي
2 " أشكرك يا سيادة اللواء على الصلاحيات التي .
تنهد الرجل وهو يقول لسامح بصوت خرج عميقا: - " الأهم من ذلك أن تبدأ سلسلة تحقيقات موسعة داخل الإدارة، يقودها رجال شرفاء من رجالنا، كي يظهر الفاسدون
منحتها
على السطح، ويتم التعامل معهم بأسرع الطرق." لقد قرأت أسماء الضباط الذين رشحتهم لتولي التحقيقات غدًا، وعند الليلة تنتهي مهمني في إدارتكم، وآسف
إن كنت تدخلت فيما لا يعنيني."
ابتسم الرجل الوقور
- " يا (سامح) في كل جهاز أمني تظهر فترات من تفشي
الفساد في أرواح بعض رجاله، ولكن يحين الوقت الذي تعود
يد الوطن لتقتص من هؤلاء الفاسدين لمصلحة الشعب. وأنت
بما كشفته لرجالنا الشرفاء من معلومات، سلمت لهم رقاب هؤلاء من باعوا ضمائرهم من داخل الإدارة. وما لم تعرفه، أن هناك مجموعة من الضباط داخل الإدارة قد تقدموا من شهر ونصف بشكهم في بعض زملائهم، الذين يستخدمون أساليبا غير مشروعة، وكانت الجهات العليا تتجهز في سرية لبدء التحقيقات.. ومعلوماتك كانت الورقة الأخيرة، التي ضمها
الرجال، لتبدأ التحقيقات."
ابتسم (سامح) وقال باحترام مشوب بالإحراج
- " لي رجاء عند سيادتك، وهو أن يتم مراعاة الحالة النفسية التي وصل إليها (آدم)، والتعامل معه من منظور المرض
النفسي في البداية."
22
- " سنجعل كلامك في حسباننا يا (سامح). بمجرد أن يتم
القبض عليه الليلة تحت قيادتك، سيتم التعامل معه بكل احترام، وفي نفس الوقت سيصدر أمر الاستدعاء الحسن، لاستجوابه في التحقيقات التي ستبدأ غدا."
نهض (سامح) وهو يصافح الرجل، وقال بأدب:
" سعدت بالتعامل معك يا سيدي، وأرجو أن تبلغ تحياتي
" )......( للسيد
الساعة ١٠:٣٠)
الشارع الطويل الذي تقع فيه العمارة التي يسكن بها (حسن)، والذي يمتلئ بمحلات الملابس والمطاعم والمكتبات
كان في حالة من الاستقرار في حركة البيع والشراء. لو سرت بنظرك في الشارع، ستجد كل شيء في مكانه... ربما لن تلاحظ ذلك البائع الشاب الذي يجلس أمام محل الملابس الذي يعمل به، ويمسك علبة بلاستيكية من الكشري يأكلها بنهم، وهو ينظر على المارة، ليسلي نظره.. ربما لن تلاحظ الميكانيكي الجديد الذي انكب على سيارة يعمل بها بكل همة، ويتكلم مع صاحبها أثناء العمل.. لن تلاحظ هذا الشاب الذي يطل من إحدى شرفات الشارع، وهو يدخن السجائر، وهذا الشاب الذي يمسك بمجلة هزلية يقرأ فيها .. أما الشاب والفتاة الجالسان على أحد المقاعد الحديدية المنتشرة على الرصيف المقابل في آخر الشارع يتكلمان همسا، وعين كل منهما في عين الآخر بشوق وهذا الذي يربط يده اليسرى ويتحدث في الهاتف بغضب، وهو يتكلم عن انتظاره للمعلم (شوقي) كي يأتي في الميعاد، ولكنه تأخر إلى الآن.. كل هؤلاء وغيرهم لن يتوقع أحد أنهم أفراد الكمين الميداني، الذي يندس وسط أهالي الشارع بطريقة طبيعية، يبدو أن الجزار الليلة سينتظره الكثيرين...
(الساعة ١١:٠٠)
نظر الضباط الثلاثة إلى بعضهم، ثم السامح، الذي خاطب
(حسن) الذي يقف أمامه بمنامته قائلا:
- " أنت ستدخل لتنام الآن بطريقة طبيعية، وتغلق عليك
الباب، وتغلق أضواء الشقة كما قلنا، ثم تنام، ولك اختيار الطريقة التي تنام بها. إذا أردت أن تغط في النوم، فهذا يرجع لك، أو إذا أردت أن تكون متيقظا فهذا اختيارك أيضا، المهم أنك ستغلق باب الغرفة عليك، وببساطة عندما يدخل الجزار الشقة، ويتجه لباب الغرفة ليفتحه سيجدنا نحن نفتح الأضواء، وبسرعة نطلق عليه الطلقات المخدرة غرفتك من الداخل بلا نوافذ، فنحن نضمن إذا أنه لن يدخل لك قبل أن يمر من الصالة أولا، والطرقة وبالتالي سنراه نحن على ضوء الحمام المضاء بطريقة طبيعية، حيث أنه يعطي إضاءة خافتة، تنير لنا باب الشقة الرئيسي ومدخل غرفة النوم. نحن سنكون موزعين رجلان في كل غرفة، أنا و هذا سنكون في تلك الغرفة، ونحن نفتح بابها ونظلمها كي نرى على الضوء الخافت.. وهذان الرجلان سيجلسان في غرفة الصالون، وستكون مظلمة أيضا، وعند مشاهدة الجزار تخرج بهدوء، ويضغط الرجلان في غرفة الصالون مفتاح الإضاءة، وينهالان عليه بالطلقات، ونحن في
نفس التوقيت نضغط زر الإضاءة. وعندما يسمع الكمين صوت الطلقات، فإن الكل يتجهز وينتقل الكمين من حالة الخمول والمراقبة إلى حالة التأهب كخط دفاعي في حالة هروبه.. وباقي الضباط سيصعدون إلى هنا سريعا لمتابعة القبض
على الجزار.
كل ما سبق كان ينزل على أذن (حسن) وكأنه لا يفهمه وتعبير اللامبالاة يرتسم على وجهه، مختلط بتعبير ينم عن إجهاد في النهاية هز (حسن) رأسه، وقال بأنه سيدخل لينام، في حين توزع (سامح) والباقون على الغرف، والأخير يشدد عليهم بعمل آخر اتصال الآن بضباط الكمين الميداني، ثم إغلاق هواتفهم المحمولة واللاسلكي حتى القبض على الجزار.. وبالفعل
ممركز الجميع في جهاتهم
(الساعة (١:١٥)
الشقة هادئة الأصوات خافتة الإضاءة ومازال الرجال يجلسون في أماكنهم متحفزون يمسكون بالمسدسات وعيونهم على الممر الموصل لغرفة (حسن)، لماذا تأخر الجزار كل تلك الفترة !!!! هل سيأتي أم أنه سيؤجل حكم الإعدام اليوم ؟!!!
الأفكار تتصارع في مخيلة الرجال، وهم ينتظرون الجزار،
ولكن فجأة.. ظهر جسد في الطرقة.. وانقطعت الإضاءة عن
الشقة، وغرقت في ظلام دامس هب الرجال من أماكنهم وكل منهم يتحسس الحائط الذي يحتوي على زر الإضاءة حتى وصل أحدهم إليه، فضغط عليه ولكن لم يستجب. أخذ يضغط بلا فائدة، وهو يقول بصوت هامس يسمعه الجميع:
- " لقد قطع أحدهم الكهرباء عن الشقة."
توقف الجميع في أماكنهم، وبدأ الكل في إخراج هواتفه المحمولة ليستخدم ضوءها، ولكن صوتا ما جعلهم يتحفزون... صوت خطوات تدق على الأرض.. صوب أحدهم مسدسه وحاول أن يتخيل مكان وجود صاحب الدقات من خلال الصوت، ولكنه فشل في يتهشم.. nديد المكان. فجأة صوت زجاج
- " لقد صر الجزار !"
قالها أحد الضباط، الذين كانوا يعلمون أن علامة وجود الجزار في المكان هو تحطيمه للمرايا ...
صوت زجاج آخر يتهشم.. كيف يعرف هذا الرجل طريقه وسط الظلام؟ كان أحد الرجال قد أخرج هاتفه، وعن طريق
الضوء الصادر منه بدأ يحركه في اتجاه الصالة، كي يلتقط
الموجودات، ثم ظهر ضوء آخر من هاتف آخر، ثم ضوء ثالث، لتظهر صورة مشوشة للصالة.. لحظة.
تسمر الجميع وهم يشاهدون على ضوء هواتفهم الجزار يقف، يمسك سكينا، وينظر إلى مرآة كبيرة، معلقة في أحد الأركان، تعتبر كقطعة فنية مكملة لديكور الصالة. كان ينظر للمرأة، ويرى انعكاسه بها .. ارتفعت فوهات المسدسات تصوبها ناحية الجزار، ولكن صوت (سامح)، الذي جاء بقوة ليقول " أنزلوا المسدسات "، جعل الجميع يتسمر في مكانه.
الإضاءة الخاصة بالهواتف صغيرة لا تظهر مساحة كافية من الجزار، ولكنها تظهر شكله الخارجي، وظهره الذي يديره إليهم وهو ينظر للمرآة.. اقترب (سامح) وهو يحمل أحد الهواتف
قليلا من الجزار، والذي كان يبعد عنه بحوالي ستة أمتار..
تكلم الجزار بصوت خفيض مبحوح، موجها حديثه للمرآة قائلا:
" ياااااااه بعد كل تلك الأيام نعود لتلتقي من جديد.. يا " )حسن(
توقف (سامح) عن السير، وهو ينظر الظهر الجزار، الذي
التفت ببطء ليواجه (سامح)، الذي سلط ضوء الهاتف على
وجهه.. وجهه يظهر ببطء في الإضاءة الزرقاء.. إنه !!!!!!! إنه
!حسن) ؟؟(
لم يظهر على (سامح) أي تعبير، في حين قال (حسن): - " سيد (سامح.. طوال تلك الفترة وأنا أنتظر مقابلتك. هلا عرفتك على نفسي.. أنا آدم محمد عبد الرحمن) سابقا...
والجزار حاليا."
أخذ يقهقه عاليا، وهو يترنح، ويقول وهو يه ل، وهو يشير لسامح: - " كنت تحاول منعي يا سيد (سامح) طوال تلك الفترة، ولكنك فشلت أليس كذلك؟.. اعترف بفشلك، وها أنا أمام صديقي القديم، حضرة الضابط (حسن).
قالها، ونظر إلى المرأة بغل وهو يترنح، ثم يخاطب المرأة
بنفس الصوت المبحوح قائلا: - " ألا تريد أن تلقي على التحية يا حضرة الضابط، أم
أقول كما يقول الناس في الشوارع.. يا باشا؟"
فجأة تغير وجه (حسن) وهو ينظر للمرآة، ليظهر انعكاسه
وهو ينظر بفزع وسمع الجميع (حسن) وهو يقول بصوته
الطبيعي :
- " ماذا تريد مني يا (آدم) ؟؟ أنا لا أريد أن أموت."