رواية الجزار الفصل السابع7 بقلم حسن الجندي


 

رواية الجزار الفصل السابع بقلم حسن الجندي

تغير وجه (حسن) مرة أخرى، ونظر بسخرية للمرأة، وقال

بصوت مبحوح - " لا يا صديقي.. أنا لن أقتلك، فأنا لست بقاتل مثلك... أنا فنان."

قالها، وأخذ (حسن) يضحك ويضحك، حتى وقع على ظهره من الضحك، ثم نهض بصعوبة، وهو يقف أمام المرآة مرة أخرى.

مل

- " نعم الصديق الوحيد والزائر الغريب.. منذ شهر يناير، عندما طلب زيارته أول مرة و (آدم) لم يقبل، وبعد إلحاح غریب استطاع أن يدخل غرفته الخاصة بصحبه الطبيب وممرضة أخرى.. وكل ما فعله (آدم) أن نظر لدقائق للرجل، والرجل ينظر إليه، وكأنهما يتقابلان أول مرة - هذا ما قالته الممرضة التي حضرت اللقاء ثم انتهت الزيارة، وخرج الرجل، لكنه عاد مرة أخرى بعد أيام، ولكن هذه المرة كانت الممرضة فقط في صحبتهما، وظلا ينظران كل واحد إلى الآخر حوالي ربع ساعة، وانتهت الزيارة أيضًا. وفجأة - بدون سبب أصبح هذا الرجل يزور (آدم) بصفة منتظمة كل يوم ثلاثاء أو أربعاء من كل أسبوع، مما يجعلني أعتقد أن هذا الرجل أجازته من عمله يوم ثلاثاء أو أربعاء وأصبحت الزيارة تتم في غرفة (آدم) بدون حضور أحد، وتظل الزيارة من عشر دقائق إلى ربع

ساعة، ويخرج الزائر. حاول الأطباء معرفة ماذا يحدث بالداخل، ولكنهم توصلوا لشيء واحد.. هذا الزائر يدخل، ويظل الاثنان ينظران كل منهما للآخر طوال فترة الزيارة، ثم يخرج الرجل. لم يفت أسبوع واحد بدون زيارة هذا الرجل لآدم حتى يومنا هذا.. الشيء الذي يجعلك تشكين أن هذا الرجل دائما ما يرتدي قبعة ونظارة شمس في كل زيارة، كأنه يتعمد ألا يتعرف عليه أحد. فقط هو يخلعهما وهو بالداخل، ويرتديهما قبل خروجه."
اختار هذا الوقت لأنه من بتجربة عنيفة جدا في مثل هذا الوقت، ولذلك هو يعيد تجربة مشابهة لها عندما يحين كل ثلاثاء من كل أسبوع، وكأنه يحيي ذكراها .. المرايا التي يكسرها قبل ارتكابه الجريمة هذا تعبير عن خوف (آدم) من رؤية وجهه في المرآة، وهذا لغز يشغلني، فلماذا يخاف أن ينظر لوجهه في المرأة؟ يمكننا أن نضع احتمال أن وجهه يحتوي على تشوه، يخشى رؤيته في المرايا.. ولكن ارتكاب الجرائم في توقيت واحد، وزمن واحد يجعلني أميل إلى وجود شخص لا يريد أن براه (آدم).. شخص يخشاه، وكأنه عدوه اللدود، ولذلك يكسر المرايا كي لا يراه.. هل هناك شخصيتان للقاتل ؟

على فكرة أنا أعرف أنك من كنت تزور (آدم) في المستشفى بانتظام كنتما تنظران لبعضكما بدون أن ينطق أحد كما .. الجلاد ينظر في عين الضحية، ولكن الضحية بنظراته يقول لك إن موعدك قادم.. أعرف شعورك يا (حسن)) وأعرف فيما كنت تفكر وأنت تتخفى لتقابله بانتظام.. كنت تريده أن يثور أن يتهمك، أن يقتلك.. ولكنه كان ينظر لك فقط.. كان يقتلك كل يوم بنظراته.

...

برغم مفعول المورفين الذي يسري في جسده، شعر (لطفي) بغضب حدث ... وبأن أعصابه ابه أصبحت مشدودة وهو يتذكر ما

- " لقد كنا نحاول أن نحمي الأمن العام، وهذه أشياء لا

يفهمها أمثالك."

اقتربت أنفاس الغريب من رقبة (لطفي) من الخلف، وقال:

- " إذن فقد قمتم بتعذيبه وقتل زوجته.

صرخ (لطفي) بغضب:

" فلتفعل ما تريد.. آدم وزوجته وطفلته ماتوا، ولا يوجد

دليل واحد يؤكد قصتك.

هنا أطلق الغريب صرخة وهو يقول بغضب:
أنا الدليل.. أنا الدليل.."

قالها وهو يدور حول (لطفي) ليصبح أمامه، ثم صرخ وهو

يقرب وجهه منه

".)أنا (آدم " -

اتسعت عينا (لطفي) وهو ينظر له قائلا:

***

"!!!!...مستحيل "

ظهر أن الرجل الواقف في الظلام يخلع شيئًا ما بي ما يرتديه، يبدو أنه سترة، وأثناء خلعه لها ظهر لمعان الأشياء معدنية تبرق من

داخل السترة على ضوء القمر

- " أعدك أنك لن تشعر بشيء، عندما تغمض عينيك."

تراخی جسد (عمر) وهو بغمض عينيه، وهو يسمع صوت خطوات خفيفة تقترب منه، وهو يقول بصوت مرتعش يحمل

المحة من السخرية:

- " كنت أقول الحسن أنني لن أقتل على يد الجزار مهما

حدث كلامي كان مقنعا بدرجة كبيرة.. لكن من داخلي

كنت أعرف أنني سأقابلك."
شعر بوخزة محقن في ذراعه اليمنى، وسائل يدخل في عروقه... في تلك اللحظة، فتح (عمر) عينيه فجأة، ونظر إلى الرجل ووجهه المظلم بسبب ضوء القمر الخافت، الذي يأتي من خلفه بالرغم من الضوء الخافت الذي يخفي معالم وجهه، إلا أن (عمر) بعد أن نظر له... صرخ فجأة...

...

(حسن) هو الجزار .. قالها (سامح في عقله، وهو يتذكر الأحداث وسريانها، في حين (حسن) يقف مترنحا أمام المرآة، ويتكلم معها بعنف بشخصيتين، قال (حسن) بصوت مبحوح

- " ها هي الدائرة ستنغلق مرة أخرى لتنتهي، وأنت تقف أمامي ذليلا تعض على أناملك، مثلما فعل من كان قبلك."

تغير ‏ وجه (حسن) وعاد لصوته وهو يقول: " اسمع.. لن تستفيد بقتلي.. يمكنك تقديمي للمحاكمة،

ليعرف العالم كله ما حدث لك.. أرجوك حاول أن تختار . "

تغير وجهه مرة أخرى، وعادت النظرة الساخرة إليه، ثم نظر

الأسفل وهو يفكر. وفجأة.. أخذ (حسن) يرجع خطوتين

للخلف، ويسير يمينا ويسارا وهو يفكر.. كانت طريقته في 

السير غريبة، فهو يعرج بقدمه اليسرى بصوت مميز، ولكن الغريب أنه كان يقهقه بشكل جنوني، وكأن سعادة الدنيا كلها اجتمعت فيه، ثم فجأة نظر للمرآة وهو يخاطبها بصوته المبحوح

الخفيض قائلا:

- " هل تريد أن أضحي بمتعتي الآن؟ الفرح بداخلي لا يمكنني قياسه. بعد كل تلك المدة ها أنا أقف أمام من دمرني وأكل لحم زوجتي، وتعتقد أنني سأعفو عنك !!! هل تعتقد أني

بطل من الأفلام القديمة؟" أخذ صوت ضحكاته يرتفع بشدة مجلجلا، وفجأة يتغير وجهه لينظر بخوف، فيظهر انعكاسه في المرآة، وهو ينظر بفزع ويقول بصوته الطبيعي بطريقة حزينة

- " سواء قتلتني أم لا ستتم محاكمتي، ويتم إيقاني عن

العمل.. ضاع مستقبلي وضاعت حبيبتي، فيمكنك أن

تقتلني."

" وأنا ماتت حبيبتي وابنتي، ودمر مستقبلي وجننت. أنا

نصف میت یا (حسن).. أقف بين الحياة والموت، أريد أن ألحق

بعائلتي، ولكن أنت من جعلني أنتظر في الحياة كي أشفي

غليلي.. حان الوقت لأموت وأخذك معي للعالم الآخر، حيث

تحاسب نحن الاثنان على جرائمنا بحق."
الضباط لم ينبس أحدهم بحرف، بل ظلوا يراقبون ما يحدث من تحول لشخصية (حسن)، وتغيره إلى شخصية (آدم)، ثم العودة لشخصيته.. لم يفكر أحدهم حتى بإطلاق الطلقات المخدرة عليه لشدة ارتباكهم ولكن الذي تكلم كان (سامح)، وقال بنيرات هادئة

" شرفت بمعرفتك يا (آدم).

نظر له (حسن) فجأة، وعلى وجهه ارتسمت تعبيرات السخرية، وقال بصوت مبحوح 2

- " قلت لك في رسالتي ابتعد عن دائرتي، كي لا تنغلق

عليك، ومازلت مصرا على الإيقاع بي."

- " بالعكس.. مهمتي هي إظهار الحق، وإرجاع حقك مرة

أخرى. غذا ستثار قضيتك مرة أخرى، ويقدم للمحاكمة كل من كان له يد في أذيتك.. غدا يوم آخر، يعود العدل فيه مرة. ثانية."

تعالت الضحكات من (حسن)، وهو يقول محاولا التماسك

من كثرة الضحك:

" ما هذا الكلام المضحك الذي تقوله؟ عدل !!!

هاهاهاهاهاهاها لا يمكنني التماسك من الضحك.. هل تريد أن
ترى العدل؟.. ما أفعله هو العدل بعينه العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم "

تغير وجهه فجأة، وعاد لوجه (حسن) الطبيعي، ونظر

للمرآة، وقال بتوسل:

ارحمن.. ارحمن.. لا أريد أن أموت . 22 اقترب (حسن) وهو يعرج من المرأة أكثر، حتى أصبح أمامها. ونظر بقرف للوجه الذي يطل عليه من المرأة، وقال

بصوت مبحوح بطيء الكلمات

- " هل تعرف يا (حسن).. الآن أخط نهاية قصتي.. النهاية هي أمتع جزء في القصة.. ونهايتي هي اللون الرمادي.. ألا تراه معي ؟"

قال (حسن) تلك العبارة وهو يضحك بشدة، ثم فجأة رفع السكين التي يحملها منذ البداية ووضعها على رقبته، وذبح نفسه بها، وهو مازال يضحك حتى سمع الجميع حشرجة تخرج منه، وهو يضحك والدماء تسيل من رقبته.. كان يحاول أن يرفع يده اليسرى ناحية المرأة، مشيرا لها وهو يضحك.. ولكن آخر حشرجة لم تمهله، فوقع على ركبتيه.. صور كثيرة تمر أمام عيني (حسن).. طفولته في قريته.. الفتيات اللاتي أحببنه.. يوم تخرجه من كلية الشرطة ووالدته تحتضنه وهي تبكي.. لحظة
أن أدخل والدته المقبرة وهو يودعها .. (بتول) تنظر له شاخصة

البصر .. (مريم) تبكي أمامه.. (آدم) ...

فجأة زاغت عيناه، ووقع على الأرض، وجسده يرتعش رعشات سريعة، حتى حبتت تماما بعد ثوان...

تحرك الضباط سريعا وهم يضيئون لأنفسهم الطريق، فمنهم من جرى يبحث عن مفاتيح الإضاءة الرئيسية في الشقة، ومنهم من أمسك اللاسلكي بعد فتحه، وهو يبلغ الجميع بالاستعداد وإبلاغ عربة الإسعاف، وصعود الضباط، والثالث جرى ناحية الباب، وهو يتحسس طريقه حتى فتحه، ليفاجاً بظلام فمصباح السلم غير مضاء.. الكل يتحرك إلا (سامح)، الذي اقترب ببطء من جثة (حسن)، التي كانت على وجهها، ثم ثنى

ركبتيه وهو يتطلع إلى الجنة ويقول بصوت خفيض:

كنت أنت (آدم) و (حسن).. أنت القاتل والمقتول.. كل ليلة ثلاثاء يتخرج (آدم) من داخلك، ليبدأ القتل.. تخاف أن ترى وجهك في المرآة كي لا ترى (حسن).. (آدم) داخلك يصحو ليلة الثلاثاء ليبحث عن قاتله، وأنت يا (حسن) لا تعلم

أنك تبحث عن نفسك.. قاتلك في داخلك يا صديقي."

قام (سامح) من موضعه وعلى وجهه علامات الشرود

الشديدة، وقد عادت أضواء الشقة، وظهر الضباط، وتجمع

أفراد الكمين يستفسرون عما حدث، في حين أن (سامح) تراجع قليلا، ليجلس على أحد مقاعد الصالة، بعيدا عن الجنة... فقد القدرة على الحزن أو الفرح.. لقد حاول حماية (آدم) من (حسن)، وحماية (حسن) من (آدم).. كان يخاف أن يقتل أحدهما الآخر .. لم يتوقع أن الاثنين سيقتلان في نفس التوقيت.. (حسن) الضابط المحترم يصيبه نوع من التقمص كل ليلة ثلاثاء بعد الثانية عشر ليصبح (آدم)، ليبحث عن (حسن)، لذلك كان يكسر المرايا، كي لا يرى وجهه.. كي لا بری (آدم) وجه الرجل الذي يبحث عنه، والآن حان الوقت ليراه، لأن ميعاده قد أتى.. نظر في المرآة، فوجد الضابط... هكذا بكل بساطة (آدم) هو من يتكلم و(حسن) يجيبه في المرأة.. يسأل ويجيب على نفسه... سه .. أم يحق (آدم) يسأل و (حسن) يجيبه ؟ نظر مرة أخرى للجثة، ثم نظر أمامه، وفي عقله تراصت عبارة لا يعرف من أين أنت ولكنها كانت ثابتة في عقله،

كأن أحدهم يرددها بجانبه:

النهاية الرمادية)

ثم نظر للجثة مرة أخرى، وهو يقول هذه المرة بصوت مسموع بحسرة 
النهاية الرمادية
كان (سامح) يجلس في مبنى جهاز أمن الدولة، في الغرفة التي أعدوها له مسبقا، وأمامه ملفات القضايا ينظر لها، ولكنه لا يفتحها بين الحين والآخر يتلقى اتصالا من أحد الضباط، ليبلغه بآخر تطورات المعمل الجنائي، الذي يعمل الآن، وبكل طاقته على تحليل البصمات والأحماض، وتشريح الجثة وخاصة بعد أن وجدوا جاكيت أسود اللون داخل غرفة نوم (حسن)، من نفس الشكل الذي وصفته ربة المنزل في قضية (صابر)، وفي بطانة هذا الجاكيت وحدوا سكاكين صغيرة الحجم، ومشارطا جراحية، ومنشار تشريح صغير ، كلهم مثبتين بتشكيل معين داخل بطانة الجاكيت بحيث لا يمنعون مرتدي الجاكيت من التحرك والجلوس.. كان الجميع على قدم وساق كي تنتهي تحقيقات تلك القضية، وخاصة بعد معرفة الفاعل

نظر (سامح لعقارب ساعته فوجدها تتجه ناحية الثامنة صباحا.. فكر (سامح) في فكرة عجيبة.. انتهت القضية الآن وظل (آدم) و (بتول) و (نور) في طي الكتمان والنسيان... كيف سيفتح القضية الآن، وقد مات الجميع، وماتت الأدلة معهم؟.. سيتم إغلاق قضية (الجزار)، ولكن قضية (آدم)

الحقيقي لن يمكنه فتحها، لأنه كان يجب أن يحصل على (آدم)

أو (حسن)، والآن الجميع في عداد الأموات، تغلق كافة القضايا، ويظل هو من يعلم هذا السر .. شعر بأن عليه واجب يجب أن يقضيه.. يحتاج المقابلة من بدأت القضية عنده.. شعر أن عليه زيارة قبر (بتول).

...

سأل الشاب الذي يرتدي الجلباب، ويجلس بجانب أحد المصاطب الحجرية يقرأ الجريدة قائلا:

- " مقابر الحاج عبد الرحمن البورسعيدي) ؟ "

قال العبارة السابقة وهو يدس في يد الشاب عشرة

جنيهات، فنظر له الشاب وقال له: اتبعني. لهض من على المصطبة، وطوى الجريدة وهو يسير، ووراءه يسير (سامح، الذي عرف اسم العائلة، واسم المقابر من التحريات التي أجراها في الحي الذي كان يسكن فيه (آدم).

توقف الشاب، وأشار بيده إلى الطريق، وقال:

- " تسير في هذا الطريق، وتترك سبع حارات جانبية

وتدخل في الحارة الثامنة على يسارك ستجد بابها مفتوح منذ

زمن
د

د

أ

88

888

...

888

يوما بعد يوم

888

8888

8

تركة الشاب، وعاد أدراجه.. في حين سار (سامح) وهو يقرأ الأدعية داخله، التي تعود أن يقرأها عند زيارة القبور...

لحظة

من الحارة التي حددها له الشاب يخرج رجل.. هل هناك من كان يزور قبر العائلة ؟؟؟ الرجل يخرج، ويعطي ظهره لسامح، ويسير وهو يعرج قليلا في الاتجاه الآخر من الشارع !!!!

مازال (سامح) يسير، ولكنه مذهولا هذه المرة، وهو يسير وأمامه بمسافة يسير الرجل الذي يعرج قليلا.. وعندما وصل (سامح) إلى الحارة التي يجب أن يدخلها، توقف، وهو ينظر إلى

داخل الحارة من الخارج..

الحارة تبدأ بسلم من ثلاث درجات، يصعد للأعلى، ثم تسير في ممر صغير به فتحات على الجانبين، يبدو أن هناك

فتحات للرجال وأخرى للنساء.. هنا اتسعت عيناه.

هناك نقش في آخر الممر على الحائط.. أين رأى هذا النقش

من قبل ؟!! أثناء تنظيف غرفته بعد الاختفاء، وجدنا ورقة مليئة

بال ( شخبطة وها هي "

تناولها (سامح) وهو يتطلع للورقة بدقة.. الورقة مليئة بالخطوط الكثيرة، لكن هناك مجموعة متشابهة من الخطوط. رسم مشابه لرسم السهم، ومكرر سبع مرات بشكل غريب... ثلاثة أسهم بحجم صغير جدا تحت بعضهم، وثلاثة آخرون بجانبهم أكبر منهم قليلا، وسهم وحيد بعدهم، هو أكبرهم وأوضحهم..

باقي الورقة عبارة عن خطوط بسيطة، ودوائر لا تشترك في شيء، إلا أن الممرضة قالت بحرج وهي تشير للورقة:

- " دكتور (عاطف) عندما رأى الورقة قال بأن الدوائر تشير إلى أنه يفكر في طريقة لفعل شيء، لكنه يفشل. وكل دائرة تعني أنه يحاول التفكير في نفس الشيء بلا جدوى. أما النقط المتناسقة، فتعني أن عقله أصبح هادئا، وأنه أخذ قرارًا يريح باله. والأسهم يشيرون إلى أشخاص في حياته، إما يمثلون مثله الأعلى، وإما يمثلون فشله.. مازلت أتذكر كلامه جيدا."

...

نعم تذكر .. إنها الأسهم التي رسمها (آدم) على الورقة في المصحة نفس ترتيب النقش مع اختلاف أن الأسهم هنا تم
نحتها على الجدار بآلة حادة. نظر بسرعة أمامه مرة أخرى إلى الرجل الذي يسير، فوجده يقف على مسافة بعيدة جدا، وينظر له ويبتسم !!! من المستحيل تحديد الملامح من تلك المسافة ولكنه يبتسم بحق!

رن هاتف (سامح) المحمول، فرفعه وهو مازال ينظر للرجل، الذي وقف ينظر له هو الآخر، وضغط على زر الرد، ووضعه

على أذنه فسمع أحد الضباط يقول له:

- " انتهى الدكتور / عادل فودة من تشريح الجثة، وهو الآن

يكتب التقرير النهائي. ولكن هناك نقاط یا سید (سامح) بلا معنى.. فمثلا جثة (حسن) احتوت على نسبة من عقار يسمى أميتال الصوديوم على ما أتذكر وأيضا على نسبة من ال سي دي).. ثم هناك شيء آخر غريب.. العضو الذكري لـ (حسن) قد قطع بنفس السكين التي كان يحملها، وقتل نفسه بها، وفي غرفه نومه وجدنا عبارة على الجدار ، كتبت بالدم تقول (نهايتي رمادية). هل تعتقد أنه من فعل بنفسه هكذا

عندما تحول لشخصية الجزار ؟"

تطاير الشرر الغاضب من عين (سامح) وهو ينظر إلى

الرجل، الذي يقف ويبتسم، وقد بدأ (سامح) يستوعب الحقيقة

في عقله، ولكنه قال ببرود للضابط على الهاتف
استنتاجك صحيح ضع التقارير على مكتبي بعد

الانتهاء منها."

أغلق هاتفه، ونظر للرجل الذي أخرج شيئا ما من جيبه ثم وضعه على أذنه. هنا سمع هاتفه يرن مرة أخرى.. نظر على شاشته ليجد رقما غريبا، فرد عليه، ليسمع صوتا كالفحيح

يتكلم قائلا:

. " سيد (سامح).. إنه لمن دواعي سروري مقابلتك.."

انعقد حاجبا (سامح) وهو يقول:

- " من أنت؟"

‏w.mlazna‏

- " أنا (آدم) يا سيد (سامح ).. أو كما يطلقون علي...

(الجزار)."

ظل (سامح) صامتا، وهو ينظر إلى الرجل الذي يقف بعيدا،

ويتحدث إليه في الهاتف بذلك الصوت الخفيض الرهيب بطيء

نطق الحروف، والذي أكمل قائلا بطريقته:

" أنا (آدم) الحقيقي يا سيد (سامح)، وقد انتهت مهمتي كما أخبرتك منذ أسابيع، وعادت العدالة مرة أخرى، كما

كنت تريد لها، وإن كنت أدين لك بتفسير بسيط عما حدث. أمس في الساعة الثامنة مساءً، كنت أنا داخل شقة (حسن)،

وبالتحديد في غرفة نومه، وتحديدًا أكثر تحت فراشه.. أعرف أنكم تعدون لي الكمين، ولكن من كان يتوقع أن أعد لكم أنتم الكمين.. تنتظروني داخل الشقة وأنا بجانبكم.. الكل يتوقع

دخولي الشقة وينتظره، وأنا كامن في غرفة النوم المغلقة." الظلام يحيط بالموجودات، ولا ضوء إلا شعاع بسيط يدخل من أسفل الباب، ليضيء حدود جسد (حسن)، في حين أن هناك خروشة بدأت تظهر من تحت الفراش.. خروشة بسيطة لا تلتقطها الأذن.. وفجأة.. خرج جسد ما من تحت الفراش بصعوبة، ثم وقف على قدميه، وهو يفرد جسده ويحرك أطرافه بسبب الخمول الذي استبد به من جلوسه تلك الفترة تحت الفراش.. نظر الرجل إلى الجسد النائم، ثم أخرج محقنا مليئًا بسائل أصفر اللون، ووضعه على الكومود، ثم فجأة ضغط بيده اليسرى على فم النائم الذي فتح عينيه فزعا، ثم وبيده الأخرى دب المحقن في ذراعه وبعد أن دخل السائل جسده، استخدم نفس اليد لضربه على رأسه، ففقد الوعي للحظات... ظل هكذا يضع يده على فمه دقائق، (حسن) في حالة ما بين الوعي والنوم، حتى رفع هو يده، ثم اقترب من أذنه، وقال له هامسا
"أنت (آدم) محمد عبد الرحمن)، هناك من يدعى (حسن المهدي اغتصب زوجتك، وقتل طفلتك منذ عامين.")

أكمل (آدم) كلامه بصوته المبحوح ذو الكلمات المتقطعة:

" زرعت جميع ذكرياتي في عقل (حسن) في الساعة التي قضيتها بجانبه.. طريقتي في الكلام في السير.. أنفاسي مشاعري.. كيف أكلت الجميع.. كيف استمتعت بلحمهم...

لم أترك شيئا إلا وزرعته، حتى كرهي لحسن."

مادة (أميتال الصوديوم) أو بنتوتال الصوديوم) استخدمت استخدمت بكثرة في المعتقلات النازية، وقد روج الألمان أساطيرها لإرعاب الأسرى من تلك المادة التي تعمل على القشرة المخية، وتقوم بفصل جزء من الوعي عن الشخص بعد حقنه بجرعة معينة حيث يمكن للشخص أن يتقبل أي أوامر تأتي له من الخارج لأن العقل الواعي في تلك الحالة يكون في حالة غياب مؤقتة وبالتالي في حالات كثيرة تتوقف قدرة المخ على التخيل والإبداع، مما يجعل من يقع تحت تأثيرها يفقد القدرة على اختلاق الأكاذيب، عندما يتم سؤاله عن شيء ما. وفي كثير من الأحيان استخدم الألمان ذلك العقار لبث أفكار معينة، أو أوامر أو ذكريات غير حقيقية، حيث يصحو الرجل وهو مقتنع بتلك الأوامر والذكريات، لأن عقله الباطن قد صنفها على أنها موجودة بالفعل ولكن كثيرين ممن وقعوا تحت تأثير ذلك المصل رفضت عقولهم تنفيذ الأوامر التي أنت لهم، أو حتى رفضوا الإجابة على الأسئلة التي وجهت لهم، بسبب عدم غياب الوعي بالكامل، مما جعلهم يتحكمون بجزء من الإدراك.

تعليقات



×