رواية اصقلها شيطان الجزء الثانى الفصل السابع بقلم سماح سماحه
أنصتت ميسرة لسدرة وهى تقص ما حدث معها منذ خطفها إلى اليوم الذي وجدها فيه وكيف استطاعت الهرب من زاهر ورجاله، نظرت سدرة لصقف الغرفة وشردت تتذكر ما مرت به.
- كنت راجعة فرحانة من عند الدكتور النفسي اللي كنت بتابع معاه في السر من غير ما حد يعرف لأن كنت خلاص خدت قرار أني مش هحاول أرضي حد ولا أثبت لحد أني أتغيرت وكفاية أن ربنا مطلع وعالم نيتي أيه، وقررت أعيش عشان سدرة وبس، بعد ما طلعت من عنده حبيت أتمشى أخد نفسي وأحس بالحرية اللي حرمت نفسي منها كتير لكن للأسف اتفاجأت بعربية ڤان بتقف جنبي وأتنين شالوني ودخلوني جواها وحطوا منديل على بوقي ومناخيري ودا أخر حاجة فاكرها بعد ما فوقت لقيت نفسي في مستودع قديم مهجور كله حاجات قديمة متكسرة مليان فيران وتعابين وعقارب لأنه كان في الصحرا، أتفزعت وبدأت أصوت من كتر خوفي لقيت كام راجل طالعين بودي جاردات ضخام وكلهم عضلات وبدأوا يزعقولي ويقولولي أخرسي لو فتحتي بوقك تاني هنخلص عليكِ فاهمة، خوفت وسكت لأن كان شكلهم قاسيين مبيقولوش كلام وخلاص، وفضلت كدا لحد ما جه زاهر المجرم الحقير اللي خلاهم خدوا طرحتي من على راسي وقام معور دراعي بمشرط صغير ومسح الدم فيها وقعد يضحك بشماتة، وبعدها أدى الطرحة لواحد من حرسه وقاله وديها على العنوان اللي في الورقة دي وتقول ليهم المكتوب فيها، وبعدها بكام ساعة أتصل على هارون وكان فاتح السماعة وسمعت كل الكلام اللي قاله له وعرفت قمتي عنده كويس.
مسحت ميسرة على ذراعها بحنو.
- متحكميش على هارون في ساعة غضبه هو مكنش في وعيه يا حبيبتي.
نزلت عبرات سدرة بألم.
- مدفعيش عنه يا ماما دا لو كان اللي في ضيقة دا عدوه مينفعش أنه يتخلى عنه، دا قاله روح أقتلها تلاقيكم متفقين سوا وعاملين النمرة دي عليا، طب افرضي مكتشفش أني بريئة كان سابني أموت عادي.
تجعدت تعابير ميسرة بحزن.
- لأ يا حبيبتي مكنش هيسيبك وانا مبدفعش عنه هارون راجل مبيتخلاش عن حد في ضيقة وأنتِ أدرى بيه مني وعارفة طباعه كويس.
تجرعت سدرة مرارة حلقها وتسألت بنواح.
- طب ليه قاله كدا وليه اتخلى عني؟!.
هزت ميسرة رأسها بنفي.
- هارون متخلاش عنك يا سدرة هارون ضحى بالورق اللي كان هيودي زاهر في داهية وراح سلمه له عشان ينقذك ويخلصك من إيده.
ثم صمتت قليلًا واستجمعت شجاعتها وواجهتها بما يدور في داخلها.
- بصي يا حبيبتي انا مش عايزة أفتح في القديم وكنت واخدة عهد على نفسي متكلمش فيه تاني بس أنتِ بتظلمي هارون وانا لازم أصارحك عشان ترجعي لعقلك، هارون لما شك فيكِ كان معاه عذره بعد اللي حصل منك في حقه بعد ما حبك وأمنلك ووهبك قلبه وأتفاجئ أنك بيعتي قلبه بالرخيص وروحتي أتجوزتي عمه عشان الفلوس ومش بس كدا دا أنتِ كنتِ السبب في طرده من شركاته وبيته لأول مرة، فعايزة يكون رد فعله أيه بعد ما كل الشواهد كانت ضدك أكيد كان هيصدق أنك فعلا عملتي كدا وخسرتيه شغله مقابل الفلوس، متزعليش مني يا بنتي بس هى دي الحقيقة المرة اللي لازم نواجه نفسنا بيها ونلتمس له العذر بيها.
يُقال ذاتِ يوماً يقع كائن من يكُن في هيام الحُب ها أنا الكائن في حُب معشوقي وقعتُ تخطيت تلك المشقات معكَ وتلك المتاعب معكَ وتلك الآلآم معكَ ها أنا اليوم معكَ اسأل...
بكت سدرة ونهضت من رقدتها تهز رأسها برفض.
- لأ يا ماما مكنش لازم يصدق لأن هو كان شايف وشاهد أن بقالي أكتر من سنة قدامة معملتش أي غلطة فيهم والندم كان بيموتني كل يوم وبقيت عايشة عشان أكفر عن ذنبي في حقه وكنت بتمنى رضاه وحاولت أقرب منه بدل المرة ميت مرة عشان نعيش زي اي زوجين بس هو اللي كان رافض يسمعني وقافل عقله وقلبه ورفض يسامحني ومقبلش توبتي وكان بيتلكك ليا عشان يطردني وما صدق جت له الفرصة.
زفرت ميسرة بحزن ورفعت كفها تمسح على وجنتها برفق.
- هو كان خايف عارفة يعني أيه، كان بيحاول يتقبلك تاني بس جواه كان خايف يصدق ليرجع يتجرح منك تاني زي ما تجرح أول مرة، وجرحه المرة دي كان هيكون أصعب وعقابه مدمر زي ما حصل والظروف كلها أتجمعت ضدك عشان تباني أنك أنتِ اللي بعتيه لزاهر، يمكن لو هو كان أهدى وحكم عقله كان عرف أنك مش ممكن تعمليها بس الترسبات اللي أترسبت في عقله الباطن عن أنك ممكن تبعيه عشان الفلوس خلته صدق وعمل اللي عمله، لو شوفتيه وشوفتي حاله السنة اللي أختفيتي فيها كنتِ عرفتي قد ايه هو بيحبك، دا عمره متقبل فكرة أنك لا قدر الله جرالك حاجة وكان بيأكد ديمًا أنك عايشة، دا راح لزاهر وجواه كان هيفديكي بروحه لو أضطر لكده، هارون بيحبك يا سدرة وكفاية بعد بقى، كفاية تعذبوا في بعض، أرجعيله وعيشوا حبكم اللي أتحرمتوا تحسوا بسعادته مع بعضكم.
ثم ضمت سدرة لحضنها تربت على ظهرها.
- أنتِ عارفة أني مش هحب حد قدك عشان كدا عايزاكِ تسامحيه وتعيشي معاه أحلى أيام عمركم قبل العمر ما يفوت منكم.
تنفست سدرة بعمق وأومأت ببطئ.
- يمكن بعدين أقدر أسامحه لكن دلوقتي مش قادرة.
تفهمت ميسرة حزنها وربتت على كتفها برفق ثم أبتسمت لها بحنو وسحبت رأسها برفق تريحها على ساقها مرة أخرى.
- خلاص يا حبيبتي اللي يريحك أعمليه وتعالي نامي تاني وكملي ليا أيه اللي حصلك بعد كدا؟.
أغمضت سدرة عينيها وأسترسلت تسرد باقي الأحداث.
- تاني ليلة كنت عاملة نفسي نايمة عشان أتجنب مضايقة زاهر ليا وسمعته وهو بيجمع حرسه وواخدهم ورايح لبيته في السر يجيب فلوس منه بعد ما مراته رفضت تدي لرجالته من فلوسه اللي مخبيهم في فيلته لما راحوا يطلبوا منها مبلغ كبير ليه وطردتهم، بعد ما مشيوا بشوية سمعت الراجل اللي كان زاهر سايبه يحرسني وأسمه يونس بيتكلم مع واحدة في التليفون عرفت من كلامهم أنها مراته كانت بتعيط وهى بتترجاه يبعد عن الغلط والحرام وميعرضش نفسه للخطر عشان يجيب فلوس لعلاج بنتهم الوحيدة وقالت له لو ربنا رايد ليها الشفا هيشفيها ولو لأ هى هتحتسبها عند ربنا لأن مش فلوسه الحرام هى اللي هتنقذها من الموت، لقيت يونس دا بيعيط ويقولها سامحيني ولو جرالي حاجة خلي بالك من نفسك ومن بنته، ساعتها يا خالتي دموعي نزلت غصب عني وحسيت قد ايه الدنيا دي صغيرة ومتستهلش أننا نحارب عشانها، يونس قفل السكة في وش مراته قبل ما كلامها يصحي ضميره ويرجع ليها من غير فلوس لعملية بنته.
زفرت سدرة بقوة وأكملت وعبراتها تنساب وكأنها تعايش تلك الأحداث مجددّا.
- ساعتها حسست على الدبلة اللي حطاها في السلسلة اللي في رقبتي، الدبلة اللي عم هارون جابهالي يوم جوازي منه كنت محتفظة بيها كذكرى منه مش أكتر وقررت أني أديها ليونس هى والحلق بتاع ماما يروح يبعهم ويعالج بنته بتمنهم، كنت خايفة أقوله كدا يفتكرني بعمل كدا عشان يهربني في المقابل، فطلبت منه أروح الحمام وافق وفك إيديا ووقف بره على بابه وانا لما خرجت مسكت إيده وحطيت فيهم الدبلة والحلق فبصلي وأستغرب فانا قولت له.
وشردت سدرة تتذكر حديثها معه.
- انا سمعت كلامك مع مراتك لأن صوتك كان عالي وانا مكنتش نايمة.
فأومئ لها يونس وأمسك يدها يضع فيها حاجتها.
- ومين قالك اني هقبل منك مساعدة أتفضلي حاجتك.
لمعت عين سدرة بعبرات سرعان ما فاضت من عينيها بألم.
- دول مش مني أقسم بالله دول مش بتوعي صاحبت الحلق دا تبقى ماما الله يرحمها وصاحب الدبلة جوزي الله يرحمه وانا لما قررت أديهم ليك مساعدة فا مش عشاني دا عشان ثوابهم يروح ليهم ويبقى في ميزان حسناتهم، أظن دي أقل حاجة أعملها عشانهم، صدقني انا مش عايزة منك حاجة مقابل ليهم، اسمع كلام مراتك ومتعلجش بنتك بفلوس حرام، خد دول فلوسهم حلال عالج منهم بنتك عشان ربنا يشفيهالك ومتبتلاش فيها، وخلي بالك الدبلة دي ألماظ يعني هتجيب ليك مبلغ كبير يكفي عملية بنتك، ويلا تعالى قيدني تاني وروح بسرعة فرح مراتك.
لم يستطيع يونس تحمل المزيد منها وأنهار على ركبتيه يبكي وهو يلحف وجهه بيديه، بكت سدرة هى الأخرى فما أصعب من قهر وعجز الرجل، فأقتربت منه تربت على كفه برفق.
- معلش انا حاسة بيك بس حاول تتمالك نفسك وتمشي بسرعة قبل ما زاهر ورجالته يرجعوا.
أنزل يونس يديه عن وجهه ونظر له وعيناه تشعان غضبًا وأمسك يدها بقوة وصرخ فيها.
- ليه بتساعديني وعايزة تنقذي بنتي ليه لدرجادي أنت طيبة ولا أنتِ ملاك نازل من السما يساعدني؟.
أنتحبت سدرة بقوة وهى تهز رأسها بنفي.
- لأ انا مش ملاك ولا طيبة زي ما أنت فاكر، مش يمكن بعمل كدا عشان أكفر عن ذنب كبير عملته وندمت عليه.
هز يونس رأسه بحيرة وكأنه لم يسمعها.
- ليه في الوقت اللي المفروض أقتلك فيه بتساعديني في أنقاذ بنتي من الموت.
أنقبض قلب سدرة بخوف لكنها أسلمت أمرها لله وأبتسمت له تطمئنه.
- مش يمكن ربنا عايز كدا عشان أروح له نضيفة وهو غافر ليا ذنبي، متأنبش نفسك بسببي اللي ربنا كاتبة ليا هشوفه المهم تلحق تروح تنقذ بنتك قبل زاهر ما يرجع.
صمت يونس قليلًا وهو ينظر لها بقوة ثم نهض من ركوعه وأمسك يدها وأمرها.
- أقلعي بلوزتك دي بسرعة.
أتسعت عين سدرة بخوف ورجعت للخلف تحتضن جسدها برعب.
- أنت بتقول أيه؟
ظل يونس يتلفت حوله حتى وجد غايته فأسرع يمسك به ويلقيه لها.
- أمسكِ بسرعة مفيش وقت انا هدور وشي وأنتِ ألبسي الجلابية القديمة دي وهاتي بلوزتك بسرعة مفيش وقت.
تعجبت سدرة مما يطلبه منها ولكنها نفذته بكل طواعية.
تنبهت سدرة لسؤال خالتها.
- وهو كان عايز بلوزتك ليه يا سدرة؟.
جلست سدرة ومسحت عبراتها ونظرت لميسرة.
- خدها وحطها على مليكان قديم كان في المخزن وضرب عليه رصاصة عند القلب وبعد كدا جرح رجله وغرقه دم عشان يكون دليل يوريه لزاهر ويقوله أنه قتلني وانا بهرب، وبعد كدا خدني بعربية ووصلني لأول الطريق وركبني عربية وطلب من صاحبها يوصلني اسكندرية، وبس دا اللي حصل معايا ولعلمك يا ماما كان رافض ياخد الدبلة والحلق وفضلت أحلفه ببنته لغاية ما خدهم ومن بعد الليلة دي معرفتش عنه حاجة ولا حتى عن بنته بس كنت بدعي ليهم ديمًا أن ربنا يشفيها ويخليها ليهم لأنها جت ليهم بعد عشر سنين من العلاج والعمليات واللف على الدكاترة.
ضمت ميسرة سدرة لها وهى تزفر براحة.
- ياه سدرة، ياه يا حبيبتي شوفتي أن الدنيا فعلا متستهلش ولما زهدتي فيها جاتلك راكعة، الحمدلله أن ربنا ألهمك أنك تعملي كدا ويكون سبب في أنقاذك من الموت.
لم تكن ميسرة وسدرة يعلمان أن هارون وحسان كان يقفان خلف الباب ويستمعان لكل حرف قالته سدرة، فقد رجع هارون مرة أخرى لكي يعطي ميسرة وحسان بعض الملفات التي نسيها في سيارته لمراجعتها والتوقيع عليها ويخبرهما بضرورة ذهابهما غدًا لدار الأيتام فهناك عدة أمور عالقة تخص أدارة الدار وعليهما حلها خاصة أن خالته زهرة مازالت في الإسكندرية وهو يجهل وحده كيف يحلها، وعندما توجه حسان لطرق الباب لكي ينادي ميسرة توقفت يداه وهو يستمع لصوت سدرة الذي يغلب عليه البكاء وهى تتحدث وعندما رأه هارون يقف هكذا أقترب منه وأستمعا سويا لكل ما قالته سدرة، فأشار هارون لحسان وأمسك يده وأبتعد عن باب الغرفة.
- عم حسان ياريت سدرة متعرفش أني سمعت حاجة من اللي قالته.
عقص حسان حاجبيه متسائلًا.
- ليه يا هارون وفيها أيه لما تعرف؟.
زفر هارون بقوة وهو يشير له بكفه.
- انا هقول ليها بس مش دلوقتي وياريت كمان طنط ميسرة متعرفش لغاية ما أقولها كمان.
أومئ حسان له.
- خلاص يا أبني زي ما تحب مش هعرفهم.
أبتسم هارون له ثم أستأذنه.
- ربنا يبارك فيك يا عم حسان، بعد أذنك لأني مستعجل.
غادر هارون بيت سدرة وصوت بكائها وهى تقص لخالتها ما حدث معها يتردد داخل عقله يجعله يغلي غضبًا وغيظًا ولولا أن زاهر قتل في السجن لكان قتله عقابًا على ما مرت به حبيبته، فقرر أن يعوضها عما مرت به وظل يخطط داخل عقله كيف يفعل ذلك دون أن ترفضه سدرة، وفي نهاية يومه كان في طريقه لقصره لكنه أمر سائقه بالتوقف وطلب منه ترك السيارة له والذهاب لمنزله، ثم قادها هارون لمنزل سدرة فقد ملّ من بعدها عنه وقرر قضاء الليلة بجوارها حتى وأن كرهت ذلك، وفي طريقه أبتاع لها ورد الجوري الاحمر والياسمين اللذان تعشقهما كما أبتاع لها الشكولاتة التي تفضلها ووقف يطرق بابها وهو متوترًا بعض الشيء من وجود ميسرة وحسان لكنهما سهلا عليه الأمر وأقترحا عليه أن يذهبا للدار لكي يتفقدا أمورها وأكمال ما ينقصها بعدما تغيبا عنها ليومان بسبب رجوع سدرة لهما، أخبرته ميسرة أن سدرة نائمة وأقترحت عليه أعداد طعامًا لها لأنها نامت دون أن تتناول شيء، أومئ هارون لها بأبتسامة وأغلق الباب خلفها ودخل لغرفة أعداد الطعام يقف أمام المجمد يختار منه ما يعده وقرر صنع شاورما الدجاج مع البطاطس المقلية والمعكرونة بصلصة الطماطم، وأستغرق ما يقرب من الساعة حتى أنتشرت رائحة الطعام الشهية تتغلغل في زوايا المنزل، ألتقطت أنف سدرة الرائحة فجعلت معدتها تقرقر جوعًا وتوقظها من ثباتها فنهضت تفرك عنقها وتمسح على وجهها ثم وقفت تتجه لغرفة أعداد الطعام حتى تخبر خالتها أنها جائعة لتضع لها الطعام فصدمت حين وجدته يقف يقلب الطعام ونظرت حولها باحثة عن خالتها أو زوج خالتها لكنهما غير متواجدان فعادت تنظر له وتدقق النظر فهى تشعر أنها في حلم، ألتفت هارون ليضع الطعام في الأطباق فوجدها تقف والدهشة على وجهها فأبتسم لها وغمز لها بطرف عينه.
- صح النوم يا قمر كل دا نوم؟.
ظلت سدرة صامتة فأقترب منها بعدما ألتقط قطعة دجاج وقربها من فمها يدسها فيه يرغمها على تذوقها ومضغها، ثم مد أبهامه بجانب شفتيها يمسحه برفق ويتذوقه.
- أوبس في حبة صوص من الفراخ جت على شفايفك....... ممممم تصدقي طعمه بقى أحلى.
خفق قلب سدرة وتلونت وجنتيها بحمرة قانية فقربه منها ورائحة عطره أرجعا إليها ذكريات قربه القليلة منها، فأستدارت مسرعة حتى تهرب منه لفضاء غرفتها تحتمي منه فيها لكن يده كانت أسرع من قرارها بالهروب وأمسكت بها تلصقها في الحائط وأقترب منها بوجهه يضع يديه على الحائط خلفها وهمس لها بضعف أضعف قوتها.
- مفيش هروب تاني يا حبيبتي فاهمة لازم تتغلبي على غضبك وخوفك وضعفك وتوجهي، وجهيني وقولي ليا كل اللي مزعلك مني خلينا نصفى لبعضينا ونبدأ حياة جديدة تكون مليانة بحبنا وشوقنا وخوفنا على بعض.
شهقت سدرة باكية فضمها هارون لصدره.
- بلاش تعيطي عشان خاطري لو بتحبيني متخلنيش أشوف دموعك دي تاني.
أستجمعت سدرة قوتها ودفعته عنها وصرخت به.
- يبقى تبعد عني ومتخلنيش أشوفك تاني لأني بكرهك وكل ما هشوفك هفتكر اللي عملته فيا، لو صحيح مش عايز تشوف دموعي خليك بعيد عني.
أغمض هارون عينيه متألمًا من أجلها.
- مينفعش يا سدرة تطلبي من البعد وأنتِ عارفة أن عمر راحتنا ما كانت في بعدنا عن بعض، سدرة انا بحبك ومش عايز أبعد عنك، انا حاسس بيكٌ ومقدر كل اللي مريتي بيه بس اللي حصلك كان غصب عني ومش بإيدي.
هزت سدرة رأسها والعبرات تتساقط من عينيها.
- وانا عمري ما هنسى صوتك وأنت بتقول لزاهر أقتلها هى متهمنيش لأنها خاينة زيك ولا يمكن متفق معاها تعملوا النمرة دي عليا.
أقترب منها هارون يمسك ذراعيها.
- أنتِ عارفة كويس أني قولت كدا وانا في وقت غضبي وعارفة كمان أني مكنتش هتخلى عنك، ليه بتحاسبيني على فعلي اللي كان رد فعل طبيعي لأفعالك معايا.
نفضت سدرة يديه وصاحت به.
- أفعالي انا، أفعال أيه دا انا فضلت أكتر من سنة بكفر عن ذنبي وأنت رافض تسامحني أو حتى تسمعني، ويوم ما جتلك الفرصة تصدق أن انا لسه مذنبة صدقت عشان ترميني بره حياتك من غير ما تحس بالذنب، وانا شايفة أننا كدا أحسن أصل أحنا قربنا من بعض بيخلينا نجرح بعض من غير ما نحس.
هز هارون رأسه بغضب وأمسكها يهزها بقوة.
- اسمعيني كويس يا سدرة بعد مفيش بعد فاهمة، لا انا هعرف أعيش من غيرك ولا أنتِ كمان هتعرفي تعيشي من غيري.
أبتسمت سدرة ساخرة من بين دموعها.
- مين قالك كدا ما انا كنت عايشة من غيرك وكنت سعيدة ومبسوطة قوي لولا أنت جيت وحرمتني من السعادة دي.
هز هارون رأسه بنفاذ صبر.
- أنتِ كنتِ عايشة عيشة مش عيشتك وكنتِ بتقنعني نفسك أنك سعيدة لأنك بتشتغلي وتشقي وتسعدي حد محتاجلك، منكرش أنك كنتِ بتبقي سعيدة بس مش دي السعادة اللي أنتِ محتاجها لأنك واخدة دور مش دورك ووقت ما يخلص وقت دورك فيها هترجعي تعيسة وحزينة لأنك محتاجة تريحي قلبك، وقلبك عمره ما هيرتاح غير مع اللي بيحبه.
أشارت سدرة بسبابتها عليه.
- اللي كان بيحبه دا هو أتخلى عنه في عز أحتياجه له.
أغمض هارون عينيه وزفر بقوة.
- عمري ما تخليت عنك وعمري ما هتخلى والحاجة الوحيدة اللي هتخليني أتخلى وأبعد عنك هى الموت.
رفعت سدرة رأسها لأعلى وقالت بإباء.
- لكن انا هبعد عنك ولو فكرت تقرب مني انا اللي هروح للموت بنفسي لأني بكرهك ومش قادرة اسامحك ومش عايزاك في حياتي وكل ما تفهم دا اسرع كل ما يكون أفضل ليك وليا.
أكتسى الحزن ملامح هارون وأجتاح الألم صدره وشعر بنغزات مكان جرح صدره لكنه لم يبدي أمامها ما يشعر ونظر لها بنظرات عاتبة.
- حاضر يا سدرة انا هبعد عنك وأوعدك مش هخليكِ تشوفي وشي تاني عشان أريحك.
ثم حمل سترته وخرج من منزلها يغلق الباب خلفه بقوة، أنهارت سدرة باكية على الأرض وظلت فترة تنتحب حتى نفذت دموعها وجفت عيناها كما جفت معاها مشاعرها، ونهضت بعدما شعرت بالبرد يغزو عظامها ويبس عضلاتها فجعلها ترتعش وبحثت بعينيها عن وشاح خالتها لتلتحف به علّه يقلل أرتجافها، رأت باقة الزهور التي أحضرها هارون تقبع على الطاولة فأقتربت منها وحملتها بين يديها تشم عبيرها الأخاذ فلفت نظرها علبة الشكولاتة أيضًا فأمسكت بها تتفحصها فوجدتها نوعها المفضل فأنهارت جالسه على المقعد تبكي على حظها الذي لا يأتي بما يسعدها غير متأخرًا بعد فوات آوانه