رواية لعنتي جنون عشقك الفصل التاسع والعشرون بقلم تميمة نبيل
أوقف سيارته السوداء المكشوقة بحركةٍ مفاجئة مصدرة صوتا عالٍ اثار انتباه كل من حوله أمام مدخل الكلية .... ثم ترجل منها بحركةٍ مغرية مدروسة وهو يرى من تحت نظارته السوداء ... نظرات الإعجاب من حوله ... وفتياتٍ يحملن المعاطف البيضاء ينظرن اليه بعضهن باعجابٍ صارخ بينما الأخريات ينظرن بحنقٍ من مظهر العبث المنبعث منه .........
سار متمهلا متقصدا امام طبيبات المستقبل الصغيرات وهو يتسائل عن سبب ازدياد جرعة الجمال لدى الطبيبات عنها حين كان يتم علاجه .....أم أنهن كن جميلاتٍ أيضا؟؟ .......ابتسم لأحدى الطالبات والتي تطوعت أولا باهداؤه ابتسامة اعجاب ... ثم أكمل طريقه
الى حيث تقف سما ......أراد أن يفاجئها اليوم بينما هو يعلم جيدا أنها لا تحب حضوره الى كليتها ... ابتسم بخبث وهو يعرف سر حنقها ... من المؤكد أنها تغار عليه من زميلاتها الجميلات .........مسكينة سماؤه الصغيرة ..... أنها لا تجيد التعامل مع عالمه الجديد الى الآن ..... لا تستطيع تقبل نظرات الإعجاب من حوله ...... طالما أنه يخفي عينيه العليلتين بنظارته السوداء فهو يبدو بمنتهى الوسامة .... ليس غرورا لكنه الأمر الواقع ...... فنظرات الفتيات تغمره من رأسه الى قدميه أينما ذهب .......لقد عاد فارس مهران .......فكر بهذه الفكرة التى تجعله يشعر بابتهاج خبيث كلما طرأت بباله ...........
كان يسير متمهلا مبتسما بخيلا .... الى أن توقف فجأة مكانه .....ظل متسمرا وقد تصلب وجهه وبدا وكانه قد نحت من حجر ......فعلى بعد أمتارٍ عديدةٍ منه , كانت سما واقفة تحمل كتبها الثقيلة و معطفها الأبيض على ذراعها .... تستمع بانتباه كلي لما يبدو أنه طبيبا نوعا ما ..... رجلا ضخما ذو عضلاتٍ قوية يكاد أن يخفيها بحجمه .....خشن الملامح صلب الهيئة وذو لحيةٍ صغيرة تحيط بفمه في أناقة و رجولة ......كان يتكلم باهتمام مقطبا جبينه وكأنه لا يرى تلك الجميلة الواقفة أمامه ... بل أن كل تركيزه منصب على ذلك الحوار الذي يأسرها به لتستمع اليه بكل هذا الإنتباه ......
رفع فارس نظارته السوداء عن عينيه وهو ينظر اليهما بشراسة .... ثم أخذ يقترب منهما متمهلا الى أن لمحته سما ..... إن كان توقع أن يرى الحماسة في ملامحها لرؤيته فقد خاب توقعه الآن ..... فسما عبست قليلا وهي تنظر اليه بعينين تلمعانِ حنقا من تطفله عليها....
وصل فارس اليها فلاحظه الطبيب الواقف معها فسكت عن الكلام وهو ينظر اليه متسائلا .... الا أن فارس ظل صامتا لعدة لحظات وهو يرمقه بنظراتٍ شرسه و أن كانت النظرات تقتل لكانت أردته قتيلا الآن .......
كانت سما هي من أبتدات بقطع هذا الصمت القاتل فقالت بصوتٍ حاولت قدر الإمكان مدراة الغضب بداخله ......
( دكتور اسلام ..... أعرفك بفارس ....... زوجي )
نطقها لكلمة زوجي اثارت غضب فارس للغاية ... فقد نطقتها بصوتٍ خافت قليلا و كأنها تخجل منها ..... من المفترض أن تشعر بالزهو لأنها زوجة فارس مهران .... لا أن تقولها بهذه الطريقة المحرجة ......
تابعت سما تقول لفارس بغيظٍ لم يلمحه الا هو ( فارس ....... أعرفك النائب اسلام )
أحنى الطبيب المجاور لها رأسه لفارس في تحيةٍ جوفاء زادتت من غضبه اكثر واكثر ..... ثم عاد الصمت ليسود وكأنهما ينتظران منه الانصراف .......
قال فارس في حدةٍ مفاجئة ( سما ..........هيا لننصرف .......)
عقدت حاجبيها وهي تنفث حمما من فمها الغاضب ..... لكنها آثرت السلامة فالتفتت الى الطبيب مبتسمة باعتذار وهي تقول برقة لم تمنحها لفارس منذ أن وصل
( اعتذر بشدة دكتور ......لابد لي من الانصراف , لدينا موعدا هاما )
ابتسم الطبيب لها برقة وهو يقول بهدوء ( لا عليك سما تفضلي ..... لكن لا تنسي ذلك التقرير )
أومأت برأسها مبتسمة ثم مدت يدها اليه تنوى مصافحته الا أن فارس مد يده بسرعةٍ ليلتقط يدها الممدودة و جرها خلفه بعد أن ابتسم للطبيب ابتسامة باردة تعتبر تحيه غبية .......
ظلت سما تسرع الخطا خلفه وهي تشعر بانها على وشكِ الانفجار من شدة غضبها على فظاظة فارس و احراجه لها أمام استاذها ....
جذبت يدها من يده بعنف و وقفت مكانها بصلابة ... فتوقف مكانه ليستدير اليها متسائلا بغضب الا أنها لم تمهله ليسأل بل سألته بحدة
( ما الذى أتى بك يا فارس ؟؟..... كم مرةٍ أخبرتك أنني لا أريدك أن تأتي الي هنا ؟؟ أنت تحرجني بمظهرك و تصرفاتك )
اتسعت عيناه قليلا وهو ينظر اليها .... يحرجها ؟...... بمظهره وتصرفاته ؟؟!!...........شعر بأنه على وشكِ ارتكاب جريمة لذا حاول جاهدا السيطرة على نفسه وهو يقول ضاغطا على أسنانه ....
( هيا للنصرف الآن وسيكون لنا حديثا آخر في البيت ............ثم من هذا الذي كنت تقفين معه هذه الوقفة الوقحة وحدكما )
جاء دورها لتتسع عيناها هي الأخرى ثم قالت بغضب
( وقفة وقحة ؟؟؟!!..... إنه استاذي ... وكنا نتكلم في أمورٍ أنت بالتأكيد لن تفهمها مهما حاولت )
ازدادت شراسة عينيه و كاد أن يبطش بها ... الا أن ما منعه هو اقتراب فتاة جميلة لا يتجاوز عمرها التاسعة عشر .....تحمل أيضا معطفها الابيض وتتهادى بدلالٍ من سما الى أن وقفت بجانبها دون أن ترفع عينيها عن فارس ........ثم قالت وهي تبتسم باغراء
( مرحبا سما ......عفوا لم اقصد مقاطعتكما )
التفتت اليها سما بشراسة وهي تلمح نظرات الاعجاب الفجة المتجهة الى فارس ... كما لاحظت أيضا بطرف عينها فارس وهو يسارع بتغطية عينيه بنظارته السوداء ..... ليخفي اثار التعرجات المحيطة بهما و ليبدو اكثر وسامة ........
شعرت سما بقلبها ينبض غضبا فلم تتمالك نفسها وهي تنظر الى زميلتها الصغيرة وتقول بحدةٍ واضحة
( مرحبا زهرة ....... لم تقاطعينا أبدا , أعرفك على زوجي فارس ....... فارس , زهرة زميلتي في نفس العام الا أنها تصغرني بأربعة أعوام ......أي أنك لو كنت قد تزوجت في سنٍ أصغر قليلا كان من الممكن أن يكون لديك ابنة في مثل طولها .......إنه في الخامسة و الثلاثين يا زهرة ..... أتصدقين هذا ؟؟..... اقدر دهشتك فأنا أعرف أن فارق العمر بيننا لا يستهان به )
شعر فارس في هذه اللحظة انه على وشكِ ان يقتلها بالفعل وهي تحرجه بهذه الطريقة أمام تلك الفتاة التى احمرت خجلا و احباطا بالرغم من عدم زوال الاعجاب من عينيها ......ثم قالت لسما بصوتٍ مغرٍ هامس و محبط
(يناسبه العمرتماما يا سما .........)
التفتت اليها سما بشراسة و هي ترغب في ضربهما معا ....... دائما ما يجلب معه الاحراج والاستفزاز كلما جاء الى هنا .....
قالت سما بفظاظةٍ لا تناسبها ( هل كنتِ تريدين شيئا يا زهرة ؟...........)
ارتبكت زهرة قليلا وهي تحاول تذكر الحجة التى أتت بها لتكلم سما فلربما عرفتها على من كانت تظنه شقيقها الأكبر .... لتفاجأ بأنه محجوز .....فقالت متلعثمة
( كنت أريد ..... دفتر المحاضرات الخاص بك و سأعيده اليك غدا )
أخرجت سما الدفتر من بين كتبها ثم دفعته بفظاظة بين يدي زميلتها وهي تقول بجفاء
(تفضلي ......... اياكِ و اضاعته او افساده ... لقد تعبت كثيرا في تسجيل ما فيه ..... و أرجو منكن أن تبدأن في كتابة دفاتركن الخاصة ..... لأنني لست المسؤولة عنكن .... كلكن تضيعن وقتكن و أنا الوحيدة التى تقوم بعمل كل شيء لتأخذنه على الجاهز )
عبست زهرة في وجهها و هي تقول تصفها في نفسها بكلماتٍ من المؤكد لن تعجبها .....بينما تطوع فارس ليسحب سما من ذراعها وهو يومىء مبتسما رغما عنه للفتاة الحانقة ......
حاولت سما أن تجذب ذراعها من يده الا أنه تمسك بها اكثر هذه المرة .... الى أن وصلا الى سيارته فركبت حانقة و صفق هو الباب خلفها بغضب ....
انطلقت السيارة بقيادته الحمقاء و التى بدأت في اعتيادها بعد أن يأست من محاولة الزامه بالقيادة الهادئة ......قال بعد فترةٍ و بعد أن هدأ غضبه قليلا
؛( كنت أعرف أمثالك اثناء دراستي ..........)
التفتت اليه بحدة وهي تهتف بلهجةٍ منذرةٍ بالشر ( أمثالي !!!!......)
نظر اليها بطرف عينه ثم عاد لينظر الى الطريق و هو يقول بهدوء مستفز
( نعم .... الذين يأكلون الكتب أكلا , و يشعرون بأن من يأخذ شيئا من ملخصاتهم وكأنه اخذ قطعة من قلبهم )
عقدت حاجبيها بشدة بينما احمر وجهها وازداد غضبها لدرجة انها شعرت باقتراب تفجر دموعها لكنها استطاعت أن تقول بصوتٍ مختنق
( لمجرد العلم فقط .... أنا اساعد الجميع , حتى أنهم بدأو في استغلالي بعض الشيء .... لذا من فضلك لا تبدي ملاحظاتك السخيفة , ثم ما أدراك بالدراسةِ أصلا ؟..... أراهن ان سنوات دراستك كان المفهوم العلمي لها هو عدد الفتيات الاتي أوقعت بهن خلال هذه السنوات )
لم يجبها .... الا أنها شعرت بأنها أوصلته لحافة غضبه بالفعل .... واخذت نفسا عميقا وهي تراه يزيد سرعته اكثر و اكثر ..... ارتجفت بشدة من سرعته الجنونية ... ثم قالت بجفاء تحاول امتصاص غضبه قليلا
( لماذا جئت اليوم ؟...... ولما لم تخبرني قبل أن تأتي )
لم يجبها للحظات ... وظل يقود مراقبا الطريق بغضب , لكنه قال بقسوةٍ بعد فترة
( أردت أن افاجئك و أصحبك لتناول الغذاء في الخارج ...... )
تنهدت مرتجفة وهي تشعر بقلبها الضعيف يحن اليه ثم قالت بصوتٍ خافت ( الى أين سنذهب ؟..........)
اجاب بكلمةٍ قاطعة ( الى البيت ........) فتحت عينيها وقالت برجاءٍ ضعيف ( الم تقل ........)
قاطعها بقسوةٍ ( غيرت رأيي ...... أنت لا تستحقين شيئا , سنذهب الي البيت و سامنحك نصف ساعة فقط لأرى الطعام جاهزا أمامي )
عبست مرة اخرى ثم قالت بغضب ( لن أحضر شيئا ........ لست طفلة لتعاقبني )
نظر اليها بغضب ثم قال بصوتٍ مهدد ( سنرى هذا حين نصل ........)
ابتلعت سما ريقها وهي تنظر من نافذة السيارة تسال نفسها عن السبب التافه الذى جعلها تسعى لاستفزازه الى هذه الدرجة .... لم يكن حضوره يستحق كل هذا الغضب ...........
حين وصلا الى بيتهما ....سارعت سما للصعود وقد بدات تشعر بفقدانها دفعة الشجاعة التى كانت تكلمه بها منذ قليل..........سمعته يصفق الباب بعد ان دخل ... وقبل أن تهرب هي الى غرفتهما كان يقول بصرامة
( سماااا ......)
تسمرت مكانها دون ان تلتفت اليه ..... ماذا تفعل الآن ....لقد أثارت غضبه الغبي وقد حدث ما حدث .........ظلت واقفة و قد استبد بها الخوف رغما عنها و هي تسمع خطواته تقترب منها الى أن وقف خلفها مباشرة
ثم قبضت يداه على ذراعيها لتديرها ناحيته بقوة فأخفضت رأسها لا تريد أن تنظر اليه ..... لكن صوته صدمها حين قال بقوة
( انظري الي ..........)
ارتجفت قليلا الا أنها رفعت رأسها ببطء لتنظر اليه دون أن تظهر خوفها ... فتطلعت الى عينيه القاسيتين وهما تنظرانِ الى عينيها طويلا ...... ثم قال بلهجةٍ خطرة
( اذن فأنا احرجك أمام زملائك بمظهري ..........)
عادت لتخفض راسها وقد فقدت قدرتها على ادعاء الشجاعة .. همست مرتجفة (لم أقصد بهذا الشكل .....)
الا أن فارس تابع يقاطعها بنفس الصلابة
( وأنا لن افهم ما كنتما تتحدثانِ عنه مهما حاولت .........)
تخبط قلبها بين ضلوعها وعضت على شفتيها وهي ترفض النظر اليه .. بينما تابع مجددا
( وأنا مفهوم سنوات الدراسة عندي يتمثل في عدد القتيات الاتي أوقعت بهن .........)
أغمضت سما عينيها و مستمرة في الاطراق برأسها رعبا ..... ماذا دهاها لتهاجمه بهذا الشكل لمجرد أنه أتى اليها ........استطاعت أن تتفوه بضعف
( وأنت قلت انني ممن يأكلون الكتب ومن يأخذ منهم شيئا يكون كمن اخذ حياتهم ..........)
قاطعها قائلا بهدوء ( قطعة من قلوبهم ........)
رفعت سما عينيها الجميلتين الخائفتين تنظر اليه وهي تسال بحيرة ( ماذا ؟؟........)
قال فارس بهدوء ( قلت قطعة من قلوبهم ... وليست حياتهم .... هكذا كنا نطلق عليهم ... أكلة الكتب )
زمت سما شفتيها بغضب الا انها لم تجرؤ على التفوه بكلمةٍ حتى لا تزيد من غضبه المرعب ...... شعرت بوجهه يقترب منها اكثر حتى لامست انفاسه عنقها فعادت لتغمض عينيها تجاه موجة الشوق المعتادة التى تصيبها ما أن يقترب منها
سمعت صوته يهمس بحزنٍ معاتبا بأنفاسه الدافئة ( هل أصبحت أحرجك الآن يا سما ؟...........لم تشعريني يوما بهذا قبل أن أستعيد بصري )
زفرت نفسا مرتجفا و هزت راسها نفيا وهي غير متيقنة مما تنفيه حقا ..... لقد آلمته ...... لقد جرحته و يظهر هذا بوضوح في صوته
همست بضعف
( أنت لا تحرجني ..... ولم تحرجني يوما , لا زلت غير معتادة على تلك الهالة المحيطة بفارس مهران ...... لست معتادة على الانتماء الى فارس مهران ...... اعتدت دوما على انتماء فارس لي ..... انا خائفة ..... خائفة جدا يا فارس من أن يأتي يوما .........)
وضع اصبعه على شفتيها قبل أن تكمل ما كانت ستقوله .... فابتلعت كلماتها وهي ترفع عينيها اليه لتذوب في سحر عينيه المجعدتين
لكن في عينيها هي ... لم ترى عينين أجمل منهما يوما .....
أحاط فارس وجهها بكفيه ليرفعه اليه ......و ذاب هو الآخر في عينيها السماوتين ثم قال بصوتٍ خنقه الشغف بسماؤه
( ومن كان فارس مهران قبل ياسمينا ؟.......ومن سيكون بعدها ؟..... )
لمعت عيناها بالدموع الماسية ...ولم تستطع النطق طويلا ... من ستكون سما بدون فارس .....لم تكن هناك ياسمينا قبل فارس .....
تشعر أنها ستظل دائما تحيا خوف الشبح المسيطر عليها منذ سنوات ... رحيل فارس بعيدا عنها .....
ابتلعت تلك الغصة التى تخنق حلقها ثم قالت بتعثر و اختناق
( اذن ..... هل ستصحبني للغذاء أم ماذا ؟.......)
ابتسم ببطء شبه ابتسامة شيطانية ثم مد إصبعه الاسمر ليمسح دمعة تعلقت عند زاوية عينيها ......وهو يهز رأسه نافيا
عقدت حاجبيها وهي تراه مصرا على معاقبتها فابعدت إصبعه عن بشرتها الناعمة و قالت بغضبٍ طفولي
( حسنا .... ابتعد عن طريقي , نصف ساعة و سيكون طعامك جاهزا )
لكنه لم يبتعد .. بل أمسك بخصرها بيديه القويتين و ابتسامته تزداد اتساعا بينما نظراته تزداد عبثا وهز رأسه معترضا مرة أخرى
تلوت سما تريد الفكاك من بين يديه المحكمتين على خصرها وهي تقول بغضب
( ابتعد يا فارس ..... إن كنت تظن أن اسلوب معاقبتي هذا سيجدي فأنت مخطىء )
لكنه شدها بقوةٍ لترتطم به ثم عاد ليقترب من وجهها ليهمس فوق فكها
(بل اعتقد أنه سيجدي جدا يا سيدة سما ....... و سأريك بنفسي )
كانت تبتسم دون إرادة منها بينما حاجبيها معقودانِ غضبا وهي مستمرة في مقاومته ....وكان هو يفكر مبتهجا ... كم تبدو شهية وهي تفقد القدرة على مقاومة انجذابها اليه حتى في لحظات غضبها منه ....
بعد فترة طويلة و بعد أن تجاوزا فترة الغذاء ليتحول الى عشاء كانت سما تعده في المطبخ ...... كان فارس جالسا على حافة الفراش ممسكا بصندوقِ سما الخاص ..... صندوق الأسرار ......
إنها لا تعلم أنه تقريبا يخرجه من مخبؤه كل يوم ......فهي تعتقد أنها تخفيه جيدا ... في دولاب ملابسها .... مختفي تحت الكنزات المطوية ......وهو لا يعلم لماذا لا تظهره له بنفسها ...... لكنه لا يشعر بالخجل أبدا من إخراجه كل يومٍ للعبث بمحتوياته ....فلا مجال للخصوصيةِ بينه و بين ياسمينته الصغيرة
فتح الصندوق الخشبي الجميل ..... ثم أخرج منه زرافة خشبية صغيرة .......أخذ يتلمسها برفق بأصابعه الخشنة .....ابتسم بحنان ثم تركها ليخرج فيلا خشبي .... ضحك فارس وهو ينظر الى أنف الفيل المشوه .....وضعه ليخرج قردا طريفا صغيرا ..... إنه لا يتذكر هذا الصغير تماما ... ابتسم وهو ينظر اليه ثم همس برقةٍ مخاطبا هذا القرد الصغير
؛( متى صنعتك أيها الصغير ؟..... لتأخذك صغيرتي و تخفيك بداخل قلبها )
التقط صورة لشخصٍ وسيمٍ تافه .... عاش تائها في حياةٍ طويلة باحثا عن شيءٍ لم يكن يدري ما هو ...... الى أن وجده دون أن يراه .....
سما ........قلب الصورة ليقرأ ما خطته أنامل رقيقةٍ على ظهرها
( اليك أهدي حبي يا من أحببتك دون أن تراني .... أما من نسمةٍ تطير اليك لتهمس لك بسرٍصغير....... عاش ليخفيهِ قلب ينبض من حولك ... مناديا صارخا باسمك ..... أما من نبضةٍ يرسلها قلبك المجروح يا فارسي الأعمى .... يا من لا تراني ولا أرى سواك )
التمعت عينا فارس بدموعٍ حبيسة وهو يشعر بقلبه يصرخ مرسلا كل نبضاته الى تلك الصغيرة الوحيدة والتى لم تتعدى سنواتها السبعة عشر......... همس فارس مختنقا
( ها أنا قد وجدتك حبيبتي ..... ووعدا مني الا أضيعك أبدا , فاغفري لفارسك الأعمى و الذى لا يرى سواكِ )
( فااارس .......)
قاطعه صوتها الحبيب وهي تناديه يسبقها رائحة طعامها الشهي ..... أخذ نفسا عميقا محاولا السيطرة على الألم الذى لن يغادره أبدا مهما صفحت عنه ......
أغلق الصندوق الحبيب و أعاده مختبئا في مكانه السري وهو يعده أن يفتحه غدا من جديد ...... دون علم مالكته .......
هتف فارس وهو يجلي حنجرته المتألمة ( أنا قادم ياسمينا ..........)