رواية وعد ريان الفصل السابع و الثلاثون 37 بقلم اسماء حميدة
انتهى مصطفى من إعداد حقيبة السفر الخاصة به ممسكاً كف يدها في قبضته يسحبها معه إلى خارج الشقة و منها إلى خارج البناية فوجد والده يتقدم نحوهما و عينيه مصوبة على أيديهما المتشابكة يلحظ بريق العشق المطل من عيني ولده و قلبه يخلص الدعاء في أن يهب الله صغيره كل ما يتمناه، وأن تَكُن همس تُكِن لولده قدرًا من تلك المحبة الخالصة (مش خالصة أوي إبنك مترباش يا حاج😂) التي زرعها الله في قلبه لها، و كما يقولون (العاشق تفضحه عيناه).
(أحب أطمنك يا حج على درش و أقولك أن بنتنا همس شارية الواد ابنك و أنا كولية أمرها أكثر من مرحبة، هشور الكتكوت حجي و اللي فيه الخير يقدمه ربنا 🤝😂).
اقترب منهما الحج زكري موجها حديثه لمصطفى قائلًا : إيه يا درش مبدر يعني وواخد القمر بتاعنا و رايح على فين؟!
أطرقت همس رأسها بخجل قائلة : صباح الخير يا عمو.
الحج زكرى بإبتسامة بشوشة : صباح الورد يا ست البنات.
مصطفى بضجر هامسًا : يا مثبت العاقل و الدين يا رب، ثم رفع صوته قائلاً و شبح إبتسامة مغيظة يلوح على شفتيه : خف يا زيكو هنخسر بعض، و بعدين نوجة بتسأل عليك هه؟! فاهمني طبعاً😁، و لو سألت عليا أنا أو الآنسة همس خطيبتي، اللي هي خطيبة إبنك واخد بالك إنت قولها إن إحنا هنخطف رجلينا لغاية سوهاج صد رد كده عشان آنسة وعد بعتلها عربية صاحب الشركة يوصلها هناك و طبعاً ميصحش أسيبها تسافر لوحدها.
الحج زكري يحك ذقنه مفكرًا بعبوس : خطيبة مين ?رايحة فين؟! و سوهاج إيه اللي رايحها صد رد دي؟!
مصطفى : لا يا حج مش وقت إندهاش خالص، إطلع إنت لنوجة و أنا هكلمها أفهمها وهي تفهمك بالطريقة.
ربت الحج زكري على كتف ولده يميل عليه قائلًا بهمس : والعة معاك يا درش، بس متعرضهاش عشان مقلش منك قدامها.
(كم أنت عظيم يا حج، هذا الدرش من ذاك الشبح 😂).
مصطفى بتراجع : قد القول يا حج، طب اتفضل أنت يا عم الناس في حفظ الله.
ابتسم الحاج زكري على مناوشة إبنه فلقد اعتادا معًا على هذا المزاح، فعلاقتهما أقرب لصديقين عن كونهما أباً و إبنه.
غادر الحج زكري تاركًا همس تحول تخليص كفها من قبضته و لكنها فشلت بالأخير، فكلما حاولت ،شدد هو حصار يده حول كفها كمن يقبض على جوهرة ثمينة.
و بعد مغادرة أبيه ألقى نظرة تجاه المقهى وجد السائق لازال يتناول فطوره، فسحبها خلفه يقطع بها الطريق إلى الجهة الأخرى.
استوقفته همس، تسأله بتعجب : العربية هناك أهيه!! إنت مودينا على فين؟!
مصطفى ضاغطًا بخفة على قبضة يدها قائلاً : إيه يا هموستي؟! كل شوية موديني على فين؟! امسكي الصبر و إنتي هتعرفي.
همس : مش فاهمة أمسكه إزاي يعني؟!
مصطفى زاويًا حاجبيه بتفكير : هو إيه اللي هتمسكيه إزاي؟!
همس : الصبر يا مصطفى؟!
مصطفى بضحكة رجولية جذابة خاطفة لقلبها وهي تدقق النظر بوسامة ملامحه (إيه مز، مز إصراحة😂) : لا، إنتي محتاجة كورس في اللغة.
همس و هي ترفع أنفها بتفاخر : أنا بتكلم تلت لغات على فكرة، إنجليش و چيرماني و فرنش.
مصطفى مصفقًا بيديه : حلاوته، أموت أنا في الفرنساوي و العود الفرنساوي و ال......
(🤔و ال... إيه، يا درش، أنت نفس دماغ ريان 🤭، فاجأتني إصراحة 🙄)
همس بإستهجان : إيه؟! إيه؟! إحترم نفسك، إنت بتعاكسني و لا إيه؟!
مصطفى بتأكيد و هو يهز رأسه بالإيجاب : حصل، و بعدين هو عيب إن الجوز يدلع جوزته؟!
(في دي عداك العيب يا درش، ده أهم شروط الزواج الناجح، كله إلا جوزته 😂).
همس : طب معلش، ممكن تقولي إحنا واقفين هنا ليه؟!
مصطفى : مفاجأة؟!
همس بفرحة و دلال (أصل الواد ناقص 😂) : بجد! مفاجأة ايه يا صاصا؟!
مصطفى محملق بنظره إلى أعلى قائلًا بتضرع إلى الله : صبرني يا رب، ثم توجه بنظره إليها : ابوس إيد أمك بلاش دلع و إحنا برة، بدل ما أرزعك بوسة في وسط الشارع و نلاقي بوكس الآداب داخل علينا بضهره.
أخذها مصطفى و توجها إلى محل الصاغة الموجود بالجهة المقابلة للبناية، يلقي السلام على صاحبه : صباحوو أربعة و عشرين قيراط على عم الصاغة كلها.
المعلم عبده صاحب المحل : صباحوو يا درش، شاري و لا بتدحرج السلام يا غالي؟
مصطفى و هو يوجه بصره إليها : طب و عهد الله شاري و أوي كمان.
المعلم عبده و لم يخفى عليه نظرات مصطفى الولهة لمن نشبت بسببها خناقة أول أمس : باين عليك يا درش، مبروك مقدماً يا عريس.
مصطفى : يبارك في عمرك يا مَعْلَمة، فرجنا بقى على أفخم حاجة عندك تليق بست الحسن و الجمال.
الحج عبده و هو يخرج من (الڤترينا) تابلوه معلق عليه بعض من المشغولات الذهبية : أحلى تشكيلة لأجمل عروسة.
مصطفى بحنق : أنا أقول إنت ما تقولش و ما تبصش أساساً، أقولك دور وشك الناحية التانية.
المعلم عبده : جرى إيه يا درش؟! فيه إيه يا جدع؟! هو أنا بردو هبص لمرات أخويا الصغير؟! ما تطلعش منك دي يا معلم مصطفى.
مصطفى بخزي و لكن ما بيده حيلة، شدة حبه لها تشعل فتيل غيرته عليها من أقرب الأقربون إليه : مش القصد يا معلم عبده، أنا بس اللي دماغي مش رايقة، فتلاقيني قافش حبتين.
المعلم عبده بتفهم لما يحاول مدارته، محترماً غيرته عليها فهذه أخلاق أولاد البلد الجدعان : كان الله في العون يا درش الجواز بردو مسئولية و التزامات و أنت جدع و قد المسئولية.
مصطفى و هو يتناول التبلوه من يد عبده قائلًا : تشكر يا عوبد، ثم وجه حديثه إليها : نقي شبكتك يا ست البنات.
كانت ستهم همس بالرفض و لكنها خضعت لرغبته ونظرة الاصرار بعينيه و بدأت بالاختيار فإنتقت إنسيالا رقيقا و خاتما يماثله و ناولته إياهم، أخذ مصطفى يعاين تبلوها آخر الأساور الذهبية قائلا : فرجنا يا عوبد الغوايش و الدبل اللي عندك.
أسرعت همس تقبض على ذراعه برقة قائلة بهمس : خلاص يا مصطفى دول حلوين أوي و عجبوني، يله بقى عشان منتأخرش على وعد.
مصطفى : هو فيه شبكة من غير دبل؟! و بعدين أنت إخترتي شبكتك إنما الغوايش دول هديتي ليكي يا ست البنات.
المعلم عبده : أبو الكرم كله يا معلم مصطفى، و طول عمرك مذوق.
مصطفى بعد أن إنتقى لها زوجًا من الأساور الذهبية و إلتقط كفها يلبسها إياهم بعد أن عايرهم المعلم عبده على ميزان الذهب هما و ما إنتقته همس : انجزنا بقى يا عوبد و شوف حسابك كام... و إعملنا فاتورة.
المعلم عبده و يديه تعبث بأزرار آلته الحاسبة محددا السعر بينما أخرج مصطفى بطاقة الإئتمان خاصته يناوله إياها، و بعد إنتهائه من محاسبة الصائغ خرجا من المحل، و قد إنتهى السائق من تناول فطوره، و مر على المحل المجاور للمقهى يبتاع لهما بعضاً من الكيك المغلف و البسكويت و العصائر المعلبة؛ ليتناولاها بعد أن استقلوا السيارة و لم ينسى نصيب السائق منها، و بدأت رحلتهم على الطريق قاصدين عروس الصعيد سوهاج.

🌴🌴🌴🌴🌴🌴🌴🌴🌴🌴🌴🌴🌴
#وعد_ريان_بقلم_أسماء_حميدة
بعد الحديث الذي دار بين ماجد و سوسن و سوء ظنها به بأنه لن يختلف كثيراً عن من دمر حياتها فبالأخير هما ينحدران من نسل عائلة نصار، فأحد أبناء تلك العائلة وهو والد ماجد قاتل عمها، فقام أباها بقتل أبيه ثأرا لأخيه والد صقر، و عاد رضوان ليأخذ ثأر عمه منها بكل دنائة و خسة و جاءت إرادة الله لتخلصها منه؛ لتسقط في بئر عار تلبسها لزواجها سرا منه، مخلفا لها الذل و المهانة، و آخر مراحل تلك المذلة أنها اقتادت للزواج من ابن القتيل دون إرادة و لا علم، لتتم هي آخر مراحل إنتقام تلك العائلة و تبقى قربانا قدمه السابقون ليشفي اللاحقون غليلهم بها تتلقفها إيديهم ليترك كلاً منهم ندوب إلى روحها كتلك الندوب التي تشوه جسدها مع فارق أن ندوب الجسد تندمل و تشفى، أما ندوب القلب و الروح نظل نتجرع آلامها أبد الضهر، و مع تلك القصة المأساوية التي يعاني منها الكثيرون نتيجة من تشبث عقولهم بأفكار و مواريث عقيمة، نهانا عنها الله في كل الأديان السماوية و أنزلت بكل كتبه المقدسة و على ألسنة رسله،فلقد نهانا الله عن التجاوز في القصاص فقد قال الله في كتابه العزيز (و لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق) صدق الله العظيم.
كما جاء في كتابه المقدس (لي النقمة و الجزاء في وقت تزل أقدامهم، إن يوم هلاكهم قريب و المهيئات لهم مسرعة).
ففي القرآن اشترط الله القصاص لمن يستحق و قد حمل جزاء جرمه.
و في الكتاب المقدس إختص الله نفسه بعقاب الآثم.
فما أثمها هي، لينسج الأول شباكه لتزل قدمها و يضع رأس عائلتها بالوحل و هي الوسيلة.
و يأتي الثاني ليأخذ دور البطولة و گأنه يصلح ما أفسده الآخرون على حسابها، و بعدها يمن عليها بزواجه منها.
فلو قام أحدهما بقتلها سفحًا لوجدت خلاصها.
و لكن بعد حديثها معه لِما تستشعر صدقه و نبل أخلاقه؟! لِما تتلمس طيبة و دفء في حضرته؟! و هذا ما لم يعجبها فتحدثت إليه بحدة ندمت لها لاحقاً.
ووجدت حالها تسأله بمراوغة و نبرة يشوبها بعض المرح في محاولة لإمتصاص غضبه و للحق تعجبت من حالها لما تحرص على إرضائه قائلة : إيه يعني؟! بعد الهري ده مفيش واكل لسوسن؟! ده آني حتى يتيمة و إنت أبو الكرم كله.
رفع رأسه إليها بعدما قد كان جالس على تلك الأريكة يستند على فخذيه بمرفقيه مطأطأ رأسه في حركة يعتادها، يحاول كبح غضبه منها و تجرأها على رفع صوتها بوجهه و تذكيره بأنها مجبرة على الزواج منه و هذا يصعب على رجل تقبله وخاصة رجل كماجد ذو شخصية حساسة مراعية .
ولكن بعد جملتها الأخيرة بنبرتها تلك بمرحها هذا، بإبسامتها البشوش التي رأها تزين ثغرها و ووجهها ذو الملامح البريئة، وهي تقولوها بتلك العفوية التي نجحت في تبخير الغضب المحتدم بداخله تجاهها.
و لكن تحولت ملامحه إلى التجهم ثانية فظنت أنه لم يسامحها، بينما هو يتسائل من سوسن؟! نهر حاله و شك بقواه العقلية و مراكز الإستقبال و الإرسال لديه.
هل بتلك الإبتسامة أعملت شفرة شوشت بها رادرات عقله، سوسن!! حتماً سوسن هذا إسمها فماذا سيكون غير ذلك فهي حقا أجمل زهرة لامعة و مبهجة الألوان و لها رحيق مميز قد رأتها عيناه.
هز رأسه ينفض تلك الأفكار، ومع تلك الهزة و هذا التجهم و الشرود خشت غضبه فقسوة ما عايشته جعلت منها شخص هش ضعيف يلتمس السلام و الهدوء و السكينة أبعد أحلامها أن تنأى بنفسها عن كل جنس آدم أقربهم و أبعدهم، أن يتركها الجميع تعيش بدون خوف، أن تغفو جفونها مطمئنة أن غداً لا ينتظرها آلام روحية و عذاب جسدي، فقالت و الدموع تتحجر بعينيها تود أن تركع عند قدميه أن يرحمها، فتقدمت نحوه بأقدام مرتجفة، و قلب يرتعد خوفاً، و هو يتابعها بأعين متفحصة حائرة من تغير حالها، فقد كانت تتبتسم منذ قليل و الآن يملأ الحزن ملامحها، و تضاعفت دهشته عندما توقفت قدماها حده، تسلم راية التحرك لعبراتها، تمد أناملها بتردد تمسك كف يده مسببة رجفة لذيذة لجسده ينتقل وميضها ترسل ذبذبات لخلاياه عبر أوردته منعشة قلبه بطرب رنان، وذلك كله من لمسة، أي لمسة إنها حقنة أدرينالين ضغط صمامها لتصب بشريانه لحظياً.
بينما هبطت بجسدها على ركبتيها أمامه أرضاً تلثم ظهر كفه و دموعها و جدت مستقر على راحته و لكن وَقْع تلك الدموع التي تتساقط على كفه كوقع ماء نار سُكبت تشوه قلبه أو ربما تغسله من أي ضغينة قد تدنس رابطهما الآن أو بعد ذلك فهي أضعف من يُؤخذ ثأر منها، فالثأر و إن بُغِض لا يؤخذ من الضعفاء.
قالت من بين شهقاتها : آني آسفة لو كت ضايجتك، و أخذت تهز رأسها بهيستيريا و هي تقبل يده مرة أخرى : أحب على يدك يا خوي ما تشليش مني، آني هكون خادمتك بجية عمري بس بالله عليك بلاها ضرب جتتي معدتش حاملة.
آهة خرجت من جوفه و كأنها نار حارقة، و قد تصلب جسده بفعلتها، قلبه يصرخ بأي ذنب عُذِبت تلك المسكينة؛ ليصل بها الحال إلى هذا الحد.
مد يده يقبض على ذراعها السليم يرفع جسدها عن الأرض يستقيم بجسده من مجلسه، و ما إن أصبحت رأسها بمستوى صدره فهو يفوقها طولًا مد سبابته يرفع ذقنها لأعلى لتقابل عسليتيها سوداويتيه قائلاً بتأثر و إشفاق : بزيداكي بكى، معوزش أشوف دموعك، و متخافيش مني آني مهأذكيش واصل و لا في نيتي ليكي أي حاچة عفشة.
التمعت عينيها ببريق الأمل تناظره بأعين تشع براءة و تبسمت من بين دموعها تقول بلهفة : صوح اللي عتجوله ده، ولا بتضحك علي.
هز رأسه برفض يبتسم لبرائتها، فبدت بضآلة جسدها و قصر قامتها مقارنة به كطفلة تستجدي وعدًا من أبيها بالسماح و عدم العقاب.
ماجد : لاه، ما بضحكش عليكي.
و مال برأسه يقبل جبينها فتغلغلت رائحتها الطفولية الممزوجة بعبير من الزهور إلى روحه تثير بداخله مشاعر لم يستطع تفسيرها، بينما رفعت كفها تمسك بقميصه، في حركة أكثر إثارة.

💐💐💐💐💐💐💐💐💐💐💐💐💐
بعدما أخبرت أنيتا صقر بأن أنچيل قد أصابتها الحمى، انخلع قلبه خوفاً، الصقر الذي عهده الجميع متحجر القلب لا يعرف الحب مدخلاً إليه، يؤلمه قلبه على إمرأة، عن أي قلب نتحدث إنه قلب الصقر الموصد على جروح غائرة، قلب أغلق بابه منذ زمن بعد أن غرس به نصل حاد مزدوج أدير بحرفية ليصنع جرحاً لا يدويه الزمن، جرح ستره خلف حاجز حائل بينه و بين الحب، و لكن شيئين احذرهما الموت إذ يأتيك بغتة، و الحب إذا جاءك فجأة فلا شافع في الموت ولا مانع للحب.
هرع الصقر يلبي نداء قلبه ليطمئن على من أرقت مضجعه شوقاً إليها.
و عندما طرق باب الغرفة و لم يجيبه صوتها دخل مسرعا؛ ليتقصى الأمر و جدها تعاني ألما لا حول لها و لا قوة.
أسرع يغلق مزلاج باب الغرفة؛ حتى لا يدخل أحد من الخدم و يراه بقاعتها فإن تم توقيع عقد زواجهما فلازال هناك مراسم تتويجها بالثوب الأبيض، و الأسوء أن يراها أحداً بهذا الثوب المثير حتى لو كانت إمرأة مثلها فهو يغار.
بعد إغلاق المزلاج، أسرع إلى التخت يضع يداً أسفل ظهرها يحاوط الجزء العلوي من جسدها و اليد الأخرى أسفل فخذيها يستقيم بها واقفاً متوجهاً ناحية المرحاض ينحني بجزعه لأسفل؛ يحاول إيقافها تحت رشاش المياه، و لكن قدميها باتت كالهلام لا تحملناها، فحاوط خصرها يدعم جسدها بذراع واحد إليه حتى لا يتراخى جسدها فتسقط أرضا وباليد الاخرى فتح صنبور المياه لينهمر الماء البارد على كليهما.
و عندما شعرت ببرودة الماء المنهمر على جسدها المحموم شهقت و هي ترتجف بشدة و ذراعيها المتهدلتين إلى جانبها من شدة الإعياء إرتفعتا تلقائياً تدفع جسده بعيداً عنها، و جسدها ينتفض معلنا رفضه لتلك البرودة التي إجتاحته و هي تحاول دون وعي الإبتعاد عن مرمى المياه، و لكنه رفع ذراعه الأخر يدعم رأسها مسندًا إياه إلى كتفه، و يده القابضة على خصرها تقربها إليه محاولاً تثبيت جسدها تحت الماء و هي تحاول الفكاك، تقاوم تلك البرودة بإرتجاف هيستيري ترغب في الخلاص مما يحاصرها فكادا أن يسقطا معًا بسبب مقاومتها ، فلم يجد بداً سوى أن يستدير و هي بين ذراعيه ليتبادلا الأماكن فأصبح ظهره إلى الحائط يشدد من إحتضانها لجسده، و بعد يأسها من الهروب من تلك القبضة و خارت مقاومة جسدها، لفت ذراعيها حول هذا الوتد الذي يحول دون إبتعادها تضم جسدها إليها تتلمس الدفء تتشبث به بقوة.
هدمت فعلتها تلك البقية الباقية من ثبات الصقر الانفعالي و بدأت ارتجافت جسدها تتسلل إلى أوصاله تدغدغ حواسه و داخله يتوسلها أن ترحم رجولته المعذبة، و جسده الذي اشتعل رغبة بها، و زادتها عليه عندما دفنت رأسها بحنايا عنقه و شفتيها تتلمس جانب وجهه و أنفاسها تضرب و بقوة نقاط الضعف مثيرة عاصفة هوجاء من المشاعر الجارفة حد اللعنة، فتصاعدت دقات قلبه و تهدجت أنفاسه يضمها إليه أكثر حتى بات جسديهما متلاحمين و مال رأسه لا إرادياً إليها و قد أغواه هذا الإنسجام الجسدي و الروحي بعد إستكانة جسدها بين ذراعيه فدفن هو الآخر رأسه بعنقها يستنشق عبيرها و شفتيه تتذوق طرواة بشرتها وهو يقبلها قبلات رقيقة على رقبتها أسفل أذنها، فبدأت حواسها تتنبه و حرارتها تبدأ بالهبوط رويدا رويدا، بينما أحدهم قد اندلعت بقلبه و جسده نارا مهلكة تهدد بوقوع كارثة لا محالة، أخذت ترمش بأهدابها محاولة إستيعاب ما يجري حولها و الحالة التي يبثها إياها بدأت تستحوذ عليها هي الأخرى.
أخذت تأن بنشوى و رائحة عطره الممزوجة برائحة جسده الرجولي تتخلل حواسها فلقد أحتفظت مراكز الإحساس لديها بتلك الرائحة التي تعزف أنغاما معطرة بروحها الهائمة طوال ليلها تحفر ملامحه و رائحته و أنفاسه داخلها، و تصاعدت قبلاته إلى خدها عندما بدأت برفع رأسها إليه تنظر إلى وجهه و هو يستند بجبينه إلى جبهتها و عينيه تراقب بعيون صقر جارح قطرات الماء التي تجري من أعلاها تتحطم بين شفاها الكرزية تكمل سيرها على ذقنها الذي يزينه طابع الحسن و شعرها الحريري ألتصقت خصلاته بعنقها الذي حرره من غزو شفتيه و هو يمني نفسه بغزو آخر أكثر إكتساحًا و أعمق إنتشارًا و كلاهما يتنفس أنفاس الآخر.
رفعت كفها إلى خده و لازال ذراعها الأخر يطوق عنقه، تتلمس أناملها شعيرات ذقنه النامية، و هي تسأل حالها أكان ينقصه جاذبية حتى تضفي تلك اللحية الخفيفة سحراً خاصا به مكملة جاذبية الصقر.
أو كان ينقصه هو الآخر تلك اللمسات الرقيقة ليعلن الشوق التمرد رافضا ما يمليه عليه العقل.
رفع هو الآخر كف يده يرجع خصلات شعرها خلف أذنها براحته يتلمس جانب خدها، وهو يتأمل وجهها الصبوح و عندما هبطت بنظراتها إلى شفتيه و كأنها تدعوه ليتأمل خاصتها الذي يراقبهما بجوع منذ البداية و بات التماسك دربا من دروب الجنون فمال رأسه يلبي دعوة شفتيها و هو أكثر من مرحب يتذوق قطرات الماء العالقة بهما و من ثم انقض يقبلها بنهم و هي تبادل شوقه و لهفته بشوق مماثل و كفه يدعم رأسها من الخلف يقربها إليه و هو يستشعر حلاوة شهد تلك الشفاه بالتناوب و آهة منتشية خرجت من جوف صدرها ابتلعتها قبلاته يروي بها ظمأ خلفته أخرى تاركة الجفاف يشقق خلايا روحه متعطشاً لمن تعالج ندوب حب زائف، و ها قد جاءت تلك الغريبة عن أهله و بلده و وطنه بروح شرقية في زي أوربي يكتب أسمها إلى جانب إسمه في قصص العشق الملحمية و قد من الله عليه بها في حلاله و عفه عن عشق يوقعه في الخطيئة، فهي زوجته على سنة الله ورسوله.
و بينما هما على تلك الحالة من ثورة المشاعر حتى.............