رواية لعنة الخطيئة الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم فاطمة أحمد

 




رواية لعنة الخطيئة الفصل الثامن والثلاثون 38 بقلم فاطمة أحمد 

الفصل السابع والثلاثون : جميلة نائمة. 

________________

عندما يتَّصل قلبان ليس شرطا أن يقعا كلاهما في الحب أحيانا يكون أحدهما غرق في بحر الهوى بالفعل ولكن ليس بالضرورة أن يكون الآخر مثله. 

فربما يُشوَّه القلب الثاني بفجوات سوداء تدنسه ليقع في الخطيئة ويفقد بذلك فرصته لإعادة ربط الوصل المقطوع بينهما مهما حاول إرجاعه لسابق عهده. 

إذا حينها ماذا يفعل هذا القلب ؟ هل يستسلم ويخسر أمله في النبض مجددا أم يسعى ويتألم كي يعيد ثقة ذاك القلب المغدور ولكن كيف سيعيدها فهل استطعنا يوما الرجوع إلى الماضي ببراءته ونظافته ؟


من كان ليتخيل بأن المرأة التي سبق وأراقت دماءه قد يأتِ يوم تُراق فيه دماؤها من أجله، ومن كان ليظن بأن ذاك الذي صرّح بكرهه وعدم اهتمامه بها سيضم جسدها المتهاوي صارخا برعب من فكرة فقدانها ويتحول يومه الهادئ في لحظة إلى مرار وانتظار عقيم أمام غرفة العمليات ؟ 

تلك الغرفة التي جال صفوان أمامها كالعربيد وهو مازال غير مصدق للحادثة التي عاشوها من مداهمة وهجوم مسلّح واصابة ابنة عمه المتوارية الآن خلف الأبواب المتينة ... اصابة لا يعرف ان كانت ستخرج منها حية أم ميتة !


وفي زاوية قريبة تكوّم هو عليها مستنزفا بالكاد يستشعر جسده المتصلب برودة الحائط المستند عليه بشتات بعنف لكنه لم يهتم، لم يكن يهتم لحالته جلّ ما يشغل تفكيره هو اسم واحد ... نيجار ! 

الدقائق تمر عليه طويلة كأنها دهر لأنه بدأ يفقد الإحساس بالوقت حرفيا ولعله فقد الاحساس بكل شيء عدا الحرقة التي ما فتئت تأكل روحه كلما يتذكر جسدها النازف وهمستها الواهنة وهي تخبره بأنها عشقته لدرجة أن تفديه بروحها، ثم رفع قبضته المضمومة وفتحها ببطء فتراءت له دبلتها التي كانت بحوزتها عند تعرضها لإطلاق النار. 


"- انا كنت جايبة حاجة مهمة معايا امبارح بس موريتهالكش ساعتها عشان كنت مترددة." 


- بجد ؟ وايه هي الحاجة ديه. 


لم تلحظ نبرته المتجهمة وتنهدت بحماس بينما ترفع العلبة بين عينيه مرددة :

- دبلتين واحدة ليا وواحدة ليك"


رغم أنه رفض الهدية وألقى العلبة بقسوة على الأرض لكنها ظلت محتفظة بالدبلة الخاصة بها وخبأتها في جيب ثوبها وهاهو الآن يراها ملطخة بدمائها التي انتقلت من ظهرها ليده. 


" ليه انت مبتشوفش محاولاتي ليه مبتجربش مرة واحدة انك تبصلي كـ واحدة بتحبك ومن غير ما تفتكر الماضي مرة واحدة بس" 


" في كل مرة بحاول اعتبرك بني ادمة بترجعي تصدميني ولا اقولك بترجعيني لعقلي لانه اللي زيك مبتستحقش حد يثق فيها !"


" بصيلي وبُصي لنفسك في المرايا وبعدين قوليلي انتي شايفة ايه، مش قادرة صح لأن السواد اللي قدامك مغطيكي وخانقك!"


"أنا حبيتك" 


"انتي عمرك ماحبيتيني اصلا انتي حبيتي حبي ليكي وصعبانة عليكي نفسك عشان اكتشفتي انك خسرتي واحد كان بيعشقك"


" عشقتك لدرجة كنت مستعد افديكي بروحي"


"وانا كمان عشقتك لدرجة اني بفديك بروحي"


تأوه آدم بألم من سوط الذكريات التي تجلده بضراوة ولم يكن مدركا لحد اللحظة أنه كان يصفق رأسه على الجدار الأملس من خلفه مرات عديدة كمن يعاقب نفسه لأن الرصاصة الموجهة نحوه ثقبت جسدها هي، ربما كان غاضبا وحاقدا بسبب ادعائها الحب في السابق وبعدما عشقته بالفعل ظل يرفضها مرارا وتكرارا مصرِّحا بأن مشاعرها ليست حقيقية و آه كم يتمنى الآن لو أنها ظلت تكذب، لو أنها لم تكن صادقة للدرجة التي تضحي فيها بحياتها من أجل أن يعيش، لكن ما فائدة عيشه ان كان المقابل حياتها ! 


- آدم. 

صدع صوت فاروق الذي قرفص جواره ووضع يده على الجدار كي يمنعه من ضرب رأسه أكثر وأخذ يناديه أكثر من مرة حتى انتبه له وفتح عيناه هامسا :

- نيجار هتموت بسببي. 


تدلّى وجه هذا الأخير بالأسى عليه وتمتم مواسيا :

- متعملش في نفسك كده مراتك هتقوم بالسلامة ان شاء الله وترجع زي الأول كل حاجة هتتحسن بس خلي أملك في ربنا كبير. 


- ونِعم بالله. 

هتف بصوت خافض وأردف :

- ايا كان اللي خلاها في الوضع ده هرجعه في حال أسوء بكتير، اقسم بربي ان مش هيهدالي بال قبل ما اذوقه مرارة الموت وهو حي.  


- صدقني هيحصل بس انت لازم تهدا الأول الست نيجار هتحتاجك معاها. 


هز آدم رأسه بإيجاب وانتبه لجلبة تحدث في الخلف وكانت سببها جميلة التي دخلت بوجل رفقة ابنتها الباكية وسألت ابنها بلهفة :

- ايه اللي حصل يابني نيجار فين. 


رد عليها صفوان باِقتضاب ناظر لآدم بين الفينة والأخرى :

- جوا في العمليات حصل علينا هجوم واتصابت. 


شهقت سلمى بذعر وانفجرت دموعها أكثر بينما ضربت جميلة بيدها على صدرها وبدأت تولول منتحبة :

- يالهوي يا عيني عليكي يابنتي ايه اللي حصلك بس.  


في هذه اللحظة فُتح الباب محدثا جلبة في المكان ورجَّة بالقلوب فاِنتفض من مكانه يتقدم الجميع ويُرهب الطبيبة بهيأة الوحش الجريح وهو يبرطم :

- نيجار عامله ايه طمنيني عليها. 


جلجلته لفتت الأنظار من حوله فوضعت لها الأخرى حدًّا بقولها :

- الرصاصة جت في مكان حساس وقدرنا نشيلها بصعوبة بس الحمد لله مصابتش الرئة والا كانت حالتها هتبقى أخطر بكتير. 


- يعني ايه ... مش فاهم. 

كما لو أنها تتحدث بلغة غير مفهومة !!  


استطردت الطبيبة واضعة بعين الاعتبار حالة زوجها وعائلتها :

 - بنقدر نقول ان وضع المريضة مستقرة حاليا بس هتفضل تحت المراقبة في الـ24 ساعة الجايين في حال ما اذا حصلها مضاعفات وعموما الممرضة هتشرحلكم للتفاصيل حمد لله على سلامتها عن اذنكم. 


** بعد مرور يوم كامل...

وقف أمام الواجهة الزجاجية المطلة على غرفة العناية المركزة، هناك حيث يرقد جسدها المسجى بعيدا خلف سطح شفاف يفصلهما عن بعضهما البعض. 

سطح بارد رسمت فوقه أصابع يده المحمومة ليتلمس بها اثر ظلها النائم بين الماكنات والأجهزة الصاخبة. 


لمحات من الحادثة الموجعة تهاجم عقله بين اللحظة والأخرى فتكويه وجعا عليها وتؤجح النيران داخل قلبه غضبا ممن أوصلها لهذا الحال ليطرق رأسه ضاربا بيده على الزجاج وهو يهمهم بوعيد :

- بوعدك اني هجبلك حقك منهم وهخليهم يدفعو التمن غالي يا نيجار ... انتي بس فوقي عشان قلبي يطمن عليكي ويرتاح ... عشان اقدر احس ان الحياة ليها معنى. 


جاءت حليمة من خلفه ووضعت يدها على كتفه مربتة بعطف :

- مراتك هتصحى بإذن الله وتتحسن خلي أملك بربنا كبير.


ثم اقتربت ووقفت بجواره مطالعة إياها أيضا وتحدثت بعد ثوان من الصمت :

- لما كنت انا في المدينة وأختك اتصلت بيا وحكتلي عن نيجار وعلاقتكم القديمة ببعض كرهتها من قلبي واتخيلت قد ايه هي واحدة سيئة وملهاش أصل ولا أمان، وقولت ازاي لسه موجودة في بيت الصاوي ومحدش منكم عملها حاجة. 

بعدين ساعة ما شوفتها لأول مرة يوم جه ابن عمها ولقاها مضروبة واتهمك لقيت نيجار بتقف قدامه وهي بتدافع عنك بعدها بكام يوم أنا عرفت كمان انها شهدت ضد ابن عيلتها علشان تساعدك وتاخدلك حقك ووقتها استغربت وسألت نفسي هي ليه بتعمل كده معقول تبقى خطة منها عشان ترجع تكسبك من تاني بس النهارده أنا عرفت الاجابة على سؤالي وتأكدت منها. 


حاد آدم بعينيه نحوها لتبتسم حليمة مستطردة :

- البنت اللي أعلنتك عدو ليها في الماضي قلبها بقى ميّال ليك وحبتك لدرجة انها حشرت نفسها في وسط الهجوم عشان تساعدك وفي الاخير خدت طلقة بدالك. 


زفر بحسرة مثقلة بالذنب معقبا :

- و ايه اللي كسبته هي من الحب ده ؟ اهي نايمة جوا لوحدها في اوضة ساقعة وأنا مش قادر اعملها حاجة ولا اخلصها من الوجع اللي بتحس بيه.


- يمكن هي كانت شايفة انه تضحيتها هتكفر عن ذنبها اتجاهك. 


- لو ديه الطريقة الوحيدة عشان تمحي ذنبها فأنا مش عاوزها يا عمتي. 

ردَّ عليها بيقين وذهب ليجلس على إحدى المقاعد غارقا في صمته حتى جاءت ليلى وجلست بجانبه قائلة :

- ابيه آدم انت قاعد هنا من امبارح ومدقتش طعم النوم ايه رأيك تروح للبيت عشان تريح شويا.


هز رأسه بإرهاق نافيا الفكرة وبرطم :

- أنا كويس متشغليش بالك بيا ... انتي جيتي مع مين ؟ 


- مع محـ ... جيت انا وعمتو مع السواق. 


- و ستي فين متصلتش بيا من امبارح. 


أسدلت ليلى جفنيها متذكرة رد فعل جدتها المنذعر والغاضب عندما علمت بأن بعض الملثمين هاجموا حفيدها وكادوا يقتلونه لكنها لم تظهر أي اهتمام بإصابة نيجار وحتى حين أخبرتها بأنها أُصيبت بدل آدم قابلتها الأخرى بمنتهى البرود وقالت أنها لم تُقدم خيرا باِعتبارها نالت جزاء ما فعلته مع حفيدها في السابق.

تلكأت ليلى ولم تحبذ ازعاج شقيقها بحقيقة ماحصل فقالت :

- تيتا قلقت اوي لما عرفت بـ اللي حصل في المزرعة وروحت النهارده لعند العمدة عشان تكلمه ويقدرو يلاقو الشخص لي هاجمك. 


- وقالت ايه لما عرفت ان نيجار اتصاوبت. 


- ااا ... مقالتش حاجة بس أكيد هي اضايقت. 


راقب آدم ارتباكها وأدرك محاولاتها الكذب عليه لكنه لم يعلق لأنه يعلم جيدا بأن جدته لن تهتم بإصابة نيجار أبدا حتى وان كانت تصاوبت أثناء دفاعها عن حياته ثم تنهد واعتدل في جلسته هاتفا بجدية :

- ارجعي للسرايا دلوقتي لان قعدتك هنا ملهاش لازمة ومتنسيش تاخدي بالك من نفسك ومتطلعيش لأي مكان وانتي وحدك مفهوم لان اللي حاول يقتلني امبارح هيحاول يؤذي عيلتي كمان. 


ابتسمت بعطف وهي تراه مازال يفكر بسلامة عائلته رغم ما يمر به الآن فربتت على يده بإيجاب وودعته لتغادر مع عمتها ... 

________________ 


رن الهاتف مقتحما عزلة السكون في الغرفة فتبعثر نومه المجهد وأجاب على المكالمة مهمهما :

- في ايه. 


- مساء الخير يا فندم بعتذر لأني ازعجتك. 


زم شفته ممتعضا ونهض وهو يمسح وجهه ويطرد آثار النعاس من وجهه بينما يتجه للمطبخ وهو يقول :

- مساء النور في حاجة حصلت في الشغل ولا ايه لأني مطلعتش من البيت من امبارح. 


- حضرتك لسه معرفتش باللي حصل يا مراد بيه ؟


انتبه اليه مراد وقطب حاجبيه بتحفز متسائلا :

- في ايه ؟ 


أجابه مساعده من الطرف الثاني :

- حصل هجوم مسلح على مزرعة آدم الصاوي امبارح وصفوان الشرقاوي كانوا معاه. 


تيبس مكانه بسبب يسمعه ولم يجد فرصة لاستيعاب وجود صفوان في نفس المكان مع آدم والتهجم عليها حتى باعته الآخر وهو يضيف :

- ومراته في المشفى حاليا لأنها اتصاوبت. 


- بالراحة شويا أنا مش فاهم هما مين اللي اتهجموا عليهم وازاي كانوا مجتمعين فمكان واحد أصلا. 


قصَّ له مساعده الأقاويل التي سمعها وأخبره بأن صفوان قد ذهب لمزرعة آدم وكانا جالسان معا حتى اقتحم رجال ملثمون المكان وشرعوا يطلقون النيران بلا هوادة وبما أن زوجة آدم كانت معه أثناء الحادث فقد أُصيبت بطلقة خطيرة أدخلتها لغرفة العمليات على الفور والآن هي في العناية المركزة. 

مسح مراد على وجهه بذهول ولم يصدق بأن كل هذه الأحداث حصلت وهو يلا يعلم بها ! ثم هتف بعدما استعاد رشده وسأله :

- بس مين عمل كده وايه مصلحته والقوة اللي عنده علشان يهاجمهم لو مقولتليش انه صفوان كان معاه وبنت عمه اتصابت كنت هقول انه هو السبب. 

ولا معقول الشخص ده هو نفسه اللي اتهجم عليهم من قبل ؟ 

- باِحتمال كبير يا فندم أنا بقدر اسألك اكتر واعرف عن التفاصيل لو انت عاوز. 


- لا بلاش تعمل حاجة دلوقتي لحد ما تهدا الأوضاع شويا مش بعيد يتهمنا آدم بأننا السبب فخلينا برا الموضوع أحسن. 


أنهى مراد المكالمة واستند على رخامة المطبخ بتعبيرات تظهر مدى حيرته وتعجبه فمن هذا الشخص الذي يعادي العائلتين لحد محاولة القتل وأي قوة وجرأة يمتلكها كي يفعل هذا وأهم شيء لماذا ؟ من الواضح أنه ليس الوحيد الذي لديه مشكلة مع عائلة الصاوي لابد أنهم اكتسبوا الكثير من الأعداء طوال سنوات. 


تنهد متململا قبل أن يهمس بتدارك :

- أكيد حالته صعبة دلوقتي وهيجن ويعرف مين عمل فيه كده خاصة ان مراته اتصابت بطلقة كمان وباين حالتها خطيرة. 


تلكأ لوهلة متذكرا كيف زاره آدم بعد معرفته بوفاة والدته ودعى لها بالرحمة وكان صادقا بذلك مع أنه كان ما يزال يعتقد بأنه اتفق مع صفوان من أجل قتله، إذا هل يجب عليه هو الآن ردّ المعروف ومواساته ؟

لكن سرعان ما تراجع وضرب جبينه بخفة مهمهما :

- ايه اللي بفكر فيه ده وبأي صفة هروح اهون عليه أصلا انا خلاص هبعد عن الموقف أحسن. 


وبينما يعيش مراد صراعا مع نفسه سمع رنين جرس الباب فاِعتدل بتحفز ثم ذهب ليفتح جازما أن يكون فرد من عائلة الصاوي مجددا لكن خابت توقعاته حينما وجد شخصا لم يتوقعه ... أو بالأحرى شخصا لا يعرفه من الأساس !


ضيق عيناه بغرابة فجأة وهو يركز عيناه على الفتاة الواقفة أمامه تحمل في يديها طبقا مغطى بعناية وتتململ ببعض من الحرج ثم نظر لها مستفهما لتحمحم وتنطق بعد برهة :

- السلام عليكم. 









- وعليكم السلام مين حضرتك ؟


- أنا جارتك ساكنة في البيت اللي قصادك اهو. 


أشارت الفتاة لمنزلها المتواضع القابع في الجهة المقابلة فأمال مراد برأسه لحيث تقصد واستطرد :

- انا مشوفتكمش قبل كده وعلى حد علمي البيت ده كان مقفول اصلا. 


- ايوة احنا انتقلنا ليه من كام يوم بس وبظن حضرتك مكنتش بتخرج كتير عشان كده معرفتش ... المهم اتفضل. 

مدت يديها بالطبق ناحيته لكي تقدمه له وأضافت ببسمة خفيفة ارتسمت على وجهها بعدما لاحظت تحفظه :

- طبق محشي بعتتهولك ماما معايا لانها عارفة انك عايش لوحدك.


تدارك نفسه والتقطه منها وهو يردد :

- شكرا بس مكنش في داعي تتعب نفسها. 


همهمت وتمتمت بصوت خافت :

- ده نفس اللي انا قولته. 


- افندم ؟


- أنا بقول ألف صحة وهنا لحضرتك دوق منهم هتحبهم اوي. 


هز مراد رأسه بإيجاب وشكرها مجددا ثم عاد ودلف ليضع الطبق على الطاولة بإهمال كي يعود لأشغاله لكن وبينما هو مركز على الأوراق أمامه تسللت رائحة المحشي إلى أنفه وبعثت الإحساس بالجوع في داخله فتمتم :

- صباع واحد مش هيضر. 


التقط واحدة منها ووضعها في فمه ليندهش من مدى لذتها ويأخذ أخرى ثم أخرى حتى أكل معظمها ولم يبقى سوى القليل فهمهم بإعجاب وقال :

- أنا بقالي زمان مكلتش من أكل البيت بس بجد كلام البنت ديه طلع حقيقي لما قالتلي ان المحشي بتاعهم هيعجبني ... اه صحيح نسيت اسأل عن اسمها. 


** على الجهة الأخرى دفعت باب المنزل الذي كان مواربا ودخلت لتسمع صوت والدتها من الداخل تنادي بصوت عالٍ :

- انتي رجعتي يا زينب ؟ 


توجهت زينب نحو الصالة وهي تجيب بينما تنزع حجابها :

- ايوة يا ماما جيت.  


ظهرت أمها بعد ثوانٍ واقتربت منها متسائلة بحرص :

- اديتيله طبق المحشي ؟ 


جلست بجانب النافذة وأماءت بإيجاب :

- ايوة وبعتلك شكر بس مش عارفة ايه لازمة اللي عملتيه احنا لسه ناقلين جديد ومبنعرفوش حتى. 


تقلصت ملامح أمها بعتاب رقيق وأجابتها بعقلانية :

- يابنتي الولد وحداني وخسر مامته من فترة قصيرة ومين عالم اذا كان بياكل وبيشرب كويس ولا لا فيها ايه لما يدوق شويا من اكل البيت اهو بنكسب ثواب. 


مطت زينب شفتها ممتعضة ولم تنكر أنها شعرت ببعض من الشفقة عليه فتنهدت وعقبت وهي تحدق من النافذة في منزله المقابل الذي يقابلهم تماما :

- فعلا يا ماما عندك حق. 

__________________

احترقت عيناها بسهمين ضوئيين أجفلا روحها المغيبة معيدة إياها من نوم عقيم فارتعشت جفونها رازحة تحت وقع الظلام وتفرقتا ببطء وضعف كأن طاقة سوداء أثقلتها وجعلت طنينا مزعجا يحتل أذنيها ليقابلها السقف الأبيض المُضبب فأصدرت أنينا متألما وهي تدحرج مقلتيها في المكان ذو الرؤية الضبابية محاولة استيعاب أين هي ومالذي يحدث ...


- نيجار ! 

صدع صوته المتلهف وهو ينتبه لاستيقاظها فاِنتفض من جلسته على الأريكة وأشرف عليها قابضا على يدها بخاصته ومملسا على وجهها بالأخرى :

- انتي صحيتي أخيرا قلقتيني عليكي اوي. 


قضبت حاجبيها بوهن ثم بدأت الذكريات تزورها واحدة تلو الأخرى واستنار عقلها بالإدراك فأصدرت شهقة ضعيفة تتبعها همستها :

- آدم ... آدم انت كويس ؟


 تقلصت ملامح وجهه وضغط على يدها أكثر معلقا :

- بتسأليني انا لو كنت كويس ! واحدة مجنونة.   


نهض ليخبر الطبيبة باِسيقاظها وبعد دقائق تم فيها فحصها والاطمئنان على مؤشراتها الحيوية بعدما تجاوزت مرحلة الخطر دلف صفوان رفقة أمه وأخته وتقدم اليها مرددا : 









- نيجار انتي حاسة بـ ايه دلوقتي. 


- قلقتينا عليكي اوي يا حبيبتي.  


- انتي كويسه يابنتي حاسة بأي وجع.


تهافتت عليها الأسئلة من كل حدب فشرعت تطمئنهم بوهن وهي ترى خوفهم عليها ليزفر صفوان ويهتف بتوبيخ طفيف :

- ليه عملتي كده احنا حذرناكي متطلعيش لبرا وفي الاخر رميتي نفسك قدام الرصاص من غير ما تفكري. 


مسحت جميلة على شعرها بحنو واحتضنتها سلمى التي لم تتوقف دموعها منذ علمها بإصابة ابنة عمها وأختها بالرضاعة أما آدم فكان يقف بعيدا معطيا لها مساحة مع عائلتها وهذا ما جعل نيجار ترفع عينيها باحثة عنه وحين لمحته كادت تناديه ليأتِ بجانبها ولكن صفوان قاطعها وهو يقول بجدية :

- ممكن تجي معايا لبرا عاوز اتكلم معاك.


رفع حاجبه بغرابة الا انه ذهب معه على أي حال وأغلق باب الغرفة خلفه هاتفا :

- نعم خير. 


- اول ما نيجار تطلع من المشفى هوديها للبيت عندنا. 


- نعم ؟ ومين قال كده انت شايف الوقت مناسب علشان نتكلم في الموضوع ده. 


- أنا بعرف انك خفت عليها زينا وعاوز تفضل جمبها بس هي محتاجة لعيلتها اكتر من احتياجها ليك. 


- ايوة عيلتها اللي طردتها من البيت وابن عمها اللي ضربها وقالها انتي مبقتيش واحدة مننا مش كده. 


- بص كل اللي حصل في الماضي مبيمنعش ان نيجار بنت عمي وأختي وعلى كل حال الموضوع ده بيننا وأنا اصلا شفتها من كام يوم وحليت أموري معاها. 

بص يا ابن الصاوي خلينا نبقى واضحين احنا الاتنين عارفين الخطر اللي بيهددنا وفاهمين ليه نيجار كانت هتموت وهي بتدافع عنك بس انت كمان بتعرف ان محدش في بيتكم بيحبها ومستعد ياخد باله منها لحد ما تتحسن فـ مش هقبل نهائيا ان اختي تحس بالعجز وسط ناس غرب. 


- أنا اللي هاخد بالي منها ملكش دعوة. 


- هتفضل قاعد جمبها 24 ساعة ولا ايه لو سمحت يا آدم فكر بمنطق كلها فترة مؤقتة و اول ما تتحسن هرجعها ليك لأني عارف ان نيجار ... مع الأسف بتحبك ومش هترضى تفضل بعيدة عنك. 


وبالفعل وافق آدم على مضض كمن يتقلب على الجمر فهو لم يكن يريد أن تفترق عنه لأي سبب كان إلا أنه يعلم بأن صفوان محق في وجهة نظره وحتى لو أخذها لمنزله وساعدته حليمة في الاعتناء بها لكن نيجار ستشعر بالضيق والحرج حتى جدته لن تتركها وشأنها دون إلقاء كلمات سامة عليها.

 

وهاهي نيجار بعد يومين آخرين خرجت من المستشفى رفقة صفوان الذي فاجأها وهو يخبرها بأنها ستذهب معه حيث كانت تتوقع بأن آدم سيظل بجانبها لكن يبدو أنه لم يتوانَ عن استغلال هذه الفرصة وابعادها عنه. 

فكرت بهذا الشيء والحزن يعتصرها وهي مستلقية على الفراش في غرفتها القديمة حتى استفاقت على صوت طرق الباب يليه صفوان الذي ولج وابتسم قائلا :

- الوقت تأخر وانتي لسه منمتيش.  


اعتدلت في جلستها واستندت على ظهر السرير مجيبة :

- بقالي يومين وانا مبعملش حاجة غير اني انام.


أخذ لنفسه مكانا على فراشها وطالعها بهدوء قبل أن ينطق :

- لما قولتيلي انك بتحبيه فكرتها مشاعر مؤقتة لانك اتعودتي على وجوده بس مكنتش متوقع انك هتحبيه لدرجة تضحي بنفسك علشانه. 


فتحت نيجار فمها لترد فأوقفها مستدركا :

- متقلقيش انا مش جاي اتكلم في حاجات تضايقك يعني ديه حياتك وليكي الحق تختاري هتعيشيها مع مين. 


رفعت حاجبها بتعجب ورغم تعبها لكن الاستهزاء والحدة وجدا مكانا في وجهها وهي تعقب :

- بجد أنا عندي حق اختار هعيش مع مين ؟ مع انك اول واحد ضحيت بيا بعد ما أقنعتني اضحك على آدم وبعد ما حبيته بجد ووقفت في صفه انت هاجمتني وطردتني من البيت فاكر ولا لا. 


- معقوله انتي لسه شايلة الغضب ده في قلبك. 


- مبقتش تفرق على فكره يعني كل حاجة بقت من الماضي وأنا مليش حيل ارجع اتكلم فيها.


- كل ده وبتقولي ملكيش حيل ياجبروتك. 

تمتم صفوان بهذه الكلمات بصوت خفيض لم يصل لأسماعها ثم تنحنح وهتف :

- فعلا كل ده من الماضي والكلام مش هيفرق لأنك خلاص وقعتي في حب الراجل اللي كنتي بتكرهيه ... ابن العيلة اللي سرقت حاجة كانت من حق عيلتنا احنا. 


تأففت نيجار بنزق من نفس الكلام الذي ظل يردده لسنين ولم تعلّق فقال الآخر :

- انتي مش مصدقاني صح ؟ محدش مصدقني وكلكم بقيتو تقولو اني مجنون وبتخيل وجود حاجة محصلتش بس فعلا العمودية كانت من حقنا احنا المفروض جدي اللي كان هيستلمها ومن بعده ابويا ولا عمي بس ولاد الصاوي خدوها مننا. 

وعموما مكنتش هفتح السيرة ديه أنا كنت جاي اطمن عليكي قبل ما أنام متنسيش تنادي لأي حد فينا لو احتجتي لأي حاجة ماشي يا نيجار ؟ يلا تصبحي على خير.


مسح على شعرها وخرج تاركا إياها تفكر في كلامه ولم تدرِ كيف انتقل تركيزها لآدم فاِلتقطت هاتفها وفحصت سجل المكالمات لعلها تجده اتصل بها لكنها لم تجد شيئا فألقته بعيدا وتمتمت بحنق :

- معقوله هونت عليه للدرجة ديه يعني حتى مكالمة صغيرة استخسرها فيا ده ماصدق يخلص مني بقى ... طيب يا آدم ان شاء الله عمرك ما تتصل اللي يشوفني يقول كأني هموت عليك. 


كتفت يديها بفتور وامتعاض يتفاقم مع مرور الدقائق حتى التقطت أذناها صوتا يأتِ من الشرفة فتحركت من مكانها بتوجس وهمست :

- ايه الصوت ده. 


ركزت أكثر وفكرت في أنه من الممكن أن أحدا من الذين هاجموهم في السابق ينوي على اقتحام جديد فاِنتصبت واقفة وحملت سكين الفاكهة بين يديها وفتحت باب الشرفة، ولجت إليها بحذر وأطلت منها لترى الفراغ وهنا تململت وضربت جبينها بيأس :

- شكل الحادثة أثرت على دماغي بزيادة. 


وفي اللحظة التي التفت بها كي تدخل للغرفة شعرت بيد تقبض على ذراعها فصرخت ورفعت السكين كي تصيب من يمسك بها لكن هذا الأخير أحكم يده عليها قبل أن تصل إليه وباليد الأخرى كتم فمها هامسا :

- هشش اهدي. 


تيبست نيجار مكانها واتسعت عيناها بذهول وهي ترى آدم واقفا أمامها ويبتسم مضيفا بيأس :

- ميولك للقتل مش هتتغير. 


رمشت عدة مرات هامسة اسمه دون استيعاب وقبل أن تتكلم ضمها آدم برقة ودفن وجهه في عنقها متأوها بحرارة :

- وحشتيني.  

             الفصل التاسع والثلاثون من هنا 

لمتابعة باقي الرواية زوروا قناتنا على التليجرام من هنا 


تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1