رواية غارقه فى بحر النسيان الفصل الثالث بقلم ساره عادل
زارتني اليوم صديقتي جيهان منذ ايام الثانويه ، وامضينا بعض الوقت معاً في التسامر ، وتحدثنا عن تلك الأيام ، ثم ذهبنا بعد ذلك إلى الحديقة العامه قريبه من البيت وجلسنا فيها ، بعدما تعاهدنا واتفقنا على ان نلتقي دائماً . كانت جيهان تسكن قريباً منا فمنزلها يقع في الحي المجاور لي،وهي من نفس عمري ،وقد تخرجنا من نفس الجامعه بعدما انهت تعليمها وعملت في المحاسبه بمجال مختلف عني ، كانت الإبنة الوحيدة لوالدين عجوزين، فقد خلفاها بعد الكبر ، وبعد علاج متواصل وسفر دائم.
كان والدها، يثني عليها دائماً، ويناديها بغاليتي، ويمتدحها بكنزي ، لأنها بالفعل اغلا ما يمتلكان.
تزوجت حديثاً ، وقد تزوجت من شاب
توفت زوجته وتركت له ولد عمره 6 سنوات
لا ادري ما بالنا نحن انا وجيهان وهل فقدنا عقلونا لكي نتزوج من رجال سبق لهم الزواج ولديهم اطفال!
لكن لجيهان اسبابها، فقد عمل عاصم حلمي زوجها على توفير كل ما ترغب به وتحتاجه من مال فقد كان وضعهم المادي ضعيف جداً، وما تجنيه لا يغطي ثمن علاج والدتها التي مرضت فجأة وتطلب شفاءها رعاية خاصه ،حيث وجب بقائها في المشفى بشكل دائم ، وكان هو بمثابة العصى السحرية التي لاحت لها في الأفق.
وجود طفل صغير ليس بمشكلة عويصه ،فجيهان
مثلي تحب الأطفال وتعشقهم،حتى انها تجيد الإعتناء بهم فقد عملت ذات مرة في الحضانة وجليسة أطفال لإحدى العائلات، حيث قامت بالإهتمام بأربعة اطفال اكبرهم 9سنوات واصغرهم طفله عمرها 8 اشهر .
أذكر انه بعد انتهاء مدة عملها معهم،تعلق بها الأطفال
وبكو لفراقها، لدرجة جعلت والديهم يعرضون العمل
عليها بشكل دائم ودفع مبلغ مالي كبير .
نظرت لها وكان الجو لطيف ، والحديقة جميله ،ليس بها العاب كثيره وفي مثل هذا الوقت من الصباح ليس هناك احد سوى القليل ، كانت جيهان قصيره
وممتلئة الجسد بشكلا متناسق ، حسنت الوجه والمظهر ومحجبه ، كانت في ما مضى مرحه وبشوشة جداً كثيرة الضحك والمزاح وقويه ايضاً ،اما الآن بدت لي مثل الشمعة التي احترقت حتى ذابت ، وكأنما انطفاة روحها ،فقد بدت مرهقة نفسياً.
وكأنما شعرت بنظراتي المحدقه استدارت ناظرة لي بعينيها العسليتان والتي يماثل جمالهما نقاء العسل
وكأنما قرأت الحيره على ملامحي فابتسمت بإرهاق ثم قالت لي: عن
_ إن ماذن فتى مهذب جداً وهو مطيع.
عادت بوجهها إلى الصبي ذو الست سنوات ورحت انظر له، كان جالساً مع صبي من نفس عمره ويلعبان
بالنظر إليه، يبدو هادئاً ، حتى تكاد لا تشعر به
إنه لطيف وجميل ،شعره اسود كثيف واسع العينين
وعريض الحاجبين، يخطف القلب ويجعلك تعشقه من الوهلة الاولى.
تابعت بصوتاً بدى لي حزين:
_ إنه لا يتعبني في شيء ،سهل الإرضاء وليس له متطلبات مثل بقية الأطفال في مثل عمره.
أخذت نفساً عميقاً وتابعت بذات النبرة :
_رغم ذلك أجد صعوبة كبيرة في التعامل معه وفهمه.
رمشت وانا اعود بذاكرتي للوراء حيث لقائي الآخر ب إياد لكن ليس كمصورة إنما كزوجة ابيه، اذكر انني رأيته بعد زواجنا وتلك كانت المرة الاخيره، وأظن بأنه خاف مني إذ تراجع للوراء وحدق في بعيون الشخص الغريب الجديد في حياته ،راقبني لبضع لحظات ،ولدهشتي إبتعد عني وركض عائدا إلى المربية التي احضرته معها ،حيث قام بالإختباء واخفى وجهه عني في تنورتها.
نظر لي علاء بوقتها نظرة تعاطف وراح لإبنه وحمله بعيداً عني.
_ إنه يعاملني كما لو كنت مربيته أو مدرسته، شخص
وجب عليه احترامه وفرض عليه فرضاً.
افقت من شرودي لها حنت رأسها وراحت تنظر ليديها التي عقدتها في حجرها ،وما عدت أفهم الفكرة التي تريد ايصالها لي .
_ماذن.....
صاحت له مناديه فحولت عيناي للصبي الذي رغم انشغاله باللعب إلا انه،اجاب وهو يعيد تركيزه إليها
_نعم ماما....
-هل انت مستعد للذهاب إلى البيت...؟
نفض يديه وهب واقفاً واجاب بحزن عميق:
_ أجل ماما....
سكتت قليلاً،وبقيت اناظرها،ثم سرعانما عدلت عن رأيها قائله:
-ما رأيك بالبقاء قليلاً إذن؟ فقد حضرنا للتو .
تهللت اساريره وزينة ثقره الوردي ابتسامة بريىة:
_حاضر ماما
ثم نزل إلى جوار الطفل وأكمل اللعب معه.
-ارأيتي !! هذا ما كنت أتحدث عنه، في المرة الأولى التي سألته فيها الذهاب،رغم أمارات الرفض التي تراقصت في عينيه إلا أنه لم يعارضني، فقبل بإقتراحي مستسلماً ....حتى وإن كان غير راغب في
المغادرة.
الآن فهمت ما كانت ترمي إليه، بالنظر إلى ماذن، فهو يبدو طفلا ذكياً ،مرحاً وطبيعياً ، ولكنه يفتقر إلى الثقه معها فحتى كلمة ماما منه تخرج من باب الواجب لا غير، لربما تأثر بقصص الصغار عن زوجات الأب، أو ربما شخص من جهة الأب اثر عليه ليكون حسن السلوك متجاوباً ، فقط ، ويحصل على رضاها دون عقاب .
- أريده أن يعاندني أن يبدي رأيه ، أن يخرج ما في نفسه ،فأنا لن اعاقبه إن اتسخت ثيابه، ولن أصرخ عليه ، إن لم يحب طعامي، لا أريده مثالياً بل اريده
بكله كما يكون مع والده، إن قلبي يعتصر حزناً ،حينما
أراه يتشارك الحديث مع عاصم، ويضحك بصوتاً عال
عندما يلاعب جدته، بينما يلتزم الحيطة والحزر، عندما يتعلق الأمر بي، وكأني شخص وجب عليه العد الى العشرة قبل أن يبادر بأي رد فعل.
نظرت لي باحثة عن طوق النجاة في نظراتي مسكينة جيهان، ظنت بأني سأكون ذا خبره بوجود ثلاثة أطفال ؛لكنني لا أعرف كيف أقدم لها النصح وأنا نفسي لم أخوض تلك التجربه، فأطفال علاء، التزمو بالبقاء إلى جانب والدتهم ولم تتح لي فرصه
لأعرف شعورهم وما يفكرون به وما أنا اكيدة منه
أنهم سيظلون مع ليلى إلى الأبد ولن يجتمعوا بي.
غادرتني جيهان تاركة حولي الإستفهامات ، واملت أن يهدأ بالها ويطمئن لها الصغير ، لا أعرف كيف أثرت
بها هذه الأمور الصغيرة،المتعلقة بسلوك صبي
طالما علاقتها بعاصم رائعه ولا يشوبها الملل والفتور
لكني لو كنت مكانها لحتويت الفتى في كل فرصه
ولثمت وجهه لأشعره بالأمان ، فما بدى لي من خلال مراقبته في الدقائق القليله تلك أنه يحتاج إلى الحنان ،فقدان أمه في تلك المرحلة من حياته صادم جداً ،وقدوم أما بديله دون استيعاب الصدمة الأولى
ضربه قويه لم يستطع عقله تحملها فنتج عنه رد فعله
ذاك .
جعلني اراجع حساباتي لربما بقاء الأطفال مع والدتهم خيراً لي فلا أحد يستطيع توقع ما يدور في تلك الرؤس الصغيره.
عدت إلى المنزل وكان الوقت قد شارف على إنتصاف
النهار أعددت طعام الغداء ، وذهبت إلى المرسم الخاص بي ،رسمت بعض اللوحات ، كنت بحاجة لبعض الألوان ، وتنقصني ريش ، سأذهب للتسوق غداً وسأبتاع بعض الثياب لي برفقة هاله زوجة أخي
عمار.
أمضيت بقية اليوم في تغيير موقع الأثاث وهاتفتني
أمي وميس ، دعتني أمي لتضمية عطلة نهاية الأسبوع معهم فلم يسبق ل علاء المبيت عندنا ،بينما
طالبتني ميس بالقدوم أيضاً فالفتاتان تريدانني وترغبان بوجودي معهما ، مضى شهر ونصف الشهر منذ آخر زيارة لي ودخلت ميس في شهرها السادس ويتوقعان قدوم صبي ، ليتهما يعطيانني جوان ،فهي تشبهني لحداً ما ومتعلقة بي ، لكنت دللتها واعتنيت بها أشد ما اعتناء .
وعند المساء دخلت الحمام واخذت حماماً منعشاً
وارتديت ثوباً أحمر غاناً ، ثم أسرفت في وضع المكياج ولأول مرة منذ أن تزوجنا ، احمر شفاه فاقع
وظلال داكن حول عيناي أبرز جمالهما ، ورفعت شعري كزيل الفرس وتركت بعض الخصل تهدلت إلى جانبي وجهي وخلف عنقي أردت أن ابدو جميلة رغم أنني كذلك ،وجلست أنتظر علاء.
حضر بعد ربع ساعة ، عندما دخل انبهر بمظهري
فقد اتسعت عيناه بدهشه لم يقدر على إخفاءها
ارتفع حاجباه إعجاباً وتحدث بمحرح:
_ ما هذا؟...ما كل ذلك؟
سألني بتسليه وإبتسامة عابثه لاحت على شفتيه
- هذا من أجلك ألا أعجبك هكذا؟
ودرت حول نفسي ليدور معي الفستان بأناقة مثلي
تقدم مني بخطواتاً بطيئه والتسلية لا زالت تتراقص في عينيه:
انتي جميلة في كل حالتك أما الآن فتبدين....
وصل إلي وجذبني إليه أقرب ثم همس أمام شفتاي:
_فاتنه...
لثم خدي بحراره
_لا أريد أن أفسد أحمر الشفاه
جعلني أحمر خجلاً
_سنتعشى خارجاً...
-ماذا؟..الآن؟
_ نعم الآن وفوراً....نحن بحاجة إلى ذلك فلم نخرج منذ مده
سحبني وراءه قبل أن أعترض حتى، أو أبدي رأي
ركبنا السيارة
_ سنقصد مطعم "******" مطعم جديد،افتتح يوم امس ورغبت في تجربته.
نظرت له بفرحه، دائما ما يفاجئني...وسعدت بأن المبادرة الأولى تأتي منه ، منذ أن عاد في تلك الليله وكل الأمور بيننا تسير على خير ما يرام.
وصلنا خلال ساعه وكان مطعم مكون من طابقين وواجهته من زجاج ، أمامه درجات سلم قليله وعلى جانبيه ورود وازهار، عندما دخلنا، خلت بأننا لن نجد طاوله لكثرة السيارات المرصوفة خارجاً،والزبائن ،فقد كان هناك اعمدة رخاميه في المنتصف، وبهو كبير وزعت عليه طاولات وكراسي منمقه وسلم يؤدي إلى الطابق الثاني، الإضاءة شاعريه،والثريات
جزء من تلك الإنارة كان في إستقبالنا نادل بشوش الوجه
وسألنا إن كنا قد حجزنا سابقاً لكن علاء نفى ذلك
فقادنا إلى طاولة تقع في الجانب الآخر ،اطلالتها جميله،من خلال الزجاج نستطيع رؤية شاطئ البحر ! وعلى الجدار علقت لوحات وصور وبعض الهدايا مثل التذكارات .
جلسنا وشعرت أن ليس هناك امرأة أشد سعادة مني، تراقص
قلبي وتسارعت دقاته وانا أنظر لإختياري ،وكادت تدمع عيناي
وقف ليأخذ طلباتنا وقد، كانت الطاوله المذهبه منمقه،بشكل
فاخر وملفت.
اشتهر هذا المطعم بالوجبات البحريه، إلى جانب ذلك يقدمون الباستا والعجة الإسبانيه والبيتزا، طلب لي علاء على زوقه
وكنت ممتنه .
_سيأتي الطعام حالاً ، يمكنكما الإستمتاع بالمشهيات .
قال ذلك واختفى، وحدق بي علاء ، فاستحيت رغماً عني
_أعجبك المكان؟
نظرت للطاولات القريبه منا ،بعضها لا تزال شاغره وأخرى
بها بعض الناس، هناك ازواج مثلنا، واسر ، وبعض الشباب أيضاً من كل الجانبين ممن ينتظر حبيبه أو حبيبته.
-بل أحببته...
صوت تحطم شيء جعلنا نلتفت معاً إلى مصدر الصوت
كان ذلك نادل حطم شيء ما ،فقد وقف مرتبك وهو يقدم
اعتزاره لشخص ما جالس على الطاولة التي امامنا ، ولفت انتباه الجميع، وعندما ابتعد سريعاً لمحت فتاة شقراء
جالسه على نفس الطاولة التي جلس فيها الشاب .
_ليلى.....
قالها علاء بعصبيه ،فجذبت نظراتي منه وعدت اليه وجدته هب واقفاً بعنف حتى اهتذ الكرسي من خلفه....ولم أفهم سبب غضبه المفاجئ
_ ليلى...
صاح بها ثانيتاً ، وهو يتحرك لا إرادياً ،ربما يقوده الجنون أو
الغيره شئ ما جعل بندقيته تشتعلان....ونهضت من خلفه أفهم سر تحوله إلى الآن لست أفهم ما به ولحقت به وهو يتوجه إلى تلك الطاولة.
لم يسبق أن رأيت ليلى، ولا حتى بأحلامي لكن إن كانت هذه ليلى طليقته، فأنا أقف أمام أشد الإناث فتنة وجمالاً، فتاة شقراء،شعرها قصير قصته ليصل طوله إلى حنكها ،بعينان
واسعتان، وقوام كالمهره كانت ترتدي ثوباً اسود عاري الكتفين عكس بياض بشرتها ونقائه ، وعندما وقفت تطالعنا
بزهول ظهر طول الثوب الذي يصل إلى ما فوق ركبتيها.
إرتجفت وهي تحدق بنا وقد كان علاء يرتجف أيضاً من فيض مشاعره، ووقف الشاب الذي لا يقل زهولاً عنها ونظر لنا
ازهلتني المفاجأة التي بغير وقتها وشعرت بأن هذه الليلة
ستحدد كل شيء.