رواية وحوش لا تعشق الجزء الثاني من ليالي الفصل العاشر بقلم رحاب ابراهيم
لم يكن ثمة ما تندم عليه من قرارها بالابتعاد عنه ولكن فوارق الألم قد شقت طريقها إلى القلب بقسوة ..صعدت إلى منزلها البسيط في السطوح الذي تفاجئت قليلا كيف اتت إليه ؟ فكانت الاجابة الحتمية أنها شردت مسافة الطريق بأكمله وتواتر على مرآها مجرى الطريق دون أن تتذوق عيناها الرؤى والتفحص ، حتى عندما اتت إلى هنا بخطا قدماها التي اعتادت الطريق تلقائيا ...اتت..
تعجبت الأم التي همت منذ قليل بتنظيف المكان حتى راقبت ابنتها وهي تدلف وقد انتهجت ملامحها العبوس ..اقتربت متساءلة بقلق وهي تلقي مكنسة التنظيف من يدها :-
_ حصل إيه يا فاطمة ؟ رجعتي بدري ليه ؟
ران الصمت لدقيقة حتى نظرت فاطمة بتيهة إليها ثم قالت ببطء وحاولت أن تتماسك من صراخ قلبها :-
_ سيبت الشغل
عقدت الام حاجبيها بشك ودب القلق بعيناها واعادت التساؤل مرة أخرى :-
_ اكيد حصل حاجة !
لمعت عين فاطمة بدمعة كادت أن تسرق قوتها وتسري على وجنتيها :-
_ لأ ، بس اتخنقت من زعيق صاحبة الشغل ومعاملتها معايا ...
تعمقت نعيمة بعين ابنتها حتى تسبر أغوارها ولكن لم يكن من بد من تهرب فاطمة من الافصاح عن السبب الحقيقي ...قالت الام وهي ترجي راحة ابنتها ثم استدراجها بالحديث لاحقا :-
_ ما تزعليش ، في ستين داهية ، هتلاقي احسن منه ولا حتى ما تلاقيش مش مهم ، انا لقيت شغلانة ليا على ما ربنا يفرجها والاقي احسن ....هروح مع الجارة اللي في البيت اللي جنبنا انضف شقق وهاخد في اليوم ١٠٠ جنيه
اتسعت عين فاطمة بغضب واعتراض ثم قالت :-
_ لأ ، مستحيل اخليكي تعملي كدا ، الشغل مش عيب بس بناقص بهدلة بقى وكفاية عليكي كدا ...
رفضت فاطمة أن تعمل امها بهذا العمل ولكن لم تستطع الافصاح عن ذلك حتى لا تجرحها أكثر ..
التزمت نعيمة الصمت فلا داعي للاستمرار في هذا الحديث الذي لن تجدي منه غير الرفض من الجميع ...
عادت إلى تنظيف المنزل واندست فاطمة خلف الستارة البالية حتى تبدل ملابسها ثم جففت عيناها التي استغلت العزلة وغمرت وجنتيها بالدموع الذي لم تكن تظرفها ولو لدقيقة لمجرد ترك عمل بائس كهذا ! ...بل هناك ترك آخر جعلها تتألم هكذا ..ولا حيلة في زمام ما يريده القلب
__________________________أذكروا الله
عكر صفو هدوء مكتب إسلام صوت هاتفه الخاص الذي اعلن عن رقم قلما كان يتصل به حتى تلقى إسلام الاتصال بعصبية وهتف وهو يترقب الباب بحذر :-
_ بتتصل بيا ليه دلوقتي يا غبي ، مش لينا مواعيد بنتكلم فيها !؟
اجاب حداد بنبرة انفعالية لم يكن ليجرؤ سابقا أن يتحدث بها مع إسلام حتى قال بحقد :-
_ كان لازم اتصل بيك عشان في اخبار مهمة لازم تعرفها
ضيق إسلام عينيه بقلق ثم قال :-
_ قول اللي عندك بسرعة
جلس حداد على احد الصناديق الخشبية السميكة في غرفة تملؤها القمامة وزجاجات الخمر الفارغة الملقاة على الأرض بإهمال ثم سرد :-
_ انا عرفت مين اللي بيوصل لفهد الاخبار ..مش هتصدق يا اسلام بيه ! ...مصطفى الطبال وبنته
ظهر الاستفهام بعين اسلام وقال :-
_ مين دول ؟!!
اجابه حداد بتوضيح سريع حتى تذكر إسلام تلك الفتاة واباها التي اتوا مع حداد منذ أيام ...
رد إسلام بتهكم :-
_ طب ودي عايزة سؤال ! ،مش هيبقوا احسن من مرزوق يعني !
امتقع وجه حداد بشراسة ثم قال :-
_ لأ يا باشا ، البت تلزمني ، وانا عارف هتعامل معاهم أزاي ومش هيفتحوا بقوهم بحرف واحد ..
جز إسلام على اسنانه بعصبية ثم هتفت :-
_ انا مش هكرر كلامي ، واللي بقوله يتنفذ ، بس انت عرفت منين واتأكدت أزاي انهم اللي بيوصلوله الاخبار ؟!
اجاب حداد وقد تذكر ليلة أمس عندما أرسل من يراقب فهد في منزله حتى يتحرك هو بحرية دون قلق بأن يتم القبض عليه ملثما حدث قبلا :-
_ عشان أعرف اوصل لرجالتي كان لازم اراقبه الأول عشان ما يغفلنيش زي المرة اللي فاتت ، والبت وابوها كانوا هناك في بيته وكان في فرح بس مش عارف لمين ، واللي عرفته انها كانت متزوقة ! ، اظن ده كفاية عشان اتأكد وكل اللي اتعمل في القسم ده كان حوار مش اكتر ...
رفع إسلام حاجبيه في دهشة ثم قال :-
_ وانا اللي طلعتها من وراه وفاكر أني هحرق دمه ! ، اتاريه لعب علينا كلنا ابن ال.....، بس كويس أنك عرفت لعبته وكشفتها
همهم حداد بشر دفين لكلاهما وتوعد بعزم :-
_ يبقى سيبهملي وانا المرادي هتصرف معاهم
امتلئت عين إسلام بالسخرية منه فهو يعرف كل المعرفة مدى الخوف الذي يشعر به من ذلك الفهد وكل ذلك العجرفة ستتلاشى بمجرد وقوفه أمامه حتى قال إسلام بتحذير :-
_ أي غلط هيحصل منك هيبقى الدور عليك انت مش على مصطفى وبنته ..
وافق حداد بعد صمت ران للحظات ثم انتهى الخط بتوعده من جديد لتلك الفتاة التي اثارته قبل أن تلفت نظر ذلك الفهد المخيف ...
_______________________صلّ على الحبيب
قبل أن يصل بقليل ، أزعجه الصمت الذي ران فجأة بعد مشاكستها لتلك المخلوقة الصغيرة المسماة بكيتي ،فتجنب نظرة متسللة لها حتى سار دفء بهيج زحزح بعض عصبيته وارهاق القيادة وهو يراها نائمة والشيء الذي جعله يبتسم عندما رأى قطتها نائمة مثلها وكأنها تقلدها حتى في النوم ! ...قال متمتما بضحكة خافته :-
_ نوم الظالم عبادة
رفعت القطة رأسها وكأنه أزعجها بحديثه ونفضت رأسها حتى اصبح شعرها الابيض مفرودا گ ريش الطاووس ، نظر لها بحدة وكأنه ينظر لانسان ويحذره ...ترك محرك القيادة بعد أن وقف بالسيارة أمام باب الشالية ثم استغل فترة نومها وقبض على القطة بيده وتعمد امساكها كالارنب ، وكاد أن يقذف بها من النافذة حتى خدشته وهي تعول بصوت عالٍ ازعج غفوة تلك النائمة بجواره في السيارة ، فتحت عيناها بتكاسل حتى شهقت وهي ترى قطتها تهرب إليها راكضة ...هتفت مريم بقلق وهي تضم القطة بقوة:-
_ كنت هتعمل إيه في كيتي ؟
نظر لها ساخرا ثم قال :-
_ كنت هعلمها تعوم 😄
نظرت مريم لقطتها ثم قالت بعصبية وتحذير :-
_ ااااااادم ، مالكش دعوة بكيتي خااالص
قابلها بنظرة اشد عصبية وصاح بها وهو يشير لخدش يده بإنفعال :-
_ خليها هي اللي تبعد عني لأن المرة الجاية هرميها في البحر بجد ، شوفي عملت في ايدي ايه الحيوانة دي ؟!
ابتسمت وهي ترى خدشه ثم نظرت للقطة بنظرة وكأنها تكافئها مما جعل آدم يشتعل من الغيظ ويترجل من السيارة بعصبية ....
فتحت باب السيارة حتى تترجل منها ولم تلاحظ انه اتى ووقف أمامها وهو يمد كفه حتى تستند عليه ...
فأي بادرة لطيفه منه تربكها بشدة وتتحول الى تلك التمردة بلحظات الغضب فقط ....سرى شعور اشتياق بداخلها للمس كفيه مرة أخرى منذ آخر مرة فعلها رغم ادراكها قوة ودفة المشاعر الذي تجتاح قلبها حينذاك ...
الممت اناملها بين كفيه وهي تخرج من السيارة وكان لكفيه مفعول الدفء بيدها من لفح برودة الهواء الذي حُجب عنها أثناء السير بفعل الزجاج المغلق ....
كان يتهرب من عيناها رغم أنه يمد يد العون ، فهو بكل قوته لا يقوى على ضعفها ولو لثوانٍ...
ورغم أن سماء الاسكندرية في هذا الوقت كانت ملبدة بغيوم تهدد هدوء مياه بحرها بشقاء العواصف ولكن رؤية الزبد الخارج من المياه لاهثا على رمال الشاطئ الذي كانت مجمدة من بلل المياه ..كان الزبد يمرؤ طازجا على الرمال وتنتعش نقراته من اللهو وتقبض لزوجته على سرى الرمال مثلما تقبض انامله على يدها بقوة وقد تفرس في وجهها بحنان وهي تتأمل هذا المشهد حولها برعشة قد تحسسها من يدها ...قالت وقد خطف نظرها هذا المشهد :-
_ الله ...هي اسكندرية جميلة كدا في الشتا ؟!
نظر جيدا لأحمرار وجهها وعيناها التي قارنها بلون المياه قربه وقال متأملا وقصد بشكلٍ غامض شيء دفين بداخله:-
_ جمالها ماشوفتوش زيه في عمري كله ...سحر
اجفلت من دفء نبرته حتى التفتت له بغموض وكان قد أشاح عيناه عنها بألم وتمنى في هذه اللحظة أن يحدثها عن مكنونات نفسه ولكن هل ستتفهم هذه الصغيرة حديثه المعقد ؟ هل ستصبر على هذا الطريق الطويل الذي لن تسير به إلا إذا كانت عاشقة ؟ هل احبته يوما ؟ اعتقد أن مشاعر المراهقة لا تزال تسيطر على اجفانها وبقاع قلبها الذي لم يطأ أرضه غير زهور طفولتها التي لم ترتفع للنضوج إلى الآن ....يريد أن يضمها حتى تتألم ويريد أن يتركها دون أن يتألم ..طريقان وكلاهما مرير ، وما لوجود لمفترق الطرق في زواجه بل طريق واحد إما البقاء أو الفراق ...فإلى أين سيذهب ؟
فتح الباب ثم دلف للداخل ووضع الحقائب من يده حتى دخلت خلفه ببطء وهي ترتجف قليلا بعد أن تركتها يداه وزادت رجفتها لتذكرها انها ستمكث طيلة اسبوع معه هنا وبمفردهم .....
كان مسار فكرها يبدو ظاهرا عليها ولشدة ارتباك عيناها التي جعلت طيف مرح ينطق بعيناه مع لمعة دافئة بوعد العناية بها ....قال بلطف :-
_ الشالية جاهز من كل حاجة ، استريحي انتي وانا هحضر اكلة سريعة كدا ...
بلعت ريقها بتوتر من نبرته الهادئة وقد احتاجت حقا للراحة حتى استطاعت بعد أن تركها متوجها للمطبخ أن تأخذ نفسا عميقا ملئ رئتيها .....توجهت إلى الدرج للركن الأعلى حتى دلفت للغرفة العلوية التي تحفظها جيدا فآخر زيارة كانت في صيف هذه السنة التي هجمت عليها رياح الشتاء بغضب...حتى ركضت الهرة من بين يديها لتلهو حول الدفء الصادر من المطبخ وآبت مرافقتها لأول مرة فيبدو أن الدفء آغواها !..
نظرت للغرفة ببسمة اشتياق ولولا برودة الهواء لكانت نسيت انها في شهر العسل وانها اتت لتخلوا بعطلة صيفية مثلما كانت تجري العادة دائمًا ...
____________________________استغفر الله العظيم
عادت ياسمين إلى المنزل بعد يوم عمل طويل قد عوضت فيه بعض أيام تغيبها في النادي الرياضي ، وارجعت لهفتها لرؤيته مرة أخرى للآسف من سؤالها الآخير التي لم تقتنع إلى الآن أنها اخطأت عندما طرحته عليه ولكن يبدو أنه شرقي الطباع بشكل زائد حتى لا يقبل ثمن تصليح قلادتها أو لأنه اعتقد أن هذا طريق جديد قد انشائه حتى يصل إليها ! ، لم تره بعدها وكأنه اخافى من المكان كلياً ،وبشكل لم تستطع الاعتراف به بداخل بؤرة قد اضيئت للتو بداخلها ..أرادت رؤيته ليس لأي شيء غير انها تريد رؤيته فقط ..وهذا ما جعل سير رجفة مضطربة تصل إلى صمام قاسي بقلبها !...
_______________________استغفرك ربي وأتوب إليك
قلبه الآن ليس بمرقده ، ليس قلب الفهد ! ..أين قلبه إذا ؟
سرب القسوة يصفعه بغضب ...أين قلبك يا احمق ؟
وهو بين الحيرة واللهفة المجنونة والخوف الذي يزلزل دواخله عليها ..تائه
ولا يعرف أين هو ؟ أين هو به ؟!
أغمض عينيه بغضب من نفسه وهو يقرع على مكتبه بسن قلمه الغليظ الذي يتأرجح بين انامله ونظرة مضوبة للفراغ ، لا ليس ينظر للفراغ ...بل ينظر لظل وهماً رسم ملامحها وكأنها نأت من تلك النسمات ..
وكلما تذكر تحرير قيد ذلك المجرم تغلي الدماء بعروقه وكلما اشتد الغضب..اشتد خوفه عليها ..
قال بصوتٍ لا تخلوا منه نبرة التأكيد والعزم :-
_ لو شوفتك تاني مش هتهربي مني ابداٌ ...لازم ادور عليكي ..لازم الاقيكي يا فاطمة
لفظ اسمها لم يكن بالشيء الهين ، لم يكن يمر مرور الكرام على مسامع قلبه ، هل هناك وجها آخر خلف لهفته هذه ؟
رمى رأسه على حافة المقعد خلفه وهو يغرب عيناه ويتنهد بحدة و كأنه قد بدأ في معركة نارية لوطن مجهول لم تضح رايته إلى الآن !....
____________________________صلّ على الحبيب
كانت قد خلعت معطفها الطويل وحجابها ، ونظرت للمرآة عدة مرات وهي تعاين مظهرها ..كم احبت تلك الرداء لأنه اعاد نظرة مرتبكة في عيناه عند رؤيتها ...احيانا تتوتر لشعورها المضطرب الذي يلازمها منذ أن وعت للحياة ، كانت دائما تشبهه بالحياة ....فبها الكثير من الألم وبها لحظات خاطفة من السعادة الحقيقية ورغم ذلك نريدها ولا نعلم اهذا حباً أو الخوف من هجرها والفناء ..هو كذلك ..حقاً كذلك
شواظ نيران الموقد ادفئت المكان بعض الشيء ،وانتشر الدفئ للغرفة المجاورة التي اصبحت غرفة جلوس ، ووقف آدم يراقب اشباح الدخان التي ترتفع من الإناء الذي يُعد به الحساء الساخن ...شعور غريب يجتاحه وكأنه في زوبعة موجة خاطفة تبتلع من يقترب رغم أن بيده قارب النجاة !
فأيهما سيكون أقرب ؟ ....
خرج من تيهته ليقترب من الاناء ويختبره حتى تأكد من نضجه ...وضع بعض شرائح اللحم المقدد وطبق من شرائح الخضراوات الطازجة ثم الحساء الساخن في آنية فخارية ..وصعد على الدرج ولم يتعجب من ركض الهرة خلفه ، فبالتأكيد أنها تتلقف رائحة اللحم ..
بقلم رحاب إبرهيم
دلف للغرفة وصينية الطعام بيده ولم ينتبه لمريلة المطبخ السوداء المعلقة بعنقه حتى سمع رنين ضحكتها وهي تنظر له متفاجئة قليلاً...
قال بمرح :-
_ أول مرة أشوفك بمريلة المطبخ ، أسفة ماقدرتش امسك نفسي من الضحك الصراحة ...
وضع الصينية على المنضدة الدائرية وابتسم لضحكتها ثم خلع عنه هذا الشيء ليشير لها بعد ذلك بالاقتراب حتى تجلس بجانبه ويتناولوا الطعام ..اقتربت لتجلس بجانبه ولم يذهب عن مرآه وملاحظته أنها خلعت معطفها ليظهر تناسق هذا الرداء مجددا عليها ...تنحنح وبصعوبة قد ابعد نظره عنها حتى لا تلاحظ ذلك ....
هي تعرف انها تؤثر ولكن لا تعرف انها معشوقته..فذلك شتان لا يفصلهما سوى الاعتراف .
بدأت الهرة تحوم حولهم حتى وضعت لها مريم بعض اللحم في طبقها واكتفت بوضع اللحم على جسد الصينية الفضية اللامعة فالشرائح تبدو أكثر من كافية ولا تدرك أن آدم قد اشرك هذه الهرة كطعام فرض زائد رغم كرهه لها !..
تلذذت بالمذاق أم تراها تتلذذه بسبب صانعه ؟
تعجبت لأنها أول مرة تدرك انه على دراية لا بأس بها بأمور المطبخ حتى قال فجأة :-
_ عجبك الأكل صح ؟
ستكون سخافةٍ منها أن نفت لمجرد اغاظته وهو من اجهد نفسه ليريحها ..قالت بصدق :-
_ تحفة أووي ، تسلم إيدك بجد
ابتسم بثقة ولم يخفي عليه تعابيرها الراضية وهي تتناول الطعام ...فتلصص النظرات إليها بات مهنته رغم أنها زوجته وهذا اقل حقوقه !...
بعد الانهاء من الطعام أخذ الاطباق وهبط بهم للأسفل ليقوم بغسلهم حتى هبطت خلفه معترضة على ذلك ...
قال هو بتصميم :-
_ لأ..دي حاجة خفيفية روحي ادفي انتي الجو برد
اقتربت تأخذ منه ما بيده من زجاجة الصابون حتى دفعها برفق ولم يعتقد أنها سيختل توازنها بسبب عرج قدماها مما جعلها تصرخ وهي تحاول الامساك به حتى سقطت بالفعل على الارض ....صدمته في ذلك لم تقل عن نفسها الجريحة التي اوضحت لها أنها لا تصلح أن تكون زوجة تلم بشؤون بيتها مما جعل عيناها تتسع بدموع صامته على وجنتيها ....جثى على ركبتيه بجانبها بعد أن رمى ما بيده ليأخذ وجهها بين يديه متلهفا خائفا ..قال :-
_ مريم حصلك حاجة ؟ ، انا اسف ماكنش قصدي والله
رفعت وجهها المغرق بالدموع وقالت بألم :-
_ انا ما انفعش زوجة يا آدم ، ما انفعش
ضيق نظرته عليها بحدة وأراد أن يهزها من كتفيها بعنف ويهتف ..انها بالنسبة له العالم بآسره....
آخذ وجهها لصدره بضمة قوية مثلما تمنى دائما ولكن لم يؤلمها بل تألم هو لبكائها الذي بثته على قلبه ثم حملها بين ذراعيه برفق حتى الأعلى ....
دلف للغرفة ووضعها على الفراش بلطف وجلس بجانبها بعد أن دثرها بالأغطية وهمس بحنان وهو يأخذ اناملها ويضمها إليه :-
_ هتبقي احسن زوجة في الدنيا ، بس مش لازم تغسلي اطباق ...
تهدج صوتها حين قالت :-
_ يبقى أزاي هبقى زوجة وانا مش عارفة آراعي شؤون بيتي ! ، أزاي هبقى ...
وضع اصبعه على فمها يوقفها عن الحديث وهمس مرة أخرى وهو يفرد اناملها على جانب وجهها ثم اطبق يده عليها وقال :-
_ الزوجة يا مريم اولا لازم تكون قلبها بيت وروحها سكن لجوزها وصدقيني مش مهم أي حاجة تانية ...
قبل باطن يدها حتى صفعته جملتها ...
_ يا ترى انا هبقى كدا للي هتجوزه بعد كدا ؟
قالتها مختبرة واستقبلها بغضب العاشق الذي احترق بنيران مجهولة لم تبدأ بعد ...
وقفت غصة حارقة بحلقه ولم تريد العبور حتى ترك يدها ورمقها بنظرة معذبة ..نظرة تقسم أن تلك الصغيرة لن تحبه يوما أو ستتفهمه يوماً.....خطوات البُعد تقدمت ليعود تلك القاسي الذي لن يرضخ أبداً لهذا العشق.....
خرج من الغرفة سريعا ولم يبدر أي غضب وكأن ما قالته لا يعنيه ، فهذه ستظل مشكلته الابدية معها ...لن تصل ابداً لمنطلق اعماقه...لن تفهمه وتفهم ما يعانيه ، لن تفهم عشقه ابداً ...فهو جريح منذ سنوات وجرحه لا يندمل ، جرح مثل شقوق الأرض العطشى ..فكلما زادت جفاف زادت شقوقها ، وما لجرحه من خلاص ، فلا الاخطاء الماضية تقبل الموت ولا الاموات تقبلهم الحياة من جديد ...
خرج من الكابين على ضفاف البحر التي كانت شمس شتائه في المغيب ، استقبل الهواء بصدر رحب رغم برودة الطقس ، فبرودة القلب قطبية الاتجاه ، ونفس مُلتاعة تريد النحيب ...حتى تركت حجرتها بقلب قد ركض قبلها ببكاء ، فكم كانت حمقاء عند طرح سؤال لا يمت بصلة على ما يعمل في قلبها ،واحيانا تبدي غباء لم تقصده وشاذ عن فكرها !....حتى رأته يقف مواليا ظهره للكابين بظل شارد ...
نست أن ترتدي معطفها لذلك حمس رطب الهواء رجفتها حتى وقفت بجانبه بإرتباك وهي تلف يداها حولها من البرودة وبدأت اسنانها تصطك قليلا حين قالت :-
_ انا مش قصدي أقول حاجة تزعلك
لم يجيبها بل ظل شاردا حتى قالت مجددا بنبرة متهدجة:-
_ آدم
وكما شهد القمر دموع ليالي من قبل في ذات المكان شهد دموعها التي تلألأت تحت أضواء قمرية شاغفة حتى وضعت يدها على كتفه ببكاء وقالت :-
_ انا مش عارفة افهمك وانت دايما بتسكت لما بتزعل ، بس انا بجد ما بحبش ازعلك ، لو زعلان من حاجة فهمني عشان ما اعملهاش أو حتى زعقلي وواتعصب عليا بس ما تفضلش كدا ....انا ما بحبش اشوفك كدا ساكت
وكما كان دائما ،فتأثيرها عليه أقوى من قوته ، اقوى حتى من غضبه ، التفت إليها بنظرة عميقة حتى رق عندما رأى وجهها الغريق بعبراتها المنفعلة وشعرها التي تركته دون غطاء لعلمها أن لا يوجد أحد بالجوار ....أراد شيء بجنون ولكن لم يستطيع أن يتكهن رد فعلها ...بل خائف منه فتمسك بالثبات ....
غلى الحزن بداخلها وهي تراه هكذا حتى بدأت تتحرك لتدلف إلى الداخل ..قالت شيء للتو أعترفت به :-
_ يمكن ما تصدقش اللي هقولهولك ، بس دايما انا كنت بعتبرك مثلي الأعلى بعد بابا ، كنت بعتبرك مكانه في مواقف كتير وانت كنت دايما بتعاملني بعصبية ورغم كدا عمري ما كرهتك....
وكيف لا يبتسم القلب الآن ! ، وكيف لا يترك لعشقه العنان ؟! .....جذبها من يدها بقوة ...