رواية لعنة الخطيئة الفصل الاربعون 40 بقلم فاطمة أحمد

 




رواية لعنة الخطيئة الفصل الاربعون 40 بقلم فاطمة أحمد


 : داء ودواء. 

__________________

في سرايا الشرقاوي. 

اجتمعت نساء العائلة على طاولة الغداء في صمت يتخلله صوت طرق الأطباق من حين لآخر حتى أنهت نيجار بعض اللقيمات ومسحت فمها فنظرت لها جميلة وقالت :

- انتي مكملتيش اكلك ليه لازم تتغدي كويس الفترة ديه وتاخدي دواكي عشان تتحسني.  


- شبعت خلاص مليش نفس اكل اكتر من كده شكرا. 

ردت برسميَّة وكانت ستنهض لكنها شعرت بألم مفاجئ بظهرها فتأوهت وهذا ما جعل سلمى تقف مرددة :

- استني أنا هوديكي لأوضتك. 


استندت عليها نيجار بوهن وهي تصعد معها حتى وصلتا للغرفة وجلست على فراشها مستمعة لعتاب ابنة عمها :

- مكنش في داعي تنزلي لتحت وتتعبي نفسك لأني كنت هجبلك الاكل لغاية هنا بس شوفي حالتك دلوقتي انتي مش قادرة تقفي حتى. 


تنهدت متمتمة باِقتضاب :

- زهقت القعدة بين اربع حيطان بتتعبني اكتر وبعدين أنا كويسة مفيش داعي للقلق ده. 

 

نظرت لها سلمى للحظات تفكر بها في شيء يثير قلقها حتى حسمت الأمر وسألتها مباشرة :

- هو انتي زعلانة مني ؟ 


قطبت نيجار حاجبيها باِستفهام لتردف سلمى بتوضيح :

- بقصد عشان آخر مرة لما اتخانقتي مع صفوان و جوزك جه واخدك معاه لسه شايلة مننا. 


- وانتي مالك باللي حصل ده مكنش ذنبك. 


- يمكن لانهم قررو يجوزوكي انتي لـ آدم بدالي انا، بعرف انك حسيتي بالظلم وشوفتي انهم ضحو بيكي عشان ينقذوني من عيلة الصاوي. 


- الكلام في الموضوع ده مبقاش ليه فايدة أساسا لو جينا للمنطق هنلاقي ان كان عندهم حق يفكرو بالطريقة ديه يعني مهما مرات عمي وصفوان حبوني مش هيوصل لحجم حبكم ليكي طبيعي يفضلوكي عني. 


ابتسمت وبللت شفتها متشدقة :

- يمكن هتستغربي من كلامي بس أنا شايفة عكس اللي بتقوليه ... الحقيقة انه قيمتك في البيت ده اكبر من قيمتي. 


تفاجأت نيجار من حديثها وأولتها الاهتمام الكامل لتتابع الأخرى بنبرة هادئة :

- بتقوليلي ان صفوان بيحبني اكتر بس هو طول عمره مقرب منك انتي، كنتو دايما سوا ومن طفولتنا كان بيجي يحكيلك عن اسراره وأفكاره ولو وقع في أي مشكلة فـ أول حد بيفكر فيه هو انتي ...بتعرفي اني حسيت أحيانا بالغيرة منك ؟

نجحت في سرقة دهشة من عينيها. 


- مش غيرة بمعنى الحسد بس انتي دايما كنتي البنت القوية والجريئة نيجار فخر العيلة مبتهابش ولا بتخاف بس أنا مين ؟ سلمى اللي وجودها من عدمه واحد آخرها تاخد وتجيب الشاي وبتقعد مع أمها عشان تسمع شكاويها. 


حتى ساعة ما طلع قرار جواز آدم من واحدة من عيلة الشرقاوي قالو اني مش قد الصاوي ورفضو الجوازة مباشرة دول مسألونيش عن رأيي حتى ولا فكرو ثانية واحدة ف اني ممكن اقدر اتحمل المسؤولية لا ديه ماما اتخضت وقعدت تندب وتقول انهم هيأذوني و انا مش قدهم. 

وفي النهاية وقع الاختيار عليكي انتي لأنك قوية بالدرجة اللي تخليكي تواجهي اعدائك وانتو تحت نفس السقف عكسي تماما ضعيفة ومليش فايدة.  


اعتدلت نيجار في جلستها وأمسكت يدي ابنة عمها بمواساة عاطفية :

- معقول طلع كل الكلام ده مخبي في قلبك أنا عمري ما اتخيلت انك بتفكري بالشكل ده ولا تبصي للأمور من الناحية ديه. 


لم تختفِ بسمة سلمى وهي تومئ بتفهم :

- شوفتي كل واحد مننا بيبص من وجهة نظره الخاصة بس اوعى تفتكري انه عندي مشكلة معاكي تمام انتي بتعرفي كويس قد ايه انا بحبك وبعزك وحتى لو اختلفتي مع عيلتك فده مبيمنعش أنهم بيحبوكي. 


ثم أردفت ممازحة كي تغير نطاق الجو المضطرب :

- وبعدين لازم تحمدي ربنا لأنهم اختاروكي انتي اهو عشتي مع عدوك وبقيتو تحبو بعض. 


تهدلت عينا نيجار بأسى ومطت شفتها متذمرة :

- مش لدرجة بنحب بعض هو صحيح أنا بحب آدم اه بس مش عارفة ايه مشاعره ناحيتي يعني مرات بيبقى حنين معايا ومرات مش طايقني ولا بيسأل عني. 


تنهدت وهي تتذكر أنه لم يتصل بها منذ آخر مرة جاء بها إلى هنا أي منذ يومين فنظرت لها سلمى بجدية قائلة :

- يوم الحادثة بتاعتك أنا كنت واقفة مع الباقي في المشفى وشوفته كان منهار ورجليه مش شايلاه ولا قادر ياخد نفسه حسيت ساعتها قد ايه آدم خايف عليكي بتعرفي انه مرضيش يرجع لبيته حتى بعد ما عرف انك بقيتي كويسة وفضل قاعد جمب باب اوضتك ومستنيكي تصحي.


تسللت الفراشات إلى قلبها الذي سُعد وهو يعلم بكل ما قام بها آدم من أجلها حسنا لقد رأت نيجار مدى رعبه وصدمته حين تلقت الرصاصة بدلا منه وربما شعرت به وهو يتوسلها لكي لا تغمض عيناها لكنها ظلت تبرر لنفسها بأن انفعاله كان صادرا عن شعوره بالذنب لأنها أنقذت حياته أو ربما بعض من الندم لأنه جرحها بكلامه قبل عدة أيام. 


لكن حتى وإن كان حبا حتى وإن كانت قشرة الكره الصلبة بدأت تلين وتزول فهل ستسمح حكمت بذلك ؟ هل ستدعها وشأنها كي تصلح علاقتها مع آدم أم أنها لن تتوانى عن ملء رأسه ضدها وتذكيره بالماضي ؟

حسنا بعد التفكير يبدو أن حكمت نشرت قد سمومها وانتهى الأمر وربما لهذا السبب لم يتصل بها آدم منذ آخر مرة رأته فيها ...


__________________

غادرت بعد انتهاء دوامها الجامعي وركبت في السيارة التي تنتظرها وهي تزفر بإرهاق فنظر لها الآخر من المرآة الأمامية مبتسما :

- شكلك تعبتي اوي النهارده. 


بادلته الابتسامة وأومأت بإيجاب :

- ايوة فعلا جدولي كان مليان بس هانت فاضل كام اسبوع والسنة تخلص وارتاح. 


- والسنة الجاية هي سنة التخرج مش كده.


همهمت ليلى ليهز محمد رأسه مطمئنا إياها :

- مش هتحسي بيها خالص يدوب تغمضي عينك وتفتحيها هتلاقي نفسك بقيتي خريجة ... ربنا يوفقك. 


أمنت خلفه سريعا وعادت تعدل جلستها على المقعد الخلفي ثم شردت في أمور أخرى دون شعور منها فاِنتبه لها محمد وبرطم بجدية :

- في ايه انتي كويسة ؟


- ايوة بس في كام حاجة شاغلة بالي. 


تابع قيادة السيارة بينما يستطرد مستدركا :

- بخصوص الهجوم اللي حصل لآدم بيه مش كده ... صحيح مرات اخوكي نيجار هانم بقت عامله ايه دلوقتي. 


انكمش وجهها بذنب وعدم رضا عن نفسها وهي تجيب :

- معرفش متصلتش بيها وطبعا مبقدرش اروح لبيت الشرقاوي والا تيتا هتقتلني بس أنا حاسة بالكسوف نيجار خاطرت بحياتها عشان ابيه لكن أنا مكلمتهاش ولا اطمنت عليها يعني مهما كان اللي عملته هي في الماضي بس مينفعش دلوقتي نتجاهل تضحيتها.  


قطب هذا الأخير حاجباه بغرابة وأعقب عليها :

- طب هي عملت ايه مش ذنبها انها بتبقى واحدة من عيلة معادية لعيلتك واتجوزت اخوكي عشان الصلح. 


تفاجأت ليلى وهمَّت بالاعتراض لكنها تذكرت بأن محمد لا يعلم بعلاقة نيجار مع آدم في السابق ومالذي ارتكبته بحق شقيقها إنه يظنها مسكينة انحشرت في زواج مُعقد دون ذنب منها لا يدرك أنها خططت ضد الرجل الذي أحبها بصدق وكادت تتسبب في مقتله والآن هناك شخص آخر يود قتله وكأن العالم بأكمله قد اجتمع على أذيته. 

أضاف محمد بنبرة أكثر لينا بعدما لاحظ حزنها وقلقها :

- واضح انك خايفة على أخوكي من الناس اللي كسرتله المحل بتاعه واتهجمت عليه في المزرعة بصراحة الموضوع ده شاغل بالنا كلنا خاصة انهم مش لاقيين طرف خيط يوصلهم للشخص اللي بيعمل كده بس آدم بيه راجل ذكي وقوي أنا واثق أنه هيلاقيه وياخد بتاره منه. 


رفعت ليلى عيناها ناحيته ووجدته يطالعها بعطف مؤكدا ما يقوله وباعثا بذلك الراحة لها وأحست أن حملا ثقيلا انزاح من قلبها فتبسمت باِمتنان وهتفت :

- انت دايما بتهون عليا يا محمد شكرا ليك بجد. 


- أنا تحت أمر الهانم الصغيرة في أي وقت كوني متأكدة من اني هعمل كل حاجة عشان اشوف ابتسامتك ديه. 

ردَّ عليها بصوت شجين وعينين لامعتين جعلتا وجهها يحتقن من الخجل فأزاحت بصرها عنه باِرتباك وادّعت الانشغال في تأمل الطريق ...


بعد مدة دخلت السيارة للزقاق وكان فارغا التقطت ليلى حقيبتها وأوراقها موشكة على الخروج لولا أن محمد أوقفها قائلا :

- استني ثواني.  


تلكأ قليلا ثم تشجع وأخرج من جيب سترته علبة قطيفة متوسطة الحجم تحت علامات الترقب من ليلى التي ذُهلت وهي تراه يظهر لها اسوارة أنيقة وجميلة من الفضة تتبعها كلماته :

- ممكن تفكري دلوقتي اني بتجاوز حدودي وعندك حق بس أنا شوفتها في محل بالصدفة ومش عارف ليه حسيتها هتليق عليكي لما تلبسيها مع انها مش قد مقامك طبعا. 


عضت على شفتها بتزمت مضطرب فسره محمد أنه رفض واستنكار لفعلته فأحس بالحرج وهمَّ بإعادة العلبة لجيب سترته لكن ليلى أوقفته بتلقائية وهتفت :

- لا الاسوارة عجبتني زوقك حلو اوي. 


عادت البسمة البتهجة لوجهه وعلَّق مصححا :

- انتي اللي بتخلي الحاجة حلوة لما تلمسيها. 


تخضبت وجنتاها بالخجل وشعرت كأنها تحترق بالحرارة لكنها تمالكت نفسها وأخذتها من بين يديه مخفية إياها في الحقيبة ثم خرجت تاركة محمد يراقب خطواتها بهُيام أصبح من الصعب إخفاءه، بيد أن لحظات التأمل قطعت على حين غرة عندما ظهر شقيقه فاروق من العدم وفتح باب السيارة آمرا :

- اخرج. 


بالفعل ترجل ووقف أمامه فسحبه فاروق من ذراعه مبتعدا عن المكان قليلا ليدفعه على الجدار خلفه فتأوه محمد بألم مستفسرا :

- في ايه يا ابيه مالك. 


- انت المفروض تجاوبني في ايه يا استاذ ... ايه اللي كان بيحصل جوا العربية ده انت اتجننت !

زمجر فاروق بسخط فاِرتبك الآخر وادّعى الجهل بمقصده : 

- مش فاهم قصدك. 


- لا فاهمني كويس متستعبطش عليا أنا شوفتك بعينيا وانت لازق في ليلى وبتديها هدية كمان والضحكة من الودن للودن ممكن اعرف ايه حركات الصياعة ديه مع اخت الراجل اللي مشغلك عنده ومستأمنك عليها !!


أدرك محمد بأن شقيقه قد كشفه ولا فائدة من التهرب أكثر فتنهد باِستسلام وهمهم معترفا :

- الموضوع مش زي ما انت فاكر يا ابيه ... مشاعري لليلى حقيقية مش صياعة وأنا معجب بيها بجد. 


انتفض فاروق ناظرا حوله ليتأكد من خلو المكان ثم قبض على صدره هامسا :

- لا انت اتجننت فعلا وبقيت بتهلوس كمان اعجاب ايه اللي بتتكلم عنه انت نسيت نفسك ! شويا كمان وهتقولي انك عاوز تتجوزها. 


- وفيها ايه أنا هبقى بعمل حاجة عيب وحرام لما اتجوزها ؟


- بقولك ايه شكلك رايق وطالبة معاك هزار او اتجننت وبقيت بتتخيل حاجات مبتحصلش بس بسيطة هشرحلك الموضوع ... ليلى بتبقى بنت اكبر عيلة في البلد وأخوها وريث العمدة اللي هيحكمها في المستقبل وانت حيا الله سواق بتجيبها وبتوديها لجامعتها فاهم قصدي ايه ؟


فتح محمد فمه ليتحدث لكن صوتا آخر قاطعهما وهو يتساءل بجدية :

- انتو بتعملو ايه هنا. 


أدار فاروق رأسه ناحية آدم الذي كان سيغادر السرايا واستوقفه رؤيتهما سويا فحمحم محاولا تهدئة أعصابه وابتعد عن شقيقه مجيبا :

- كنت بتأكد اذا في حاجة حصلت او حد اعترض طريقه وهو بيجيب الهانم الصغيرة للسرايا حضرتك بتعرف لازم ناخد حذرنا كويس عشان محدش من العيلة يتأذى. 


شعر آدم بأن الأمر بعيد عما يقوله لكنه لم يكن في مزاج يسمح له بالتحقيق فاِختار تصديق وأردف :

- ماشي أنا مروِّح للجامع هتجي معايا. 


- ايوة طبعا. 


**

طال سجوده في آخر ركعة متوسلا الراحة والسلوان، وبعد انتهائه منها جلس على البساط مراقبا بشرود تحركات بقية المصلين وهم ينفضون من حوله شيئا فشيئا اثر انقضاء صلاة العصر وفرغ المسجد إلا من البعض الذين بالكاد تجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة فتناثروا في الأرجاء كل واحد منهم في المكان الذي لقي فيه سكينته.


استند بظهره على الجدار البارد من خلفه ورفع رأسه للأعلى مغمضا عيناه وغارقا في غياهيب بدت بلا نهاية إلا أن خلوته انتهكت فجأة حين استفاق على لمسه خفيفة على كتفه فاِفترقت جفونه واعتدل سريعا بعدما رأى من أمامه وبرطم باِحترام :

- شيخنا. 


تبسَّم العجوز المسن بملامحه التي تبعث الراحة للناظر إليه، ثم قال بصوت سمِح :

- غيابك طال اوي يا ولدي. 


تدلى وجه آدم بذنب التقصير لأنه لم يكن يحضر للمسجد منذ مدة ليستطرد الآخر بروية :

- شوفتك وانت بتسجد وبتدعي وحسيتك مهموم خير ايه اللي شاغل بالك وقلبك للدرجة ديه. 


- انا محتار يا شيخنا وحاسس نفسي واقف بين نارين ومش عارف اروح على فين فقعدت هنا وفضلت افكر ممكن الاقي حل للي شاغلني.


- لعلّه خير ايه اللي مخليك في الوضع ده احكيلي ممكن ترتاح.


- الواحد بيعمل ايه لو اتغدر من حد كان بيحبه اوي يا شيخنا بيحبه لدرجة مكنش بيتخيلها بس اتطعن منه طعنة لسه أثرها موجود لغاية دلوقتي. 


لم يقصد الأثر الجسدي بل الأثر الذي مازال غائرا في قلبه !! 


تغضن وجه الشيخ وهو يطالع ملامح آدم المغمومة المتهدلة بعجز مناقض للصلابة التي كان يتميز بها على الدوام بينما يتابع :

- وبعد فترة جه يطلب السماح وحلفله انه بيحبه وعاوز يعوضه. 


- وندمه كان حقيقي ؟ 


- مع الأسف ايوة ... أنا كنت شاكك من قبل ورفضت اصدق بس شوفتها وهي بترمي نفسها قدام الرصاصة عشان تحميني لمست دمها اللي كان بيتصفى قدام عينيا وسمعتها وهي بتقول انها بتعشقني لدرجة بتفديني بروحها. 

أجابه آدم دون انتباه إلى أنه بدأ يتحدث بصيغة المتكلم وأفصح عن كونه هو صاحب القصة لكن الشيخ لم ينبهه وهو يسترسل :

- و انت حاسس بـ ايه يا ولدي ايه طبيعة مشاعرك ناحيتها. 


- في الأول كرهتها وحقدت عليها لدرجة ان حتى موتها مكنش هيشفي غليلي قعدت افكر نفسي بجريمتها كل يوم وحقدي بيزيد حتى لما قالت انها بتحبني مصدقتش واستنكرت مشاعرها وكنت مستعد ابعدها عني بس دلوقتي و بعد ما كان ممكن اخسرها بقيت بحس بالضياع يا شيخنا، حسيت قد ايه بخاف عليها وبقلق من اني اخسرها والشعور ده خلاني اتكسف من نفسي ومن كبريائي يعني من جهة قلبي بيحس بنفور وعاوز يبعد عنها ومن جهة بقى بيشتاقلها وعاوزها قربه وأنا مبقتش فاهم ازاي البني ادم بيبقى الداء والدواء في نفس الوقت يا شيخنا. 


كان آدم يتحدث بنبرة حائرة ومُثقلة بالهمّ من كمية التناقضات بداخله فحوقل الشيخ عدة مرات وقد اعتصره قلبه عطفا على هذا الشاب ثم همس بنبرة ودودة :

- انت معملتش حاجة بتمس رجولتك وكبريائك عشان تتكسف لأن ربنا هو اللي زرع حبها في قلبك وخلاه يشتاق ليها ويتوجع عليها وأيا كان اللي عملته بس المهم انها ندمت وعرفت قد ايه هي غلطت في حقك. 

وكل عبد في الدنيا معرض لـ انه يقع في الغلط ومن حقه كمان يندم ويحاول يعوض عن ذنوبه ساعتها بيجي دورك انت يا اما تلين قلبك وتديله فرصة يصلح خطيئته يا اما تقفل الباب في وشه وبكده تكون حرمته من فرصة الصلاح وحرمت نفسك انت من انك تكمل حياتك مرتاح بعيد عن الكره والحقد. 


- يعني معقوله هبقى غلطان لو مسامحتهاش. 


- لا السماح من عدمه في ايدك بس انت قولتلي من شويا ازاي البني ادم قادر يبقى داء ودواء في نفس الوقت وانا دلوقتي بقولك اهو ممكن انتو الاتنين تبقو علاج لبعض كل واحد منكو بيداوي روح التاني. 

 ربنا ليه حكمة في كل حاجة يا ولدي جرب تفكر انه خلاك سبب للبنت ديه عشان تصلح من نفسها وسلوكها ممكن زرع حبك في قلبها لسببين اولا عشان هي تعيش الندم و الذنب بشكل مضاعف وتعرف قد ايه الغدر بيوجع وثانيا عشان تطيِّب روحك زي ما جرحتها.


أغمض آدم عيناه بسكون طفق بالتسلل في داخله مستسيغا سماع الأدعية التي رددها الشيخ وهو يمسح على خصلات شعره بعدما غسله بكلماته التي كانت كمياه تطفئ لهيب ناره القاسية وأَرته الأمور من زاوية لم ينظر اليها في السابق. 

وأردف الشيخ بمودة خاتما جلسته معه :

- ادي لنفسك فرصة تخلص بيها من ثقل الكره وافتكر دايما ان لو سعادتك وراحتك مكتوبين فمحدش هيقدر ياخدهم منك كل شيء بنعيشه يا ولدي بيبقى من وراه حكمة ادعي ربنا يخفف منك ويرشدك للطريق الصحيح. 

بسم الله الرحمٰن الرحيم {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} .


___________________


في نفس البيت القابع في قرية أخرى. 

كان جالسا على مقعده يتأمل الصور المعلقة في الجدار كعادته بعينين غائمتين بالحقد حتى التقط هاتفه وطلب رقما ما وبعد سماع صوت الطرف الآخر اتسعت ابتسامته وهتف مبرطما :

- اهلا يا ست هانم ازيك. 


- مين معايا. 


- ايه ده معقوله حكمت هانم مقدرتش تعرفني لا أنا متوقعتهاش منك.


عقدت حاجبيها ونظرت للرقم المجهول ثم أعادته لأذنها مرددة بتجهم :

 - مادامك بتعرف انا مين يبقى اكيد اتهبلت في دماغك عشان تتصل وتحاول تلعب معايا ايا كان انت مين. 


- لسه زي مانتي متغيرتيش ... طول عمرك جبروت وبتدوسي على اللي في طريقك حتى لو كان واحد قضى سنين حياته وهو بيخدمك بس اول ما تحسيه بدأ يضغط عليكي بتخلصي منه فورا. 










توقفت يدها عن الحركة بعدما اوشكت على الإغلاق في وجهه، وتسمرت بذهول صادم هامسة بعدم تصديق :

- مش معقول انت ... سليمان ؟ 


ضحك "سليمان" مستمتعا بصدمتها وقال :

- أخيرا اتشرفت بـ انك تنطقي اسمي بعد السنين الطويلة اللي عدت يا حكمت هانم ... ايوة سليمان الخادم المطيع اللي كان ناقص يبوس جزمتك عشان ترضي عنه بس اول ما وقع في مشكلة رميتيه ومحاولتيش تساعديه. 


حاولت حكمت السيطرة على اضطرابها لكي لا يستخدمه ضدها وذهبت تغلق باب غرفتها سريعا ثم هتفت بلهجة حادة :

 - انت قولت بنفسك اهو عدت سنين طويلة وكل حاجة بقت من الماضي جاي تتصل بيا ليه دلوقتي عايز ايه مني فلوس ؟ مش هتنول مني قرش واحد.


غامت عيناه بحقد أهوج واختفت تعبيراته الساخرة مستعيدا نبرته الساخطة :

- لا استني عندك أنا مش سليمان القديم اللي كنتي بتذليه وبتغريه بفلوسك عشان ينظف قذارتك اتغيرت اوي وبقيت أقوى بكتير من اللي بتتصوريه ... قوي لدرجة اني بقدر اخرب رزقكم واتهجم على حفيدك من غير ما يقدر يوصلي. 


- بتقصد ايه ... يعني طلعت انت اللي بتعمل كل ده ازاي تتجرأ على حفيدي أنا هوديك في داهية. 


- حفيدك بيدفع تمن اغلاطك انتي وولدك المرحوم يا حكمت فاكرة قبل تلاتين سنة لما سلطان و ولد الشرقاوي فضحوني في قصة السرقة وخلو جوزك العمدة يطردني من البلد فاكرة يوم اترجيتك تساعديني وترجعيني وانتي وعدتيني كدب بعدين بعتي ورايا بلطجي عشان يقتلك ويريحك مني ؟


- الماضي بقى ماضي يا سليمان ومفيش فايدة من انك ترجع تقلب صفحاته وبنصحك يا سليمان انك تتقي شري وتبعد عن حفيدي انت اكتر واحد بيعرف انا بقدر اعمل ايه. 


- طبعا انا اللي بعرفك كويس انتي ولية قادرة بتكدب وبتغدر ... وبتسرق حقوق الناس كمان. 


قبضت على الهاتف برعونة وازداد نبرتها حدة وهي تهمهم بخطورة :

- ايه اللي بتقوله ده أنا سرقت حق مين. 


ضحك سليمان مجددا واستقام واقفا يتأمل صورتها التي كانت أكبر من بقية الصور وغمغم باِستهجان :

 - في ايه يا حكمت هانم ده احنا طبخناها سوا ... نسيتي قبل سنين لما العمدة كان بيحتضر وخلى وصية للخليفة بتاعته نسيتي انه كان كاتب في الوصية ان كبير عيلة الشرقاوي يعنؤ جد صفوان هو الأحق بالعمودية من وراه وانتي بقى خلتيني اسرقها وهو بيطلع في الروح قدامي وزوّرتيها .... وكتبتي اسم جوزك بدال الخليفة الحقيقي !!


________________

ستوووب انتهى البارت

رايكم فيه وفي مشهد آدم والشيخ في الجامع ؟ هل آدم هيلاقي الطريق الصحيح ولا يفضل غرقان في جرح الماضي. 

ايه مصير علاقة محمد وليلى وهل فاروق عنده حق في انه يحاول يبعد اخوه عنها 

واخييرا انكشف السر وطلعت حكمت ورا كل حاجة بتحصل هل كنتو متوقعين الحقايق ديه ؟

            الفصل الواحد والاربعون من هنا 

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1