رواية لا تترك يدي الفصل الثاني عشر 12 بقلم هند رفاعي


 رواية لا تترك يدي الفصل الثاني عشر 

وصلت مريم وخالد لشقته في حي مصر الجديدة. دخلت مريم الشقة وذهلت مما رأت. كانت شقة كبيرة وأثاثها راقي جدا. لم تحلم في حياتها أن تدخل مثل هذا المكان لتخدم فيه ليس أن تكون صاحبته. أدخل خالد الحقائب وأغلق الباب.
"أهلا بيك يا مريم في بيتك."
نظرت مريم له بعيون مشدوهة وقالت.
"بيتي أنا؟"
"أيوة. أمال بيت مين؟ ده شقة ماما وبابا الله يرحمهم ودلوقت بقت شقتنا."
خطت مريم خطوتين للداخل ونظرت للمكان بإنبهار.
"أنا مش عارفة أقولك أيه يا خالد لكن أنا عمري ما تخيلت أني أدخل مكان زي كدة أصلا."
لاحظ خالد الدموع في عينيها فأقترب منها وقال لها.
"يا ريت تنسي اللي فات يا مريم. نعتبر النهاردة أول يوم في حياتك الجديدة."
"هحاول."
نظر خالد حوله ثم قال لها مغيرا الموضوع.
"تعالي أفرجك على الشقة."
مسك يديها وتقدم خطوتين وقال.
"ده يا سيتي الريسيبشن زي ما أنت شايفة." أتجه بها إلى آخر الصالة وفتح بابا مزدوج وخطى خطوتين.
"ده يا ستي البلكونة." دخلت مريم ونظرت حولها للشرفة المتسعة وقالت.
"الله المكان هنا حلو قوي." أقتربت من السور ونظرت للأسفل على الشارع المزدحم والسيارات المارة. شعرت بدوار من الإرتفاع واستندت على السور. أقترب منها خالد وسألها بإهتمام.
"مالك؟"
"دوخت شوية. هو أحنا في الدور الكام؟"
مسك خالد بيدها وجذبها بعيدا عن السور.
"إحنا في الدور التاسع."
"ياه علشان كدة أنا دوخت أصلي مش متعودة على الاماكن العالية ده."
"بكرة هتتعودي. خليك بس بعيدة عن السور طول ما أنت دايخة."
دخل خالد للشقة ثانيةً وتبعته مريم للداخل. عبر الصالة بخطواته الواسعة ووصل لطرقة في نهاية الصالة.
"هنا يا ستي غرف النوم. أول واحدة بتاعتي. واللي جنبها غرفة المكتب بتاعة بابا الله يرحمه. اللي في الوش ده غرفة النوم الكبيرة بتاعة ماما وبابا الله يرحمهم. واللي على الشمال ده الحمام الرئيسي وبعده المطبخ. أما الباب اللي وحده ده حمام الضيوف."
"بسم الله ما شاء الله شقتك واسعة وجميلة قوي يا خالد."
"شقتنا مش شقتي. أنا هأدخل شنطك في غرفة النوم الكبيرة."
حمل خالد حقيبتها وتوجه لغرفة النوم الرئيسية. تبعته مريم وقالت.
"لا يا خالد ده بتاعة والدك ووالدتك الله يرحمهم ما ينفعش أنام مكانهم ولا أخد غرفتهم."
وصل خالد بالحقيبة للغرفة ووضعها فيها.
"ماما وبابا الله يرحمهم هنسيب غرفتهم مقفولة وننام أحنا برا."
"خلاص خد انت الغرفة الكبيرة ده وأنا هأخد الغرفة التانية."
"وأقعد أنا بقى أنقل حاجاتي وهدومي وكتبي وأدواتي كلها هنا."
"بس يا خالد."
"ما بسش."
التفت لها خالد وقال لها بجدية.
"ويا ريت لما أقول كلمة تتنفذ بدون نقاش."
أجابته مريم بنبرة هزيمة
"حاضر."
"الدولاب عندك فاضي حطي فيه هدومك."
"حاضر."
توجه خالد لخارج الغرفة. نظرت مريم حولها ثم ناداته قبلما يدخل غرفته.
"خالد."
ألتفت إليها خالد وأجابها.
"نعم."
"الشقة شيفاها نظيفة مع أنك سايبها من شهور. أنا كنت فاكرة هتبقى مليانة تراب وهنقعد اليوم بطوله أنظفها."
عاد خالد خطوتين ووقف أمامها وأجابها.
"أنا أتصلت بالبواب من يومين وقولت له على ميعاد رجوعنا. أكيد مراته أم مصطفى جت ونظفت الشقة."
"طيب هي دخلت أزاي؟"
أبتسم خالد لسذاجتها
"أكيد بالمفتاح اللي أنا سايبه مع البواب."
"طيب هو أمان أنك تسيب المفتاح مع البواب؟"
"أنا متعود أسيب نسخة من المفتاح معاه من زمان. لما كنت أسيب أمي وحدها هنا وأروح المدرسة وهي تعبانة ممكن تحتاج أي حاجة هو كان بيجيبها لها. وكمان لا قدر الله لو حصل اي ظرف وأنا بعيد أو مسافر يقدر يتصرف هو بالمفتاح اللي معه. وأهه نفعنا أهه دلوقت ونظفوا الشقة بدل ما كنا هنرجع دلوقت مهدودين من السفر ونقعد ننظف."
"وهي أم مصطفى ده بتيجي تنظف هنا كتير الشقة؟"
"أيوة كل أسبوع بتيجي تنفض الشقة. أنت عارفة ماما كانت تعبانة وأنا كنت بعمل الحاجات على العايم كدة لكن مسح وتنفيض غسيل حيطان وسجاجيد ماليش أنا فيه. أنا كنت أطبخ أكنس أغسل الهدوم الحاجات الخفيفة بس."
"طيب لو سمحت بلاش أي واحدة تدخل الشقة تنظفها بعد كدة. أنا هأعمل كل حاجة."
"براحتك لكن الشقة كبيرة وهتبقى متعبة عليك."
"معلش لو تعبت أبقى أقولك تجيب أم مصطفى ده. وكمان كان فين البواب ده وأحنا جايين وأنت شيلت الشنط كلها."
"الله أعلم هو ما كانش قاعد على البوابة واحنا طالعين. وبصراحة الحمد لله أنه ما كانش موجود ولا شافنا."
"ليه بقى؟"
جلس خالد على طرف السرير في غرفتها وأشار لها لتجلس بجواره.
"هفهمك ليه. أنا كنت ناوي نتكلم بعد ما نتغدى لكن شكلك مستعجلة ومش راضية تبطلي أسئلة."
"خلاص أنا أسفة."
"لا أبدا يا ستي ما تتأسفيش. بصي أنا لازم أفهمك حاجة مهمة قوي."
التفتت إليه مريم ونظرت له بإهتمام.
"خير؟"
"بصي يا ستي. أحنا كتبنا الكتاب في البلد وعملنا الفرح وأتجوزنا هناك. الناس هناك في البلد بيتجوزوا صغيرين فما مفيش أي مشكلة. لكن هنا الوضع مش كدة."
"يعني ايه المشكلة؟"
"أحنا متجوزين على سنة الله ورسوله وأنت مراتي شرعا لكن مش قانونا."
فزعت مريم من كلامه وسألته.
"يعني ايه؟ أنا مش مراتك؟ يعني حرام أقعد هنا معك في الشقة؟"
"لا أنت مراتي. وحلال أنك تقعدي معي عادي جدا. لكن قانونا أحنا مش متجوزين. علشان ممنوع أصلا الزواج قبل سن 18. ولو حد عرف أننا متجوزين هتحصل مشكلة. وممكن كمان توصل لحبس. والمدرسة كمان هيفصلوني. فأحنا مش هنقدر نقول للناس أننا متجوزين دلوقت خالص. على الأقل لمدة سنتين عقبال لما نسجل جوازنا."
شحب وجه مريم وقالت.
"لكن أنا بعد سنتين مش هيبقى عندي 18 سنة."
"أنت دلوقت معك بطاقة شخصية تقول أن عندك 16 سنة اللي عملها لك عمي في البلد عن طريق معارفه هناك وصلته بالمأمور ودكتور الصحة. هو حكى لهم على ظروفك وعلى كل حاجة وهم قرروا يساعدوه. طلعوا لك تقرير طبي أن عمرك 16 سنة وعلى أساسه عملوا لك بطاقة بأسم مؤقت لأننا طبعا ما نعرفش أسم والدك الحقيقي أيه."
"طيب أنت بتقول دلوقت أننا مش هينفع نقول لأي حد أننا متجوزين. أمال هنقول أيه. أنا مين وقاعدة معك بصفتي أيه هنا في البيت؟"
"مش عارف. لغاية دلوقت مش عارف أحدد ولا أقرر أيه اللي ممكن نقوله علشان ما ندخلش في متاهة. ومن هنا لغاية لما نقرر هنقول أيه للناس يا ريت محدش يحس بيك هنا في الشقة. يعني مش هتقدري تخرجي كتير من الشقة هنا ولا نخلي أي حد يشوفك. لغاية بس لما نشوف لها حل مع عمي الاسبوع الجاي هنقول أيه وهنعمل أيه. فهمت ليه قولت ان كويس أن البواب ما شافناش لما رجعنا."
أومأت مريم برأسها وقالت بصوت خافت.
"فهمت."
"قومي بقى دلوقت غيري هدومك وفوقي كدة وأنا كمان أغير وطلعي الأكل اللي باعته معنا عمي. نتغدى وبعدين هأنزل أشتري طلبات من تحت. الثلاجة فاضية خالص ومافيهاش أي حاجة."
"حاضر."
بعد ساعة خرج خالد من غرفته ودخل المطبخ وجد مريم متحيرة تتلفت حولها.
"مالك واقفة كدة ليه؟"
"مش عارفة اسخن الاكل ازاي؟"
"ليه؟"
"البوتاجاز ده مش عارفة اولعه منين مفيش كبريت."
"ده إشعال ذاتي مش محتاج كبريت. وكمان سخني في الميكروويف."
"مين؟ أيه الميكرو بتاع ده."
أبتسم خالد وقال لها
"أسمه ميكروويف مش بتاع. تعالي هوريك كل حاجة بتشتغل ازاي."
وقف خالد معها في المطبخ يساعدها على تحضير الأكل وشرح لها كيفية التعامل مع أدوات المطبخ كلها. أندهش خالد لسرعة تعلمها وذكاءها بالرغم من انها أمية لم تتعلم من قبل إلا أنها لا تحتاج لتكرار المعلومة وتستوعب كل ما يشرحه لها بسهولة. تحسر في سره أن فتاه ذكية مثلها كانت تعيش في الشوارع ولم تتلقى أي تعليم من قبل. فلو كانت تعيش حياة طبيعية ووسط أسرة عادية كانت ستتفوق بذكاءها وقوة ذاكرتها وقدرتها على الحفظ. عاهدها في سره أن يساعدها على تعلم ما تريد وما تحتاج لتعتمد على نفسها في حياتها.
مر اليوم عادي جدا بينهما. أكلا معا وتحدثا وناما كل منهما في غرفة منفصلة. بعد يومين، في أول يوم دراسة لخالد. أستيقظ وقت صلاة الفجر مثل عادته. طرق باب غرفة مريم ونادى عليها.
"مريم، يا مريم، قومي علشان الفجر."
فتحت الباب مريم وهي تفرك النوم عن عينيها وقالت.
"صباح الخير."
"صباح الخير، روحي اتوضي علشان الفجر خلاص هيأذن. أنا نازل أصلي في الجامع. عاوزة حاجة مني؟"
"لا ترجع بالسلامة. أجهز لك أيه تفطر به قبل ما تنزل للمدرسة؟"
"لا أنا مش بحب أفطر قبل ما أنزل."
"ما ينفعش يا خالد. لازم تاخد حاجة خفيفة. حتى لو هتشرب كوباية لبن."
"مش بحب. سلام بقى أحسن الأذان أذن أهه."
"مع السلامة. في حفظ الله."
خرج خالد ودخلت هي توضأت وصلت فرضها. عندما عاد خالد وجدها جهزت ملابسه. تجهز خالد لمدرسته وفاجأته مريم وهو خارج ببعض السندوتشات وثمرتين تفاح وبرتقال. نظر لها متعجبا وسألها.
"أيه ده؟"
"سندوتشات للمدرسة."
"أنا أه في مدرسة لكن مش إبتدائي. سندوتشات أيه ده اللي هأخدها معي. ما تديني مصروف أحسن وجيبي لي شيكولاتة ومصاصة."
أجابته مريم بضيق.
"يعني أنت عاوز تخرج من غير فطار ولا حتى تشرب كوباية لبن وكمان رافض تاخد معك سندوتشات. الحق علي أنا اللي بجهز لك الحاجات ده كلها من الفجر علشان بعد كدة تتريق علي."
ضحك خالد وقال.
"ما هو يا حبيبتي ما ينفعش ما أتريقش. أنت محسساني أني عيل صغير."
"صغير ولا كبير مش لازم تاكل يعني."
"خلاص ولا تزعلي نفسك. أنا هأخد التفاحة ده. خلاص أرتحت؟"
"بألف هنا وشفا."
"مع السلامة. مش هأوصيك مش عاوز حد يحس بيك هنا خالص. رقم تليفوني مكتوب في ورقة جنب التليفون. لو احتجت حاجة أتصلي ولو أنا عرفت أرد عليك هأرد."
"حاضر. في حفظ الله. حاول ما تتأخرش."
"حاضر."
خرج خالد ونظرت مريم حولها لهذا المكان الفسيح والجديد عليها. لم تعلم ماذا تفعل. فدخلت غرفتها وبدأت تستمع لآيات الذكر الحكيم لتحفظ ما عليها من سور. فهي أنشغلت بما حدث في منزل إبراهيم ولم تحفظ شيء لمدة أسبوعين.
قبل الظهر، تجهزت مريم للصلاة ولبست إسدالها ودخلت المطبخ لتجهز الغذاء. كانت سماعات الاذن في أذنها ولم تشعر بدخول أحد ما الشقة. كانت مندمجة تماما فيما تسمع وفجأة شعرت بيد تقبض على كتفها، أستدارت وخلعت سماعات الأذن ووجدت رجل أمامها يصيح فيها.
"قفشتك يا حرامية. بتعملي أيه عندك يا بت؟ أنت مين ودخلت هنا أزاي؟"
**********

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1