رواية لا تترك يدي الفصل الثالث عشر 13 بقلم هند رفاعي


 رواية لا تترك يدي الفصل الثالث عشر 

فزعت مريم عندما رأت رجلا في بيتها يتهمها بالسرقة. توسلت إليه أن يتركها وحاولت أن تتصل بزوجها. ولكنه قبض عليها ولم يسمح لها بالاتصال بزوجها.

"أرجوك يا عم سيبني. أنا مش حرامية. أنا ضيفة خالد هنا. هو عارف أني قاعدة هنا. دقيقة واحدة أتصل به."

حاولت مريم أن تحرر نفسها من قبضته وتتصل بخالد ولكنه منعها.

"تعالي هنا يا حرامية يا بنت الكلب. سي خالد عايش هنا لوحده. أنت ضيفته أزاي. وكمان أنت شكلك باين عليك. اللي أموت وأعرفه دخلت هنا أزاي؟"

"والله خالد هو اللي دخلني. أرجوك يا عم سيبني."

لم يستمع علي لرجاءها واستمر في سحبها بالغصب لخارج الشقة. عندما وصلت مريم لباب الشقة فزعت وسألته لأين يأخذها.

"أنت واخدني على فين؟ أرجوك أبوس أيديك سيبني. أنا مش حرامية."

"أخرصي يا حرامية. كويس أني طلعت أخد الزبالة وإلا ما كنتش شوفتك وكان زمانك قلبت الشقة. أتجري معي وإلا أجيب لك البوليس."

هلعت مريم لسماع لفظ 'البوليس' وكفت عن مقاومته. ولكن دموعها لم تكف فأستمرت بالبكاء حتى جرجرها للأسفل. أخرجها من بوابة العمارة وطردها.

"أطلعي برا وما أشوفش وشك هنا تاني. لو لمحتك ناحية العمارة تاني هوديك القسم وهناك هيحبسوك لغاية لما يظهر لك أهل."

"أتصل بس بخالد وأسأله. والله أنا مش حرامية."

دفعها علي خارج العمارة وأغلق البوابة.

"غوري من هنا. أشكال عكره."

سقطت مريم على الأرض من أثر دفع علي البواب لها. نهضت على الفور وحاولت العودة للعمارة ولكنه أغلق الباب في وجهها. طرقت الباب بكفيها الصغيرين وناداته من الخارج.

"أرجوك دخلني أنا مش حرامية. أنا ضيفة عند خالد."

لم يعبأ لها البواب بالا وجلس على الدكة بجوار بوابة العمارة المغلقة. ظلت مريم تطرق على الباب لدقائق حتى يئست. تذكرت تحذير زوجها ألا يشعر بها أحد ولا يعلم بزواجهم أحد وإلا سيتعرض لمشاكل ومسائلة قانونية. جلست على الرصيف بجانب العمارة تبكي. 

فكرت في الهرب والعودة للشارع فهو مصيرها الذي لن تستطيع الهروب منه أبدا. يكفي كم المشاكل التي تتوالى على زوجها بسببها منذ لحظة تقابلهما في محطة القطار. فهي كانت السبب في خلق سوء تفاهم بينه وبين عمه الذي يحبه ويحترمه. والآن بسببها تتأثر سمعته في منزله ووسط جيرانه. 

تذكرت مريم دفاعه عنها أمام زوجة عمه. وتيقنت أنه لن يقبل أبدا بالإتهام الموجه لها من حارس العمارة. علمت أنه سيضطر أن يخبرهم بزواجه ويتعرض لمشاكل قانونية وإحتمالية حبسه. كل هذا تعرض له ويتعرض له زوجها لمجرد مساعدته لها وظهورها في حياته.

نهضت مريم وتحركت بخطى بطيئة ثقيلة بعيدا عن بيتها الذي نعمت به ليومين فقط. ولكن توقفت قدماها عندما تذكرت زوجها وإحتياجه لها الذي صارحها به قبل زواجهم. تذكرت حديثه عن وحدته وإحتياجه لونيس. 

خشيت قلقه عليها وغضبه منها لتركه. شعرت بالعجز التام لا تعلم ماذا تفعل أو ماذا تخبرهم. إن أخبرتهم بزواجهما تعرض زوجها لخطر الحبس. وإن لم تخبرهم تسوء سمعة زوجها. عادت وجلست بجوار بوابة العمارة ودفنت رأسها بين ركبتيها وندبت حالها. 

سمعت أم مصطفى زوجها يصيح بأعلى صوته فخرجت من غرفتها بسرعة وسألته عما حدث. قص علي لها ما حدث ومفاجأته عندما وجد طفلة في شقة خالد. ومما يثير حنقه هو تبجح السارقة وإدعاءها كذبا أنها ضيفة لخالد. راجعته زوجته في طرد الفتاة لإحتمالية صدقها وأن تكون بالفعل ضيفة لخالد. رفض علي هذا الإحتمال لأنه يعني وجود هذه الفتاة لغرض قذر وهو لا يتحمل السكوت على هذا الأمر أبدا. 

حاولت أم مصطفى إقناع زوجها بالهدوء ليسمح للفتاة الدخول والإنتظار في الداخل لعودة خالد وسؤاله عن سبب تواجد هذه الفتاة في شقته. قبل مصطفى هذا الاقتراح على مضض وذهبت أم مصطفى لإحضار مريم.

نهضت أم مصطفى وفتحت بوابة العمارة. تلفتت يمينا يسارا ولمحت مريم جالسة على جانب الطريق. كانت محتضنة ساقيها ودافنة رأسها بين ركبتيها وجسدها يهتز من شهقات بكاءها. أقتربت منها وربتت على كتفها. رفعت مريم رأسها ونظرت لها بعينين كالجمر من البكاء. فقالت لها أم مصطفى بصوت حنون.

"قومي يا بنتي. تعالي معي."

أجابتها مريم بصوت مبحوح.

"أجي فين؟"

"تعالي أدخلي جوة. ما ينفعش تقعدي كدة في الشارع. أدخلي أستني سي خالد جوا عندنا."

قامت مريم وقبلت يد أم مصطفى تسحبها ورائها كمسلوبة الإرادة. أدخلتها أم مصطفى العمارة ثم دخلت بها لغرفة البواب. كانت غرفة بسيطة بها سرير وكنبة ويتوسطها حصيرة يجلس عليها طفلين أكبرهم طفل في الخامسة أو السادسة من العمر وأصغرهم طفلة في الثالثة من العمر. جلست مريم على الكنبة صامتة حتى سألتها أم مصطفى.

"أنت أسمك أيه؟"

"مريم."

"تعرفي سي خالد منين؟"

صمتت مريم ولم تجيبها. فهي تذكرت تحذير خالد لها أن يعلم بزواجهم أي شخص. 

"طيب أنت هنا من أمتى؟"

"أنا جيت معه يوم الجمعة."

"يعني أنت جاية معه من البلد."

صمتت مريم ثانية فهي لا تعلم ماذا تقول وماذا تخفي.

"طيب يا بنتي براحتك."

قامت أم مصطفى وتوجهت لركن من أركان الغرفة به بعض أدوات المطبخ. صنعت كوب عصير ليمون بارد وقدمته لمريم.

"خدي يا بنتي روقي دمك."

هزت مريم رأسها بالنفي وقالت لها بصوت خافت.

"لا متشكرة."

"خدي يا بنتي. أه احنا على قد الحال لكن حاجتنا نظيفة ما تخافيش."

أحرجت مريم من ظن أم مصطفى أنها رفضت تشرب لأنها عفت العصير، فقبلت منها العصير وبدأت تشربه.

"أنت في سنة كام؟"

خجلت مريم من السؤال فنظرت للأسفل وأجبتها

"أنا ما دخلتش مدارس."

"ولا يهمك يا قمر. أنت على فكرة عسولة خالص."

أبتسمت مريم وأرتشفت من العصير. بعد برهة من الصمت سألت مريم.

"أولادك دول؟"

"أه مصطفى وأمل."

"ربنا يبارك لك فيهم يا رب. قمرات خالص."

"شكرا يا قمر أنت. ما تزعليش من أبو مصطفى. هو بس بيعز سي خالد جدا وبيخاف على حاجته."

عبس وجه مريم لتذكرها ما حدث من نصف ساعة وقالت لها.

"والله أنا مش حرامية."

مسحت أم مصطفى الدموع التي أستأنفت فيضها من عيون مريم وقالت لها:

"ما تخافيش. أديك قاعدة معنا شوية تنورينا لغاية لما يجي سي خالد ويقول كل حاجة."

صمتت مريم وأنهت كوب العصير وأعطته لأم مصطفى.

"بألف هنا وشفا."

"متشكرة خالص."

"عن أذنك يا قمر. هأشوف أبو مصطفى وأرجع لك. ده بيتك ومطرحك."

"أتفضلي."

خرجت أم مصطفى وجلست بجوار زوجها بالخارج بجانب بوابة العمارة. سألها زوجها في لحظة جلوسها بجواره.

"عرفت منها حاجة؟"

"لا. كل اللي بتقوله أنها ضيفة."

"اللهم طولك يا روح."

"أهدى بس وبلاش تطلع زرابينك على البنية. ده بنت غلبانة ومنكسرة."

نظر لها زوجها وقال بنبرة سخرية.

"منكسرة. ما البلاوي ما تطلعش غير من الغلابة المنكسرين دول." 

"أهه سي خالد هيرجع بعد ساعة ونعرف منه كل حاجة. هدي أعصابك أنت بس."

"هي بقالها قد أيه قاعدة معه؟"

أجابته زوجته بصوت منخفض.

"بتقول من يوم الجمعة."

فز علي من مكانه وصاح في زوجته.

"يعني بقالهم ليلتين بايتين لحالهم في الشقة. ده ما يرضيش ربنا أبدا."

"ده عيلة صغيرة. أكيد الموضوع مش زي اللي في دماغك."

"ده عيلة ده. أنت اللي عيلة ولا فاهمة ولا حاجة. أنت ما بتقريش الاخبار ولا تعرفي ايه اللي بيحصل في الدنيا. احنا بقينا في عقب الزمن دلوقت."

"لا حول ولا قوة إلا بالله. سي خالد أخلاقه زي الجنيه الذهب. عمره ما يعمل حاجة تغضب ربنا أبدا."

"يا خبر بفلوس بعد ساعة يبقى ببلاش. أدخلي جوا وخلي عينك عليها. أوعي تسهيك وتهرب أو تعمل أي حاجة."

ابتسمت أم مصطفى وقالت بسخرية

"هتعمل أيه يا حسرة. هتسرقنا يعني."

"لا يا فالحة تسرق أي مفتاح من المفاتيح اللي جوا. قومي فزي أدخلي جوا وبطلي لك."

أنزعجت أم مصطفى من لهجة الغضب من زوجها وقامت تنفذ أمره.

"حاضر ما تزقش أديني داخلة لها أهه. الحق علي قولت أجي أروق دمك بدل ما أنت كنت هتفرقع من الغيظ."

تركته أم مصطفى ودخلت لغرفتها وجلست بجوار مريم ينتظرون عودة خالد. بعد ساعة عاد خالد من المدرسة ودخل من بوابة العمارة وناداه علي البواب.

"سي خالد يا سي خالد."

توقف خالد والتفت لعم علي وسأله.

"نعم يا عم علي في حاجة؟"

سمعت مريم صوت خالد فجرت خارج غرفة البواب وجرت عليه وارتمت في حضنه تبكي بشدة. تسمر خالد مكانه لما حدث وقلق عندما لاحظ بكاء مريم. ربت على رأسها بحنان وبيده الأخرى ملس على ظهرها.

"في أيه؟ مالك يا مريم؟"

لاحظ علي وأم مصطفى الموقف أمامهما وسأل خالد والغضب يملأ عينيه لما يراه.

"أنت تعرفها يا سي خالد؟"

خالد حرر نفسه من حضن مريم والتفت لعلي ومريم احتمت في ظهره وتعلقت بذراعه.

"أيوة يا عم علي. مريم ضيفة عندي."

"ضيفة أزاي يا سي خالد."

"ضيفة زي الناس. ضيفة من البلد وقاعدة معي."

"وده ينفع يا سي خالد. بنت تقعد معك وتقول ضيفة"

"وما ينفعش ليه؟ وكمان أنت مين علشان تحاسبني ولا تقول لي مين يقعد معي ومين ما يقعدش."

صاح علي بضيق

"ما ده ما يرضيش ربنا يا سي خالد."

"وأنا مش بغضب ربنا والحمد لله."

أخذ خالد مريم من يدها وتوجه للمصعد وترك علي يستشيط غضبا. صعدا معا لشقتهما وفي لحظة دخولهما الشقة أرتمت مريم في حضنه للمرة الثانية وأنهارت في البكاء. تحرك خالد بها لأقرب كنبة وجلس وأجلسها بجانبه وتركها لتهدأ قليلا ثم سألها.

"أيه اللي حصل؟ وليه خرجتي من البيت؟ مش قولت لك مش عاوز حد يحس بيك. في أول يوم أسيبك أرجع ألاقي العمارة كلها عارفة أنك عايشة معي."

"والله ما خرجت لوحدي. أنا كنت واقفة في المطبخ وفجأة لاقيته واقف قصادي ويقول لي يا حرامية. والله أنا ما خرجتش ولا خالفت أوامرك."

"نعم فهميني بالراحة كدة أيه اللي حصل وبلاش عياط."

قصت عليه مريم ما حدث من وقت دخول علي البواب الشقة وحتى رجوع خالد من المدرسة.

"وبعدين في الورطة ده هنعمل أيه أحنا كدة. الرجل فاهم وجودك هنا غلط وشكله مش هيجيبها لبر."

"أنا أسفة خالص والله يا خالد. على طول بسبب لك مشاكل. أنا أسفة. أنا ممكن أمشي من هنا."

"أنت هبلة يا بت. تمشي أزاي يعني. هو أنت قاعدة معي كدة وخلاص. هو مش أحنا أتجوزنا وكتبنا كتابنا. هو أنت مش مراتي ولا أيه. أيه الهبل اللي أنت بتقوليه ده. وأياك أسمع منك الكلمة ده تاني. قال أمشي قال."

صاح خالد فيها وتركها ودخل غرفته وجلست مريم مكانها تبكي على ما ورطت زوجها فيه.

************

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1