رواية من يقع بنفسه لا يبكي الفصل الثاني عشر
في الصباح نظرت ندى إلي الداخل قليلاً، وأطلقت زفرة نزقه من صدرها، وبزهق قالت
= يلا ياولاد الباص قرب يوصل عشان ما تتاخروش.. تعالوا خدوا السندوتشات بتاعتكم عشان ما تنسوهاش .
اقتربوا منها بالفعل ومن ضمنهم مصعب الذي تحرك يقبل جبهتها قبله طويله أكثر من مرة وهو يقول
= صباح الخير يا حبيبتي
أستدارت له ونظرت لعينيه بحنان وهي تردف مبتسمة
= صباح الخير اتفضل انت كمان يا حبيبي اللانش بوكس بتاعك اهو اوعى تنساه.. و عملت لك الاكل اللي بتحبه فما لكش حجه تاكله كله زي ولادك
اعتلت الصدمة ملامح مصعب للحظات، ومن ثم انفجر ضاحك بقوة مرددًا بذهول
= حتى انا كمان لا ده انتٍ راضيه عننا كلنا خالص، تسلم ايديك يا حبيبتي.. بس ما كانش في داعي تتعبي نفسك كنت هاكل اي حاجه من الكافتيريا عندي وخلاص.. كفايه عليكي سندوتشات العيال
ضحكت بغنج متمتمه بتهكم مصطنع
= اه عشان تلاقي واحده تعمل فيها قلبها حنين وتعزم عليك من اكلها، انما لما تلاقي معاك اللانش بوكس هتعرف على طول ان مراتك مهتمه بيك وان حركاتها ملهاش لازمه .
عقد حاجيبة باستغراب ثم أبتسم بلا تصديق وهو يقترب منها
=آه يعني الاهتمام ده طلع لغرض معين مش حبا فيا ماشي يا ستي مقبوله منك.. وانا اللي قلت مراتي حبيبتي بقيت بتهتم بيا وقلبها عليا انزل من غير اكل
هبت واقفة، وتحدثت بخجل وارتباك قائله
= لا هو الاكل لحاجتين بصراحه عشان صعبان عليا تنزل من غير اكل! وعشان مفيش واحده تفكر تقرب منك باي حاجه..
أردف بها ببراءة مصطنعه، وهو يزيد من لصقها به متحدثاً بمكر
= تقرب ما تقربش في الحالتين هتلاقي نفسها بتعمل كده على الفاضي لان اكيد هصدها و أكتفي بمراتي حبيبتي اللي مهتم بيا صبح وليل او طول اليوم كمان..
قالها مداعبًا ويده تتسلل ببطء على عنقها، ثم إلى خصرها تحوّلت هي إلى قطعة من الفولاذ منصهرة بين يديه بفعل لمساته، لكن بسرعه حاولت الإبتعاد وهي تردد بخجل وحذر
= مصعب اتلم وابعد عشان الاولاد!
ثم حمحمت وهي تقول بنبرة عالية
= مروان يحيى يلا عشان باص المدرسه وصل... وانت كمان يلا خلص القهوه بتاعتك عشان كمان ربع ساعه تلحق شغلك وما تتاخرش عليه.
تركها بالفعل وهو يغمز لها في الخفاء بشقاوة
مرددًا
= ماشي لينا ليل يلمنا، بقول لك صحيح ما بتفكريش نتغدى بره النهارده وبالمره الاولاد معانا
نظرت له بنظرتها التي تسحره واسرعت تهتف بابتسامة عريضة
= أكيد مش هلاقي فرصه تغنيني عن وقفه المطبخ وارفضها موافقه طبعا..
❈-❈-❈
بعد مرور عدة شهور في المطبخ كانت ندى تقف امام البوتاجاز تجهز الطعام بروح منعشه وحماس، في حين تفاجأت بتلك اللحظة برجوع زوجها مبكراً علي غير العاده تركت ما بيدها واقتربت منه هاتفه بقلق
= خير يا حبيبي رجعت بدري يعني النهارده في حاجه حصلت
ليجلس على المائدة الصغيرة في مطبخه أمامها متمتماً بتعب
= مشكله كده في الشغل هي مش تبعي بس اضطرنا كلنا نمشي و يمشيوا اللي في الشركه
هبقى احكيلك عليها بعدين
ربتت علي كتفه بحنان وهي تردد
= طيب يا حبيبي المهم انك كويس وبخير، انا هخلص الاكل بسرعه واحطلك تتغدى انا مش فاضل لي كتير بس عشان متعوده ان انت مش بتيجي دلوقتي والأولاد
نهض يقف وهو يقول بصوت مرهق باختصار
=لا زي ما انتٍ براحتك انا مش مستعجله ولا جعان انا عاوز ادخل انام وبس.
هزت رأسها بالايجاب وهي تردد بتفهم
= طب ادخل ريح انت عقبال ما أخلص الاكل والأولاد يجوا..
في الداخل فوق الفراش، تنهد بضيق شديد لأن النوم قد فارق عينيه. كان يتقلب بتفكيره غير مدرك للمدة التي قضاها في استرجاع ذكرياته والتفكير فيها، إذ لم يعد لديه شيء آخر يشغله مؤخرًا.
بالأخص الآن فكلما نظر إلى جانبه ورأى هاتف زوجته على الكومودينو أمامه، كان يشعر بحاجة ملحة للتفتيش فيه ليطمئن على ما بداخله وبعد صراع داخلي، مد يده في النهاية ليأخذه، لكنه اكتشف أنه يحتاج إلى رقم سري. رفع حاجبيه باستنكار وهو يتحدث بشك
= هي من امتى بتعمل التليفون برقم سري ولا تكونش كانت عامله وانا مش واخد بالي اصلا وانا هعرف منين.. الله لا يسامحك يا نرمين لو تحلي عن دماغي والكلام اللي عماله ترميه كل ما تلاقيني هتريحيني وارتاح من احساس الشك اللي بقى جوايا ده .
عقد حاجيبة بتفكير وهو يهمس
= أكيد الرقم السري مش هيطلع عن تاريخ ميلاد الولاد او والدتها.....
حرك رأسه بالنفي بانزعاج وتحدث قائلاً بصوت مخنوق
= ايه اللي أنا بعمله ده؟ اذا كان هي ما عملتهاش معايا ولا فتشت ورايا لما عرفت مصيبتي لأ لأ ندى ما تستاهلش مني كده وما ينفعش امشي ورا واحده زي دي رخيصه...
وقبل أن يضع الهاتف مكانه قد وصلت رساله ما! وتحركت عينه عليها ليقراها على الفور..
و توقف متوسع العينين لوهلة وهو يقرأ تلك الرساله التي وصلت الى زوجته وكان بها؟!.
«ندى حبيبتي ده الايميل الجديد اللي عملته وكل ما تبلكيني هعمل واحد جديد لحد ما تردي عليا وتديني فرصه و تسمعيني.. و تسيبي جوزك اللي خانك ده وتطلقي زي ما كنتي عاوزه، بس عشان خاطري اديني فرصه و اسمعيني ومن بعدها انا متاكد انك هترجعي زي ما كنا زمان»
جن جنون مصعب من التصريح الوقح والذي يؤكد شكوكه وكلام نرمين و مما أضرم نيران الغيرة الحارقة على عرضه وشرفه حتى وان كان فعل المثل و اكثر؟ ففعلتها ستكون اكبر منه فمن ذا الذي يراسلها ويعرف اسرارهم فمعنى ذلك أن علاقتهم بدأت من فتره وكان مقتربين لبعضهم البعض ومن يعلم الى اين مكمله الان... وكل تلك الظنون والشكوك جعلت الإدرينالين يتدفق داخل عروقه كالنار متغلباً لاشعاله اكثر...
إلا أنه لم يرحمه إحساساً قوياً بالغضب طعن رجولته، و زاد ارتجاف حدتة واشتعلت كل غرائزه ودون تفكير كان يصرخ بصوت عالٍ عنيف
= نــــــــــدى !!.