رواية لا تترك يدي الفصل الرابع عشر
في الليل، طرق خالد باب غرفة مريم وناداها.
"مريم، قومي أتعشي، أنت ما أكلتيش حاجة من الصبح"
لم تجبه مريم بشيء. فتح خالد الباب ببطئ ونظر من خلاله، وجد مريم مكورة على السرير تبكي بحرقة. زفر خالد بضيق وأستغفر ربه ثم فتح الباب على مصرعيه ودخل الغرفة، أقترب من السرير ثم جلس بجوارها.
"وبعدين يا مريم هتفضلي تعيطي كدة كتير؟"
أجابه صوت شهقاتها. ربت على كتفها وحاول تهدئتها.
"أستهدي بالله بس كدة وقومي."
أجابته بين بكاءها ورأسها مدفون في الوسادة.
"لا إله إلا الله."
مد خالد ذراعه تحت كتفها الأيمن ومسك بيده الأخرى كتفها الأيسر وساعدها على الجلوس.
"قومي كدة وأستغفري ربنا."
نظرت مريم للأسفل وردت بصوت خافت.
"أستغفر الله العظيم."
"ممكن أعرف ليه العياط ده كله من صباحية ربنا. أنا عارف أن اللي حصل الصبح مش سهل عليك. لكن خلاص موقف وعدى زي أي موقف تاني هيجي ويعدي علينا عادي جدا. الرجل عارف أني عايش لوحدي ولما شافك أفتكرك حرامية ولما عرف الحقيقة الموضوع أنتهى خلاص. ليه بقى تقعدي تعيطي كل ده؟"
مسحت مريم دموعها بظهر يدها وقالت له.
"أنا مش بعيط علشان كدة."
نظر لها خالد بتعجب وسألها.
"أمال بتعيطي ليه؟"
"علشان من يوم ما عرفتني وأنت في مشاكل بسببي. في البلد هناك عملت مشكلة بينك وبين عمك. وهنا من أول يوم عملت لك مشكلة في العمارة. أنا مش عارفة أعمل أيه علشان ما أسبب لكش في مشاكل."
أبتسم خالد وقال لها.
"يعني كل المناحة اللي أنت عاملاها من الصبح علشان خاطري أنا."
أندهشت مريم من رد فعله ونظرت له بتعجب.
"أيه بتبصي لي كدة ليه؟ يا مريم نفسي تأخدي الأمور ببساطة. الدنيا ده كلها مشاكل وصعاب. لو مفيش مشاكل يبقى مفيش حياة. يا ستي ما تقلقيش علي. أنت ما سببت ليش أي مشكلة ولا حاجة. عم علي أنا هأعرف أتصرف معه. أنا أصلا أتصلت بعمي من شوية وهو قال هيجي بكرة وهيتصرف. ممكن بقى تسيبي الأمور على ربنا وتبطلي تكبري المواضيع كدة. خدي الأمور بهدوء وببساطة. عم علي ما يقدرش يعمل لنا أي حاجة. ده شقتي وتمليك وبأسم والدي ومحدش يقدر يعمل لنا أي حاجة وأنا حر أعمل اللي أعمله فيها. أنا اللي يهمني أني مش بغضب ربنا. غير كدة ما يفرقش معي أي حد تاني."
"لكن يا خالد سمعتك. عم علي ده ممكن يقول أي حاجة للجيران. ما ينفعش ننسى الناس وكلامهم."
"كلامك صح لكن هنعمل ايه؟ ما ينفعش أقول للناس أني متجوزك وحتى لو قولت مفيش معي أي إثبات أني متجوزك. وفي نفس الوقت لازم تقعدي معي هنا. أنا مش قاصد أني أطلع سمعة وحشة على نفسي. لكن مفيش في أيدي غير كدة أعمل أيه. أقعد بقى أعيط وأقول أصل الناس والكلام و و و. مش هينفع ومش عيشة ده. المشكلة اللي مش في أيدي حلها يبقى بلاش أفكر فيها وأتعب نفسي وأعصابي معها. ويا ستي زي ما قولت لك عمي هيجي بكرة وهنشوف حل للموضوع ده. لكن من دلوقت لغاية لما نلاقي حل هنعيش حياتنا عادي. هناكل وهنشرب ونقعد ونتكلم ونضحك وكل حاجة. مش هنعيش في نكد وعياط على طول."
مسحت مريم دموعها ورفعت رأسها وقالت له.
"حاضر يا خالد."
"زي ما بقولك سيبي الأمور على ربنا. اللي نقدر نحله بنفسنا نحله واللي ما نقدرش يبقى مفيش غير الدعاء مش البكاء. قومي دلوقت علشان نتعشى."
"حاضر هأقوم أجهز لك العشاء."
قامت مريم وتوجهت لباب الغرفة ثم التفتت إليه وسألته.
"تحب اجهز لك أيه للعشاء."
"أنا جعان قوي. مش هينفع عشاء خفيف نظام جبنة وزيتون ده. عاوز أكل."
"أنا كنت بجهز كبدة وسجق الصبح قبل ما يجي عم علي ويشوفني. أدخل أسويهم."
أبتسم خالد وقال لها.
"الله عليك. وعندك فلفل حامي بقى وعيشي حياتك."
"حاضر يا عمي هعيش حياتي."
تركته مريم ودخلت المطبخ لتجهز العشاء له. بعد نصف ساعة كان يجلسان معا على مائدة الطعام في الصالة. كان خالد منهمكا في الطعام وقال لمريم دون أن يرفع عينيه عن طبق الكبدة أمامه.
"الله. تسلم ايدك. الأكل تحفة."
أنتشقت مريم ثم قالت له.
"بألف هنا وشفا."
رفع خالد بصره ونظر لها وجد وجهها غارق في الدموع، فتعجب وسألها.
"أيه يا بنتي بتعيطي ليه تاني؟"
مدت مريم يدها وأخذت كوب الماء الموضوع أمامها على المائدة. أرتشفت منه رشفة ثم أجابته.
"أصلي مش متعودة على الحامي."
"طيب عملتي الأكل حامي ليه مدام أنت مش قده كدة."
شهقت مريم بسبب الفواق وأجابته بين شهقاتها.
"مش أنت..... قولت ..... بتحب الحامي."
ضحك خالد وقال لها.
"أيوة...... بحبه. والكبدة تجنن تسلم أيدك. لكن كان ممكن تعملي طبق بارد وطبق حامي."
"وعلى أيه..... ياكل كل.... واحد فينا لوحده."
ضحك خالد وقدم لها كوب ماء.
"طيب أشربي يا أختي أشربي."
أخذت منه مريم الكوب وتجرعته بالكامل. ضحك خالد عليها ثم أكمل طعامه. نظفت مريم المكان بعدما أنتهيا من عشاءهما. وأنتهى يومهما بصورة طبيعية.
* * *
وصل إبراهيم وابنه صالح القاهرة بعد عصر اليوم التالي. أستقبله علي البواب عند دخوله العمارة ونادى عليه.
"حمد الله على السلامة يا حاج."
توقف إبراهيم وابنه وسلم على علي.
"الله يسلمك يا أبو مصطفى. أخبارك وأخبار أولادك."
"عايشين في خيرك يا حاج. كنت عاوز أقولك على حاجة."
"خير؟"
"حضرتك عارف أن سي خالد عايش لوحده في الشقة بعد وفاة والدته."
نظر إبراهيم له بضيق لمعرفته ماذا سيقول.
"أيوة عارف. حصل حاجة؟"
"يا رب ما يكونش حصل حاجة."
سأله إبراهيم بعدم صبر وحزم.
"ما بلاش كلام الألغاز ده وأتكلم بصراحة. في أيه؟ موقفني كدة على الباب وأنا جي من سفر وتعبان ليه؟"
"بصراحة كدة يا حاج في واحدة قاعدة مع سي خالد في شقته لوحدهم بقالها كام يوم. وأنا عارف أن الوضع ده ما يرضيكش أبدا ولا يرضي ربنا."
"اللي فوق مع خالد ده معرفتي أنا. وأنا اللي باعتها تقعد هنا معه. خالد مش بيعمل حاجة من ورايا. ولا بيغضب ربنا أبدا. أنا واثق من خالد وإلا ما كنتش سمحت لها تقعد معه أبدا."
أتسعت حدقتي علي وقال بدهشة.
"يعني أنت عارف يا حاج أنه جايب واحدة معه في الشقة وساكت؟"
"بقول لك ده ضيفتي أنا. أنا اللي باعتها معه. مش جايبها هو."
ترك إبراهيم وابنه علي البواب وهو يقلب كف على كف. وصعدا لشقة خالد. رحب بهما خالد ومريم أشد الترحاب. وجلسا مع خالد في الشرفة بعدما تناولا ما حضرته مريم لهما من ألذ وأشهى الأصناف.
"يا خالد أنت أخدت منه المفتاح ولا لسة؟"
"طبعا أخذته يا عمي. أمبارح بالليل أخذته منه وأنا راجع من صلاة العشاء. ما كانش ينفع أبدا أسيبه تاني معه. أنا أصلا غلطان أني ما أخدتهوش منه أول لما رجعت من السفر. معلش اللي حصل حصل بقى."
"هو قابلني تحت والرجل كان هيتجنن."
"يعني كلمك يا عمي برضه؟ الرجل ده شكله مش هيجيبها لبر."
"يا خالد الرجل معذور. هو ما يعرفش أنك متجوزها."
"ما يا عمي أنا ما ينفعش أقول أني متجوز. ده فيها فصل من المدرسة. غير أن فيها مشاكل قانونية ممكن توصل لحبس. أنا بجد مش عارف أعمل أيه؟"
"ما تضايقش نفسك يا ابن عمي. إن شاء الله يحلها ربنا. أنا مش فاهم أيه القانون اللي يمنع حلال ربنا."
"إحنا مش هنعدل القانون دلوقت يا صالح. إحنا في المشكلة اللي أحنا فيها دلوقت. وأزاي نحلها. بص يا خالد أنا أتصلت بالإستاذ محمد المحامي صاحب أبوك الله يرحمه. حكيت له على الموضوع."
"كويس يا عمي. وقال لك ايه؟"
"بص يا سيدي. أنا أخدت منه ميعاد النهاردة. هنروح له على الساعة 8 إن شاء الله. هنكتب عنده عقدين زواج عرفي. أنا وابن عمك هنبقى شهود. والعقدين دول نسخة هتبقى معكم هنا ونسخة هتبقى معه هو. لو لا قدر الله حصل أي حاجة واحتجتوا أي إثبات لزواجكم الورقة ده تبقى معكم. لغاية لما تطلع القسايم الرسمية إن شاء الله بعد سنتين."
"يعني الورق ده مش هيسبب لي في مشاكل يا عمي."
"الورقتين دول أفضل من بلاش. يعني لو حصل أي حاجة أنك تبقى متجوز عرفي أحسن من أنك ما يبقاش معك أي حاجة ولا أي إثبات."
"ماشي يا عمي. ربنا ييسر الأمر."
"قوم قول لمراتك علشان تجهز. لازم تيجي معنا عند المحامي."
"حاضر."
ذهبوا جميعا للمحامي في الميعاد المحدد. وقع خالد ومريم على عقد زواج عرفي وإبراهيم وابنه شهود على العقد. أحتفظ المحامي بنسخة من العقد كما متفق ليقوم بالإجراءات اللازمة. خرج الجميع من مكتب المحامي وشعر خالد بالإرتياح لحصوله على إثبات بزواجه من مريم.
بعد ساعة، وقف خالد ومريم يودعان إبراهيم وابنه على رصيف محطة قطار القاهرة.
"يعني يا عمي مش كنت تبات معنا وبكرة تسافر. ينفع كدة تيجي وتسافر في نفس اليوم. كان لازم تريح معنا يوم أو أتنين."
"يا خالد أنت عارف أنه ما ينفعش أسيب الأرض أنا وصالح كتير. يا دوب نسافر دلوقت ونوصل قبل الفجر إن شاء الله علشان نشوف مصالحنا وحالنا هناك."
"بس ما ينفعش تيجي وتمشي كدة على طول. كنت ترتاح بس الليلة ده حتى."
"يا بنتي مش بعرف أريح إلا في بيتي وعلى فرشتي. على العموم تتعوض المرة الجاية. أبقى أسيب صالح هناك وأقعد هنا معكم براحتي."
"تشرفنا يا عمي وتنورنا."
"كريم طول عمرك يا ولدي."
بعد ربع ساعة وصل القطار المتجه للصعيد لرصيف المحطة. ركب أبراهيم وابنه القطار ووقف خالد ومريم يراقبان القطار حتى أختفى من نظرهما.
*******************