رواية لا تترك يدي الفصل الخامس عشر 15 بقلم هند رفاعي


 رواية لا تترك يدي الفصل الخامس عشر 

مضت أيام على خالد ومريم وهما على نفس المنوال. يذهب خالد للمدرسة صباحا و تقوم مريم بكل أعمال المنزل من تنظيف وطبخ وغيره مع الحرص ألا يشعر بها أحد من سكان العمارة. جاء يوم الخميس وعاد خالد من المدرسة وركب المصعد وهو يفكر في مفاجأة لمريم. فهي لم تخرج أبدا معه منذ زواجهما. المرة الوحيدة التي خرجا فيها كانت للمحامي مع عمه وابن عمه. فقرر خالد أن يصطحبها اليوم لمطعم أو نادي على كورنيش النيل.
وصل المصعد للدور التاسع وخرج منه خالد. رن جرس باب شقته وأنتظر برهة لتفتح مريم. بعد دقيقة رن خالد الجرس مرة ثانية وثالثة ولكنه لم يجيب أحد ولم تفتح الباب مريم. ظن أنها نائمة فأخرج مفتاح الشقة وفتح الباب بنفسه. دخل الشقة وألقى السلام ولكن لم يجبه أحد. توجه لغرفته ليبدل ملابسه ولكنه لاحظ أن باب غرفة مريم مفتوح. تعجب خالد لأن مريم معتادة على غلق الباب أثناء النوم. فأقترب من غرفتها وألقى السلام بصوت عالي ولكنه لم يتلقى أي إجابة أيضا. بدأ القلق يتسلل لقلبه فأقترب أكثر وأكثر وألقى نظرة على غرفتها ولكنه وجدها فارغة. أنزعج وبدأ يبحث عن مريم في كل مكان في الشقة وينادي عليها ولكن لم يكن هناك أحد ليجيبه.
تحول القلق عليها لفزع من الافكار والظنون التي غزت عقله. أخذ مفاتيحه وخرج من الشقة. ضغط على زر المصعد ولكنه لم ينتظر وصوله فنزل السلالم مسرعا. وصل للدور الأرضي ونادى على البواب بأعلى صوته.
"عم علي. يا عم علي."
خرج البواب مسرعا من غرفته عندما سمع صوت خالد يناديه بهذه الطريقة فهو لم يعتاد على صياح خالد ولا صوته العالي. أبتلع علي الطعام الذي كان في فمه وأجابه.
"أيوة يا سي خالد خير؟"
"فين مريم؟"
"مريم!"
"أيوة مريم. الضيفة اللي قاعدة عندي. شوفتها النهاردة؟ أوعى تكون طردتها تاني."
"لا يا سي خالد أنا لا شوفتها ولا طردتها."
"عارف لو كنت أنت اللي طردتها مش هأسيبك."
"وانا أطردها ليه وبصفة أيه يا سي خالد. أنا كنت فاكرها حرامية وأنت قولت أنها ضيفة."
"أمال راحت فين لو أنت ما طردتهاش؟"
"الله أعلم يا سي خالد. يمكن راحت تشتري حاجة كدة ولا كدة ولا راحت عند أي حد."
"طيب أنت شوفتها خرجت من أمتى؟"
"أنا ما شوفتهاش. أنا بقول أكيد خرجت يعني هتروح فين."
"أنت بواب أنت. طول النهار سايب البوابة وقاعد جوا. هتشوفها أزاي خرجت ولا لأ ولا خرجت أمتى. حللوا اللقمة اللي بتاكلوها بقى."
جرح علي من أسلوب خالد في الكلام معه ونبرة صوته فهو لأول مرة يتعامل معه خالد كأجير، فهو أعتاد من خالد ومن المرحومة أمه على المعاملة بالإحترام والود لم يشعر منهما أبدا بالمن بما يتصدقون عليه.
"الله وحده اللي يعلم يا سي خالد أني مش بدخل لقمة حرام على عيالي. أنا من الصبح قاعد قدام البوابة وضيفتك أنا ما شوفتهاش خالص النهاردة ولا من يوم ما نزلتها من شقتك. أنا دخلت بس من خمس دقايق أكل لقمة مع العيال وأمهم مش أكتر. على العموم كتر خيرك يا كريم يا ابن الكرماء على الكلمتين دول."
قال علي لخالد بنبرة كلها حزن وإنكسار. أدرك خالد ما فعله وكيف أنه جرح علي بكلامه فهم أن يعتذر له ولكن تركه علي وجلس على كرسيه بجانب البوابة. جز خالد على أسنانه من الغيظ من نفسه على ما قاله وتوجه لعلي ووقف أمامه يحاول أن يعتذر له.
"ما تزعلش مني يا رجل يا طيب. معلش أنا مش عارف أنا بقول أيه. أصل مريم مالهاش حد هنا في البلد غيري. وأنا مش عارف هي فين. أنا أسف حقك علي."
أجابه علي بدون أن يرفع رأسه أو ينظر لخالد.
"حصل خير يا سي خالد. ربنا يطمنك عليها."
أنحنى خالد وأخذ برأس علي بين يديه وقبلها في حركة مفاجأة لعلي. ففز علي سريعا من مكانه ووقف أمام خالد مشدوها.
"أيه يا سي خالد اللي بتعمله ده؟"
"ببوس رأسك يا سيدي علشان أراضيك."
"العين ما تترفعش عن الحاجب يا سي خالد. ما يصحش أنت تراضيني."
"أنا غلطت في حقك يا عم علي وأنا اللي لازم أتأسف لك. أنا مش مستعد أنك تيجي يوم القيامة وتاخد حقك مني. أنا بحب أخلص ديوني واللي علي في الدنيا أول بأول. محدش ضامن عمره."
"ربنا يبارك في عمرك يا أبني ويرضى عنك ويراضيك."
"الله يكرمك يا رجل يا طيب. أدعي لي ألاقي مريم يحسن قلقان عليها قوي."
"ربنا يعترك عليها. تعالى نسأل عليها في المحلات اللي جنبنا يمكن تكون راحت تشتري حاجة من السوبر ماركت أو من الصيدلية."
هم علي للخروج مع خالد ولكن خالد منعه.
"خليك أنت هنا ما تسيبش البوابة. لو جت تتصل بي على طول تطمني. وانا هأدور عليها في المحلات اللي جنبنا."
"ماشي. قول ‘رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَّا رَيْبَ فِيهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ‘ وربنا يجمعك عليها إن شاء الله."
خرج خالد مسرعاً للبحث عن مريم في المحلات المجاورة. بعد ساعتين، عاد خالد للعمارة وسأله علي البواب في لحظة دخوله.
"هه يا سي خالد لاقيتها؟"
نظر له خالد وملامح وجهه واضح عليها القلق والحزن والخوف. القلق على مريم وحالها بدونه والحزن على فراقها وعودته لوحدته مرة ثانية والخوف مما قد يحدث لها أو حدث لها بالفعل من وساوس وظنون تفتك بعقله.
"لا يا عم علي. دورت عليها كتير مفيش حد شافها. أنا مش عارف هي فين ولا أيه اللي جرى لها."
"لا حول ولا قوة إلا بالله."
جلس خالد بتعب وإرهاق على الكنبة بجانب علي.
"مش عارف أعمل أيه ولا أدور عليها فين."
"طيب ما تتصل بأهلها يمكن يكونوا عارفين أي حاجة."
نظر خالد لعلي وصمت فلم يجد شيء يجيبه به.
"أيه يا ابني. أتصلت بيهم وبرضه ما يعرفوش عنها حاجة؟"
تردد خالد كثيرا ثم أجابه.
"مريم مالهاش حد."
تعجب علي لإجابته وسأله.
"يعني أيه مالهاش حد؟ مالهاش أهل يعني؟"
نظر له خالد ثم أشاح بوجهه بعيدا وصمت.
"يعني أزاي تستأمنها تدخل بيتك يا ابني وأنت مش عارف لها أهل. ما يمكن تكون حرامية وأخدت اللي عاوزاه من الشقة ومشيت."
غضب خالد من الإتهام الذي سمعه في حق زوجته. ووقف وأجاب علي بحزم.
"عم علي للمرة المليون بقولك أن مريم مش حرامية. مريم ضيفة وقاعدة عندي معززة مكرمة. لو سمحت ما تتكلمش عنها كدة تاني."
"خلاص يا أبني براحتك مدام أنت واثق فيها قوي كدة."
* * *
ترك خالد علي وصعد لشقته. دخل المطبخ وبحث عن أي شيء يستدل به عن مكان مريم. وجدها جهزت طعام الغذاء قبل أن تختفي. دخل غرفتها وجد كل ملابسها في الدولاب لم تأخذ منها شيء. وقف وعقله مشلول في وسط الغرفة لا يدري ماذا يفعل ولا أين يذهب.
أروح أبلغ البوليس؟
طيب هقول هي مين بالنسبة لي وأبلغ البوليس بمناسبة أيه؟
طيب ممكن تكون رجعت تاني للرجل اللي كان مسرحها؟
وهي هتروح له ليه؟ إذا كانت هربانة منه علشان كان هيقتلها.
يمكن تكون زعلانة مني وطفشت؟
مفيش أي حاجة حصلت بيننا تخليها تزعل. ده حتى النهاردة كنت ناوي أخدها أفسحها.
معقول تكون زي ما عم علي قال أخدت حاجة من الشقة؟
لا يا خالد ما تفكرش كدة. هي قاعدة معك بقالها شهور عند عمك وهنا وعمرها ما مدت ايديها على حاجة.
ما هو ما كانش ينفع تاخد حاجة من بيت عمي البلد صغيرة وصعب أنها تهرب لكن هنا البلد زحمة وهي عارفة شوارعها يعني سهل جدا أنها تهرب.
لا مش ممكن. مريم مش كدة. ده اتعلمت الصلاة ومواظبة على الصلاة وكمان بتحفظ القرآن دلوقت. ده في مدة قليلة حفظت أربع أجزاء دلوقت. مش ممكن تكون كدة.
مكث خالد يصارع أفكاره وظنونه لفترة ليست بقصيرة ثم توجه إلى غرفته وأخذ المفتاح من درج مكتبه وفتح الدولاب تأكد من وجود الأموال ومجوهرات المرحومة والدته في مكانهم، تنفس الصعداء وجلس على سريره وحدث نفسه بصوت مسموع يوبخها.
أستغفر الله العظيم. ليه بس سوء الظن. مريم عمرها ما تمد ايديها أبدا على أي حاجة مش بتاعتها. طيب يا رب هي فين؟ أنا هأتجنن. أروح أدور عليها فين؟ ما أنا ما أعرف لهاش مكان ولا حتة. حتى اللي أسمه إسماعيل ده عمري ما سألتها كانت ورشته فين ولا هي كانت بتنام فين قبل كدة. أنا مش عارف أفضل قاعد كدة. أنا لازم أنزل أدور عليها.
أخذ خالد مفاتيحه ونزل مرة أخرى يبحث عن مريم. أخذ يبحث عنها في الشوارع المجاورة ثم ذهب لمستشفى الأورام يبحث عنها في المكان الذي أعتادت أن تبيع المناديل فيه. عندما أقترب من المكان ووقعت عينيه على مبنى المستشفى أنقبض قلبه. تذكر وقتما كان يصطحب المرحومة والدته للمستشفى. عادت لذاكرته كل لحظات الألم والمرض التي عانتها والدته. دمعت عيناه عندما تذكر أسوأ يوما في حياته عندما فقد والدته للأبد. اليوم الذي بدأت رحلته فيه مع الوحدة. الوحدة التي ظن أنه تغلب عليها وهزمها بزواجه من مريم ولكنها هزمته مرة أخرى اليوم وأخذت منه مريم. دعا الله أن يكون فراقه من مريم فراق مؤقت ليس كفراقه من أمه. دعا الله أن يلتقي بها قريبا ويطمئن على حالها في أقرب وقت.
بعدما بحث عنها بجوار المستشفى أخذته قدماه لمحطة مصر. لذاك المكان الذي ألتقى فيه بمريم. للمكان الذي كان محطة البداية لرحلتهما. دعا الله أن لا تكون رحلتهما معا وصلت لمحطة النهاية بهذه السرعة. وتمنى أن تكون رحلتهما معا لبقية العمر. ظل خالد يبحث عن مريم في الشوارع ووسط الزحام بدون جدوى. أذن العشاء ودخل خالد مسجد الفتح يصلي فرض الله ويدعوه. دخل خالد الميضأة وتوضأ لله. غسل وجهه ومسح على رأسه وشعر بالظنون والوساوس تتساقط مع قطرات المياه من رأسه. أنتهى من الوضوء وتوجه للمسجد وصلى خلف الإمام. سجد لله وسقطت كل الهموم من على كتفه. دعا الله في سجوده أن يطمئنه على مريم وشعر بالمطأنينة تغلف قلبه. سلم من صلاته وملأ السلام قلبه. شعر براحة ويقين أن مريم بخير. خرج من الجامع وقد تبدل حاله. بعدما كان القلق يتملك قلبه والظنون تتلقف عقله هدأ قلبه وأستراح عقله.
* * *
عاد خالد لبيته وأستقبله علي بالسؤال عن مريم. عندما لاحظ الإبتسامة على وجهه.
"خير يا سي خالد شكلك لاقيتها."
"لا يا عم علي لسة ما لاقيتهاش. لكن إن شاء الله هي بخير."
تعجب علي من تبدل حاله ودعا له براحة البال.
"ربنا يريح بالك يا ابني ويطمنك عليها."
"إن شاء الله يا عم علي. تصبح على خير."
دخل خالد المصعد وضغط على زر الدور التاسع. قال في سره
أطلع الشقة أغير هدومي ده وأريح رجلي شوية وإن شاء الله ربنا هيطمني عليها. لو ما لاقيتهاش بعد ساعة أبقى أنزل أدور عليها تاني.
رن جرس المصعد منبهاً خالد أنه وصل للطابق  التاسع خرج من المصعد يجر قدماه من الإرهاق والتعب. خطى خطوة والاخرى وتوقفت قدمه في الهواء عندما سمع صوتها تناديه.
"خالد."

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1