رواية لا تترك يدي الفصل السابع عشر
نفضت مريم عنها الغطاء وتوجهت للحمام توضأت وافترشت مصليتها ووقفت تصلي لله وتشكره وتحمده على نعمه التي أغدق عليها. ظلت تصلي وتدعي الله لها ولخالد حتى سمعت صوت آذان الفجر.
تعجبت مريم للهدوء التام في المنزل. توجهت لغرفة خالد وطرقت الباب. بعد دقيقة طرقت ثانياً عندما لم يأتيها رده. أنتظرت دقيقة أخرى وفتحت الباب. وجدته مستغرق في نومه الهادئ. أقتربت من سريره وهزت كتفه قليلاً.
"خالد. قوم الفجر أذن."
همهم خالد في نومه وانقلب للجهة الأخرى بعيدا عنها. لفت مريم حول السرير وأقتربت منه في الجهة المقابلة وهزت كتفه مرة أخرى ولكن أشد من الأولى.
"خالد. الفجر يا خالد. أنت أول مرة تنام كدة وما تصليش الفجر."
فتح خالد عينيه قليلاً وسألها بدهشة.
"مريم. في أيه؟ حصل حاجة؟"
"الفجر أذن من بدري. يا دوب تلحق الجماعة التانية."
"الفجر!"
"آه. قوم بقى."
أنتصب خالد وجلس على السرير. نفض الغطاء من على جسده وفرك النوم من عينيه.
"حاضر خلاص فوقت."
نزل خالد من السرير وتوجه للحمام توضأ وخرج من المنزل ليصلي الفجر في المسجد.
عاد خالد من المسجد وجد مريم تجهز الإفطار.
"أدخلي أجهزي علشان هنخرج بعد ساعة."
التفتت مريم له وسألته.
"هنخرج! ليه رايحين فين؟"
"أنت تحبي تروحي فين؟"
"يعني ايه؟"
"يعني امبارح كنت ناوي اخدك افسحك. لكن بدل ما افسحك أنا أنت فسحتيني في الشوارع طول النهار أدور عليك. وشوفي يا ستي أنت عاوزة تتفسحي فين وانا هأخرجك النهاردة."
"بلاش النهاردة."
رفع خالد حاجبه وسألها.
"وأشمعنى النهارده بلاش؟ وراك حاجة النهارده؟"
"لا مش ورايا لكن وراك أنت."
تلفت خالد خلفه ثم أبتسم وقال لها.
"مفيش ورايا غير الحيطة."
تنهدت مريم ثم قالت.
"خالد. أنت أمبارح لفيت في الشوارع زي ما قولت. النهارده وأنا بصحيك للفجر ما كنتش قادر تصحى. ما ينفعش أبدا أننا ننزل كمان النهارده. أنت لازم ترتاح شوية. ممكن نخرج بكرة أنت أجازة بكرة."
"لا بكرة مش هينفع. هأبتدي دروس من بكرة. وكمان هو أنا كنت أشتكيت لك. أنا كويس ونقدر نخرج النهارده."
"لأ طبعا. أنت كمان مش هتريح بكرة. خلاص نخليها الأسبوع الجاي. لكن مش ممكن أبدا ننزل النهارده وأنت بكرة كمان نازل علشان دروسك وبعد بكرة تبدأ المدرسة من تاني. أحنا النهارده خلينا في البيت تريح خالص و الأسبوع الجاي إن شاء الله نروح."
"ده أخر كلام لك يعني. أنا قولت أنت محبوسة طول النهار في البيت لوحدك وما خرجتيش من يوم ما جينا من أسيوط."
"يا سيدي أنا مرتاحة كدة. لما أحب أخرج هأقول لك."
"خلاص يا ستي. الحق علي أنا."
"لا عليك ولا علي. أقعد دلوقت أفطر ونتفرج على التلفزيون بعد كدة لكن بلاش أفلام رعب علشان خاطري وبعد كدة أبقى نام شوية بعد صلاة الجمعة."
"قشطة. أنا بصراحة كنت بقاوح. لكن أنا جسمي مكسر من لف أمبارح في الشمس."
"شوفت بقى."
أستجاب خالد لتعليمات مريم ومكث في المنزل معها ذاك اليوم. مرت أيام الأسبوع كالبرق. خالد منشغل بدراسته ويومه مقسم بين المدرسة والدروس والمذاكرة. أما مريم فكانت تقضي يومها بتأدية ما عليها من أعمال منزلية ومجالسة السيدة فريدة جارتهم وصديقة مريم الجديدة. فبالرغم من فارق السن الشاسع بينهما فحفيدة فريدة تصغر عن مريم عامين فقط. إلا إنها كانت تأنس بمريم وتمازحها وتناقشها كأنها في سنها. تعلمت منها مريم الكثير والكثير. علمتها إعداد الكثير من أصناف الطعام التي لم تتعلمها من سعاد فترة مكوثها في منزل إبراهيم عم خالد. أيضا تعلمت مريم منها بعض فنون التطريز وأشغال الإبرة. سعدت مريم كثيرا بما تعلمته. ووجدت فريدة فيها تلميذة نهمة للتعلم ومتدربة ماهرة و ذكية. وفي المقابل ساعدت مريم فريدة في تعلم التجويد وحفظ كتاب الله.
توطدت علاقتهما كثيرا. ولكن كان دائما هناك حاجز بين فريدة وحياة مريم الشخصية. لم تقص مريم أي شيء عن علاقتها بخالد وكيف تعرفت عليه وسبب وجودها معه في شقته. وأحترمت فريدة خصوصيتها ولم تلح عليها بالسؤال.
بالرغم من ذلك إلا أن مريم وجدت حنان الأم التي حرمت منه في فريدة. شعرت بإهتمامها وبحبها الصادق لها. حمدت مريم ربها في كل ليلة على وجود خالد وفريدة في حياتها. فإن كان خالد هو حاميها وسندها في هذه الدنيا ففريدة كانت القلب الدافئ التي تسكن إليه وترتمي في حضنه.
جاء يوم الجمعة وأخذ خالد مريم لأحدى مدن الملاهي الشهيرة في القاهرة. قضيا معا اليوم بأكمله يلهيان ويمرحان مثل الأطفال. لأول مرة شعرت مريم بطفولتها. لأول مرة ضحكت بأعلى صوتها. لأول مرة ركضت لعبا ولهوا وليس خوفا وفرارا.
سعد خالد كثيرا لرؤيتها فرحة وسعيدة. عاد هو أيضا لأيام طفولته عندما كان يصطحبه والده ووالدته رحمهما الله قبل مرض والده. تذكر أخر مرة زار مدينة الملاهي مع والداه عندما كان في العاشرة من عمره. كان طفل حر طليق لم يفارق أحدا ولم يتحمل مسئولية أحدا. كان منعما بحب والديه ودلالهما. ينظر للدنيا من فوق كتف والده الذي كان يحمله أغلب الوقت تقاة أن ترهق قدماه من التجوال.
كانا والداه يغمرانه بالحب الذي عبرا عنه بكل السبل فكان ذاك الحب لبنة أساسية في شخصيته الحانية. قرر خالد أن يمنح مريم كل الحب الذي حرمت منه في حياتها. عقد النية على أن يسعى لإسعادها وأنه لن يحرمها من أي شيء. سيشاركها كل ما يملك سواء كانت أموال أو مشاعر. ولما لا فهي زوجته وشريكة حياته أولا وأخرا.
حرص أنها تستمتع بوقتها في ذلك اليوم. فأصر أنها تجرب تقريبا كل الألعاب. حتى عندما جبنت الساقية العملاقة. إلا أنه طمئنها أنه سيمسك بيدها ولن يتركها أبدا. حتى منزل الرعب التي جرت من أمام بابه ولم ترغب في دخوله. ولكن مع إصرار خالد وطمئنته لها أنها تستطيع أن تواجه أي شيء في الدنيا معه. بعد محاولات إقناعها وافقت ولكنها ظلت متشبثة به محتضنة أياه طول الرحلة داخل منزل الرعب. ضحك كثيرا عندما كانت تفزع وتخفي وجهها في صدره من الخوف.
غربت الشمس وعادا الأثنان معا. أغلب رحلة العودة كانت مريم نائمة في الحافلة ومستندة رأسها على كتف زوجها. أشرقت إبتسامة رائعة على وجهها طول الوقت. سألها خالد هامساً.
"أنبسطت النهارده؟"
أجابته دون أن ترفع رأسها وهي مغمضة العينين.
"جدا."
رفعت مريم رأسها ونظرت في عينيه وقالت.
"متشكرة قوي يا خالد. أنا عمري في حياتي ما اتبسطت زي النهاردة. ربنا يخليك لي وما يحرمني منك أبدا."
ربت خالد على رأسها وأبتسم لها.
"أهم حاجة أنك تكوني مبسوطة. ربنا يقدرني وأسعدك."
صمتت مريم فلم تجد كلمات تعبر بها عن إمتنانها لوجوده في حياتها. ظلا الإثنان في صمت مريح حتى وصلا لبيتهما. دخل خالد غرفته لينام وتوجهت مريم لغرفتها وهي تسترجع أحداث اليوم في عقلها لتحفظ ذكرى أسعد يوم في حياتها في ذاكرتها للأبد.
********