رواية لا تترك يدي الفصل العشرون 20 بقلم هند رفاعي


 رواية لا تترك يدي الفصل العشرون 

اليوم التالي، ذهب خالد لمدرسته وأنهت مريم أعمالها وتوجهت لشقة فريدة لتطمئن عليها وعلى صحتها. فتحت فريدة الباب بعد عدة دقائق من طرق مريم لبابها.
"مريم، أدخلي يا بنتي."
دخلت مريم وساعدت فريدة لتجلس على كنبة في الصالة.
"أزيك يا طنط عاملة أيه النهاردة؟"
"الحمد لله. النهاردة احسن بكتير من أمبارح."
"فطرت؟ ولا أدخل أجهز لك فطار؟"
"لا فطرت يا حبيبتي واخدت الدوا كمان."
"الحمد لله. أدخلي ريحي في السرير."
"لا أنا زهقت من نومة السرير. خليني قاعدة هنا معك شوية. أنت وحشتيني قوي."
"وأنت كمان وحشتيني. خليك قاعدة هنا ومريحة وأنا هأدخل أنظف جوا وأجي لك."
"يا بنتي مالهوش لزوم. خليك قاعدة معي."
"نص ساعة بس وأجي أقعد معك براحتي. اليوم كله هنقضيه مع بعض النهاردة."
"ليه خالد فين؟"
"خالد يا ستي هيطلع من المدرسة على درس وبعده درس تاني وبعد كدة تمرين يعني هيرجع بالليل إن شاء الله."
"يجي بالسلامة يا حبيبتي."
"إن شاء الله."
"ممكن أسألك سؤال؟"
"طبعا يا طنط."
"أنت ليه أتجوزت خالد دلوقت؟ أنت لسة صغيرة. وأزاي اهلك وافقوا؟"
لمعت دمعة في عين مريم وأجابت السيدة فريدة.
"أهلي ما وافقوش ولا يعرفوا أصلا أني أتجوزت."
صعقت فريدة لما سمعت وسألتها.
"يعني أيه؟ أتجوزت من ورا اهلك؟ أزاي خالد يعمل حاجة زي كدة؟"
"أنا ما هربتش منهم. أنا ما اعرفش هم فين."
"نعم؟ يعني ايه؟"
"هأحكي لك كل حاجة."
قصت مريم للسيدة فريدة قصتها. كيف قابلت خالد وأنقذ حياتها وخدمتها في منزل عمه ثم ظروف زواجهما. أستمعت لها فريدة وتأثرت جدا بما سمعته. انهت مريم قصتها بصوت متحشرج من البكاء ورفعت رأسها  وجدت فريدة غارقة في دموعها. أحتضنتها فريدة وبكيا الأثنان معا بشدة وتعالت شهقاتهما.
فقد قابلت فريدة الكثير من أطفال الشوارع من قبل. أعتادت أن تعطف عليهم وتتصدق عليهم بالمال. ولكنها لم تفكر في معاناتهم من قبل ولم تهتم بما يحدث لهم. كانوا مجرد وجوه مجهولة تقابلها في الطريق بعيدين كل البعد عنها وعن عالمها. لم تتوقف للحظة لتفكر ماذا لو كانت أبنتها خطفت منها أو تاهت عنها وأصبحت واحدة منهم. ألن يكون مصيرها مثلهم. ألن تعيش في الشوارع وتنام تحت الكباري في العراء مثلهم.
انسحبت مريم من حضن فريدة بعدما هدأ بكائهما. مسحت فريدة دموعها ثم مسحت دموع مريم. أبتسمت لمريم وقالت لها.
"ممكن من هنا ورايح تعتبريني امك؟"
أتسعت عيني مريم من الدهشة وسألتها.
"نعم؟ أزاي؟"
"زي الناس. من هنا ورايح أنت هتبقي بنتي."
"أزاي؟ أنا مجرد بنت من الشارع."
"لأ أنت مش بنت من الشارع. أنت زوجة خالد محمود قناوي وبنت المهندسة فريدة السيد."
"أنا مش عارفة أقول لك أيه يا طنط. ده شرف كبير قوي لي إنك تعتبريني بنتك."
"تقولي لي يا ماما. مش عاوزة أسمع منك كلمة طنط ده تاني. فاهمة ولا لأ؟"
"فاهمة."
"فاهمة يا ايه؟"
أبتسمت مريم لفريدة وأجابتها.
"فاهمة يا ماما."
ضحكا الأثنان معاً.
"عارفة اني ما كنتش بنام من وقت ما عرفتك لغاية لما خالد قال عليك مراته؟"
"ليه كدة يا طنط؟"
"من قلقي ومن خوفي عليك. كنت بسهر طول الليل يحسن تحصل حاجة بينك وبين خالد او يضايقك و تحتاجيني. كنت مرعوبة عليك جدا. وقال ايه انت كنت بتضحكي علي وتقولي لي انك بتنامي في غرفة المرحومة أمه وهو بينام في غرفته."
"لكن أنا ما كدبتش عليك. أنا فعلا بنام في غرفة أمه وهو بينام لوحده في غرفته."
"يا سلام؟"
"أيوة بجد. خالد معتبرنا اصحاب مش متجوزين بالمعنى الحرفي."
"بصي يا مريم. أنا هكلمك بصراحة. أنتم لسة صغيرين. مش عارفة اتكلم اقول لك ايه."
تلجلجت فريدة في الكلام وهربت بعيونها من مريم. فنظرت لها مريم بعيونها الزرقاء البريئة متسائلة.
"مش عارفة حضرتك عاوزة تقولي ايه."
"هقول لك بصراحة. أنتم لوحدكم اللي تحددوا امتى تبدأوا حياتكم الزوجية. لكن إذا ما كانش النهاردة هيبقى بكرة. أنتم لسة صغيرين وعادي لما تفكروش في الكلام ده دلوقت. لكن ده مش هيكون الحال على طول. الحياة الزوجية لازم تكون متكاملة. خايفة يكون خالد متجوزك لمجرد انه يشفق عليك وتعيشي معه لكن مش متقبلك كزوجة."
توردت وجنتي مريم من الخجل ونظرت للأسفل.
"أنا مش عاوزة أحرجك. أنسي اللي أنا قولته لك. لكن اللي عاوزة أقوله لك وتتأكدي منه أنك من النهاردة أنت بنتي والبيت ده بيت أهلك. لو خالد ضايقك او حصل اي حاجة لا قدر الله بيتي مفتوح لك لأخر نفس في عمري."
رفعت مريم نظرها لفريدة.
"بعد الشر عليك يا ماما. ربنا يبارك لي في عمرك ويديك الصحة يا رب."
ربتت فريدة على خد مريم برفق وابتسمت لها.
"ربنا ما يحرمني منك يا قمر. قومي بقى هاتي المفرش اللي كنت بتطرزيه. ولا هنقعد كدة نرغي طول النهار."
ابتسمت مريم ووقفت على الفور.
"حالا ساعة واحدة بس أخلص الشقة علشان متربة ونقعد نطرز ونتسلى."
"يا بنتي ما تتعبيش نفسك. أم مصطفى هتيجي تعملها النهاردة."
"مش أنت أعتبرتيني بنتك. وده بيتي. يبقى مفيش حد غريب هيحط ايده فيه. من النهاردة البيت ده بيتي وأعمل كل حاجة فيه. ماشي يا أحلى ماما."
"ماشي يا قمر اللي يريحك."
بعدما أنهت مريم تنظيف شقة فريدة وأعدت لها الطعام، أحضرت عدة التظريز وجلست بجوارها لتتعلم من خبراتها. وجدت فريدة تنظر إلى شاشة الحاسب المحمول ومستغرقة تماما فيما تتصفحه. جلست مريم بجانبها بهدوء ولم ترد أن تزعجها. بعد عدة دقائق شعرت بها فريدة وهي جالسة بجوارها.
"أنت خلصت يا ستي. أخيرا هتقعدي معي."
"أيوة خلصت كل حاجة. وأدي عدة التطريز علشان نكمل المفرش."
"ماشي يا ستي. لكن قبل ما نكمل المفرش أنا عاوزة أخد رأيك في حاجة."
نظرت لها مريم بفضول وسألتها.
"خير؟"
"بصي كدة على الطقم ده وقولي لي رأيك فيه أيه؟"
أزاحت فريدة الحاسب المحمول تجاه مريم ونظرت مريم على الشاشة ووجدت طقم ملابس غاية في الأناقة.
"الله شكله جميل قوي. البلوزة لونها رقيق قوي. والجاكيت ألوانه جميلة جدا. كله جميل بصراحة."
"يعني عجبك؟"
"رقيق قوي. جيباه لبسملة حفيدتك؟"
"لا يا ستي ده لك انت."
أتسعت عينين مريم وسألتها.
"لي أنا؟ لا شكرا خالص. أنا الحمد لله عندي هدوم كتير."
"مريم مش أنت بقيت بنتي. بصراحة مش عاجبني طريقة لبسك. سواء لبس البيت ولا لبس الخروج. شكله مش حلو خالص. الأول ما حبتش أتكلم ولا أحرجك. لكن أنت زوجة خالد ولبسك وشكلك مهم. أنت بسم الله ما شاء الله زي القمر. أنا عارفة أنه مش بيعرف يشتري ولا ينقي هدوم للبنات. لما كان يحب يشتري عباية لوالدته الله يرحمها كان يجي لي يطلب مني اشتري لها أنا ويديني الفلوس هو."
قالت مريم بصوت منخفض.
"بصراحة الهدوم ده اللي اشترتها لي مرات عمه من أسيوط. وأنا ما أعرفش أشتري منين ولا أشتري أيه. ومن وقت لما جينا هنا ما خرجتش معه غير مرة واحدة علشان هو على طول مشغول في مدرسته ودروسه."
"ولا يهمك يا قمر. بصي يا ستي. الطقم ده هدية مني لك. وده من حقي كأمك وما ينفعش ترفضي خالص. بعد كدة أستأذني خالد وممكن ننزل مع بعض أشتري لك هدوم للبيت وهدوم للخروج. ولو مش عاوزة تخرجي من غيره ممكن نشتري اونلاين. أنا أغلب حاجتي بأشتريها أونلاين."
نظرت مريم لها ببلاهة.
"يعني أيه أونلاين؟"
"يعني أشتريها من على النت. زي ما حجزت لك دلوقت الطقم ده. إن شاء الله هيوصل بكرة أو بعده بالكتير."
"بجد؟ يعني أنا ممكن أشتري هدوم وأنا قاعدة في البيت؟"
"أيوة ومش هدوم وبس. أي حاجة عاوزة تشتريها ممكن تشتريها من على النت."
"طيب ممكن تعلميني؟"
"طبعا. إن شاء الله هأعلمك كل حاجة أعرفها. النت ده عالم كامل ممكن تتعلمي منه أي حاجة أنت عاوزاها في الدنيا ده. أنت قولت أن خالد علمك القراءة والكتابة."
أحرجت مريم لتذكرها أميتها.
"أيوة لكن خفيف. خطي مش حلو خالص."
"ولا يهمك. الكمبيوتر والنت مش محتاجين خط. محتاجين بس تعرفي الحروف ويا سلام بقى لو تعرفي انجليزي."
دهشت مريم لما سمعت وقالت لها.
"نعم! إنجليزي؟ أزاي؟ أنا ممكن أتعلم أنجليزي وأعرف أفهم الأفلام زي خالد. ده أوقات بيتفرج على الفيلم من غير ترجمة."
ضحكت فريدة لسذاجتها وبراءتها.
"أيوة يا حبيبتي. إن شاء الله هأعلمك كل حاجة. هتتعلمي أزاي تستخدمي الكمبيوتر وأعلمك أنجليزي. وبعد كدة أنت بقى تقدري تتعلمي أي حاجة في الدنيا ده كلها عن طريق النت والكمبيوتر."
لمع الأمل في عيون مريم وقامت من مكانها وأحتضنت فريدة بشدة.
"شكرا خالص يا ماما. ربنا يخليك لي وما يحرمني منك أبداً. ربنا يبارك فيك وفي صحتك يا رب. ربنا يسعدك دنيا وأخرة ويا رب تزوري بيت الله."
ضحكت فريدة وربتت على رأسها وقالت لها. "ولك مثلها يا قمر."
* * *
وصل خالد إلى النادي الرياضي المنضم له. توجه لملعب الكرة وأقترب من اللاعبين والمدرب. عندما لمحه أحد اللاعبين جرى عليه صاح بأعلى صوته.
"خالــــــــــــد. أيه يا ابني وحشتنا جدا."
أحتضن الشاب خالد بشدة ورفعه من الأرض. رد خالد عليه الحضن لثواني معدودة ثم ربت على كتف الشاب لينزله أرضاً.
"جاسر مش قادر أتنفس."
وقف خالد بقدميه على الأرض بثبات بجانب جاسر الذي حاوط خالد بذراعه. أقترب من خالد بعض اللاعبين وأستقبلوه بحفاوة.
"أيه يا خالد كل ده غيبة؟"
"معلش يا حسام أنت عارف الظروف."
أقترب شاب هزيل الجسم من خالد وحضنه.
"يا عم ولا ظروف ولا جوابات. المهم أنك رجعت لنا تاني. وحشتني قوي ووحشتني لمتنا."
ابتسم خالد له وقال.
"وحشتني يا ياسين. ربنا ما يحرمني منكم أبدا."
نكز جاسر خالد بكتفه وهمس له.
"تعالى سلم على الكوتش. ما ينفعش كدة."
نظر خالد للرجل الأربعيني الذي يقف على بعد مترات قليلة منهم يراقب المشهد وترتسم على وجهه إبتسامة رضا. فأقترب منه وتبعه باقي اللاعبين. مد خالد يده لمصافحة الرجل.
"أزيك يا كابتن محمد. عامل ايه؟"
صافح محمد خالد ثم جذبه لحضن أبوي حنون.
"أزيك يا خالد. لسة فاكر تسأل علينا دلوقت."
نظر خالد للأسفل محرجاً ثم قال.
"أعذرني والله يا كابتن كانت ظروف فوق طاقتي."
ربت محمد على ظهره وقال له.
"ولا يهمك. ربنا يقدرك ويعوضك خير بإذن الله."
لمعت دمعة في عين خالد وتمتم بصوت منخفض سمعه جاسر فقط لقربه منه.
"الأم ما تتعوضش."
ربت جاسر على كتف خالد وأراد أن يغير الموضوع.
"أنت جي زيارة يا أستاذ ولا هتتمرن معنا؟"
ابتسم خالد له وأجابه.
"لا يا سيدي إن شاء الله نازل التمرين."
نظر خالد لمحمد وأستأنف.
"طبعا بعد أذن الكوتش. لو يعني ينفع."
فأجابه محمد بإبتسامة.
"أكيد يا خالد. الفريق عمره ما يستغنى عنك. أنت ناسي أنك أحسن لاعب وسط عندي. هتبدا النهاردة ولا من بداية الاسبوع؟"
"يا ريت لو النهاردة." ملس خالد على بطنه قليلا ثم أردف.
"أصل بصراحة البيه ده أبتدى يظهر وأنا مش بحبه خالص."
ضحك الجميع على مزحته.
"أصل في حاجة عندي مش هأقدر أخبيها."
نظر الجميع لياسين متسائلا عما يقصد فأجابهم مغنياً بصوته الحاد.
"أنا خبيت عليك كتير. أصل أنا عندي كرش كبير."
عندما سمعه خالد هجم عليه أسقطه على الأرض وركب عليه وأنهال عليه بالضربات. ضحك الجميع على منظره
*********

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1