رواية بقايا عطر عتيق الفصل الواحد والعشرون
تحت ضوء القمر الذي غمر باحة المنزل بضياء ناعم، جلست سميرة بجانب شقيقها عبد الحميد في المساء الهادئ. كان الجو يحمل سكونًا مشوبًا بحنين اللقاء بعد سنوات طويلة من الفراق، وعبد الحميد يستعد للسفر في صباح اليوم التالي. أرادت سميرة أن تمضي كل لحظة ممكنة بقربه، تعوض غيابه الطويل عنهم.
نظرت إليه بابتسامة شوق قائلة:
ـ "لحد اللحظة دي اني مش مصدقه إنك رجعت وقاعد قدامي وبتتحدت معايا، وحشتني قوي يا عبد الحميد ياخويا. وخايفه تسافر ومترجعش لينا تاني."
ابتسم عبد الحميد وهو يحرك يديه بتلقائية، ثم أجاب بنبرة دافئة:
ـ "وإنتِ كمان وحشتيني يا سميرة. واكتر اتنين انتي وحسين دايما على بالي، وده اللي كان مصبرني السنين دي كلها ومخليني قادر أقاوم الوحده اللي كنت فيها. متعرفيش أنا عانيت قد ايه ياسميرة. كان ليلي شبه نهاري عافرت كتير وتعبت كتير علشان أقدر أبدا من جديد، بس منكرش فضل ليلى الله يرحمها عليا، وقفت جمبي واتنازلت عن كل حقوقها معايا، بدأنا سوا على الحلوه والمره، ووالدها كان راجل طيب ومقدر ظروفي وشغلني معاه وبقينا كلنا أيد واحده، لكن رغم كل ده كان دائماً جوايا جزء مؤلم لفراقي ليكم، مرت الايام والشهور والسنين واتعودت على الغربه مع ان المسافه بيني وبينكم مش كبيرة علشان اشوفكم وأملي قلبي وعينا من أهلي وعزوتي، بس الله يسامح اللي كان السبب.
تأثرت سميرة لكنها سألته:
ـ "قصدك ايه؟ مين السبب ياعبد الحميد؟"
ابتسم وقال:
ـ "متاخديش في بالك ياسميرة، اهو كلام بيتقال وخلاص.
تأملته للحظات، وساد بينهما صمت قصير، لكن سميرة لم تستطع كبح فضولها. ابتسمت بخفة ثم قالت بفضول ممزوج بحنين:
ـ "شكلك تعبت قوي ياخويا، بس الحمد لله في الاخير رجعت لأهلك وناسك، ومش ناقص بس غير نشوف بناتك الزينه، وحياة النبي ياخويا أوصفهوملي. سمعت عنهم بس عاوزه اعرف كل واحدة فيهم شكلها إيه وعامله كيف؟
أطلق عبد الحميد ضحكة خفيفة، ثم تنهد بعمق وقال:
ـ "نادية، الكبيرة، دي حنية الدنيا كلها فيها، وجدعة شبه أمها نفس العيون، دايمًا واقفة جنبي وبتشيل عني، ساعدتني كتير ولما تبصي في عينيها تحسي إنها عقلها أكبر من سنها، قلبها مليان حكمة. أمّا نوال، دي اللي قلبها زي الدهب، ناعمة وطيبة، عمرها ما خبت عليا أي حاجة أنا وهي أصدقاء مقربين قوي من بعض، ولما تشوفيها تفتكري الزرع الأخضر في عز الربيع. أما كريمة، آخر العنقود، يا سميرة. خفيفة زي النسمة، ودلعها شقي، لما تضحك تحسي إن البيت كله بينور. شعرها طويل وعينيها فيها لمعة ذكاء مش طبيعية.
ابتسمت سميرة وهي تسمع وصفه، وقالت بنبرة حانية:
ـ ما شاء الله.. باين عليهم قمرات، البنات طول عمرهم غلابه وحنينين، ربنا يخليهملك يا عبد الحميد. وتفرح بيهم.
هز عبد الحميد رأسه موافقًا، وقال بصوت هادئ:
ـ آمين، وفعلا، البنات نعمة كبيرة، كأن ربنا بيديك أمانة يقولك: احميهم، خليك سندهم، ووقت ضعفك هتلاقيهم جسر تتسند عليه لو مالت بيك الأيام.
ظلّا يتحدثان حتى تسللت نسائم الليل الباردة، ولم يقطع حوارهما إلا صوت صرصار الليل، بينما السماء كانت شاهدة على تلك اللحظة المليئة بالألفة والمحبة بين شقيقين فرقت بينهما الأيام، لكن القلوب كانت دائمًا على عهدها.
عادت صباح إلى غرفتها بخطوات متعثرة، وجهها شاحب كأن الحياة تسربت منه، وعيناها تائهتان تحملان ثقل ما سمعته. أغلقت الباب خلفها بحركة سريعة، ثم جلست على طرف السرير تضر.ب كفيها على وجهها بلا توقف، وكأن تلك اللطمات يمكنها أن تخفف من وطأة الفزع الذي يسري في أوصالها. كان تنفسها متقطعًا، وصدرها يعلو ويهبط في اضطراب، بينما كلمات مبعثرة خرجت من شفتيها دون ترتيب، كأن عقلها يحاول فهم الكارثة التي وقعت عليها فجأة.
دخل عبد العزيز الغرفة بعد لحظات، منشغلًا بتجفيف وجهه بمنشفة صغيرة، مستعدًا للنوم كما اعتاد كل ليلة. لكنه توقف فجأة عند رؤيتها، وقد بدت كأنها تواجه نهاية العالم. رفع رأسه بذهول ووقف متسمّرًا للحظات، يحاول فهم ما يحدث. لم يعتد رؤية صباح في هذه الحالة. تقدم نحوها بخطوات حذرة، ونظر إليها نظرة ملؤها القلق، وكأن عينيه تسألها قبل شفتيه.
وقف أمامها للحظات، ثم سأل بصوت مشوب بالقلق والدهشة:
ـ مالك ياولية؟ عامله أكده ليه؟إيه اللي حصل؟.
رفعت صباح رأسها ببطء، والدموع تلمع في عينيها وكأنها تبحث عن كلمات تصف ما رأته. شحوب وجهها كان كافيًا ليملأ قلب عبد العزيز بالخوف. مرت لحظات ثقيلة قبل أن تخرج الكلمات من فمها بصعوبة. بصوت مرتعش، أخبرته أنها سمعت مصيبة أثناء مرورها قرب الغرفة الكبيرة. لم يكن عبد العزيز بحاجة إلى المزيد من الكلمات ليدرك أن شيئًا جللًا قد حدث، لكنه وقف صامتًا ينتظر التفاصيل.
استجمعت صباح شتات نفسها، تحاول أن تستعيد صوتها رغم الارتعاش الذي أصابه. بدأت تروي له ما سمعت، تخبره أن صالح اعترف أمام أبيه حسين بأنه يحب نوال، ابنة خاله عبد الحميد، وأنه وعدها بالزواج من قبل، وأنه لا يريد الزواج من أمينة ولن يتزوح بها مهما حدث. كانت كلماتها تتسارع مع تزايد انفعالها، وكأنها تحاول التخلص من هذا العبء الذي يثقل صدرها.
لم يستطع عبد العزيز استيعاب ما سمعه على الفور. سقطت المنشفة من يده دون أن يدرك، وجف حلقه تمامًا. شحب وجهه وهو يتخيل وقع هذا الكلام على ابنته أمينة، التي لم يكن في بالها سوى صالح، وكانت تنتظر زفافها إليه بفارغ الصبر. وقف في مكانه بلا حركة، وكأن الأرض تجمدت تحت قدميه. كان صوت صباح لا يزال يطرق أذنيه، لكنها بالنسبة له كانت مجرد ضوضاء خلفية أمام تسارع أفكاره.
استمرت صباح في حديثها، صوتها يعلو وهي تؤكد أن هذا الزواج بين صالح ونوال لن يتم أبدًا، وأن أمينة لن تتحمل الصدمة لو عرفت بما يجري. كلماتها كانت مليئة بالانفعال والخوف، لكنها زادت من شعور عبد العزيز بالعجز. كان يدرك أن ما سمعه الآن ليس مجرد مشكلة عائلية بسيطة، بل أزمة ستشعل نيران الخلافات في العائلة، وربما تكسر قلب ابنته التي لم يعرفها إلا مرحة ومتفائلة.
وقف عبد العزيز متصلبًا في مكانه، يحاول أن يستجمع أفكاره وسط هذا الزلزال الذي هز كيانه، لكنه كان يعلم في داخله أن الأيام القادمة ستحمل معه الكثير من العواصف.
بينما عاد صالح إلى غرفته بخطوات متثاقلة، وكأنه يحمل على كتفيه عبء العالم بأسره. أغلق الباب خلفه بهدوء، واستند إليه للحظات، ثم زفر أنفاسًا ثقيلة، وهو يشعر بقطرات العرق تنساب على جبينه. كانت المواجهة مع والده أصعب مما تخيل، وكأنها معركة بين قلبه وإرث العائلة، لكنه كان يعلم أنها ضرورية، وأنه لا مفر منها.
جلس على حافة سريره، يخلع حذاءه ببطء، وعيناه شاخصتان نحو الفراغ. رفع يده ليمسح جبينه المبلل، ثم أسند رأسه إلى كفيه وهو يتنفس بصعوبة. شريط الحوار الذي دار بينه وبين والده كان يتكرر في ذهنه كأنه مشهد مسجل، يتفحص كلماته ونبراته، ويتساءل عما إذا كان قد نجح في إيصال ما يريد، أم أنه زاد الأمور تعقيدًا.
لم يكن الأمر سهلاً. أن يقف أمام والده، رمز السلطة والحكمة في العائلة، ليعلن عن اختياره ويطلب دعمه، كان أشبه بالسير في طريق مجهول محفوف بالمخاطر. لكنه كان يدرك أن التردد لن يجلب له إلا الندم، وأن الحب الذي يحمله لنوال يستحق هذه المواجهة مهما كانت نتيجتها.
رفع رأسه أخيرًا، وهو يشعر بمزيج من الراحة والتوتر. الراحة لأنه استطاع التعبير عن مشاعره، والتوتر لأنه يعلم أن العواقب قد تكون أبعد مما يتصور. همس لنفسه بصوت بالكاد يُسمع: كان لازم أعمل كده! كان لازم بابا يعرف الحقيقة، وإلا كنا هندفع تمن غلط وذنب كبير إحنا مش قده.
ثم تمدد على سريره، وعيناه معلقتان بسقف الغرفة، يحاول تهدئة أفكاره المتسارعة، فيما كان قلبه يدق وكأنه يعزف لحن انتظار طويل.
في تلك الليلة التي كان القمر فيها مكتملًا، جلس عبد الرحيم بجوار الحصان في الحظيرة، يمرر يده على رأسه دون وعي، وكأنما يبحث عن إجابة لأسئلته الصامتة. كان قلبه يثقل أكثر مع كل لحظة تمضي، فقد كانت ملامح أمينة لا تفارق خياله، تلك الضحكة التي كانت تنير المكان حين تراه، تلك النظرات العفوية التي وقع في سحرها. لكنها الآن أصبحت لغيره، وكل حلم صغير رسمه في خياله بات مجرد سراب. شعر وكأن قلبه ينقسم إلى نصفين، نصف يعشقها بصدق، ونصف يدرك أن ما يتمناه قد أصبح مستحيلاً.
في الجانب الآخر، كانت أمينة تجلس في سريرها في غرفتها المتواضعة، تضفر شعرها الطويل بحركات بطيئة، وعيناها تتألقان ببريق الحب الصادق. حبها لصالح كان واضحًا، نقياً كالماء العذب، ولم تكن ترى في هذا العالم سوى وجهه. استحضرت في ذهنها كلماته وضحكاته، وصوته وهو يناديها بلطف. كانت تبتسم لنفسها، كأنما تداعب أحلامها الصغيرة التي باتت على وشك أن تتحقق.
أما نوال، فقد وقفت في شرفة غرفتها، ترتدي ثوبًا بسيطًا بينما يلامس النسيم وجهها. رفعت عينيها نحو القمر، لكنه لم يكن يشغلها بقدر ما كان صالح يملأ أفكارها. قلبها كان معلقًا به منذ أن أدركت معنى الحب، كانت تراه رجل أحلامها، فارسها الذي لا ترى سواه. لكنها شعرت بقبضة على قلبها، خوفاً مما يخبئه القدر. هل سيكون لها؟ أم سيأخذها هذا الحب إلى طريق لا رجعة منه؟
في تلك الليلة، اجتمع أربعة قلوب تحت قبة السماء، كل واحد منها يعيش قصته الخاصة. عبد الرحيم يتألم من حب مكتوم لا يستطيع البوح به. أمينة تعيش لحظات من السعادة والتطلع لمستقبل مع من تحب. نوال تحمل في قلبها حباً مريراً يطاردها بين الحقيقة والوهم. وصالح، الذي ربما لم يدرك بعد أنه محور هذه القلوب الثلاثة، يسير بخطوات ثقيلة نحو قدره.
كانت القصص مختلفة، منها ما كان محبباً يبعث الأمل، ومنها ما كان مؤلماً كجرح لا يلتئم. ولكن القمر ظل شامخاً في السماء، كأنه الشاهد الوحيد على هذه القلوب المعلقة بخيوط القدر.
ترك حسين البيت بهدوء، وكأن الحوائط ذاتها شعرت بثقل أفكاره وخطواته. خرج إلى الحديقة، حيث كانت شجرة العنب العتيقة تتوسط المكان، تلك الشجرة التي شهدت سنوات حياته الطويلة؛ أحلامه الصغيرة حين كان صبياً، وخيباته حين صار رجلاً. جلس تحت ظلها، متربعاً على الأرض الباردة، ورفع رأسه ليتأمل أوراقها المتراقصة تحت ضوء القمر.
كان كلام صالح يتردد في أذنيه كأصداء ضربات مطرقة، ثقيلًا وغير متوقع. لم يتخيل يومًا أن يسمع تلك الكلمات من ابنه، وأن يجد نفسه أمام مفترق طرق يهدد كل ما بناه في حياته: سامحني يا بابا، بس أنا مش هتجوز غير نوال بنت خالي. تلك العبارة وحدها كانت كفيلة بأن تقلب كيانه رأسًا على عقب.
حاول حسين وقتها السيطرة على غضبه، لكن الكلمات التالية التي نطقها صالح كانت أثقل وقعًا، وكفيلة بأن تسحقه تمامًا: أمينة دي تعتبر محرّمة عليّا من يوم ما أخويا عبد الرحيم قلبه بقى ميال ليها وحبها، وخد عهد على نفسه إنها هتكون أول وآخر حب ليه، وأنا الوحيد اللي عارف أنه بيحبها. مستحيل أخسر أخويا حتى لو مش هتجوز نهائيًا. عبد الرحيم بيحب أمينة يا بابا.
كلمات صالح سقطت كالصاعقة على حسين. الحقيقة التي كشفها ابنه لم تخطر بباله قط. كيف له أن يكون قد تصرف من تلقاء نفسه وحدد مصير أمينة وصالح، بينما عبد الرحيم يحمل في قلبه حبًا صادقًا لم يعلم به أحد؟ وكيف له الآن أن يواجه هذا الوضع، وقد بات قلب صالح معلقًا بنوال؟
أشعل حسين سيجارة، وسحب منها نفسًا عميقًا، وكأنه يحاول أن يملأ الفراغ الذي تركته الأفكار المتزاحمة في صدره. كانت الأفكار تتزاحم في رأسه، تتصارع وتطعن بعضها بعضًا. حاول تهدئة عقله، لكن صوت صالح ظل يتردد داخله كأنه يُعاد مرارًا وتكرارًا، كل كلمة تحمل معها ثقلًا لا يُحتمل.
كان يدرك أن صالح لم يعد صبياً صغيراً يمكن التحكم فيه، بل شاباً له قراراته وأحلامه. ومع ذلك، كان في داخله صراع مرير بين الأب الذي يريد سعادة ابنه، ورجل العائلة الذي يخشى العواقب والحديث الذي سيجري على ألسنة الناس. ومع كل هذا، كان هناك خوف آخر ينهش صدره: ماذا عن عبد الرحيم؟ عبد الرحيم، ابنه الأصغر، الذي طالما رآه في عينيه نقيًا كالندى، كيف سيحافظ على قلبه من الانكسار؟
كان حسين يعلم أن إبنه عبد الرحيم حساس، يحمل في داخله براءة صافية، ولكنها براءة قد تصبح هشّة أمام صدمة كهذه. عبد الرحيم لم يكن فقط ابنه، بل شريكًا في تفاصيل أيامه، الأقرب إلى قلبه رغم صمته وهدوئه. كان حسين يخشى أن يُخطئ في اتخاذ قراره فيفقده إلى الأبد.
:نوال بنت عبد الحميد؟ همس لنفسه مجددًا، وهو يفكر في أبعاد هذا الاختيار. لم يكن الأمر يتعلق بنوال نفسها، فهي ابنة رجل يحترمه، ورفيق قديم وابن عم عزيز، لكنه كان يخشى شيئًا آخر. نوال، تلك الفتاة التي نشأت في ظروف مختلفة،ومؤكد أن فيها شيء من التمرد الذي يخشاه حسين على عائلته.
رمى حسين السيجارة على الأرض وسحقها بكعب قدمه، ثم مال بجسده إلى الأمام وأسند مرفقيه على ركبتيه، غارقاً في التفكير. لم يكن حسين رجلاً قاسياً، لكنه كان شديد الحرص على أن تبقى عائلته متماسكة، خالية من أي مشاحنات أو مشاكل قد تأتي من زواج خارج حدود التوقعات.
رفع رأسه ونظر إلى السماء المليئة بالنجوم، وكأنه يبحث عن إجابة أو إشارة. تمتم بصوت خافت:
"وبعدين في الورطة الكبيرة دي!.كل ما أمشي لقدام خطوة حد يرجعني لورا ألف خطوة. محتار يا رب، محتار ومش عارف أعمل إيه؟ أول مرة أتحط جوة دايرة مش عارف أطلع منها، ولو طلعت يبقى أكيد هخسر حد غالي عليّا. ياهخسر اخويا عبد العزيز ابن أمي وأبويا، وأكسر بخاطر أمينة بنته! يا عبد الحميد عشرة عمري ونصي التاني، واللي مصدقنا أنه رجع يدور فينا على أهله وعزوته، بس ساعتها هيقول إنه ملوش مكان وسطنا.
ولا أخسر ابني؟ ابني عبد الرحيم اللي كاتم في قلبه وساكت، اتاريه كان بيتهرب مني علشان مايحضرش اتفاقنا وقراية الفاتحه، آه وجعتك يابني وربط الحبل على رقبتك وشديته على آخره ومحستش بيك.
ولا أخسر ابني الكبير، صالح اللي من صلبي وبقى راجل يملا العين ويسد عين الشمس. عشق وحب. وعينه بقت تلمع، وكمان وقف قدامي وقالهالي بالفُم المليان: أنت اللي ربيتني وعلمتني كيف بتكون المرجله، وقلتلي الراجل الصح يصالح.هو اللي يلتزم بكلمته مهما كانت، ولو حصل غير كده! يبقى ساعتها ابن حسين أبو قاسم مش راجل.
ظل حسين تحت الشجرة لساعات طويلة، حيث بدأ البرد يزحف ببطء إلى عظامه، لكنه لم يشعر به. كان ذهنه غارقًا في دوامة من الأفكار المتشابكة، لا يستطيع الهروب منها أو العثور على مخرج. كانت مشاعر الحيرة والقلق تتسابق داخل رأسه، بينما كانت تفاصيل حياته ومصير أسرته تتقاطع أمامه كخيالات شبحية، حتى كاد أن ينسى نفسه في وسط هذه المعركة الداخلية التي لا تنتهي.
في صباح اليوم التالي، أشرقت الشمس بهدوء، وحلت لحظة الوداع التي كان الجميع يترقبها. عبد الحميد كان يستعد للسفر، يحمل قلبه مزيجًا من الحنين والقلق. في أجواء مشحونة بالمشاعر، كان صبري، الذي لا يبدل وجهه، يكتفي بالصمت بينما حجازي وحامد يحاولان إخفاء الحزن خلف ابتسامات صادقة.
سميرة كانت الأكثر تأثّرًا، عيونها مليئة بالحزن وهي تراقب عبد الحميد، بينما حسين، الذي كان يبدو هادئًا ظاهريًا، كان قلبه مشغولًا بسبب ما حدث في اليوم السابق. أما والديه، عبد اللطيف وزاهية، فقد كانا يستعدان للوداع بقلوب مليئة بالمحبة. قبّل عبد الحميد يديهما، وقال لوالده:
ـ إن شاء الله يابا مش هتأخر عليك، هظبط شوية حاجات في الشغل وأقدم على طلب أجازه، واجيب البنات واجي، لازم تشوفهم ويشوفوك.
عبد اللطيف نظر إليه بعينين مليئتين بالفخر وقال:
ـ واني هستناكم يا ولدي. وقول للبنات، جدكم فرحان بيكم وإني مستنيهم يطلوا علينا بخير وسلامه.
حجازي وحامد، اللذان كانا قد عايشا اللحظات الصعبة معه، قدما له هدايا صغيرة: أطعمة من خير الدار، التي تم وضعها بعناية في سيارته. سميرة أيضًا كانت قد أعدت سلة مليئة بالفواكه الطازجة، وأعطته إياها بابتسامة حانية.
أما صالح، الذي أصبح الأقرب إلى عبد الحميد بعد كل ما مر به، وقف يلوح له وداعًا، وعيناه تسرقان نظرات خائفة من أبيه حسين، الذي كان يقف بالقرب منه. كان قلبه يثقل بالكلمات التي لم يستطع الإفصاح عنها، فابتسم بابتسامة خفيفة محاولًا إخفاء توتره، وقال بخجل:
ـ تروح وترجع بالسلامة يا خالي.
ركب عبد الحميد سيارته بحركة سريعة، وأدار المحرك بينما كان يلتفت نحو العائلة والأطفال الذين تجمعوا حوله. الأطفال يلوحون بأيدهم الصغيرة في وداعه، بينما كانت العيون تراقب سيارته تتلاشى في الأفق. العائلة وقفت وراءه، قلوبهم مليئة بالأمل والترقب، وكل منهم يتمنى أن يعود سريعًا. لكن الجو كان مشحونًا بالحزن، وكأن الرحيل يحمل معه شيئًا من الغموض والقلق.
كانت الشمس تتسلل بخيوطها الذهبية إلى الأرض، تضيء الحقول برقتها، بينما تغني العصافير ألحانها فوق الأشجار. أمينة كانت تسير بخطوات متسارعة، تحمل سلة الفطور في يديها. شعرها الأسود ينسدل تحت الوشاح على كتفيها ويلمع تحت أشعة الصباح، والهواء البارد يداعب وجنتيها، لكنها لم تهتم بشيء سوى الوصول إلى عائلتها في الحقل.
رأت عبد الرحيم من بعيد، مشغولًا بالفأس، يضرب الأرض بقوة. كان العرق يتصبب من جبينه، والشمس تبرز تفاصيل وجهه المتعب. توقفت على مسافة قصيرة ونادت بصوت يحمل رقتها المعتادة:
ـ عبد الرحيم! نادي على الرجالة علشان يفطروا. وتعالى أنت كمان.
رفع رأسه قليلًا، نظر إليها بنظرة عابرة، ثم عاد لشغله وكأنها لم تتحدث. صدمتها لا مبالاته، فتقدمت خطوتين، وضعت السلة على الأرض بضيق وقالت بحدة:
ـ جرا إيه يا عبد الرحيم؟ هو أنا مش بكلمك؟ مديني الطناش ليه؟
رفع عبد الرحيم رأسه ببطء، نظراته كانت ثقيلة كأنها تحمل عبئًا لا يُرى. مسح جبينه بكُمّه وقال بصوت جاف:
ـ عاوزة إيه يا أمينة؟ انتي مش شيفاني شغال؟ أمشي من قدامي.
اتسعت عيناها دهشة، لكنها تماسكت وقالت بإصرار:
ـ هعوز منك إيه إن شاء الله؟ اني بقولك نادي على الرجالة وتعالى. جبتلكم الفطور.
رد عليها بعدم اكتراث:
ـ ومتناديش عليهم انتي ليه؟ هو أنا شغال عندك وأنا معرفش؟
انفعلت أمينة، وقطبت حاجبيها وقالت بغضب:
ـ اللاه مالك يا عبد الرحيم؟ بتكلمني كده ليه؟ بقالك كام يوم متغير عليا! هو أنا عملت حاجة ضايقتك؟ ولا إنت مش عاوز تكلمني تاني؟
ترك عبد الرحيم الفأس، وسار نحو حافة الأرض، جلس بهدوء على التراب المبلل، ودفن وجهه بين يديه، ثم نظر بعيداً. أمينة، وقد شعرت بحدة التغيير في نبرته وتصرفاته، اقتربت وجلست على مسافة آمنة منه، تحاول فهم ما يحدث.
ـ مالك يا بن عمي؟ اتغيرت كده ليه؟ لأ، مش أنت عبد الرحيم اللي أعرفه.
أدار إليها رأسه، ونظر إليها نظرة مثقلة بالهموم وقال:
ـ وياترى تعرفي إيه عن عبد الرحيم يا أمينة؟
ابتسمت، وبدأت تتحدث بصوت ملؤه الحنين:
ـ "أعرف إن قلبه كبير، وبيحب الضحك ويهزر، بيحب عمه إسماعيل ويقضي معاه الليل والنهار في الضحك والهزار، بيساعد أي حد محتاج، دايمًا كنت أول واحد يجري عليا لما يشوفني شايلة حاجة تقيلة. وتقولي: عنك انتي يا بنت عمي.' ويحمل همي ويشيل عني اي حاجه.وكان يجيبلنا من البندر كل حاجة حلوة. فاكر الشال اللي جبتهولي آخر مرة؟ كان شال مطرز وقلت هلبسه في العيد وفرحت بيه قوي. بس دلوقتي. مش أنت عبد الرحيم اللي كلنا نعرفه. في حاجه مغيراك من ناحيتنا.إيه اللي حصل؟ يخليك مش عاوز تتحدت مع حد؟
عبد الرحيم لم يرد. نظر بعيدًا، والصمت كان سيد الموقف، لكنه قطع السكون بنبرة مليئة بالوجع:
ـ وياريت اللي عملته وياكي ده جاب نتيجة. ما نابني غير وجع القلب وحر.قة الد.م.
ثم أضاف، وصوته يعلو بشيء من الغضب المكبوت:
ـ بقولك إيه؟ اني مش عاوز أتكلم معاكي تاني. ايه؟ مش اتقرا فاتحتك على صالح أخويا؟ خلاص. روحي لعنده، ومالكيش صالح بيا تاني. من النهارده أنا ماليش كلام معاكي. وعبد الرحيم ده كأنه مش من العيله خالص.فاهمة ولا لأ؟
كلماته سقطت كالصاعقة على قلب أمينة. شعرت وكأن الأرض تهتز من تحتها. لكنها قرأت شيئًا مختلفًا في عينيه. غيرته، ذلك البريق الذي حاول إخفاءه. أدركت الحقيقة، حقيقة مشاعره المدفونة التي حاول الهروب منها، لكنه كشفها بلحظة ضعف.
اتسعت عيناها، وصوتها خفت وهي تقول:
ـ "عبد الرحيم، أنت بتقول إيه؟
لكنه لم يُجب. قام من مكانه وأدار ظهره لها، ليتركها مع مشاعر مختلطة من الصدمة والدهشة.
كانت صباح تقف في الحوش الخلفي للدار، عينها تتبع صالح وسميرة وهما يتحدثان معًا في زاوية بعيدة. كلما نظرت إليهما، كان قلبها يشتعل بالغضب. كيف يجرؤ صالح على أن يترك ابنتها ليتزوج من فتاة أخرى؟ كيف يعبث بمشاعر أمينة بهذه الطريقة؟ كان الغضب يكاد ينفجر منها، لكنها كانت تعلم جيدًا أن هذا الغضب لن يجلب لابنتها إلا العواقب.
تذكرت تهديد عبد العزيز لها، الذي قال لها بحزم: "إذا تفوهتِ بكلمة واحدة عن الأمر، سينكسر قلب أمينة، وستصبح سيرتها حديث كل أهل البلدة، وستتحطم سمعتها ولن يكون هناك رجوع." كان كلامه كالسيف الذي قطع لسانها، وكانت تعرف أنها إذا فتحت فمها، ستؤذي ابنتها بلا رحمة.
فوق كل ذلك، كانت صباح تحب أمينة أكثر من نفسها، ولا يمكنها أن تتحمل فكرة أن يتألم قلب ابنتها بسبب أي شيء قد يصدر منها. لذا، على الرغم من الغضب الذي كان يكاد يفتك بها، تضع جمرًا في فمها وتبتلع كل كلمة كانت على وشك الخروج. تلتزم الصمت، فالحفاظ على هدوء الأمور هو ما يراه عبد العزيز الحل الوحيد.
عاد عبد الحميد إلى شقته في القاهرة بعد فترة غياب قصيرة، لكن العودة كانت مليئة بالفرح والترحيب. البواب كان قد حمل السلال الثقيلة التي أرسلتها له عائلتة، ووصل بها إلى باب الشقة، حيث كان بناته في انتظاره. بمجرد أن دخل، انطلقت ضحكاتهن وأصواتهن في أرجاء البيت، ولم يتمكنَّ من كبح فرحتهن. جرت نوال، أولاً نحو والدها، ثم تبعتها كريمة، أما ناديه، فقد احتضنته بشدة وكأنها لم تراه منذ سنوات.
كانت العيون تلمع بالحب والحنين، والقلوب تفيض بالمشاعر. لم يكن مجرد استقبال عادي، بل كان احتفالًا بعودته، حيث كان كل شيء يبدو وكأن الوقت قد توقف ليعيد ترتيب نفسه من جديد. جلس عبد الحميد في الصالون، واستقبل كل واحدة منهن بمودة، فجلست نوال إلى يمينه، بينما وضعت كريمة رأسها على ركبته. ناديه، التي كانت تراقب المشهد بكل اهتمام، جلست مقابل والدها، وكانت الأسئلة تتناثر من جميع الاتجاهات.
كان الجو مليئًا بالبهجة، وكل واحدة من بناته كانت تشعر بفرحة عميقة لعودته، كما كانوا متحمسين لسماع تفاصيل الرحلة. ثم أخبرهن عبد الحميد عن خطته القادمة، حيث سيقدم طلب إجازة طويلة ويأخذهن إلى البلد في الأسبوع المقبل ليتعرفن على عائلتهم الجديدة. كانت نوال أكثر من غيرها متحمسة، فهي كانت تنتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر، خاصةً أنها ستلتقي بصالح وكأنها أول مرة.
كان عبد العزيز منشغلاً وسط الأرض، يتصبب عرقًا تحت حرارة الظهيرة القاسية. الشمس ساطعة، وتسلط أشعتها على وجهه وجسمه، لكنه لم يكن يعبأ بها. كان يرفع حزمة القطن الثقيلة واحدة تلو الأخرى، ويضعها في العربة الكارو التي تنتظر خلفه، مملوءة بالأمل في أن تنتهي هذه المهمة سريعًا. هو يعلم أن العمل طويل، ولكنه كان معتادًا عليه.
خطواته ثقيلة تحت ثقل الحمولات، لكنه كان يعرف أن عليه إتمام عمله اليومي. كلما امتلأت العربة، عاد ليجمع المزيد من القطن من أرضه، بينما الغبار يتناثر حوله من كل زاوية. كان عبد العزيز يعمل بهمة، والعرق يبلل ثيابه القديمة.
فجأة، صمتت الأرض المحيطة به، ليأتي صوت نداء من بعيد. كان الصوت هو صوت حسين، ينادي عليه. انتفض عبد العزيز في مكانه، وساد في صدره إحساس غريب. نظر نحو المكان الذي جاء منه الصوت، كان ينتظره تحت شجرة الجميز، فشعر بشيء غريب في قلبه. كان يعرف أن أخاه لا يناديه إلا لأمر هام، وعقله بدأ يتساءل: "هل هذا هو الوقت الذي ينتظر فيه حسين ليتحدث معه عن رفض صالح لابنته؟
نفض عبد العزيز يديه من التراب، ووضع آخر حزمة قطن في العربة. قلبه كان في حالة انقباض، كأنما يعلم أن ما سيحدث بعد هذا النداء قد يغير مجرى الأمور في العائلة كلها. فهل سيحمل له حسين خبرًا عن عدم إكمال تلك الزيجة، أم سيكون حديثًا آخر ليس له علاقة بما يقلقه؟
أخذ نفسًا عميقًا، ثم بدأ يخطو في اتجاه شجرة الجميز، وقد امتلأ قلبه بالترقب.
وقفت سميرة أمام صالح في غرفة الجلوس بالبيت الكبير، وجهها شاحب من الصدمة، عيناها مليئتان بالدهشة والقلق. لطمت على وجهها بيدها، كأنها لا تصدق ما سمعته، وكأن الكلام الذي خرج من فم صالح كان أشبه بالضربة القوية التي تهز كيانها.
قالت بصوت مرتجف، وفيه صدمة واضحة:
ـ ياليلة مش فايته! قلت لابوك على كل حاجة يا صالح؟
رد صالح بهدوء، ولكن كلمات والده كانت تتردد في أذنه كما لو كانت سكا.كين حا.دة:
ـ أيوه يا أمي، أنا قلتله على كل حاجة، لان ما كانش قدامي اي حل تاني. وزي ما قلتلك، عمري ما هرجع في كلمتي.
صر.خت سميرة بانفعال، وأعينها تكاد تشتعل من الغضب:
ـ انت كمان هتبجح في كلامك؟ وكلمتك دي هتمشيها على أبوك؟
تنهد صالح ببطء، وهو يشعر بعبء الكلمة على قلبه، وحاول أن يشرح لها بصدق:
ـ يا أمي، الله يخليكي، افهميني.
لكنها قاطعته بغضب شديد، وهي تضرب يدها على الطاولة:
ـ بلا افهمي بلا ما تفهميش! ايه خلاص؟ كبرت وبقيت دكتور وهتكبر على أبوك ولا ايه؟وابوك أكتر واحد شايف مصلحتك وادرى بيها.هتقوله لا؟
تعجب صالح من رد فعلها، وأجاب بتساؤل:
ـ المفروض تكوني فرحانه، لأني عايز اتجوز بنت أخوكي.
سكتت قليلاً، تتأمل كلماته في صمت، ثم قالت بصوت هادئ:
ـ اكدب عليك لو قلتلك ما فرحتش. وكان نفسي ده يحصل، بس كان قبل مالرجاله تربط كلام ويقروا فاتحتك على أمينة بنت عمك. يعني كده خلاص، د كلام رجالة، والموضوع دخل في الجد،واللي حصل حصل.
نظر صالح أمامه وقال بثقة:
ـ صدقيني يا أمي، مش هيحصل.
شهقت سميرة وقالت بلهجة غاضبة، وهي تضرب على صدرها:
ـ يامصيبتي السوده، انت عايز أبوك وعمك عبد العزيز يعادوا بعض؟ دي عمرها ما حصلت ولا هتحصل! دي مرات عمك تقيد الدار حر.يقه وهيبقى ليها الحق، تسيب بتها بعد سنه من قراية فتحتها؟
ثم أضافت بترجي:
"الله يهديك يابني، ارجع لعقلك وكلم نوال،وقولها كل شيء نصيب. احنا نقدر على نوال، بس ما نقدرش على فراق الأخوات يا حبيبي.
لكن صالح نظر إليها بتحدي وقال:
ـ آنتوا اللي غلطتوا يا أمي. لما فكرتوا تتفقوا على جوازي من ورايا، يعني المفروض الغلطه دي متحملهاش، كان المفروض تاخدوا رأيي وتستنوا لما أنزل الاجازه، وكنا هنوصل لحل أبسط من التعقيدات دي بكتير، وبعدين فات الاوان خلاص، خالي عبد الحميد يعرف بكل حاجة. ومستني بابا يفتح معاه الموضوع.
لطمت سميرة على وجهها مرة أخرى، وكأنها وجدت طريقًا مغلقًا في وجهها، وقالت:
ـ يمرك يا سميرة، يا حظك الأسود يا سميرة، بقى ما صدقنا أخويا يرجع بعد غيبه ودارنا تتلم، تقوم الدنيا كلها تتكركب فوق دماغنا والكل يتفرق. أعمل إيه وأسوي إيه يا ربي؟
امسك صالح كتفيها بلطف، وقال بتروي:
ـ اهدي يا ماما من فضلك، أنت مش كل اللي يهمك إن بابا وعمي عبد العزيز ما يزعلوش من بعض؟ ومتحصلش أي مشاكل؟
اجابته بلهفة:
ـ أيوه، طبعا.
قال صالح بهدوء وقوة، وهو يضع خطته في ذهنه:
ـ خلاص، سيبي كل حاجة عليا. وأنا من دلوقتي اللي هخطط واصلح كل حاجة كانت هتتكـ.ـسر بسببي.
قطبت عينيها وقالت بحيرة:
ـ ناوى على إيه يابن بطني؟
نظر صالح أمامه بتركيز وقال:
ـ ناوي أخلي العيلة متماسكة أكتر من الأول يا أمي، مش صالح ابن حسين أبو قاسم اللي يفرق الأخوات عن بعض.
في عيني صالح كان هناك إصرار قوي، كأنما قرر أن يواجه كل التحديات مهما كانت. رغم كل الصعوبات التي كانت تلوح في الأفق، كان في قلبه يقين أن العائلة يجب أن تبقى متماسكة، مهما كلفه ذلك.