رواية لا تترك يدي الفصل الرابع والعشرون 24 بقلم هند رفاعي


 رواية لا تترك يدي الفصل الرابع والعشرون 

وصل خالد لمنزل الحاج إبراهيم والقلق تمكن منه بالكامل بالاخص عندما أستقبله صالح ابن عمه من محطة القطار وليس عمه كالعادة. سأل صالح أكثر من مرة عما حدث ولكنه لم يجيبه إجابة صريحة. أستقبلته زوجه عمه بالترحاب وسألها خالد على الفور عن عمه.
"الف حمد الله على السلامة يا خالد. أمال البت مريم فين؟"
"الله يسلمك يا مرات عمي. مريم مراتي في البيت هناك. ما حبتش أتعبها في السفر. هو عمي فين؟"
"عمك جوة راقد في سريره من كام يوم. أدخل شوفه يمكن روحه ترد لما يشوفك."
ألتفت خالد لصالح وسأله بهلع وهو يتوجه لغرفة عمه.
"نعم! هو عمي ماله؟"
"ما تقلقش يا ولد عمي. السكر بس عالي عليه شوية."
دخل خالد غرفة إبراهيم وجرى عليه وأنحنى يقبل يده.
"سلامتك ألف سلامة يا عمي. مالك بعد الشر عليك؟"
ربت إبراهيم على ظهر خالد ورفع رأسه وأحتضنه بشدة.
"الله يسلمك يا ابن الغالي. أنا بخير ما تقلقش علي."
"شد حيلك يا عمي. ما تقلقناش عليك."
"ما تقلقش يا ولدي. كله مقدر ومكتوب. والأعمار بيد الله."
لمعت عين خالد وقال لعمه.
"ما تقولش كدة يا عمي. أنت اللي فاضل لي. ربنا يبارك لنا في عمرك."
"الخير والبركة فيك يا ولدي. ربنا بس يحسن ختامنا."
دخلت سعاد وقاطعتهم.
"العشاء جاهز يا خالد. تعالى كل لك لقمة. تلاقيك جعان."
"ماليش نفس يا مرات عمي. شكرا خالص."
"سيبينا لوحدنا يا أم صالح. عاوز أتحدت مع خالد شوية."
"براحتكم."
خرجت سعاد من الغرفة وأغلقت الباب بعدما أمرها زوجها.
"خير يا عمي. في أيه؟"
"خير إن شاء الله يا ولدي. بص يا خالد. في موضوع كنت عاوز أتكلم معك فيه من زمان لكن كنت مستني لما تكمل السن القانونية وأسلمك كل أملاكك. لكن شكل الأجل قرب وإحتمال ما أقدرش أستنى."
"ربنا يطول في عمرك يا عمي. أنا مش عاوز أي حاجة غير حسك في الدنيا."
"ربنا يبارك فيك يا ولدي. لكن ده حقوق وأنا مش عاوز أقابل ربنا وحق حد في رقبتي."
"خير يا عمي؟"
"جدك الله يرحمه قبل ما يموت غلط غلطة كبيرة قوي."
"غلطة أيه يا عمي؟"
"أصبر وما تقاطعنيش. أنا بأتكلم بالعافية يا ولدي."
"أسف يا عمي. كمل حضرتك."
"جدك كان عاوزنا أنا وأبوك نتجوز بنات عمنا. أنا أتجوزت سماح أم صالح الله يرحمها وكان المفروض أبوك يتجوز سعاد. لكن أبوك رفض لأن سعاد كانت صغيرة وقتها وكمان أبوك كان عاوز يتعلم ويكمل تعليمه. جدك قرر يعاقبه علشان أبوك خالف كلمته فكتب كل أملاكه بأسمي. وأتوفى بعدها بشهرين وبعدها بسنة حصلته مرات عمك سماح وهي بتولد صالح. حاولت أرجع لأبوك نصيبه ولكنه رفض. قال أن اللي رفض أبوه يديه له مش عاوزه. أنا حسبت نصيب أبوك وأشتريت أرض هنا في البلد. كنت بالعافية أديله ريع الأرض ده يصرف منها. لكن لما بنى الفندق بتاعه وبدأ شغله وربنا فتحها عليه رفض ياخد مني فلوس تاني. مهما حاولت أقنعه أن الفلوس بتاعته هو أصلا.
"المهم دلوقت الأرض ده أنا بقيت أخد ريعها وأحطه فيها. لغاية دلوقت لما وصلت لخمسين فدان. محدش يعرف أن الأرض ده بتاعة أبوك غيري أنا وصالح. كنت ناوي أكتبها لك وقت لما تستلم كل أملاكك. لكن خوفت أموت والموضوع ده يموت معي. فقولت لازم أجيبك وأقولك أني نقلت ملكية الأرض لك وإن شاء الله بكرة نروح نسجلها في الشهر العقاري."
"ممكن أتكلم يا عمي؟"
"طبعا يا ولدي."
"أنا مش عارف أشكرك أزاي أنك محافظ على ورث أبويا لغاية دلوقت. لكن يا عمي أعذرني. مدام أبويا رفض ياخدها أنا مش هأقدر أخدها."
"يا خالد. أنت مش بتتنازل عن حقك في ورث جدك. أنت بتتنازل عن حق مراتك وولادك من بعدك."
"يا عمي أرجوك ما تضغطش علي. أنا مش هأقدر أخالف أبويا."
"وإن كان أبوك غلط في تنازله عن حقه. أنت كمان تعمل نفس الغلطة زيه."
"يا عمي. أنا عمري ما خالفت كلمة لأبويا لا هو عايش ولا بعد ما مات. أرجوك يا عمي مش هأقدر أخالفه."
نظر له إبراهيم بحزن.
"يعني هتخالف كلمتي أنا يا خالد. يا ولدي أنا مش هأرتاح في قبري وأنا عارف أن حقك وحق أولادك في رقبتي. الله وحده عالم أنا أزاي حافظت على ورث أبوك طول السنين ده وما دخلتش منه قرش واحد في بيتي. وإن كان على صالح أنا متأكد أنه هيعمل زيي بالظبط. لكن أنا خايف من مرات عمك وأولادها يطمعوا في حقك يا ولدي وما تقدرش تاخده منهم. وافق علشان أرتاح في نومتي وأقابل وجه كريم وأنا نظيف. أنا حاسس أن الأرض ده زي الطوق الحديد اللي لافف حولين رقبتي. مش هأعرف أرفع راسي يوم الحساب بسببها. لو عاوز عمك يتعذب في تربته ما تاخدهاش."
"يا عمي ما تقولش كدة. أرجوك يا عمي ما تزعلش مني."
"أنا قولت كلمتي يا خالد. لو ما جتش معي بكرة للشهر العقاري تشهد على نقل الملكية بأسمك مش هأرتاح في نومتي."
"حاضر يا عمي اللي تشوفه."
"الله يرضى عنك يا ولدي ويريح قلبك وبالك. قول لي بقى أخبار مريم أيه. وما جاتش معك ليه. كنت عاوز أشوفها قبل ما أموت."
"بعد الشر عليك يا عمي. هي كويسة. أنا بس جيت بسرعة لما حضرتك كلمتني وما لحقتش أخدها معي."
"يعني هملتها لوحدها في الشقة الطويلة ده يا خالد؟"
"ما تقلقش يا عمي. معها واحدة جارتنا بتحبها قوي زي بنتها ومش هتسيبها لوحدها خالص."
"طيب يا ولدي زي ما تحب. لكن بجد أنا عاوز أشوفها."
"خلاص يا عمي بعد ما نخلص مشوارنا بكرة أروح أنا وأجيبها لك هنا تسلم عليك وتحب على يدك كمان."
"ربنا يبارك فيك يا ولدي ويسعدكم يا رب. قوم بقى كل لقمة وارتاح من السفر علشان بكرة الصبح إن شاء الله أنزل أنا وأنت وصالح أسيوط نخلص المصلحة ده. لكن يا خالد أوعاك حد يسمع حاجة ولا يعرف حاجة عن المشوار ده. لو مرات عمك عرفت هتعمل مشاكل وأنا زي ما أنت شايف لا في صحة ولا بال زي زمان."
"حاضر يا عمي ما تقلقش."
* * *
ظلت مريم عند فريدة طوال النهار يتحدثان ويتسامران معا. بعدما صليا العشاء وسمعت فريدة لمريم ما حفظت من كتاب الله. أستأذنتها مريم للعودة لشقتها للمبيت. أعترضت فريدة ورفضت أن تترك مريم تبيت ليلتها في شقة بمفردها ولكن مريم أصرت لتنفيذ أوامر خالد. فهو سمح لها أن تبيت مع فريدة ولكنه فضل أن تبيت في شقتها. بعدما يئست فريدة من إقناعها تركتها تذهب لشقتها.
دخلت مريم شقتها وجدتها مظلمة باردة موحشة بدون زوجها بها. قبض قلبها من السكون ورجفت عظامها من إحساسها بالوحدة. دخلت غرفتها ورقدت على سريرها واستجدت النوم وترجته أن يغشاها. ولكن بلا فائدة فكلما أغمضت عينيها يهيأ لها أنها سمعت صوت ما وكلما فتحت عينيها يخيل لها خيال ما في الظلام. نهضت من مرقدها وأنارت كل أنوار الشقة. مسكت محمولها الذي أهداه إليها خالد بعد زواجهما وهمت للإتصال به ولكنها عزفت عن الإتصال قبلما أن تضغط على زر الإتصال. قالت لنفسها.
مش هينفع أتصل به دلوقت. زمانه راجع من السفر تعبان ونام على طول. يا ربي أعمل أيه مش عارفة أنام وأنا لوحدي كدة. أحسن حاجة أشغل قرآن. مفيش حاجة هتخوفني مدام القرآن شغال.
توجهت مريم لغرفة خالد وشغلت الحاسوب الخاص به وأستمعت لسورة البقرة بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد. تمددت على سرير خالد وهي تستمع لصوت المقرئ الذي يسري في جسدها بأكمله ينتقل بها من بحر التوتر والخوف المتلاطم لبر السكينة والآمان والإطمئنان. أغلقت عينيها وأستسلمت لنوم هانئ على سرير زوجها والتفت بغطائه تستنشق رائحته.
في الصباح ذهبت لشقة السيدة فريدة ليتناولا معا وجبة الإفطار. ابتسمت فريدة عندما رأتها على الباب تحمل صينية عليها بعض أصناف الطعام.
"تعالي يا مريم. أيه يا بنتي اللي جايباه ده؟"
دخلت مريم ووضعت الصينية على المنضدة وقالت لها.
"أوعي تقولي أنك فطرت. أنا مش هأعرف أفطر لوحدي."
"لا يا ستي لسة ما فطرتش. مستنياك. لكن عينيك منفخة كدة ليه؟ ما عرفتيش تنامي إمبارح صح؟"
جلست مريم على كرسي أمام السفرة وقالت لها.
"بصراحة لا. ما عرفتش أنام غير لما نورت الشقة كلها وشغلت قرآن."
جلست فريدة بجوارها وقالت لها وسط ضحكاتها.
"مش قولت لك نامي هنا معي."
"سيبك من الكلام ده. خدي دواك علشان أنا جعانة قوي."
"حاضر يا ستي."
نهضت فريدة ودخلت غرفتها لتحضر الدواء. وعادت بعد دقائق قليلة.
"مش لاقية الدواء. كلي أنت وأنا هأشوف عم علي يشتري لي الدواء علشان ما ينفعش أكل من غير ما أخد الدواء."
"طيب ما تنادي على عم علي. وأنا هأستناك لما يجيب الدوا وناكل مع بعض."
توجهت فريدة للهاتف الداخلي وضغطت على الزر لتتحدث مع البواب. أتاها صوت زوجته أم مصطفى. طلبت منها أن تجعل علي يصعد لها لتعطيه أسم الدواء ليشتريه ولكن أم مصطفى أجابتها أن علي ذهب ليلبي طلب أحد السكان وربما يتأخر. التفتت فريدة لمريم وقالت لها.
"كلي أنت يا مريم علي شكله هيتأخر. وأم مصطفى مش هينفع تسيب العيال لوحدهم وتخرج."
"طيب هاتي أسم الدوا وأروح أنا أشتريه."
"بلاش يا بنتي كلي أنت لو جعانة وأنا هأستنى علي لما يرجع."
أنتظرا معا لمدة ساعة ثم أخذت مريم أسم الدواء من السيدة فريدة ونزلت تشتري الدواء من الصيدلية الموجودة في العمارة المجاورة. سألت مريم على الدواء ولكن الصيدلي أخبرها بعدم توفره ووصف لها صيدلية أخرى تبعد شارعين عنهم. توجهت لها مريم لشراء الدواء للسيدة فريدة.
* * *
ذهب الحاج إبراهيم وابنه صالح وابن أخيه خالد إلى الشهر العقاري وسجل ملكية الأرض بأسم خالد مثلما أراد وشهد على العقد خالد وصالح. أرتاح الحاج إبراهيم بهذه الخطوة وأخذهما وتوجه إلى الأرض ليريها لخالد ويعرفه ملكه وحدود أرضه. أعطاه أوراق الأرض وكل ما يثبت أحقيته فيها. وطلب منه الإحتفاظ بهذه الأوراق معه في منزله في القاهرة. عادوا جميعا لمنزل إبراهيم وتناولا معا الغذاء وتبادلوا أطراف الحديث وأخبارهم. قطع ضحكاتهم وحديثهم صوت هاتف خالد. تلقى الإتصال وكانت السيدة فريدة.
"أل...ني....ا...الد."
نهض خالد وضع يده على اذنه الأخرى وصاح في الهاتف.
"مش سامعك يا طنط فريدة. دقيقة أطلع برا علشان الشبكة."
صعد خالد للسطح وأستأنف حديثه مع فريدة.
"أيوة يا طنط أنا سامعك دلوقت. في أيه؟ أنت كويسة؟ مريم كويسة؟"
فزع خالد عندما أجابته وسط شهقات بكاءها.
"ألحقني.. يا ... خالد."
"في أيه يا طنط؟ حصل أيه؟"
"مريم خرجت من الصبح وما رجعتش لغاية دلوقت."

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1