رواية لا تترك يدي الفصل السابع والعشرون 27 بقلم هند رفاعي


 رواية لا تترك يدي الفصل السابع والعشرون

بعدما أنهيا صلاتهما نظر خالد لمريم وجد نظرة الفزع والخوف مازالت على وجهها. جز على أسنانه وأقترب منها وأحتضنها. حاول على قدر المستطاع أن يشعرها بالآمان وأنها معه في منزلهم. بعد فترة ذكرها بالسيدة فريدة وقلقها عليها. عرض عليها أن يزوراها لتطمئن على مريم. ولكن مريم تشبثت به ورفضت الخروج من الشقة أو حتى التحرك من حضنه. فأتصل هو بالسيدة فريدة وطلب منها أن تأتي لهما.
بعد بضع دقائق سمعا جرس الباب. حاول خالد الإنسحاب من جانب مريم ولكنها تشبثت به أكثر. فنهض وأخذها معه وتحرك بها للباب. عندما فتحا الباب وجدا السيدة فريدة ووجهها مليئ بالدموع وعينيها متورمتان من البكاء. أقتربت فريدة من مريم ومسكت ذراعها بحنان لتأخذها في حضنها. انتقلت مريم من حضن زوجها لحضن أمها. بكيا معا الأم وابنتها. اقترب خالد منهما وملس على ظهر مريم لتهدئتها. تمتمت فريدة بكلمات الإعتذار وهي مستمرة في البكاء.
"أنا أسفة خالص يا حبيبتي. سامحيني. أنا مش قادرة أسامح نفسي. لو كان جرى لك حاجة أنا كنت أموت. أنا أسفة. أسفة."
"ما تلوميش نفسك يا طنط. ده نصيب. قدر الله وما شاء فعل. الحمد لله مريم رجعت لنا بالسلامة."
رفعت فريدة رأسها من حضن مريم وقالت لخالد والدمع ينهمر من عيونها العسلية الحانية.
"سامحني يا خالد. ما كنتش أعرف أن ده هيحصل. سامحني يا ابني."
"خلاص يا طنط. حصل خير. أنتم هتفضلوا واقفين كدة تعيطوا كتير. أقعدوا بقى."
سحب خالد مريم من حضن فريدة وتوجه بها للكنبة وهو محاوطها بذراعه. أجلسها وجلس بجوارها واندست هي في صدره. جلست فريدة على الكرسي المقابل لهم وسألتهما.
"هو أيه اللي حصل؟ ومريم كانت فين من أمبارح؟"
نظر خالد لمريم يسألها بعينه إذا كانت مستعدة للكلام ولكنها هربت من نظرته ونظرت للاسفل.
"مش مشكلة ايه اللي حصل. المهم أنها هنا وبخير دلوقت. أنا بصراحة جعــــــان جدا. معلش يا طنط تاخدي مريم وتجهزي لنا أكل. أنا ما أكلتش من إمبارح الصبح."
وقفت فريدة ومدت يدها لمريم لتأخذها من حضن خالد ولكنها ألتصقت به أكثر ولم تتركه. نظر لها خالد بحنان وضمها إليه أكثر ليبثها الآمان والسكينة ونظر لفريدة معتذرا لتصرف مريم. أجابته فريدة بنظرة تفهم وتوجهت للمطبخ. بعد نصف ساعة من السكون بين خالد ومريم ظهرت فريدة من المطبخ وسألت خالد.
"تحب تأكلوا مكانكم ولا على السفرة؟"
أراد خالد أن تعود مريم لطبيعتها وأن تتحرك قليلا ففضل أختيار السفرة.
"لا على السفرة أحسن."
رصت فريدة أطباق الطعام الشهية على السفرة ونهض خالد ومعه مريم وتوجه للسفرة أجلسها على كرسي ونظرات الفزع عاودتها لحظة ما انفصلت عن حضنه. جلس بجوارها وأحتوى كفها الصغير في يده. نظر للطعام وقال لها.
"الله على الريحة. تسلم ايدك يا طنط."
"ألف هنا وشفا يا ابني."
أخذ خالد شوكة محاطة بالمعكرونة وقربها من فم مريم.
"خدي دوقي كدة يا مريم. طنط عاملة تشيز مكاروني رهيبة. يا ريت تتعلمي منها الوصفة."
سمت مريم بالله وألتقمت مريم الشوكة في فمها وبدات تأكل. ظلت مريم طوال الوقت متشبثة بكفيها الاثنان في يد خالد اليسرى وخالد يأكل ويطعمها بيده اليمنى. بعدما أنتهيا من الطعام رفعت السيدة فريدة الأطباق وأستأذنتهم لتعود لشقتها فقد لاحظت إحتياج مريم لزوجها فقط.
بعد خروج فريدة حاول خالد تشتيت مريم عما حدث لها فجلسا يشاهدان فيلما ولكن مريم كانت سارحة طول الوقت ولم ترى أيا من المشاهد امامها. فعرض عليها خالد أن يخلدا للنوم خاصة أنه لم ينم لليلتين على التوالي. أخذها خالد لغرفتها وساعدها لتستلقي على السرير وفرد الغطاء عليها وعندما استدار ليخرج من غرفتها قبضت مريم على يده بقوة ونظرت له بهلع وخوف. فحاول طمئنتها وقال لها.
"ما تخافيش هأروح بس اغير هدومي وأجي جنبك."
هزت مريم رأسها بالنفي ولم تترك يده وقالت له بصوت منخفض.
"ما تسبنيش."
"هغير هدومي بس. أنا بقالي يومين باللبس ده."
نفضت مريم الغطاء من عليها وقالت له.
"خدني معك. ما تسبنيش."
تنهد خالد وقال لها.
"تعالي يا ستي. أغير هدومي وننام على طول."
بدل خالد ملابسه وخلدا سريعا الإثنان لنوم عميق في غرفة مريم. بعد ساعة أو أثنين شعر خالد بحركة مريم المضطربة بجواره فتح عينيه ووجدها تتصبب عرقا وعلامات التوتر والانزعاج جلية على وجهها العابس. قربها منه وأخذها في حضنه وقبل جبينها وهمس في أذنها ليطمئنها بوجوده جوارها حتى هدأت وأستسلمت للنوم ثانيا. تكرر هذا المشهد أكثر من مرة حتى صباح اليوم التالي.
في الفجر فضل خالد الصلاة في المنزل مع مريم جماعة عن الصلاة في الجامع حتى لا يتركها بمفردها. بعدما صليا وأنهيا وردهما من القرآن أخذها وذهبا لشقة السيدة فريدة.
"صباح الخير يا طنط. معلش هنغلس عليك. هنفطر معك النهاردة."
سمحت فريدة لهما بالدخول وقالت مرحبةً.
"ما تقولش كدة يا خالد. أنا مش بحب أكل لوحدي من يوم ما مريم أتعودت تفطر معي."
"ربنا يخليك لنا يا طنط. روحي يا مريم جهزي الفطار مع طنط. ما ينفعش نقعد كدة وهي تجهز لنا الفطار."
نظرت مريم له تترجاه ألا يتركها.
"مش مشكلة يا خالد. الفطار تقريبا جاهز. خليها براحتها."
"طيب أنا هأجي أساعدك يا طنط. خليك أنت هنا يا مريم وانا هأدخل مع طنط المطبخ."
تحرك خالد خطوتين إتجاه المطبخ ولكن مريم لم تتركه. نظر لها خالد مبتسما وتوجه بها للمطبخ. حاول مساعدة السيدة فريدة ومريم متشبثة بذراعه ولم يستطع الحركة فقال لها.
"مريم حبيبتي مش عارف أقطع الخيار وأنت ماسكة في كدة. خليك واقفة جنبي لكن سيبيني أتحرك."
نظرت له مريم بحزن وتركت ذراعه ولكنها وقفت ملاصقة له. بعد دقيقة قال لها زوجها.
"مريم ناوليني الخس والجرجير من جنبك علشان أغسلهم."
تحركت مريم خطوتين وناولته ما يريد. نظر خالد للسيدة فريدة وأشار لها بعينه أن تتركهما في المطبخ معا. وطلب خالد من مريم المساعدة في تجهيز الطعام وجعلها تتحرك بحرية حوله في المطبخ. بعدما أنهيا تجهيز الطعام توجها به للسفرة في الخارج وجلسا مع السيدة فريدة يتناولا الطعام.
بدأ خالد الحديث مع السيدة فريدة في أمور شتى وإلقاء النكات وقص المواقف الكوميدية التي مر بها مع اصدقائه في النادي أو المدرسة. بدأت مريم تستمع لحديثهما وتشارك أيضا حتى أنها أبتسمت عدة مرات على بعض المواقف التي ذكرها خالد. بعدما أنتهوا من طعامهم أحضرت فريدة عدة التطريز والكورشيه لمريم لتنهي عملها وتركهم خالد يتحدثان معا واستأذن لإجراء إتصال هام.
دخل خالد الشرفة واغلق الباب الزجاجي حتى لا يسمعه أحد وأتصل بمحامي والده. قص عليه ما أخبرته مريم وما حدث لها في اليوم السابق. وأخبره المحامي أنه سيبحث في الموضوع ويعرف ماذا حدث بالظبط للمدعو إسماعيل ومحمود. عرض عليه المحامي فكرة أن يسافر بمريم لأسيوط للأمان بعيدا عما حدث حتى ينتهي من تحرياته. وافق خالد على الفكرة وانتهزها فرصة لتحسن الحالة النفسية لمريم فهي تعتبر الحاج إبراهيم والدها وأيضا لطلب الحاج إبراهيم رؤيتها. أنهى خالد الإتصال ودخل لمريم وفريدة وابتسم عندما رآهما منهمكتان في الحديث.
"مريم إيه رأيك نسافر البلد النهاردة؟ عمي نفسه يشوفك وبعتني مخصوص علشان أجيبك."
"أنا كمان نفسي أشوفه قوي. وحشني قوي والبلد وحشتني خالص."
"يعني هتسبوني لوحدي هنا يا اولاد."
اقترب خالد من السيدة فريدة وجلس بجوارها وقال لها.
"معلش يا طنط. علشان مريم بس تغير جو وكمان هي نفسها تشوف عمي."
"ماشي يا أولاد. المهم بس تكونوا مبسوطين. لكن علشان خاطري ما تتأخروش علي."
"إن شاء الله أسبوع أو عشر أيام بالكتير. علشان قبل بداية الترم التاني لازم أكون هنا."
أحتضنت فريدة مريم ووقالت لها.
"تروحوا وترجعوا بالسلامة. ربنا يحفظكم من أي سوء."
وقف خالد وقال لمريم.
"تعالي يا مريم علشان نجهز حالنا."
ذهبا الإثنان لشقتهما وضبا حقائبهما. طلب خالد من مريم ألا تخبر الحاج إبراهيم بما حدث لها حتى لا تسوء حالته الصحية المتدهورة. حزنت مريم بخبر مرض إبراهيم ولكنها أبتسمت وسعدت كثيرا بلقاءه.
دخلت مريم غرفة الحاج إبراهيم بعد الإستئذان ووجدته جالسا على سريره فاتح ذراعيه ليستقبلها في حضنه. جرت عليه وقبلت يده وشعرت بالآمان في دفء حضنه. أبتسم الحاج إبراهيم لها وملس على رأسها بحنان وقال لها.
"حمد الله على السلامة يا بنتي. عاملة ايه؟"
"الله يسلمك يا عمي. أنا كويسة طول ما حسك بالدنيا."
وضع الحاج إبراهيم يده تحت ذقنها ورفع رأسها لينظر إليها وقال والقلق ظاهر في نبرة صوته.
"مالك يا بتي وشك أصفر كدة ليه؟ خالد كان بيقول أنك تعبانة. خير فيك أيه؟"
أنتشقت مريم وحبست دمعة أرادت أن تهرب من عينيها لتذكرها ما حدث وأجابته.
"مفيش يا عمي. شوية برد بس."
"خدي بالك من روحك يا بتي."
رفع الحاج إبراهيم نظره لخالد الواقف متكئ على حرف الباب يراقبهما وهو مبتسم وقال له.
"أنت مزعل مراتك ولا أيه؟ أياك تكون مضايقها."
أقترب خالد وقال له.
"لا والله يا عمي. حتى أسألها."
عادت مريم خطوتين للوراء ووقفت بجوار زوجها وقالت لعمها.
"لا يا عمي. خالد مش مزعلني أبدا. بالعكس ربنا ما يحرمني منه أبدا. أنا من غيره كنت أموت."
"بعد الشر عليك يا بتي. أنت لسة صغيرة والدنيا لسة قدامك."
"ربنا يخليك لي يا عمي."
لاحظ خالد علامات الإرهاق على وجه عمه فطلب من زوجته أن تتركه ليستريح.
"نسيبك بقى يا عمي تريح أنت."
"طيب يا ولدي. خد مرتك وروحوا أتعشوا وريحوا أنتم كمان من السفر."
"حاضر يا عمي. خد بالك أنت بس من صحتك."
مكث خالد ومريم في منزل الحاج إبراهيم أسبوعا. تحسنت حالة مريم كثيرا هناك. فحرص خالد على خروجها للغيطان الخضراء يوميا وكانت تتأمل جمال الطبيعة حولها. كانت تمكث بالساعات تراقب الطيور والحمام في برج الحمام المجاور للمنزل.
أراد خالد ألا يتركها بمفردها دقيقة واحدة لتقع فريسة لتهكمات سعاد وكلماتها اللاذعة السامة. أو تكون عرضة لنظرات هشام الذي أحترم زواجها من ابن عمه وحاول الإبتعاد كليا عنها وهو كان منشغل للإعداد لفرحه إلا أن غيرة خالد كانت تمنعه من مجرد الإحتمال من تواجدهما معا في مكان واحد.
مر الأسبوع سريعا لم يعكر صفوهما فيه إلا تأخر الحالة الصحية للحاج إبراهيم وكوابيس مريم التي تزعج نومها وتؤرق ليلها هي وزوجها. أصر الحاج إبراهيم على بقاءهما حتى يحضرا عرس هشام.
تلقى خالد إتصال من المحامي بعد ثلاث أيام من سفرهما يخبره فيه أنه تحرى عن قضية إسماعيل وعلم بإصابته بكسر في الرقبة أثر سقوطه على زلطة مسننة عندما ضربه محمود وهو الآن يعاني من شلل رباعي دائم. لا يستطيع أن يحرك إلا عينيه فقط. وأن إسماعيل ومحمود لم يذكرا مريم في التحقيق نهائي لحرص الأول ألا يتهم بقضية خطف طفلة وحرص الآخر على سلامة مريم وبعدها عن أي شبهات.
طلب منه خالد أن يتولى قضية محمود ويدافع عنه ويتقاضى أتعابه من خالد نفسه. سأله خالد إذا كان يستطيع التحري عن عائلة مريم عن طريق معارفه من ظباط الشرطة. أو بالضغط على إسماعيل.
بعد عدة أيام أخبره المحامي بإنه علم من إسماعيل أن تاجرة مخدرات خطفت مريم وأخيها عمر من أثنتي عشر سنة من الأسكندرية وأنه أختلف معها على نسبته في فلوس الفدية فبلغ عنها الشرطة في قضية مخدرات وبالفعل تم القبض عليها وتوفيت في السجن منذ خمس سنوات ولكنه لا يعلم أي شيء عن عائلة مريم غير أنهم عائلة ثرية جدا ومن الأسكندرية.
أخبر خالد مريم بهذه المعلومات وخفت الأمل في قلبها لمقابلة أهلها. فكل ما تعلمه عن أهلها أنهم من الأسكندرية ولكنها لا تعلم أسمهم أو عنوانهم. طلب منها خالد ألا تيأس أبداً فالأمل في الله موجود دائما. وأن هذه المعلومات إذا لم تفيدهم حاليا فلعلها تقربهم من أهلها في المستقبل.
عاد خالد ومريم للقاهرة بعد التأكد من زوال أي خطر على مريم بخصوص قضية إسماعيل أو عصابته. وعادا لحياتهما الطبيعية. في الليل نامت مريم في غرفتها وخالد في غرفته ولكنه أستيقظ بعد منتصف الليل على صوت صراخها وبكاءها أثناء نومها. فأسرع إليها وتمدد بجوارها وضمها إلى حضنه وهدهدها قليلا لتنام ثانيا. بعد هذه الليلة قرر خالد الإنتقال لغرفة مريم ليشاركها الغرفة والسرير كما شاركها الحياة من أشهر قليلة.
**********

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1