رواية وانحنت لاجلها الذئاب الجزء الثالث من (سلسلة الذئاب) الفصل السابع والعشرون 27 بقلم منال سالم


 رواية وانحنت لاجلها الذئاب الجزء الثالث من (سلسلة الذئاب) الفصل السابع والعشرون

في سيارة أوس الجندي ،،،،،

قـــــاد أوس سيارته بنفسه بعد أن عَهِد لرفيقه عدي مهمة الإعتناء بزوجته وشقيقته أثناء غيابه .. 
رن هاتفه ، فإلتقطه من على تابلوه السيارة ، وأجــــاب على الإتصـــال الهاتفي الذي أتـــاه من أحد حراسه المسئولين عن مراقبة فردوس ، وأردف قائلاً بجدية :
-المدير نفذ الأوامر ، وطردها من المستشفى ، ورفض أي حد يعالجها زي ما حضرتك أمرت 

 أصغى إليه أوس بإنتباه تام ، ثم استطرد حديثه متسائلاً بجمود :
-وهي راحت فين دلوقتي ؟

أجابه الحارس بنبرة رسمية :
-في طريقها للحـــارة !

هـــز أوس رأسه بخفة ، وتابع بإيجاز :
-تمام ، خليك مراقبها وبلغني بالجديد !

رد عليه الحارس بخنوع :
-حاضر معاليك 

ثم أنهى معه المكالمة ، وتابع قيادة السيارة إلى وجهته الهــــامة ...
........................................

في منزل أوس الجديد ،،،

أوصــــل عدي كلاً من ليـــان وتقى إلى منــزل أوس ، ثم وقف بالخـــارج ليهاتف شركة الحراسات الأمنية لترسل طاقماً خاصاً لتأمين مدخل البناية والمنزل .. وهاتف بعدها سكرتيرة الشركة لتأجيل كافة المواعيد والإرتباطات ليوم أخـــر ..

عاونت ليــان تقى في الجلوس بداخل غرفة نومها ، ورغم إعتراضها على هذا إلا أنها لم تكن قادرة على المجادلة ، فالتعب والإنهاك باديان عليها بصورة واضحة
 أحضرت لها المدبرة عفاف ثياباً منزلية فضفاضة لتبدل ملابسها فيها ..
في حين أعدت لها ماريا طعاماً ساخناً وشهياً لتتناوله ، ولكنها رفضت ، وفضلت أن تستلقي قليلاً ..
تمددت ليان إلى جوارها حتى غفت ..
كانت تقى مرهقة بدرجة كبيرة ، فلم يمضِ عليها إلا لحظات حتى غطت في نوم عميق ..
مسحت ليـــان على شعرها بحركة دائرية ثابتة ، ونظرت لها بإشفاق وهي تهمس بأسف :
-أكيد كان صعب عليكي أوي !

 وضعت عفاف يدها على كتف ليان ، وضغطت عليه برفق هامسة لها :
-سبيها تنام شوية وتعالي برا يا حبيبتي !

أومــأت الأخيرة برأسها موافقة ، ثم نهضت بحذر من على الفراش ..
بينما أعـــادت عفاف ترتيب الغطاء على تقى ، ودثرتها جيداُ ، ثم انحنت لتقبلها من جبينها ، وانصرفت الاثنتين خـــارج الغرفة بهدوء .....
...............................

عبثت ليـــان بخصلات شعرها وهي تنفضها في الهواء ، ثم تمطعت بكتفيها ، وهي تجلس على الأريكة ..
أرجعت ظهرها للخلف ، وأسندت رأسها للوراء ، ثم أغمضت عينيها المرهقتين ..
شعرت بقبضتين توضع على كتفيها ، وتفركهما برفق ، فتأوهت بصوت مكتوم .. وهمست ممتنة :
-ميرسي يا عفاف ! أنا فعلاً مش قادرة من كتافي 

رد عليها عدي بإبتسامة ناعمة وهو يجيبها بخفوت :
-اطلبي انتي بس !

فتحت عينيها مصدومة ، وانتفضت مذعورة من مكانها ، وحدقت فيه بذهول وهي تردد قائلة :
-إنت ! 

عبس قليلاً بوجهه وهو يسأله مندهشاً :
-مالك متفاجئة ليه ؟ 

ردت عليه بتساؤل وهي تشير بإصبعها :
-هو انت مش مشيت ؟

هز كتفيه نافياً وهو يجيبها بهدوء :
-لأ .. أنا قاعد معاكو النهاردة

رفعت حاجبيها للأعلى ، وهتفت معترضة :
-هـــــه ، طب ليه ؟

عقد ساعديه أمـــام صدره بعد أن إنتصب بجسدة ، وغمز لها قائلاً بثقة :
-أوس طلب مني ده ، تقدري تعترضي عليه ؟

نفخت بصوت مسموع فهي تعلم جيداً أن أخيها حينما يقرر شيئاً فيصبح أمـــراً نافذاً لا جـــدال فيه ..
تابع عدي قائلاً بهدوء :
-خدي راحتك ، أنا مش هازعجك ، وهافضل هنا  

جلست على الأريكة ، وأمسكت بجهاز التحكم عن بعد ، وردت عليه بفتور :
-اعمل اللي يعجبك ! I don’t care ( لا أهتم ) 

رمقها بنظرات ناعمة .. ثم أرخى ساعديها ، ودس قبضتيه في جيبي بنطــاله ، وتحرك مبتعداً في إتجاه الشرفة ..

إختلست ليـــان النظرات نحوه من طرف عينها ، وأثارها الفضول لتعرف ما الذي يفعله ، ولكنها قاومت تلك الرغبة ، وحدقت بنظرات فارغة في شاشة التلفاز ..

................................................

في قصــــر عائلة الجندي ،،،،

اندفع أوس بسيارته بسرعة مخيفة عبر بوابة القصر الرئيسية بعد أن فتحها له الحارس الأمني  ، ولحقت به سيارة حراسته الخاصة .. 

تابعه الحارس الأمني جمـــال بنظرات متعجبة ، وأشـــار لزملائه بغلق البوابة ، ثم غمغم مع نفسه بفضول :
-واضح إن الليلة دي مش هاتعدي على خير ! شكل الباشا على أخــره ! 

ترجل أوس من سيارته ، وترك محركها دائراً ، وأشـــار للحراسة بالبقاء في الخـــارج ، ثم انطلق مسرعاً على الدرجات الرخامية ليدلف للداخـــل ..

وقف أوس في منتصف بهو القصر ، وجــــاب بعينيه القاتمتين المكان من حــــوله، ثم هـــــدر قائلاً بصوت جهوري غاضب :
-د. مهـــــــــــاب يا جـــــــــــندي !!!

أخـــذ نفساً عميقاً ، وزفــره وهو يصرخ بصوت أقــوى :
-تعالــــى وكلم ابنك !

خـــرج مهاب من مكتبه على إثر صوته ، ونظر له بجمود .. ثم نهره قائلاً ببرود مستفز :
-ايه في ايه ؟ بتزعق كده ليه 

أدار أوس رأســه في إتجاهه ، ورمقه بنظرات نارية وهو يردد بإهتياج :
-كويس إنك هنا ... جه وقت الحساب يا باشا ، بس المرادي معايا أنا !!!!

لــوى مهاب فمه مستهزئاً .. ثم مط شفتيه ليضيف بسخرية وهو يشير بيده :
-مممممم .. حســـاب ! الكلام ده جديد ، بس قبل ما تفكر تتهمني بحاجة ، أنا ايدي نضيفة ! 

تقــــوس فم أوس بوضوح وهو يرد عليه بتجهم :
-لأ واضح !! مهاب باشا الجندي بيشغل كلابه ، لأ ومع مين مع مرات ابنه وحفيده اللي لسه مشافش الدنيا !

غمز له أبيه قائلاً بإستخفاف :
-تــؤ .. مش للدرجادي ! ده أنا على طول بأعمل كل حاجة بنفسي !

هــــدر به أوس بعصبية وقد أطلقت عينيه شرراً كبيراً :
-ازاي تهدد حياة مراتي وابني وتعرضهم للخطر ؟ كنت مفكر إني مش هاعرف وإني هاسكت عن اللي عملته ده !!!!

رد عليه مهاب ببرود مثير للأعصاب :
-ومين قالك إني جيت جمبهم ، أنا بعيد عن الصورة كلها !

صرخ فيه أوس بإهتياج :
-إنت اللي وراها ! 

قهقه والده بطريقة مستفزة وهو يتابع بسخرية :
-لالالا يا أوس ، أنا كده مش هاحترم ذكائك ، ده أنا طول اليوم في المستشفى وكنت في عمليات وآآآ...

قاطعه أوس بصوت قاتم وهو يكز على أسنانه :
-المرادي إنت سبت وراك دليل ، وللأسف أنا شوفت عربيتك خــارجة من الحارة !!!

إبتسم مهاب بعدم إكتراث ، وتابع بهدوء :
-ولو إنه مش دليل قوي ، بس شغال 

صـــاح فيه أوس بجموح وهو يرمقه بنظرات جارحة :
-إزاي جالك قلب تعمل كده وتوجع ابنك في مراته وابنه ؟

رد عليه بإزدراء :
-مش دول اللي تحزن عليهم ..!

استشاط أوس غضباً ، وبرزت عروقه المشتعلة بوضوح ، بينما تابع مهاب بقسوة رجل لا قلب له :
-وبعدين أنا يدوب بس زقيت أمها عشان تخلص منها ، ولو مانفعش أهي تكرهها ، وتنتقم منها ، ويمكن يخلصوا الاتنين على بعض ، ونرتاح كلنا منهم !!

هـــدر فيه ابنه بإنفعـــال وهو يلوح بإصبعه :
-انت .. إنت مش أب ، ولا بني آدم ولا حتى آآآآ...

قاطعه مهاب بغضب زائف :
-احتــــرم نفسك ، وقبل ما تغلط فيا ، روح شوف أمها ؟ شوية فلوس رميتهالها تحت جزمتي ، فوراً ركعت عند رجلي تقولي أمين ... بالظبط زي أختها زمان ، الكل بيريل على الفلوس ! 

صرخ فيه أوس بجنون وقد إتسعت مقليته المحتقنتين :
-إنت بتقول ايه ؟ فلوس ايه دي ؟؟؟

أجابه بهدوء نسبي وهو يطالعه بنظرات جامدة :
-مليون جنية التمن اللي قبضته ، ولو كنت زودت شوية كمان ، كان ممكن تعمل أكتر من كده بكتير !

ضغط أوس على شفتيه بعنف ، وكور قبضه ليضيف :
-فكرك هاسيبك ، أنا بنفسي هـاكشفك وآآ.....

قاطعه مهاب بإستخفاف وهو يربت على كتفه :
-مش هاتقدر يا أوس ، أنا أبوك ، وعــارف بأقول ايه ، وقبل ما تعمل أي حاجة هتلاقيني في وشك بمنعك 

أزاح أوس يده عنه ، ورمقه بنظرات إحتقارية ، وتابع بشراســة :
-يبقى انت متعرفنيش كويس ، أوس بتاع زمـــان اتغير ، واللي قدامك واحد تاني مستعد يقتل عشان مراته وابنه 

هـــز رأسه نافياً وغمـــز له قائلاً بهمس شيطاني ليستفزه :
-تــؤ .. إنت زي ما إنت .. أنا مربيك وعـارفك كويس 

نظر له أوس بجفاء واضح ، وهــدر بثقة :
-لأ يا باشا ، المرادي إنت غلطــــان !

حرك مهاب رأسه معترضاً ، ورد ببرود وهو ينظر له بتسلية :
-لألأ .. أنا واثق من اللي بأقوله !

-بس مش معايا يا .. يا د. مهـــــاب !
قالها أوس بنبرة قاتمة للغاية وهو يشهـــر سلاحه أمـــام وجه أبيه والذي حدق فيه مصدومــــاً من حركته المباغتة ، ولكن سريعاً ما إستعاد بروده ، وإلتوى فمه قائلاً بإستهزاء :
-استحالة تضرب نـــار على أبوك

لم يحدْ أوس بنظراته المميتة عنه، وضغط على شفتيه ليقول بعنف :
-انت متعرفنيش لسه يا د. مهاب

تحداه أبيه تحدياً مقيتاً ، ولوى فمه قائلاً بعدم مبالاة :
-اضــرب يا أوس ، وريني ! 

ظل أوس متسمراً على وضعيته تلك ، مسلطاً سلاحه في وجه والده .. ومحدقاً فيه بنظرات خاوية من الحياة ..

اقترب مهاب منه أكثر ، وألصق فوهـــة المسدس في جبهته ، وبرزت أسنانه وهو يتسائل بعبث :
-بقى هاتعرف تموت أبوك ؟ هاتقدر ؟!

رد عليه أوس بصوت متشنج :
-ايوه ، اعملها لو جـــيت على اللي تخصني 

رفع مهاب حاجبه للأعلى ، وأكمل تحديه قائلاً بفحيح شيطاني :
-طب اضرب ، وريني رجولتك ! هــا ، يالا ! 

أزاح أوس زر الأمـــان ، وحدق في أبيه بنظرات قاتل محترف ، ولم يرتد له طرف لثانية واحدة ، بينما تابع مهاب بقسوة :
-هـــا ، مش عارف تضرب نار ؟ أجي أوريك !!

تعمد الأخير إستفزاز ابنه وإيصاله إلى أقصى درجـــة من عدم التحكم في النفس ، فأضــاف قائلاً بإستخفاف وهو يحدجه بنظرات مستهزأة :
-إنت جبان ، زي ما إنت ، ما اتغيرتش ، وعمرك آآآ.....

لم يكمل مهاب عبارته الأخيرة حيث قاطعه صوت الطلقة النارية التي إنطلقت مباغتة بعد أن ضغط أوس على الزنـــاد ، فإنتفض هو فزعاً ، وشهق مصدوماً منه ، ولكنه سريعاً ما أفاق من هلعــــه ، وأدرك أن الطلقة لم تصبه ، وتحسس جسده ليتأكد من هـــذا ، وعاود النظر إلى ذراع ابنه التي تحركت ناحية الجانب لسنتيمترات معدودة .. فتنفس الصعداء بعد أن قطعت أنفاسه للحظة ..
لم تهتز عضلة واحدة من وجــه أوس ، ولم تتبدل نظراته المميتة والتي تعلقت باللوحة الخلفية ، فإزدرد مهاب ريقه بتوتر ، وإستدار برأســـه للخلف لينظر إلى ما يحدق فيه ابنه  ،  فرأى أن الطلقة قد أصـــابت ما بين حاجبيه في تلك اللوحــة الفوتغرافية التي تخصه والمعلقة على الجدار خلفه ، فإتسعت حدقتيه رعباً ، وشحب لون وجهه بشدة ....

استطرد أوس حديثه قائلاً بشراسة وهو يضغط على أسنانه بقوة :
-انت غلطان يا دكتور ، أنا اتغيرت ، ولو كنت زي ما أنا .. كنت هتلاقيني قتلتك ومش ندمـــان للحظة إني عملت ده !

ثم رمــق أبيه بنظرات أكثر قســـاوة ، وتابع بغلظة :
-بس .. عشان مراتي فأنا اتبدلت وبقيت حـــد تاني !

تلعثم مهاب وهو يحاول الحفاظ على ثباته الزائف :
-أنا .. آآ...

صـــاح أوس مقاطعاً بنبرة عدائية :
-إنت نهايتك اتكتبت يا دكتور ، بس المرادي مش بإيدي ، بإيدك انت ..!

ثم رمقـــه بنظرات أخيرة إحتقارية قبل أن يوليه ظهــره وينصرف بخطوات سريعة غاضبة ..
تسمـــر مهاب في مكانه مصدوماً .. فلم يستوعب بعد أنه كاد يُقتل على يد إبنه بلا ذرة نـــدم واحدة منه ..  
ابتلع ريقه مجدداً ، ودس يده في جيبه ليخرج هاتفه منه بعد أن شعر بإهتزازه فيه ..
نظر إلى شاشته ، وأجاب على الإتصـــال قائلاً بصوت متحشرج:
-آلو .. فـ .. في ايه ؟

أردف كبير الأطباء قائلاً عبر الهاتف :
-دكتور مهاب ، سوري إن كنت هازعجك  ، بس الموضوع ماينفعش يتأجل !

ســأله مهاب بنفاذ صبر :
-خير 

رد عليه كبير الأطباء بجدية :
-د. مؤنس قدم بلاغ في النقابة عن سيادتك ، وقال عن مخالفات كتير في المستشفى 

جحظ بعينيه مصدوماً ، وهتف بإندهاش :
-ايييييه ؟

أضــاف كبير الأطباء قائلاً بإنزعاج :
-وعرفت كمان إنه طالع بكرة في برنامج حواري يتكلم عننا 

ســأله مهاب بنبرة مغلولة :
-ازاي ده حصل ؟ وإنت عرفت منين ؟

أجابه كبير الأطباء بحذر :
-في حد من حبايبي بلغني ، فأنا قولت أحذرك وآآ...

قاطعه مهاب بإقتضاب :
-اقفل الوقتي وأنا هاتصرف 

رد عليه الأخير على مضض :
-طيب ! 

مرر مهاب يده على رأســـه وهو يدور حول نفسه في البهو محدثاً نفسه بإرتباك :
-لو مؤنس فتح العينين عليا حاجات كتير هاتتكشف !

إزدرد ريقه ليكمل بقلق :
-طب .. طب هو ممكن يكون وصل لتهاني وعرف ياخد منها الورق ، طب ازاي ؟ لالالا .. مش ممكن ده يحصل ! هو أصلاً مايعرفهاش 

وقف في مكانه ، وحدق في الفراغ ، ثم هتف بجدية :
-أنا لازم أخــرج من البلد فوراً قبل ما تطربق على دماغي ومعرفش أتصرف ! 

ضغط مهاب على زر الإتصـــال بمحاميه نصيف ، ووضع الهاتف على اذنه ، ثم صـــاح فيه بحدة :
-ايوه يا نصيف ، في كارثة هاتحصل ومحتاج أهرب من هنا بسرعة !

............................................

في منزل أوس الجديد ،،،،،

شعــــرت ليــان بالملل والضجر من جلوسها بمفردهــا أمــام شاشة التلفاز ..
ونفخت لأكثر من مــرة بضيق ..
أرجعت ساعديها خلف رأسها ، وشبكت أصابعها معاً .. وحركت عنقها للجانبين .. وتنهدت بعمق ..
إشــرأبت بعنقها محــاولة رؤية عدي .. ولكنها لم تتمكن من رؤيته ..
أزعجها أنه لم يقاطع خلوتها ولو للحظة واحدة .. 
لم تستطع تفسير هذا الإحســاس الذي أصابعها بالضيق ..
وفي النهاية قررت أن تنهض وتذهب لرؤيته متعللة بشعورها بالبرد ، ورغبتها في غلق نوافذ الشــــرفة ...
.........................

إستند عدي بمرفقيه على حـــافة الشرفة ، وحدق أمـــامه بنظرات هائمة ..
وقفت ليــان خلفه ، وراقبته للحظات ، وأدركت أنه لم يشعر بوجودها ، فعبست بوجهها ، وهتفت بصوت شبه محتد :
-I am cold ( أنا بردانة ) ، فهاقفل الـ ..آآ..

انتبه عدي لصوتها ، وأدار جسده في إتجاهها بعد أن اعتدل في وقفته ، وقاطعها بصوت رخيم :
-ليـــان ، ماتمشيش ، أنا عاوز أتكلم معاكي شوية 

قطبت جبينها ، وردت عليه بتذمر مصطنع وهي تشير بإصبعها للخلف :
-وأنا مش فاضية ، في movie ( فيلم ) بأشوفه 

هـــز رأسه بخفة وهو يتابع بإبتسامة مهذبة :
-مش هأخرك كتير ! 

عقدت ساعديها أمام صدرها ، ونظرت له بجمود وهي تسأله بإقتضاب :
-خير ؟

أخـــذ هو نفساً عميقاً ، وحبسه في صدره لثوانٍ قبل أن يطلقه ليستطرد حديثه قائلاً بصوتٍ شبه أسف وهو مطرق رأســه قليلاً للأسفل :
-أنا عملت حاجات كتير غلط في حياتي ، وعــارف إني خدعتك وضحكت عليكي ، وخدتك سِكة عشــان أداري بيها عيوبي بدل ما أصلح من نفسي 

إرتخت تعابير وجهها المشدودة وهي تصغي إليه ، وحدقت فيه بنظرات غريبة .. بينما تابع عدي بندمٍ :
-أنا ظلمتك معايا ، واستغليت ظروفك واللي حصل معاكي عشــان مصلحتي وبس ، ومافكرتش فيكي إنتي !

توقف عــدي عن الحديث ، وفرك أصابع كفيه بتوتر ، ثم أخـــرج تنهيدة حارة من صدره ، وإختنق صــوته قليلاً وهو يكمل بخفوت :
-وللأسف أذيتك وأذيت نفسي معاكي ! 

تهدل كتفي ليـــان ، وإرتخى ساعديها مصدومة من إعترافــه بذنبه نحوها ..

رفع عدي رأســـه لينظر إليها ، فرأت في عينيه لمعـــان قوي .. وعبرات عالقة بين أهدابه .. 
اقترب هو منها ، وتابع بشجن :
-يمكن كلامي مايفرقش معاكي أو حتى يأثر عليكي ، بس اللي عاوزك تعرفيه إني اتعالجت الوقتي ، وإني آآ.. حبيتك بجد ، وخايف عليكي أوي وآآ...

ازدرد ريقه المرير ، ومـــد يديه ليمسك بكفيها ، ثم حدق فيها بنظرات نادمـــة ، و أضــاف بصعوبة :
-ونفسي ترجعي تثقي فيا زي الأول وتصدقيني !

حدقت فيه بإرتبـــاك ، وبدت مضطربة للغاية ، ولكنها سريعاً ما سحبت كفيها منه ، وهتفت بجمود وهي تتحرك مبتعدة عنه :
-صعب ده يحصل 

وقف خلفها ، وتوسلها بخفوت :
-بس مش مستحيل ، صح ؟

لم تجبه ، وإستندت بكفيها على حافة الشرفة ، وظلت تنفخ بصوت مسموع ...

تنهد عدي بيأس ، وتابع بحذر :
-أنا .. أنا مش عاوزك تعملي حاجة غصب عنك ، بس اوعديني إنك تديني فرصة تانية !

انتصب كتفيها ، وبدى وجهها خالياً من التعابير وهي تجيبه بإقتضاب :
-مش عارفة !

نكس رأســـه بحزن ، وغمغم بنبرة شبه مستاءة :
-عموماً مش هاضغط عليكي !

تنهـــدت بصوت مسمــوع ، ولم تلتفت نحوه ، فإقترب منها مجدداً ، وإستند بكفه إلى جوارها .. فحدقت في يده ، ولم ترفع رأسها للأعلى .. ثم أشــاحت بوجهها للأمــام ..
لم يتعجب تصرفها معه .. بل أخذ نفساً مطولاً ، وزفره على مهل ، ثم مط فمــه ليضيف بإهتمام :
-في سؤال كده محيرني !

أجابته متسائلة بجدية :
-ايه هو ؟

انحنى بجذعه للأمـــام ، وإستند على ساعديه ، وحدق بها بعد أن أمــال رأسه للجانب ، وسألها بتريث : 
-ليه كنتي خايفة أوي على تقى وعلى البيبي ؟

تنهدت بحرارة واضحة .. ثم أرجعت ظهرها للخلف ، وأشارت بيديها وهي تجيبه بحيرة :
-مش قادرة أوصفلك احساسي بالظبط ، بس آآ...

عضت على شفتها السفلى ، وتابعت بإحساس غريب وهي تضع يدها على قلبها :
-بس أنا حسيت بيها بقلبي ، وآآ.. وشوفت في عينيها أد ايه هي نفسها فيه ، وشوفت في أوس حبه الحقيقي ليهم هما الاتنين ، أوس الجندي اللي مايعرفش إلا القسوة والكره بقى بيحس ويحب بجد 

صمتت للحظة لتلتقط أنفاسها ، وتسيطر على تأثير كلماتها عليها شخصياً ، ثم تابعت بنعومة : 
-احساس جديد جمعهم مع إنهم عكس بعض في كل حاجة ، بس زي .. زي ما يكون بقى في رابط بينهم ، والبيبي ده قربهم أكتر من بعض ، فيمكن لو .. لو كانت خسرته كانت كل حاجة ضاعت !

راقبها عـــدي بإعجـــاب واضح ، وهتف غير مصدقاً :
-ياه يا ليـــان ، إنتي اللي بتقولي كده ؟

رفعت حاجبها مستنكرة وهي تجيبه بإقتضاب :
-ايوه ! مستغرب ليه ؟

أدار جسده ناحيتها ، وإستند بظهره على حافة الشـــرفة ، وعقد ساعديه أمـــام صدره ، وإلتوى فمـــه بإبتسامة عذبة وهو يبرر قائلاً :
-أنا مكونتش أعرف إنك بتفكري كده ، كنت مفكرك البنت المستهترة اللي مش فارق معاها حاجة ، ومكبرة دماغها على الأخــر ، المهم هي وبس !

ضاقت نظراتها ، وأجابته بحدة :
-أنا معرفتش نفسي إلا لما آآ... لما مريت بتجارب غيرتني 

تنهد بخفوت وهو يرمقها بنظرات رومانسية حالمة ، وغمغم مع نفسه برجــــاء :
-أتمنى إني أخــد فرصة تانية معاكي 

وكـــأنها قرأت ما تبوح به عينيه ، فأجابته في نفسها وهي تبتسم له إبتسامة باهتة :
-مش بعيد ... كل شيء جايز ! 

.......................................

في غرفــة نوم أوس وتقى ،،،

إرتسمت إبتســـامة مشرقة على وجـــه تقى ، وظهرت تعابير وجهها متهللة بدرجــة ملحوظة رغم أنها كانت غارقة في سبات عميق .. 
تحركت شفتيها عفوياً ، وكذلك رأسها ، وبدت سعيدة وهي ترى ذلك المنـــام الممتع ..
................................
◘◘◘ (( حدقت تقى في كفيها الممدودين أمامها ، وأخفضت رأسها لتتأمل تلك العباءة البيضاء التي ترتديها ، ثم إنتبهت إلى صوت هديل الحمـــام الذي يحلق فوق رأسها ، فرفعت بصرها للأعلى ، ودارت حول نفسها غير مصــدقة ما تراه ..
شعرت ببرودة منعشة أسفل قدميها الحافيتين ، وبنسمات رقيقة تداعب وجنتيها ، فأسبلت عينيها لتتأمل المكان من حولها ..
أصـــوات تهليلات ممزوجة بالتكبيرات وصــوت الآذان يصدح من بعيد ليجعل روحها تنتفض من السعـــادة 
إلتوى ثغرها بإبتسامة راضية من تلك الروحانيات العالية التي تحيط بها ..
رقص قلبها طربـــاً .. ورمشت بعينيها غير مصدقــة أنها قد جــاءت إلى هذا المكان المقدس ذو المهابة العظيمة ..
ثم إنتبهت إلى صــوته المــألوف الذي يناديها :
-تـ.. تقى 

دارت برأسها للخلف ، وضيقت عينيها بتعجب شديد لتتأمل ملامح أوس التي لم تعهدها فيه من قبل ..
كانت صورته مبهمة ، ولكن تدريجياً إتضحت هيئته مع اقترابه منها ..
فغرت شفتيها مشدوهة ، وإرتفع حاجبيها في عدم تصديق وهي تراه مرتدياً ثياب الإحـــرام وكاشفاً لكتفه الأيمن ..
رأت قطــرات المياه تتساقط من جبينه ، وإبتســـامة صافية تعلو وجهه ..
لـــوح لها بذراعــه وهو يردد بصوت رخيم :
-يالا يا تقــى ! 

أدمعت عينيها فرحاً ، ووضعت يديها على فمها لتكتم تلك الشهقات السعيدة التي جعلتها في حالة حماسة رهيبة ..
إنه هنا معها في الحرم المكي .. )) ◘◘◘◘
..............................................

لم تدرْ تقى أن عبراتها كانت حقيقية ، ولم تكنْ تبكي في منامها فقط .. بل بللت دمعاتها وسادتها وهي غافية ..
لكن إحســـاس بالسكينة والصفــــاء النفسي أراحها بشـــدة ... 

............................................

في منزل تقى عوض الله ،،،،

فضل عــوض المكوث بالمسجد ، وقضاء ليلته فيه ، ورفض أن يعود للمنزل حتى يتجنب رؤية فردوس بعد ما فعلته ...

بينما عـــادت تهاني إليه ، ومكثت بمفردها فيه ..
دفنت هي وجهها بين راحتي يدها وأجهشت بالبكاء المرير حسرة على حالها بعد أن إختلت بنفسها في غرفة تقى .. 
فقلبها يُعتصر آلماً على قســـوة ابنها معها ، وذلك الظلم المبين الذي وقع عليها من أختها ، فجعلته يصدق أنها تقف وراء ما حدث لتقى ..
شهقت بنحيب وهي تهز رأسها مستنكرة .. 
وقعت عينيها على تلك الحقيبة التي تحوي الكثير من الأوراق التي تدين مهاب الجندي ، وربما تظهر براءتها .. فضاقت عينيها المتورمتين ، وهتفت بسخط :
-يا ريتني ما وافقت اعمل كده ! آآآه ، يا ريتني 

ثم لطمت على فخذيها بندم شديد ..
ظلت على تلك الوضعية الحزينة لوقت ليس بالقليل .. ولكنها انتبهت بعدها إلى صوت دقـــات خافتة على باب المنزل ، فرفعت رأسها للأعلى ، ونهضت بتثاقل من مكانها .. وسارت ببطء نحوه لتفتحه ...

عبس وجهها بشـــدة حينما رأت أختها فردوس أمامها .. 
ورمقتها بنظرات إزدراء ، ثم تركتها وانصرفت ..

نظرت لها فردوس بحزن ، وعاتبتها قائلة وهي توصــد الباب خلفها :
-مش .. مش هاتقوليلي حمدلله على السلامة ؟ ده ..ده أنا اتبهدلت وآآ..

إحتقن وجه تهاني ، واصطبغت عينيها بحمرة محتدة ، وإلتفتت برأسها نحوها ، وصرخت فيها بعصبية مقاطعة إياها وهي تلوح بذراعيها :
-حرام عليكي يا شيخة ، بتقولي اتبهدلتي ؟ اومــال اللي حصل لبنتك وليا ده نسميه ايه ؟

ردت فردوس ببكاء زائف وهي تحاول تدقيق النظر في صورة أختها التي تتراقص أمام عينيها :
-أنا .. أنا اترميت من المستشفى ، وملاقتش اللي يسندني لهنا وآآ...

قاطعتها تهاني بتهكم صريح :
-ده كتر خيرهم إنهم رضيوا يعالجوكي ، واحدة زيك كانت هتموت بنتها المفروض يرجموها ! 

عاتبتها فردوس بضيق وهي تفرك عينيها :
-يا تهاني ماكونتش أعرف إن كل ده هايحصل ، أنا كنت بأحمي بنتي من الناس المفترية 

وقفت تهاني قبالتها ، وصرخت فيها بإنفعال وهي تكاد لا تصدق ما لفظته الأخيرة من كلمات مستفزة  :
-بتحميها ؟ بإنك تاخديها للموت بإيدك ؟!!!!

ابتلعت فردوس ريقها ، وبررت خطئها قائلة :
-أنا .. أنا حسبتها غلط .. كان المفروض أخدها على مستشفى أنضف و...

إرتفع حاجبي تهاني للأعلى في استنكار جلي ، وشهقت بصراخ :
-إنتي بتقولي ايه ؟

ردت عليها فردوس بأسلوب فظ وهي تسحب مقعداً لتجلس عليه :
-ماهي كانت هاتطلق ومش هاتعيش مع ابنك ، وبالفلوس اللي خدتها كنت هاعوضها 

تحركت تهاني نحوها ، وضربت بيديها على طاولة الطعام وهي تردد بصوت غاضب :
-فلوس !!

هزت فردوس رأسها إيجاباً ، وردت بسخط :
-أيوه ، أومال أنا عملت ده ليه عشان نطلع من الفقر اللي كلنا عايشين فيه !

جحظت تهاني بعينيها الملتهبتين وهي تصيح بإهتياج :
-خدتي الفلوس من مهاب يا فردوس ؟

أجابتها فردوس بوقـــاحة وهي متجهمة الوجـــه :
-ايوه ، هو جالي هنا ، واتفق معايا على ده 

إعتدلت تهاني في وقفتها ، وحدقت أمامها في الفراغ بنظرات مصدومة ، ولطمت على صدرها في عدم تصديق ، وغمغم بإندهـــاش :
-يعني اللي شوفته مكنش وهـــم ! كان مهاب هنا ! بيخطط وبيهد حياة ناس أبرياء

نهضت فردوس عن المقعد ، أغمضت عينيها بقوة لتقاوم ذلك الصداع الذي يجتاحها ، واقتربت من أختها ،ووضعت يدها على كتفها ، وقالت بخبث :
-احنا يا تهاني محدش حاسس بينا ، والفرصة مابتجيش إلا مرة واحدة في العمر 

أطاحت تهاني بيدها ، وصاحت بغضب جم وقد تحول وجهها لكتلة حمـــراء :
-تقومي تبيعي بنتك بالفلوس يا فردوس ؟

أجابتها فردوس بصراخ مختنق مبررة جريمتها النكراء :
-أنا مابعتهاش ، أنا اشتريت راحتها وراحتنا !!!

أشـــارت تهاني بإصبعها وهي ترمقها بنظرات مشمئزة ، وتابعت بصوت ساخط :
-اتكلمي عن نفسك ، إنتي ضحيتي ببنتك عشانك إنتي وبس مش عشانها !

نفخت فردوس وهي تضيف بصوت غير مكترث بتبعات جريرتها  :
-وفيها ايه ؟ مكانتش هاتخسر كتير !

شهقت تهاني مصدومة من ردود أختها التي تخلو من الرحمة .. 
هي تقف أمام إنسانة متحجرة القلب ، جاحدة ، لا تعرف الشفقة ..
هزت رأسها مستنكرة ، وهتفت فيها بغضب :
-حرام عليكي ، انتي بتفكري ازاي ؟ دي بنتك يعني لحمك ؟؟!!

نظرت لها فردوس شزراً وهي تجيبها بإمتعاض كبير :
-يعني عاوزانا نموت هنا ومحدش يدرى بينا .. مش كفاية ابني راح زمـــان ببلاش بسبب الفقر ، وملاقتش تمن لعلاجه !!

أخــذت نفساً عميقاً وزفرته وهي تتابع بغضب :
-استحملت اللي جراله ، وصبرت نفسي ، وقولت معلش أهوو ارتاح من الفقر .. يعني كنت هاعمله ايه ولا أدبر مصاريف علاجه منين ؟

زاد إحساسها بالصداع المهلك ، وتابعت بحنق :
-ده أنا كل يوم باسأل نفسي يا ترى مين فينا هايحصله 

أشــارت تهاني بكفها في عدم تصديق وهي تردد بنبرة مصدومة :
-إنتي مش طبيعية ، ده .. ده ربنا رحمه منك !

لوحت فردوس بذراعها وهي تكمل غير مكترثة :
-قولي اللي عاوزاه ، الكلام مافيش جمرك عليه ، لكن ساعة الفلوس كل حاجة هاتتغير !

كــــزت تهاني على أسنانها بغلظة وهي تصرخ فيها :
-بجد خسارة بنتك فيكي !

ردت عليها فردوس بفظاظة :
-بكرة هاتنسى ، وهترجع تاني لحضني وآآ...

قاطعتها تهاني بنبرة هـــادرة وهي تهدد بإصبعها :
-إنتي بني آدمة استحالة حد يعيش معاها ، من بكرة هادور على مكان تاني أقعد فيه إن شاء الله أبات على الرصيف ، بس قعاد معاكي في مكان واحد مش هايحصل !

ثم سمعت كلتاهما صوت قرع الجرس ، فكفكفت تهاني عبراتها ، وتوجهت نحو الباب لتفتحه .. 
جحظت بعينيها مصدومـــة ، ووضعت يدها على فمها لتكتم شهقتها حينما رأته.. 
هو ليس وهماً ، هو يقف أمامها بوجهه المتشنج ، وتعابيره المتجهمة ، ونظراته القاسية ..
ابتلعت ريقها بصعوبة بالغة ، وهمست متلعثمة :
-آآآ.. أوس .................................... !!

............................................................وانحنت لأجلها الذئاب

الفصل السابع والعشـــرون ( الجزء الثاني ) :

في منزل تقى عوض الله ،،،

شهقت تهاني مصدومــــة حينما رأت أوس أمامها ، وشعرت برجفة تجتاحها من هيبته التي تفرض نفسها تلقائياً في أي مكان يظهر فيه ..
 إبتلعت ريقها بخــوف ، وحاولت أن تستأنف حديثها ، ولكن تجمدت الكلمات على شفتيها .. لقد ظنت أنه جـــاء ليكمل عتابه اللاذع لها بسبب ما فعلته مع ابنتها ليــان ، واصطحابها لقصر أبيه ..

رمقها أوس بنظرات غريبة استشعرتها ، ثم استطرد قائلاً بجمود ليقطع حاجــز الصمت :
-عاوز أدخــل أوضــة تقى !

تعجبت من طلبه المريب ، وهتفت بلا تردد :
-آآ... اتفضل يا بنــ..آآ..
تلافت سريعاً خطئها ، وتابعت بحذر وهي تشير بيدها بعد أن أفسحت له المجــال للمرور :
-قصدي يا أوس باشا ، ده بيتك ! 

مــرق إلى الداخـــل ، ووقعت عينيه على فردوس .. فضاقت نظراته ، ورمقها بنظرات إحتقارية ، ثم تابع قائلاً بصوت قاسي وهو يشير بإصبعه :
-ليكي حســـــاب معايا !

ســـال لعاب فردوس بفـــزع عقب جملته الأخيرة ، وإرتعشت في مكانها مصدومة .. وتسائلت مع نفسها بهلع ، هل سمع حديثها مع أختها ، وعــرف بكل شيء تفوهت به ..
سيطر الخوف عليها ، وزادت رجفتها وهو تتوقع الأســـوأ منه ..
نظرت لها تهاني بذهـــول ، وأيقنت من كلمات ابنها المقتضبة أنه ينتوي شراً لأختها ..

خطــى أوس بخطوات ثابتة إلى داخـــل غرفة تقى ، ثم بحث بعينيه بدقـــة عن فردة الحذاء الأخــرى ، وبالفعل وجدها موضوعة بجوار الوســـادة على الفراش الذي يتوسط الغرفة ، فإلتوى ثغره بشبح إبتسامة رقيقة ، لكن سريعاً ما تلاشت ليحل محلها التجهم والعبوس ..
إقترب من الفراش ، ثم إلتقطها بيده ، ودسها سريعاً في جيبه ، وكأنها كنزه الثمين الذي يخشى ضياعه .. وتحرك مبتعداً عن الفراش ..

دلفت تهاني إلى داخل الغرفة خلفه ، وتنحنحت بخفوت وهي تشرع حديثها قائلة بصوت متحشرج :
-أنا .. أنا كنت عاوزاك تسمعني قبل ما تمشي 

إلتفت أوس نحوها ، ورمقها بنظرات جــــامدة دون أن تتبدل تعابير وجهه المتجهمة ..

إزدردت ريقها بصعوبة ، وتابعت بنبرة شبه مختنقة وقد لمعت عينيها بوضوح :
-أنا عارفة إني غلطت ، ومكنش ينفع أخد ليان عند أبوك ، وبأعترف بده بس .. آآ..

تقطع صوتها وهي تتوســـله :
-بس بلاش تحرمني منها ، دي بنتي الوحيدة ، أنا ماستهلش إنك تعمل فيا كده !

دنت منه لتضيف بإستعطاف وقد إنهمرت العبرات من مقلتيها :
-أرجوك ، عشان خاطري ده لو كان ليا عندك خاطر ، طب .. طب أقولك على حاجة ، اعمل اللي انت عاوزه فيا ، بس متحرمنيش منها ، دي الحاجة الوحيدة اللي فضلالي ، كفاية إني خسرتك ، فبلاش هي كمان ، أنا .. أنا ممكن أموت فيها ! 

لم تتبدل نظراته ، وظلت تعابير وجهه على وضعيتها القاسية ..

ظنت تهاني أنها سيرفض طلبها ، فتلفتت برأسها بصورة هيسترية وكأنها تبحث عن شيء ما ، حتى ثبتت أنظارها على الحقيبة التي تحوي الأوراق الهامة .. فركضت نحوها ، وأمسكت بها لتفتحها ، ثم أخرجت ما فيها من أوراق مطوية ، وألقت بالحقيبة على الأرضية ، ووقفت قبالته مرة أخــرى ، ورفعت يدها بهم ، وإستعطفته بنبرة ذليلة وهي تطالعه بعينيها الباكيتين :
-خد الورق ده ، أنا مش عاوزاه خلاص ، اعمل فيه ما بدالك إن شاء الله حتى تحرقه ، بس بلاش تحرمني من ليــان ، أنا مايهمنيش اكون بريئة قصاد الناس ، أو حتى كرامتي ترجعلي ، أو الناس تعرف إن مهاب مجرم ، كل اللي يهمني انتو وبس ، أيوه ، إنتو عندي بالدنيا ، إنتو أغلى من نفسي ! 

ثم مــــدت يدها لتسحب كفه ، ووضعت بهم الأوراق ، ورمقته بنظرات أكثر رجاءاً ، وأضافت بشجن :
-خدهم ! بس رجعلي ليــان ! 

قبض أوس على الأوراق بكفه ، ولم ينبس ببنت شفة .. ولكنه شعـــر بغصة مريرة ، وبضيق في صدره ..
هو بــات متيقناً من ندمها الحقيقي ، ومن مشاعرها الصادقة كــأم ..
ورغم هذا رفض أن يبوح بما في صدره ..
استشعرت تهاني أن قلبه ربما سيرق من أجلها وسيرتضي بتلك المقايضة التي ستكلفها كل شيء .. لكنها راضية بها طالما ستعيد ابنتها إلى أحضانها ..

تفاجئت هي بــه يزيحها بقبضته الأخــرى عن طريقها ليتحرك نحــو الخـــارج ..
شهقت بأنين وقد ظنت أنه رفض توسلاتها ، ونبذ رجائها .. ثم وضعت يدها على فمها لتبكي بحســـرة وخــزي ..

هبت فـــردوس في مكانها مذعـــورة حينما رأت أوس واقفاً قبالتها .. ونظراته المشتعلة تكـــاد تفتك بها ..
حـــاولت أن تحافظ على رباطة جأشها أمامه ، ولكن الخــوف كان بادياً في نظراتها الزائغة ..
إرتجفت شفتيها وهي تنطق بتلعثم :
-أنا .. آآ.. كنت  .. آآ 

ولكن باغتها أوس بصفعة مدويـــــة على صدغها ، فصرخت متأوهة منه .. ونظرت له بذهــــول حقيقي من عينيها الجاحظتين ، وأسندت يدها عليه لتتأكد من فعلته ... وهمست مصدومة :
-انت .. انت بـ.. بتمد ايدك عليا ؟

رفع أوس إصبعه في وجهها ، وهــــدر بها بنبرة عنيفة وهو يحدجها بنظرات محتقنة للغاية :
-اييييييه وجعك ؟ 

باغتها بصفعة أخــــرى أشد قسوة على يدها الموضوعة على صدغها ، فإنتفض جسدها ، وأضـــاف قائلاً بصوت متصلب :
-عاوزك تعرفي إن ده جزء على مليون من اللي هاعمله فيكي !

ذهلت من تكراره للصفعة ، وهتفت بإندهاش :
-إنت .. آآ.. 

تابع أوس قائلاً بنبرة عدائية للغاية وقد تحولت مقلتيه لجمرتين من النيران الملتهبة :
-هاخليكي تحسي بكل ثانية إتألمت فيها تقى بسببك !

عجزت عن الحديث ، وإرتعدت أوصالها بشدة ، وكافحت لتقول :
-آآ..

هـــدر أوس صارخاً بعصبية :
-يمكن هي في يوم تسامحك ، وتنسى ، بس أنا غيرها ، لا بأعرف أسامح ، ولا بأعرف أنسى اللي يجي على اللي يخصني !

ردت عليه فردوس بنبرة مرتجفة للغاية :
-إنت .. مش فاهم حاجة ، أبوك هو اللي آآ...

قاطعها بصراخ أعنف وهو يشير بإصبعه المتصلب :
-بــــــس ، ماتفتحيش بؤك خالص ، انتي تخرسي وتسمعيني كويس ! 

إنتفضت من صراخه ، ورمقته بنظرات خائفة ..
ضغط أوس على شفتيه بقوة ، وأكمل بصوت محتد :
-أنا مش زي جوزك طيب وفي حاله ، ولا زي تقى ، ولا حتى زي مهـــاب اللي اتفقتي معاه على مراتي !

اقترب منها حتى باتت تشعر بأنفاسه الغاضبة على وجهها ، وتابع قائلاً ببطء وهو يضغط على كل حرف :
-أنــا أوس الجنـــدي !

أغمضت عينيها هلعاً ، وأرجعت رأسها للخلف وهي تحاول المدافعة عن نفسها قائلة :
-هـو ضـ.... آآ..

أطبق أوس على عنقها ، وضغط عليه بأصابعه المتشنجة ليخنقها ، فإنفرجت شفتيها محاولة التنفس ، وجحظت بعينيها برعب .. وشعرت بالدماء تتدفق بغزارة إلى عقلها ليزيد من صداعها المهلك 
كـــز هو على أسنانه ، وتابع بنبرة قاسية :
-كان ممكن ببساطة تيجي تبلغيني بإتفاقكم الوســخ ، وبدل المليون اللي رمهالك ، كنت هاديكي 10 مليون غيرهم !!

وضعت تهاني يديها على صدرها من الخــوف بعدما رأت ابنها وهو على وشك الفتك بأختها .. وهزت رأسها بصورة هيسترية مستنكرة هذا ورددت بهلع :
-لألألأ .. !

أطلقت عيني أوس شرر مخيف وهو يكمل بغلظة :
-ولو حياة بنتك ماتسواش عندك إلا مليون ، فأنا سلامة تقى عندي مايكفيهاش فلوس الدنيا كلها !

ثم أرخــى قبضته عنها ، ودفعها بعنف للخلف ، فسعلت لعدة مرات بحشرجة كبيرة ..

أشـــار لها بإصبعه مهدداً مرة أخـــرى :
-انتي هاتعرفي يعني إيه وجع وعلى إيدي ! 

نظرت له من طرف عينها ، وأردفت قائلة بندم زائف:
-حــ.. حرام عليك ، ده .. ده أنا أم وآآآ.....

قاطعها بصوت هـــــادر وقد تشنجت تعابير وجهه للغاية :
-اخــرسي ، كلمة أم تمسحيها من قاموس كلماتك خالص !

ثم إلتفت نحـــو تهاني ، ورمقها بنظرات جادة قبل أن يتابع بتهكم :
-أومـــال دي اسميها ايه ؟؟ اللي مستعدية تعمل أي حاجة عشان بس أضحك في وشها ! وأوافق بنتها تاخدها في حضنها ؟

استعطفته ببكاء مصطنع :
-ده أنا خالتك ، يعني .. يعني في مقام أمك دي 

هــــدر بها بإنفعال وهو يلوح بذراعه مهيناً إياها :
-متقارنيش نفسك بيها ، إنتي تتحطي تحت جزمتي ! وادهسك !

استفز فردوس تحقيره لها ، فصاحت محتجة بشجاعة زائفة :
-انت مفكر نفسك ملكت الدنيا بفلوسك ، لأ أنا أقدر آآ...

قاطعها بسخط وهو يحدجها بنظرات إزدراء :
-خلي تهديداتك لنفسك .. أهي تشجعك لأنك هتحتاجيها الأيــام الجاية ! 

سألته متوجسة وهي تبتلع ريقها :
-قصدك ايه ؟

حدجها بنظرات أخيرة مشمئزة ، ولم يجبها بل ترك الأمـــر لمخيلتها .. ثم أولاها ظهره ، واتجه نحو الباب ..
تابعتهما تهاني بصـــدمة ولم تستطع النطق بكلمة ، وتعلقت نظراتها به وهو يتحرك نحو عتبة المنزل ، ولكنه توقف عن السير ، وإستدار برأســه للخلف  ، وإلتقط نظراتها المحدقة به ، ثم حدثها قائلاً بنبرة متصلبة وهو يطالعها بنظرات مريبة :
-أنا مستنيكي تحت في العربية يا ..آآ

صمت للحظة قبل أن تتحول نبرته للين وهو يتابع بهدوء :
-يا ماما !

شهقت غير مصدقة ما لفظه تواً .. وإهتز جسدها بإرتجــــافة رهيبة زلزلت كيانها ، كما خفق قلبها بقوة رهبةَ من تلك الكلمة التي طالما انتظرتها ، وتمنت لو سمعتها لمرة واحدة تنطق من بين شفتيه .....
............................................

في قصـــر عائلة الجندي ،،،،

إختطف مهـــاب من يد المحامي نصيف تلك التصاريح التي أحضرها له ، وســأله مستفهماً :
-يعني المفروض أعمل ايه ؟

أجابه الأخير بجدية وهو يشير بيده :
-تروح فوراً على بورسعيد ، هما هيدخلوك المينا ، وهتســأل هناك عن سفينة شحن طالعة اليونان ، المفروض هاتطلع كمان 8 ساعات بالكتير ، إنت لازم تكون جواها قبل كده

هـــز مهاب رأســه قائلاً بتلهف :
-بيتهيألي هالحق أوصل قبلها بكتير ! المسافة مش بعيدة!

أومــأ نصيف برأســه إيجاباً قائلاً بهدوء :
-أيوه .. أنا مظبط كل حاجة !

ســأله مهاب بقلق وهو ينظر له :
-طب .. طب والتصاريح ولو حد وقفني وآآ... ؟

قاطعه بثقة :
-متقلقش ، الأوراق سليمة 

ربت مهاب على ذراعه ممتناً ، فأضــاف نصيف قائلاً بجدية :
-المهم إنت إلحق وقتك !

هز رأســـه موافقاً وهو يجيبه :
-ايوه ، أنا هاتحرك حالاً 

وبالفعل أســـرع مهاب في خطواته ناحية الدرج ليصعد إلى غرفته ، ليعد حقيبة سفر صغيرة يأخذهــا معه ..
.........................................

في سيـــارة أوس الجندي ،،،

ضرب أوس بأصابع كفه على المقود بحركة ثابتة ، وإستند بذقنه على مرفقه الأخـــر ، وحدق في المرآة الجانبية للسيارة ..
شرد مع نفسه ليفكر فيما فعله .. لا يعــرف كيف رق قلبه هكذا ليدعو تلك السيدة التي طالما كرهها بـ ( أمـــه ) ، وطلب منها بسهولة القدوم معه ..
لكن إحساسه بظلمها وقهرها ، وبمدى معاناتها المستمرة ، وذلها من أجــل نيل رضائه فقط جعلته يصفح عنها ( إلى حـــدٍ ما )  ...
انتصب أوس في جلسته ، وبدى على وجهه الإرتباك وهو يرى والدته مقبلة عليه ..
لم يختلف حالها عنه كثيراً .. فهي لم تعد تشعر بقدميها منذ أن أبلغها بإنتظاره إياها بالأسفل .. ولأول مرة منذ أدهـــر تستشعر العطف والرقــة منه ..

على إستحياء فتحت الباب الأمـــامي لتجلس إلى جواره .. ثم أغلقته بهدوء ، وحدقت أمامها ..
أدار أوس محرك السيارة ، وانطلق بها مسرعاً ، بينما طالعته هي بنظرات أمومية حانية من طرف عينها ، وحاولت أن تختلس النظرات إليه دون أن تشعره بهذا ..
وعلى الرغم من تحديقه في الطريق أمامه بملامح جامدة إلا أنه كان متيقناً من مراقبتها له ..

بحثت تهاني عن وسيلة لتختلق حديثاً ودوداً معه ، فأهداها تفكيرها للســؤال عن تقى ، لذا رسمت إبتسامة مهذبة وهي تسأله بصوت خفيض :
-تـ.. تقى عاملة ايه الوقتي ؟

أجابها بإيجاز ووجهه خالي من التعبيرات :
-بخير 

-هو احنا رايحين فين الوقتي ؟
سألته بحذر وهي تبتلع ريقها ..

لم ينظر نحوها ، وأجابها بإقتضاب :
-على بيتي !

إتسعت عينيها في عدم تصديق ، وتسائلت في نفسها بحماس هل هو حقاً يدعوها للمكوث في منزله .. 
رقص قلبها طرباً من السعـــادة ، وتشكلت إبتسامة واضحة على ثغرها ..
لم ترغبْ في إضافة المزيد حتى لا تفسد الأجواء اللطيفة بينهما ..
..........................................

في قصر عائلة الجندي ،،،

أغلق مهـــاب صندوق السيارة الخلفي بعد أن وضع به حقيبة سفره ، ثم انطلق مسرعاً نحو مقعد القائد ليدير محركها ، وضغط على دواســة البنزين ليخرج من بوابة القصر الرئيسية دون أن يبلغ الحراسة بأي تعليمات ...

نظر له الحـــارس الأمني جمــال بإستغراب ، وغمغم مع نفسه متعجباً :
-هو مسافر فين الوقتي ؟ باين كده الموضوع فيه إن !!
..........................................

في السجن النسائي ،،،،

وضعت ناريمان يدها على فمها وهي تتحدث بخفوت في الهاتف المحمول الذي أعطته إياها الصول ، وتسائلت هامسة :
-يعني ايه مش عارفة توصليلها ؟

أجابتها هياتم بهدوء :
-يا مدام ناريمان أنا بأكلمها من بدري ، وموبايلها مقفول ! 

هتفت فيها بصوت منزعج رغم خفوته:
-اتصرفي يا هياتم ، لازم توصليلها ، وتعرفي إن كانت جابت الورق ولا لأ 

أجابتها هياتم بنبرة جادة :
-حـاضر ، بكرة هاعدي عليها !

مطت ناريمان فمها وهي تتابع هامسة :
-طيب ماتنسيش ، وأنا هاكلمك تاني !!

ثم أنهت المكالمة معها ، وأعادت الهاتف إلى الصــول التي غمزت لها وهي تقول بمكر :
-الحلوان يا ستنا !

ابتسمت لها ناريمان إبتسامة مصطنعة وهي تضع الأموال في قبضتها :
-أه أكيد 

إعتلى ثغر الصول إبتســـامة عريضة وهي تدس النقود في جيب سترتها الميري 
 .........................................

في منزل أوس الجديد ،،،،

إستلقى عدي على الأريكة بعد أن تركته ليـــان وذهبت إلى غرفة أوس لتنام بجوار تقى .. 
أغمض جفنيه ليستريح ، ولكنه سمع صوت فتح باب المنزل ، ففتح عينيه ، وإعتدل في نومته ، وحدق بالباب ..

هب من مكانه مذهولاً حينما رأى تهاني تدلف للصــالة ، فأسرع نحوها ، وسألها متلهفاً :
-انتي دخلتي هنا إزاي ؟ وعرفتي مكان الشقة منين ؟ وآآ...

ابتلع باقي الكلمات في جوفه حينما رأى أوس خلفها ، فرفع حاجبيه للأعلى ، وسأله بذهـــول أكبر :
-إنت ! طب إزاي ؟ 

أشــــار له أوس بعينيه ليكف عن الحديث ، وتشدق قائلاً :
-خليها تنام مع ليان ؟

اعترض قائلاً وهو يشير بيده :
-بس ليان نايمة مع تقى جوا في الأوضة وآآ..

قاطعته تهاني قائلة بخفوت :
-أنا ممكن أنــام في أي حتة ، محدش يشيل همي !

أردف أوس قائلاً بجدية :
-وديها عند أوضــة ليان وأنا هاجيبهالها هناك

لم تصدق تهاني أذنيها ، وظنت أنها تحلم حلماً جميلاً لم ترغب في أن تفيق منه أبداً .. نعم فهي مع فلذات أكبادها تحت سقف واحد ..
 ..............................

بخطوات حذرة ومتسللة ، دلف أوس إلى داخــل غرفة نومــه ، ورأى زوجته وشقيقته الصغرى تنامان في هــدوء ، فإعتلى ثغره إبتسامة صافية .. 
ثم إقترب من جانب الفراش الذي تنام عليه ليـــان ، وانحنى بجذعه قليلاً ، ووضع يده على ذراعها ليوقظها برفق وهو يهمس لها :
-ليــان ! اصحي

إعتصرت الأخيرة جفنيها بقوة لتفتحهما ، وردت عليه متسائلة بصوت ناعس :
-في ايه يا أوس ؟

همس لها بجدية وهو يهزها :
-روحي نامي في أوضتك 

أغمضت عينيها ، وتململت في الفراش ، وغمغمت بصوت ثقيل وناعس :
-لأ مش قادرة أقوم ، خليها بكرة ، أنا مبسوطة هنا 

إعتدل أوس في وقفته ، ورمقها بنظرات شبه مغتاظة ، ثم إعتلى ثغره فجــــأة إبتسامة عابثة ، وهـــز رأســه متوعداً لها .. 
نزع بهدوء سترته ، وأسندها على الأريكة ، وشمـــر عن ساعديه ، واقترب من الفراش مجدداً ، ثم لف ذراعه حول عنق شقيقته  ليكمم فمها ، فشهقت بصوت مكتوم ، وفتحت عينيها مصدومة ، وأزاح بيده الأخــرى جانب الغطاء الذي يغطيها ، ثم مرره أسفل ركبتيها ، وحملها بين ذراعيه ، وســـار مبتعداً بها عن الفراش ..
ركلت ليــــان بقدميها في الهواء وهي لا تصدق ما فعله معها ..
حاولت أن تصرخ ولكن صوتها كان مكتوماً للغاية ..

خـــرج أوس بها من الغرفة حاملاً إياها ، فتفاجيء عدي بما يفعله ، وفغر فمـــه مشدوهاً ، وركض نحوه متسائلاً بذهول :
-إنت بتعمل ايه بالظبط ؟!
-خــد مراتك !
قالها أوس وهو يلقي بها على رفيقه الذي أسرع بتلقفها منه بذراعيه فحملها بهما ، وضمها إلى صدره ..

خفق قلب ليـــان من تلك الحركة المباغتة ، وصاحت بإنزعاج وهي تلف يدها حول عنق عدي  :
-إنت اتجننت يا أوس ! ايه اللي بتعمله ده ؟!

غمـــز أوس لعدي وهو يقول بإيجاز :
-اتعامل بقى !

حدقت ليـــان في عدي بصــدمة ، وابتلعت ريقها بإرتباك واضح وهي ترى نظراته المتطلعة إليها بشغف كبير ..
بينما تشكلت إبتسامة متسلية على وجــهه وهو يستشعر بسعادة إرتباكها المغري  .. 
.............................................

عــــاد أوس إلى الغرفة ، وتمطع بكتفيه ، وبذراعيه ، ثم فرك عنقه بأصابعه ، واتجه نحو سترته ، وإلتقطها بإصبعيه ، ووضع يده في جيبها ليخرج منها فردة الحذاء الأخـــرى ، ثم ألقها على الأريكة ..
فرك بأصابعه تلك الفردة التي صــارت معشوقته ، ودنا من الفراش مجدداً ، ثم إستلقى عليه ، وراقب حبيبته تقـــى بنظرات عاشقة ، ومـــد أنامله ليتحسس بشرتها ، ثم انحنى عليها ليطبع قبلة صغيرة على وجنتها ، وهمس لها بحرارة :
-بأحبك !

أبعــد أوس رأسه للخلف ، وابتسم لها بعذوبة آســـرة ، ثم جمــع فردتي الحذاء معاً ، وأسندهما على الوســـادة أمام وجهها حتى تكون أول ما تراه عينيها حينما تفتحهما ...

تثاءب بإرهـــاق وهو يرجع رأسه للوراء ، ثم أغمض عينيه وتلك الإبتســـامة الهادئة لا تفارق محياه ...
............................................

عند رصيف ميناء بورسعيد ،،،،

وصـــل مهاب إلى مدخـــل الميناء بعد أن قطع مســافة الطريق الطويلة في وقت قصير بسبب سرعته الجنونية ..
كانت كل ثانية تمـــر عليه تزيد من هلعه من إحتمالية تعرضه للمسائلة القانونية وربما القبض عليه والزج به في السجن .. 

فحص الضابط المسئول عن دخــول الأفراد والسيارات للميناء التصاريح التي بحوزته ، ورمقه بنظرات مطولة قبل أن ينطق بجمود :
-اتفضل ، ورقك سليم 

تنفس مهـــاب الصعداء ، وأخذ منه الأوراق ، ثم انطلق بالسيارة للداخـــل ...
......................................

في نفس التوقيت بمكان أخــر بالميناء ،،،
 حـــرك أحد سائقى هيئة الميناء الرافعة التي تنقل الحاويات الثقيلة بحذر شديد نحو أحد الأرصفة ليصيح فيه زميله الأخـــر بنفاذ صبر :
-انت يا عم ، خلص بقى خلينا نروح ، الوردية قربت تخلص!

رد عليه السائق بضيق :
-ما أنا شغال قصادك ، شايفني بألعب يعني 

هتف فيه بصوت مرتفع وهو يلوح بيده :
-طب نزل الونش خليني أربط أخــر كونتينر ( حاوية ) 

بينما أضـــاف عامل أخـــر :
-بسرعة يا عمنا ، الوقت أزف 

-ماشي يا سيدي 
قالها السائق بإمتعاض واضح على وجهه ..

ثم ضغط على زر الإنزال ، وراقب بدقـــة حركته ، ولكن أرقــه إهتزازته الغريبة ..

تجمع العاملون حول الرافعة ، وقاموا بعقد الأربطة المعدنية حول الحاوية ، وتأكدوا من إحكـــام ربطتها ، وما إن انتهوا من عملهم حتى ابتعدوا عنها ، وتراجعوا للخلف ، وأشـــار أحدهم للسائق قائلاً بصوت مرتفع :
-اتوكل على الله وارفع !

رد عليه السائق بنبرة عالية وهو يشير بيده :
-مــــاشي !

وبالفعل ضغط على زر التشغيل لتعمل الرافعة وترتفع تدريجياً  للأعلى حتى صـــارت على علو مقبول ، فأدار المقود للجانب لتتحرك معه الرافعة بحذر وتنتقل للجانب الأخـــر من رصيف الميناء ..

شعر السائق بإرتجاجة قوية في الرافعة ، فإنقبض قلبه لوهــلة وحبس أنفاسه ، وظن أنها ستسقط .. فأوقف تشغيلها ، وانتظر لعدة لحظات مترقباً .. لكنها لم تحرك ساكناً ، وظلت على وضعيتها الثابتة .. فتنهد بإرتيـــاح ، وأعــــاد تشغيلها ..

في نفس اللحظة كانت سيـــارة مهاب الجندي تمـــر أسفل مســــار الرافعة .. 
حـــدق هو في الطريق أمـــامه بجمود ، وإلتوى فمه بإبتسامة خبيثة أظهرت أسنانه وهو يردد لنفسه بغبطة :
-ابقوا وروني هتوصلولي إزاي ! وأنا هاعرف أنتقم من كل واحد بطريقتي ! 

وإذ فجـــأة إنقطع رابط الرافعة المعدني ، فهوت بالحاوية التي تحملها فوق سيارته ، فهشمتها على الفور ، وأحدثت دوياً هائلاً هـــــز أرجــــاء الميناء لتتناثر بعدها الدمـــاء على الأرصفة والحاويات الأخــرى المتراصة على الجانبين ، ومعها قطعاً صغيرة من أشلاء ما تبقى من جســـد مهاب ............................................... !!

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1