رواية لا تترك يدي الفصل الثلاثون 30 بقلم هند رفاعي


 رواية لا تترك يدي الفصل الثلاثون 

بعد يومين راقب خالد العمال وهم يفككون الصوان بعد مغادرة المعزيين. تحسر في سره على حال هذه الدنيا الفانية. فقد أنتهى عزاء عمه وانصرف الجميع لأمور دنياهم. عادت الحياة الطبيعية للقرية وكأن عمه لم يكن فيها يوما. عاد لمنزل عمه وأسرع في خطاه عندما سمع صوت سعاد العالي فخشي أن تكون تتشاجر مع زوجته. دخل المنزل وتتبع مصدر الصوت وفتح الباب ودخل الغرفة وجد سعاد وصالح وهشام يتناقشان معا. سعاد وصالح واقفان والتوتر واضح عليهما وهشام جالس في طرف الغرفة ورأسه بين كفيه صامت فسألهم خالد.
"في أيه يا صالح؟ في أيه يا مرات عمي؟ صوتكم جايب أخر البلد."
استدارت سعاد وأجابته.
"باتكلم أنا وابن اختي في حاجة ما تخصكش. يا ريت ما تدخلش أنت."
تعجب خالد من نبرتها وكلامها فلم يجيبها أكتفى بأنه خرج وأغلق الباب. توجه للصالة ووجد مريم تواسي أحلام الباكية وتقول لها.
"ما تزعليش نفسك يا أبلة أحلام. الحق عمره ما هيضيع."
نظرت لها أحلام وقالت لها وهي تبكي.
"أروح فين بعيالي؟ هيرمونا في الشارع؟"
سأل خالد مريم.
"في أيه يا مريم؟ حد يفهمني."
"مرات عمي طردت صالح وأحلام من بيتهم. بتقول أن عمي كتب كل أملاكه بيع وشراء لهشام قبل ما يموت."
جحظت عيني خالد من الغضب وبرزت عروقه وقال لها.
"مش ممكن. عمي عمره ما يعمل كدة أبدا."
أستدار خالد وتوجه للغرفة التي أجتمعت فيها سعاد مع أولاد عمه ولكن زوجته حاولت أن تمنعه فمسكت ذراعه وقالت.
"خالد. بلاش تدخل جوة. أحنا مش عاوزين مشاكل مع مرات عمي ولا هشام."
نظر لها خالد متعجبا من كلامها وقال لها.
"يعني أيه يا مريم؟ عاوزاني أشوف الظلم وأسكت؟ عمي عمره ما يعمل كدة أبدا. عمره ما يظلم حد مش تقولي انه ظلم ابنه صالح."
"عارفة يا خالد لكن احنا مش في ايدينا حاجة."
سحب خالد ذراعه من قبضتها وقال لها.
"أنا مستحيل أقف أتفرج وهي بتظلم صالح. وأنا كنت مستغرب ليه بتقول عليها ابن اختها."
عصف خالد للغرفة وفتح الباب ودخل. نظرت له سعاد بتحدي وسألته.
"عاوز حاجة يا خالد؟ قولت لك الموضوع ما يخصكش."
أقترب منها خالد خطوتين وقال لها بتحدي.
"لا يخصني يا مرات عمي. ولاد عمي دول زي أخواتي وأكتر. وأي حاجة تخصهم تبقى تخصني أنا كمان."
شعر صالح بغضب ابن عمه وخشي من تهوره فوقف حائل بين ابن عمه وأمه وسألها بإستعطاف وإسترجاء.
"يا أما قولي لي أروح فين بس بعيالي ومراتي. يعني يرضيك أقعد في الشارع بعيالي؟"
"الحق حق يا صالح ومحدش يزعل من الحق. الأرض والبيت اللي أنت قاعد فيهم ملك هشام دلوقت. واللي يستحي من بنت عمه ما يجبش منها ولاد. ده ملك أخوك وحقه ولازم ياخده."
"ملكه أزاي يا مرات عمي. الأراضي ده كلها والبيت ملك عمي الله يرحمه. وتتوزع ورث."
"وعمك كتب كل حاجة قبل ما يموت لإبنه هشام بيع وشراء."
قال لها صالح.
"كلنا هنا عارفين ان ابويا عمره ما يعمل كدة أبدا."
نظرت سعاد لصالح بتحدي وقالت له.
"يعني أيه؟ بتتهمني بالتزوير يا صالح؟ عاوز تسجني؟ بتقول علي مزورة. علشان تقعد أحلام بنت صباح في ملك أخوك بتتهمني بالتزوير؟"
"يتقطع لساني قبل ما يقول كلمة ردية عليك يا اما. إذا كنت بتقولي علي أني ابن اختك مش ابنك لكن أنا ما اعرفش أم غيرك. أنا وعيت على الدنيا لاقيتك أنت أمي. خلاص يا اما. في خلال اسبوع هسيبك لكم الدار والأرض. ولو عاوزاني اسيب البلد كمان اسيبها لك يا اما."
ألتفت خالد لصالح وقال له.
"أيه اللي بتقوله ده يا صالح؟ هتسيب حقك أزاي؟ هتروح فين بمراتك وعيالك؟"
نظر له صالح بعيون دامعة وأجابه.
"أرض الله واسعة يا خالد. أروح أي حتة وأشتغل أي شغلانة."
أقترب خالد من هشام الجالس يراقب ما يحدث في صمت وسأله.
"ساكت ليه يا هشام؟ عاجبك كلام مرات عمي؟ هتطرد أخوك يا هشام من بيته هو ومراته؟"
وقف هشام ونظر لأمه بنظرات كلها حزن وأسى وتركهم وغادر الغرفة. أجابته سعاد وقالت.
"سيبك من هشام. هو محرج يطالب بحقه. لكن أنا أمه وأخاف على مصلحته وأدور على حقه."
نظر لها صالح بتحسر وسألها.
"وأنا مش ابنك يا اما؟ بتيجي على حقي ومصلحتي ليه؟"
"قولت لك وهقولها تاني. أنا ما يهمنيش في الدنيا ده إلا ولادي اللي من بطني. أي حد تاني ما يهمنيش."
أقترب خالد من صالح ولف ذراعه حول ظهر ابن عمه وقال له.
"ما تقهرش نفسك يا صالح على حاجات فانية. أرضي تحت أمرك تبني فيها وتقعد فيها وتعمل فيها اللي أنت عاوزه."
أنتبهت سعاد للفظ أرضي وسألته بلهفة.
"أرض أيه؟ أنت ليك أرض هنا؟"
أجابها صالح.
"أيوة أرض خالد الخمسين فدان اللي على البحر."
أتسعت حدقتي سعاد وقالت له.
"نعم الأرض ده بتاعة إبراهيم الله يرحمه. يعني بقت بتاعة هشام."
نظر لها خالد وقال لها بنبرة كلها قوة.
"الأرض ده بتاعتي. وعمي الله يرحمه سجلها بأسمي في الشهر العقاري قبل ما يموت بشهرين. وأنا هخليها تحت تصرف صالح يعمل فيها اللي هو عاوزه. يبني فيها يقعد فيها يأجرها يزرعها براحته. عاوزة حاجة يا مرات عمي؟"
نظرت سعاد لصالح والغل والحقد جلي في عينيها.
"يعني أحسن حتة أرض عندنا ابوك يروح يكتبها لإبن أخوه؟"
أبتسم صالح نصف إبتسامة وقال لها.
"كان عارف أنكم هتظلموه. ما تخيلش عمره أنكم هتظلموني أنا كمان."
"لكن الأرض ده مذكورة في العقود اللي معنا. يعني هي بأسم هشام دلوقت مش خالد."
نظر خالد لها بتحدي وقال.
"وده أكبر دليل أن العقود ده مزورة. لأن عمر ما عمي هيكتب لكم أرض هو بايعها لي ومسجلها في الشهر العقاري باسمي قبلها بشهر."
"لكن احنا معنا عقد زي ما انت معك عقد."
"مرات عمي. إذا كان صالح مش راضي يطعن بالتزوير علشان ما تتحبسيش انت وابنك. أنا مش هاسكت على حقي. ولو طلعتوا العقد ده لأي حد هطعن بالتزوير في عقود البيع كلها اللي معكم. ووقتها مش تنولوا اي حاجة إلا لبس السجن."
جفل صالح عند سماعه لفظ السجن من فم خالد وقال له.
"خلاص يا خالد. الله يسامحهم ويهديهم."
سحب صالح خالد خارج الغرفة بعيدا عن سعاد ونظرات الحقد والغل التي فاضت من قلبها.
أتصل خالد بمحاميه تلك الليلة وطلب منه الحضور ومعه ما يثبت ملكية خالد للأرض. حضر المحامي في الصباح التالي واجتمع بخالد وصالح وتناقشوا معا في الوضع. أخبرهم المحامي بأحقية صالح برفع دعوى يطعن بالعقود ولكن إذا ثبت التزوير سيتهم هشام وسعاد بالتزوير لتوقيعها على العقود كشاهدة. رفض صالح هذا الأمر تماما خوفا على أمه وأخيه.
تناقشوا أيضا في إجراءات نقل وصاية خالد لصالح إبن عمه بعد عمه المرحوم إبراهيم وإجراءات تأجير الأرض لصالح حتى يبني فيها منزله ويزرعها ويتقوت منها هو وأولاده فصالح لم يتعلم ولم يحمل أي شهادات لإنشغاله بالعمل في الأرض والفلاحة مع أبيه طوال عمره.
بعدما ودع صالح وخالد المحامي أصطحب خالد صالح لشقة أبيه في مدينة أسيوط وسلمه مفاتيحها وسمح له بالمكوث فيها حتى ينتهي من بناء منزل جديد في البلد. عاد بعد ذلك خالد ومريم لمنزلهما في القاهرة وقد هزمهما اللإرهاق والحزن بسبب ما عانوه في الأيام السابقة. جر خالد قدميه بتثاقل لغرفته. بدل ملابسه ونام على سريره بعد عدة دقائق نادى على زوجته وسألها.
"مش هتنامي يا مريم؟"
"لا نام أنت يا خالد. أنا قلقانة شوية."
"يا بنتي تعالي نامي. أحنا الاتنين مرهقين جدا من الأيام اللي فاتت."
"معلش نام أنت. وأنا هشتغل شوية. اصلي لما أبقى مرهقة مش بعرف أنام."
"براحتك. أنا عن نفسي هنام."
"تصبح على خير."
"وانت من اهله."
ظلت مريم مستيقظة طوال الليل. فقد خشيت أن يغلب خالد النوم ولا يستيقظ لصلاة الفجر أو لمدرسته وهي تعلم أهمية ذهابه للمدرسة في الصباح فقد بدأت إمتحاناته العملي. مكثت مريم مستيقظة تشغل نفسها بأي شيء حتى لا تستسلم لإرهاقها ويغلبها النوم.
في الفجر أيقظت مريم خالد فذهب لصلاة الفجر وعاد استأنف نومه وطلب من مريم إن توقظه بعد ساعة. جهزت له مريم ملابسه وبعد ساعة أيقظته. وقف خالد يرتدي ملابسه بعد خروجه من الحمام وقالت له زوجته وهي تغلق أزرار قميصه.
"أبقى سبب لي فلوس عاوزة اشتري لحمة وفراخ علشان الفريزر فاضي."
"حاضر بس عاوز اقول لك على حاجة."
نظرت مريم للأعلى له بعدما ناولته الحذاء وسألته.
"خير."
جلس خالد على حرف السرير ليرتدي حذاءه وربت على المكان بجواره لها لتجلس. فجلست مريم ونظرت له فقال لها.
"بصي يا مريم. أحنا عاوزين نقتصد شوية في المصاريف. عمي الله يرحمه كان هو الوصي علي الاول وكان بياخد مرتب على الوصاية ويديه لي اصرف منه علشان المعاش اللي باخده من المجلس الحسبي ما يكفيش مصاريفي. وكمان كان بيديني من ايراد الفندق في أسيوط قبل ما يورده في البنك. لكن دلوقت صالح هو الوصي علي. وانت شوفت اللي حصل معه من مرات عمي وهشام. يعني هو دلوقت محتاج لكل قرش علشان يقدر يعيش هو واولاده. فمرتب الوصاية هياخده هو. كمان ايراد الأرض هياخده هو نصه علشان هو اللي هيزرعها ونص الإيراد التاني يتورد لحسابي في البنك علشان المجلس الحسبي ما يعملهوش مشاكل بسبب تأجير الأرض.
"يعني بمعنى أصح أحنا دلوقت لغاية لما اوصل للسن القانوني اللي اقدر استلم فيه ورثي واملاكي سن ٢١ هنفضل عايشين على معاش المجلس الحسبي وده يعتبر ملاليم. فلازم نقتصد في مصاريفنا وإن شاء الله اول لما اخلص إمتحانات هنزل أشتغل أي حاجة علشان نقدر نعيش. لكن خلال شهر الامتحانات ده مش هقدر انزل أشتغل فلازم نمشي على قدنا علشان الفلوس اللي معنا ما تخلصش."
"ولا يهمك يا خالد. أنا ما يفرقش معي اكل ايه ولا حتى انام فين طول ما انت معي. ما تقلقش إن شاء الله هتدبر. مش هنبات جعانين إن شاء الله. أنا بإذن الله هدبر امورنا بالفلوس اللي معنا. ما تقلقش أنت بس وما تفكرش في حاجة غير إمتحاناتك. وبعد الامتحانات يحلها ربنا إن شاء الله."
أبتسم خالد لها وضمها لحضنه وربت على ظهرها وقال لها.
"ربنا ما يحرمني منك ابدا."
نظرت مريم للأعلى له وقالت له.
"ولا يحرمني منك يا حبيبي."

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1