رواية لا تترك يدي الفصل الواحد والثلاثون 31 بقلم هند رفاعي


 رواية لا تترك يدي الفصل الواحد والثلاثون 

بعد شهرين
طرق خالد على الباب ووقف ينتظر وهو يدعو الله في سره أن يكون الباب المقصود. بعد عدة ثواني سمع صوت فتاه صغيرة سألته من خلف الباب.
"مين؟"
"الاسطى فرحات موجود؟"
"دقيقة واحدة."
بعد دقيقة فتح الباب وظهر رجل في منتصف الخمسينات يرتدي جلباب فضفاض ليستر جسده السمين. نظر الرجل لخالد متعجبا وسأله.
"مين؟"
"أنا خالد يا عم فرحات مش فاكرني ولا أيه؟"
نظر له الرجل للحظات ثم أرتسمت علامات الدهشة والفرحة على وجهه وسأل خالد.
"خالد قناوي؟"
"ايوة يا عم فرحات."
مد خالد يده ليصافح الرجل ولكن الرجل جذب خالد من ذراعه لحضنه وضمه بشده وربت على ظهره وقال.
"وحشتني قوي يا خالد. ازيك يا ابني عامل ايه؟"
خرج خالد من حضنه وقال له وهو مبتسم.
"أنا الحمد لله بخير."
سحب فرحات خالد من يده وأجلسه على كنبة في الصالة بقرب الباب وقال له.
"ايه يا ابني اخبارك؟ واخبار الست الوالدة؟ عاملة أيه وصحتها عاملة ايه دلوقت؟"
ظهر الحزن على خالد وأجابه.
"الوالدة الله يرحمها ويغفر لها توفت من سنة."
"لا حول ولا قوة إلا بالله. البقاء لله يا ابني. البركة فيك."
"ونعم بالله."
"معلش يا ابني سامحني انشغلت عنك وعن أخبارك. أنت عارف الدنيا تلاهي."
"ولا يهمك يا عمي. أنا عارف الظروف."
"الواحد مش عارف يقول لك أيه يا ابني. لكن مش أنت لوحدك اللي تيتمت بموت ابوك الله يرحمه. كلنا تيتمنا من بعده. حالنا كلنا اتبدل بعده."
لف خالد بجسده تجاهه وسأله بإهتمام.
"ليه يا عم فرحات؟ ايه اللي حصل؟"
"الاستاذ سامي معاملته وحشة قوي. مش زي ابوك الله يرحمه. كل يوم خصومات من المرتب والمرتبات بقت في النازل واللي يتكلم يطرده. أغلب الناس القديمة مشيت يا مطرودين يا ما استحملوش يكملوا وراحوا أماكن تانية. مش فاضل من اللي كانوا شغالين أيام ابوك إلا أنا في المطبخ واتنين في الإدارة. لكن الباقي كله شغالين جديد واغلبهم تبع البيه. قرايبه أو صحابه. بمعنى أصح الفندق بقى تقريبا ملكه يعمل فيه اللي يعجبه."
غضب خالد كثيرا لسماعه هذه الاخبار عن فندق ابيه الذي افنى عمره فيه ليعلي اسمه. قال خالد.
"حسبنا الله ونعم الوكيل يعني ايه الكلا..."
قاطعه إقتراب فتاة صغيرة تحمل صينية عليها أكواب شاي. وضعت الفتاة الصينية أمام أبيها وخالد. نظر لها والدها وقال لها.
"شيلي الشاي ده وقولي لأمك تحضر العشاء."
"يا عمي مالهوش لزوم. أنا هشرب الشاي وأمشي."
"أزاي يا ابني. ده أنت نورتنا النهاردة. لازم هتتعشى معنا."
"بس يا عمي."
قاطعه فرحات ورفع يده ليصمته وقال.
"ما بسش."
ثم ألتفت لإبنته وصاح فيها.
"ما تشيلي الكوبايات ده. ما سمعتيش قولت أيه. سمعت الرعد بودانك. غوري قولي لأمك تحضر العشاء."
حملت الطفلة الصينية بيد مرتعشة وعيون دامعة واختفت عن أنظارهم في لحظة.
"بالراحة يا عم فرحات. مش كدة خضيتها."
"أسكت يا خالد ده صنف نمرود. ما ينفعش معهم إلا الشدة."
"بس ده بنت صغيرة يا عمي."
"اكسر للبت ضلع يطلع لها عشرة."
"دول البنات نعمة من ربنا. طول عمري كنت أتمنى يكون لي اخت."
"لما يبقوا خمسة يبقوا بلوة مش نعمة. خمس بنات يا خالد يا ابني. حمل يقطم الظهر. لو كان عندي ولد ولا اتنين كانوا شالوا عني الحمل شوية. لكن اقول أيه الحمد لله على كل حال. ربنا حرمني من الأولاد. مراتي ما بتخلفش غير بنات."
"ربنا رزقك الخير كله. ده اختيار ربنا يا عم فرحات. والبنات نعمة حافظ عليها بالحمد وإن شاء الله هتفرح بهم في يوم من الأيام."
"سيبك من الكلام ده وقول لي. عامل أيه بعد المرحومة وعايش أزاي لوحدك؟"
"الحمد لله أنا كويس وأموري ماشية كويس. أنا بس كنت عاوز منك خدمة."
"خير يا ابني. أؤمر وإن شاء الله رقبتي سدادة."
قبل أن يخبره خالد بطلبه دخلت فتاة أخرى اكبر من اختها التي أحضرت الشاي ولكنها أصغر عن زوجته بعام أو أثنين. وضعت الفتاة صينية كبيرة عليها أطباق الطعام على الأرض سألت أبيها إذا كان يريد شيئا آخر ولكنه صرفها. نزل عم عرفات وجلس على الأرض أمام الصينية وقال لخالد.
"أنزل يا ابني. معلش لقمة بسيطة مش على قد المقام."
نزل خالد وجلس قباله على الأرض وأخذ منه الخبز وقال له.
"ما تقولش كدة يا عمي. ده أكلة الفول والطعمية ده من أكتر الاكلات اللي بحبها."
"بألف هنا وشفا."
بعدما أنتهيا من الطعام جلسا معا يشربان الشاي وسأل فرحات خالد.
"قول لي بقى. أيه اللي أقدر أعمله لك؟"
"بصراحة كدة يا عم فرحات عاوزك تشغلني في الفندق."
بصق فرحات الشاي وسعل كثيرا. قام خالد وربت على ظهره وناوله كوب ماء. عندما هدأ سعال فرحات قال له.
"عاوزني اشغلك في الفندق أزاي؟ ده أنت صاحب الفندق."
"ما أنا عاوز أشتغل هناك مش بصفتي صاحب الفندق. عاوز أشتغل هناك بصفتي ابن صاحبك وبس. ومش عاوز حد يعرف أني خالد قناوي صاحب الفندق."
"طيب ليه يا ابني. ما أنت تقدر تيجي وتقعد في احسن مكان في الفندق والكل يشتغل تحت أيدك. ليه عاوز تشتغل تحت ايديهم وكمان محدش يعرف مكانتك."
"بص يا عم فرحات. أنا دلوقت في نظر القانون قاصر. مش من حقي أتحكم في أملاكي. في حد تاني هو اللي يدير المكان مش أنا. إن شاء الله لما أكمل سن القانوني هستلم الفنادق سواء اللي هنا أو في أسيوط. ساعتها هبقى ما اعرفش أي حاجة في أي حاجة. وإن حاولت أتعلم هيرفضوا اللي حولي أنهم يعلموني علشان يفضلوا يتحكموا في الفندق براحتهم. زي ما أنت قولت دلوقت. سامي غير طقم الموظفين تقريبا كله. يعني لما أنا أجي وأقول لهم الفندق بتاعي محدش هيشتغل معي علشان كلهم ولاءهم لسامي اللي مشغلهم.
"لكن دلوقت لو أشتغلت في الفندق وبدأت من تحت عامل في المطبخ أو الاستقبال أو أي حاجة بسيطة وبعيد عن أنظارهم. هقدر أتعلم وأعرف كل خبايا الفندق وكل حاجة بتحصل فيه. علشان كدة جيت لك النهاردة تتوسط لي أشتغل معك في المطبخ. منها تدريب علشان دراستي واخد خبرة علشان لما أمسك الفنادق إن شاء الله ومنها عيني تكون على الفندق وأعرف كل كبيرة وصغيرة بتحصل في ملكي ومالي."
"كلامك عين العقل يا ابني. ربنا يقدرني وأقدر أشغلك معي. تعالى بكرة الفندق وإن شاء الله هتبتدي شغل من بكرة."
"خلاص يعني بكرة إن شاء الله أقابلك في الفندق."
"إن شاء الله."
"طيب أستأذن أنا بقى علشان الوقت أتأخر."
"خليك يا ابني قاعد شوية. أنت كنت واحشني قوي."
"معلش يا عمي الوقت أتأخر. وبكرة تزهق مني ما هنبقى مع بعض كل يوم إن شاء الله."
وقف خالد ووقف فرحات يصافحه.
"إن شاء الله يا ابني."
* * *
مريم كانت تكوي قمصان زوجها وبجوارها فريدة تطوي الملابس المغسولة. طوت فريدة عباءة من عباءات مريم وسألتها.
"مريم هو كل لبسك كدة جلاليب وعبايات بكم."
نظرت لها مريم نظرة إستفهامية عن سؤالها المفاجئ وقالت وهي مستمرة في عملها.
"أمال هلبس أيه يا ماما؟"
ربتت فريدة على السرير الجالسة عليه لمريم لتجلس قبالتها وقالت لها.
"تعالي هنا يا مريم."
فصلت مريم قابس المكواه وأبعدتها عن البنطال حتى لا تحرقه وجلست أمام فريدة وسألتها.
"نعم يا ماما."
"بصي يا مريم. أنت بسم الله ما شاء الله كبرت دلوقت وادورت. وكمان أنت متزوجة. يعني ما ينفعش تقعدي طول النهار قدام جوزك لابسة الاسدال أو جلابية بكم ورابطة شعرك كحكة. جوزك من حقه عليك أنك تتزيني له تلبسي له حاجة كويسة تظهر جمالك."
خجلت مريم وأجابت بصوت منخفض وعيون تنظر للأرض.
"ما أنا قولت لك يا ماما أن علاقتي أنا وخالد مش كدة."
مدت فريدة يدها تحت ذقن مريم وجعلتها تنظر لها وسألتها.
"يعني أيه؟ مش أنت قولت أنكم بتناموا مع بعض بقالكم شهور دلوقت. معقول لسة لغاية دلوقت مجرد أصحاب وأخوات."
أبتسمت مريم وخجلت أكثر وأجابت بصوت خافت.
"مش أخوات قوي يعني. لكن برضه مش زي المتجوزين."
"يعني أيه بقى؟"
"يعني من وقت ما بقينا مع بعض في غرفة واحدة ويعني بتحصل حاجات كدة بيننا طياري. لكن أنا لسة بنت."
تنهدت فريدة بإرتياح وسألتها.
"يعني خالد بيعتبرك مراته؟"
"أيوة."
"خلاص بقى يبقى تعملي زي ما بقول لك. لازم تشتري لبس جديد. وكمان تهتمي بشكلك ومظهرك اكتر من كدة. أنت بسم الله ما شاء الله زي القمر من غير أي حاجة. لكن الرجل لازم يحس أنك بتتجملي علشانه. تحطي مكياج بسيط خالص يظهر جمالك. تعملي شعرك فورمة جديدة. تغيري في شكلك كل فترة. الكلام ده مهم جدا بين الزوجين لازم الرجل يحس أنك مهتمة به وبطلباته واحتياجاته."
"ما يا ماما أنا مش مقصرة معه في أي حاجة. لبسه وأكله وبيته وكل حاجة بعملها قبل حتى ما يطلبها."
"لكن مش ده هو الأساس."
أتسعت حدقتي مريم وسألتها.
"نعم؟"
"أيوة مش ده الأساس. مش ده مهمة الزوجة أنها تطبخ وتنظف. أي حد يقدر يطبخ وينظف. قبل ما خالد يتجوزك ما كانت شقته نظيفة. كل اللي بتعمليه ده وتاعبة نفسك فيه لو بكرة لا قدر الله مشيت وسيبت خالد ولا يفرق معه في حاجة. هيلاقي اللي ينظف له ويطبخ له أو هو ينظف لنفسه ويطبخ. لكن مهمتك أنت كزوجة المهمة اللي مفيش حد في الدنيا ده كلها يقدر يقوم بها لخالد غيرك هي أنك تكوني زوجة مش طباخة ولا خدامة."
"يعني أيه ما اعملش حاجة في البيت وأقعد أتزوق طول النهار."
"لا طبعا. ظروف الناس دلوقت أجبرت الزوجة أنها هي اللي تقوم بكل الأعمال في البيت من طبيخ وتنظيف وتربية عيال ومذاكرتهم و و و ..... وده خلاها تنسى دورها الأساسي. اللي هو الأهتمام بزوجها وراحته. علشان كدة الرجل بعد ما يطمن إن مراته في البيت بتقوم بكل ده يروح يدور على واحدة بقى تتزين له وتدلعه وتدلع معه. وبعدين الستات يقولوا الرجل عينه زايغة وساب مراته وبص برا."
نظرت مريم بفزع لفريدة وسألتها.
"يعني خالد هيسيبني؟"
"بصي يا مريم. خالد لسة صغير لكن بعد كام سنة هيبقى رجل عليه العين. شاب وسيم غني صاحب فنادق أي واحدة تتمناه وكتير هيحاولوا يوصلوا له. لازم قبل ما خالد يوصل للوقت ده تكوني أنت مش مجرد مراته لا تكوني مراته وحبيبته وكل الدنيا بالنسبة له علشان يقدر يثبت قدام أي واحدة تحاول توقعه في شباكها."
"طيب أعمل أيه؟"
"أول حاجة زي ما قولت لك تشتري لبس جديد وتجيبي مكياج وتهتمي بنفسك اكتر من كدة."
"حاضر."
"هروح اجيب اللاب من شقتي ونشتري لك كام طقم كدة."
"لا مش هينفع دلوقت. استني لما أشوف خالد وظروفه."
"أشمعنى مش هو سمح لك قبل كدة تشتري اللي أنت عاوزاه؟ هو حصل حاجة؟"
"لا ابدا مفيش حاجة."
وقفت مريم وأستأنفت عملها وهربت من عيون فريدة فسألتها بوضوح.
"في أيه يا مريم؟ هي الفلوس معجزة معكم ولا حاجة؟"
"لا ابدا. الحمد لله ربنا ساترها معنا."
"ربنا يزيدكم يا بنتي. طيب لو محتاجين أي حاجة يا مريم قولي. أنا امك وخالد كمان زي أبني."
"ربنا يبارك لنا فيك يا حبيبتي."
"ويبارك فيك يا عسل. عاوزة حاجة مني تاني ولا اروح أنا؟"
"ما تقعدي تتغدي معي بدل ما أتغدي لوحدي."
"ليه هو خالد هيتأخر في التمرين ولا أيه؟"
"لا خالد مش في التمرين. خالد نزل النهاردة شغل."
"أيه خالد نزل يشتغل؟"
"أيوة."
"وبسألك يا مريم محتاجين فلوس تقولي لا. أيه اللي يخلي خالد ينزل يشتغل؟"
"عادي يا ماما. هو نزل يشتغل في الفندق بتاعه. يعني مش علشان فلوس. هو نازل علشان يعرف الفندق أخباره أيه وكمان تدريب له علشان دراسته. إن شاء الله السنة الجاية الدبلوم ولازم يجيب درجات كويسة علشان يدخل الكلية اللي هو عاوزها."
"إن شاء الله. ربنا يوفقه يا رب."
أحتضنت مريم فريدة وقالت لها.
"أيوة كدة أدعي لنا أنت بس دعوتين حلوين زيك أنت يا قمر وإن شاء الله كله هيبقى تمام."

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1