رواية لا تترك يدي الفصل الثاني والثلاثون 32 بقلم هند رفاعي


 رواية لا تترك يدي الفصل الثاني والثلاثون 

عاد خالد من عمله منهك واستقبلته زوجته كعادتها بإبتسامتها الرقيقة.
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته."
"وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. عامل أيه؟"
دخل خالد وتوجه لغرفتهم وتبعته زوجته.
"الحمد لله."
"أجهز لك الأكل."
تمدد خالد على السرير دون أن يبدل ملابسه.
"لا مش جعان. أنا بس عاوز أنام."
جلست مريم على طرف السرير ووضعت قدمي خالد في حجرها. خلعت عنه حذاءه وجورابه ودلكت بأصابعها الصغيرة قدماه.
"آه يا مريم. أيدك ريحتني قوي. دوسي كويس."
أستمرت مريم في عملها وسألته.
"أحكي لي عملت أيه."
"مفيش. طول النهار واقف على رجلي لما ورمت. علشان أنا أجدد واحد في المطبخ فشغال بلية في المطبخ. أكنس أمسح أصبن المواعين أقشر البصل وكدة."
"أزاي يبهدلوك كدة وأنت شغال في ملكك؟"
"ما محدش يعرف أنه ملكي. أنا بالنسبة لهم عامل جديد وبس. وكمان علشان أتعلم كل حاجة لازم أبدأ من تحت مش من فوق."
"بس يا خالد أنت كدة هتتعب قوي."
"يا مريم الحمد لله أن أنا بشتغل وأتعب في ملكي. لكن غيري بيتعب ويتذل ومش قادر يتكلم علشان ما عندهوش بديل. مش كل الناس بتطلع لها ملك وورث."
"الحمد لله لكن أنا مش بحب أشوفك تعبان أو موجوع."
أنزل خالد قدميه من على حجرها وجلس وقربها منه وأخذها في حضنه وهمس لها.
"ربنا ما يحرمني منك ولا من حنيتك وقلبك الأبيض ده. يا حبيبتي الواحد لازم يتعب طول ما هو عايش في الدنيا ده. ربنا قال خلقنا الإنسان في كبد يعني تعب ومشقة ده حكمة ربنا وسنته في الدنيا ده."
"ونعم بالله."
تركها خالد واضجع ثانيا على السرير وقال لها.
"سيبيني بقى علشان فعلا عاوز أرتاح شوية."
وقفت مريم وأحضرت ملابسه وقالت له.
"طيب غير هدومك الأول. ما ينفعش تنام كدة. علشان تاخد راحتك في النوم."
نظر لها خالد بضيق وقال لها.
"هاتي يا ستي عارف مش هتسيبيني في حالي غير لما أغير."
* * *
"ينفع تيجي معي النهاردة مشوار؟"
قالت مريم لفريدة أثناء تناول إفطارهما. نظرت فريدة لها متعجبة وسألتها.
"مشوار أيه؟ أنت تقريبا مش بتخرجي خالص."
"أستأذنت النهاردة من خالد علشان ننزل نشتري هدوم زي ما قولت لي."
"أنت لسة فاكرة الكلام ده كان من شهر ده انا نسيت خالص."
"آه فاكرة لكن ما نفعش أنزل غير اليومين دول. هينفع تيجي معي ولا أيه أنا مش هعرف انزل أشتري لوحدي."
"ماشي يا ستي. عاوزة تنزلي امتى؟"
"النهاردة لو فاضية؟"
"ما أنا طول عمري فاضية يعني ورايا أيه يا حسرة. ولو مش فاضية أفضى لك أنت يا عسل."
أبتسمت مريم وقالت لها.
"خلاص يبقى نصلي الظهر وننزل إن شاء الله."
"إن شاء الله. في كذا مول هنا في مصر الجديدة وكمان في كتير في مدينة نصر تحبي تنزلي فين؟"
"لا أنا مش هروح في المولات هنا."
"أمال هنروح فين؟"
"أنا سألت على النت وعرفت أماكن فيها حاجات حلوة ورخيصة كتير عن المولات. أخدت عناوين اكتر من محل. في الموسكي والعتبة."
"أنا عمري ما روحت الأماكن ده لكن أسمع أنها زحمة ومليانة حرامية وكمان حاجتها مش حلوة."
"هي فعلا زحمة وحاجاتها فيها الحلو وفيها الوحش وكله بثمنه.  لكن أعرف أنها فيها حاجات حلوة قوي."
"خلاص يا ستي زي ما أنت عاوزة. نروح الموسكي والعتبة."
صفقت مريم بيدها كالأطفال وقالت بفرحة.
"هييييه."
ضحكت فريدة على تصرفها الطفولي وأستئنفا طعامهما.
وقفت مريم وفريدة أمام البائع تتفحص الملابس التي عرضها عليها. أشارت مريم على إحدى المعروضات وسألت البائع.
"بكام البيجامة السوداء ده؟"
"ب ٣٥٠ جنيه."
"والبمبي اللي جمبها."
"ب ٣٠٠ جنيه."
سألته فريدة.
"أزاي السادة أغلى من المطرزة."
"علشان الخامة يا مدام. امسكي ده وأمسكي ده وأنت تحسي بالفرق."
فحصت مريم وفريدة القماش بيدهما وتأكدا من كلام البائع. قالت مريم للبائع.
"أنا هاخد السوداء واللي زيها أحمر. هتديهم لي بكام."
"خلي عنك أنت خالص. إن شاء الله مش هنختلف."
"أنا هاخدهم ب ٤٠٠ جنيه الأثنين."
ظهرت الدهشة ليست على ملامح البائع بل فريدة أيضا التي ألجمتها فقال البائع.
"ما ينفعش يا أنسة. بقول لك البيجامة ب ٣٥٠ تقولي تاخدي الاثنين ب ٤٠٠ طيب ازاي؟"
"زي الناس."
"ما ينفعش يا أنسة ده كدة أخسر كتير."
"بالعكس أنت هتكون كسبان في البيجامة الواحدة ٥٠ جنيه."
فوه البائع ولم ينطق سألته مريم.
"مالك باصص لي كدة ليه. مش أنت شاريها جملة الدستة ب ١٨٠٠ جنيه يعني البيجامة ب ١٥٠ جنيه يبقى لما أخدها ب ٢٠٠ جنيه هتبقى برضه كسبان."
سألتها فريدة بصوت منخفض حتى لا يسمعهما البائع.
"عرفت منين؟"
نظرت لها مريم بمعنى "بعدين" ثم ألتفتت للبائع وسألته.
"هه هتديني البيجامتين ولا لأ؟"
ابتسم البائع لها وقال.
"حلال عليك يا ستي. لولا وشك السمح ده وعقلك اللي يوزن دهب ما كنت بعتها لك بالثمن ده أبدا."
ناولته مريم النقود وقالت له وهي مبتسمة.
"المهم تكون متراضي. ما تدعيش علي بعد ما امشي."
"متراضي يا ستي لكن يا ريت ما تجيش تشتري من عندنا تاني."
ضحك البائع و وضع الأغراض في حقائب وناولها لمريم قالت له.
"ماشي يا سيدي مش هنيجي هنا تاني."
أبتسم البائع وقال لها
"أنا بهزر. المحل محلك تنورينا في أي وقت. وأي حاجة تعوزيها أحنا تحت امرك."
"شكرا خالص."
أخذت مريم اغراضها وانتقلت لمحل آخر لتشتري باقي إحتياجتها وتكرر المشهد في كل محل. فهي كانت على علم بأسعار ما تشتريه جملة وتجادل مع البائع في السعر لتصل لأفضل سعر. وبسبب أسلوبها المحترم واللين مع البائعين باعوا لها بسماحة بالسعر الذي حددته. بعدما عادت للمنزل مع فريدة سألتها فريدة عن مصدر معلوماتها وكيف عرفت سعر كل شيء من قبل أن تخرج أو تسأل في المحلات.
"أنت لازم تقولي لي عرفت منين سعر الجملة لكل حاجة أشتريناها."
"بصي يا حبيبتي. الفترة اللي فاتت دورت على النت واخترت الموديلات اللي عجبتني. واخدت اسماءها واسم مصنعها في الصين. ما كل اللبس ده اصلا جي من الصين. ودورت وعرفت سعر تصديرهم من الصين وكمان عرفت المحلات الجملة اللي بيشتري منها أغلب التجار في العتبة والموسكي. اتصلت بهم على أني شغالة في محل في الموسكي واديتهم أسم محل فعلا علشان ما يفتكروش أني بضحك عليهم وقولت لهم عاوزة دستتين من كل صنف وبما أني عارفة أسم الموديل والمصدر والمستورد حسوا إن كلامي صح وفعلا شغالة في الحاجات ده وقالوا لي على الاسعار وبس لما اروح لأي محل افهمه أني عارفة سعر الجملة اللي هو شاري به ساعتها مش يقدرش يضحك علي."
أقتربت فريدة وقرصت خد مريم مازحة وقالت لها.
"يا اروبة. آه من دماغك أنت. على رأي الرجل تتوزن بالذهب."
خجلت مريم وابتسمت وقالت لفريدة.
"ربنا يبارك لي فيك. لولاك ما كنتش عرفت أي حاجة من ده ولا كنت عرفت أدخل النت ولا ادور ولا اعرف أي حاجة."
"بس تبارك الله. الموضوع مش نت وبس. ما أنا بقالي عشرين سنة عايشة على النت عمري ما فكرتش أعمل زيك. أنت الله اكبر عليك دماغك تجارية."
"سيبك من دماغي وقولي لي ايه رايك في اللي أشتريناه."
"لا بجد حاجات حلوة قوي ولو كنا أشتريناها من على النت أو من أي مول كنا دفعنا ثلاث اضعاف اللي دفعناه."
"فعلا علشان كدة قولت لك ننزل الموسكي. المولات ما يرضوش ينزلوا جنيه واحد."
"بس البيجامات المطرزة كانت أحلى من السادة. عارفة انك جيبت السادة علشان خامتها احسن لكن شكل التانين أحلى."
"ما انا مش هلبسهم كدة وبس. أنا الحمد لله بعرف اطرز احسن كمان من اللي كان في البيجامات التانية. أنا هطرز دول وهتشوفي إن شاء الله لما اخلص منهم  هيبقوا أحلى من التانين أزاي."
"طيب يا ستي. أنا هقوم انام شوية علشان تعبت من اللف النهاردة وشوفي أنت بقى هتروحي تنامي ولا هتعملي ايه."
"معلش يا ماما تعبتك معي. روحي أنت ريحي وأنا هروح شقتي أجهز الأكل لخالد علشان قرب يجي من الشغل."
"تعبك راحة يا قمر. أنا اتعلمت منك النهاردة اللي ما تعلمتهوش في سنين. إن شاء الله لما أجي اشتري حاجة لهاجر وبسملة هأخدك معي."
"إن شاء الله. اسيبك انا بقى علشان ترتاحي."
* * *
انتهى خالد من غسل الأطباق و رصها جميعا على صينية كبيرة لينقلها لمكانها على الرفوف. مد حاتم زميله في المطبخ رجله أمام خالد فاختل توازنه وسقطت الصينية وكل ما عليها من أطباق وتهشمت جميعا على الأرض. سمع صوت الإرتطام الأسطى فرحات وسألهما.
"ايه ده يا خالد؟ مش تحاسب يا أبني."
اجابه خالد ووجهه أحمر من الغضب.
"حاتم وقعني وأنا شايل الصينية."
ألتفت فرحات لحاتم وسأله.
"أنت وقعته يا حاتم؟"
"وهو يعني نونو مش عارف يمشي. يعني ايه وقعته؟ أنا ماليش دعوة به. هو اللي مش قادر يشيل شوية أطباق."
ثار خالد لما سمع ومسك حاتم من ياقته وقال له.
"نعم؟ ما تتكلم عدل."
صاح فرحات فيهما الأثنان.
"خالد بس. حاتم شوف شغلك. وأنت يا خالد خد بالك وانت ماشي. ثمن الأطباق ده هيتخصم من مرتبك. أبقى بعد كدة بص وانت ماشي."
نظر خالد لفرحات وعيناه كالجمر من الغضب ولم ينطق ببنت شفة وعصف للمخزن الملحق بالمطبخ. تبعه فرحات بعد دقائق قليلة وجده ياخذ المخزن جيئة وذهابا وهو يستغفر ربه ويمسح على وجهه ورأسه من الغيظ فاقترب منه وربت على كتفه. انتبه خالد له وتوقف على الفور فقال له فرحات.
"ما تزعلش يا خالد يا ابني. أنا هدفع لك ثمن الأطباق من مرتبي أنا."
نظر له خالد مستنكرا ما سمعه أنزل كف فرحات من على كتفه وقال له.
"أنا مش زعلان على الفلوس يا عم فرحات. أنا ما بحبش الظلم وانت ظلمتني ونصرته علي. أنت عارف انه مش طايقني من يوم ما جيت هنا وعلى طول يحتك بي وعاوز يعمل لي مشكلة. أزاي تصدق على كلامه أني أنا اللي مش عارف امشي ووقعت الأطباق؟"
"خالد يا ابني انا عارف ومتاكد إن كلامك صح. وأن هو اللي وقعك. لكن ده قريب الاستاذ سامي. ولو وقفت معك ضده ساعتها هيشتكيك له. وأنت مش عاوز حد يعرف انك خالد قناوي. لو شافك الأستاذ سامي وعرفك هتبقى مشكلة. علشان كدة انا عملت اللي عملته. و وإن كنت زعلت علشان عليت صوتي عليك فانا أسف يا سيدي."
"يا عم فرحات أنت زي والدي الله يرحمه. يعني تزعق في تضربني كمان براحتك. طول ما أنا غلطان يبقى استاهل اللي تعمله. أنا بس زعلت لأني حسيت بالظلم."
"لا ظلم ولا حاجة. ما تكبرش الموضوع. بكرة إن شاء الله تمسك الفندق ده كله وتقدر تطرد اللي مش عاجبك. حتى أبقى اطردني أنا كمان لو عاوز."
ابتسم فرحات لخالد فارتسمت إبتسامة بسيطة على وجه خالد ولف ذراعه على كتفي فرحات وقال.
"أزاي يا رجل يا طيب. ده انا ماليش غيرك هنا."
"خلاص تعالى بقى كمل شغلك ونظف مكان الأطباق اللي اتكسرت ده."
"حاضر يا عم فرحات."

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1