رواية لا تترك يدي الفصل الرابع والثلاثون
تناول الشباب الإفطار معا على ااشاطئ. قال لهم خالد بعدما أنهى طعامه.
"الحمد لله. أيه رأيكم يا شباب نخلص بدري من هنا ونطلع على شاطئ عجيبة. النهاردة أخر يوم لنا هنا وما روحناش لسة عجيبة."
أجابه حسام.
"ماشي. كمان النهاردة الموج غلس وما يشجعش أبدا على النزول."
قال ياسين.
"طيب هتتغدوا الأول ولا لما نرجع من عجيبة."
ضربه جاسر على بطنه وقال له.
"يا ابني أنت على طول همك على بطنك. أحنا لسة ما خلصناش فطار وأنت جي تتكلم عن الغدا."
نظر ياسين لجاسر بغضب قال له.
"ممكن ما تمدش أيدك. أنا مش الملطشة بتاعكم هنا."
تبادل خالد وجاسر النظرات ثم قال خالد ملطفا الموقف.
"في أيه يا ياسين؟ جاسر بيهزر. مالك قفشت كدة ليه؟"
قال له ياسين بنبرة حزن.
"بصراحة هزاره بقى تقيل حبتين. مش كفاية حاكم علي أنام في البلكونة من يوم ما جينا."
قال له خالد.
"أيه يا ياسين. ما أنت عارف جاسر بيحبك أزاي. أنت عارف أنه معتبرك أخوه."
وقف ياسين واشاح بيده وقال له.
"بلا أخوه بلا بتاع بقى."
تركهم ياسين وابتعد عنهم وقف خالد ونادى عليه ولكن جاسر وقف وأشار لخالد ليتوقف وتبع هو ياسين. أسرع في خطاه وحاوط ياسين بذراعه. حاول ياسين التملص منه ولكن جاسر لم يترك له المجال. أختفى الأثنان عن الأنظار لفترة ليست بطويلة. نظر خالد لحسام وقال.
"ده ايه النكد اللي على الآخر ده."
"هو ياسين كدة لازم كل شوية يعمل له فيلم."
"ياسين مش بيمثل. ده أطيب واحد فينا واللي على قلبه على لسانه. عمره ما يخبي ولا ينافق."
رفع حسام يده مستسلما وقال.
"أنا ما قولتش حاجة. كان قصدي بس أننا كنا كلنا مبسوطين ما كانش له أي لازمة الفيلم الحمضان اللي عمله ده."
"برضه هتقول فيلم."
"أنا مش هقول حاجة. أنا هنزل الماية شوية."
ترك حسام خالد بمفرده وأتجه للبحر. بعد دقائق قليلة عاد جاسر وهو يتأبط ياسين ويضحكان معا. أبتسم خالد لرؤيتهما وسألهما.
"خلاص أتصالحتوا؟"
أجابه ياسين.
"أحنا ما اتخاصمناش علشان نتصالح."
ضم جاسر ياسين له ونظر لخالد وقال له.
"ياسين ده أخويا الصغير. ينفع حد يخاصم أخوه. وعلشان ما تزعلش يا سيدي هنام النهاردة في البلكونة."
قاطعه ياسين.
"لا طبعا. هنام أنا في البلكونة. أصل بصراحة الدنيا حر والنوم في البلكونة جميل."
قال جاسر.
"يا سلام وحضرتك كنت عامل لي فيها عم المقموص طيب بالعند فيك أنا اللي هنام في البلكونة."
قاطعهما خالد وقال.
"أنتم هتتخانقوا تاني. أحنا ما صدقنا أتصفينا. وبمناسبة النهاردة أخر يوم لنا. وأحتفالا بلمتنا الحلوة ده مع بعض. نويت والنية لله أني أعزمكم النهاردة على الغدا."
صاح ياسين بفرحة وقال مهللا.
"هييييه. معنى كدة الغدا عليك النهاردة. هتودينا فين بقى. أوعى تقول لي فول وطعمية."
"لا يا سيدي. عازمكم على كوك دور. والميزانية مفتوحة تختاروا اللي أنتم عاوزينه."
أعترض جاسر وقال.
"ما بلاش المصاريف يا خالد. نتغدى زي كل يوم نقسمها على بعض. مش لازم تشيل أنت الليلة كلها."
قال ياسين.
"ما تسيبه يعزمنا يا عمنا. بصراحة أنا فلست ومعيش فلوس خالص. خليه هو يعزمنا."
"خلاص يا جاسر الغدا النهاردة علي أنا."
أنتهى الشباب من زيارة شاطئ عجيبة وعادوا جميعا للشقة. بدلوا ملابسهم ووقفوا ينتظروا خالد الذي تأخر في غرفته. نادى حسام عليه.
"خالد خلص بقى هنموت من الجوع."
أجابهم خالد من داخل غرفته.
"دقيقة يا جماعة بدور على الفلوس."
انتظر الشباب ربع ساعة ولم يخرج خالد من غرفته. دخل جاسر له وقال.
"خلاص يا خالد لو معجزة معك الفلوس نقسم الغدا علينا زي ما أحنا ماشيين."
أجابه خالد وهو منهمك في البحث.
"مش عارف الفلوس راحت فين. ضايع مني ألف جنيه."
وقف جاسر وسأله.
"ألف جنيه؟ أزاي؟"
ألتفت خالد له وأجابه.
"أنا جايب معي ثلاث ألاف جنيه. صرفت منهم ألف ونص. لاقيت دلوقت خمسمئة جنيه بس اللي فاضلين."
"ما يمكن يا خالد أتصرفوا منك وأنت مش واخد بالك."
"بقول لك عارف أنا صرفت أيه. أنا كل جنيه بصرفه بأكتبه. مفيش حاجة مش مكتوبة. والحساب كله أهه قصادك. أحسبهم هتلاقيه ألف وأربعمائة وخمسة وثمانين بالظبط. المفروض يكون معي ألف ونص وشوية فكة. مش لاقي غير نص ألف."
أقترب جاسر وبدأ يبحث معه في الخزانة وقال.
"يعني هتكون الفلوس راحت فين. مفيش حد غريب دخل. شوف كويس يمكن تكون وقعت بين الهدوم."
"ما أنا بدور اهه."
دخل حسام وياسين الغرفة وقال ياسين.
"أيه يا جماعة أنا عصافير بطني بقت غربان من الجوع. مش ناويين تنزلوا بقى."
أجابه جاسر.
"أصبر يا ياسين فلوس خالد ضايعة."
قال حسام.
"طيب يا جماعة أحنا جعانين. ننزل نتغدى وبعدين نشوف موضوع الفلوس ده."
سأله ياسين وعلى وجهه إبتسامة سخرية.
"ما لو ما لاقيناش الفلوس يا ناصح هنتغدى أزاي؟"
"عادي أعزمكم أنا بدل خالد."
سأله جاسر متعجبا.
"هتعزمنا أنت؟ ده عمرها ما حصلت."
"قصدك أيه. أنا بخيل؟"
تدخل ياسين وقال.
"ما عاش ولا كان اللي يقول عليك بخيل. المهم معك فلوس تغدينا."
رفع حسام رأسه عاليا وربت على صدره وقال.
"طبعا جيب السبع ما يخلاش."
قال ياسين.
"خلاص يا خالد بطل تدوير دلوقت. لما نتغدى ونرجع نبقى ندور مع بعض كلنا. تعالى بقى يحسن شوية وهقع منكم."
ربت جاسر على كتف خالد المنهمك في البحث وقال له.
"تعالى يا خالد نأكل دلوقت وبعدين ندور براحتنا."
أغلق خالد الخزانة وخرج مع أصدقائه لتناول الغداء.
في طريق العودة مسك خالد ذراع جاسر وقال لرفقائه.
"روحوا أنتم وأنا وجاسر هنشتري حاجة ونحصلكم."
سأله جاسر.
"هنشتري أيه؟"
همس خالد له.
"هنشتري حاجة من الصيدلية."
قال جاسر.
"روحوا أنتم يا جماعة وهحصلكم أنا وخالد على طول."
قال حسام.
"ماشي لكن ما تتأخروش علشان نلحق نجهز الشنط."
قال خالد
"حاضر."
وقف خالد وجاسر وراقبا حسام وياسين يبتعدا حتى أختفيا عن الأنظار. سأل جاسر خالد.
"مالك أنت تعبان ولا أيه؟ عاوز تشتري أيه من الصيدلية. أشمعنى مش عاوز حد فيهم يعرف."
"أنا مش تعبان لكن عاوزك تشتري لي حاجة."
رفع جاسر حاجبه وقال له.
"حاجة أيه وما ينفعش تشتريها لنفسك ليه؟"
همس خالد له في أذنه بصوت منخفض. فز جاسر وقال له مقتضبا.
"لأ طبعا. أنت أزاي عاوزني أدخل أشتري حاجة زي كدة."
"ما مينفعش أشتريها أنا. بعدين أنت الوحيد اللي عارف ظروفي من الشلة."
"أيوة لكن أنت متجوز تقدر تشتريها أنا عازب ما ينفعش ويقولوا علي أيه؟"
"ومين عارف مين متجوز ومين عازب. أنت بجسمك اللي قد الباب ده عادي لو دخلت وطلبت حاجة زي كدة. لكن أنا شكلي زي سني وأصغر كمان. محدش هيصدق أني متجوز."
"برضه ما أقدرش يا خالد."
"يا جاسر أرحم أخوك. أنا متجوز بقالي سنة أهه و لسة ما دخلتش دنيا. أنت متخيل أن تبقى مراتي عايشة معي ومش قادر أمارس حقي."
"خلاص خلاص. أنت هتعيط. عاوز كام علبة؟"
"لو تقدر تشتري عشرة."
"عشرة يا مفتري."
"ما علشان ما اطلبش منك تاني تشتريها لي."
"لا طبعا. ده اول وأخر مرة. بعد كدة تتصرف أنت مع نفسك. مش ناس تتجوز وناس تتحرج."
"إن شاء الله مفيش إحراج ولا حاجة. أدخل بقى."
دفع خالد جاسر ليتقدم نحو الصيدلية ودخل جاسر وأشترى ما طلبه منه خالد.
* * *
عاد خالد للقاهرة ورحبت به زوجته بإبتسامتها المشرقة. دخل ووضع حقائبه وتبعته زوجته لغرفتهما وقالت له.
"ألف حمد الله على سلامتك وحشتني قوي."
أقترب منها زوجها وحضنها مرة أخرى وقال لها.
"وأنت كمان وحشتيني قوي. طمنيني عليك كنت عاملة أيه لوحدك هنا؟"
"عادي. أنت ناسي أن العيد بكرة إن شاء الله. كل سنة وأنت طيب. الأسبوع كله أخدته تنفيض ومسيح و النهاردة غسلت الحيطان هنا وشقة ماما كمان. أنت قول لي أتبسطت؟"
جلس خالد على السرير بعدما بدل ملابسه وقال لها.
"الحمد لله كانت رحلة جميلة. هي نكدت بس في الآخر لكن طول الاسبوع كان جميل."
فتحت مريم حقائب خالد وبدأت تفرغها وتضب محتوياتها وسألته وهي منهمكة في عملها.
"ليه حصل أيه؟"
"مفيش ضاعت مني فلوس."
"يعني الفلوس عجزت معك؟"
"لا الحمد لله كنت واخد فلوس زيادة علشان الواحد ما يضمنش الظروف."
"الحمد لله. فداك فلوس الدنيا كلها. الحمد لله رجعت لنا بالسلامة أهم حاجة."
"الله يسلمك يا حبيبتي."
وجدت مريم حقيبة داخل ملابسه فأخرجتها ونظرت له متسائلة. وقف خالد وأقترب منها وقال لها.
"ده هدية لك. أشتريتها من هناك وخبيتها من أصحابي بين الجلد واللحم."
أبتسمت مريم وفتحت الحقيبة وجدت قميص نوم رقيق جدا وأنيق توردت وجنتي مريم من الخجل وتمتمت شاكرة له وهي مطأطأة الرأس. وضع خالد يده تحت ذقنها لتنظر إليه وسألها.
"ما قولتش رأيك. أنا أول مرة أشتري حاجة حريمي. طمنيني عجبك؟"
أومأت مريم برأسها وهي صامتة. فقال لها.
"طيب ألبسيه علشان أشوفه مقاسك ولا لأ."
نظرت لحقيبته الموضوعة على السرير وقالت له بصوت منخفض.
"طيب مش أشيل الحاجة ده الأول."
"سيبك من كل حاجة. أنا هدخل اخد دش واطلع الاقيك لبساه."
دخل خالد الحمام وضبت مريم بسرعة أغراضه وأرتدت القميص. خرج خالد من الحمام وجدها جالسة على السرير مرتدية القميص وعلى وجهها القليل من الزينة التي تظهر ملامحها الشقراء الرقيقة وشعرها الأشقر مفرود يستر ظهرها الغض. مد خالد ذراعه لها لتقترب منه. وقفت مريم وأقتربت منه بخطوات بطيئة خجولة.
أقترب منها خالد ولف حولها وهمس لها من الخلف.
"أنت عارفة أنك مجنناني بلبسك بقالك أكتر من شهر دلوقت."
لفت مريم رأسها له ونظرت بعيون بريئة وقالت.
"أنا عملت حاجة؟"
نظر لها بنظرة العالم بنواياها وقال لها.
"ولا حاجة. أنت ما عملتيش أي حاجة."
"أنا مش فاهمة قصدك أيه."
"أنا أفهمك دلوقت قصدي أيه وعاوز أيه."
أدارها خالد لتنظر له وأقترب منها. علمت مريم بنيته وقالت له.
"مش أنت قولت لما نكمل ١٨ سنة وجوازنا يبقى رسمي."
"أنا متجوزك بقالي سنة ومش مستحمل أصبر يوم واحد تاني تقولي أصبر سنة تاني طيب الرحمة شوية."
"طيب لو حصل حمل هنعمل أيه؟"
"أنا عامل حسابي ما تقلقيش."
"طيب....."
وضع خالد سبابته على فمها ليسكتها وقال لها.
"هس بقى بطلي رغي. دلوقت مش وقت رغي خالص."
أبتسمت مريم وأخذ بيدها للسرير.......
بعدما هدأت أنفاسهما وسكنت مشاعرهما المتقدة. شعر خالد ببلل على صدره بالقرب من رأس زوجته الساكن على قلبه. فوضع يده تحت ذقنها رفع رأسها له. قلق عندما رأى دموعها المنهمرة في صمت. فمسح دموعها وسألها بحنان.
"بتعيطي ليه؟"
نظرت مريم لعينيه البنيتان بعينيها الزمردية وأجابته.
"أنا بحبك قوي يا خالد."
أبتسم خالد وضحك ضحكة خفيفة وضمها إليه أكثر وسألها.
"هو اللي يحب يعيط؟"
"أنا قبل الليلة ده كنت مستعدة لأي حاجة ممكن تحصل لي. لكن بعد اللي حصل بينا دلوقت مش هقدر. مش هقدر أبعد عنك خالص يا خالد. أوعى تسيبني با خالد. أنت لو سيبتني أنا أموت."
وضع خالد سبابته على شفتاها ليمنعها عن ذكر هادم اللذات وقرب يدها المتشابكة مع يده الآخرى من فمه وقبلها وقال لها.
"أنا عمري ما أسيبك يا مريم. من يوم ما مسكت أيدك في محطة القطر وأنا عمري ما أسيبها أبدا."