رواية لا تترك يدي الفصل الخامس والثلاثون
عاد خالد منزله الواحدة صباحا كعادته بعد بداية السنة الدراسية. فتح الباب بمفاتيحه حتى لا يقلق زوجته من نومها. دخل وأغلق الباب بحرص حتى لا يصدر أي صوت. ألتفشت لزوجته عندما سمع صوتها ترحب به وهي تحمل خفيه في يدها واقتربت منه وقالت.
"حمد الله على السلامة."
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته."
"وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته."
جلس خالد وخلع حذائه ولبس خفيه وسألها.
"أيه اللي مسهرك لحد دلوقت."
"أنت عارف مش بعرف أنام غير لما أطمن عليك."
توجه خالد لغرفته وبدأ في خلع ملابسه ووقفت مريم تعاونه وسألته.
"أجهز لك العشاء؟"
"لا مش جعان عاوز أنام."
ناولته مريم كوب ماء بارد وسألته.
"ما ينفعش خالص كدة يا خالد. أنت بقالك أسبوعين تخرج الساعة ٦ الصبح وترجع الساعة ١ بعد نص الليل. لا عارف تنام ولا عارف تأكل. غلط كدة على صحتك."
جلس خالد على السرير أجابها.
"أعمل أيه يا مريم؟ أنت عارفة الظروف. الصبح أنزل ٦:٣٠ علشان المدرسة واطلع من المدرسة على الدروس وبعدين أروح الفندق من الساعة ٦ للساعة ١٢ يا دوب أرجع هنا أنام خمس ساعات وخلاص."
"بس يا خالد أنت في الدبلوم يعني لازم ترتاح علشان تعرف تذاكر. وكمان أنت مفيش أي وقت تذاكر فيه."
"ما تقلقيش على المذاكرة. بذاكر في الفندق عم فرحات أوقات كتير يسمح لي أقعد في المخزن أذاكر مع نفسي."
"ده حتى الأكل ما بقاش تأكل ولا مرة في البيت. الفطار في المدرسة والغداء في الشارع والعشاء في الفندق. ما ينفعش أبدا تفضل كدة."
شعر خالد بالضيق لإجراء هذه المناقشة في هذا الوقت المتأخر في الليل وهو مجهد ومتعب من العمل والدراسة طوال اليوم فقال لها بضيق.
"عاوزة أيه يا مريم على الليل؟ أنا تعبان ومش مستحمل. أنا يا دوب قصادي خمس ساعات بالعافية أنامهم وأنت عاوزة ترغي وتتناقشي دلوقت."
شعرت مريم بغضبه فجلست بجانبه وملست على ظهره وقالت له بكل هدوء.
"ما أنا خايفة عليك يا حبيبي."
هدأ خالد قليلا للمستها وكلامها وألتفت إليها وقال لها بهدوء.
"طيب أنا أعمل أيه؟ هو أنا مش عاوز أرتاح يعني. أنت عارفة أني في الدبلوم السنة ده. ما ينفعش ما اروحش المدرسة والدروس برضه مهمة ومن غير شغلي مش هقدر ادفع حق الدروس. المجلس الحسبي بيدفع مصاريف المدرسة علشان بقدم له فواتير لكن الدروس الخصوصية اجيب فلوسها منين. والمرتب اللي بخده ما يكملش أكلنا وشربنا."
أقتربت منه مريم وهمست له بصوت مهزوز ومتردد.
"ما لو توافق على فكرتي......"
وقف خالد وأدار لها ظهره وقاطعها بصوت واضح ولهجة آمرة.
"لأ يا مريم. ويا ريت ما تجبيش سيرة الموضوع ده تاني."
وقفت مريم ولفت حوله ونظرت لعينيه الحمراوتان من الإرهاق وقالت له.
"وفيها أيه يا خالد؟ أنت شوفت شغلي حلو أزاي. وأنا هشتغل من البيت. يعني مش هأحتاج أخرج برا البيت حتى."
"لأ يعني لأ يا مريم. وبعدين يعني أيه مش هتخرجي من البيت. أمال الحاجة اللي هتشتريها هتجبيها أزاي. والحاجة اللي هتبعيها بعد ما تطرزيها هتبعيها ازاي؟"
"مشوار في الشهر مش حاجة أجيب كل الخامات. وأخلص شغل هنا في البيت وأنا قاعدة مرتاحة وهبيع اونلاين على النت يعني مش هنزل خالص."
"برضه لأ. أنا ما أوافقش أن مراتي تشتغل وأنا قاعد في البيت."
"ما أنت مش قاعد في البيت. أنت في المدرسة والدروس."
"أنت بتهزري. أنا قولت لأ. مش أنا اللي مراتي تصرف علي. ولما أقول كلمة تتسمع بدون نقاش. أنا رجل البيت هنا. أنا اللي أشتغل وأنا اللي أصرف على البيت وأنا اللي كلمتي تتسمع."
"بس يا خا..."
فزعت مريم وقفزت بجسدها الصغير بسبب صوت تهشم الكوب الموضوع على المنضدة بعدما ألتقطته خالد بيده وقذفه بعنف للحائط. نظرت مريم لخالد وجدت وجهه أحمر من الغضب وعروقه بارزة وتنبض بعنف فبلعت كلماتها وتوجهت للزجاج المهشم على الأرض لتلمه في صمت. أرتعشت مريم عندما سمعت صوت زوجها الغاضب يقول لها.
"سيبي الازاز."
تجاهلت مريم أمره واستمرت في لم قطع الزجاج فجأة شعرت بيد زوجها تقبض على ذراعها بقوة وسحبها لتقف على قدميها. صاح زوجها في وجهها بأعلى صوته وهو قابض على ذراعها.
"لما أقول كلمة تتسمع. قولت سيبي الزفت."
سقطت الدموع من عيني مريم بدون أذنها وتمتمت بكلمات الاعتذار.
"أسفة. أنا أسفة... مش هعمل كدة تاني."
خفت قبضة خالد الحديدة على ذراعها وتركها تماما بعدما رأى الدموع تنهمر من زمردتيها. لحظة ما حرر يدها من قبضته جرت مريم ودخلت غرفة خالد القديمة وأغلقت الباب عليها وأطلقت العنان لدموعها ولشهقات بكائها.
توجه خالد للمطبخ وجلب مكنسة ولم قطع الزجاج المتناثرة على أرض غرفته. جلس على السرير وأستغفر ربه مرارا. توجه للحمام وتوضأ وصلى ركعتين.
جلست مريم في الغرفة تبكي فهذه أول مرة ترى غضب خالد لهذا الحد. وهذه أول مرة يكون غضبه منها هي منذ أن عرفته. مكثت في الغرفة تبكي لإحساسها بالذنب لما وصل نقاشهما. وإحساسها بأنها السبب في غضب زوجها. فهو عائد من عمله متعب بعد يوم طويل مقسم بين دراسته وعمله وبدلا من أن تخفف عنه عبئه أثارت غضبه بنقاشها. توقفت مريم عن البكاء عندما سمعت طرق خفيف على الباب وصوت زوجها يسألها من الطرف الأخر من الباب.
"مريم نمت؟"
وقفت مريم ومسحت دموعها بظهر يديها وأسرعت للباب وفتحته ووجدت زوجها ينظر لها نظرة إعتذار وقال لها.
"مش عارف أنام لوحدي. تعالي نامي جنبي."
أبتسمت مريم إبتسامة بسيطة على كلمات زوجها وقالت.
"ما أنت طول عمرك بتنام لوحدك."
نظر لها خالد للأسفل بعيون كلها حب وقال لها.
"بس من يوم ما بقيت تنامي جنبي وأنا مش بيجي لي نوم غير وأنت في حضني."
"طيب تعالى ننام. الساعة عدت ٢ من بدري."
توجه خالد لغرفتهما وتبعته زوجته. تمدد على السرير ومد ذراعه يستقبل زوجته في حضنه. نامت مريم في حضن زوجها ووضعت رأسها على صدره. ملس خالد على شعرها ورفع رأسه قبل رأسها وهمس لها.
"أنا أسف."
نظرت مريم للأعلى وسألته.
"على أيه؟"
"على أني خليتك تعيطي. سامحيني. أنا بس كنت مرهق جدا وتعبان قوي ومش مستحمل أي مناقشة وأنت عمالة تجادلي في نفس الموضوع."
"ما يا خالد من خوفي عليك وحبي فيك مش مستحملة أشوفك كدة. وفي نفس الوقت مفيش وقت تاني اتكلم فيه معك غير لما ترجع وبتكون طبعا هلكان."
"معلش يا حبيبتي. هي بس السنة ده صعبة شوية علشان الدبلوم لكن بعد كدة الامور هتكون أحسن إن شاء الله."
"إن شاء الله."
بعد دقيقتين صمت.
"مريم."
"مممم."
"أوعي تسيبي سريرك تاني أبدا."
نظرت مريم له متسآئلة فقال لها.
"حبيبتي ده بيتك وده غرفتك وده سريرك. أوعي في يوم من الأيام تسيبيهم علشان أي حد ولا حتى أنا. نتخانق نزعق نتخاصم براحتنا لكن أخر اليوم لازم تنامي هنا على سريرك."
"أنا روحت الغرفة التانية لما لاقيتك زعلان مني وما حبيتش أفضل وأضايقك أكتر."
"عارف لكن أنا بقول لك أهه. حتى لو في مرة أتجننت وقولت لك أمشي ما تمشيش. أنا اللي أمشي. مش أنت. فهماني."
أومأت مريم برأسها ولفت ذراعها حول صدر زوحها وجذبت جسدها نحوه أكثر وقبلته وتمتمت.
"أنا بحبك قوي."
أبتسم خالد وحاوطها بذراعه وقال لها.
"وأنا كمان."
* * *
"ماما أيه رأيك في الطرحة كدة بعد ما خلصتها؟"
جلست مريم على الكنبة بجوار فريدة في شقة فريدة وناولتها طرحة مطرزة. فحصت فريدة الطرحة ونظرت بفخر لمريم وقالت.
"الله. تسلم أيدك جميلة قوي. تبارك الله أيدك تتلف في حرير."
لاحظت فريدة تعبيرات الضيق على وجه مريم فسألتها.
"مالك؟ أيه اللي مضايقك؟"
شاحت مريم بوجهها بعيدا عن فريدة حتى لا ترى عيونها الدامعة وقالت.
"مفيش."
فسألتها فريدة ثانيا.
"لأ في. مالك؟ أتخانقت أنت وخالد ولا أيه؟"
أومأت مريم برأسها قليلا وأخبرت فريدة بما حدث بينها وبين خالد في الليلة السابقة. فقالت لها فريدة.
"أولا أنت غلطانة أنك أتكلمت وجادلت معه في وقت زي ده. هو راجع تعبان وعاوز ينام وأنت فضلت تتكلمي وتناقشي وتناهدي وده ما ينفعش أبدا. الزوجة الصالحة اللي تحتوي زوجها لما يرجع تعبان مش تزود تعبه."
همت مريم بالاعتراض ولكن فريدة نظرت لها نظرة أسكتتها وأكملت.
"أنا عارفة هتقولي اصلي مش بشوفه اصلا طول اليوم والكلام ده. كان ممكن تستني ليوم الجمعة أجازته. الموضوع ده مش مستعجل قوي يعني علشان لازم تكلميه الساعة اتنين باليل."
نظرت مريم للأسفل والذنب جلي على ملامحها وقالت.
"أنا عارفة ان الكلام كان مش في وقته خالص. لكن أنا ما قدرتش أسكت وأنا شيفاه بيهلك نفسه وصحته."
"برضه أنت غلطانة. وكمان غلطانة في الموضوع نفسه مش في الوقت وبس."
نظرت لها مريم وسألتها.
"ليه بقى غلطانة؟ اني عاوزة أساعده واريحه."
"أديك قولت عاوزة تساعديه هو وتريحيه هو. مدام هو معترض على المساعدة ده. يبقى موضوع شغلك مش هيبقى راحة له. ده هيبقى مشاكل وتعب لكم أنتم الاتنين."
"نعم أزاي بقى؟"
"بصي يا مريم. الشغل والصرف على البيت ده مهمة الرجل. في ظل مشاكلنا دلوقت وظروفنا الاقتصادية الهباب الستات اضطرت تخرج تشتغل علشان تساعد أجوازها. وده شيء كويس مش وحش مدام تقدر عليه وعلى الاهتمام ببيتها وأولادها وزوجها لأن ده المهمة الأساسية بالنسبة لها. وكمان لما الرجل يقدر المساعدة ده كمان. لكن لما يكون الزوج رافض شغل الست وهي تصر على انها تشتغل. لو أشتغلت، أي تقصير ولو بسيط جدا في العادي بيتغاضى عنه في البيت أو الأولاد أو اهتمامها به يتخانق ويزعق ويقول علشان بتشتغل. وما نكدبش على بعض لازم هيكون في تقصير مهما حاولت لأن الشغل مسئولية أنت بتشيليها مع مسئولياتك التانية وأنت مجرد أنسانة عادية لك امكانيات وقدرات محدودة. فلو الزوج مش موافق ومرحب ومقتنع بإحتياجه لشغل زوجته مش هيساعدها على تحمل المسئولية بالعكس هتلاقيه كل شوية يتهمك بالتقصير والإهمال ويكره الوقت اللي بتنشغلي بشغلك عنه."
"يعني اقعد اتفرج عليه وهو مقطع نفسه بين دروس ومدرسة ومذاكرة وشغل؟"
"لا تعرضي عليه المساعدة. مجرد عرض مش فرض رأي ولا غصب. وافق على العرض ده أهلا وسهلا ما وافقش يبقى هو عارف نفسه وعارف قدراته وقوة تحمله وانه يقدر يشيل المسئولية لوحده. أنت اللي عليك أنك تخففي عنه الحمل بأبتسامتك والكلمة الحلوة واهتمامك به وببيته براحته. مش أنك تنكدي عليه في الساعتين اللي يكون موجود فيهم في البيت."
مطت مريم شفتها وقالت.
"يعني أنا اللي غلطانة في خناقة إمبارح؟"
"آه وشوفي النهاردة هتصالحيه أزاي."
"بس أحنا أتصالحنا بالليل."
"برضه أعتذري له وعرفيه أنك عرفت غلطتك راضيه زي ما هو رضاك."
"حاضر. أقوم أجهز الغدا علشان جعانة. تحبي تأكلي أيه؟"
"هتأكلي معي هنا؟"
"آه ما أنت عارفة خالد هيرجع بالليل خالص."
قطع كلامهما صوت جرس الباب.
"غريبة مين هيجي في الوقت ده. ألبسي طرحتك وشوفي مين."
"حاضر يا ماما."
لفت مريم حجابها وتوجهت للباب وفتحته وقالت.
"خالد."