رواية لا تترك يدي الفصل السابع والثلاثون 37 بقلم هند رفاعي


 رواية لا تترك يدي الفصل السابع والثلاثون 

بعد شهرين كان خالد ومريم جالسان على المائدة يتناولان عشاءهما عندما رن محمول خالد. تناول خالد المحمول وتلقى الإتصال.

"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته."

"أنا الحمد لله بخير. أنت عامل أيه يا صالح وأخبار أولادك أيه؟"

"يا رب دايما يستاهل الحمد."

"طيب يا سيدي ألف مبروك. ربنا يبارك له فيه ويهديه."

"لا مش هأقدر أجي دلوقت يا صالح."

"معلش أنت عارف الظروف دلوقت أنا ملتزم بشغل."

"حاضر هشوف ظروفي كدة وربنا ييسر الأمور."

"مع السلامة. سلم لي على الأولاد وبوسهم لي."

أنهى خالد الإتصال وزفر بضيق. سألته زوجته.

"مالك حصل أيه؟"

"هشام خلف ولد."

"طيب وأيه اللي مضايقك؟ ربنا يبارك له يا خالد."

نظر خالد لمريم بتعجب وسألها.

"هو أنا هزعل أو أضايق أنه يخلف يا مريم. ربنا يبارك له."

"أمال أنت مضايق ليه؟"

"تخيلي صالح متصل بي ليه؟ عاوزني أروح أزور هشام وأبارك له. وبصراحة أنا من بعد اللي حصل بعد موت عمي وأنا مش طايق أسم هشام ولا مرات عمي."

"بس يا خالد هشام ده ابن عمك يعني زي أخوك. أزاي يخلف وما تروحش تبارك له."

"بعد اللي عمله في أخوه اللي من دمه مالهوش أي حق علينا."

"عندك حق. لكن ده برضه ابن عمك. وأكيد عم إبراهيم الله يرحمه كان هيضايق لو أنت قاطعته."

"عمي إبراهيم عمره ما يرضى بالظلم أبدا. أنا مش واجعني غير عمي. أنهم أتبلوا عليه وزوروا امضته على بيع وشرا لهشام. عمي عمره ما كان ممكن يعمل كدة أبدا في صالح."

ربتت مريم على كتفه برقة وقالت له.

"وكلنا عارفين كدة. حتى هو وطنط سعاد ما قدروش ينكروا. لكن هنعمل أيه؟ ربنا يساحمهم ويغفر لهم على اللي عملوه. وأدي صالح أهه اللي أتظلم منهم هو اللي بيتصل بيك علشان تروح تبارك له وما تقاطعهوش."

"أنا لو روحت هبقى مش طايق نفسي ولا عاوز أشوفه. وممكن قوي يظهر على وشي أني مش طايقه. يبقى خلينا هنا أحسن."

"براحتك يا خالد بس أنا بصراحة كان نفسي أسافر أغير جو. البلد وحشتني قوي والخضرة والهدوء اللي هناك."

لمعت دمعة في عين خالد وقال بصوت مهزوز.

"وأنا كمان برضه وحشتني البلد قوي. لكن أنا مش قادر أروح هناك وأنا عارف أن عمي مش هناك. مش هقدر أدخل بيته وأنا عارف أنه مش موجود ياخدني بالحضن زي ما كان متعود. البلد عمرها ما هتبقى زي الأول أبدا بعد عمي."

وقفت مريم وأقتربت من زوجها أستدار خالد بجسده تجاهها وجذبها إليه ودفن رأسه في حضنها. ملست مريم على شعره وقالت له.

"الله يرحمه ويغفر له. كلنا هنموت في يوم من الأيام يا خالد. والدنيا بتمشي ولا كأن في أي حاجة حصلت. الدنيا مش بتقف على حد. عارفة أول مرة تروح البلد بعد عمي هتكون صعبة عليك. لكن بعد كدة هتتعود وكله هيعدي. قوم كدة أتوضأ وصلي ركعتين وأستهدى بالله."

خرج خالد من حضنها ونظر للأعلى لها وقال.

"حاضر هقوم دلوقت. وربنا ييسر الأمور. الأجازة بعد أسبوعين. نبقى نروح وقتها ونشوف موضوع هشام ده."

أبتسمت مريم لزوجها وقالت له.

"طول عمرك قلبك طيب وحنين. ربنا ما يحرمني منك أبدا."

"ولا يحرمني منك."

* * *

نزل خالد ومريم من القطار في محطة قطار أسيوط. وجدا صالح ينتظرهما على رصيف المحطة. أستقبلهما بإبتسامته الحانية وتبادلا التحيات.

"ألف حمد الله على السلامة يا خالد. حمد الله على السلامة يا مدام."

أومأت مريم برأسها لترد تحيته وصافحه خالد وقال له.

"الله يسلمك يا صالح."

جذب صالح خالد لحضنه وربت على ظهره وقال له.

"وحشتني قوي يا خالد."

أنسحب خالد بهدوء من عناقه وقال له.

"وأنت كمان يا صالح. وحشتني البلد كلها."

حمل خالد حقائبه وحاول صالح معاونته ولكنه رفض فتوجها معا لباب الخروج وتبعتهم مريم ورائهم بخطوتين. قال صالح لخالد.

"لو كنا وحشناك كنت جيت تشوفنا."

"معلش أنت عارف الظروف. وكمان كان صعب علي أجي البلد بعد عمي الله يرحمه."

ظهرت علامات الحزن على ملامح صالح وقال.

"الله يرحمه ويغفر له. هنعمل أيه يا ولد عمي. أمر الله."

"ونعم بالله."

أشار صالح لسيارة وأخبر السائق بوجهتهم. سأله خالد وهو يركب في الخلف مع زوجته.

"هو أحنا مش هنروح البلد؟"

"لا هنروح على شقتك الأول اللي هنا تريح وبكرة إن شاء الله ننزل البلد نبارك لهشام."

"ماشي. قول لي أخبارك أيه؟ وأخبار البلد أيه؟ خلصت البناء ولا لسة؟"

"أنا الحمد لله بخير. والأرض الموسم ده ربنا يبارك محصولها كان أحسن محصول في البلد. والبناء خلصنا الدور الأول في البيت الكبير ولسة في أساس البيت التاني."

عقد خالد حاجبيه وسأل صالح.

"بيت كبير أيه وبيت تاني أيه؟ مش أنت بتبني بيت ليك يا صالح وبس؟"

لف صالح بجسده ونظر للخلف لخالد وقال له.

"ما كانش ينفع يا ابن عمي أبني في أرضك بيتي من غير ما أبني لك بيتك الأول فيها. كان لازم أبني لك بيت تقعد فيه براحتك أنت وجماعتك لما تيجي البلد."

"يا صالح ما كانش له أي لزوم. أنت اللي كان مهم تبني الأول مش أنا. وانا لو أحتجت أجي في أي وقت أقعد عندك في بيتك أو لو مش عاوزني أقعد عندك يا سيدي أقعد في الشقة في أسيوط."

"أزاي تقول كدة؟ ده بيتك قبل ما يكون بيتي. أنا بس علشان تبقى المدام قاعدة براحتها ما تضايقش مني ولا من العيال."

أبتسمت مريم الصامتة طوال الطريق وقالت له.

"ما تقولش كدة. بالرغم من أني قعدت في بيت عمي إبراهيم شهور قليلة لكنه كان الله يرحمه نعم الأب وأنت نعم الأخ والله."

"الله يكرم أصلك. أدينا وصلنا. على جنب يا أسطى."

توقفت السيارة ونزل صالح وتبعه خالد. نزلت مريم بمعاونة زوجها الذي مد يده لها. حمل خالد حقائبه مسك يد زوجته وتبع صالح لداخل العمارة. صعدوا جميعا للطابق الثالث وضغط صالح على زر الجرس. فتحت أحلام زوجة صالح الباب وأستقبلتهم بالترحاب. الشقة كانت متوسطة المساحة بالمقارنة بشقة خالد في القاهرة. فهذه الشقة كانت ملك والده قبل الزواج والإنتقال للمعيشة في القاهرة.

دخل صالح وتبعه خالد ومريم وجلسوا جميعا في الصالة. تبادلوا التحيات معا جميعا وتوجهت أحلام للمطبخ لتعد لهم وجبة العشاء. تبعتها مريم لمعاونتها بالرغم من إعتراض أحلام. بعد دقائق خرجتا السيدتان من المطبخ ويحملان أطباق الطعام. رصا الطعام على المائدة وجلس الجميع لتناول العشاء. بعدما سمى بالله صالح سأل زوجته.

"دخلت الأكل لأمي؟"

"أيوة أتعشت قبل ما تيجوا أنتم ونامت."

عقد خالد حاجبيه وسأل صالح.

"هي مرات عمي هنا؟"

"أيوة قاعدة عندنا بقالها أسبوع."

"غريبة ده؟"

نظر صالح لخالد وأجابه بضيق.

"غريبة ليه يا خالد؟ أمي وجاية تقعد عندي شوية. أظن مافيهاش مشكلة ده. أنا عارف ان البيت بيتك وكان المفروض أستأذنك قبل ما تيجي هي وتقعد عندي لكن أفتكرت أن عادي أم تيجي تقعد عند إبنها."

"أنت عارف أن ده مش قصدي. أنا بس أستغربت أنها قاعدة عندك بعد اللي حصل بينكم بعد وفاة عمي. البيت بيتك يا صالح ومن حقك تقعد فيه اللي يعجبك. أنا ضيف عندك مش أكتر."

توقف خالد عن الأكل. وشعرت مريم بضيقه فأخذت يده في يدها من أسفل المنضدة وضغطت عليها برقة لتخفف من توتره. زفر صالح وأستغفر ربه وقال.

"سامحني يا خالد أنا مش قصدي حاجة. أصل بصراحة أنت مش عارف إيه اللي حصل."

"فهمني يا إبن عمي أيه اللي حصل؟"

"هشام طرد أمه من البيت بعد سبوع إبنه."

سقطت اللقمة من يد خالد وفغر فاه ونظر لزوجته التي تعكس نفس تعجبه وسأل صالح.

"نعم؟ أزاي؟"

توقف صالح عن الأكل وقال. 

"بعد سبوع إبنه كلمها وقال لها أن سلوى مضايقة من وجودها هي وبكر في البيت. ولما أمي قالت له أن البيت أصلا بيتها مش بيت سلوى مراته قال لها أبويا كتب له كل حاجة بأسمه بما فيها البيت. سألته هتروح فين هي وبكر أخوه قال لها مالهوش صالح هو. كل اللي يهمه بيته ومراته وإبنه. ما يفرقش أي حد تاني معه."

سألت مريم بتعجب.

"أزاي يطرد أمه وأخوه كدة؟"

أجابتها أحلام.

"زي ما هي خلته يطرد أخوه قبل كدة."

نظر صالح لزوجته محذرا إياها من الخوض في الماضي. سأل خالد إبن عمه.

"طيب وبعدين؟ مرات عمي عملت أيه؟"

"هتعمل أيه يعني. خرجت من البيت هي وبكر وراحت تعيش عند أخوها. لما سمعت باللي حصل من أهل البلد روحت لها عند خالي وصممت أنها تيجي تعيش معنا هنا. لكن من يوم ما دخلت هنا من أسبوع وهي مش بتخرج من غرفة العيال  خالص. قاعدة فيها ليل ونهار ولا بتكلم أي حد فينا ولا بتخرج برا. قاعدة بس تدعي على هشام ومراته وإبنه."

"لا حول ولا قوة إلا بالله. فعلا يمهل ولا يهمل."

نظر صالح لخالد وسأله بضيق.

"أنت شمتان في أمي يا خالد؟"

"لا طبعا يا صالح. أشمت أزاي. لكن ربنا أسمه العدل. وعمره ما يسيب حق حد أبدا. ربنا يهدي هشام ويرجع لعقله قبل ما يضيع منه كل حاجة هو كمان."

"ربنا يهديه ويغفر له ويسامحه."

"عاوز الصراحة يا صالح. أنا ما كنتش عاوز أجي ولا أشوف هشام خالص بعد اللي حصل منه بعد جنازة عمي. لكن دلوقت بعد اللي حصل منه مع أمه بقيت بجد مش قادر أشوفه ولا أروح له بيت."

"يا خالد هشام مهما كان أخوي وإبن عمك ما ينفعش نقطعه. لازم نفضل معه علشان لو أحتاجنا في أي وقت يلاقينا جنبه. أنا عارف أنك مضايق من اللي عمله. لكن لو بعدنا عنه هنقطع كل الأحبال اللي بينا. حتى لو ندم في يوم وحب يرجع لنا تاني مش هيقدر. لازم نسيب باب الود بينا مفتوح. لأجل خاطري وخاطر عمك الله يرحمه."

"حاضر يا صالح. علشانك أنت بس وعلشان عمي أنا هروح له بكرة وأبارك له. لكن لو ما عرفتش أخبي غيظي منه وكرهه للي عمله ما تضايقش مني."

"ولا يهمك يا إبن عمي. المهم نروح له بكرة إن شاء الله."

"إن شاء الله."

"مش هتجيبي الشاي يا أحلام."

"حاضر ثواني بس."

"لا يا إبن عمي أرجوك. أنا تعبان من السفر وعاوز أنام. قول لي بس هنام أزاي علشان أنا مش قادر."

نظرت أحلام لمريم وقالت.

"أنا وأنت يا مريم هننام جوة مع بعض وخالد وصالح هيناموا هنا في الصالة. معلش مفيش غير غرفتين بس واحدة نايمة فيها أمي سعاد والأولاد والتانية هننام فيها أنا وأنت."

"ولا يهمك يا أحلام. خلينا نعرف نرغي مع بعض بعيد عن شخير الرجالة."

ضحك خالد وصالح وقال صالح.

"شوفت مرتك بتقول أيه يا خالد؟ هو أنت بتشخر صح؟"

نظر خالد لزوجته معاتباً وقال.

"ما أنت عارف يا إبن عمي أني مش بشخر خالص. الستات على طول ظالميننا."

ضحك الجميع وتبعت مريم أحلام لغرفة النوم. وأفترش خالد وصالح الأرض وناما للصباح.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1