رواية لا تترك يدي الفصل الثامن والثلاثون
"أسلقي عشر بيضات."
طلبت أحلام من مريم وهي تقطع الخضراوات لتجهيز الإفطار.
"حاضر."
وضعت مريم البيض في إناء به ماء ووضعته على الموقد.
"طمنيني عاملة أيه مع خالد؟"
"الحمد لله بيعاملني أحسن معاملة."
"خالد طيب جدا."
"فعلا أنا ما شوفتش حد في طيبته."
"صالح بيحبه قوي ومعتبره أخوه الصغير مش إبن عمه."
"وكمان خالد معتبر صالح أخوه الكبير."
"فعلا. هروح أدخل الفطار لحماتي. حدقي أنت السلطة."
"ممكن أخد أنا الفطار أدخله لها. أنا ما سلمتش عليها من إمبارح."
"ماشي."
أخذت مريم صينية الطعام وتوجهت بها لغرفة الأطفال، وجدت سعاد جالسة على سرير وشاحت بوجهها بعيد عندما رأت مريم. وضعت مريم الصينية على منضدة صغيرة أمامها وقالت لها.
"أزيك يا طنط عاملة أيه؟"
تجاهلتها سعاد ولم تجيبها بل نادت على أحلام.
"أحلام يا أحلام."
أسرعت أحلام ودخلت الغرفة وقفت بجوار مريم وقالت لسعاد.
"أيوة يا ماما عاوزة حاجة."
"ما جبتيش أنت الفطار ليه؟ مش فاضية لي."
أرتبكت أحلام وهزت مريم رأسها بالنفي وقالت لسعاد.
"لا يا طنط. أحلام كانت هتجيب لك الفطار لكن أنا قولت أسلم عليك وأجيب الفطار بنفسي."
"جاية تسلمي علي ولا تشمتي في."
فغرت عينين مريم وأرتبكت وقالت.
"أنا... أنا ... جاية أسلم عليك يا طنط."
دخل خالد وصالح الغرفة عندما سمعا صوت سعاد. سأل صالح زوجته فور دخوله.
"في أيه يا أحلام؟"
"مريم جاية تسلم على ماما وتجيب لها الفطار. ماما أضايقت منها وبتقول أنها جاية تشمت فيها."
أحمر وجه خالد من الغضب لما سمعه وقال لسعاد.
"في أيه يا مرات عمي؟"
"مفيش. أنا عارفة أنت ومراتك جايين ليه. جايين تشمتوا في."
"يا أما ما تقوليش كدة. خالد جي يسلم عليك هو مراته."
"أسكت أنت خالص يا صالح. أنا مش عاوزة حد يسلم علي ولا يشمت في."
"بقى أحنا يا مرات عمي هنشمت فيك؟ أنا لما عرفت أن هشام خلف جبت مريم علشان نسلم عليه ونبارك له....."
"ألهي ما يتهنى به. ربنا يوجع قلبه عليه زي ما وجع قلبي."
"ليه كدة بس يا أما. تدعي عليه ليه الدعوة ده؟"
"مش طردني من بيتي يا صالح. خلاني أتحوج للي يسوى وما يسواش."
نظرت سعاد لخالد ومريم وفطن خالد لقصدها. فقال لصالح.
"إحنا هنرجع مصر دلوقت. أبقى سلم لي أنت على هشام."
"أزاي يا خالد تمشي من هنا. ده بيتك."
فزت سعاد واقفة وصاحت في صالح.
"خلاص أمشي أنا. ما أنا ماليش بيت خلاص."
"لا يا مرات عمي. ده بيتك ومطرحك وإحنا اللي ضيوف هنا."
ألتفت خالد لزوجته وقال لها.
"أجهزي يا مريم علشان نمشي."
"أيه يا خالد؟ أنت أزاي هتمشي دلوقت؟ ما ينفعش أبداً. أنتم يا دوب جيتوا إمبارح بالليل."
"معلش يا صالح. أنا أصلا ورايا شغل في القاهرة. ولازم أكون هناك بكرة إن شاء الله."
"بس يا خالد."
"ما بسش. أبقى سلم لي على هشام وبارك له على المولود."
طأطأ صالح رأسه في خجل مما حدث من أمه وقال.
"حاضر يا خالد."
ألتفت خالد لزوجته وقال لها.
"أدخلي ألبسي يا مريم."
"حاضر."
رفع صالح رأسه وقال لإبن عمه.
"أستنوا طيب لما تفطروا."
"معلش علشان نلحق وقتنا."
"والله ما خارجين إلا لما تفطروا. أنت بتهرج يا خالد."
"حاضر حاضر. نفطر ونمشي."
بعد الفطار حمل خالد حقائبه وتوجه للباب مع زوجته. وقف صالح وأحلام يودعاهما. قال خالد.
"أشوف وشكم بخير."
"أنا جي معك أوصلك للمحطة."
"مالهوش لزوم. المشوار مش طويل."
"ما ينفعش خالص يا خا..."
"قبل ما تحلف. أحنا مش هنسافر على طول. أنا عاوز أفرج مريم على البلد. هي ما أتفسحتش في أسيوط قبل كدة. ما شافتش منها غير المحطة."
"ماشي يا ابن عمي. الزيارة ده ما تتحسبش. إن شاء الله المرة الجاية تقعد معنا اكتر من كدة."
"إن شاء الله."
عانق خالد إبن عمه وعانقت مريم أحلام.
"نورتونا الشوية الصغيرين دول."
"ده نورك يا حبيبتي."
"كان نفسي تقعدوا معنا شوية."
"معلش علشان ظروف شغل خالد."
"خدي بالك من نفسك."
"حاضر. أشوف وشك بخير."
"مع السلامة. ربنا يحفظكم يا رب."
* * *
"هنروح على فين دلوقت؟"
سألت مريم زوجها.
"تعالي أقعدك على النيل شوية."
"ماشي يا سيدي."
أخذ خالد مريم لأحد النوادي على النيل. جلسا معا يستمتعان بالهدوء وجمال الطبيعة.
"النيل هنا شكله حلو قوي. بيتهيأ لي أكبر من النيل في مصر."
"فعلا هنا النيل أعرض من مصر. وكمان المكان هنا هادئ ومفيش زحمة زي مصر. وأحسن حاجة النظافة هنا غير خالص كورنيش النيل في القاهرة."
"فعلا المكان هنا ساحر."
بعد العصر قال خالد لمريم.
"قومي بينا."
"على فين؟ خلاص هنسافر؟"
"لا أنا حاجز قطر الساعة 10 بالليل."
"أمال هنروح فين دلوقت؟"
"هنروح الفندق نريح شوية علشان أنت مش بتعرفي تنامي في القطر. وبعدين نبقى نشوف هنعمل أيه."
ذهبا الإثنان لفندق اللوتس وحجز خالد غرفتين منفصلتين له ولزوجته. توجها لغرفتيهما وفتح خالد باب غرفة ودخل فتح النوافذ وتفقد الغرفة وقال لزوجته التي كانت واقفة على عتبة الباب.
"ده غرفتك. وأنا في اللي جنبك على طول."
دخلت مريم وأقتربت من السرير وأنحنت تتلمس ملاءته وقالت لخالد وعلامات الإستياء ظاهرة على ملامحها.
"المكان مش نظيف خالص يا خالد. الملايات واضح أنها مش نظيفة."
خرج خالد من الحمام وقال لزوجته.
"الحمام كمان أخر قرف."
"هنقعد هنا أزاي؟"
"دقيقة واحدة."
أخرج خالد هاتفه وأجرى مكالمة. سألته زوجته بعدما أنتهى من محادثته.
"أتصلت بمين؟"
"ده الأستاذ محمد المحامي بتاعي. قولت له على كل اللي حاصل هنا."
"طيب ليه؟ ما نروح أي فندق تاني. المحامي هيعمل لنا أيه هنا؟"
"يا مريم الفندق ده بتاعي. أنا مش ممكن أسيبه بالحالة المقرفة ده."
"أيه ده يا خالد؟ هو ده الفندق بتاعك؟ وأزاي مقرف كدة؟"
"أنا هتصرف دلوقت."
ألتقط خالد العديد من الصور لغرفة الفندق وللحمام الملحق بها. سألته زوجته أثناء إلتقاط الصور.
"بتعمل أيه؟"
"الأستاذ محمد قال لي لازم أجمع أدلة على الإهمال في الفندق. علشان يقدر يقدمها للمجلس الحسبي ونغير المدير."
تنهدت مريم وقالت له.
"يعني حتى اليوم اللي هنتفسح فيه برضه فيه شغل."
أقترب خالد منها وملس على ذراعيها ونظر لعينيها بحنان وقال.
"أعمل أيه يا حبيبتي. ما أنت عارفة مش بقدر أجي أسيوط كتير. وده فرصة أننا دخلنا الفندق زي أي زبون علشان نشوف البلاوي اللي فيه. لو عرفوا أني أنا خالد صاحب الفندق كانوا دخلونا في غرف أنظف من كدة وما كناش عرفنا أي حاجة."
"طيب يا سيدي شوف شغلك أنت. المهم أنا قرفانة حتى أقعد على الكراسي. هنفضل واقفين كدة طول النهار."
فتح خالد حقيبة السفر وأخرج منها فوطة وفرشها على كرسي. ثم أخرج طرحة كبيرة وفرشها على السرير وقال لزوجته.
"نمشي حالنا بس الساعتين اللي قاعدينهم هنا. ريحي دلوقت ونامي وبعد ما نصحى ننزل نلف شوية وسط البلد."
"ماشي يا سيدي."
بعد ساعتين خرج خالد ومريم من الفندق وتجولا معا في الطرقات. أستمتعا معا كثيرا ونسيا تماما ما حدث في الصباح مع سعاد. دخلا السينما وشاهدا فيلما معاً. أنتهى اليوم وهما في قمة سعادتهما وتوجها لمحطة القطار وعادا لمنزلهما في فجر اليوم التالي. بعدما صليا الفجر ناما قليلاً ثم توجه خالد لعمله.
* * *
دخل خالد المطبخ وألقى التحية.
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته."
رد فرحات وحاتم تحيته.
"وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته."
رفع فرحات حاجبه وسأل خالد.
"أيه يا أبني مش قولت هتاخد أجازة ثلاث أيام."
أقترب خالد وأئتزر فوطة على جسده وأجاب فرحات.
"عادي رجعت بدري من البلد فقولت بلاش أضيع أجازتي على الفاضي."
"كويس علشان أجازة نص السنة الشغل زايد ومحتاجين الكل معنا. حتى في واحد جه يتدرب هنا جديد."
عقد خالد حاجبيه وسأله.
"مين؟"
"واحد طالب في المدرسة معك. هو جوا في المخزن بيجيب دقيق."
قطع حديثهم خروج أحدهم من المخزن وإقترابه منهما. نظر له خالد وتعجب لوجوده وسأله.
"حسام! أنت بتعمل أيه هنا؟"
"خالد! أنت بتشتغل هنا؟"
أبتسم فرحات وتوسطهما وحاوطهما بذراعيه وقال.
"كويس طلعتوا تعرفوا بعض."
نظر حسام لخالد وقال.
"أحنا بس مش نعرف بعض. أحنا أصحاب من سنين. خالد معي في الفصل ومعي في فريق الكورة كمان."
أبتسم خالد نصف إبتسامة وقال.
"فعلا أحنا نعرف بعض من سنين."
"خلاص يا خالد عرفه أنت بقى أماكن كل حاجة هنا في المطبخ والنظام هنا أيه."
"حاضر يا شيف."
مر يوم العمل كالمعتاد بالنسبة لخالد. عاد بعد ذلك لمنزله وأستقبلته زوجته.
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته."
"وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته."
دخل خالد غرفته ليبدل ملابسه وتبعته زوجته لتعاونه. قالت له مريم وهي تناوله ملابسه.
"خمس دقائق وأجهز لك الأكل."
قال لها خالد وهو يرتدي ملابسه.
"لا أنا تعبان وعاوز أنام."
"طيب أنت أكلت حاجة؟"
"ايوة أكلت في الفندق."
"مالك شكلك مضايق. حصلت حاجة في الفندق؟"
تنهد خالد وجلس على السرير. جلست مريم بجواره وملست على ظهره بكفها الصغير وسألته.
"في أيه؟"
"في واحد جه يتدرب معنا في الفندق."
"طيب وفيها أيه؟"
"ما فيهاش حاجة. لكن الواحد ده يبقى حسام زميلي."
"حسام اللي سرق الموبايلات؟"
أومأ خالد برأسه.
"طيب وأنت هتعمل أيه؟"
"مش عارف."
"هو يقدر ياخد حاجة من الفندق. يعني ياخد فلوس ولا حاجة؟"
"لا هو مجرد متدرب دلوقت. يعني مالهوش أي دعوة بشراء الحاجة."
"خلاص يا خالد. يبقى مفيش منه ضرر. وما تضايقش نفسك على الفاضي. ولو حصل منه حاجة قول لعم فرحات."
"ربنا ييسر وما يحصلش حاجة."
"سيبها على الله وإن شاء الله خير."
"ونعم بالله."
* * *
كان خالد يقضي فترة راحته في المخزن مع فرحات يشربان الشاي. سأل فرحات خالد.
"قول لي أنت تعرف حسام كويس؟"
عقد خالد حاجبيه وأجابه.
"أيوة أعرفه من قبل ما أدخل المدرسة. أشمعنى؟"
"أصله عاوز يشتغل هنا معنا في المطبخ. والأستاذ سامي طالب رأيي فيه. أنا شايفة ولد مجتهد وكمان لماح. لكن ما أعرفهوش كويس علشان أطمن له يشتغل معنا."
أرتشف خالد من كوب الشاي وسأله.
"هو مين اللي جابه يتدرب هنا من أصله؟"
"الأستاذ محمود في الإستقبال يبقى جار عمته تقريبا أو قريبته مش عارف. المهم هو اللي جابه هنا وقال لي أنه ما يضمنهوش لكنه زهق من إلحاح عمة حسام كل يوم تكلمه على أنه يشغله معنا هنا. أنت رأيك نشغله معنا؟"
تهرب خالد من الإجابة وقال.
"اللي فيه الخير يعمله ربنا."
عندما حان وقت الإنصراف أصر حسام على الخروج مع خالد.
"خدني في طريقك يا خالد."
نظر خالد لحسام بإستغراب وقال له.
"لكن أنا طريقي بعيد عن طريقك."
أقترب حسام من خالد ولف ذراعه حول كتف خالد وقال.
"لا أبدا. أصل النهاردة رايح مصر الجديدة أزو واحد قريبي."
"ماشي تعالى معي."
غادرا الإثنان الفندق وأستقلا الحافلة معا. جلس حسام بجوار خالد وبدأ الحوار.
"شكل الشيف فرحات بيحبك قوي."
"فعلا. هو رجل طيب جداً"
"أنت تعرفه من زمان؟"
"أيوة كان صديق والدي الله يرحمه."
"الله يرحمه."
مكثا الإثنان معا في صمت لعدة دقائق حتى قطعه حسام قائلاً.
"عاوز منك خدمة."
ألتفت له خالد وسأله.
"خير؟"
"عاوزك توصيه علي. يعني قول له قد أيه أنا شاطر في المطبخ وكدة. أصل بصراحة عاوز أشتغل في الفندق مش مجرد تدريب. والموضوع واقف على كلمة من الشيف فرحات. وبما أنك قريب منه هتقدر تشهد لي عنده."
أرتبك خالد وقال له.
"لكن أنا مجرد عامل في المطبخ. أنا حتى ما كملتش سنة شغال. كلمتي مش هيبقى لها أي تأثير."
"لا يا خالد. أنا شوفت أزاي الشيف بيعزك ويحترمك. وأكيد كلمتك هتكون لها تقلها. أرجوك كلمه عني."
"بلاش يا حسام. خليني أنا برا الموضوع ده."
"بس يا خالد أنا ماليش غيرك في الفندق ده. أرجوك كلمه علشان خاطري."
نظر له خالد محذراً وقال له.
"لو كلمته يا حسام هقول الصراحة."
"قول له. وأنا مش عاوز غير الصراحة."
"هقول الحلو والوحش."
"ماشي. قول له كل اللي أنت عاوزه."
"ربنا ييسر اللي فيه الخير."