رواية لا تترك يدي الفصل التاسع والثلاثون 39 بقلم هند رفاعي


 رواية لا تترك يدي الفصل التاسع والثلاثون 

"ما تريحني يا ابني وترسيني على بر. أنا بقالي أسبوع بسألك عن الموضوع ده وأنت بتتهرب."
"مش حكاية بتهرب يا عم فرحات."
"أمال أيه يا خالد؟ كذا مرة أسألك عن حسام ده وأنت رافض تديني عقاد نافع."
وضع خالد كوب الشاي الفارغ على الأرض وأجاب فرحات.
"مش كدة. هو يا سيدي شاطر جدا. وبياخد أعلى الدرجات في العملي عندنا. وذكي ولماح...."
أشار فرحات له بيده ليكمل وسأله.
"لكن؟"
"لكن بيمد أيده."
أقترب منه فرحات خطوتين وسأله.
"نعم؟ يعني أيه بيمد أيده؟"
"الله أعلم أنا مش في أيدي دليل. لكن حصلت كتير حالات سرقة وكان هو الوحيد اللي مشترك في كل الحالات."
"أزاي؟"
قص خالد لفرحات ما حدث من حسام في المدرسة والمصيف. فقال فرحات.
"لو كدة يبقى ما ينفعش نشغله. ممكن يمد أيده على أي حاجة محطوطة. أحنا بنشتغل وبنرمي موبايلاتنا ومحافظنا في أي مكان ومطمنين أن المكان أمان. لكن لو كدة يبقى بلاها."
"أنا بصراحة ما كنتش عاوز أحكي لك علشان كدة. أنا ما أعرفش ظروفه أيه؟ هي عيلته مستواها كويس. والمفروض انه مش محتاج لحاجة. لكن ظروفه في البيت صعبة. وما أعرفش لو أشتغل وبقى معاه فلوس تحت أيده ممكن يبطل السرقة ولا لأ؟ علشان كدة كنت بتهرب من سؤالك. لكن ده شهادة وما أقدرش أكدب عليك. وهو نفسه طلب مني أشهد له عندك. ما يعرفش أني عارف حقيقته. بس طبعا يا عم فرحات ما تجيبش سيرة للكلام ده لأي حد."
"عيب يا خالد هو ده كلام يتقال."
"ربنا يهديه ويتوب عليه ويغفر له يا رب."
"يا رب."
* * *
بعد أسبوع كان خالد يضع بعض البهارات على الحساء عندما عصف حسام للمطبخ وصاح فيه.
"خالد. بقى أنا حرامي؟ أنا سرقتك قبل كدة؟"
أرتبك خالد لثورة حسام ونظر لفرحات الذي طأطأ رأسه في خجل. فسأل خالد حسام متلعثماً.
"نعم؟.... مين قال كدة؟"
أقترب حسام منه ووجه سبابته لخالد وثار فيه.
"أنت اللي قولت كدة. عم محمود بلغني دلوقت أن رفضوا يشغلوني هنا في الفندق علشان الشيف فرحات قال له أني حرامي. واحد زميلي بلغهم أني سرقت موبايلات وفلوس. وأظن مفيش هنا حد زميلي غيرك. بقى أنا يا خالد حرامي."
تأكد خالد من عدم جدوى الإنكار فأعترف بالحقيقة وقال له.
"أنا قولت اللي أعرفه. وانت نفسك اللي طلبت مني أني أقول كل اللي أعرفه. وده شهادة واطلبت مني وكان لازم أقول الحقيقة."
نظر حسام له بتحدي وقال بنبرة هادئة باردة.
"ماشي يا خالد. بس أفتكر أني أنا كمان ممكن قوي أقول اللي أعرفه عنك."
رفع خالد حاجبه وسأله.
"وأنت تعرف أيه بقى عني؟"
لف حسم بنظره على المطبخ كله ولاحظ إنتباه العاملين جميعا للحديث الدائر وقال بصوت مسموع للجميع.
"أعرف أنك جايب واحدة عايشة معك في الحرام بقالها سنتين دلوقت."
جذب خالد حسام من ياقته وقال له محذراً وشرر الغضب يتطاير من عينيه.
"أخرص. أياك تجيب سيرتها تاني."
سقطت المغرفة من يد فرحات على الأرض. رنين صوتها جذب إنتباه الشابان. ترك خالد ياقة حسام. وسأل فرحات خالد.
"صحيح الكلام اللي بيقوله ده يا خالد. أنت عايش مع واحدة بقالك سنتين؟"
رفع خالد رأسه ونظر بكبرياء لفرحات وأجابه.
"أيوة يا عم فرحات. عايش مع مراتي بقالي سنتين."
شحب وجه حسام وتمتم.
"مراتك؟"
أجابه خالد.
"أيوة مراتي. عندك أي مشكلة."
نظر حسام لخالد بتحدي وقال له.
"بس أنت ممنوع تتجوز طول ما أنت في المدرسة. يعني لو الخبر ده وصل المدرسة هتتفصل."
هز خالد كتفيه وقال له بثبات.
"عادي روح قول لهم في المدرسة. مفيش أي دليل معك مجرد كلام مش أكتر. مش هتقدر تثبت أي حاجة."
"ماشي يا خالد. لكن أنا مش هسيبك. واللي عملته ده أنا مش هأنساه لك أبدا."
"أعلى ما في خيلك أركبه."
خرج حسام من المطبخ وهو يتوعد خالد. أنتظر خالد حتى أختفى حسام تماما من الأنظار ثم نظر لفرحات نظرة عتاب وترك المطبخ ودخل المخزن ليختلي بنفسه. تبعه فرحات ووجده يمشط غرفة المخزن جيئة وذهابا. أقترب فرحات ووقف أمامه وقال.
"سامحني يا خالد ما كنتش أعرف أن الموضوع هيوصل لكدة."
نظر له خالد بضيق وقال له.
"أنا قولت لك يا عم فرحات ما تقولش لحد على الكلام اللي قولته لك. شوف اللي حصل دلوقت. ما كنتش عاوز الموضوع يكبر للدرجة ده."
"معلش يا خالد. الأستاذ محمود أصر يعرف السبب ليه رفضت تعينه هنا معنا وأضطريت أقول له الكلام اللي أنت قولته لي. لكن ما قولتش أسمك."
أبتسم خالد إبتسامة ساخرة وقال له.
"مش محتاج يعرف أسمي. أنا الوحيد اللي أعرف حسام هنا."
"معلش ما تضايقش نفسك."
"ما أضايقش نفسي أزاي؟ أنا ما كنتش عاوز المواجهة ده. وكمان ربنا وحده عالم أيه اللي في دماغه. ربنا يستر وما يعمليش مشاكل في المدرسة."
تذكر فرحات ما دار بين خالد وحسام وتهديد حسام له وسأل خالد.
"صح يا خالد أنت متجوز؟"
جلس خالد على كرسي ودفن رأسه بين كفيه وأجابه.
"ايوة يا عم فرحات. متجوز من سنتين تقريبا. فاضل كام شهر وأكمل سنتين."
"طيب ليه ما قولتش قبل كدة؟"
"أديك سمعت بودانك. لو المدرسة عرفت هتفصل. وهيضيع تعب خمس سنين على الفاضي. وكمان لسة جوازنا ما أتسجلش علشان سننا صغير."
حاول فرحات تغيير الموضوع لتهدئة التوتر فسأل خالد.
"بس أنت كنت مستعجل قوي على الجواز وشيل الهم."
نظر خالد للأعلى له وقال.
"ولا كنت مستعجل ولا حاجة. عمي إبراهيم الله يرحمه أصر أني أتجوز علشان ما أقعدش لوحدي في الشقة."
"عين العقل. عاوز الصراحة."
عقد خالد حاجبيه وسأله.
"خير؟"
"انا كان نفسي أجوزك بنتي. لكن نقول أيه كل شيء نصيب."
أبتسم خالد وقال له.
"الله يكرمك يا عم فرحات. بناتك زي الذهب وإن شاء الله ربنا هيكرمهم أكبر كرم."
ربت فرحات على كتف خالد وقال له.
"وأنت كمان يا خالد قلبك أبيض وتستاهل كل خير."
تذكر خالد شيئا وفز من مكانه وقال وهو يسرع لباب المخزن.
"زمان الصلصة شاطت."
ضحك فرحات وتبعه للمطبخ وقال له.
"يا فالح أنا طفيت النار قبل ما أسيب البوتاجاز."
تنهد خالد وابتسم له وقال.
"ربنا يخليك لنا يا رب."
* * *
"مالك يا خالد؟ النهاردة من وقت ما رجعت وأنت شكلك مضايق. حصل حاجة؟"
سألت مريم زوجها وهما راقدان على السرير في المساء.
"عادي حصلت حاجة نفرزتني شوية في الشغل."
لفت مريم بجسدها تجاه زوجها وسألته بإهتمام.
"خير حصل أيه؟"
قص خالد عليها ما حدث في الفندق بينه وبين حسام وفرحات. عقدت مريم حاجبيها وسألته.
"وبنت عم فرحات ده بقى حلوة اللي عاوز يجوزها لك؟"
ضحك خالد وسألها.
"هو ده كل اللي يهمك في الموضوع. مش مشكلة بالنسبة لك تهديد حسام ولا الموقف اللي اتحطيت فيه وكل اللي همك في الموضوع هو كلمة عم فرحات انه عاوز يجوزني بنته."
نظرت له مريم بغضب وقالت له.
"طبعا ده اللي يهمني. موضوع حسام وأنت قولت مفيش في أيده أي حاجة يعملها. والمدرسة وخلاص إن شاء الله كلها ثلاث شهور وتخلص منها خالص ومفيش حد يقدر يهددك بعد كدة. لكن بقى مجرد فكرة ان حد عاوز يجوزك بنته ده اللي تجنني أنا."
مال خالد وقبل جبهتها وضمها إلى صدره وقال لها.
"ما تقلقيش يا ستي. أنا مش ناوي أتجوز تاني دلوقت. مش لما أقدر أثبت جوازنا الأول أبقى أدور على جواز تاني."
رفعت مريم رأسها ونظرت له وقالت؟
"نعم؟ يعني أيه كلامك ده؟ معنى كدة أن اللي مانعك تتجوز تاني أنك لسة ما تقدرش تثبت جوازنا."
كتم خالد إبتسامته وقال بجدية.
"طبعا! أمال أيه اللي هيمنعني أتجوز تاني. الحمد لله مقتدر ماليا وصحيا وألف من تتمناني. أنت ما بتشوفيش البنات في الفندق ولا في المدرسة بيعملوا أيه علشان بس أبص لواحدة فيهم."
أستدارت مريم بجسدها بعيدا عنه وقالت له بصوت مهزوز.
"خلاص روح للبنات بتوعك. قاعد هنا معي ليه؟"
دس خالد ذراعه تحت جسدها وأدارها ناحيته وضمها إليه وقال بصوت حنون.
"قاعد هنا علشان أنت مراتي حبيبتي."
شاحت مريم بوجهها بعيدا عنه وقالت له.
"بس بقى أنا زعلانة منك."
قربها منه أكثر وقبلها مرة ثانية وقال لها.
"وأنا ما أقدرش على زعلك."
* * *
أرتدى خالد ملابس الخروج وتعطر بعطره الآخاذ وتوجه للباب ثم ألتفت لزوجته وقال لها.
"راجعي كويس علشان إن شاء الله أرجع من صلاة الجمعة وأسمع لك."
لمعت عين مريم بالدموع وقالت له.
"حاضر. ترجع بالسلامة يا رب."
بعد ساعة جلست مريم على الكرسي المواجه لخالد والدموع تنهمر من عينيها وهي تردد عليه ما حفظته خلال الإسبوع.
" . آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ . ."
مسح خالد دموعه وقال لها بصوت متحشرج من البكاء.
"مبارك يا مريم. أنت كدة ختمت القرآن."
علت شهقات مريم من البكاء. وبعد لحظات قليلة أرتمت في حضن زوجها ودفنت رأسها في صدره. حاوطها خالد بذراعه وملس على شعرها بالآخرى وحاول تهدئتها بالرغم من بكاءه.
"بس يا مريم. بتعيطي ليه دلوقت؟"
أستمرت مريم في بكاءها ولم تجبه. بعد دقائق قليلة مسك كتفيها بيده وأبعدها عنه برقة ونظر في عينيها وسألها.
"بتعيطي ليه؟"
مسحت مريم دموعها بيدها وأجابته وهي مستمرة في البكاء.
"ما أنت كمان بتعيط."
أبتسم خالد وقال لها.
"طيب أنا بطلت أهه. هتبطلي أنت كمان؟"
أومأت مريم برأسها وأستمرت في بكاءها. بعد دقيقتان قالت له بصوت ضعيف من البكاء.
"مش قادرة أتخيل أني حفظت القرآن خلاص. بجد يا خالد أنا عمري ما أقدر أوفي لك حقك. من غيرك ما كنتش أبدا أقدر أوصل لكدة. أنا ما كنتش بعرف أصلي. دلوقت الحمد لله بصلي وأقرأ قرآن وحفظته كمان. أنا جميلك ده عمري ما أنساه أبدا."
مسح خالد دموعها بيده وقال لها.
"جميل أيه بقى؟ أنت اللي تعبت وأنت اللي حفظت مش أنا."
"بس يا خالد أنا من غيرك ما كنتش أعرف أي حاجة أبدا. ربنا ما يحرمني منك أبدا. أنت لو طلبت مني روحي ما تكفيش اللي عملته لي."
مسح خالد على خدها وأزاح خصلات من شعرها الحريري الذهبي عن وجهها وقال لها.
"ما تقوليش كدة. وكمان عاوزك تجهزي علشان أنا أخدت ميعاد مع شيخ الجامع إن شاء الله بعد شهر تسمعي له علشان تاخدي الإجازة"
فغرت عينين مريم ولمعت من السعادة وسألته.
"نعم؟ بجد يعني أنا ممكن أخذ الإجازة؟"
"أيوة. لكن خلي بالك إمتحان الشيخ مش بيبقى أي حاجة. ده أنت لازم تراجعي كويس قوي. علشان هيسمع لك القرآن كله. فعاوزك ترفعي رأسي."
فرحت جدا مريم لما سمعت وقالت له.
"حاضر. إن شاء الله مش هكسفك. بإذن الله هأرفع رأسك قدامه."
أبتسم خالد لها وجذبها لحضنه مرة ثانية.

تعليقات



×
insticator.com, 6ed3a427-c6ec-49ed-82fe-d1fadce79a7b, DIRECT, b3511ffcafb23a32 sharethrough.com, Q9IzHdvp, DIRECT, d53b998a7bd4ecd2 pubmatic.com, 95054, DIRECT, 5d62403b186f2ace rubiconproject.com, 17062, RESELLER, 0bfd66d529a55807 risecodes.com, 6124caed9c7adb0001c028d8, DIRECT openx.com, 558230700, RESELLER, 6a698e2ec38604c6 pmc.com, 1242710, DIRECT, 8dd52f825890bb44 rubiconproject.com, 10278, RESELLER, 0bfd66d529a55807 video.unrulymedia.com, 136898039, RESELLER lijit.com, 257618, RESELLER, fafdf38b16bf6b2b appnexus.com, 3695, RESELLER, f5ab79cb980f11d1